الحقائق في تاريخ الاسلام

الحقائق في تاريخ الاسلام8%

الحقائق في تاريخ الاسلام مؤلف:
تصنيف: كتب متنوعة
الصفحات: 495

الحقائق في تاريخ الاسلام
  • البداية
  • السابق
  • 495 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 193477 / تحميل: 7472
الحجم الحجم الحجم
الحقائق في تاريخ الاسلام

الحقائق في تاريخ الاسلام

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

إليك كتاب الله تبعتك وإن جرّك إلي تبعتني: زعمت إني لم أُعط ذلك إلا من شك، فقد علمتُ أن أوثق ما في يدك هذا الأمر فحدّثني ويحك عن اليهودي والنصراني ومشركي العرب أهم أقرب إلى كتاب الله أم معاوية وأهل الشام؟ قال: بل معاوية وأهل الشام أقرب. قال عليّ: أفرسول الله (ص) كان أوثق بما في يديه من كتاب الله أو أنا؟ قال: بل رسول الله. قال: أفرأيت الله تبارك وتعالى حين يقول: ( قُلْ فَأْتُوا بِكِتابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدى‏ مِنْهُما أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقين‏ ) ، أمَا كان رسول الله يعلم أنه لا يؤتى بكتاب هو أهدى مما في يديه؟ قال: بلى. قال: فلِمَ أعطى رسول الله القوم ما أعطاهم؟ قال: إنصافاً وحجة. قال: فإني أعطيت القوم ما أعطاهم رسول الله. قال ابن الكوّاء: فإني أخطأت، هذه واحدة، زدني! قال عليّ: فما أعظم ما نقمتم عليّ؟ قال: تحكيم الحكمين، نظرنا في أمرنا فوجدنا تحكيمهما شكاً وتبذيراً. قال عليّ: فمتى سُمّي أبو موسى حكماً؟ حين أرسل أو حين حكّم؟ قال: حين أرسل. قال: أليس قد سار وهو مسلم وأنت ترجو أن يحكم بما أنزل الله؟ قال: نعم. قال عليّ: فلا أرى الضلال في إرساله. فقال ابن الكوّاء: سمي حكماً حين حكّم. قال: نعم، إذاً فإرساله كان عدلاً. أرأيت يا ابن الكواء لو أن رسول الله بعثت مؤمناً إلى قوم مشركين يدعوهم إلى كتاب الله، فارتدّ على عقبه كافراً، كان يضرّ نبيّ الله شيئاً؟ قال: لا، قال عليّ: فما كان ذنبي إن كان أبو موسى ضلّ، هل رضيت حكومته حين حكم أو قوله إذ قال؟ قال ابن الكوّاء: لا، ولكنّك جعلت مسلماً وكافراً يحكمان في كتاب الله. قال عليّ: ويلك يا ابن الكوّاء!! هل بعثَ عمراً غيرُ معاوية، وكيف أحكّمه وحُكمه على ضرب عنقي! إنما رضي به صاحبه كما رضيت أنت بصاحبك، وقد يجتمع المؤمن والكفر يحكمان في الله. أرأيت لو أن رجلاً مؤمناً تزوّج يهودية أو نصرانية فخافاً شقاق بينهما، ففزع الناس إلى كتاب الله، وفي كتابه:( فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها ) فجاء رجل من اليهود أو رجل من النصارى ورجل من المسلمين الذين يجوز لهما أن يحكما في كتاب الله، فحكما. قال ابن الكوّاء: وهذه أيضاً، أمهِلنا حتى ننظر. فانصرف

٤٠١

عنهم عليّ.(١)

الإمامة والسياسة: لما خرج جميع الخوارج وتوافوا إلى النهروان، قام عليّ بالكوفة على المنبر: فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد، فإن معصية العالم الناصح تورث الحسرة وتُعقّب الندامة، وقد كنت أمرتكم في هذين الرجلين وفي هذه الحكومة بأمري فأبيتم إلا ما أردتم، فأحييا ما أمات القرآن وأماتا ما أحيى القرآن، واتّبع كلّ واحد منهما هواه يحكم بغير حجة ولا سنة ظاهرة، واختلفا في أمرهما وحكمهما، فكلاهما لم يُرشد الله، فبريء الله منهما ورسوله وصالحو المؤمنين. فاستعدّوا للجهاد.(٢)

أقول: فنشير إلى جملات من أحاديث هذه الفتنة بالترتيب ليعتبر من اعتبر وينكشف الحق.

١ - كان علي مع الحق والحق معه.

٢ - إن الخوارج قوم عُصاة لله ولرسوله. الخوارج هم الشُراة الأنجاس. إن أنفسكم سوّلت لكم فراقَ هذه الحكومة. هم شرّ البرية، هم شرّ الخلق. الخوارج كلاب النار. إنهم يتأوّلون القرآن على ما يَهوون. بماذا تستحلّون قتالنا والخروج من جماعتنا. يمرقون من الدين. يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم. لا تجاوز صلاتهم تراقيهم. فإنهم قد سفكوا الدم الحرام. حتى قطعوا السبيل وسفكوا الدماء بغير حق.

٤ - فرددتم عليّ رأيي وقلتم: لا. أنتم ابتدأتموها وسألتموها وأنا لها كاره. فأبيتم عليّ إباء المخالفين. فقلت: لا نرضى إلا أبا موسى. فإن معصية العالم النّاصح تورث الحسرة. فأبيتم إلا ما أردتم.

٥ - اشترطت على الحَكمين أن يُحييا ما أحيا القرآن. إنا لسنا حكّمنا الرجال إنما حكّمنا القرآن، فأخذنا عليهما أن يحكما بما في القرآن ولا يعدواه فتاه

____________________

١ - العقد الفريد، ج٤، ص٣٥١.

٢ - الإمامة والسياسة، ج١، ص١١٩.

٤٠٢

وتركا وإن أبيا فنحن من حكمهما بُرآء.

٦ - فتاها وتركا الحق وهما يَبصرانه وكان الجور هواهما. فأحييا ما أمات القرآن وأماتا ما أحيى القرآن واتبع كل واحد منهما هواه يحكم بغير حجة ولا سنة.

٧ - قال النبي (ص): فاقتلوهم هم شرّ البرية. وقال: يمرقون من الإسلام مروق السهم. وقال: لئن أدركتهم لأقتلنّهم قتل ثمود. وقال: فيلي قتلهم أولى الطائفتين بالحق. وقال: لئن أنا أدركتهم لأقتلنّهم قتل عاد. وقال: طوبى لمن قتلهم.

٤٠٣

فتنة:

قتل أمير المؤمنين عليّ (ع)

السيرة النبوية: ثم قال رسول الله (ص): ألا أُحدثكما بأشقى الناس رجلين؟ قال بلى يا رسول الله (ص)، قال: أحيمر ثمود الذي عقر الناقة، والذي يضربك يا عليّ على هذه - ووضع يده على قرنه - حتى يبلّ منها هذه وأخذ بلحيته.(١)

مستدرك الحاكم وخصائص النسائي: عن عمار بن ياسر قال: كنت أنا وعليّ بن أبي طالب رفيقين في غزوة العشيرة فنمنا، فوالله ما أهبنا إلا رسول الله (ص) يُحرّكنا برجله، وقد تربنا من تلك الدفعاء التي نمنا عليها، فيومئذٍ قال رسول الله (ص) لعليّ (رضي الله عنه): ما لك يا أبا تراب ؛ لما يُرى عليه من التراب، ثم قال: ألا أحدّثكما بأشقى كما فيالسيرة .(٢)

الطبقات: أن النبي (ص) قال لعلي: يا عليّ، مَن أشقى الأولين والآخرين؟ قال: الله ورسوله أعلم، قال: أشقى الأولين عاقر الناقة، وأشقى الآخرين الذي يطعنك يا عليّ، وأشار إلى حيث يُطعن.(٣)

ويروي أيضاً: عن أبي الطفيل: دعا عليّ الناس إلى البيعة، فجاء عبد الرحمن بن ملجم المراديّ فردّه مرتين، ثم أتاه فقال: ما يحبس أشقاها لتُخضبنّ أو لتُغبضنّ هذه من هذا، يعني لحيته من رأسه، ثم تمثّل بهذين البيتين.

____________________

١ - السيرة النبوية، ج ٢، ص٢٥٠.

٢ - مستدرك الحاكم، ج ٣، ص١٤١ وج ٤، ص٢٦٣، وخصائص النسائي، ص٢.

٣ - الطبقات، ج ٣، ص٣٥.

٤٠٤

اشدد حيازيمك للموت فإن الموت آتيك

ولا تخرج من القتل اذا حلّ بواديك

ويروي أيضاً: عن عبيدة قال عليّ: ما يحبس أشقاكم أن يجيء فيقتلني، اللَّهُم قد سئمتهم وسئموني فأرحِهم مني وأرحني منهم.(٢)

الكنى للدولابي: عن أبي حبرة، قال خطبنا عليّ على منبر الكوفة، فقال: ألا أخبركم لتُخضبنّ هذه من هذه - وأومئ إلى لحيته ورأسه - خضاب دم لا عطر ولا عبير.(٣)

ويروي أيضاً: عن أبي سنان الدؤلي، قال: مرض عليّ مرضاً شديداً حتى خفنا عليه، ثم برأ ونَفه، فقلنا: هنيئا لك يا أبا الحسن، الحمد لله الذي عافاك، قد كنّا خفنا عليك، قال: لكنّي لم أخف على نفسي ؛ أخبرني الصادق المصدوق أني لا أموت حتى تضرب على هذه - وأشار إلى مقدّم رأسه الأيسر - فتخضب هذه منها - وأخذ بلحيته - وقال لي: يقتلك أشقى هذه الأمة.(٤)

ويروي أيضاً: عن عمار بن ياسر، فيومئذٍ قال رسول الله (ص) لعليّ: مالك يا أبا تراب - لما يرى عليه من التراب - فقال: ألا أحدّثكما بأشقى الناس رجلين؟ فقلنا: بلى يا رسول الله، فقال: أحيمر ثمود الذي عقر النقاة، والذي يضربك يا عليّ على هذا - فوضع يده على قرنه - حتى يبلّ منها هذه، ثم أخذ بلحيته.(٥)

الاستيعاب: جاء عبد الرحمن بن ملجم يستحمل علياً فحمله، ثم قال:

أريد حياته ويُريد قتلي

عَذيري من خليلي من مراد

أما أن هذا قاتلي! قيل: فما يمنعك منه؟ قال: إنه لم يقتلني بعد.(٦)

العقد الفريد: أنّ النبي (ص) قال لعليّ (ع): ألا أخبرك بأشدّ الناس عذاب

____________________

١ - نفس المصدر، ص٣٣.

