الحقائق في تاريخ الاسلام

الحقائق في تاريخ الاسلام0%

الحقائق في تاريخ الاسلام مؤلف:
تصنيف: كتب متنوعة
الصفحات: 495

الحقائق في تاريخ الاسلام

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة المصطفوي
تصنيف: الصفحات: 495
المشاهدات: 186541
تحميل: 6849

توضيحات:

الحقائق في تاريخ الاسلام
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 495 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 186541 / تحميل: 6849
الحجم الحجم الحجم
الحقائق في تاريخ الاسلام

الحقائق في تاريخ الاسلام

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

الله (ص) صوت الحسن والحسين وهما يبكيان وهما مع أمهما، فأسرع السير حتى أتاهما، فسمعته يقول: ما شأن ابنيّ؟ فقالت: العطش فأخذه فضمّه إلى صدره وهو يضغو ما يسكت، فأدلع له لسانه فجعل يمصّه حتى هدأ وسكن، فلم أسمع له بكاء، والآخر يبكي كما هو ما يسكت، فقال: ناوليني الآخر، فناولته إياه ففعل به كذلك فسكت فلم أسمع لهما صوتاً. فقال: سيروا، فصدعنا يميناً وشمالاً عن الظعائن حتى لقيناه على قارعة الطريق، فكيف لا أحب هذين وقد رأيت هذا من رسول الله (ص).(١)

ابن ماجة: عن ابن عمر: قال رسول الله (ص): الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة وأبوهما خير منهما.(٢)

مستدرك الحاكم: يروي بأسناد مختلفة نظيره.(٣)

ويروي: عن حذيفة عن النبي (ص)، قال: أتاني جبريل فقال: إن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة.(٤)

تهذيب ابن عساكر: عن حذيفة قال: أتيت النبي (ص) وهو يصلّي ثم قال: أما رأيت العارض الذي عرض لي قبيل ذلك؟ فقلت: بلى. قال: هو ملك من الملائكة لم يهبط إلى الأرض قطّ قبل هذه الليلة، استأذن ربه أن يُسلم عليّ وبشّرني أن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة وأن فاطمة سيدة أهل الجنة.

مسند أحمد: عن الخدري، قال رسول الله (ص): الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة.(٦)

ويروي: عن حذيفة كما فيالتهذيب .(٧)

____________________

١ - نفس المصدر السابق، ص٢٠٨.

٢ - ابن ماجة، ج ١، ص٥٦.

٣ - مستدرك الحاكم، ج ٣، ص١٦٧.

٤ - نفس المصدر، ص٣٨١.

٥ - تهذيب ابن عساكر، ج ٤، ص٩٥.

٦ - مسند أحمد، ج ٣، ص٣.

٧ - نفس المصدر، ج ٥، ص٣٩١.

٤٢١

التهذيب: عن جابر مرفوعاً: من سره أن ينظر إلى سيدي شباب أهل الجنة فلينظر إلى الحسن والحسين.(١)

أقول: يستفاد من هذه الأحاديث أنهما كانا يمشيان في ضوء البرق، وكانا أشبه برسول الله، وعوَّذهما رسول الله، وأورثهما الحلم والهيبة والنجدة والجود، وأن رسول الله كان حاملهما، وأنهما سبطا رسول الله وسيدا شباب أهل الجنة، وكان رسول الله يحبهما ويشمّهما ويضمّهما إليه، ويقول: إنهما ريحانتاي ومن أحبهما فقد أحبه الله ورسوله.

____________________

١ - التهذيب، ج ٤، ص٢٠٦.

٤٢٢

الإمام الحسن بن عليّ

(عليهما السلام)

الأئمة الاثني عشر لابن طولون: وقد أشار إليهم في ضمن قصيدة، الإمام أبو الفضل يحيى بن سلامة الحصفكي ( الحصكفي ) منها:

أسأل عن قلبي وعن أحبابه

ومنهم كل مُقر يجحد

هم الحياة أغربوا أم أشأموا

أم أتهموا أم أيمنوا أم أنجدوا

هيهات ممزوج بلحمي ودمي

حبهم وهو الهُدى والرشد

حيدرة والحسنان بعده

ثم علي وابنه محمد

وجعفر الصادق وابن جعفر

موسى ويتلوه عليّ السيد

اعني الرضا ثم ابنه محمد

ثم عليّ وابنه المسدد

الحسن التالي ويتلو تلوه

محمد بن الحسن المعتَقَد

قوم هم أئمتي وسادتي

وإن لحاني معشر وفنّدوا

هم حجج الله على عباده

وهم إليه منهج ومقصد

قوم أتى في ( هل أتى ) مديحهم

هل شك في ذلك إلا مُلحد

ومن يخُن أحمد في أولاده

فخصمه يوم التلاقي أحمد

والشافعي مذهبي مذهبه

لأنه في قوله مؤيد(١)

ويروي: وثانيهم الحسن بن علي بن أبي طالب القرشي الهاشمي المدني، أبو محمد سبط رسول الله (ص) وريحانته وابن فاطمة بنت رسول الله (ص) سيدة نساء العالمين، ولد في نصف رمضان سنة ثلاث من الهجرة، روى عن النبي (ص) أحاديث(٢)

____________________

١ - الأئمة الاثني عشر لابن طولون، ص٣٩.

٢ - نفس المصدر، ص٦٣.

