الحقائق في تاريخ الاسلام

الحقائق في تاريخ الاسلام12%

الحقائق في تاريخ الاسلام مؤلف:
تصنيف: كتب متنوعة
الصفحات: 495

الحقائق في تاريخ الاسلام
  • البداية
  • السابق
  • 495 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 193403 / تحميل: 7471
الحجم الحجم الحجم
الحقائق في تاريخ الاسلام

الحقائق في تاريخ الاسلام

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

كما أن من الطبيعي أن يثير دهشتهم، ويذهلهم.. بعد أن لم يكن بينهم رجالات كفاة، يدركون ألاعيب السياسة، ودهاء ومكر الرجال. وقد عبر عن دهشتهم هذه نفس الخليفة الذي اختاروه، واستعاضوا به عن المأمون. فلقد قال ابن شكلة معاتبا العباسيين:

فـلا جزيت بنو العباس خيراً

على رغمي ولا اغتبطت بري

أتـوني مـهطعين، وقد أتاهم

بـوار الـدهر بالخبر الجلي

وقد ذهل الحواضن عن بنيها

وصـد الثدي عن فمه الصبي

وحـل عصائب الأملاك منها

فـشدت فـي رقاب بني علي

فضجت أن تشد على رؤوس

تـطالبها بـميراث النبي(١)

ب ـ ولكن دهشتهم وغضبهم لا قيمة لهما، في جانب ذهاب الخلافة عنهم بالكلية، وسفك دمائهم.. وقد أوضح لهم ذلك في رسالة منه إليهم، حيث قال: (.. وأما ما كنت أردته من البيعة لعلي بن موسى، بعد استحقاق منه لها في نفسه، فما كان ذلك مني إلا أن أكون الحاقن لدمائكم، والذائد عنكم، باستدامة المودة بيننا وبينهم.). والرسالة مذكورة في أواخر هذا الكتاب.

وقريب من ذلك ما جاء في وثيقة العهد، مخاطباً (أهل بيت أمير المؤمنين) حيث قال لهم: (.. راجين عائدته في ذلك (أي في البيعة للرضاعليه‌السلام ) في جمع ألفتكم، وحقن دمائكم، ولم شعثكم، وسد ثغوركم.) فليغضبوا إذن قليلاً، فإنهم سوف يفرحون في نهاية الأمر كثيراً، وذلك عندما يعرفون الأهداف الحقيقية، التي كانت تكمن وراء تلك اللعبة، وأنها لم تكن إلا من أجل الإبقاء عليهم، واستمرار وجودهم في الحكم، والقضاء على أخطر خصومهم، الذين لن يكون الصدام المسلح معهم في صالحهم، إنهم دون شك عندما تؤتي تلك اللعبة ثمارها سوف يشكرونه، ويعترفون له بالجميل، ويعتبرون أنفسهم مدينين له مدى الحياة، ولسوف يذكرون دائما قوله لهم في رسالته المشار إلها آنفاً: (.. فإن تزعموا أني أردت أن يؤول إليهم (يعني للعلويين) عاقبة ومنفعة، فإني في تدبيركم، والنظر لكم، ولعقبكم، ولأبنائكم من بعدكم.).

____________

(١) التنبيه والإشراف ص ٣٠٣، والولاة والقضاة للكندي ص ١٦٨.

١٨١

ومضمون هذه العبارة بعينه ـ تقريباً ـ قد جاء في وثيقة العهد، حيث قال فيها، موجها كلامه للعباسيين، رجاء أن يلتفتوا لما يرمي إليه من لعبته تلك.. فبعد أن طلب منهم بيعة منشرحة لها صدورهم ـ قال ـ: (.. عالمين بما أراد أمير المؤمنين بها، وآثر طاعة الله، والنظر لنفسه، ولكم فيها، شاكرين الله على ما ألهم أمير المؤمنين، من قضاء حقه في رعايتكم، وحرصه على رشدكم، وصلاحكم، راجين عائدته في ذلك في جمع ألفتكم، وحقن دمائكم إلخ. ما قومناه..).

لا شك أنه إذا غضب عليه العباسيون، فإنه يقدر على إرضائهم في المستقبل، (وقد حدث ذلك بالفعل) عندما يطلعهم على حقيقة نواياه، ومخططاته، وأهدافه، ولكنه إذا خسر مركزه، وخلافته، فإنه لا يستطيع ـ فيما بعد ـ أن يستعيدها بسهولة، أو أن يعتاض عنها بشيء ذي بال.

ج ـ: إن من الإنصاف هنا أن نقول: إن اختيار المأمون للرضاعليه‌السلام ولياً للعهد، كان اختياراً موفقاً للغاية، كما سيتضح، وإنه لخير دليل على حنكته ودهائه، وإدراكه للأسباب الحقيقية للمشاكل التي كان يواجهها المأمون، ويعاني منها ما يعاني.