٢ - نفس المصدر، ص٣٤.

٣ - الكنى للدولابي، ج ١، ص١٤٣.

٤ - نفس المصدر، ص١٩٥.

٥ - الكنى للدولابي، ج ٢، ص١٦٣.

٦ - الاستيعاب، ج ٣، ص١١٢٧.

٤٠٥

يوم القيامة؟ قال: أخبرني يا رسول الله (ص) قال: فإن أشدّ الناس عذاباً يوم القيامة عاقر ناقة ثمود وخاضب لحيتك بدم رأسك.(١)

تهذيب ابن عساكر: أن علياً قال لأهل العراق: إن بسر بن أرطأة قد صعد إلى اليمن ولا أحسب هؤلاء القوم إلا ظاهرين عليكم، يعني أهل الشام، وما ذاك لأنهم أولى بالحق منكم، ولكن ذلك لاجتماعهم على أمرهم وافتراقكم واختلافكم في بلادكم، وأدائهم الأمانة وخيانتكم، والله لقد ائتمنت فلاناً فخان، وفلاناً فخان، وبعثت فلاناً على جمع الصدقات فحمل ما جمع من المال وانطلق به إلى معاوية، ولقد خُيّل لي أني لو ائتمنت أحدكم على قدح لسرق علاقته. اللَّهُم إني مللتهم وملّوني، اللَّهُم اقبضني إلى رحمتك وأبدلهم بي من هو شر لهم منّي.(٢)

العقد الفريد: قال الحسن بن عليّ صبيحة الليلة التي قتل فيها عليّ بن أبي طالب (رض): حدّثني أبي البارحة في هذا المسجد، فقال: يا بنيّ، إني صلّيت البارحة ما رزق الله ثم نمت نومة فرأيت رسول الله (ص)، فشكوت له ما أنا فيه من مخالفة أصحابي وقلة رغبتهم في الجهاد، فقال لي: ادع الله أن يُريحك منهم فدعوت الله.(٣)

المقاتل: اجتمع بمكة نفر من الخوارج فتذاكروا أمر المسلمين فعابوهم وعابوا أعمالهم عليهم، وذكروا أهل النهروان وترحّموا عليهم، وقالوا: فلو أنا شرينا أنفسنا لله فأتينا أئمة الضلال وطلبنا غِرّتهم فأرحنا منهم العباد والبلاد وثأرنا لإخواننا الشهداء بالنهروان، فتعاقدوا على ذلك عند انقضاء الحج، فقال عبد الرحمن بن ملجم (لعنه الله): أنا أكفيكم علياً، وقال أحد الآخرين: أنا أكفيكم معاوية، وقال الثالث: أنا أكفيكم عمرو بن العاص، فتعاقدوا وتواثقو

____________________

١ - العقد الفريد، ج ٤، ص٣٦٠.

٢ - تهذيب ابن عساكر، ج ٣، ص٢٨٠.

٣ - العقد الفريد، ج ٤، ص٣٦٠.

٤٠٦

على الوفاء.(١)

الاستيعاب: فدخل الكوفة عازماً على ذلك واشترى لذلك سيفاً بألف، وسقاه السم إلى أن وقعت عينه على قطام، وكانت امرأة رائعة جميلة، فأعجبته ووقعت بنفسه، فخطبها، فقالت: آليت ألا أتزوّج إلا على مهر لا أريد سواه، فقال: وما هو؟ فقالت: ثلاثة آلاف وقتل عليّ بن أبي طالب. فقال: والله، لقد قصدتُ لقتل عليّ بن أبي طالب والفتك به، وما أقدمني هذا المصر غير ذلك.(٢)

ويروي: عن الحسن بن علي (ع) قال: سمع أباه في ذلك السحر يقول له: يا بني، رأيت رسول الله (ص) في هذه الليلة في نومة نمتها، فقلت: يا رسول الله، ماذا لقيتُ من أمتك من الأود واللدد؟ قال: ادع الله عليهم، فقلت: اللَّهُم أبدلني بهم خيراً منهم وأبدلهم بي من هو شرّ مني. ثم أتيته وجاء مؤذنه يُؤذنه بالصلاة، فخرج فاعتوره الرجلان، فأما أحدهما فوقعت ضربته في الطاق، وأما الآخر فضربه في رأسه.(٣)

تاريخ الطبري: قال أبو الأسود الدّؤلي

ألا أبلغ معاويةَ بن حربٍ

فلا قرّت عيونُ الشامتينا

أفي شهر الصيام فجعتمونا

بخير الناس طُرّاً أجمعينا

قتلتم خير من ركب المطايا

ورحّلها ومن ركب السفينا

ومن لبس النعال ومن حذاها

ومن قرأ المثاني والمُبينا

إذا استقبلت وجه أبي حسين

رأيت البدر راع الناظرينا(٤)

الاستيعاب: قال بكر بن حماد:

قل لابن ملجم والأقدار غالبة

هدمت ويلك للإسلام أركان

____________________

١ - المقاتل، ص٢٩.

٢ - الاستيعاب، ج ٣، ص١١٢٣.

٣ - نفس المصدر، ص١١٢٧.

٤ - تاريخ الطبري، ج ٦، ص٨٧.

٤٠٧

قتلت أفضل من يمشي على قدم

وأول الناس إسلاماً وإيمانا

وأعلم الناس بالقرآن ثم بما

سن الرسول لنا شرعاً وتبيانا

صهر النبي ومولاه وناصره

أضحت مناقبه نوراً وبرهانا

وكان منه على رغم الحسود له

ما كان هارون من موسى بن عمرانا

ذكرتُ قاتله والدمع منحدر

فقلت: سبحان ربّ الناس سبحانا(١)

أقول: السلام عليك يا حجة الله في خلقه، أشهد أنك جاهدت في الله حق جهاده حتى أتاك اليقين، فلعن الله أمة قتلتك، ولعن الله أمة استخفّت بحرمتك. أشهد أنك قُتلت مظلوماً، فصلَّى الله عليك وعلى أهل بيتك الطاهرين المعصومين المظلومين. اللَّهُم العن العصابة التي ظلمت حق أهل بيت نبيك الأطهار، وإني أبرأ إلى الله منهم ومن أتباعهم وأشياعهم إلى يوم القيامة.

وكنا قبل مقتله بخير

نرى مولى رسول الله فينا

يُقيم الحق لا يرتاب فيه

ويَعدل في العدا والأقربينا

كأنّ الناس إذ فقدوا علياً

نعام حار في بلد سنينا

____________________

١ - الاستيعاب، ج ٣، ص١١٢٨.

٤٠٨

أبو طالب والد عليّ (ع)

مستدرك الحاكم: عن النبي (ص) قال: مازالت قريش كاعة ( جبانة ) حتى توفي أبو طالب.

هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يُخرجاه.(١)

الفائق: قال (ص): ما زالت قريش كاعة حتى مات أبو طالب.(٢)

قالالزمخشري: أي جبناء عن أذاي، وهو جمع كائع.

التهذيب: عن العباس، قلت: يا رسول الله، إن أبا طالب كان يحوطك وينفعك.. فهل تنفعه؟ قال:نعم، وجدته في غمرات النار فأخرجته إلى ضحضاح .(٣)

أقول: الضحضاح بمعنى الضياء والماء القليل، يشير (ص) إلى هدايته والإنقاذ من الضلالة.

تذكرة الخواص: قال أبو طالب:

والله لن يصلوا إليك بجمعهم

حتى أوسّد في التراب رهينا

فاصدع بأمرك ما عليك غضاضة

وابشر وقرّ بذاك منك عيونا

وعرضتَ ديناً لامحالة إنه

من خير أديان البرية دينا

ثم قام أبو طالب يذبّ عن رسول الله (ص) من سنة ثمان من مولده إلى السنة العاشرة من النبوة، وذلك اثنان وأربعون سنة.(٤)

____________________

١ - مستدرك الحاكم، ج ٢، ص٦٢٢.

٢ - الفائق، ج ٢، ص٤٣٩.

٣ - التهذيب، ج ٧، ص٣٤٧.

٤ - تذكرة الخواص، ص٥.

٤٠٩

الطبقات: قال العباس: يا رسول الله، أترجو لأبي طالب؟ قال: كل الخير أرجو من ربي.(١)

أقول: ولا يخفى أن رسول الله (ص) لا يرجو من الله إلا ما يحبّه الله، ولا يطلب رحمة وفضلاً لأحد إلا إذا كان فيه خير وصلاح ورضا من الله تعالى، ولا سيَّما إذا رجا كل الخير، فيدلّ على كمال الاقتضاء.

تذكرة الخواص: الواقدي: قال علي (ع): لما توفِّي أبو طالب أخبرت رسول الله (ص) فبكى بكاءً شديداً، ثم قال: اذهب فغسّله وكفّنه وواره (غفر الله له ورحمه)، فقال العباس: يا رسول الله، إنك لترجو له؟ فقال: إي والله، إني لأرجو له، وجعل رسول الله (ص) يستغفر له أياماً لا يخرج من بيته.

وقال علي (ع) يرثيه:

أبا طالب عصمة المستجير

وغيث المحول ونور الظلم

لقد هدّ فقدك أهل الحفاظ

فصلى عليك ولي النعم

ولقّاك ربك رضوانه

فقد كنت للطهر من خير عم(٢)

أقول: هذه الكلمات من رسول الله (ص) ومن عليّ (ع) في حقه ثابتة مسلمة. وأما الروايات المخالفة، فغير ثابتة سنداً ومضموناً، فلا يعتنى بها.