٤٢٣

سير الأعلام: فأخّر يزيد بن معاوية الحسن بن عليّ، فقال له أبوه: فأخّرت الحسن؟ قال: نعم. قال: لعلك تظن أن أمك مثل أمه، أو جدّك مثل جدّه!، فأما أبوك وأبوه فقد تحاكما إلى الله فحُكم لأبيك على أبيه.(١)

أقول: راجع في موضوع التحاكم إلى "فتنة حرب صفين".

ويروي : سمعت الحسن يخطب ويقول: يا أهل الكوفة، اتقوا الله فينا، فإنا أمراؤكم وإنا أضيافكم، ونحن أهل البيت الذي قال الله فيهم:( إِنَّما يُريدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ ) . قال: فما رأيت قطّ باكياً أكثر من يومئذٍ.(٢)

أقول: قد استقصينا حالات الإمام المجتبى (ع) في مجموعة مستقلة، فراجعها.

البدء والتاريخ: وقال آخرون: إن معاوية دسّ إلى جعدة بنت الأشعث بأن تسمّ الحسن ويزوّجها يزيد، فسمّته وقتلته، فقال لها معاوية: إن يزيد منّا بمكان، وكيف يصلح له من لا يصلح لابن رسول الله (ص)، وعوّضها منه مئة ألف درهم.(٣)

الاستيعاب: فلما مات الحسن، أتى الحسينُ عائشة فطلب ذلك إليها، فقالت: نعم وكرامة، فبلغ ذلك مروان، فقال مروان: كذب وكذبت، والله لا يدفن هناك أبداً، منعوا عثمان من دفنه في المقبرة ويريدون دفن الحسن في بيت عائشة فبلغ ذلك أبا هريرة فقال: والله ما هو إلا ظلم، يُمنع الحسن أن يُدفن مع أبيه!! والله، إنه لابن رسول الله (ص). ثم انطلق إلى الحسين فكلّمه وناشده الله، وقال له: أليس قد قال أخوك: إن خفت أن يكون قتال فرُدّوني إلى مقبرة المسلمين، فلم يزل به حتى فعل وحمله إلى البقيع.(٤)

الفصول المهمة لابن صبّاغ: لما صالح معاوية فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه، وصلى على نبيه محمد (ص) وآله، ثم قال: أيها الناس، أكيس الكيْس التقيّ،

____________________

١ - سير الأعلام، ج ٣، ص١٧٢.

٢ - نفس المصدر، ص١٨٠.

٣ - البدء والتاريخ، ج ٦، ص٥.

٤ - الاستيعاب، ج ١، ص٣٩٢.

٤٢٤

وأحمق الحُمق الفَجور، ولو أنكم طلبتم ما بين جابرقا وجابرسا من جده رسول الله (ص) ما وجدتموه غيري وغير أخي الحسين، وقد علمتم أن الله تعالى جلَّ ذكره وعزَّ اسمه هداكم بجدي محمد (ص)، وأنقذكم من الضلالة، وخلّصكم من الجهالة، وأعزّكم به بعد الذلة، وكثركم به بعد القلّة. وإن معاوية نازعني حقاً هو لي دونه، فنظرت لصلاح الأمة وقطع الفتنة، وقد كنتم بايعتموني على أن تسالموا من سالمني وتحاربوا من حاربني، فرأيت أن أسالم لمعاوية، وأضع الحرب بيني وبينه، وقد بايعته ورأيت أن حقن دماء المسلمين خير من سفكها، ولا أرِد بذلك إلا صلاحكم وبقاءكم( وَإِنْ أَدْري لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتاعٌ إِلى‏ حينٍ ) . (١)

أقول: هذه الخطبة بطرقها وهكذا سائر كلماته (ع) منقولة في رسالة الإمام المجتبى فراجعه.

مقاتل الطالبيين: وانصرف الحسن (رض) إلى المدينة فأقام بها، وأراد معاوية البيعة لابنه يزيد، فلم يكن شيء أثقل من أمر الحسن بن عليّ، وسعد بن أبي وقاص، فدسّ إليهما سماً فماتا منه.(٢)

ويروي: لما مات الحسن بن علي، وأخرجوا جنازته، حمل مروان سريره، فقال له الحسين: أتحمل سريره!! أما والله لقد كنت تجرعه الغيظ! فقال مروان: إني كنت أفعل ذلك بمن يوازن حلمه الجبال.(٣)

____________________

١ - الفصول المهمّة لابن صباغ، ص١٤٥.

٢ - مقاتل الطالبيين، ص٧٣.

٣ - نفس المصدر، ص٧٦.