د ـ: إن من الأمور الجديرة بالملاحظة هنا هو أن اختيار المأمون لولي عهده، الذي لم يقبل إلا بعد التهديد بالقتل.. كان ينطوي في بادئ الرأي على مغامرة لا تنسجم مع ما هو معروف عن المأمون من الدهاء والسياسة، إذا ما أخذت مكانة الإمامعليه‌السلام ، ونفوذه بنظر الاعتبار، سيما مع ملاحظة: أنه هو الذي كان يشكل أكبر مصدر للخطر على المأمون، ونظام حكمه، حيث إنه كان يحظى بالاحترام والتقدير، والتأييد الواسع في مختلف الفئات والطبقات في الأمة الإسلامية.

ولكننا إذا دققنا الملاحظة نجد أن المأمون لم يقدم على اختيار الإمام وليا للعهد، إلا وهو على ثقة من استمرار الخلافة في بني أبيه، حيث كان الإمامعليه‌السلام يكبره بـ (٢٢) سنة، وعليه فجعل ولاية العهد لرجل بينه، وبين الخليفة الفعلي هذا الفارق الكبير بالسن، لم يكن يشكل خطراً على الخلافة، إذ لم يكن من المعروف، ولا المألوف أن يعيش ولي العهد ـ وهو بهذه السن المتقدمة ـ لو فرض سلامته من الدسائس والمؤامرات!.. إلى ما بعد الخليفة الفعلي، فإن ذلك من الأمور التي يبعد احتمالها جداً.

١٨٢

ه‍ ـ: ولهذا.. ولأن ما أقدم عليه لم يكن منتظراً من مثله، وهو الذي قتل أخاه من أجل الخلافة والملك، ولأنه من تلك السلالة المعادية لأهل البيتعليهم‌السلام .. احتاج المأمون إلى أن يثبت صدقه، وإخلاصه فيما أقدم عليه، وأن يقنع الناس بصفاء نيته، وسلامة طويته.. فأقدم لذلك. على عدة أعمال:

فأولاً: أقدم على نزع السواد شعار العباسيين، ولبس الخضرة شعار العلويين وكان يقول: إنه لباس أهل الجنة(١) . حتى إذا ما انتهى دور هذه الظاهرة بوفاة الإمام الرضاعليه‌السلام وتمكنه هو من دخول بغداد عاد إلى لبس السواد شعار العباسيين، بعد ثمانية أيام فقط من وصوله، على حد قول أكثر المؤرخين، وقيل: بل بقي ثلاثة أشهر. نزع الخضرة رغم أن العباسيين، تابعوه، وأطاعوه في لبسها، وجعلوا يحرقون كل ملبوس يرونه من السواد، على ما صرح به في مآثر الإنافة، والبداية والنهاية، وغير ذلك.

____________

(١) الإمام الرضا ولي عهد المأمون ص ٦٢ عن ابن الأثير.

١٨٣

وثانياً: ولنفس السبب(١) أيضاً نراه قد ضرب النقود باسم الإمام الرضاعليه‌السلام .

وثالثاً: أقدم للسبب نفسه على تزويج الإمام الرضاعليه‌السلام ابنته، رغم أنها كانت بمثابة حفيدة له، حيث كان يكبرها الإمامعليه‌السلام بحوالي أربعين سنة. كما أنه زوج ابنته الأخرى للإمام الجوادعليه‌السلام الذي كان لا يزال صغيراً، أي ابن سبع سنين(٢) .

ومن يدري: فلعله كان يهدف من تزويجهما أيضاً إلى أن يجعل عليهما رقابة داخلية. وأن يمهد السبيل، لكي تكون الأداة الفعالة، التي

____________

(١) التربية الدينية ص ١٠٠.

(٢) راجع مروج الذهب ج ٣ / ٤٤١، وغيره من كتب التاريخ. وفي الطبري ج ١١ / ١١٠٣، طبع ليدن، والبداية والنهاية ج ١٠ / ٢٦٩: أنهعليه‌السلام لم يدخل بها إلا في سنة ٢١٥ للهجرة، ولكن يظهر من اليعقوبي ج ٢ / ٤٥٤ ط صادر: أنه زوج الجواد ابنته بعد وصوله إلى بغداد، وأمر له بألفي ألف درهم، وقال: إني أحببت أن أكون جداً لامرئ ولده رسول الله، وعلي بن أبي طالب، فلم تلد منه انتهى. وهذا يدل على أنه قد بادر إلى تزويج الجواد بعد قتل أبيه الرضاعليه‌السلام ليبرئ نفسه من الاتهام بقتل الرضاعليه‌السلام ، حيث إن الناس كانوا مقتنعين تقريباً بذلك ومطمئنين إليه، وسيأتي في أواخر الكتاب البحث عن ظروف وملابسات وفاتهعليه‌السلام ويلاحظ: أن كلمة المأمون هذه تشبه إلى حد بعيد كلمة عمر بن الخطاب حينما أراد أن يبرر إصراره غير الطبيعي على الزواج بأم كلثوم بنت عليعليه‌السلام حتى لقد استعمل أسلوباً غير مألوف في التهديد والوعيد من أجل الوصول إلى ما يريد.