السيرة النبوية: يذكر من جملة قصيدة لأبي طالب:

لقد علموا أن ابننا لا مكذَّب

ولا يُعنى بقول الأباطل

فأيّده ربّ العباد بنصره

وأظهر ديناً حقه غير باطل(٣)

ويروي: عن أبي طالب أيضاً:

ألم تعلموا أنَّا وجدنا محمداً

نبياً كموسى خُطّ في أول الكتب(٤)

ويقول : فتتابعت على رسول الله (ص) المصائب بهلاك خديجة، وكانت له وزير

____________________

١ - الطبقات، ج ١، ص١٢٤.

٢ - تذكرة الخواص، ص٦.

٣ - السيرة النبوية، ج ١، ص٢٩٩.

٤ - نفس المصدر، ص٣٧٧.

٤١٠

صدق على الإسلام يشكو إليها، وبهلاك عمه أبي طالب، وكان له عضداً وحرزاً في أمره، ومنعة وناصراً على قومه، وذلك قبل مهاجرته إلى المدينة بثلاث سنين.(١)

ويقول : فلما تقارب من أبي طالب الموت، قال: نظر العباس إليه يُحرّك شفتيه، قال فأصغى إليه بإذنه، قال: فقال: يا ابن أخي، والله لقد قال أخي الكلمة التي أمرته أن يقولها، قال: فقال رسول الله (ص):لم أسمع. (٢)

أقول: يظهر من الروايات أنّ أبا طالب كان يرى صلاح النبي (ص) وصلاح المسلمين في التقيّة وإخفاء إسلامه عن الناس، حتى يتمكّن من التأييد والنصر والدفاع عن رسول الله (ص).

٤١١

فاطمة بنت أسد

أم أمير المؤمنين

مقاتل الطالبييّن: عن ابن عباس قال: لما ماتت فاطمة أم عليّ بن أبي طالب ألبسها رسول الله (ص) قميصه، واضطجع معها في قبرها، فقال له أصحابه: يا رسول الله، ما رأيناك صنعت بأحد ما صنعت بهذه المرأة، فقال: إنه لم يكن أحد بعد أبي طالب أبرّ بي منها، إني إنما ألبستها قميصي لتكسى من حلل الجنة واضطجعت معها في قبرها ليهون عليها.(١)

حلية الأولياء: عن أنس قال: لما ماتت فاطمة بنت أسد بن هاشم، أم عليّ بن أبي طالب، دخل عليها رسول الله (ص) فجلس عند رأسها فقال: يرحمك الله ؛ فإنك كنت أمي بعد أمي، تجوعين وتُشبعينني، وتعرين وتُكسينني، وتمنعين نفسك طيّب الطعام وتُطعمينني، تُريدين بذلك وجه الله والدار الآخرة. ثم دعا أسامة بن زيد وأبا أيوب الأنصاري وعمر بن الخطاب وغلاماً أسود يحفرون قبرها، فلما فرغ دخل رسول الله (ص) فاضطجع فيه، ثم قال: الحمد لله الذي يُحيي ويميت وهو حيّ لا يموت، أغفر لأمي فاطمة بنت أسد ولقِّنها حجتها وأوسع عليها مدخلها بحق نبيك والأنبياء الذين من قبلي فإنك أرحم الراحمين.(٢)

تذكرة الخواص: وروي أن فاطمة بنت أسد كانت تطوف بالبيت وهي حامل بعليّ (ع) فضربها الطلق، ففُتِّح لها باب الكعبة، فدخلت فوضعته فيها.(٣)

____________________

١ - مستدرك الحاكم، ج ٣، ص١٠٨.

٢ - تذكرة الخواص، ص٧.

٤١٢

٤١٣

الأئمّة الاثنا عشر

البخاري: بإسناده عن جابر بن سمرة قال: سمعت رسول النبي (ص) يقول: يكون اثنا عشر أميراً، فقال كلمة لم أسمعها، فقال أبي: إنه قال: كلهم من قريش.(١)

مسلم: قال جابر بن سمرة، دخلت مع أبي على النبيّ (ص) فسمعته يقول: إن هذا الأمر لا ينقضي حتى يَمضي فيهم اثنا عشر خليفة، قال: ثم تكلّم بكلام خفيّ عليّ، قال: فقلت لأبي ما قال؟ قال: كلهم من قريش.(٢)

ويروي: بإسناده آخر عنه، سمعت النبي (ص)، يقول: لا يزال أمر الناس ماضياً ما وليهم اثنا عشر رجلاً، ثم تكلم الرواية.

ويروي: بإسناد آخر عنه: سمعت رسول الله (ص) يقول: لا يزال الإسلام عزيزاً إلى اثني عشر خليفة، ثم قال كلمة الرواية.

ويروي: بإسناد آخر عنه، قال النبي (ص): لا يزال هذا الأمر عزيزاً إلى اثني عشر خليفة الرواية.

ويروي: عنه، سمعته يقول: لا يزال هذا الدين عزيزاً منيعاُ إلى اثني عشر خليفة، فقال كلمة صمّنيها الناس الرواية.(٣)

ويروي: عن عامر بن سعد بن أبي وقّاص قال: كتبت إلى جابر بن سمرة مع غلامي نافع أن أخبرني بشيء سمعته من رسول الله (ص)؟ قال: فكتب إلي: سمعت رسول الله (ص) يوم جمعة عشية رجم الأسلمي يقول: لا يزال الدين قائماً حتى تقوم الساعة أو يكون عليكم اثنا عشر خليفة كلهم من قريش.

____________________

١ - البخاري، ج ٤، ص١٥٣.

٢ - مسلم، ج ٦، ص٣.

٣ - نفس المصدر، ص٤.

٤١٤

سنن أبي داود: عن جابر - مثلها، وفيها: كلهم تجتمع عليه الأمة.(١)

ويروي: أيضاً كما فيمسلم ( ج ٦، ص٤ )، وفيها: فكبّر الناس وضجّوا ثم قال كلمة خفيّة. وبسند آخر مثلها، وفيها: فلما رجع إلى منزله أتته قريش فقالوا: ثم يكون ماذا؟ قال: ثم يكون الهرج.

البيان والتعريف: أن عدة الخفاء من بعدي عدة نقباء بني إسرائيل. أخرجه ابن عديّ فيالكامل وابن عساكر فيالتاريخ عن عبد الله بن مسعود.(٢)

مستدرك الحاكم: سأل رجل عن أبي عبد الرحمن - فقال: هل سألتم رسول الله (ص) كم تملك هذه الأمة من خليفة؟ فقال عبد الله: ما سألني عن هذا أحد منذ قدمت العراق قبلك، قال سألناه فقال: اثنا عشر، عدة نقباء بني إسرائيل.(٣)

ويروي: عن جابر بن سمرة قال: كنت عند رسول الله (ص) فسمعته يقول: لا يزال أمر هذه الأمة ظاهراً حتى يقوم أثنا عشر خليفة وقد روى جابر بن سمرة عن أبيه حديثاً آخر.(٤)

ويروي: عن عون بن أبي جحيفة عن أبيه قال: كنت مع عمّي عند النبي (ص) فقال: لا يزال أمر أمتي صالحاً حتى يمضي اثنا عشر خليفة، ثم قال كلمة وخفض بها صوته، فقلت لعمّي وهو أمامي: ما قال يا عمّ؟ قال: قال يا بنيّ: كلهم من قريش.(٥)

أخبار أصبهان: مثلها.(٦)

مسند أحمد: عن جابر بن سمرة: قال: سمعت رسول الله (ص) يقول في حجة الوداع: إن هذا الدين لن يزال ظاهراً على من نَاوَأَه، لا يضرّه مخالف

____________________

١ - سنن أبي داود، ج ٢، ص٢٣٢.

٢ - البيان والتعريف، ج ١، ص٢٣٩.

٣ - مستدرك الحاكم، ج ٤، ص٥٠١.

٤ - نفس المصدر، ج ٣، ص٦١٧.

٥ - نفس المصدر، ص٦١٨.

٦ - أخبار أصبهان ج ٢، ص١٧٦.

٤١٥

ولا مفارق، حتى يمضي من أمتي اثنا عشر خليفة، قال، ثم تكلم بشيء لم أفهمه، فقلت لأبي: ما قال؟ قال: قال: كلّهم من قريش.(١)

ويروي: قال رسول الله (ص): لا يزال هذا الأمر ماضياً حتى يقوم اثنا عشر أميراً، ثم تكلم بكلمة خفيت عليَّ، فسألتُ عنها أبي ما قال؟ قال: كلهم من قريش.(٢)

ويروي بأسناد كثيرة ما يقرب منها.

أقول: يستفاد من هذه الأحاديث أمور:

١ - تدلّ هذه الجملات (اثنا عشر أميراً، خليفة، رجلاً) ؛ بقرينة جملات (إن عدّة الخلفاء من بعدي، عدة نقباء بني إسرائيل): على أن المراد خلفاء الله وخلفاء رسول الله.

٢ - تدل هذه الجملات (أن هذا الأمر لا ينقضي، لا يزال أمر الناس ماضياً، لا يزال الإسلام عزيزاً، لا يزال هذا الأمر عزيزاً، لا يزال هذا الدين عزيزاً، لا يزال الدين قائماً، لا يزال أمر هذه الأمة ظاهراً، لا يزال أمر أمتي صالحاً): على أن المراد أمر الناس من جهة الدين والإسلام.

٣ - يستفاد من هذه الأحاديث أن المراد من اثني عشر خليفة: الأئمة الاثنا عشر المعصومون المطهّرون من أهل البيت، ولا تنطبق هذه الصفات على غيرهم من الأمراء والملوك.

____________________

١ - مسند أحمد، ج ٥، ص٨٧.

٢ - نفس المصدر، ص٩٨.