٤٢٥

الإمام الحسين بن علي

(عليهما السلام)

الأئمة الاثني عشر: وثالثهم الحسين بن علي بن أبي طالب القرشيّ الهاشميّ المدنيّ، أبو عبد الله سبط رسول الله (ص) وريحانته، وهو وأخوه الحسن سيدا شباب أهل الجنة وُلد الحسين (رض) لخمس خلون من شعبان سنة أربع من الهجرة، قاله الزبير بن بكار وغيره.(١)

سير الأعلام: الإمام الشريف الكامل سبط رسول الله (ص) وريحانته من الدنيا ومحبوبه، أبو عبد الله الحسين بن أمير المؤمنين أبي الحسن عليّ بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف.(٢)

ويروي: عن يعلى العامريّ قال رسول الله (ص): حسين سبط من الأسباط، من أحبني فليحبّ حسيناً. وفي لفظ: أحبّ الله من أحبّ حسيناً.(٣)

الاستيعاب: علقت فاطمة بالحسين بعد مولد الحسن بخمسين ليلة ولم يكن بين الحسن والحسين إلا طهر واحد وعقّ عنه رسول الله (ص) كما عقّ عن أخيه، وكان الحسين فاضلاً ديّناً كثير الصيام والصلاة والحج.(٤)

كفاية الطالب للگنجي بإسناده عن ربيعة السعدي: لما اختلف الناس في التفضيل رحلت وأخذت زادي وخرجت حتى دخلت المدينة، فدخلت على حذيفة بن اليمان، فقال لي: ممن الرجل؟ قلت: من أهل العراق. فقال لي: من أيّ العراق؟ قلت: رجل من أهل الكوفة، قال مرحباً بكم يا أهل الكوفة.

____________________

١ - الأئمة الاثنى عشر، ص٧١.

٢ - سير الأعلام ج ٣، ص١٨٨.

٣ - نفس المصدر، ص١٩٠.

٤ - الاستيعاب، ج ١، ص٣٩٣.

٤٢٦

قلت: اختلف الناس في التفضيل فجئت لأسألك عن ذلك؟ فقال لي: على الخبير سقطت، أما إني لا أحدّثك إلا ما سمعته أذناي ووعاه قلبي وأبصرته عيناي: خرج علينا رسول الله (ص) كأني أنظر إليه كما أنظر إليك الساعة حامل الحسين بن علي (ع) على عاتقه، كأني انظر إلى كفّه الطيبة واضعها على قدمه يُلصقها صدره، فقال: أيها الناس لأعرّفنّ ما اختلفتم فيه من الخيار بعدي، هذا الحسين بن علي خير الناس جداً وجده، جده محمد رسول الله (ص) سيد النبيين، وجدّته خديجة بنت خويلد سابقة نساء العالمين إلى الإيمان بالله ورسوله. هذا الحسين بن علي خير الناس أباً وخير الناس أمّاً، أبوه عليّ بن أبي طالب أخو رسول الله ووزيره وابن عمه وسابق رجال العالمين. هذا الحسين بن علي خير الناس عماً وخير الناس عمة، عمه جعفر بن أبي طالب المزيّن بالجناحين يطير بهما في الجنة حيث يشاء، وعمّته أم هاني بنت أبي طالب. هذا الحسين بن عليّ خير الناس خالاً وخالة، خاله القاسم بن محمد رسول الله، وخالته زينب بنت محمد. ثم وضعه على عاتقه فدرج بين يديه وجثا. ثم قال: أيها الناس، هذا الحسين بن علي جده وجدته في الجنة، وأبوه وأمه في الجنة، وعمه وعمته في الجنة، وخاله وخالته في الجنة، إنه لم يؤت أحد من ذرية النبيين ما أوتي الحسين بن عليّ، ما خلا يوسف بن يعقوب.(١)

قلت [الگنجي ]: هذا سند اجتمع فيه جماعة من أئمة الأمصار.

تهذيب ابن عساكر: مثله.(٢)

ويروي أيضاً: بإسناده عن أبي المهزم، قال: كنا مع جنازة امرأة ومعنا أبو هريرة، فجيء بجنازة رجل فجعله بينه وبين المرأة، فصلى عليهما، فلما أقبلنا على الحسين (عليه السلام) فقعد في الطريق. فجعل أبو هريرة ينفض التراب عن قدميه بطرف ثوبه، فقال الحسين (ع): يا أبا هريرة وأنت تفعل هذا! فقال

____________________

١ - كفاية الطالب للكنجي، ص٢٧٣.

٢ - تهذيب ابن عساكر، ج ٤، ص٣٢٠.

٤٢٧

أبو هريرة: دعني فوالله لو علم الناس منك ما أعلم لحملوك على رقابهم.(١)

قلت: رواه كاتب الواقدي في كتابه، وأخرجه محدث الشام في تاريخه.

الإمامة والسياسة: وكتب إليه الحسين (رض): أما بعد، فقد جاءني كتابك تذكر فيه أنه انتهت إليك عني أمور ما أردت حرباً ولا خلافاً، وإني لأخشى الله في ترك ذلك منك ومن حزبك القاسطين المحلين. حزب الظالم وأعوان الشيطان الرجيم، ألست قاتل حُجر وأصحابه العابدين المُخبتين أوَلست قاتل عمرو بن الحمق الذي أخلقت وأبلت وجهه العبادة، فقتلته بعد ما أعطيته من العهود أوَلست المدعي زياداً في الإسلام فزعمت أنه ابن أبي سفيان، وقد قضى رسول الله (ص) أن (الولد للفراش وللعاهر الحجر)، ثم سلّطته على أهل الإسلام يقتلهم ويقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف ويصلّبهم على جذوع النخل. سبحان الله يا معاوية! لكأنك لست من هذه الأمة وليسوا منك وقلت فيما قلت: انظر لنفسك ولدينك ولأمة محمد! وإني والله ما أعرف أفضل من جهادك، فإن أفعل فإنه قربة إلى ربي، وإن لم أفعله فاستغفر الله لديني وأسأله التوفيق لما يحبّ ويرضى وأعلم أن الله ليس بناس لك قتلك بالظنة وأخذك بالتهمة، وإمارتك صبياً يشرب الشراب ويلعب بالكلاب، ما أراك إلا وقد أوثقت نفسك وأهلكت دينك وأضعت الرعية.(٢)