١٨٤

يستعملها في القضاء على الإمامعليه‌السلام ، كما كان الحال بالنسبة لولده الإمام الجواد، الذي قتل بالسم الذي دسته إليه ابنة المأمون، بأمر من عمها المعتصم(١) ، فيكون بذلك قد أصاب عدة عصافير بحجر واحد. كما يقولون..

ويجب أن نتذكر هنا: أن المأمون كان قد حاول أن يلعب نفس هذه اللعبة مع وزيره الفضل بن سهل، فألح عليه أن يزوجه ابنته فرفض، وكان الرأي العام معه، فلم يستطع المأمون أن يفعل شيئاً، كما سنشير إليه.. لكن الإمامعليه‌السلام لم يكن له إلى الرفض سبيل، ولم يكن يستطيع أن يصرح بمجبوريته على مثل هكذا زواج. لأن الرأي العام لا يقبل ذلك منه بسهولة.. بل ربما كان ذلك الرفض سبباً في تقليل ثقة الناس بالإمام، حيث يرون حينئذٍ أنه لا مبرر لشكوكه تلك، التي تجاوزت ـ بنظرهم حينئذٍ ـ كل الحدود المألوفة والمعروفة..

وعلى كل حال: فإن كل الشواهد والدلائل تشير إلى أن زواج الإمام من ابنة المأمون كان سياسياً، مفروضاً إلى حد ما.. كما أننا لا نستبعد أن يكون زواج المأمون من بوران بنت الحسن بن سهل سياسياً أيضاً، حيث أراد بذلك أن يوثق علاقاته مع الإيرانيين، ويجعلهم يطمئنون إليه، خصوصاً بعد عودته إلى بغداد، وتركه مروا، وليبرئ نفسه من دم الفضل بن سهل، ويكتسب ثقة أخيه الحسن بن سهل، المعرف بثرائه ونفوذه.

ورابعاً: وللسبب نفسه أيضاً كان يظهر الاحترام والتبجيل للإمامعليه‌السلام ـ وإن كان يضيق عليه في الباطن(٢) ـ وكذلك كانت الحال بالنسبة لإكرامه للعلويين، حيث قد صرح هو نفسه بأن إكرامه لهم ما كان إلا سياسة منه ودهاء، ومن أجل الوصول إلى أهداف سياسية معينة، فقد قال في رسالته للعباسيين، المذكورة في أواخر هذا الكتاب: (.. وأما ما كنت أردته من البيعة لعلي بن موسى.. فما كان ذلك مني، إلا أن أكون الحاقن لدمائكم، والذائد عنكم، باستدامة المودة بيننا وبينهم. وهي الطريق أسلكها في إكرام آل أبي طالب، ومواساتهم في الفيء، بيسير ما يصيبهم منه.).

____________

(١) ولعله قد استفاد ذلك من سلفه معاوية، وما جرى له مع الإمام الحسن السبطعليه‌السلام .

(٢) وقد سبقه إلى مثل ذلك سليمان عم الرشيد، عندما أرسل غلمانه، فأخذوا جنازة الكاظمعليه‌السلام من غلمان الرشيد، وطردوهم. ثم نادوا عليه بذلك النداء المعروف، اللائق بشأنه، فمدحه الرشيد، واعتذر إليه، ولام نفسه، حيث لم يأخذ في اعتباره ما يترتب على ما أقدم عليه من ردة فعل لدى الشيعة، ومحبي أهل البيتعليهم‌السلام ، والذين قد لا يكون للرشيد القدرة على مواجهتهم. وتبعه أيضاً المتوكل، حيث جاء بالإمام الهاديعليه‌السلام إلى سامراء، فكان يكرمه في ظاهر الحال، ويبغي له الغوائل في باطن الأمر، فلم يقدره الله عليه.. على ما صرح به ابن الصباغ المالكي في الفصول المهمة ص ٢٢٦، والمجلسي في البحار ج ٥٠ / ٢٠٣، والمفيد في الإرشاد ص ٣١٤.