٤١٦

الحسن والحسين

(عليهما السلام)

مستدرك الحاكم: عن أبي هريرة قال: كنا نصلي مع رسول الله (ص) العشاء فكان يُصلّي فإذا سجد وثب الحسن والحسين على ظهره وإذا رفع رأسه أخذهما فوضعهما وضعا رفيقاً، فإذا عاد عادا، فلما صلى جعل واحداً هاهنا وواحداً هاهنا، فجئته فقلت: يا رسول الله، ألا أذهب بهما إلى أمهما، قال: لا، فبرقت برقةٌ فقال: إلحقا بأمكما، فما زالا يمشيان في ضوئها حتى دخلا.(١)

الاستيعاب: عن عليّ، قال: كان الحسن أشبه الناس برسول الله (ص) ما بين الصدر إلى الرأس، والحسين أشبه الناس بالنبي (ص) ما كان أسفل من ذلك.(٢)

تهذيب ابن عساكر: عن ابن مسعود، قال: كنت مع رسول الله (ص) إذ مر الحسن والحسين وهما صبيان، فقال: هاتوا ابنيّ أعوذهما بما عوّذ به إبراهيم ابنيه إسماعيل وإسحاق، فضمّهما إلى صدره وقال: أعيذكما بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامّة.(٣)

ويروي: أن فاطمة أتت أباها بالحسن والحسين في شكواه التي مات فيها، فقالت: تورثهما يا رسول الله شيئاً؟ فقال: أما الحسن فله هيبتي وسؤددي. وفي لفظ: فقد نحلتُه حلمي وهيبتي. وأما الحسين فقد نحلته نجدتي وجودي. فقالت: رضيت يا رسول الله.(٤)

سنن النسائي: خرج علينا رسول الله (ص) في إحدى صلاتي العشاء وهو

____________________

١ - مستدرك الحاكم، ج ٣، ص١٦٧.

٢ - الاستيعاب، ج ١، ص٣٨٤.

٣ - تهذيب ابن عساكر، ج ٤، ص٢٠٩.

٤ - نفس المصدر، ص٣١٤.

٤١٧

حامل حسناً أو حسيناً، فتقدم رسول الله (ص) فوضعه ثم كبّر للصلاة فصلى، فسجد بين ظهراني صلاته سجدة أطالها، قال أبي: فرفعت رأسي وإذا الصبيّ على ظهر رسول الله (ص) وهو ساجد، فرجعت إلى سجودي، فلما قضى رسول الله (ص) الصلاة قال الناس: يا رسول الله، إنك سجدت بين ظهراني صلواتك سجدة أطلتها حتى ظننا أنه قد حدث أمر أو أنه يوحى إليك، قال: كلّ ذلك لم يكن، ولكن ابني ارتحلني فكرهت أن أعجّله حتى يقضي حاجته.(١)

التهذيب: عن شداد أنه قال: خرج علينا رسول الله (ص) في إحدى صلاتي العشاء الظهر أو العصر كما فيالنسائي .(٢)

ويروي: عن جابر قال: دخلت على رسول الله (ص) وهو حامل الحسن والحسين على ظهره وهو يمشي بهما، فقلت نعم الجمل جملكما، فقال: نعم الراكبان هما.

ذخائر العقبى: في حديث الهلالي: يا فاطمة، ونحن أهل بيت فقد أعطانا الله سبع خصال لم تُعطَ أحداً قبلنا ولا تعط أحداً بعدنا، وأنا خاتم النبيين وأنا أبوك، ووصيي خير الأوصياء وأحبهم إلى الله وهو بعلك، وشهيدنا خير الشهداء وأحبهم إلى الله وهو حمزة عم أبيك وعم بعلك، ومنا من له جناحان وهو ابن عم أبيك وأخو بعلك، ومنا سبطا هذه الأمة وهما ابناك الحسن والحسين وهما سيدا شباب أهل الجنة.(٣)

سنن النسائي: عن بريدة قال: بينا رسول الله (ص) على المنبر يخطب إذ أقبل الحسن والحسين (عليهما السلام) عليهما قميصان أحمران يمشيان ويعثران فنزل وحملهما، فقال: صدق الله إنما أموالكم وأولادكم فتنة، رأيت هذين يمشيان ويعثران في قميصيهما فلم أصبر حتى نزلتُ فحملتهما.(٤)

____________________

١ - سنن النسائي، ج ٢، ص٢٢٩.

٢ - التهذيب، ج ٤، ص٢٠٧.

٣ - ذخائر العقبى، ص١٣٦.

٤ - سنن النسائي، ج ٣، ص١٩٢.

٤١٨

سنن الترمذي: مثلها.(١)

تهذيب ابن عساكر: عن أبي هريرة: أن رسول الله (ص) قال: اللَّهُم إني أحبهما. واخرج أبو يعلى والحافظ عن أبي هريرة: من أحبّ الحسن والحسين فقد أحبّني ومن أبغضهما فقد أبغضني. ورواه الإمام أحمد وأخرجه الحافظ عن عبد الله بلفظ: هذان إبناي من أحبهما فقد أحبني. وفي لفظ: من أحبني فليحبّ هذين. ورواه أبو يعلى والخطيب والبيهقي، ورواه الحافظ عن أبي بكرة بلفظ: أن ابنيّ هذين ريحانتيّ من الدنيا.(٢)

ذخائر العقبى: عن أنس قال: سئل النبي (ص) أي أهل بيتك أحبّ إليك؟ قال: الحسن والحسين، وكان يقول لفاطمة: ادعي لي ابنيّ فيشمّهما ويضمّهما إليه.(٣)

ابن ماجة: بإسناده أنهم خرجوا مع النبي (ص) إلى طعام دُعوا له، فإذا حسين يلعب في السكة، قال: فتقدم النبي (ص) أمام القوم وبسط يديه، فجعل الصبي يفر هاهنا وهاهنا ويضاحكه النبي (ص) حتى أخذه، فجعل إحدى يديه تحت ذقنه والأخرى في فأس رأسه فقبّله وقال: حسين مني وأنا من حسين، أحب الله من أحب حسيناً، حسين سبط من الأسباط.(٤)

مسند أحمد: ما يقرب منها.(٥)

سنن الترمذي: قال رسول الله (ص): حسين مني وأنا من حسين أحب الله الحديث.(٦)

الكنى للدولابي: عن يعلى بن مرّة، قال: خرجنا مع رسول الله (ص) ودُعينا إلى طعام فإذا حسين الحديث.(٧)

____________________

١ - سنن الترمذي، ص٥٤٠.

٢ - تهذيب ابن عساكر، ج ٤، ص٢٠٤.

٣ - ذخائر العقبى، ص١٢٢.

٤ - ابن ماجة، ج ١، ص٦٥.

٥ - مسند أحمد، ج ٤، ص١٧٢.

٦ - سنن الترمذي، ص٥٤٠.

٧ - الكنى للدولابي، ج ١، ص٨٨.

٤١٩

البيان والتعريف: كما مر، وفيه: الحسن والحسين سبطان من الأسباط. أخرجه البخاري في الأدب والترمذي وابن ماجة والحاكم عن يعلى بن مرة، قال الهيثمي إسناده حسن.(١)

مستدرك الحاكم: عن يعلى يروي قريباً من ابن ماجة.

ويروي: عن أبي هريرة قال: رأيت رسول الله (ص) وهو حامل الحسين بن عليّ وهو يقول: اللَّهُم إني أحبه فأحبّه.(٢)

وقالالحاكم : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يُخرجاه.

أخبار إصبهان: عن سلمان قال: قال رسول الله (ص) للحسن والحسين: من أحبهما أحببته، ومن أحببته أحبه الله، ومن أحبه الله أدخله جنات النعيم. ومن أبغضهما أو بغى عليهما أبغضته، ومن أبغضته أبغضه الله، ومن أبغضه الله أدخله نار جهنم وله عذاب مقيم.(٣)

مسند أحمد: عن عطاء، أن النبي (ص) يضمّ إليه حسناً وحسيناً يقول: اللَّهُم إني أحبهما فأحبّهما.(٤)

التهذيب: عن يعلى، جاء الحسن والحسين يسعيان إلى رسول الله (ص) فأخذ أحدهما فضمّه إلى إبطه وأخذ الآخر فضمه إلى إبطه الآخر، وقال: هذان ريحانتان من الدنيا من أحبني فليُحبهما.(٥)

ويروي: عن المقدام، أن النبي (ص) قال: الحسن مني والحسين من علي.

ويروي أيضاً: أن مروان قال لأبي هريرة: ما وجدت عليك في شيء منذ اصطحبنا إلا في حبك الحسن والحسين، فتخفّز أبو هريرة فجلس فقال: اشهد لقد خرجنا مع رسول الله (ص) حتى إذا كنا ببعض الطريق، سمع رسول

____________________

١ - البيان والتعريف، ج ٢، ص٢٣.

٢ - مستدرك الحاكم، ج ٣، ص١٧٧.

٣ - أخبار أصبهان، ج ١، ص٥٦.

٤ - مسند أحمد، ج ٥، ص٣٦٩.

٥ - التهذيب، ج ٤، ص٢٠٦.

٤٢٠

الله (ص) صوت الحسن والحسين وهما يبكيان وهما مع أمهما، فأسرع السير حتى أتاهما، فسمعته يقول: ما شأن ابنيّ؟ فقالت: العطش فأخذه فضمّه إلى صدره وهو يضغو ما يسكت، فأدلع له لسانه فجعل يمصّه حتى هدأ وسكن، فلم أسمع له بكاء، والآخر يبكي كما هو ما يسكت، فقال: ناوليني الآخر، فناولته إياه ففعل به كذلك فسكت فلم أسمع لهما صوتاً. فقال: سيروا، فصدعنا يميناً وشمالاً عن الظعائن حتى لقيناه على قارعة الطريق، فكيف لا أحب هذين وقد رأيت هذا من رسول الله (ص).(١)

ابن ماجة: عن ابن عمر: قال رسول الله (ص): الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة وأبوهما خير منهما.(٢)

مستدرك الحاكم: يروي بأسناد مختلفة نظيره.(٣)

ويروي: عن حذيفة عن النبي (ص)، قال: أتاني جبريل فقال: إن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة.(٤)

تهذيب ابن عساكر: عن حذيفة قال: أتيت النبي (ص) وهو يصلّي ثم قال: أما رأيت العارض الذي عرض لي قبيل ذلك؟ فقلت: بلى. قال: هو ملك من الملائكة لم يهبط إلى الأرض قطّ قبل هذه الليلة، استأذن ربه أن يُسلم عليّ وبشّرني أن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة وأن فاطمة سيدة أهل الجنة.

