الحقائق في تاريخ الاسلام

الحقائق في تاريخ الاسلام8%

الحقائق في تاريخ الاسلام مؤلف:
تصنيف: كتب متنوعة
الصفحات: 495

الحقائق في تاريخ الاسلام
  • البداية
  • السابق
  • 495 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 193445 / تحميل: 7471
الحجم الحجم الحجم
الحقائق في تاريخ الاسلام

الحقائق في تاريخ الاسلام

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

الله (ص) صوت الحسن والحسين وهما يبكيان وهما مع أمهما، فأسرع السير حتى أتاهما، فسمعته يقول: ما شأن ابنيّ؟ فقالت: العطش فأخذه فضمّه إلى صدره وهو يضغو ما يسكت، فأدلع له لسانه فجعل يمصّه حتى هدأ وسكن، فلم أسمع له بكاء، والآخر يبكي كما هو ما يسكت، فقال: ناوليني الآخر، فناولته إياه ففعل به كذلك فسكت فلم أسمع لهما صوتاً. فقال: سيروا، فصدعنا يميناً وشمالاً عن الظعائن حتى لقيناه على قارعة الطريق، فكيف لا أحب هذين وقد رأيت هذا من رسول الله (ص).(١)

ابن ماجة: عن ابن عمر: قال رسول الله (ص): الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة وأبوهما خير منهما.(٢)

مستدرك الحاكم: يروي بأسناد مختلفة نظيره.(٣)

ويروي: عن حذيفة عن النبي (ص)، قال: أتاني جبريل فقال: إن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة.(٤)

تهذيب ابن عساكر: عن حذيفة قال: أتيت النبي (ص) وهو يصلّي ثم قال: أما رأيت العارض الذي عرض لي قبيل ذلك؟ فقلت: بلى. قال: هو ملك من الملائكة لم يهبط إلى الأرض قطّ قبل هذه الليلة، استأذن ربه أن يُسلم عليّ وبشّرني أن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة وأن فاطمة سيدة أهل الجنة.

مسند أحمد: عن الخدري، قال رسول الله (ص): الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة.(٦)

ويروي: عن حذيفة كما فيالتهذيب .(٧)

____________________

١ - نفس المصدر السابق، ص٢٠٨.

٢ - ابن ماجة، ج ١، ص٥٦.

٣ - مستدرك الحاكم، ج ٣، ص١٦٧.

٤ - نفس المصدر، ص٣٨١.

٥ - تهذيب ابن عساكر، ج ٤، ص٩٥.

٦ - مسند أحمد، ج ٣، ص٣.

٧ - نفس المصدر، ج ٥، ص٣٩١.

٤٢١

التهذيب: عن جابر مرفوعاً: من سره أن ينظر إلى سيدي شباب أهل الجنة فلينظر إلى الحسن والحسين.(١)

أقول: يستفاد من هذه الأحاديث أنهما كانا يمشيان في ضوء البرق، وكانا أشبه برسول الله، وعوَّذهما رسول الله، وأورثهما الحلم والهيبة والنجدة والجود، وأن رسول الله كان حاملهما، وأنهما سبطا رسول الله وسيدا شباب أهل الجنة، وكان رسول الله يحبهما ويشمّهما ويضمّهما إليه، ويقول: إنهما ريحانتاي ومن أحبهما فقد أحبه الله ورسوله.

____________________

١ - التهذيب، ج ٤، ص٢٠٦.

٤٢٢

الإمام الحسن بن عليّ

(عليهما السلام)

الأئمة الاثني عشر لابن طولون: وقد أشار إليهم في ضمن قصيدة، الإمام أبو الفضل يحيى بن سلامة الحصفكي ( الحصكفي ) منها:

أسأل عن قلبي وعن أحبابه

ومنهم كل مُقر يجحد

هم الحياة أغربوا أم أشأموا

أم أتهموا أم أيمنوا أم أنجدوا

هيهات ممزوج بلحمي ودمي

حبهم وهو الهُدى والرشد

حيدرة والحسنان بعده

ثم علي وابنه محمد

وجعفر الصادق وابن جعفر

موسى ويتلوه عليّ السيد

اعني الرضا ثم ابنه محمد

ثم عليّ وابنه المسدد

الحسن التالي ويتلو تلوه

محمد بن الحسن المعتَقَد

قوم هم أئمتي وسادتي

وإن لحاني معشر وفنّدوا

هم حجج الله على عباده

وهم إليه منهج ومقصد

قوم أتى في ( هل أتى ) مديحهم

هل شك في ذلك إلا مُلحد

ومن يخُن أحمد في أولاده

فخصمه يوم التلاقي أحمد

والشافعي مذهبي مذهبه

لأنه في قوله مؤيد(١)

ويروي: وثانيهم الحسن بن علي بن أبي طالب القرشي الهاشمي المدني، أبو محمد سبط رسول الله (ص) وريحانته وابن فاطمة بنت رسول الله (ص) سيدة نساء العالمين، ولد في نصف رمضان سنة ثلاث من الهجرة، روى عن النبي (ص) أحاديث(٢)

____________________

١ - الأئمة الاثني عشر لابن طولون، ص٣٩.

٢ - نفس المصدر، ص٦٣.

٤٢٣

سير الأعلام: فأخّر يزيد بن معاوية الحسن بن عليّ، فقال له أبوه: فأخّرت الحسن؟ قال: نعم. قال: لعلك تظن أن أمك مثل أمه، أو جدّك مثل جدّه!، فأما أبوك وأبوه فقد تحاكما إلى الله فحُكم لأبيك على أبيه.(١)

أقول: راجع في موضوع التحاكم إلى "فتنة حرب صفين".

ويروي : سمعت الحسن يخطب ويقول: يا أهل الكوفة، اتقوا الله فينا، فإنا أمراؤكم وإنا أضيافكم، ونحن أهل البيت الذي قال الله فيهم:( إِنَّما يُريدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ ) . قال: فما رأيت قطّ باكياً أكثر من يومئذٍ.(٢)

أقول: قد استقصينا حالات الإمام المجتبى (ع) في مجموعة مستقلة، فراجعها.

البدء والتاريخ: وقال آخرون: إن معاوية دسّ إلى جعدة بنت الأشعث بأن تسمّ الحسن ويزوّجها يزيد، فسمّته وقتلته، فقال لها معاوية: إن يزيد منّا بمكان، وكيف يصلح له من لا يصلح لابن رسول الله (ص)، وعوّضها منه مئة ألف درهم.(٣)

الاستيعاب: فلما مات الحسن، أتى الحسينُ عائشة فطلب ذلك إليها، فقالت: نعم وكرامة، فبلغ ذلك مروان، فقال مروان: كذب وكذبت، والله لا يدفن هناك أبداً، منعوا عثمان من دفنه في المقبرة ويريدون دفن الحسن في بيت عائشة فبلغ ذلك أبا هريرة فقال: والله ما هو إلا ظلم، يُمنع الحسن أن يُدفن مع أبيه!! والله، إنه لابن رسول الله (ص). ثم انطلق إلى الحسين فكلّمه وناشده الله، وقال له: أليس قد قال أخوك: إن خفت أن يكون قتال فرُدّوني إلى مقبرة المسلمين، فلم يزل به حتى فعل وحمله إلى البقيع.(٤)

الفصول المهمة لابن صبّاغ: لما صالح معاوية فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه، وصلى على نبيه محمد (ص) وآله، ثم قال: أيها الناس، أكيس الكيْس التقيّ،

____________________

١ - سير الأعلام، ج ٣، ص١٧٢.

٢ - نفس المصدر، ص١٨٠.

٣ - البدء والتاريخ، ج ٦، ص٥.

٤ - الاستيعاب، ج ١، ص٣٩٢.

٤٢٤

وأحمق الحُمق الفَجور، ولو أنكم طلبتم ما بين جابرقا وجابرسا من جده رسول الله (ص) ما وجدتموه غيري وغير أخي الحسين، وقد علمتم أن الله تعالى جلَّ ذكره وعزَّ اسمه هداكم بجدي محمد (ص)، وأنقذكم من الضلالة، وخلّصكم من الجهالة، وأعزّكم به بعد الذلة، وكثركم به بعد القلّة. وإن معاوية نازعني حقاً هو لي دونه، فنظرت لصلاح الأمة وقطع الفتنة، وقد كنتم بايعتموني على أن تسالموا من سالمني وتحاربوا من حاربني، فرأيت أن أسالم لمعاوية، وأضع الحرب بيني وبينه، وقد بايعته ورأيت أن حقن دماء المسلمين خير من سفكها، ولا أرِد بذلك إلا صلاحكم وبقاءكم( وَإِنْ أَدْري لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتاعٌ إِلى‏ حينٍ ) . (١)

أقول: هذه الخطبة بطرقها وهكذا سائر كلماته (ع) منقولة في رسالة الإمام المجتبى فراجعه.

مقاتل الطالبيين: وانصرف الحسن (رض) إلى المدينة فأقام بها، وأراد معاوية البيعة لابنه يزيد، فلم يكن شيء أثقل من أمر الحسن بن عليّ، وسعد بن أبي وقاص، فدسّ إليهما سماً فماتا منه.(٢)

ويروي: لما مات الحسن بن علي، وأخرجوا جنازته، حمل مروان سريره، فقال له الحسين: أتحمل سريره!! أما والله لقد كنت تجرعه الغيظ! فقال مروان: إني كنت أفعل ذلك بمن يوازن حلمه الجبال.(٣)

____________________

١ - الفصول المهمّة لابن صباغ، ص١٤٥.

٢ - مقاتل الطالبيين، ص٧٣.

٣ - نفس المصدر، ص٧٦.