١٨٥

ويذكرني قول المأمون: (ومواساتهم في الفيء إلخ..) بقول إبراهيم بن العباس الصولي ـ وهو كاتب القوم وعاملهم ـ في الرضا عندما قربه المأمون:

يـمن عـليكم بأموالكم

وتعطون من مئة واحدا

و ـ: إن المأمون ـ ولا شك ـ كان يعلم: أن ذلك كله ـ حتى البيعة للإمام ـ لا يضره ما دام مصمما على التخلص من ولي عهده هذا بأساليبه الخاصة. بعد أن ينفذ ما تبقى من خطته الطويلة الأجل، للحط من الإمام قليلاً قليلاً، حتى يصوره للرعية بصورة من لا يستحق لهذا الأمر ـ كما صرح هو نفسه(١) ، وكما صرح بذلك أيضاً عبد الله بن موسى في رسالته إلى المأمون، والتي سوف نوردها في أواخر هذا الكتاب إن شاء الله، حيث يقول له فيها: (.. وكنت ألطف حيلة منهم. بما استعملته من الرضا بنا، والتستر لمحننا، تختل واحداً فواحداً منا إلخ.)(٢) .

إلى غير ذلك من الشواهد والدلائل، التي لا تكاد تخفى على أي باحث، أو متتبع..

أهداف المأمون من البيعة:

هذا.. وبعد كل الذي قدمناه، فإننا نستطيع في نهاية المطاف: أن نجمل أهداف المأمون، وما كان يتوخاه من أخذ البيعة للرضاعليه‌السلام بولاية العهد بعده.. على النحو التالي:

الهدف الأول:

أن يأمن الخطر الذي كان يتهدده من قبل تلك الشخصية الفذة، شخصية الإمام الرضاعليه‌السلام الذي كانت كتبه تنفذ في المشرق والمغرب، وكان الأرضى في الخاصة والعامة ـ باعتراف نفس المأمون ـ، حيث لا يعود باستطاعة الإمامعليه‌السلام أن يدعو الناس إلى الثورة ولا أن يأتي بأية حركة ضد الحكم، بعد أن أصبح هو ولي العهد فيه. ولسوف لا ينظر الناس إلى أية بادرة عدائية منه لنظام الحكم القائم إلا على أنها نكران للجميل، لا مبرر لها، ولا منطق يدعمها.

____________

(١) سنتكلم في القسم الرابع من هذا الكتاب، حول تصريحات المأمون، وخططه بنوع من التفصيل إن شاء الله تعالى.

(٢) مقاتل الطالبيين ص ٦٢٩.

١٨٦

وقد أشار المأمون إلى ذلك، عندما صرح بأنه: خشي إن ترك الإمام على حاله: أن ينفتق عليه منه ما لا يسده، ويأتي منه عليه ما لا يطيقه فأراد أن يجعله ولي عهده ليكون دعاؤه له. كما سيأتي بيانه في فصل: مع بعض خطط المأمون إن شاء الله تعالى.

الهدف الثاني:

أن يجعل هذه الشخصية تحت المراقبة الدقيقة، والواعية من قرب، من الداخل والخارج، وليمهد الطريق من ثم إلى القضاء عليها بأساليبه الخاصة. وقد أشرنا فيما سبق، إلى أننا لا نستبعد أن يكون من جملة ما كان يهدف إليه من وراء تزويجه الإمام بابنته، هو: أن يجعل عليه رقيبا داخليا موثوقا عنده هو، ويطمئن إليه الإمام نفسه.

وإذا ما لاحظنا أيضاً، أن: (المأمون كان يدس الوصائف هدية ليطلعنه على أخبار من شاء..)(١) ، وأنه كان: للمأمون على كل واحد صاحب خبر(٢) . (.. فإننا نعرف السر في إرساله بعض جواريه إلى الإمام الرضاعليه‌السلام بعنوان: هدية.. وقد أرجعها الإمامعليه‌السلام إليه مع عدة أبيات من الشعر، عندما رآها اشمأزت من شيبه)(٣) .

ولم يكتف بذلك، بل وضع على الإمامعليه‌السلام عيوناً آخرين، يخبرونه بكل حركة من حركاته، وكل تصرف من تصرفاته.

فقد كان: (هشام بن إبراهيم الراشدي من أخص الناس عند الرضاعليه‌السلام ، وكانت أمور الرضا تجري من عنده، وعلى يده، ولكنه لما حمل إلى مرو اتصل هشام بن إبراهيم بذي الرئاستين، والمأمون،

____________

(١) تاريخ التمدن الإسلامي ج ٥ جلد ٢ ص ٥٤٩، نقلاً عن: العقد الفريد ج ١ / ١٤٨.

(٢) تاريخ التمدن الإسلامي ج ٤ جلد ٢ ص ٤٤١، نقلاً عن: المسعودي ج ٢ / ٢٢٥، وطبقات الأطباء ج ١ / ١٧١، (٣) البحار ج ٤٩ / ١٦٤، وعيون أخبار الرضا ج ٢ / ١٧٨.