الكامل لابن الأثير: ثم إن الحسين خطبهم: فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس، إن رسول الله (ص) قال: من رأى سلطاناً جائراً مستحلاً لحرم الله، ناكثاً لعهد الله، مخالفاً لسنة رسول الله (ص)، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان فلم يُغيّر ما عليه بفعل ولا قول، كان حقاً على الله تعالى أن يُدخله مدخله، ألا وإنّ هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان وتركوا طاعة الرحمن وأظهروا الفساد وعطّلوا الحدود واستأثروا بالفيء وأحلوا حرام الله وحرّموا حلاله، وأنا أحقّ من غيري، وقد أتيتني كتبتم ورسلكم ببيعتكم، وأنكم لا تُسلموني ولا تخذلوني، فإن أقمتم على

____________________

١ - كفاية الطالب، ص٢٧٨.

٢ - الإمامة والسياسة، ص١٤٨.

٤٢٨

بيعتكم تُصيبوا رشدكم، وأنا الحسين بن علي وابن فاطمة بنت رسول الله (ص)، نفسي مع نفسكم وأهلي مع أهلكم، فلكم فيّ أسوة حسنة، وإن لم تفعلوا ونقضتم عهدي وخلعتم بيعتي فلعمري ما هي لكم بنكير، لقد فعلتموها بأبي وأخي وابن عمّي مسلم بن عقيل، والمغرور من أغترّ بكم، فحظّكم أخطأتم ونصيبكم ضيّعتم، ومن نكث فإنما ينكث على نفسه، وسيُغني الله عنكم. والسلام.

سأمضي وما بالموت عار على الفتى

إذا ما نوى خيراً وجاهد مسلما

و واوسى رجالاً صالحين بنفسه

وخالف مثبوراً وفارق مُجرما

فإن عشت لم أندم وإن مت لم ألم

كفي بك ذلاً أن تعيش وتُرغما(١)

____________________

١ - الكامل لابن الأثير، ج ٤، ص٢٠.

٤٢٩

فتنة:

قتل الحسين (ع)

سير الأعلام: عن أنس شهدت ابن زياد حيث أُتي برأس الحسين فجعل ينكث بقضيب معه، فقلت: أما أنه أشبههما بالنبي (ص).(١)

ويروي: عن ابن أبي نعم قال: كنت عند ابن عمر فسأله رجل عن دم البعوض؟ فقال: ممن أنت؟ فقال: من أهل العراق. قال: انظر إلى هذا يسألني عن دم البعوض! وقتلوا ابن رسول الله (ص)!! وقد سمعت رسول الله (ص) يقول: هما ريحانتاي من الدنيا.(٢)

البدء والتاريخ: فذكر أن يزيد أمر بنسائه وبناته فأقمن بدرجة المسجد حيث توقف الأسارى لينظر الناس إليهن، ووضع رأسه بين يديه وجعل ينكث بالقضيب في وجهه وهو يقول:

ليت أشياخي ببدر شهدوا

جزع الخزرج من وقع الأسل

ولأهلوا واستهلّوا فرحاً

ولقالوا يا يزيد لا تشل

فقام أبو برزة الأسلمي فقال: أما والله لقد أخذ قضيبك من ثغره مأخذاً، لربَّما رأيت رسول الله (ص) يرشفه. ثم بعث يزيد (عليه اللعنة) بأهله وبناته إلى المدينة، ورثته ابنة عقيل بن أبي طالب:

ماذا تقولون ان قال المليكُ لكم

ماذا فعلتم وأنتم آخر الأمم

بعترتي وبأهلي بعد مُفتقدي

منهم أُسارى وقتلى ضرّجوا بدم(٣)

____________________

١ - سير الأعلام، ج ٣، ص١٨٨.

٢ - نفس المصدر، ص١٨٩.

٣ - البدء والتاريخ، ج ٦، ص١١.

٤٣٠

سير الأعلام: عن سعد بن جمهان: أن النبي (ص) أتاه جبريل بتراب من التربة التي يقتل بها الحسين، وقيل اسمها: كربلاء. فقال النبي (ص): كرب وبلاء.(١)

ويروي أيضاً: قال الحسين (ع): فارجعوا إلى أنفسكم هل يصلح لكم قتلي أو يحل دمي؟ ألست ابن بنت نبيكم وابن ابن عمه؟ أوليس حمزة والعباس وجعفر عمومتي؟ ألم يبلغكم قول رسول الله (ص) فيّ وفي أخي: هذان سيدا شباب أهل الجنة.(٢)

ويروي: عن زيد بن أرقم ؛ كنت عند عبيد الله فأتي برأس الحسين، فأخذ قضيباً فجعل يفترّ به على شفتيه، فلم أرَ ثغراً كان أحسن منه كأنه الدرّ، فلم أملك أن رفعت صوتي بالبكاء، فقال: ما يُبكيك أيها الشيخ؟ قلت: يُبكيني ما رأيت من رسول الله (ص) رأيته يَمصّ موضع هذا القضب ويلثمه، ويقول: اللَّهُم إني أحبه فأحبه.(٣)