٤٢٥

الإمام الحسين بن علي

(عليهما السلام)

الأئمة الاثني عشر: وثالثهم الحسين بن علي بن أبي طالب القرشيّ الهاشميّ المدنيّ، أبو عبد الله سبط رسول الله (ص) وريحانته، وهو وأخوه الحسن سيدا شباب أهل الجنة وُلد الحسين (رض) لخمس خلون من شعبان سنة أربع من الهجرة، قاله الزبير بن بكار وغيره.(١)

سير الأعلام: الإمام الشريف الكامل سبط رسول الله (ص) وريحانته من الدنيا ومحبوبه، أبو عبد الله الحسين بن أمير المؤمنين أبي الحسن عليّ بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف.(٢)

ويروي: عن يعلى العامريّ قال رسول الله (ص): حسين سبط من الأسباط، من أحبني فليحبّ حسيناً. وفي لفظ: أحبّ الله من أحبّ حسيناً.(٣)

الاستيعاب: علقت فاطمة بالحسين بعد مولد الحسن بخمسين ليلة ولم يكن بين الحسن والحسين إلا طهر واحد وعقّ عنه رسول الله (ص) كما عقّ عن أخيه، وكان الحسين فاضلاً ديّناً كثير الصيام والصلاة والحج.(٤)

كفاية الطالب للگنجي بإسناده عن ربيعة السعدي: لما اختلف الناس في التفضيل رحلت وأخذت زادي وخرجت حتى دخلت المدينة، فدخلت على حذيفة بن اليمان، فقال لي: ممن الرجل؟ قلت: من أهل العراق. فقال لي: من أيّ العراق؟ قلت: رجل من أهل الكوفة، قال مرحباً بكم يا أهل الكوفة.

____________________

١ - الأئمة الاثنى عشر، ص٧١.

٢ - سير الأعلام ج ٣، ص١٨٨.

٣ - نفس المصدر، ص١٩٠.

٤ - الاستيعاب، ج ١، ص٣٩٣.

٤٢٦

قلت: اختلف الناس في التفضيل فجئت لأسألك عن ذلك؟ فقال لي: على الخبير سقطت، أما إني لا أحدّثك إلا ما سمعته أذناي ووعاه قلبي وأبصرته عيناي: خرج علينا رسول الله (ص) كأني أنظر إليه كما أنظر إليك الساعة حامل الحسين بن علي (ع) على عاتقه، كأني انظر إلى كفّه الطيبة واضعها على قدمه يُلصقها صدره، فقال: أيها الناس لأعرّفنّ ما اختلفتم فيه من الخيار بعدي، هذا الحسين بن علي خير الناس جداً وجده، جده محمد رسول الله (ص) سيد النبيين، وجدّته خديجة بنت خويلد سابقة نساء العالمين إلى الإيمان بالله ورسوله. هذا الحسين بن علي خير الناس أباً وخير الناس أمّاً، أبوه عليّ بن أبي طالب أخو رسول الله ووزيره وابن عمه وسابق رجال العالمين. هذا الحسين بن علي خير الناس عماً وخير الناس عمة، عمه جعفر بن أبي طالب المزيّن بالجناحين يطير بهما في الجنة حيث يشاء، وعمّته أم هاني بنت أبي طالب. هذا الحسين بن عليّ خير الناس خالاً وخالة، خاله القاسم بن محمد رسول الله، وخالته زينب بنت محمد. ثم وضعه على عاتقه فدرج بين يديه وجثا. ثم قال: أيها الناس، هذا الحسين بن علي جده وجدته في الجنة، وأبوه وأمه في الجنة، وعمه وعمته في الجنة، وخاله وخالته في الجنة، إنه لم يؤت أحد من ذرية النبيين ما أوتي الحسين بن عليّ، ما خلا يوسف بن يعقوب.(١)

قلت [الگنجي ]: هذا سند اجتمع فيه جماعة من أئمة الأمصار.

تهذيب ابن عساكر: مثله.(٢)

ويروي أيضاً: بإسناده عن أبي المهزم، قال: كنا مع جنازة امرأة ومعنا أبو هريرة، فجيء بجنازة رجل فجعله بينه وبين المرأة، فصلى عليهما، فلما أقبلنا على الحسين (عليه السلام) فقعد في الطريق. فجعل أبو هريرة ينفض التراب عن قدميه بطرف ثوبه، فقال الحسين (ع): يا أبا هريرة وأنت تفعل هذا! فقال

____________________

١ - كفاية الطالب للكنجي، ص٢٧٣.

٢ - تهذيب ابن عساكر، ج ٤، ص٣٢٠.

٤٢٧

أبو هريرة: دعني فوالله لو علم الناس منك ما أعلم لحملوك على رقابهم.(١)

قلت: رواه كاتب الواقدي في كتابه، وأخرجه محدث الشام في تاريخه.

الإمامة والسياسة: وكتب إليه الحسين (رض): أما بعد، فقد جاءني كتابك تذكر فيه أنه انتهت إليك عني أمور ما أردت حرباً ولا خلافاً، وإني لأخشى الله في ترك ذلك منك ومن حزبك القاسطين المحلين. حزب الظالم وأعوان الشيطان الرجيم، ألست قاتل حُجر وأصحابه العابدين المُخبتين أوَلست قاتل عمرو بن الحمق الذي أخلقت وأبلت وجهه العبادة، فقتلته بعد ما أعطيته من العهود أوَلست المدعي زياداً في الإسلام فزعمت أنه ابن أبي سفيان، وقد قضى رسول الله (ص) أن (الولد للفراش وللعاهر الحجر)، ثم سلّطته على أهل الإسلام يقتلهم ويقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف ويصلّبهم على جذوع النخل. سبحان الله يا معاوية! لكأنك لست من هذه الأمة وليسوا منك وقلت فيما قلت: انظر لنفسك ولدينك ولأمة محمد! وإني والله ما أعرف أفضل من جهادك، فإن أفعل فإنه قربة إلى ربي، وإن لم أفعله فاستغفر الله لديني وأسأله التوفيق لما يحبّ ويرضى وأعلم أن الله ليس بناس لك قتلك بالظنة وأخذك بالتهمة، وإمارتك صبياً يشرب الشراب ويلعب بالكلاب، ما أراك إلا وقد أوثقت نفسك وأهلكت دينك وأضعت الرعية.(٢)

الكامل لابن الأثير: ثم إن الحسين خطبهم: فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس، إن رسول الله (ص) قال: من رأى سلطاناً جائراً مستحلاً لحرم الله، ناكثاً لعهد الله، مخالفاً لسنة رسول الله (ص)، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان فلم يُغيّر ما عليه بفعل ولا قول، كان حقاً على الله تعالى أن يُدخله مدخله، ألا وإنّ هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان وتركوا طاعة الرحمن وأظهروا الفساد وعطّلوا الحدود واستأثروا بالفيء وأحلوا حرام الله وحرّموا حلاله، وأنا أحقّ من غيري، وقد أتيتني كتبتم ورسلكم ببيعتكم، وأنكم لا تُسلموني ولا تخذلوني، فإن أقمتم على

____________________

١ - كفاية الطالب، ص٢٧٨.

٢ - الإمامة والسياسة، ص١٤٨.

٤٢٨

بيعتكم تُصيبوا رشدكم، وأنا الحسين بن علي وابن فاطمة بنت رسول الله (ص)، نفسي مع نفسكم وأهلي مع أهلكم، فلكم فيّ أسوة حسنة، وإن لم تفعلوا ونقضتم عهدي وخلعتم بيعتي فلعمري ما هي لكم بنكير، لقد فعلتموها بأبي وأخي وابن عمّي مسلم بن عقيل، والمغرور من أغترّ بكم، فحظّكم أخطأتم ونصيبكم ضيّعتم، ومن نكث فإنما ينكث على نفسه، وسيُغني الله عنكم. والسلام.

سأمضي وما بالموت عار على الفتى

إذا ما نوى خيراً وجاهد مسلما

و واوسى رجالاً صالحين بنفسه

وخالف مثبوراً وفارق مُجرما

فإن عشت لم أندم وإن مت لم ألم

كفي بك ذلاً أن تعيش وتُرغما(١)

____________________

١ - الكامل لابن الأثير، ج ٤، ص٢٠.

٤٢٩

فتنة:

قتل الحسين (ع)

سير الأعلام: عن أنس شهدت ابن زياد حيث أُتي برأس الحسين فجعل ينكث بقضيب معه، فقلت: أما أنه أشبههما بالنبي (ص).(١)

ويروي: عن ابن أبي نعم قال: كنت عند ابن عمر فسأله رجل عن دم البعوض؟ فقال: ممن أنت؟ فقال: من أهل العراق. قال: انظر إلى هذا يسألني عن دم البعوض! وقتلوا ابن رسول الله (ص)!! وقد سمعت رسول الله (ص) يقول: هما ريحانتاي من الدنيا.(٢)

البدء والتاريخ: فذكر أن يزيد أمر بنسائه وبناته فأقمن بدرجة المسجد حيث توقف الأسارى لينظر الناس إليهن، ووضع رأسه بين يديه وجعل ينكث بالقضيب في وجهه وهو يقول:

ليت أشياخي ببدر شهدوا

جزع الخزرج من وقع الأسل

ولأهلوا واستهلّوا فرحاً

ولقالوا يا يزيد لا تشل

فقام أبو برزة الأسلمي فقال: أما والله لقد أخذ قضيبك من ثغره مأخذاً، لربَّما رأيت رسول الله (ص) يرشفه. ثم بعث يزيد (عليه اللعنة) بأهله وبناته إلى المدينة، ورثته ابنة عقيل بن أبي طالب:

ماذا تقولون ان قال المليكُ لكم

ماذا فعلتم وأنتم آخر الأمم

بعترتي وبأهلي بعد مُفتقدي

منهم أُسارى وقتلى ضرّجوا بدم(٣)

____________________

١ - سير الأعلام، ج ٣، ص١٨٨.

٢ - نفس المصدر، ص١٨٩.

٣ - البدء والتاريخ، ج ٦، ص١١.