١٨٧

فحظي بذلك عندهما. وكان لا يخفي عليهما شيئاً من أخباره، فولاه المأمون حجابة الرضا. وكان لا يصل إلى الرضا إلا من أحب، وضيق على الرضا، فكان من يقصده من مواليه، لا يصل إليه. وكان لا يتكلم الرضا في داره بشيء إلا أورده هشام على المأمون، وذي الرئاستين..)(١) وعن أبي الصلت: أن الرضا (كان يناظر العلماء، فيغلبهم، فكان الناس يقولون: والله، إنه أولى بالخلافة من المأمون، فكان أهل الأخبار يرفعون ذلك إليه..)(٢) وأخيراً.. فإننا نلاحظ: أن جعفر بن محمد بن الأشعث، يطلب من الإمامعليه‌السلام : أن يحرق كتبه إذا قرأها، مخافة أن تقع في يد غيره، ويقول الإمامعليه‌السلام مطمئناً له: «إني إذا قرأت كتبه إلي أحرقتها.)(٣) إلى غير ذلك من الدلائل والشواهد الكثيرة، التي لا نرى أننا بحاجة إلى تتبعها واستقصائها.

الهدف الثالث:

أن يجعل الإمامعليه‌السلام قريباً منه، ليتمكن من عزله عن الحياة الاجتماعية، وإبعاده عن الناس، وإبعاد الناس عنه، حتى لا يؤثر عليهم بما يمتلكه من قوة الشخصية، وبما منحه الله إياه من العلم، والعقل، والحكمة. ويريد أن يحد من ذلك النفوذ له، الذي كان يتزايد باستمرار، سواء في خراسان، أو في غيرها.

وأيضاً.. أن لا يمارس الإمام أي نشاط لا يكون له هو دور رئيس فيه، وخصوصاً بالنسبة لرجال الدولة، إذ قد يتمكن الإمامعليه‌السلام من قلوبهم، ومن ثم من تدبير شيء ضد النظام القائم. دون أن يشعر أحد.

____________

(١) البحار ج ٤٩ / ١٣٩، ومسند الإمام الرضا ج ١ / ٧٧، ٧٨، وعيون أخبار الرضا ج ٢ / ١٥٣.

(٢) شرح ميمية أبي فراس ص ٢٠٤، والبحار ج ٤٩ / ٢٩٠، وعيون أخبار الرضا ج ٢ / ٢٣٩.

(٣) كشف الغمة ج ٣ / ٩٢، ومسند الإمام الرضا ج ١ / ١٨٧، وعيون أخبار الرضا ج ٢ / ٢١٩.

١٨٨

والأهم من ذلك كله:

أنه كان يريد عزل الإمامعليه‌السلام عن شيعته، ومواليه، وقطع صلاتهم به، وليقطع بذلك آمالهم، ويشتت شملهم، ويمنع الإمام من أن يصدر إليهم من أوامره، ما قد يكون له أثر كبير على مستقبل المأمون، وخلافته.

وبذلك يكون أيضاً قد مهد الطريق للقضاء على الإمامعليه‌السلام نهائياً، والتخلص منه بالطريقة المناسبة، وفي الوقت المناسب.

وقد قال المأمون إنه: (يحتاج لأن يضع من الإمام قليلاً قليلا، حتى يصوره أمام الرعية بصورة من لا يستحق لهذا الأمر. ثم يدبر فيه بما يحسم عنه مواد بلائه.) كما سيأتي.

وقد قرأنا آنفاً أنه: (كان لا يصل إلى الرضا إلا من أحب ـ أي هشام بن إبراهيم ـ وضيق على الرضا، فكان من يقصده من مواليه، لا يصل إليه).

كما أن الرضا نفسه قد كتب في رسالته منه إلى أحمد بن محمد البيزنطي، يقول:((وأما ما طلبت من الإذن علي، فإن الدخول إلي صعب، وهؤلاء قد ضيقوا علي في ذلك الآن، فلست تقدر الآن، وسيكون إن شاء الله...)) (١) .

____________

(١) رجال المامقاني ج ١ / ٧٩، وعيون أخبار الرضا ج ٢ / ٢١٢.

١٨٩

كما أننا نرى أنه عندما وصل إلى القادسية، وهو في طريقه إلى مرو، يقول لأحمد بن محمد بن أبي نصر: (إكتر لي حجرة لها بابان: باب إلى الخان، وباب إلى خارج، فإنه أستر عليك..)(١) .

ولعل ذلك هو السبب في طلبه من الإمامعليه‌السلام ، ومن رجاء بن أبي الضحاك: أن يمرا عن طريق البصرة، فالأهواز إلخ.. ما سيأتي: ولا نستبعد أيضاً أن يكون عزل الإمام عن الناس، هو أحد أسباب إرجاع الإمام الرضا عن صلاة العيد مرتين(٢) . وللسبب نفسه أيضاً فرق عنه تلامذته، عندما أخبر أنه يقوم بمهمة التدريس، وحتى لا يظهر علم الإمام، وفضله.. إلى آخر ما هنالك من صفحات تاريخ المأمون السوداء.