مسند أحمد: عن الخدري، قال رسول الله (ص): الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة.(٦)

ويروي: عن حذيفة كما فيالتهذيب .(٧)

____________________

١ - نفس المصدر السابق، ص٢٠٨.

٢ - ابن ماجة، ج ١، ص٥٦.

٣ - مستدرك الحاكم، ج ٣، ص١٦٧.

٤ - نفس المصدر، ص٣٨١.

٥ - تهذيب ابن عساكر، ج ٤، ص٩٥.

٦ - مسند أحمد، ج ٣، ص٣.

٧ - نفس المصدر، ج ٥، ص٣٩١.

٤٢١

التهذيب: عن جابر مرفوعاً: من سره أن ينظر إلى سيدي شباب أهل الجنة فلينظر إلى الحسن والحسين.(١)

أقول: يستفاد من هذه الأحاديث أنهما كانا يمشيان في ضوء البرق، وكانا أشبه برسول الله، وعوَّذهما رسول الله، وأورثهما الحلم والهيبة والنجدة والجود، وأن رسول الله كان حاملهما، وأنهما سبطا رسول الله وسيدا شباب أهل الجنة، وكان رسول الله يحبهما ويشمّهما ويضمّهما إليه، ويقول: إنهما ريحانتاي ومن أحبهما فقد أحبه الله ورسوله.

____________________

١ - التهذيب، ج ٤، ص٢٠٦.

٤٢٢

الإمام الحسن بن عليّ

(عليهما السلام)

الأئمة الاثني عشر لابن طولون: وقد أشار إليهم في ضمن قصيدة، الإمام أبو الفضل يحيى بن سلامة الحصفكي ( الحصكفي ) منها:

أسأل عن قلبي وعن أحبابه

ومنهم كل مُقر يجحد

هم الحياة أغربوا أم أشأموا

أم أتهموا أم أيمنوا أم أنجدوا

هيهات ممزوج بلحمي ودمي

حبهم وهو الهُدى والرشد

حيدرة والحسنان بعده

ثم علي وابنه محمد

وجعفر الصادق وابن جعفر

موسى ويتلوه عليّ السيد

اعني الرضا ثم ابنه محمد

ثم عليّ وابنه المسدد

الحسن التالي ويتلو تلوه

محمد بن الحسن المعتَقَد

قوم هم أئمتي وسادتي

وإن لحاني معشر وفنّدوا

هم حجج الله على عباده

وهم إليه منهج ومقصد

قوم أتى في ( هل أتى ) مديحهم

هل شك في ذلك إلا مُلحد

ومن يخُن أحمد في أولاده

فخصمه يوم التلاقي أحمد

والشافعي مذهبي مذهبه

لأنه في قوله مؤيد(١)

ويروي: وثانيهم الحسن بن علي بن أبي طالب القرشي الهاشمي المدني، أبو محمد سبط رسول الله (ص) وريحانته وابن فاطمة بنت رسول الله (ص) سيدة نساء العالمين، ولد في نصف رمضان سنة ثلاث من الهجرة، روى عن النبي (ص) أحاديث(٢)

____________________

١ - الأئمة الاثني عشر لابن طولون، ص٣٩.

٢ - نفس المصدر، ص٦٣.

٤٢٣

سير الأعلام: فأخّر يزيد بن معاوية الحسن بن عليّ، فقال له أبوه: فأخّرت الحسن؟ قال: نعم. قال: لعلك تظن أن أمك مثل أمه، أو جدّك مثل جدّه!، فأما أبوك وأبوه فقد تحاكما إلى الله فحُكم لأبيك على أبيه.(١)

أقول: راجع في موضوع التحاكم إلى "فتنة حرب صفين".

ويروي : سمعت الحسن يخطب ويقول: يا أهل الكوفة، اتقوا الله فينا، فإنا أمراؤكم وإنا أضيافكم، ونحن أهل البيت الذي قال الله فيهم:( إِنَّما يُريدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ ) . قال: فما رأيت قطّ باكياً أكثر من يومئذٍ.(٢)

أقول: قد استقصينا حالات الإمام المجتبى (ع) في مجموعة مستقلة، فراجعها.

البدء والتاريخ: وقال آخرون: إن معاوية دسّ إلى جعدة بنت الأشعث بأن تسمّ الحسن ويزوّجها يزيد، فسمّته وقتلته، فقال لها معاوية: إن يزيد منّا بمكان، وكيف يصلح له من لا يصلح لابن رسول الله (ص)، وعوّضها منه مئة ألف درهم.(٣)

الاستيعاب: فلما مات الحسن، أتى الحسينُ عائشة فطلب ذلك إليها، فقالت: نعم وكرامة، فبلغ ذلك مروان، فقال مروان: كذب وكذبت، والله لا يدفن هناك أبداً، منعوا عثمان من دفنه في المقبرة ويريدون دفن الحسن في بيت عائشة فبلغ ذلك أبا هريرة فقال: والله ما هو إلا ظلم، يُمنع الحسن أن يُدفن مع أبيه!! والله، إنه لابن رسول الله (ص). ثم انطلق إلى الحسين فكلّمه وناشده الله، وقال له: أليس قد قال أخوك: إن خفت أن يكون قتال فرُدّوني إلى مقبرة المسلمين، فلم يزل به حتى فعل وحمله إلى البقيع.(٤)

الفصول المهمة لابن صبّاغ: لما صالح معاوية فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه، وصلى على نبيه محمد (ص) وآله، ثم قال: أيها الناس، أكيس الكيْس التقيّ،

____________________

١ - سير الأعلام، ج ٣، ص١٧٢.

٢ - نفس المصدر، ص١٨٠.

٣ - البدء والتاريخ، ج ٦، ص٥.

٤ - الاستيعاب، ج ١، ص٣٩٢.

٤٢٤

وأحمق الحُمق الفَجور، ولو أنكم طلبتم ما بين جابرقا وجابرسا من جده رسول الله (ص) ما وجدتموه غيري وغير أخي الحسين، وقد علمتم أن الله تعالى جلَّ ذكره وعزَّ اسمه هداكم بجدي محمد (ص)، وأنقذكم من الضلالة، وخلّصكم من الجهالة، وأعزّكم به بعد الذلة، وكثركم به بعد القلّة. وإن معاوية نازعني حقاً هو لي دونه، فنظرت لصلاح الأمة وقطع الفتنة، وقد كنتم بايعتموني على أن تسالموا من سالمني وتحاربوا من حاربني، فرأيت أن أسالم لمعاوية، وأضع الحرب بيني وبينه، وقد بايعته ورأيت أن حقن دماء المسلمين خير من سفكها، ولا أرِد بذلك إلا صلاحكم وبقاءكم( وَإِنْ أَدْري لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتاعٌ إِلى‏ حينٍ ) . (١)

أقول: هذه الخطبة بطرقها وهكذا سائر كلماته (ع) منقولة في رسالة الإمام المجتبى فراجعه.

مقاتل الطالبيين: وانصرف الحسن (رض) إلى المدينة فأقام بها، وأراد معاوية البيعة لابنه يزيد، فلم يكن شيء أثقل من أمر الحسن بن عليّ، وسعد بن أبي وقاص، فدسّ إليهما سماً فماتا منه.(٢)

ويروي: لما مات الحسن بن علي، وأخرجوا جنازته، حمل مروان سريره، فقال له الحسين: أتحمل سريره!! أما والله لقد كنت تجرعه الغيظ! فقال مروان: إني كنت أفعل ذلك بمن يوازن حلمه الجبال.(٣)

____________________

١ - الفصول المهمّة لابن صباغ، ص١٤٥.

٢ - مقاتل الطالبيين، ص٧٣.

٣ - نفس المصدر، ص٧٦.

٤٢٥

الإمام الحسين بن علي

(عليهما السلام)

الأئمة الاثني عشر: وثالثهم الحسين بن علي بن أبي طالب القرشيّ الهاشميّ المدنيّ، أبو عبد الله سبط رسول الله (ص) وريحانته، وهو وأخوه الحسن سيدا شباب أهل الجنة وُلد الحسين (رض) لخمس خلون من شعبان سنة أربع من الهجرة، قاله الزبير بن بكار وغيره.(١)

سير الأعلام: الإمام الشريف الكامل سبط رسول الله (ص) وريحانته من الدنيا ومحبوبه، أبو عبد الله الحسين بن أمير المؤمنين أبي الحسن عليّ بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف.(٢)

ويروي: عن يعلى العامريّ قال رسول الله (ص): حسين سبط من الأسباط، من أحبني فليحبّ حسيناً. وفي لفظ: أحبّ الله من أحبّ حسيناً.(٣)

الاستيعاب: علقت فاطمة بالحسين بعد مولد الحسن بخمسين ليلة ولم يكن بين الحسن والحسين إلا طهر واحد وعقّ عنه رسول الله (ص) كما عقّ عن أخيه، وكان الحسين فاضلاً ديّناً كثير الصيام والصلاة والحج.(٤)

كفاية الطالب للگنجي بإسناده عن ربيعة السعدي: لما اختلف الناس في التفضيل رحلت وأخذت زادي وخرجت حتى دخلت المدينة، فدخلت على حذيفة بن اليمان، فقال لي: ممن الرجل؟ قلت: من أهل العراق. فقال لي: من أيّ العراق؟ قلت: رجل من أهل الكوفة، قال مرحباً بكم يا أهل الكوفة.

____________________

١ - الأئمة الاثنى عشر، ص٧١.

٢ - سير الأعلام ج ٣، ص١٨٨.

٣ - نفس المصدر، ص١٩٠.

٤ - الاستيعاب، ج ١، ص٣٩٣.