٤٣٠

سير الأعلام: عن سعد بن جمهان: أن النبي (ص) أتاه جبريل بتراب من التربة التي يقتل بها الحسين، وقيل اسمها: كربلاء. فقال النبي (ص): كرب وبلاء.(١)

ويروي أيضاً: قال الحسين (ع): فارجعوا إلى أنفسكم هل يصلح لكم قتلي أو يحل دمي؟ ألست ابن بنت نبيكم وابن ابن عمه؟ أوليس حمزة والعباس وجعفر عمومتي؟ ألم يبلغكم قول رسول الله (ص) فيّ وفي أخي: هذان سيدا شباب أهل الجنة.(٢)

ويروي: عن زيد بن أرقم ؛ كنت عند عبيد الله فأتي برأس الحسين، فأخذ قضيباً فجعل يفترّ به على شفتيه، فلم أرَ ثغراً كان أحسن منه كأنه الدرّ، فلم أملك أن رفعت صوتي بالبكاء، فقال: ما يُبكيك أيها الشيخ؟ قلت: يُبكيني ما رأيت من رسول الله (ص) رأيته يَمصّ موضع هذا القضب ويلثمه، ويقول: اللَّهُم إني أحبه فأحبه.(٣)

ويروي: عن يونس بن حبيب: لما قتل عبيد الله الحسين بعث برؤوسهم إلى يزيد، فسرّ بقتلهم أولاً، ثم لم يلبث حتى ندم على قتلهم، فكان يقول: وما عليّ لو احتملت الأذى وأنزلت الحسين معي وحكّمتهم فيما يريد وإن كان على ذلك وهن، حفظاً لرسول الله (ص) ورعاية لحقه. لعن الله ابن مرجانة! (يعني عبيد الله) فإنه أخرجه واضطرّه، وقد كان سأل أن يُخلي سبيله أن يرجع من حيث أقبل، أو يأتيني فيضع يده في يدي، أو يلحق بثَغر من الثُغور، فأبى ذلك عليه وقتله، فأبغضني بقتله المسلمون وزرع لي في قلوبهم العداوة.(٤)

ويروي: عن شهر بن حوشب. كنت عند أمّ سلمة زوج النبي (ص) حين أتاها قتلُ الحسين (ع) فقالت: قد فعلوها ملأ الله بيوتهم وقبورهم ناراً، ووقعت

____________________

١ - سير الأعلام، ج ٣، ص١٩٥.

٢ - نفس المصدر، ص٢٠٣.

٣ - سير الأعلام، ج ٣، ص٢١٢.

٤ - نفس المصدر، ص٢١٤.

٤٣١

مغشيّاً عليها، فقمنا.(١)

الاستيعاب: عن الحسن البصري أصيب مع الحسين بن عليّ ستة عشر رجلاً من أهل بيته ما على وجه الأرض يومئذٍ لهم شبه.(٢)

الكامل لابن الأثير: فأرسل عمر بن سعد بن الحجاج على خمسمئة فارس، فنزلوا على الشريعة وحالوا بين الحسين وبين الماء، وذلك قبل قتل الحسين بثلاثة أيام، ونادى عبيد الله بن الحصين الأزدي: يا حسين، أما تنظر إلى الماء لا تذوق له من قطرة حتى تموت عطشاً. قال، فمرض فيما بعد، فكان يشرب الماء من القلة ثم يقيء، ثم يعود فيشرب حتى يتغرغر ثم يقيء. ثم يشرب فما يروي، فما زال كذلك حتى مات.(٣)

ويروي أيضاً: أما بعد، فانسبوني فانظروا من أنا، ثم راجعوا أنفسكم فعاتبوها، وانظروا هل يصلح ويحلّ لكم قتلي وانتهاك حرمتي؟ ألست ابن بنت نبيكم؟ وابن وصيّه وابن عمه وأولى المؤمنين بالله والمصدّق لرسوله؟ أوَليس حمزة سيد الشهداء عمّ أبي؟ أوَليس جعفر الشهيد الطيار في الجنة عمي؟ أوَلم يبلغكم قول مستفيض إن رسول الله (ص) قال لي ولأخي: أنتما سيدا شباب أهل الجنة وقرنا عين أهل السنة. فان صدّقتموني بما أقول، وهو الحق، والله ما تعمدت كذباً مذ علمت أن الله يمقت عليه، وإن كذّبتموني فإن فيكم من إن سألتموه عن ذلك أخبركم. سلوا جابر بن عبد الله وأبا سعيد أو سهل بن سعد أو زيد بن أرقم أو أنساً يُخبروكم أنهم سمعوه من رسول الله (ص). أمَا في هذا حاجز يحجزكم عن سفك دمي؟ لا والله لا أُعطهم بيدي إعطاء الذليل، ولا أقرّ إقرار العبيد. عباد الله إني عذب بربّي وربّكم أن ترجموني، أعوذ

____________________

١ - نفس المصدر السابق، ص٢١٥.

٢ - الاستيعاب، ج ١، ص٢٩٦.

٣ - الكامل لابن الأثير، ج ٤، ص٢٢.

٤٣٢

بربّي وربّكم من كلّ متكبّر لا يؤمن بيوم الحساب.(١)

ويروي أيضاً: فقال الحُرّ: يا أهل الكوفة، لأمكم الهبل والعبر دعوتموه حتى إذا أتاكم سلّمتموه وزعمتم أنك قاتلوا أنفسكم دونه، ثم عدوتم عليه لتقتلوه، أمسكتم بنفسه وأحطتم به، ومنعتموه من التوجه في بلاد الله العريضة حتى يأمن ويأمن أهل بيته، فأصبح كالأسير لا يملك لنفسه نفعاً ولا يدفع عنها ضراً، ومنعتموه ومن معه عن ماء الفرات الجاري، يشربه اليهودي والنصرانيّ والمجوسيّ، يتمرّغ فيه خنازير السواد وكلابه، وها هو وأهله قد صرعهم العطش، بئس ما خلفتم محمداً في ذرّيته، لا سقاكم الله يوم الظمأ إن لم تتوبوا.(٢)

ويروي: وقيل لما وصل رأس الحسين (ع) إلى يزيد حسنت حال ابن زياد عنده وزاده ووصله، وسرّه ما فعل، ثم لم يلبث إلا يسيراً حتى بلغه بُغض الناس له ولعنُهم وسبهم، فندم على قتل الحسين فكان يقول: وما عليَّ لو احتملت الأذى وأنزلت الحسين معي في داري، وحكّمته فيما يريد، وإن كان عليّ في ذلك وهن في سلطاني، حفظا لرسول الله (ص) ورعاية لحقه وقرابته، لعن الله ابن مرجانة، فإنه اضطرّه.(٣)

____________________

١ - نفس المصدر السابق، ص٢٥.

٢ - الكامل لابن الأثير، ج ٤، ص٢٦.

٣ - نفس المصدر، ص٣٦.

٤٣٣

فتنة:

بيعة يزيد

البدء والتاريخ: ولما بويع يزيد تلكّأ الحسين وعبد الله بن الزبير عن بيعته، ولحقا بمكة. فأما الحسين فخرج إلى الكوفة حتى استشهد بكربلاء. وأما عبد الله فامتنع بمكة ولاذ بالكعبة ودعا الناس إلى الشورى، وجعل يلعن يزيد وسماه الفاسق المتكبّر، وقال: لا يرضى الله بعهد معاوية إلى يزيد وبلغ الخبر يزيد فبعث مسلم بن عقبة المُرّي في جيش كثيف فجاء مسلم بن عقبة فأوقع بالمدينة، وقتل أربعة آلاف رجل من أفناء الناس، وسبعين رجلاً من الأنصار، وبقر بطون النساء وأباح الحُرم، وأنهب المدينة ثلاثة أيام، وبايعهم على أنه فيء ليزيد وجعل يفعل فيهم ما شاء، وكانت الوقعة بالحرة وهي ضاحي المدينة ثم سار نحو مكة وكان وُلد يزيد بالماطرون ومات بحوارين، وهو ابن ثمان وثلاثين سنة. وفيه يقول الشاعر

يا أيها القبر بحوارينا

ضممت شر الناس أجمعينا

ولما مات يزيد، صار الأمر إلى ولده معاوية بن يزيد، وكان قدريّاً فخطب معاوية فقال: إنَّا بُلينا بكم وابتليتم بنا، وإن جدّي معاوية نازع الأمر من كان أولى به وأحقّ، فركب منه ما تعلمون حتى صار مرتهناً بعمله، ثم تقلّده أبي، ولقد كان غير خليق به، فركب رَدعه واستحسن خطأه، ولا أحبّ أن ألقى الله بتباعتكم، فشأنكم وأمركم، ولّوه من شئتم، فوالله لئن كانت الخلافة مغنماً ؛ لقد أصبنا منها حظاً، وإن كانت شراً ؛ فحسبُ آل أبي سفيان ما أصابوا منها. ثم نزل وأغلق الباب في وجهه.(١)

____________________

١ - البدء والتاريخ، ج ٦، ص١٣.

٤٣٤

الإمامة والسياسة: فقام الحسين فحمد الله وصلى على الرسول، ثم قال: أما بعد، يا معاوية فلن تؤدّي القائل وإن أطنب في صفة الرسول (ص).. وفهمت ما ذكرته عن يزيد من اكتماله وسياسته لأمة محمد: تريد أن توهم الناس في يزيد، كأنك تصف محجوباً أو تنعت غائباً أو تخبر عما كان مما احتويته بعلم خاص، وقد دلّ يزيد من نفسه على موقع رأيه، فخذ ليزيد فيما أخذ به من استقرائه الكلاب المُهارشة عند التحارش والحمام السبق لأترابهن والقينات ذوات المعارف وضروب الملاهي.(١)

ويروي: وذكروا أنّ مسلماً لما فرغ من قتال أهل المدينة ونهبها، كتب إلى يزيد بن معاوية، وفيها: فما صليت الظهر أصلح الله أمير المؤمنين إلا في مسجدهم بعد القتل الذريع والانتهاب العظيم، وأوقعنا بهم السيوف وقتلنا من أشرف لنا منهم، وأتبعنا مُدبرهم وأجهزنا على جريحهم، وانتهبناها ثلاثاً كما قال أمير المؤمنين أعزّ الله نصره، وجعلت دور بني الشهيد عثمان بن عفان في حرز وأمان، فالحمد لله الذي شفا صدري من قتل أهل الخلاف القديم والنفاق العظيم، فطالما عتوا وقديماً ما طغوا.(٢)

الخلفاء للسيوطي: قال الحسن البصريّ: أفسد أمر الناس اثنان: عمرو بن العاص يوم أشار على معاوية برفع المصاحف، فحُملت، ونال من القرّاء فحكّم الخوارج، فلا يزال هذا التحكيم إلى يوم القيامة. والمغيرةُ بن شعبة فإنه كان عامل معاوية على الكوفة، فكتب إليه معاوية إذا قرأت كتابي فأقبل معزولاً، فأبطأ عنه، فلما ورد عليه. قال: ما أبطأ بك؟ قال: أمر كنت أوطّئه وأهيِّئه، قال: وما هو؟ قال: البيعة ليزيد من بعدك قال: أو قد فعلت؟ قال: نعم. قال: ارجع إلى عملك. فلما خرج قال له أصحابه: ما وراءك؟ قال: وضعت رجل معاوية في غرز غيّ لا يزال فيه إلى يوم القيامة.(٣)

____________________

١ - الإمامة والسياسة، ص١٥٢.