الهدف الرابع:

إن المأمون في نفس الوقت الذي يريد فيه أن يتخذ من الإمام مجناً يتقي به سخط الناس على بني العباس، ويحوط نفسه من نقمة الجمهور. يريد أيضاً، أن يستغل عاطفة الناس ومحبتهم لأهل البيت ـ والتي زادت ونمت بعد الحالة التي خلفتها الحرب بينه وبين أخيه ـ ويوظف ذلك في صالحه هو، وصالح الحكم العباسي بشكل عام.

أي أنه كان يهدف من وراء لعبته تلك، والتي كان يحسب أنها سوف تكون رابحة جداً ـ إلى أن يحصل على قاعدة شعبية، واسعة، وقوية. حيث كان يعتقد ويقدر: أن نظام حكمه سوف ينال من التأييد، والقوة، والنفوذ، بمقدار ما كان لتلك الشخصية من التأييد، والنفوذ والقوة.. وإذا ما استطاع في نهاية الأمر أن يقضي عليها، فإنه يكون قد أمن خطراً عظيماً، كان يتهدده من قبلها، بمقدار ما كان لها من العظمة والخطر.

____________

(١) بصائر الدرجات ص ٢٤٦، ومسند الإمام الرضا ج ١ / ١٥٥.

(٢) هذه القضية معروفة ومشهورة، فراجع: الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي ص ٢٤٦، ٢٤٧، ومطالب السؤول، لمحمد بن طلحة الشافعي، طبعة حجرية ص ٨٥، وإثبات الوصية للمسعودي ص ٢٠٥، ومعادن الحكمة ص، ١٨٠، ١٨١، ونور الأبصار ص ١٤٣، وشرح ميمية أبي فراس ص ١٦٥، وإعلام الورى ص ٣٢٢، ٣٢٣، وروضة الواعظين ج ١ / ٢٧١، ٢٧٢، وأصول الكافي ج ١ / ٤٨٩، ٤٩٠، والبحار ج ٤٩ / ١٣٥، ١٣٦، ١٧١، ١٧٢، وعيون أخبار الرضا، وإرشاد المفيد، وأعيان الشيعة، وكشف الغمة، وغير ذلك.

ولسوف يأتي فصل: خطة الإمام، وغيره من الفصول، ما يتعلق بذلك إن شاء الله تعالى.

١٩٠

إن المأمون قد اختار لولاية عهده رجلاً يحظى بالاحترام والتقدير من جميع الفئات والطبقات، وله من النفوذ، والكلمة المسموعة، ما لم يكن لكل أحد سواه في ذلك الحين. بل لقد كان الكثيرون يرون: أن الخلافة حق له، وينظرون إلى الهيئة الحاكمة على أنها ظالمة له وغاصبة لذلك الحق:

يقول الدكتور الشيبي، وهو يتحدث عن الرضاعليه‌السلام : (إن المأمون جعله ولي عهده، لمحاولة تألف قلوب الناس ضد قومه العباسيين، الذين حاربوه، ونصروا أخاه..)(١) .

ويقول:. (.. وقد كان الرضا من قوة الشخصية، وسمو المكانة: أن التف حوله المرجئة، وأهل الحديث، والزيدية، ثم عادوا إلى مذاهبهم بعد موته.)(٢) .

وكذلك هو يقول ـ وهو مهم فيما نحن بصدده ـ: (.. إن الرضا لم يكن بعد توليته العهد إمام الشيعة وحدهم، وإنما مر بنا:

____________

(١) الصلة بين التصوف والتشيع ص ٢٢٣، ٢٢٤.. ونحن لا نوافق الدكتور الشيبي على أنه كان يريد التقوي بذلك على العباسيين، كما اتضح، وسيتضح إن شاء الله.

(٢) المصدر السابق ص ٢١٤.

١٩١

أن الناس، حتى أهل السنة، والزيدية، وسائر الطوائف الشيعية المتناحرة.. قد اجتمعت على إمامته، وإتباعه، والالتفاف حوله.)(١) .

وهذا كما ترى تصريح واضح منه بهدف المأمون، الذي نحن بصدد بيانه.

ويقول محمد بن طلحة الشافعي مشيراً إلى ذلك، في معرض حديثه عن الإمام الرضاعليه‌السلام : (.. نما إيمانه، وعلا شأنه، وارتفع مكانه، وكثر أعوانه، وظهر برهانه، حتى أدخله الخليفة المأمون محل مهجته، وأشركه في مملكته.)(٢) .