ويروي: عن يونس بن حبيب: لما قتل عبيد الله الحسين بعث برؤوسهم إلى يزيد، فسرّ بقتلهم أولاً، ثم لم يلبث حتى ندم على قتلهم، فكان يقول: وما عليّ لو احتملت الأذى وأنزلت الحسين معي وحكّمتهم فيما يريد وإن كان على ذلك وهن، حفظاً لرسول الله (ص) ورعاية لحقه. لعن الله ابن مرجانة! (يعني عبيد الله) فإنه أخرجه واضطرّه، وقد كان سأل أن يُخلي سبيله أن يرجع من حيث أقبل، أو يأتيني فيضع يده في يدي، أو يلحق بثَغر من الثُغور، فأبى ذلك عليه وقتله، فأبغضني بقتله المسلمون وزرع لي في قلوبهم العداوة.(٤)

ويروي: عن شهر بن حوشب. كنت عند أمّ سلمة زوج النبي (ص) حين أتاها قتلُ الحسين (ع) فقالت: قد فعلوها ملأ الله بيوتهم وقبورهم ناراً، ووقعت

____________________

١ - سير الأعلام، ج ٣، ص١٩٥.

٢ - نفس المصدر، ص٢٠٣.

٣ - سير الأعلام، ج ٣، ص٢١٢.

٤ - نفس المصدر، ص٢١٤.

٤٣١

مغشيّاً عليها، فقمنا.(١)

الاستيعاب: عن الحسن البصري أصيب مع الحسين بن عليّ ستة عشر رجلاً من أهل بيته ما على وجه الأرض يومئذٍ لهم شبه.(٢)

الكامل لابن الأثير: فأرسل عمر بن سعد بن الحجاج على خمسمئة فارس، فنزلوا على الشريعة وحالوا بين الحسين وبين الماء، وذلك قبل قتل الحسين بثلاثة أيام، ونادى عبيد الله بن الحصين الأزدي: يا حسين، أما تنظر إلى الماء لا تذوق له من قطرة حتى تموت عطشاً. قال، فمرض فيما بعد، فكان يشرب الماء من القلة ثم يقيء، ثم يعود فيشرب حتى يتغرغر ثم يقيء. ثم يشرب فما يروي، فما زال كذلك حتى مات.(٣)

ويروي أيضاً: أما بعد، فانسبوني فانظروا من أنا، ثم راجعوا أنفسكم فعاتبوها، وانظروا هل يصلح ويحلّ لكم قتلي وانتهاك حرمتي؟ ألست ابن بنت نبيكم؟ وابن وصيّه وابن عمه وأولى المؤمنين بالله والمصدّق لرسوله؟ أوَليس حمزة سيد الشهداء عمّ أبي؟ أوَليس جعفر الشهيد الطيار في الجنة عمي؟ أوَلم يبلغكم قول مستفيض إن رسول الله (ص) قال لي ولأخي: أنتما سيدا شباب أهل الجنة وقرنا عين أهل السنة. فان صدّقتموني بما أقول، وهو الحق، والله ما تعمدت كذباً مذ علمت أن الله يمقت عليه، وإن كذّبتموني فإن فيكم من إن سألتموه عن ذلك أخبركم. سلوا جابر بن عبد الله وأبا سعيد أو سهل بن سعد أو زيد بن أرقم أو أنساً يُخبروكم أنهم سمعوه من رسول الله (ص). أمَا في هذا حاجز يحجزكم عن سفك دمي؟ لا والله لا أُعطهم بيدي إعطاء الذليل، ولا أقرّ إقرار العبيد. عباد الله إني عذب بربّي وربّكم أن ترجموني، أعوذ

____________________

١ - نفس المصدر السابق، ص٢١٥.

٢ - الاستيعاب، ج ١، ص٢٩٦.

٣ - الكامل لابن الأثير، ج ٤، ص٢٢.

٤٣٢

بربّي وربّكم من كلّ متكبّر لا يؤمن بيوم الحساب.(١)

ويروي أيضاً: فقال الحُرّ: يا أهل الكوفة، لأمكم الهبل والعبر دعوتموه حتى إذا أتاكم سلّمتموه وزعمتم أنك قاتلوا أنفسكم دونه، ثم عدوتم عليه لتقتلوه، أمسكتم بنفسه وأحطتم به، ومنعتموه من التوجه في بلاد الله العريضة حتى يأمن ويأمن أهل بيته، فأصبح كالأسير لا يملك لنفسه نفعاً ولا يدفع عنها ضراً، ومنعتموه ومن معه عن ماء الفرات الجاري، يشربه اليهودي والنصرانيّ والمجوسيّ، يتمرّغ فيه خنازير السواد وكلابه، وها هو وأهله قد صرعهم العطش، بئس ما خلفتم محمداً في ذرّيته، لا سقاكم الله يوم الظمأ إن لم تتوبوا.(٢)

ويروي: وقيل لما وصل رأس الحسين (ع) إلى يزيد حسنت حال ابن زياد عنده وزاده ووصله، وسرّه ما فعل، ثم لم يلبث إلا يسيراً حتى بلغه بُغض الناس له ولعنُهم وسبهم، فندم على قتل الحسين فكان يقول: وما عليَّ لو احتملت الأذى وأنزلت الحسين معي في داري، وحكّمته فيما يريد، وإن كان عليّ في ذلك وهن في سلطاني، حفظا لرسول الله (ص) ورعاية لحقه وقرابته، لعن الله ابن مرجانة، فإنه اضطرّه.(٣)

____________________

١ - نفس المصدر السابق، ص٢٥.