٤٢٦

قلت: اختلف الناس في التفضيل فجئت لأسألك عن ذلك؟ فقال لي: على الخبير سقطت، أما إني لا أحدّثك إلا ما سمعته أذناي ووعاه قلبي وأبصرته عيناي: خرج علينا رسول الله (ص) كأني أنظر إليه كما أنظر إليك الساعة حامل الحسين بن علي (ع) على عاتقه، كأني انظر إلى كفّه الطيبة واضعها على قدمه يُلصقها صدره، فقال: أيها الناس لأعرّفنّ ما اختلفتم فيه من الخيار بعدي، هذا الحسين بن علي خير الناس جداً وجده، جده محمد رسول الله (ص) سيد النبيين، وجدّته خديجة بنت خويلد سابقة نساء العالمين إلى الإيمان بالله ورسوله. هذا الحسين بن علي خير الناس أباً وخير الناس أمّاً، أبوه عليّ بن أبي طالب أخو رسول الله ووزيره وابن عمه وسابق رجال العالمين. هذا الحسين بن علي خير الناس عماً وخير الناس عمة، عمه جعفر بن أبي طالب المزيّن بالجناحين يطير بهما في الجنة حيث يشاء، وعمّته أم هاني بنت أبي طالب. هذا الحسين بن عليّ خير الناس خالاً وخالة، خاله القاسم بن محمد رسول الله، وخالته زينب بنت محمد. ثم وضعه على عاتقه فدرج بين يديه وجثا. ثم قال: أيها الناس، هذا الحسين بن علي جده وجدته في الجنة، وأبوه وأمه في الجنة، وعمه وعمته في الجنة، وخاله وخالته في الجنة، إنه لم يؤت أحد من ذرية النبيين ما أوتي الحسين بن عليّ، ما خلا يوسف بن يعقوب.(١)

قلت [الگنجي ]: هذا سند اجتمع فيه جماعة من أئمة الأمصار.

تهذيب ابن عساكر: مثله.(٢)

ويروي أيضاً: بإسناده عن أبي المهزم، قال: كنا مع جنازة امرأة ومعنا أبو هريرة، فجيء بجنازة رجل فجعله بينه وبين المرأة، فصلى عليهما، فلما أقبلنا على الحسين (عليه السلام) فقعد في الطريق. فجعل أبو هريرة ينفض التراب عن قدميه بطرف ثوبه، فقال الحسين (ع): يا أبا هريرة وأنت تفعل هذا! فقال

____________________

١ - كفاية الطالب للكنجي، ص٢٧٣.

٢ - تهذيب ابن عساكر، ج ٤، ص٣٢٠.

٤٢٧

أبو هريرة: دعني فوالله لو علم الناس منك ما أعلم لحملوك على رقابهم.(١)

قلت: رواه كاتب الواقدي في كتابه، وأخرجه محدث الشام في تاريخه.

الإمامة والسياسة: وكتب إليه الحسين (رض): أما بعد، فقد جاءني كتابك تذكر فيه أنه انتهت إليك عني أمور ما أردت حرباً ولا خلافاً، وإني لأخشى الله في ترك ذلك منك ومن حزبك القاسطين المحلين. حزب الظالم وأعوان الشيطان الرجيم، ألست قاتل حُجر وأصحابه العابدين المُخبتين أوَلست قاتل عمرو بن الحمق الذي أخلقت وأبلت وجهه العبادة، فقتلته بعد ما أعطيته من العهود أوَلست المدعي زياداً في الإسلام فزعمت أنه ابن أبي سفيان، وقد قضى رسول الله (ص) أن (الولد للفراش وللعاهر الحجر)، ثم سلّطته على أهل الإسلام يقتلهم ويقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف ويصلّبهم على جذوع النخل. سبحان الله يا معاوية! لكأنك لست من هذه الأمة وليسوا منك وقلت فيما قلت: انظر لنفسك ولدينك ولأمة محمد! وإني والله ما أعرف أفضل من جهادك، فإن أفعل فإنه قربة إلى ربي، وإن لم أفعله فاستغفر الله لديني وأسأله التوفيق لما يحبّ ويرضى وأعلم أن الله ليس بناس لك قتلك بالظنة وأخذك بالتهمة، وإمارتك صبياً يشرب الشراب ويلعب بالكلاب، ما أراك إلا وقد أوثقت نفسك وأهلكت دينك وأضعت الرعية.(٢)

الكامل لابن الأثير: ثم إن الحسين خطبهم: فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس، إن رسول الله (ص) قال: من رأى سلطاناً جائراً مستحلاً لحرم الله، ناكثاً لعهد الله، مخالفاً لسنة رسول الله (ص)، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان فلم يُغيّر ما عليه بفعل ولا قول، كان حقاً على الله تعالى أن يُدخله مدخله، ألا وإنّ هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان وتركوا طاعة الرحمن وأظهروا الفساد وعطّلوا الحدود واستأثروا بالفيء وأحلوا حرام الله وحرّموا حلاله، وأنا أحقّ من غيري، وقد أتيتني كتبتم ورسلكم ببيعتكم، وأنكم لا تُسلموني ولا تخذلوني، فإن أقمتم على

____________________

١ - كفاية الطالب، ص٢٧٨.

٢ - الإمامة والسياسة، ص١٤٨.

٤٢٨

بيعتكم تُصيبوا رشدكم، وأنا الحسين بن علي وابن فاطمة بنت رسول الله (ص)، نفسي مع نفسكم وأهلي مع أهلكم، فلكم فيّ أسوة حسنة، وإن لم تفعلوا ونقضتم عهدي وخلعتم بيعتي فلعمري ما هي لكم بنكير، لقد فعلتموها بأبي وأخي وابن عمّي مسلم بن عقيل، والمغرور من أغترّ بكم، فحظّكم أخطأتم ونصيبكم ضيّعتم، ومن نكث فإنما ينكث على نفسه، وسيُغني الله عنكم. والسلام.

سأمضي وما بالموت عار على الفتى

إذا ما نوى خيراً وجاهد مسلما

و واوسى رجالاً صالحين بنفسه

وخالف مثبوراً وفارق مُجرما

فإن عشت لم أندم وإن مت لم ألم

كفي بك ذلاً أن تعيش وتُرغما(١)

____________________

١ - الكامل لابن الأثير، ج ٤، ص٢٠.

٤٢٩

فتنة:

قتل الحسين (ع)

سير الأعلام: عن أنس شهدت ابن زياد حيث أُتي برأس الحسين فجعل ينكث بقضيب معه، فقلت: أما أنه أشبههما بالنبي (ص).(١)

ويروي: عن ابن أبي نعم قال: كنت عند ابن عمر فسأله رجل عن دم البعوض؟ فقال: ممن أنت؟ فقال: من أهل العراق. قال: انظر إلى هذا يسألني عن دم البعوض! وقتلوا ابن رسول الله (ص)!! وقد سمعت رسول الله (ص) يقول: هما ريحانتاي من الدنيا.(٢)

البدء والتاريخ: فذكر أن يزيد أمر بنسائه وبناته فأقمن بدرجة المسجد حيث توقف الأسارى لينظر الناس إليهن، ووضع رأسه بين يديه وجعل ينكث بالقضيب في وجهه وهو يقول:

ليت أشياخي ببدر شهدوا

جزع الخزرج من وقع الأسل

ولأهلوا واستهلّوا فرحاً

ولقالوا يا يزيد لا تشل

فقام أبو برزة الأسلمي فقال: أما والله لقد أخذ قضيبك من ثغره مأخذاً، لربَّما رأيت رسول الله (ص) يرشفه. ثم بعث يزيد (عليه اللعنة) بأهله وبناته إلى المدينة، ورثته ابنة عقيل بن أبي طالب:

ماذا تقولون ان قال المليكُ لكم

ماذا فعلتم وأنتم آخر الأمم

بعترتي وبأهلي بعد مُفتقدي

منهم أُسارى وقتلى ضرّجوا بدم(٣)

____________________

١ - سير الأعلام، ج ٣، ص١٨٨.

٢ - نفس المصدر، ص١٨٩.

٣ - البدء والتاريخ، ج ٦، ص١١.

٤٣٠

سير الأعلام: عن سعد بن جمهان: أن النبي (ص) أتاه جبريل بتراب من التربة التي يقتل بها الحسين، وقيل اسمها: كربلاء. فقال النبي (ص): كرب وبلاء.(١)

ويروي أيضاً: قال الحسين (ع): فارجعوا إلى أنفسكم هل يصلح لكم قتلي أو يحل دمي؟ ألست ابن بنت نبيكم وابن ابن عمه؟ أوليس حمزة والعباس وجعفر عمومتي؟ ألم يبلغكم قول رسول الله (ص) فيّ وفي أخي: هذان سيدا شباب أهل الجنة.(٢)

ويروي: عن زيد بن أرقم ؛ كنت عند عبيد الله فأتي برأس الحسين، فأخذ قضيباً فجعل يفترّ به على شفتيه، فلم أرَ ثغراً كان أحسن منه كأنه الدرّ، فلم أملك أن رفعت صوتي بالبكاء، فقال: ما يُبكيك أيها الشيخ؟ قلت: يُبكيني ما رأيت من رسول الله (ص) رأيته يَمصّ موضع هذا القضب ويلثمه، ويقول: اللَّهُم إني أحبه فأحبه.(٣)

ويروي: عن يونس بن حبيب: لما قتل عبيد الله الحسين بعث برؤوسهم إلى يزيد، فسرّ بقتلهم أولاً، ثم لم يلبث حتى ندم على قتلهم، فكان يقول: وما عليّ لو احتملت الأذى وأنزلت الحسين معي وحكّمتهم فيما يريد وإن كان على ذلك وهن، حفظاً لرسول الله (ص) ورعاية لحقه. لعن الله ابن مرجانة! (يعني عبيد الله) فإنه أخرجه واضطرّه، وقد كان سأل أن يُخلي سبيله أن يرجع من حيث أقبل، أو يأتيني فيضع يده في يدي، أو يلحق بثَغر من الثُغور، فأبى ذلك عليه وقتله، فأبغضني بقتله المسلمون وزرع لي في قلوبهم العداوة.(٤)

ويروي: عن شهر بن حوشب. كنت عند أمّ سلمة زوج النبي (ص) حين أتاها قتلُ الحسين (ع) فقالت: قد فعلوها ملأ الله بيوتهم وقبورهم ناراً، ووقعت

____________________

١ - سير الأعلام، ج ٣، ص١٩٥.