وتقدم أنهعليه‌السلام كان ـ باعتراف المأمون ـ (الأرضى في الخاصة والعامة) وأن كتبه كانت تنفذ في المشرق والمغرب، حتى إن البيعة له بولاية العهد، لم تزده في النعمة شيئاً.. وأنه كان له من قوة الشخصية ما دفع أحد أعدائه لأن يقول في حقه للمأمون: (هذا الذي بجنبك والله صنم يعبد دون الله) إلى آخر ما هنالك، مما قدمنا (غيضاً من فيض منه).

كما وتقدم أيضاً قول المأمون في رسالته للعباسيين: (.. وإن تزعموا: أني أردت أن يؤول إليهم عاقبة ومنفعة ـ يعني للعلويين ـ، فإني في تدبيركم، والنظر لكم. ولعقبكم، وأبنائكم من بعدكم..)، وأيضاً عبارته التي كتبها المأمون بخط يده في وثيقة العهد، فلا نعيد.

وهكذا.. فما على العباسيين إلا أن ينعموا بالاً، ويقروا عيناً، فإن المأمون كان يدبر الأمر لصالحهم ومن أجلهم.. وليس كما يقوله الدكتور الشيبي، وغيره من أنه أراد أن يحصل على التأييد الواسع، ليقابل العباسيين، ويقف في وجههم.

____________

(١) المصدر السابق ص ٢٥٦.

(٢) مطالب السؤول ص ٨٤، ٨٥. وقريب منه ما في: الإتحاف بحب الأشراف ص ٥٨.

١٩٢

إشارة هامة لا بد منها:

هذا.. ويحسن بنا أن نشير هنا: إلى ما قاله ابن المعتز في الروافض. وإلقاء نظرة فاحصة على السبب الذي جعلهم مستحقين لهذه الحملة الشعواء منه.. فهو يقول:

لـقد قـال الروافض في علي

مـقالاً جـامعاً كـفراً وموقا

زنـادقة أرادت كـسب مـال

مـن الـجهال فـاتخذته سوقا

وأشـهـد أنـه مـنهم بـريّ

وكـان بـأن يـقتلهم خـليقا

كـما كـذبوا عـليه وهو حي

فـأطعم نـاره مـنهم فـريقا

وكـانوا بالرضا شغفوا زماناً

وقـد نفخوا به في الناس بوقا

وقـالـوا: إنـه رب قـديرا

فكم لصق السواد به لصوقا(١)

وهذه الأبيات تعبر عن مدى صدمة ابن المعتز، وخيبة أمله في الروافض، الذين ضايقه جداً امتداد دعوتهم في طول البلاد الإسلامية، وعرضها. وخصوصاً في زمن الرضا. والذي لم يجد شيئاً يستطيع أن ينتقص به إمامهم الرضاعليه‌السلام سوى أنه كان أسود اللون، وأن الروافض قالوا: إنه رب قدير.. وسر حنقه هذا على الروافض ليس هو إلا عقيدتهم في عليعليه‌السلام ـ التي كان يراها خطراً حقيقياً على القضية العباسية ـ والتي تتلخص بأنهعليه‌السلام : يستحق الخلافة بالنص. وهذه العقيدة والمقالة هي التي جعلتهم يستحقون من ابن المعتز أن يجمع لهم بين وصفي الكفر والزندقة، واتهامه لهم، بأنهم يقصدون بذلك كسب المال من الجهال. ثم يتهمهم بأنهم قد قالوا بنفس هذه المقالة في علي الرضاعليه‌السلام ، فقالوا: إنه الإمام الثابت إمامته بالنص، وشهروا بذلك، حتى علم به عامة الناس، ونفخوا به في الناس بوقاً.. وحتى لقد التف حوله أهل الحديث، والزيدية. بل والمرجئة، وأهل السنة، على حد تعبير الشيبي، وقالوا: بإمامة أبيه، ثم بإمامته.

____________

(١) ديوان ابن المعتز ص ٣٠٠، ٣٠١، والأدب في ظل التشيع ص ٢٠٦.

١٩٣

وبديهي.. أن لا يرتاح ابن المعتز، الذي كان في صميم الأسرة العباسية لهذا الامتداد للتشيع، ولمقالة الروافض، حيث إن ذلك يعني أن الأئمة الذين هم بين الرضا، وعلي أمير المؤمنينعليهما‌السلام ، كلهم تثبت إمامتهم بالنص.

ولقد بلغ من حنقه عليهم، بسبب ذلك الامتداد الواسع لعقيدتهم ـ وخصوصاً في زمان الرضا ـ أن دفعه إلى أن يخلط عن عمد، أو عن غير عمد بين عقيدة الروافض هذه، وبين عقيدة الغلاة، حيث أضاف إلى مقالة الروافض تلك مقالة أخرى، هي: القول بإلوهية عليعليه‌السلام .