٢ - الكامل لابن الأثير، ج ٤، ص٢٦.

٣ - نفس المصدر، ص٣٦.

٤٣٣

فتنة:

بيعة يزيد

البدء والتاريخ: ولما بويع يزيد تلكّأ الحسين وعبد الله بن الزبير عن بيعته، ولحقا بمكة. فأما الحسين فخرج إلى الكوفة حتى استشهد بكربلاء. وأما عبد الله فامتنع بمكة ولاذ بالكعبة ودعا الناس إلى الشورى، وجعل يلعن يزيد وسماه الفاسق المتكبّر، وقال: لا يرضى الله بعهد معاوية إلى يزيد وبلغ الخبر يزيد فبعث مسلم بن عقبة المُرّي في جيش كثيف فجاء مسلم بن عقبة فأوقع بالمدينة، وقتل أربعة آلاف رجل من أفناء الناس، وسبعين رجلاً من الأنصار، وبقر بطون النساء وأباح الحُرم، وأنهب المدينة ثلاثة أيام، وبايعهم على أنه فيء ليزيد وجعل يفعل فيهم ما شاء، وكانت الوقعة بالحرة وهي ضاحي المدينة ثم سار نحو مكة وكان وُلد يزيد بالماطرون ومات بحوارين، وهو ابن ثمان وثلاثين سنة. وفيه يقول الشاعر

يا أيها القبر بحوارينا

ضممت شر الناس أجمعينا

ولما مات يزيد، صار الأمر إلى ولده معاوية بن يزيد، وكان قدريّاً فخطب معاوية فقال: إنَّا بُلينا بكم وابتليتم بنا، وإن جدّي معاوية نازع الأمر من كان أولى به وأحقّ، فركب منه ما تعلمون حتى صار مرتهناً بعمله، ثم تقلّده أبي، ولقد كان غير خليق به، فركب رَدعه واستحسن خطأه، ولا أحبّ أن ألقى الله بتباعتكم، فشأنكم وأمركم، ولّوه من شئتم، فوالله لئن كانت الخلافة مغنماً ؛ لقد أصبنا منها حظاً، وإن كانت شراً ؛ فحسبُ آل أبي سفيان ما أصابوا منها. ثم نزل وأغلق الباب في وجهه.(١)

____________________

١ - البدء والتاريخ، ج ٦، ص١٣.

٤٣٤

الإمامة والسياسة: فقام الحسين فحمد الله وصلى على الرسول، ثم قال: أما بعد، يا معاوية فلن تؤدّي القائل وإن أطنب في صفة الرسول (ص).. وفهمت ما ذكرته عن يزيد من اكتماله وسياسته لأمة محمد: تريد أن توهم الناس في يزيد، كأنك تصف محجوباً أو تنعت غائباً أو تخبر عما كان مما احتويته بعلم خاص، وقد دلّ يزيد من نفسه على موقع رأيه، فخذ ليزيد فيما أخذ به من استقرائه الكلاب المُهارشة عند التحارش والحمام السبق لأترابهن والقينات ذوات المعارف وضروب الملاهي.(١)

ويروي: وذكروا أنّ مسلماً لما فرغ من قتال أهل المدينة ونهبها، كتب إلى يزيد بن معاوية، وفيها: فما صليت الظهر أصلح الله أمير المؤمنين إلا في مسجدهم بعد القتل الذريع والانتهاب العظيم، وأوقعنا بهم السيوف وقتلنا من أشرف لنا منهم، وأتبعنا مُدبرهم وأجهزنا على جريحهم، وانتهبناها ثلاثاً كما قال أمير المؤمنين أعزّ الله نصره، وجعلت دور بني الشهيد عثمان بن عفان في حرز وأمان، فالحمد لله الذي شفا صدري من قتل أهل الخلاف القديم والنفاق العظيم، فطالما عتوا وقديماً ما طغوا.(٢)

الخلفاء للسيوطي: قال الحسن البصريّ: أفسد أمر الناس اثنان: عمرو بن العاص يوم أشار على معاوية برفع المصاحف، فحُملت، ونال من القرّاء فحكّم الخوارج، فلا يزال هذا التحكيم إلى يوم القيامة. والمغيرةُ بن شعبة فإنه كان عامل معاوية على الكوفة، فكتب إليه معاوية إذا قرأت كتابي فأقبل معزولاً، فأبطأ عنه، فلما ورد عليه. قال: ما أبطأ بك؟ قال: أمر كنت أوطّئه وأهيِّئه، قال: وما هو؟ قال: البيعة ليزيد من بعدك قال: أو قد فعلت؟ قال: نعم. قال: ارجع إلى عملك. فلما خرج قال له أصحابه: ما وراءك؟ قال: وضعت رجل معاوية في غرز غيّ لا يزال فيه إلى يوم القيامة.(٣)

____________________

١ - الإمامة والسياسة، ص١٥٢.

٢ - نفس المصدر، ص١٧٨.

٣ - الخلفاء للسيوطي، ص٧٩.