٢ - نفس المصدر، ص١٧٨.

٣ - الخلفاء للسيوطي، ص٧٩.

٤٣٥

تاريخ الخلفاء: وكانت وقعة الحرة على باب طيبة، وما أدراك ما وقعة الحرة. ذكرها الحسن مرّة فقال: والله، ما كان ينجو منهم أحد، قتل فيها خلق من الصحابة (رضي الله عنهم) ومن غيرهم، ونُهبت المدينة، وافتض فيها ألف عذراء، فإنا لله وإنا إليه راجعون. قال صلّى الله عليه وسلّم:من أخاف أهل المدينة أخافه الله وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين . وإن عبد الله بن حنظلة بن الغسيل قال: والله، ما خرجنا على يزيد حتى خفنا أن نُرمى بالحجارة من السماء، إنه رجل ينكح أمهات الأولاد والبنات والأخوات ويشرب الخمر ويدع الصلاة.(١)

مروج الذهب: وكان يزيد صاحب طرب وجوارح وكلاب وقرود وفهود ومنادمة على الشراب، وجلس ذات يوم على شرابه وعن يمينه ابن زياد، وذلك بعد قتل الحسين، فأقبل على ساقيه

أسقني شربة تَروى مشاشي

ثم صل فاسق مثلها ابن زياد

صاحبَ السر والأمانة عندي

ولتسديد مغنمي وسدادي

ثم أمر المغنّين فغنّوا، وغلب على أصحاب يزيد وعماله ما كان يفعله من الفسوق، وفي أيامه ظهر الغناء بمكة والمدينة، واستعملت الملاهي، وأظهر الناس شرب الشراب، وكان له قرد يكنّى بأبي قيس يحضر مجلس منادمته.(٢)

____________________

١ - تاريخ الخلفاء، ص٨١.

٢ - مروج الذهب، ج ٢، ص٩٤.

٤٣٦

الإمام الرابع

علي بن الحسين (عليهما السلام)

الأئمّة الاثني عشر: ورابعهم علي (رض) وهو أبو الحسن عليّ بن الحسين المعروف بزين العابدين، ويقال له: علي الأصغر، وليس للحسين (رض) عقب إلا من ولد زين العابدين هذا، وهو من سادات التابعين.

قالالزهري: ما رأيت قرشيّاً أفضل منه وفضائل زين العابدين ومناقبه أكثر من أن تحصى، وكانت ولادته يوم الجمعة في بعض شهور سنة ثمان وثلاثين من الهجرة.(١)

وفيات الأعيان: كما قلنا في الأئمة كلمة بكلمة.(٢)

الاستيعاب: عن سفيان بن عيينة، قال لي جعفر بن محمد: توفى عليّ بن أبي طالب وهو ابن ثمان وخمسين سنة، وقتل الحسين بن عليّ وهو ابن ثمان وخمسين سنة، وتوفِّي علي بن الحسين وهو ابن ثمان وخمسين سنة، وتوفِّي محمد بن علي بن الحسين وهو ابن ثمان وخمسين سنة. وقال لي جعفر بن محمد: وأنا بهذه السنة في ثمان وخمسين فتوفى فيها.(٣)

كفاية الطالب: مولانا زين العابدين ومنار القانتين أبو محمد علي بن الحسين بن علي (عليه السلام)، كان عابداً وفيّاً وجواداً حفيّاً، وأمه شاه زنان بنت يزدجرد بن شهريار ابن كسرى.(٤)

ويروي: عن عبد الرحمن القرشيّ وكان إذا توضّأ اصفرّ، فيقول له أهله:

____________________

١ - الأئمة الاثنى عشر، ص٧٥.

٢ - وفيات الأعيان، ج ١، ص٣٤٧.

٣ - الاستيعاب، ج ١، ص٣٩٧.

٤ - كفاية الطالب، ص٢٩٨.

٤٣٧

ما هذا الذي يعتادك عند الوضوء؟ فيقول: أتدرون بين يدي من أريد أن أقوم.(١)

ويروي: عن سفيان بن عيينة: حج عليّ بن الحسين، فلما أحرم واستوت به راحلته اصفرّ لونه وانتفض ووقعت عليه الرعدة ولم يستطع أن يُلبّي، فقيل له: ما لك؟ فقال: أخشى أن أقول: لبيك، فيقال: لا لبيك، فقيل له: لا بد من هذا. قال: فلما لبى غشي عليه وسقط من راحلته، فلم يزل يعتريه ذلك حتى قضى حجه.(٢)

قلت: رواه ابن عساكر في تاريخه.

حلية الأولياء: عن ابن عائشة، سمعت أهل المدينة يقولون: ما فقدنا صدقة السر حتى مات علي بن الحسين.(٣)

تذكرة الحفاظ: عليّ بن الحسين بن أمير المؤمنين عليّ، زين العابدين، أبو الحسين الهاشميّ المدنيّ، حضر كربلاء مريضاً، فقال عمر بن سعد: لا تعرضوا لهذا. وكان يومئذٍ ابن نيف وعشرين سنة. وكان من أفضل أهل بيته وأحسنهم طاعة وأحبهم إلى عبد الملك. قال أبو حازم: ما رأيت هاشمياً أفضل منه. وعن ابن المسيّب: ما رأيت أورع منه. وقال مالك: بلغني أنه كان يصلي في اليوم والليلة ألف ركعة إلى أن مات، وكان يسمّى (زين العابدين) لعبادته.(٤)

الطبقات الكبرى: عن عبد الله بن أبي سليمان: كان عليّ بن الحسين (ع) إذا مشى لا تجاوز يده فخذه ولا يَخطر بيده، وكان إذا قام إلى الصلا أخذته رِعدة، فيقل له: ما لك؟ فقال: ما تدرون بين يديّ من أقوم وأناجي.(٥)

ويروي أيضاً: أن عليّ بن الحسين يُبخّل، فلما مات وجدوه يقوت مئة أهل بيت بالمدينة في السرّ. قالوا: وكان ثقة مأموناً كثيراً الحديث عالياً رفيعاً ورعاً.(٦)

____________________

١ - نفس المصدر، ص٣٠٠.

٢ - نفس المصدر، ص٣٠١.

٣ - حلية الأولياء، ج ٣، ص١٣٦.

٤ - تذكرة الحفاظ، ج ١، ص٧٤.

٥ - الطبقات، ج ٥، ص٢١٦.

٦ - نفس المصدر، ص٢٢٢.

٤٣٨

الفصول المهمة لابن صباغ: لما حج هشام بن عبد الملك في حياة أبيه دخل إلى الطواف وجهد أن يستلم الحجر الأسود، فلم يصل إليه لكثرة زحام الناس إليه، فنصب إليه منبر إلى جانب زمزم في الحطيم، وجلس عليه وحوله جماعة من أهل الشام، فبينما هم كذلك، إذ أقبل علي بن الحسين (ع) يريد الطواف، فلما انتهى إلى الحجر الأسود تنحّى الناس عنه حتى استلم الحجر، فقال رجل من أهل الشام: من هذا الذي قد هابه الناس هذه المهابة فتنحّوا عنه يميناً وشمالاً؟ فقال هشام: لا أعرفه! مخافة أن يرغب فيه أهل الشام! وكان الفرزدق حاضراً، فقال للشامي: أنا أعرفه، فقال الشامي: من هو يا أبا فراس؟ فقال:

هذا الّذي تعرف البطحاء وطأته

والبيت يعرفه والحل والحرم

هذا ابن خير عباد الله كلهم

هذا التقى النقي الطاهر العلم

إذا رأته قريش قال قائلها

إلى مكارم هذا ينتهي الكرم

ينمى إلى ذروة العز التي قصرت

عن نيلها عربُ الإسلام والعجم

يُغضِي حياء و يُغضَى من مهابته

فما يُكلَّم إلاَّ حين يبتسم

مشتقة من رسول الله نبعته

طابت عناصره والجسم والشيم

هذا ابن فاطمة إن كنت جاهله

بجده أنبياء الله قد خُتموا

من معشر حبهم دين وبغضهم

كفر وقربهم منجى ومعتصم

إن عُدّ أهل التقى كانوا أئمتهم

أو قيل: من خير أهل الأرض؟ قيل: هم

مقدم بعد ذكر الله ذكرهم

في كل بدو ومختموم به الكلم

فلما سمع هشام هذه القصيدة غضب إلخ.(١)

ويروي أيضاً: وعن طاووس قال: دخلت الحجر في الليل فإذا عليّ بن الحسين (ع) قد دخل يصلي ما شاء الله تعالى، ثم سجد سجدة فأطال فيها، فقلت: رجل صالح من بيت النبوة لأصغينّ إليه، فسمعته يقول: عبدك بفنائك، مسكينك بفنائك، سائلك بفنائك، فقيرك بفنائك. قال طاووس: فوالله ما صليت

____________________

١ - الفصول المهمّة لابن صباغ، ص١٨٩.