٢ - نفس المصدر، ص٢٠٣.

٣ - سير الأعلام، ج ٣، ص٢١٢.

٤ - نفس المصدر، ص٢١٤.

٤٣١

مغشيّاً عليها، فقمنا.(١)

الاستيعاب: عن الحسن البصري أصيب مع الحسين بن عليّ ستة عشر رجلاً من أهل بيته ما على وجه الأرض يومئذٍ لهم شبه.(٢)

الكامل لابن الأثير: فأرسل عمر بن سعد بن الحجاج على خمسمئة فارس، فنزلوا على الشريعة وحالوا بين الحسين وبين الماء، وذلك قبل قتل الحسين بثلاثة أيام، ونادى عبيد الله بن الحصين الأزدي: يا حسين، أما تنظر إلى الماء لا تذوق له من قطرة حتى تموت عطشاً. قال، فمرض فيما بعد، فكان يشرب الماء من القلة ثم يقيء، ثم يعود فيشرب حتى يتغرغر ثم يقيء. ثم يشرب فما يروي، فما زال كذلك حتى مات.(٣)

ويروي أيضاً: أما بعد، فانسبوني فانظروا من أنا، ثم راجعوا أنفسكم فعاتبوها، وانظروا هل يصلح ويحلّ لكم قتلي وانتهاك حرمتي؟ ألست ابن بنت نبيكم؟ وابن وصيّه وابن عمه وأولى المؤمنين بالله والمصدّق لرسوله؟ أوَليس حمزة سيد الشهداء عمّ أبي؟ أوَليس جعفر الشهيد الطيار في الجنة عمي؟ أوَلم يبلغكم قول مستفيض إن رسول الله (ص) قال لي ولأخي: أنتما سيدا شباب أهل الجنة وقرنا عين أهل السنة. فان صدّقتموني بما أقول، وهو الحق، والله ما تعمدت كذباً مذ علمت أن الله يمقت عليه، وإن كذّبتموني فإن فيكم من إن سألتموه عن ذلك أخبركم. سلوا جابر بن عبد الله وأبا سعيد أو سهل بن سعد أو زيد بن أرقم أو أنساً يُخبروكم أنهم سمعوه من رسول الله (ص). أمَا في هذا حاجز يحجزكم عن سفك دمي؟ لا والله لا أُعطهم بيدي إعطاء الذليل، ولا أقرّ إقرار العبيد. عباد الله إني عذب بربّي وربّكم أن ترجموني، أعوذ

____________________

١ - نفس المصدر السابق، ص٢١٥.

٢ - الاستيعاب، ج ١، ص٢٩٦.

٣ - الكامل لابن الأثير، ج ٤، ص٢٢.

٤٣٢

بربّي وربّكم من كلّ متكبّر لا يؤمن بيوم الحساب.(١)

ويروي أيضاً: فقال الحُرّ: يا أهل الكوفة، لأمكم الهبل والعبر دعوتموه حتى إذا أتاكم سلّمتموه وزعمتم أنك قاتلوا أنفسكم دونه، ثم عدوتم عليه لتقتلوه، أمسكتم بنفسه وأحطتم به، ومنعتموه من التوجه في بلاد الله العريضة حتى يأمن ويأمن أهل بيته، فأصبح كالأسير لا يملك لنفسه نفعاً ولا يدفع عنها ضراً، ومنعتموه ومن معه عن ماء الفرات الجاري، يشربه اليهودي والنصرانيّ والمجوسيّ، يتمرّغ فيه خنازير السواد وكلابه، وها هو وأهله قد صرعهم العطش، بئس ما خلفتم محمداً في ذرّيته، لا سقاكم الله يوم الظمأ إن لم تتوبوا.(٢)

ويروي: وقيل لما وصل رأس الحسين (ع) إلى يزيد حسنت حال ابن زياد عنده وزاده ووصله، وسرّه ما فعل، ثم لم يلبث إلا يسيراً حتى بلغه بُغض الناس له ولعنُهم وسبهم، فندم على قتل الحسين فكان يقول: وما عليَّ لو احتملت الأذى وأنزلت الحسين معي في داري، وحكّمته فيما يريد، وإن كان عليّ في ذلك وهن في سلطاني، حفظا لرسول الله (ص) ورعاية لحقه وقرابته، لعن الله ابن مرجانة، فإنه اضطرّه.(٣)

____________________

١ - نفس المصدر السابق، ص٢٥.

٢ - الكامل لابن الأثير، ج ٤، ص٢٦.

٣ - نفس المصدر، ص٣٦.

٤٣٣

فتنة:

بيعة يزيد

البدء والتاريخ: ولما بويع يزيد تلكّأ الحسين وعبد الله بن الزبير عن بيعته، ولحقا بمكة. فأما الحسين فخرج إلى الكوفة حتى استشهد بكربلاء. وأما عبد الله فامتنع بمكة ولاذ بالكعبة ودعا الناس إلى الشورى، وجعل يلعن يزيد وسماه الفاسق المتكبّر، وقال: لا يرضى الله بعهد معاوية إلى يزيد وبلغ الخبر يزيد فبعث مسلم بن عقبة المُرّي في جيش كثيف فجاء مسلم بن عقبة فأوقع بالمدينة، وقتل أربعة آلاف رجل من أفناء الناس، وسبعين رجلاً من الأنصار، وبقر بطون النساء وأباح الحُرم، وأنهب المدينة ثلاثة أيام، وبايعهم على أنه فيء ليزيد وجعل يفعل فيهم ما شاء، وكانت الوقعة بالحرة وهي ضاحي المدينة ثم سار نحو مكة وكان وُلد يزيد بالماطرون ومات بحوارين، وهو ابن ثمان وثلاثين سنة. وفيه يقول الشاعر

يا أيها القبر بحوارينا

ضممت شر الناس أجمعينا

ولما مات يزيد، صار الأمر إلى ولده معاوية بن يزيد، وكان قدريّاً فخطب معاوية فقال: إنَّا بُلينا بكم وابتليتم بنا، وإن جدّي معاوية نازع الأمر من كان أولى به وأحقّ، فركب منه ما تعلمون حتى صار مرتهناً بعمله، ثم تقلّده أبي، ولقد كان غير خليق به، فركب رَدعه واستحسن خطأه، ولا أحبّ أن ألقى الله بتباعتكم، فشأنكم وأمركم، ولّوه من شئتم، فوالله لئن كانت الخلافة مغنماً ؛ لقد أصبنا منها حظاً، وإن كانت شراً ؛ فحسبُ آل أبي سفيان ما أصابوا منها. ثم نزل وأغلق الباب في وجهه.(١)

____________________

١ - البدء والتاريخ، ج ٦، ص١٣.

٤٣٤

الإمامة والسياسة: فقام الحسين فحمد الله وصلى على الرسول، ثم قال: أما بعد، يا معاوية فلن تؤدّي القائل وإن أطنب في صفة الرسول (ص).. وفهمت ما ذكرته عن يزيد من اكتماله وسياسته لأمة محمد: تريد أن توهم الناس في يزيد، كأنك تصف محجوباً أو تنعت غائباً أو تخبر عما كان مما احتويته بعلم خاص، وقد دلّ يزيد من نفسه على موقع رأيه، فخذ ليزيد فيما أخذ به من استقرائه الكلاب المُهارشة عند التحارش والحمام السبق لأترابهن والقينات ذوات المعارف وضروب الملاهي.(١)

ويروي: وذكروا أنّ مسلماً لما فرغ من قتال أهل المدينة ونهبها، كتب إلى يزيد بن معاوية، وفيها: فما صليت الظهر أصلح الله أمير المؤمنين إلا في مسجدهم بعد القتل الذريع والانتهاب العظيم، وأوقعنا بهم السيوف وقتلنا من أشرف لنا منهم، وأتبعنا مُدبرهم وأجهزنا على جريحهم، وانتهبناها ثلاثاً كما قال أمير المؤمنين أعزّ الله نصره، وجعلت دور بني الشهيد عثمان بن عفان في حرز وأمان، فالحمد لله الذي شفا صدري من قتل أهل الخلاف القديم والنفاق العظيم، فطالما عتوا وقديماً ما طغوا.(٢)

الخلفاء للسيوطي: قال الحسن البصريّ: أفسد أمر الناس اثنان: عمرو بن العاص يوم أشار على معاوية برفع المصاحف، فحُملت، ونال من القرّاء فحكّم الخوارج، فلا يزال هذا التحكيم إلى يوم القيامة. والمغيرةُ بن شعبة فإنه كان عامل معاوية على الكوفة، فكتب إليه معاوية إذا قرأت كتابي فأقبل معزولاً، فأبطأ عنه، فلما ورد عليه. قال: ما أبطأ بك؟ قال: أمر كنت أوطّئه وأهيِّئه، قال: وما هو؟ قال: البيعة ليزيد من بعدك قال: أو قد فعلت؟ قال: نعم. قال: ارجع إلى عملك. فلما خرج قال له أصحابه: ما وراءك؟ قال: وضعت رجل معاوية في غرز غيّ لا يزال فيه إلى يوم القيامة.(٣)

____________________

١ - الإمامة والسياسة، ص١٥٢.

٢ - نفس المصدر، ص١٧٨.

٣ - الخلفاء للسيوطي، ص٧٩.