٤٣٥

تاريخ الخلفاء: وكانت وقعة الحرة على باب طيبة، وما أدراك ما وقعة الحرة. ذكرها الحسن مرّة فقال: والله، ما كان ينجو منهم أحد، قتل فيها خلق من الصحابة (رضي الله عنهم) ومن غيرهم، ونُهبت المدينة، وافتض فيها ألف عذراء، فإنا لله وإنا إليه راجعون. قال صلّى الله عليه وسلّم:من أخاف أهل المدينة أخافه الله وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين . وإن عبد الله بن حنظلة بن الغسيل قال: والله، ما خرجنا على يزيد حتى خفنا أن نُرمى بالحجارة من السماء، إنه رجل ينكح أمهات الأولاد والبنات والأخوات ويشرب الخمر ويدع الصلاة.(١)

مروج الذهب: وكان يزيد صاحب طرب وجوارح وكلاب وقرود وفهود ومنادمة على الشراب، وجلس ذات يوم على شرابه وعن يمينه ابن زياد، وذلك بعد قتل الحسين، فأقبل على ساقيه

أسقني شربة تَروى مشاشي

ثم صل فاسق مثلها ابن زياد

صاحبَ السر والأمانة عندي

ولتسديد مغنمي وسدادي

ثم أمر المغنّين فغنّوا، وغلب على أصحاب يزيد وعماله ما كان يفعله من الفسوق، وفي أيامه ظهر الغناء بمكة والمدينة، واستعملت الملاهي، وأظهر الناس شرب الشراب، وكان له قرد يكنّى بأبي قيس يحضر مجلس منادمته.(٢)

____________________

١ - تاريخ الخلفاء، ص٨١.

٢ - مروج الذهب، ج ٢، ص٩٤.

٤٣٦

الإمام الرابع

علي بن الحسين (عليهما السلام)

الأئمّة الاثني عشر: ورابعهم علي (رض) وهو أبو الحسن عليّ بن الحسين المعروف بزين العابدين، ويقال له: علي الأصغر، وليس للحسين (رض) عقب إلا من ولد زين العابدين هذا، وهو من سادات التابعين.

قالالزهري: ما رأيت قرشيّاً أفضل منه وفضائل زين العابدين ومناقبه أكثر من أن تحصى، وكانت ولادته يوم الجمعة في بعض شهور سنة ثمان وثلاثين من الهجرة.(١)

وفيات الأعيان: كما قلنا في الأئمة كلمة بكلمة.(٢)

الاستيعاب: عن سفيان بن عيينة، قال لي جعفر بن محمد: توفى عليّ بن أبي طالب وهو ابن ثمان وخمسين سنة، وقتل الحسين بن عليّ وهو ابن ثمان وخمسين سنة، وتوفِّي علي بن الحسين وهو ابن ثمان وخمسين سنة، وتوفِّي محمد بن علي بن الحسين وهو ابن ثمان وخمسين سنة. وقال لي جعفر بن محمد: وأنا بهذه السنة في ثمان وخمسين فتوفى فيها.(٣)

كفاية الطالب: مولانا زين العابدين ومنار القانتين أبو محمد علي بن الحسين بن علي (عليه السلام)، كان عابداً وفيّاً وجواداً حفيّاً، وأمه شاه زنان بنت يزدجرد بن شهريار ابن كسرى.(٤)

ويروي: عن عبد الرحمن القرشيّ وكان إذا توضّأ اصفرّ، فيقول له أهله:

____________________

١ - الأئمة الاثنى عشر، ص٧٥.

٢ - وفيات الأعيان، ج ١، ص٣٤٧.

٣ - الاستيعاب، ج ١، ص٣٩٧.

٤ - كفاية الطالب، ص٢٩٨.

٤٣٧

ما هذا الذي يعتادك عند الوضوء؟ فيقول: أتدرون بين يدي من أريد أن أقوم.(١)

ويروي: عن سفيان بن عيينة: حج عليّ بن الحسين، فلما أحرم واستوت به راحلته اصفرّ لونه وانتفض ووقعت عليه الرعدة ولم يستطع أن يُلبّي، فقيل له: ما لك؟ فقال: أخشى أن أقول: لبيك، فيقال: لا لبيك، فقيل له: لا بد من هذا. قال: فلما لبى غشي عليه وسقط من راحلته، فلم يزل يعتريه ذلك حتى قضى حجه.(٢)

قلت: رواه ابن عساكر في تاريخه.

حلية الأولياء: عن ابن عائشة، سمعت أهل المدينة يقولون: ما فقدنا صدقة السر حتى مات علي بن الحسين.(٣)

تذكرة الحفاظ: عليّ بن الحسين بن أمير المؤمنين عليّ، زين العابدين، أبو الحسين الهاشميّ المدنيّ، حضر كربلاء مريضاً، فقال عمر بن سعد: لا تعرضوا لهذا. وكان يومئذٍ ابن نيف وعشرين سنة. وكان من أفضل أهل بيته وأحسنهم طاعة وأحبهم إلى عبد الملك. قال أبو حازم: ما رأيت هاشمياً أفضل منه. وعن ابن المسيّب: ما رأيت أورع منه. وقال مالك: بلغني أنه كان يصلي في اليوم والليلة ألف ركعة إلى أن مات، وكان يسمّى (زين العابدين) لعبادته.(٤)

الطبقات الكبرى: عن عبد الله بن أبي سليمان: كان عليّ بن الحسين (ع) إذا مشى لا تجاوز يده فخذه ولا يَخطر بيده، وكان إذا قام إلى الصلا أخذته رِعدة، فيقل له: ما لك؟ فقال: ما تدرون بين يديّ من أقوم وأناجي.(٥)

ويروي أيضاً: أن عليّ بن الحسين يُبخّل، فلما مات وجدوه يقوت مئة أهل بيت بالمدينة في السرّ. قالوا: وكان ثقة مأموناً كثيراً الحديث عالياً رفيعاً ورعاً.(٦)

____________________

١ - نفس المصدر، ص٣٠٠.