٤٣٩

ودعوت فيهنّ في كرب إلا فّج عني.(١)

حلية الأولياء: عن عمرو بن ثابت: لما مات عليّ بن الحسين فغسّلوه جعلوا ينظرون إلى آثار سواد بظهره، فقالوا: ما هذا؟ فقيل: كان يحمل جرب الدقيق ليلاً على ظهره يعطيه فقراء أهل المدينة. (٢)

ويروي أيضاً: سئل عليّ بن الحسين (ع) عن كثرة بكائه، فقال: لا تلوموني، فإن يعقوب فقد سبطا من ولده، فبكى حتى ابيضت عيناه ولم يعلم أنه مات. وقد نظرت إلى أربعة عشر رجلاً من أهل بيتي في غداة واحدة، أفترون حزنهم يذهب من قلبي.(٣)

مروج الذهب: ونظر الناس إلى عليّ بن الحسين السجاد وقد لاذ بالقبر وهو يدعو، فأُتي به إلى مسرف وهو مغتاظ عليه، فتبرّأ منه ومن آبائه، فلما رآه وقد أشرف عليه ارتعد وقام له، وأقعده إلى جانبه وقال له: سلني حوائجك فقيل لعليّ رأيناك تحرك شفتيك فما الذي قلت؟ قال: قلت: اللَّهُم رب السماوات السبع وما أظللن، والأرضين السبع وما أقللن، رب العرش العظيم، رب محمد وآله الطاهرين، أعوذ بك من شره، وأدرأ بك في نحره، أسألك أن تُؤتيني خيره، وتكفيني شره. وقيل لمسلم: رأيناك تسبّ هذا الغلام وسلفه، فلما أتي به إليك رفعت منزلته؟! فقال: وما كان ذلك لرأي مني، لقد مُليء قلبي منه رعباً.(٤)

____________________

١ - الفصول المهمة لابن صباغ، ص١٨٣.

٢ - حلية الأولياء ج ٣، ص١٣٦.

٣ - نفس المصدر، ص١٣٨.

٤ - مروج الذهب ج ٢، ص٩٦.

٤٤٠

الإمام الخامس

محمد بن عليّ الباقر (عليهما السلام)

الطبقات: عن المعيصي قال: رأيت محمد بن علي على جبهته وأنفه اثر السجود، ليس بالكثير.(١)

ويقول: وكان ثقة كثير العلم والحديث.(٢)

الوفيات: أبو جعفر محمد بن زين العابدين عليّ بن الحسين، الملقّب بالباقر، أحد الأئمة الاثني عشر في اعتقاد الأمامية، وهو والد جعفر الصادق، وكان الباقر عالماً سيداً كبيراً، وإنما قيل له الباقر: لأنه تبقّر في العلم أي توسّع، والتبقّر التوسّع. وفيه يقول الشاعر:

يا باقر العلم لأهل التقى

وخير من لبى على الأجبل

ومولده بالمدينة سنة سبع وخمسين، وكان عمره يوم قتل جده الحسين (عليه السلام) ثلاث سنين، وتوفى سنة ثلاث عشرة ومئة، ودفن بالبقيع.(٣)

تذكرة الحفاظ: محمد بن علي الإمام الثبت الهاشمي العلوي المدني أحد الأعلام، مولده سنة ست وخمسين، وكان سيد بني هاشم في زمانه، اشتهر بالباقر، قولهم بقر العلم: يعني شقّه.(٤)

حلية الأولياء: عن عبد الله بن عطاء قال: ما رأيت العلماء عند أحد أصغر علماً منهم عند أبي جعفر، لقد رأيت الحكم عنده كأنه متعلّم.(٥)

____________________

١ - الطبقات ج ٥، ص٣٢١.

٢ - نفس المصدر، ص٣٢٤.

٣ - الوفيات ج ٢، ص٢٣.

٤ - تذكرة الحفاظ ج ١، ص١٢٤.

٥ - حلية الأولياء ج ٣، ص١٨٦.

٤٤١

البيان والتعريف: عن الأوزاعي، قدمت المدينة فسألت محمد بن علي بن الحسين عن قوله عَزَّ وجَلَّ( يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ ) ؟ قال: حدثني أبي عن جدي عليّ بن أبي طالب قال: سألت عنها رسول الله (ص) فقال: لأبشّرنّك بها يا عليّ فبشّر بها أمتي من بعدي: الصدقة على وجهها واصطناع المعروف وبرّ الوالدين وصلة الرحم تُحوّل الشقاء سعادة وتزيد في العمر وتقي مصارع السوء.(١)

حلبة الأولياء: قال محمد بن علي: كان ليّ أخ في عيني عظيم، وكان الذي عظّمه في عيني صغر الدينا في عينه.(٢)

ويروي أيضاً: عن جعفر بن محمد بن علي قال: فقد أبي بغلة له، فقال: لئنن ردّها الله تعالى عليّ لأحمدنه محامد يرضاها، فما لبث أن أتي بها بسرجها ولجامها، فركبها فلما استوى عليها وضمّ إليه ثيابه، رفع رأسه إلى السماء فقال: الحمد لله، لم يزد عليها! فقيل له في ذلك. فقال: وهل تركت شيئاً، جعلت الحمد كله لله عَزَّ وجَلَّ.

ويروي أيضاً: عن جابر، قال لي محمد بن عليّ: يا جابر، أنزل الدنيا كمنزل نزلت به وارتحلت منه، أو كمال أصبته في منامك فاستيقظت وليس معك منه شيء، إنما هي مع أهل اللبّ والعالِمين بالله تعالى كفيء الظِلال. فاحفظ ما استرعاك الله تعالى من دينه وحكمته.(٣)

عيون ابن قتيبة: أخبرنا جابر بن عبد الله أن النبي (ص) قال: يا جابر، إنك ستُعمّر بعدي حتى يولد لي مولود اسمه كاسمي يبقر العلم بقراً، فإذا لقيته فأقرأه منّي السلام. فكان جابر يتردّد في سكك المدينة بعد ذهاب بصره وهو ينادي: يا باقر! حتى قال الناس قد جُنّ جابر. فبينا هو ذات يوم بالبلاط إذ بصر بجارية يتورّكها صبيّ، فقال لها: يا جارية من هذا الصبي؟ قالت: هذا محمد بن علي بن الحسين بن عليّ، فقال أدنيه مني فأدنته منه فقبل بين عينيه، وقال:

____________________

١ - البيان والتعريف، ج ٢، ص٨٧.

٢ - حلية الأولياء، ج ٣، ص١٨٦.

٣ - حلية الأولياء، ج ٣، ص١٨٧.

٤٤٢

يا حبيبي، رسول الله (ص) يقرئك السلام، ثم قال: نعيت إليَّ نفسي وربّ الكعبة، ثم انصرف إلى منزله وأوصى فمات من ليلته.(١)

تذكرة الخواصّ: روى أن أبا جعفر دخل على جابر بعد ما أضر ( أي صار ضريراً وأعمى ) فسلّم عليه، فقال: من أنت؟ فقال محمد بن علي بن الحسين. فقال: أدن مني فدنى منه، فقبّل يديه ورجليه ثم قال: له: رسول الله يسلّم عليك. فقيل لجابر: وكيف هذا؟ فقال: كنت جالساً عند رسول الله والحسين في حجره وهو يُداعبه، فقال: يا جابر، يولد مولود اسمه عليّ، إذا كان يوم القيامة نادى مناد ليقم سيّد العابدين فيقوم ولده، ثم يولد له ولد اسمه محمد فإن أدركته يا جابر فاقرأه مني السلام.(٢)

أمالي القالي: عن عُفير: دخل أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين على عمر بن عبد العزيز، فقال: يا أبا جعفر، أوصيني. قال: أوصيك أن تتخذ صغير المسلمين ولداً وأوسطهم أخاً، وكبيرهم أباً، فارحم ولدك وصِل أخاك وبرّ أباك، وإذا صنعت معروفاً فرُبّه.(٣)

وقال أبو علي: قوله (فرُبَّه) أي أدمه، يقال: رب بالمكان وأرب أي أقام به ودام.

تذكرة الخواص: روى عنه الأئمة أبو حنيفة وغيره، قال أبو يوسف: قلت لأبي حنيفة لقيت محمد بن عليّ الباقر؟ فقال: نعم. وسألته يوماً فقلت له: أراد الله المعاصي؟ فقال: أفُيعصى قهراً. قال أبو حنيفة: فما رأيت جوابا أفحم منه.

وقال عطاء: ما رأيت العلماء عند أحد أصغر علماً منهم عند أبي جعفر، لقد رأيت الحكم عنده كأنه عصفور مغلوب، ويعني بالحكم: الحكم بن عُيينة، وكان عالماً نبيلاً جليلاً في زمانه.(٤)

____________________

١ - عيون ابن قتيبة، ج ١، ص٢١٢.

٢ - تذكرة الخواص، ص١٩٠.

٣ - أمالي القالي، ج ٢، ص٣٠٩.

٤ - تذكرة الخواص، ص١٩٠.

٤٤٣

مطالب السؤول: قال أفلح مولى أبي جعفر: خرجت مع محمد بن علي حاجاً، فلما دخل المسجد نظر إلى البيت فبكى حتى علا صوته. فقلت: بابي وأمي، إنّ الناس ينظرون إليك فلو رفقت بصوتك قليلاً، فقال لي: ويحك يا أفلح، ولمَ لا أبكي؟! لعل الله أن ينظر إليّ منه برحمته فأفوز بها عنده غداً، ثم طاف بالبيت ثم جاء حتى ركع عند المقام فرفع رأسه من سجوده، فإذا موضع السجود مبتلّ من كثرة دموع عينه.(١)

____________________

١ - مطالب السئول ( الباب الخامس - أبو جعفر )

٤٤٤

الإمام

جعفر بن محمد (عليهما السلام)

الوفيات: أبو عبد الله جعفر الصادق بن محمد الباقر بن زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام)، أحد الأئمة الاثني عشر على مذهب الإمامية، كان من سادات أهل البيت، ولقّب بالصادق لصدقه في مقالته، وفضله أشهر من أن يذكر، وله كلام في صنعة الكيمياء والزجر والفال، وكان تلميذه أبو موسى جابر بن حيّان الصوفي الطرطوسيّ، قد ألّف كتاباً يشتمل على ألف ورقة يتضمّن رسائل جعفر الصادق (عليه السلام)، وهي خمسمئة رسالة. وكان المنصور أراد إشخاصه إلى العراق معه عند مسيره إلى المدينة فاستعفاه من ذلك فلم يُعفه وكانت ولادته سنة ثمانين للهجرة وتوفى سنة ثمان وأربعين ومئة بالمدينة ودفن بالبقيع. انتهى ملخَّصاً.(١)

تذكرة الحفاظ: جعفر بن محمد الإمام أبو عبد الله العلوي المدني الصادق، أحد السادة الأعلام.