٤٣٥

تاريخ الخلفاء: وكانت وقعة الحرة على باب طيبة، وما أدراك ما وقعة الحرة. ذكرها الحسن مرّة فقال: والله، ما كان ينجو منهم أحد، قتل فيها خلق من الصحابة (رضي الله عنهم) ومن غيرهم، ونُهبت المدينة، وافتض فيها ألف عذراء، فإنا لله وإنا إليه راجعون. قال صلّى الله عليه وسلّم:من أخاف أهل المدينة أخافه الله وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين . وإن عبد الله بن حنظلة بن الغسيل قال: والله، ما خرجنا على يزيد حتى خفنا أن نُرمى بالحجارة من السماء، إنه رجل ينكح أمهات الأولاد والبنات والأخوات ويشرب الخمر ويدع الصلاة.(١)

مروج الذهب: وكان يزيد صاحب طرب وجوارح وكلاب وقرود وفهود ومنادمة على الشراب، وجلس ذات يوم على شرابه وعن يمينه ابن زياد، وذلك بعد قتل الحسين، فأقبل على ساقيه

أسقني شربة تَروى مشاشي

ثم صل فاسق مثلها ابن زياد

صاحبَ السر والأمانة عندي

ولتسديد مغنمي وسدادي

ثم أمر المغنّين فغنّوا، وغلب على أصحاب يزيد وعماله ما كان يفعله من الفسوق، وفي أيامه ظهر الغناء بمكة والمدينة، واستعملت الملاهي، وأظهر الناس شرب الشراب، وكان له قرد يكنّى بأبي قيس يحضر مجلس منادمته.(٢)

____________________

١ - تاريخ الخلفاء، ص٨١.

٢ - مروج الذهب، ج ٢، ص٩٤.

٤٣٦

الإمام الرابع

علي بن الحسين (عليهما السلام)

الأئمّة الاثني عشر: ورابعهم علي (رض) وهو أبو الحسن عليّ بن الحسين المعروف بزين العابدين، ويقال له: علي الأصغر، وليس للحسين (رض) عقب إلا من ولد زين العابدين هذا، وهو من سادات التابعين.

قالالزهري: ما رأيت قرشيّاً أفضل منه وفضائل زين العابدين ومناقبه أكثر من أن تحصى، وكانت ولادته يوم الجمعة في بعض شهور سنة ثمان وثلاثين من الهجرة.(١)

وفيات الأعيان: كما قلنا في الأئمة كلمة بكلمة.(٢)

الاستيعاب: عن سفيان بن عيينة، قال لي جعفر بن محمد: توفى عليّ بن أبي طالب وهو ابن ثمان وخمسين سنة، وقتل الحسين بن عليّ وهو ابن ثمان وخمسين سنة، وتوفِّي علي بن الحسين وهو ابن ثمان وخمسين سنة، وتوفِّي محمد بن علي بن الحسين وهو ابن ثمان وخمسين سنة. وقال لي جعفر بن محمد: وأنا بهذه السنة في ثمان وخمسين فتوفى فيها.(٣)

كفاية الطالب: مولانا زين العابدين ومنار القانتين أبو محمد علي بن الحسين بن علي (عليه السلام)، كان عابداً وفيّاً وجواداً حفيّاً، وأمه شاه زنان بنت يزدجرد بن شهريار ابن كسرى.(٤)

ويروي: عن عبد الرحمن القرشيّ وكان إذا توضّأ اصفرّ، فيقول له أهله:

____________________

١ - الأئمة الاثنى عشر، ص٧٥.

٢ - وفيات الأعيان، ج ١، ص٣٤٧.

٣ - الاستيعاب، ج ١، ص٣٩٧.

٤ - كفاية الطالب، ص٢٩٨.

٤٣٧

ما هذا الذي يعتادك عند الوضوء؟ فيقول: أتدرون بين يدي من أريد أن أقوم.(١)

ويروي: عن سفيان بن عيينة: حج عليّ بن الحسين، فلما أحرم واستوت به راحلته اصفرّ لونه وانتفض ووقعت عليه الرعدة ولم يستطع أن يُلبّي، فقيل له: ما لك؟ فقال: أخشى أن أقول: لبيك، فيقال: لا لبيك، فقيل له: لا بد من هذا. قال: فلما لبى غشي عليه وسقط من راحلته، فلم يزل يعتريه ذلك حتى قضى حجه.(٢)

قلت: رواه ابن عساكر في تاريخه.

حلية الأولياء: عن ابن عائشة، سمعت أهل المدينة يقولون: ما فقدنا صدقة السر حتى مات علي بن الحسين.(٣)

تذكرة الحفاظ: عليّ بن الحسين بن أمير المؤمنين عليّ، زين العابدين، أبو الحسين الهاشميّ المدنيّ، حضر كربلاء مريضاً، فقال عمر بن سعد: لا تعرضوا لهذا. وكان يومئذٍ ابن نيف وعشرين سنة. وكان من أفضل أهل بيته وأحسنهم طاعة وأحبهم إلى عبد الملك. قال أبو حازم: ما رأيت هاشمياً أفضل منه. وعن ابن المسيّب: ما رأيت أورع منه. وقال مالك: بلغني أنه كان يصلي في اليوم والليلة ألف ركعة إلى أن مات، وكان يسمّى (زين العابدين) لعبادته.(٤)

الطبقات الكبرى: عن عبد الله بن أبي سليمان: كان عليّ بن الحسين (ع) إذا مشى لا تجاوز يده فخذه ولا يَخطر بيده، وكان إذا قام إلى الصلا أخذته رِعدة، فيقل له: ما لك؟ فقال: ما تدرون بين يديّ من أقوم وأناجي.(٥)

ويروي أيضاً: أن عليّ بن الحسين يُبخّل، فلما مات وجدوه يقوت مئة أهل بيت بالمدينة في السرّ. قالوا: وكان ثقة مأموناً كثيراً الحديث عالياً رفيعاً ورعاً.(٦)

____________________

١ - نفس المصدر، ص٣٠٠.

٢ - نفس المصدر، ص٣٠١.

٣ - حلية الأولياء، ج ٣، ص١٣٦.

٤ - تذكرة الحفاظ، ج ١، ص٧٤.

٥ - الطبقات، ج ٥، ص٢١٦.

٦ - نفس المصدر، ص٢٢٢.

٤٣٨

الفصول المهمة لابن صباغ: لما حج هشام بن عبد الملك في حياة أبيه دخل إلى الطواف وجهد أن يستلم الحجر الأسود، فلم يصل إليه لكثرة زحام الناس إليه، فنصب إليه منبر إلى جانب زمزم في الحطيم، وجلس عليه وحوله جماعة من أهل الشام، فبينما هم كذلك، إذ أقبل علي بن الحسين (ع) يريد الطواف، فلما انتهى إلى الحجر الأسود تنحّى الناس عنه حتى استلم الحجر، فقال رجل من أهل الشام: من هذا الذي قد هابه الناس هذه المهابة فتنحّوا عنه يميناً وشمالاً؟ فقال هشام: لا أعرفه! مخافة أن يرغب فيه أهل الشام! وكان الفرزدق حاضراً، فقال للشامي: أنا أعرفه، فقال الشامي: من هو يا أبا فراس؟ فقال:

هذا الّذي تعرف البطحاء وطأته

والبيت يعرفه والحل والحرم

هذا ابن خير عباد الله كلهم

هذا التقى النقي الطاهر العلم

إذا رأته قريش قال قائلها

إلى مكارم هذا ينتهي الكرم

ينمى إلى ذروة العز التي قصرت

عن نيلها عربُ الإسلام والعجم

يُغضِي حياء و يُغضَى من مهابته

فما يُكلَّم إلاَّ حين يبتسم

مشتقة من رسول الله نبعته

طابت عناصره والجسم والشيم

هذا ابن فاطمة إن كنت جاهله

بجده أنبياء الله قد خُتموا

من معشر حبهم دين وبغضهم

كفر وقربهم منجى ومعتصم

إن عُدّ أهل التقى كانوا أئمتهم

أو قيل: من خير أهل الأرض؟ قيل: هم

مقدم بعد ذكر الله ذكرهم

في كل بدو ومختموم به الكلم

فلما سمع هشام هذه القصيدة غضب إلخ.(١)

ويروي أيضاً: وعن طاووس قال: دخلت الحجر في الليل فإذا عليّ بن الحسين (ع) قد دخل يصلي ما شاء الله تعالى، ثم سجد سجدة فأطال فيها، فقلت: رجل صالح من بيت النبوة لأصغينّ إليه، فسمعته يقول: عبدك بفنائك، مسكينك بفنائك، سائلك بفنائك، فقيرك بفنائك. قال طاووس: فوالله ما صليت

____________________

١ - الفصول المهمّة لابن صباغ، ص١٨٩.

٤٣٩

ودعوت فيهنّ في كرب إلا فّج عني.(١)

حلية الأولياء: عن عمرو بن ثابت: لما مات عليّ بن الحسين فغسّلوه جعلوا ينظرون إلى آثار سواد بظهره، فقالوا: ما هذا؟ فقيل: كان يحمل جرب الدقيق ليلاً على ظهره يعطيه فقراء أهل المدينة. (٢)

ويروي أيضاً: سئل عليّ بن الحسين (ع) عن كثرة بكائه، فقال: لا تلوموني، فإن يعقوب فقد سبطا من ولده، فبكى حتى ابيضت عيناه ولم يعلم أنه مات. وقد نظرت إلى أربعة عشر رجلاً من أهل بيتي في غداة واحدة، أفترون حزنهم يذهب من قلبي.(٣)

مروج الذهب: ونظر الناس إلى عليّ بن الحسين السجاد وقد لاذ بالقبر وهو يدعو، فأُتي به إلى مسرف وهو مغتاظ عليه، فتبرّأ منه ومن آبائه، فلما رآه وقد أشرف عليه ارتعد وقام له، وأقعده إلى جانبه وقال له: سلني حوائجك فقيل لعليّ رأيناك تحرك شفتيك فما الذي قلت؟ قال: قلت: اللَّهُم رب السماوات السبع وما أظللن، والأرضين السبع وما أقللن، رب العرش العظيم، رب محمد وآله الطاهرين، أعوذ بك من شره، وأدرأ بك في نحره، أسألك أن تُؤتيني خيره، وتكفيني شره. وقيل لمسلم: رأيناك تسبّ هذا الغلام وسلفه، فلما أتي به إليك رفعت منزلته؟! فقال: وما كان ذلك لرأي مني، لقد مُليء قلبي منه رعباً.(٤)

____________________

١ - الفصول المهمة لابن صباغ، ص١٨٣.

٢ - حلية الأولياء ج ٣، ص١٣٦.

٣ - نفس المصدر، ص١٣٨.

٤ - مروج الذهب ج ٢، ص٩٦.

٤٤٠

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495