٢ - نفس المصدر، ص٣٠١.

٣ - حلية الأولياء، ج ٣، ص١٣٦.

٤ - تذكرة الحفاظ، ج ١، ص٧٤.

٥ - الطبقات، ج ٥، ص٢١٦.

٦ - نفس المصدر، ص٢٢٢.

٤٣٨

الفصول المهمة لابن صباغ: لما حج هشام بن عبد الملك في حياة أبيه دخل إلى الطواف وجهد أن يستلم الحجر الأسود، فلم يصل إليه لكثرة زحام الناس إليه، فنصب إليه منبر إلى جانب زمزم في الحطيم، وجلس عليه وحوله جماعة من أهل الشام، فبينما هم كذلك، إذ أقبل علي بن الحسين (ع) يريد الطواف، فلما انتهى إلى الحجر الأسود تنحّى الناس عنه حتى استلم الحجر، فقال رجل من أهل الشام: من هذا الذي قد هابه الناس هذه المهابة فتنحّوا عنه يميناً وشمالاً؟ فقال هشام: لا أعرفه! مخافة أن يرغب فيه أهل الشام! وكان الفرزدق حاضراً، فقال للشامي: أنا أعرفه، فقال الشامي: من هو يا أبا فراس؟ فقال:

هذا الّذي تعرف البطحاء وطأته

والبيت يعرفه والحل والحرم

هذا ابن خير عباد الله كلهم

هذا التقى النقي الطاهر العلم

إذا رأته قريش قال قائلها

إلى مكارم هذا ينتهي الكرم

ينمى إلى ذروة العز التي قصرت

عن نيلها عربُ الإسلام والعجم

يُغضِي حياء و يُغضَى من مهابته

فما يُكلَّم إلاَّ حين يبتسم

مشتقة من رسول الله نبعته

طابت عناصره والجسم والشيم

هذا ابن فاطمة إن كنت جاهله

بجده أنبياء الله قد خُتموا

من معشر حبهم دين وبغضهم

كفر وقربهم منجى ومعتصم

إن عُدّ أهل التقى كانوا أئمتهم

أو قيل: من خير أهل الأرض؟ قيل: هم

مقدم بعد ذكر الله ذكرهم

في كل بدو ومختموم به الكلم

فلما سمع هشام هذه القصيدة غضب إلخ.(١)

ويروي أيضاً: وعن طاووس قال: دخلت الحجر في الليل فإذا عليّ بن الحسين (ع) قد دخل يصلي ما شاء الله تعالى، ثم سجد سجدة فأطال فيها، فقلت: رجل صالح من بيت النبوة لأصغينّ إليه، فسمعته يقول: عبدك بفنائك، مسكينك بفنائك، سائلك بفنائك، فقيرك بفنائك. قال طاووس: فوالله ما صليت

____________________

١ - الفصول المهمّة لابن صباغ، ص١٨٩.

٤٣٩

ودعوت فيهنّ في كرب إلا فّج عني.(١)

حلية الأولياء: عن عمرو بن ثابت: لما مات عليّ بن الحسين فغسّلوه جعلوا ينظرون إلى آثار سواد بظهره، فقالوا: ما هذا؟ فقيل: كان يحمل جرب الدقيق ليلاً على ظهره يعطيه فقراء أهل المدينة. (٢)

ويروي أيضاً: سئل عليّ بن الحسين (ع) عن كثرة بكائه، فقال: لا تلوموني، فإن يعقوب فقد سبطا من ولده، فبكى حتى ابيضت عيناه ولم يعلم أنه مات. وقد نظرت إلى أربعة عشر رجلاً من أهل بيتي في غداة واحدة، أفترون حزنهم يذهب من قلبي.(٣)

مروج الذهب: ونظر الناس إلى عليّ بن الحسين السجاد وقد لاذ بالقبر وهو يدعو، فأُتي به إلى مسرف وهو مغتاظ عليه، فتبرّأ منه ومن آبائه، فلما رآه وقد أشرف عليه ارتعد وقام له، وأقعده إلى جانبه وقال له: سلني حوائجك فقيل لعليّ رأيناك تحرك شفتيك فما الذي قلت؟ قال: قلت: اللَّهُم رب السماوات السبع وما أظللن، والأرضين السبع وما أقللن، رب العرش العظيم، رب محمد وآله الطاهرين، أعوذ بك من شره، وأدرأ بك في نحره، أسألك أن تُؤتيني خيره، وتكفيني شره. وقيل لمسلم: رأيناك تسبّ هذا الغلام وسلفه، فلما أتي به إليك رفعت منزلته؟! فقال: وما كان ذلك لرأي مني، لقد مُليء قلبي منه رعباً.(٤)

____________________

١ - الفصول المهمة لابن صباغ، ص١٨٣.

٢ - حلية الأولياء ج ٣، ص١٣٦.

٣ - نفس المصدر، ص١٣٨.

٤ - مروج الذهب ج ٢، ص٩٦.

٤٤٠