عن أبي حنيفة قال: ما رأيت أفقه من جعفر بن محمد. وقال أبو حاتم: ثقة لا يُسأل عن مثله. وعن صالح بن أبي الأسود سمعت جعفر بن محمد يقول: سلوني قبل أن تفقدوني فإنه لا يحدّثكم أحد بعدي بمثل حديثي. وقال هياج بن بسطام: كان جعفر الصادق يُطعم حتى لا يبقى لعياله شيء.(٢)

حلية الأولياء: عن عبد الله بن شبرمة قال: دخلت أنا وأبو حنيفة على جعفر بن محمد، فقال لابن أبي ليلي: من هذا معك؟ قال: هذا رجل له بصر ونفاذ في أمر الدين. قال: لعله يقيس أمر الدين برأيه؟ قال: نعم. فقال جعفر لأبي حنيفة:

____________________

١ - الوفيات، ج ١، ص١١٢.

٢ - تذكرة الحفاظ، ج ١، ص١٦٦.

٤٤٥

ما اسمك؟ قال: نعمان. قال: يا نعمان، هل قست رأسك بعد؟ قال: كيف أقيس رأسي؟ قال: ما أراك تُحسن شيئاً، هل علمت ما الملوحة في العينين والمرارة في الأذنين والحرارة في المنخرين والعذوبة في الشفتين؟ قال: لا. قال: ما أراك تُحسن شيئاً. قال: فهل علمت كلمة أوّلها كفر وآخرها إيمان؟ فقال ابن أبي ليلى: يا ابن رسول الله، أخبرنا بهذه الأشياء التي سألته عنها؟ فقال: أخبرني أبي عن جدّي أن رسول الله (ص) قال: إن الله تعالى بمنّه وفضله جعل لابن آدم الملوحة في العينين لأنهما شحمتان ولولا ذلك لذابتاً، وإن الله تعالى بمنّه وفضله ورحمته على ابن آدم جعل المرارة في الأذنين حجاباً من الدوابّ فإن دخلت الرأس دابة والتمست إلى الدماغ فإذا ذاقت المرارة التمست الخروج، وإن الله تعالى بمنه وفضله ورحمته على ابن آدم جعل الحرارة في المنخرين يستنشق بهما الريح ولولا ذلك لأنتن الدماغ، وإن الله تعالى بمنه وكرمه ورحمته لابن آدم جعل العذوبة في الشفتين يجد بهما استطعام كل شيء ويسمع الناس بها حلاوة منطقه. قال: فأخبرني عن الكلمة التي أولها كفر وآخرها إيمان؟ فقال: إذا قال العبد: (لا اله) فقد كفر، فإذا قال: (إلا الله) فهو إيمان. ثم أقبل على أبي حنيفة فقال: يا نعمان، حدثني أبي عن جدي أن رسول الله (ص) قال: أول من قاس أمر الدين برأيه إبليس، قال الله تعالى له اسجد لآدم فقال: ( أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَني‏ مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِيْن‏ ) فمن قاس الدين برأيه قرنه الله يوم القيامة بإبليس لأنه اتبعه بالقياس. وزاد ابن شبرمة في حديثه: ثم قال جعفر: أيهما أعظم: قتل النفس أو الزنا؟ قال: قتل النفس، قال: فإن الله عَزَّ وجَلَّ قبل في قتل النفس شاهدين ولم يقبل في الزنا إلا أربعة. ثم قال: أيهما أعظم: الصلاة أم الصوم؟ قال: الصلاة، قال: فما بال الحائض تقتضي الصوم ولا تقتضي الصلاة. فكيف ويحك يقوم لك قياسك! اتق الله ولا تقس الدين برأيك.(١)

مطالب السؤول: قال مالك بن أنس: قال جعفر يوماً لسفيان الثوري: يا سفيان،

____________________

١ - حلية الأولياء، ج ٣، ص١٩٦.

٤٤٦

إذا أنعم الله عليك بنعمة فأحببت بقاءها فأكثر من الحمد والشكر عليها، فإن الله عَزَّ وجَلَّ قال في كتابه العزيز:( لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزيدَنَّكُمْ ) . وإذا استبطأت الرزق فأكثر من الاستغفار، فإن الله عز وعلا قال في كتابه:( اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ ) يعني في الدنيا( وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ ) في الآخرة. يا سفيان، إذا حزنك أمر من سلطان أو غيره فأكثر من: لا حول ولا قوة إلا بالله ؛ فإنها مفتاح الفرج وكنز من كنوز الجنة.(١)

تذكرة الخواص: وقال الثوري بالإسناد المتقدم: قلت لجعفر: يا ابن رسول الله، اعتزلت الناس! فقال: يا سفيان، فسد الزمان وتغيّر الإخوان فرأيت الانفراد اسكن للفؤاد.(٢)

____________________

١ - مطالب السئول (الباب السادس - أبو عبد الله).

٢ - تذكرة الخواص، ص١٩٥.

٤٤٧

الإمام

موسى بن جعفر (عليهما السلام)

الوفيات: أبو الحسن موسى الكاظم بن جعفر الصادق، قال الخطيب فيتاريخ بغداد: كان موسى يُدعى العبد الصالح من عبادته واجتهاده، روي أنه دخل مسجد رسول الله (ص) فسجد سجدة في أول الليل وسُمع وهو يقول في سجوده: (عظم الذنب عندي فليَحسن العفو من عندك يا أهل التقوى ويا أهل المغفرة) فجعل يُرددها حتى أصبح. وكان سخيّاً كريماً، وكان يسكن المدينة فأقدمه المهدي بغداد، فحبسه فرأى في النوم علي بن أبي طالب وهو يقول:يا محمد ( فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ ) . قال الربيع: فأرسل إليّ ليلاً فراعني ذلك، فجئته فإذا هو يقرأ هذه الآية، وقال: علي بموسى بن جعفر! فجئته به فعانقه وأجلسه إلى جانبه وقال: يا أبا الحسن إني رأيت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب في النوم يقرأ عليّ كذا، فتُؤمنني أن تخرج عليّ؟ فقال: والله لا فعلت ذلك ولا هو من شأني. وأقام بالمدينة إلى أيام هارون الرشيد من عمره سنة تسع وسبعين ومئة فحمل موسى (ع) معه إلى بغداد وحبسه بها إلى أن تُوفِّي في محبسه سنة ثلاث وثمانين ومئة، وكانت ولادته سنة تسع وعشرين ومئة - انتهى ملخصاً.(١)

مطالب السؤول: هذا هو الإمام الكبير القدر، العظيم الشأن، الكثير التهجّد، الجد في الاجتهاد، المشهود له بالكرامات، المشهور العبادة، المواظب على الطاعات، يبيت الليل ساجداً وقائماً، ويقطع النهار متصدقاً وصائماً، ولفرط حمله وتجاوزه عن المعتدين عليه دُعي كاظماً، كان يُجازي المسيء بإحسانه إليه ويُقابل الجاني بعفوه عنه.(٢)

____________________

١ - الوفيات، ج ٢، ص٢٥٦.

٢ - مطالب السئول ( الباب السابع - أبو الحسن )

٤٤٨

الإمام

علي بن موسى الرضا (عليهما السلام)

الوفيات: أبو الحسن علي الرضا ابن موسى الكاظم ابن جعفر الصادق، وهو أحد الأئمة الاثني عشر على اعتقاد الإمامية، وكان المأمون جعله وليّ عهده وضرب اسمه على الدينار والدرهم وكانت ولادة عليّ الرضا يوم الجمعة في بعض شهور سنة ثلاث وخمسين ومئة بالمدينة، وتُوفّي في آخر صفر سنة اثنتين ومتين. ويقول أبو نواس:

قيل لي أنت أحسن الناس طراً

في فنون من المقال النبيه

فعلى ما تركت مدح ابن موسى

والخصال التي تجمعن فيه

قلت لا أستطيع مدح إمام

كان جبريل خادماً لأبيه

انتهى ملخصاً.(١)

تاريخ الطبري: ورد كتاب من الحسن بن سهل أن أمير المؤمنين المأمون قد جعل علي بن موسى بن جعفر وليّ عهده من بعده، وذلك أنه نظر في بين العباس وبين عليّ فلم يجد أحداً هو أفضل ولا أورع ولا أعلم منه، وأنه سماه الرضي من آل محمد.(٢)

تذكرة الخواص: قال الصولى وغيره: كان المأمون يُحبّ عليا (عليه السلام)، كتب إلى الآفاق بأن أفضل الخلق بعد رسول الله (ص) علي بن أبي طالب، وأن لا يُذكر معاوية بخير، ومن ذكره بخير أبيح دمه وماله، ومن أشعار المأمون.

لا تُقبل التوبة من تائب

إلا بحب ابن أبي طالب

أخو رسول الله خَلَف الهدى

والأخ فوق الخلّ والصاحب

____________________

١ - الوفيات، ج ١، ص٣٤٨.

٢ - تاريخ الطبري، ج ١٠، ص٢٤٣.

٤٤٩

إن مال ذو النصب إلى جانب

ملت مع الشيعي إلى جانب(١)

أخبار أصبهان: عن أبي علي أحمد بن عليّ الأنصاري عن أبي الصلت قال: كنت مع ياسين بن النضر وأحمد بن حرب ويحيى بن يحيى وعدّة من أهل العلم فتعلّقوا بلجامه من المربع فقالوا: بحق آبائك الطاهرين حدّثنا بحديث سمعته من أبيك قال: حدّثني أبي العدل الصالح موسى بن جعفر، قال: حدّثني أبي الصادق جعفر بن محمد، قال: حدثني أبي أبو جعفر باقر العلم علم الأنبياء، قال: حدّثني أبي علي بن الحسين سيد العابدين، قال: حدّثني أبي سيد أهل الجنة الحسين، قال: حدثني أبي سيد العرب عليّ بن أبي طالب (رضوان الله عليهم)، قال: سألت رسول الله (ص) ما الإيمان؟ قال: معرفة بالقلب وإقرار باللسان وعمل بالأركان. وقال أبو علي: قال لي أحمد بن حنبل: إن قرأت هذا الإسناد على مجنون بريء من جنونه.(٢)

مطالب السئول: قال دعبل: لما قلت: مدارس آيات خلت من تلاوة. قصدت بها أبا الحسن علي بن موسى الرضا وهو بخراسان وليّ عهد المأمون في الخلافة وهي هذه:

مدارس آياتٍ خلت من تلاوة

ومَهبط وحى مُقفر العرصات

منازل كانت للصلاة وللتقى

وللصوم والتطهير والحسنات

همُ آل ميراث النبيّ اذ انتُمو

وهم خير سادات وخير حُمات

إذا لم نُناج الله في صلواتنا

بذكرهم لم تُقبل الصلوات

وليراجع في شرح هذه الرحلة وتفصيلها إلى الكتاب.(٣)

____________________

١ - تذكرة الخواص، ص٢٠١.

٢ - أخبار أصبهان، ج ١، ص١٣٨.

٣ - مطالب السئول ( الباب الثامن - أبو الحسن )

٤٥٠

الإمام

محمد بن عليّ الرضا (عليهما السلام)

الوفيات: أبو جعفر محمد بن علي الرضا ابن موسى الكاظم المعروف بالجواد، أحد الأئمة الاثني عشر، قدم بغداد وافداً على المعتصم ومعه امرأته أم الفضل بنت المأمون، فتُوفي بها سنة عشرين ومئتين، وكانت ولادته سنة خمس وتسعين ومئة ودفن عند جدّه موسى بن جعفر صلوات الله عليهم.(١)

المصايد: لما أراد المأمون أن يزوّج ابنته أم الفضل أبا جعفر محمد بن علي بن موسى (عليه السلام)، اجتمع عليه من أهله من أراد دفعه عن ذلك، فقال لهم: اسكتوا فإني لست أقبل فيه قولاً. قالوا: فتُزوج قرة عينك صبياً لم يتفقّه في دين الله عَزَّ وجَلَّ ولا يعرف فريضة من سنة ولا يُميّز بين حق وباطل - ولأبي جعفر عشر سنين أو إحدى عشرة سنة - فلو صبرت عليه حتى يتأدّب ويقرأ القرآن ويعرف فرضاً من سُنة! فقال: إنه لأفقه منكم وأعلم بالله ورسوله، وسننه وفرائضه، وحرامه وحلاله، وأقرء لكتابه، وأعلم بمحكمه ومتشابهه، وناسخه ومنسوخه، وظاهره وباطنه منكم، وخاصه وعامه، وتأويله وتنزيله. فاسألوه، فإن كان الأمر كما قلتُ علمتم مقداره، فلما اجتمعوا للتزويج وحضر أبو جعفر قالوا: يا أمير المؤمنين، هذا القاضي يحيى بن أكثم إذا أذن له يسأل، قال له: سل أبا جعفر! فقال له: ما تقول في مُحرم قتل صيدا؟ فقال: قتله في حلّ أو حرم، عامداً أو جاهلاً، عمداً أو خطأً، عبداً أو حراً، صغيراً أو كبيراً، مُبدءاً أو معيداً، أمن ذوات الطير أو من غيرها، ومن صغار الطير أو كبارها، مُصراً على ذلك أو نادماً، بالليل في وكرها أو بالنهار عياناً، مُحرما للعمرة أو للحج؟ فانقطع

____________________

١ - الوفيات، ج ٢، ص٢٣.

٤٥١

يحيى. فقال المأمون ( فخطب المأمون ثم زوج ابنته ثم قال: بيّن لنا ما الذي يلزم كل واحد من هذه الأصناف؟ فأجاب أبو جعفر (عليه السلام) عن المسائل كلها )(١) ، فأمر المأمون بكتب ذلك عنده، ثم قرؤوه عليهم. ثم قال: هل فيكم أحد يجيب بمثل هذا الجواب؟ فقالوا: صدقت أنت أعلم به منا. فقال لهم: أما علمتم أن رسول الله (ص) بايع الحسن والحسين (عليهما السلام) وهما صبيان غير بالغين ولم يبايع طفلاً غيرهما، وآمن أبوهما وهو ابن عشر سنين فقبل رسول الله (ص) إيمانه ولم يقبل من طفل غيره، ولا دعا النبي طفلاً غيره إلى الإيمان، أو ما علمتم أنها ذرية بعضها من بعض، يجري لآخرهم ما يجري لأولهم، وأمر أن يُنثر على أبي جعفر إلخ.(٢)

مطالب السؤول: وقدم الخليفة إلى بغداد بعد وفاة الرضا بسنة، اتفق أنه بعد ذلك خرج يوماً يتصيّد فاجتاز في طريقه بطرف البلد، والصبيان يلعبون ومحمد واقف ثم أخذها في يده وعاد إلى داره في الطريق الذي أقبل فيه، فلما وصل إلى ذلك المكان، وجد الصبيان على حالهم وأبو جعفر لم ينصرف، فلما دنا منه الخليفة قال: يا محمد، قال: لبيك، قال: ما في يدي؟ فألهمه الله عَزَّ وجَلَّ أن قال: يا أمير المؤمنين، إن الله خلق بمشيّته في بحر قدرته سمكاً صغاراً تصيدها بزاة الملوك والخلفاء فيختبرون بها سلالة أهل النبوة، فلما سمع المأمون كلامه عجب منه. راجع في تفصيلها إلى الكتاب.(٣)

____________________

١ - المصايد، ص٣٨.

٢ - المصايد، ص٤٠.

٣ - مطالب السئول ( الباب التاسع - أبو جعفر ).

٤٥٢

الإمام

علي بن محمد الهادي (عليهما السلام)

الوفيات: أبو الحسن علي الهادي بن محمد الجواد بن علي الرضا (عليهم السلام) ويعرف بالعسكري، وهو أحد الأئمة الاثني عشر عند الإمامية، وكان قد سعي به إلى المتوكل، فهجموا عليه في منزله على غفلة فوجدوه وحده في بيت مغلق وعليه مدرعة من شعر وعلى رأسه ملحفة من صوف وهو مستقبل القبلة يترنّم بآيات من القرآن الكريم في الوعد والوعيد، وليس بينه وبين الأرض بساط إلا الرمل والحصا، فأخذ على الصورة التي وُجد عليها وكانت ولادته سنة ثلاث عشرة ومئتين وتُوفّي سنة أربع وخمسين ومئتين، ودفن في داره. انتهى ملخّصاً.(١)

تاريخ أبي الفداء: يروي مثلها.(٢)

تذكرة الخواص: فلما دخلتُ ( أي يحيى بن هرثمة ) على المتوكل سألني عنه، فأخبرته بحسن سيرته وسلامة طريقه وورعه وزهادته وأني فتشت داره فلم أجد فيها غير المَصاحف وكتب العلم، وأن أهل المدينة خافوا عليه. فأكرمه المتوكل وأحسن جائزته وأجزل بره وأنزله معه (سُرّ من رأى). قال يحيى بن هرثمة: فاتفق مرض المتوكل بعد ذلك بمدة، فنذر إن عُوفي ليتصدّقنّ بدارهم كثيرة فعُوفي، فسأل الفقهاء عن ذلك فلم يجد عندهم فرجاً، فبعث إلى عليّ فسأله؟ فقال: يتصدّق بثلاثة وثمانين ديناراً، فقال المتوكل: من أين لك هذا؟ فقال: من قوله تعالى( لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ في‏ مَواطِنَ كَثيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْن‏ ) والمواطن الكثيرة هي هذه الجملة ؛ وذلك لأن النبي (ص) غزى سبعاً وعشرين غزاة وبعث خمساً وستين سريّة، وآخر غزواته يوم حنين، فعجب المتوكل والفقهاء من هذا الجواب.(٣)

____________________

١ - الوفيات، ج ١، ص٣٤٩.

٢ - تاريخ أبي الفداء، ج ١، ص٤٤.

٣ - تذكرة الخواص، ص٢٠٢.

٤٥٣

الإمام

الحسن بن عليّ العسكريّ (عليهما السلام)

الوفيات: أبو محمد الحسن بن علي بن محمد بن علي الرضا (عليهم السلام) أحد الأئمة الاثني عشر على اعتقاد الإمامية، وهو والد المنتظر صاحب السرداب ويعرف بالعسكري، وأبوه عليّ يعرف أيضاً بهذه النسبة، وكانت ولادة الحسن المذكور يوم الخميس في بعض شهور إحدى وثلاثين ومئتين، وتوفّي سنة ستين ومئتين بسُرّ من رأى، ودفن بجنب قبر أبيه، والعسكري نسبة إلى سُرّ من رأى، ولما بناها المعتصم وانتقل إليها بعسكره قيل لها العسكر. وإنما نسب الحسن إليها لأن المتوكل أشخص أباه علياً إليها وأقام بها عشرين سنة وتسعة أشهر. انتهى ملخصاً.(١)

تاريخ أبي الفداء: يروي مثلها.(٢)

الأئمة الاثني عشر: ما يقرب منها.(٣)

تذكرة الخواص: وكان سنّه تسعاً وعشرين سنة، وكان عالماً ثقة، روى الحديث عن أبيه عن جده، ومن جملة مَسانيده حديث في الخمر عزيز، ذكره جدي أبو الفرج في كتابه المسمى بـ(تحرير الخمر) ونقلته من خطّه وسمعته يقول: أشهد بالله لقد سمعت عبد الله بن عطاء الهرويّ يقول أشهد بالله لقد سمعت الحسن بن علي العسكري يقول: أشهد بالله لقد سمعت أبي علي بن محمد يقول أشهد بالله لقد سمعت محمداً رسول الله (ص) يقول: أُشهد بالله لقد سمعت جبرئيل يقول:

____________________

١ - الوفيات، ج ١، ص١٤٧.

٢ - تاريخ أبي الفداء، ج ١، ص٤٥.

٣ - الأئمّة الاثني عشر، ص١١٣.

٤٥٤

أشهد بالله لقد سمعت ميكائيل يقول: أشهد بالله لقد سمعت إسرافيل يقول: أشهد بالله على اللوح المحفوظ أنه قال: سمعت الله يقول: شارب الخمر كعابد الوثن.

ولما روى جدي هذا الحديث فيكتاب تحريم الخمر ، قال، قال أبو نعيم الفضل بن دكين: هذا حديث صحيح ثابت روته العترة الطيبة الطاهرة.(١)

٤٥٥

الإمام

الثاني عشر المهديّ (عليه السلام)

الوفيات: أبو القاسم محمد بن الحسن العسكري بن علي الهادي، الثاني عشر من الأئمة الاثني عشر على اعتقاد الإمامية، المعروف بالحجة، وهو الذي تزعم الشيعة أنه المنتظر والقائم والمهدي، وهو صاحب السرداب عندهم وأقاويلهم فيه كثيرة، وهم ينتظرون ظهوره في آخر الزمان، كانت ولادته يوم الجمعة منتصف شعبان سنة خمس وخمسين ومئتين، ولما تُوفي أبوه كان عمره خمس سنين، واسم أمه: خمط، وقيل: نرجس.(١)

تاريخ أبي الفداء: يروي مثلها.(٢)

الأئمة الاثني عشر: ما يقرب منها.(٣)

تذكرة الخواص: هو محمد بن الحسن وكنيته أبو عبد الله وأبو القاسم، وهو الخلف الحجة صاحب الزمان القائم والمنتظر والتالي، وهو آخر الأئمة. وعن ابن عمر قال: قال رسول الله (ص): يخرج في آخر الزمان رجل من ولدي اسمه كاسمي وكنيته ككنيتي يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً فذلك هو المهدي. وهذا حديث مشهور. وقد أخرج أبو داود والزهريّ عن علي بمعناه، وفيه: لو لم يبق من الدهر إلا يوم واحد لبعث الله من أهل بيتي من يملأ الأرض عدلاً. وذكره في روايات كثيرة. ويقال له: ذو الاسمين محمد وأبو القاسم. قالوا: إن أمه أم ولد يقال لها: صقيل. وقال السّدّى: يجتمع المهدي وعيسى بن مريم فيجيء وقت الصلاة فيقول المهدي لعيسى: تقدّم، فيقول عيسى: أنت أولى بالصلاة فيُصلي عيسى

____________________

١ - الوفيات، ج ٢، ص٢٤.

٢ - تاريخ أبي الفداء، ج ١، ص٤٥.

٣ - الأئمة الاثني عشر، ص١١٧.

٤٥٦

وراءه مأموماً فيصير تبعاً.(١)

المهدي من أهل البيت

ابن ماجة: قال رسول الله (ص): المهدي من ولد فاطمة.(٢)

سنن أبي داود: يقول رسول الله (ص): المهدي من عترتي من ولد فاطمة.(٣)

مستدرك الحاكم: عن أم سلمة: سمعت النبي (ص) يذكر المهدي، فقال: نعم، هو حق، وهو من بني فاطمة.(٤)

ابن ماجة: قال رسول الله (ص): المهدي منا أهل البيت يُصلحه الله في ليلة.(٥)

أخبار أصبهان: عن محمد بن الحنفيّة عن عليّ (ع) قال: قال رسول الله (ص): المهديّ كما في ابن ماجة.(٦)

مسند أحمد: مثلها.(٧)

أقول: يظهر من هذه الروايات أمور:

١ - أنه (ع) من ولد فاطمة (ع).

٢ - أنه من عترة رسول الله (ص).

٣ - انه من أهل بيت رسول الله (ص).

٤ - أن أمره وقيامه يُصلَح في ليلة.

سنن أبي داود: بأسناد متعددة عن النبي (ص): لو لم يبقَ من الدنيا إلا يوم لطوّل الله ذلك اليوم حتى يبعث رجلاً مني أو من أهل بيتي يُواطئ اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلئت ظلماً وجوراً. وفي

____________________

١ - تذكرة الخواص، ص٢٠٤.

٢ - ابن ماجة، ج ٢، ص٥١٩

٣ - سنن أبي داود، ج ٢، ص٢٣٢.

٤ - مستدرك الحاكم، ج ٤، ص٥٥٧.

٥ - ابن ماجة، ج ٢، ص٥١٩.

٦ - أخبار أصبهان، ج ١، ص١٧٠.

٧ - مسند أحمد، ج ١، ص٨٤.

٤٥٧

حديث سفيان: لا تذهب الدنيا، أو: لا تنقضي حتى يملك العرب رجل من أهل بيتي يواطيء اسمه اسمي.(١)

ويروي أيضاً: عن أبي الطفيل عن النبي (ص): لو لم يبق من الدهر إلا يوم لبعث الله رجلاً من أهل بيتي يملأها عدلاً كما ملئت جوراً.

مسند أحمد: يروي نظيرها.(٢)

سنن الترمذي: قال رسول الله (ص): لا تذهب كما في حديث سفيان.(٣)

أقول: قال في حاشية الكتاب - قال الشيخ عبد الحق في اللمعات: قد تظاهرت الأحاديث البالغة حد التواتر معنى، في كون المهدي من أهل البيت من وُلد فاطمة.

الكنى للدولابي: قال عبد الله، قال رسول الله (ص): لن تنقضي الدنيا حتى يخرج رجل من أمتي اسمه الحديث.(٤)

مختصر التذكرة: أن رسول الله (ص) قال: ليُصيبنّ هذه الأمة بلاء حتى لا يجد الرجل ملجأ يلجأ إليه من الظلم، فيبعث الله تعالى رجلاً من عترتي أهل بيتي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، يرضى عنه ساكن السماء وساكن الأرض لا تدع السماء من قطرها شيئاً إلا صبّته مدراراً، ولا تدع الأرض من نباتها شيئاً إلا أخرجته، حتى يتمنّى الأحياء العيش، يمكث على ذلك سبع سنين أو ثماني أو تسع سنين.(٥)

أخبار أصبهان: عن عبد الله عن النبي (ص) قال: يلي أمر هذه الأمة في آخر زمانها رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي.(٦)

مسند أحمد: عن عبد الله، عن النبي (ص) قال: لا تقوم الساعة حتى يلي رجل

____________________

١ - سنن أبي داود، ج ٢، ص٢٣٢.

٢ - مسند أحمد، ج ١، ص٩٩.

٣ - سنن الترمذي، ص٣٢٤.

٤ - الكنى للدولابي، ج ١، ص١٠٧.

٥ - مختصر التذكرة، ص١٢٧.

٦ - أخبار أصبهان، ج ١، ص٣٢٩.

٤٥٨

من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي.(١)

ويروي: أيضاً عن النبي (ص) قال: لا تنقضي الدنيا حتى يملك العرب رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي.(٢)

أقول: يستكشف من هذه الروايات أمور:

١ - تدل هذه الجملات: (لو لم يبق من الدنيا إلا يوم، لا تذهب الدنيا، لا تنقضي، لن تنقضي، يلي أمر هذه الأمة في آخر زمانها، لا تقوم الساعة) على أهمية الموضوع وضرورته ولزوم هذه الولاية، حتى يصلح الله تعالى من أمور الدين والدنيا للأمة ما فسد.

٢ - أن هذا الوليّ الملك المبعوث القائم له هذه الصفات: فهو يملك ظاهراً، ويلي أمور المسلمين، ويبعث من الله تعالى، ويقوم بأمر الله ولأمر الله.

٣ - فهو من أهل البيت ومن العترة الطاهرة، بل من رسول الله (ص) ويواطئ اسمه اسمه.

٤ - أنه يملأ الأرض عدلاً وقسطاً بعد ما مُلئت جوراً وظلماً، يرضى عنه ساكن الأرض والسماء، وتظهر البركات والرحمة.

٥ - أن هذا القائم يقوم ويظهر في آخر الزمان.

يملأ الأرض قسطاً

سنن أبي داود: قال رسول الله (ص): المهدي مني، أجلى الجبهة أقنى الأنف، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلئت ظلماً وجوراً ويملك، سبع سنين.(٣)

مستدرك الحاكم: عن أبي سعيد، قال رسول الله (ص): المهدي منا أهل البيت أشمّ الأنف أقنى أجلى يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً

____________________

١ - مسند أحمد، ج ١، ص٣٧٦.

٢ - نفس المصدر، ص٤٣٠.

٣ - سنن أبي داود، ج ٢، ص٢٣٢.

٤٥٩

يعيش هكذا وبسط يساره وإصبعين من يمينه المسبّحة والإبهام وعقد ثلاثة.(١)

أخبار أصبهان: عن أبي سعيد الخدري، قال رسول الله (ص): لا تقوم الساعة حتى يستخلف رجل من أهل بيتي أجنأ أقنى، يملأ الأرض عدلاً كما ملئت قبل ذلك ظلماً يكون سبعين سنين.(٢)

مسند أحمد: ما يقرب منها.(٣)

ذخائر العقبى: في حديث الهلالي: يا فاطمة، والذي بعثني بالحق إن منهما مهديّ هذه الأمة إذا صارت الدنيا هرجاً ومرجاً وتظاهرت الفتن وتقطّعت السُبل وأغار بعضهم على بعض، فلا كبير يرحم صغيراً ولا صغير يوقّر كبيراً، فيبعث الله عند ذلك من يفتح حصون الضلالة وقلوباً غُلفاً، يقوم بالدين في آخر الزمان كما قمت به في أول الزمان، ويملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً.

أخرجه الحافظ أبو العلاء الهمداني فيأربعين حديثاً في المهديّ. (٤)

مستدرك الحاكم: عن الخدري، قال رسول الله (ص): لا تقوم الساعة حتى تُملأ الأرض ظلماً وجوراً وعدواناً، ثم يخرج من أهل بيتي من يملأها قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وعدواناً.

قالالحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يُخرجاه.(٥)

الاستيعاب: روى جابر بن عبد الله الصدفي عن النبي (ص) أنه قال: يكون بعدي خلفاء، وبعد الخلفاء أمراء، وبعد الأمراء ملوك، وبعد الملوك جبابرة، وبعد الجبابرة يخرج رجل من أهل بيتي يملأ الأرض عدلاً.(٦)

رجال أصبهان: عن قُرّة، قال رسول الله (ص): لتُملأن الأرض جوراً وظلمان، فإذا ملئت جوراً وظلماً بعث الله رجلاً مني اسمه اسمي فيملأها قسطاً وعدلاً

____________________

١ - مستدرك الحاكم، ج ٤، ص٥٥٧.

٢ - أخبار أصبهان، ج ١، ص٨٤.

٣ - مسند أحمد، ج ٣، ص١٧.

٤ - ذخائر العقبى، ص١٣٦.

٥ - مستدرك الحاكم، ج ٤، ص٥٥٧.

٦ - الاستيعاب، ج ١، ص٢٢١.

٤٦٠

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495