وإذا كنا واثقين من أن الفرق الشاسع بين عقيدة الروافض، وعقيدة الغلاة، لم يكن ليخفى على مثل ابن المعتز، بل على من هو أقل منه بمراتب، فإننا سوف ندرك بما لا مجال معه للشك: أن يقصد بهذا الخلط المتعمد: التشنيع على الروافض، وتهجين عقيدتهم، إذ أنه يقصد ب‍ـ (الروافض)، ـ حسبما هو صريح كلامه ـ خصوص القائلين بإمامة الرضا، وإمامة علي أمير المؤمنين، ومن بينهما. وهو يعلم وكل أحد يعلم: أنه ليس فيهم من يقول بإلوهية أحدهما، أو إلوهيتهما، أو إلوهية غيرهما من أئمة أهل البيتعليهم‌السلام .

وأخيراً.. فإن قول واعتراف ابن المعتز هذا ـ وهو من نعلم ـ لخير دليل على مدى تحرر الشيعة في زمن الرضا، واتساع نفوذهم، وعلى أن شخصية الرضاعليه‌السلام ، كانت قد استقطبت قطاعاً واسعاً، إن لم نقل: أنه القطاع الأكبر من الأمة الإسلامية، في طول البلاد وعرضها، في تلك الفترة من الزمن، وقد تقدم بعض ما يدل على ذلك، فلا نعيد.

الهدف الخامس:

هذا.. ونستطيع أن نقول أيضاً: إنه كان يريد أن يقوي من دعائم حكمه، حيث قد أصبح الحكم يمتلك شخصية تعنو لها الجباه بالرضا والتسليم، ولقد كان الحكم بأمس الحاجة إلى شخصية من هذا القبيل. في مقابل أولئك المتزلفين القاصرين، الذين كانوا يتجمعون حول الحكم العباسي، طلبا للشهرة، وطمعا بالمال، والذين لم يعد يخفى على أحد حالهم ومآلهم.. وعلى الأخص بعد أن رأى فشلهم في صد حملات علماء الملل الأخرى، والذين كانوا قد ضاعفوا نشاطاتهم، عندما رأوا ضعف الدولة، وتمزقها، وتفرقها إلى جماعات وأحزاب.

نعم.. لقد كان الحكم يحتاج إلى العلماء الأكفاء، والأحرار في تفكيرهم، وفي نظرتهم الواعية للإنسان والحياة، ولم يعد بحاجة إلى المتزلفين، والجامدين، والانهزاميين، ولهذا نراه يستبعد أصحاب الحديث الجامدين، الذين كان أكثرهم في الجهة المناوئة له، يشدون من أزرها، ويقيمون أودها..

١٩٤

ويقرب المعتزلة: كبشر المريسي، وأبي الهذيل العلاف وأضرابهما. ولكن الشخصية العلمية، التي لا يشك أحد في تفوقها على جميع أهل الأرض علماً وزهدا، وورعاً وفضلاً الخ. كانت منحصرة في الإمام الرضاعليه‌السلام ، باعتراف من نفس المأمون، كما قدمنا، ولهذا فقد كان الحكم يحتاج إليها أكثر من احتياجه لأية شخصية أخرى، مهما بلغت.

الهدف السادس:

ولعل من الأهمية بمكان بالنسبة إليه، أنه يكون في تلك الفترة المليئة بالقلاقل والثورات، قد أتى الأمة بمفاجئة مثيرة، من شأنها أن تصرف أنظار الناس عن حقيقة ما يجري، وما يحدث، وعن واقع المشاكل التي كان يعاني الحكم والأمة منها، وما أكثرها.

وقد عبر إبراهيم بن المهدي، عن دهشة بني العباس في أبياته المتقدمة. حتى لقد ذهل ـ على حد قوله ـ الحواضن عن بنيها! وصد الثدي عن فمه الصبي!

وبعد هذا. فلسنا بحاجة إلى كبير عناء، لإدراك مدى دهشة غيرهم: ممن رأوا وسمعوا بمعاملة العباسيين لأبناء عمهم. ولسوف ندرك مدى عظمة دهشتهم تلك إذا ما لاحظنا: أنهم كانوا سياسياً أقل وعيا وتجربة من مثل إبراهيم بن المهدي، الذي عاش في أحضان الخلافة. وكان بمرأى ومسمع من ألاعيب السياسة، ومكر الرجال.

الهدف السابع:

طبيعي بعد هذا: أنه قد أصبح يستطيع أن يدعي، بل لقد ادعى بالفعل ـ على ما في وثيقة العهد ـ: أن جميع تصرفاته، وأعماله، لم يكن يهدف من ورائها، إلا الخير للأمة، ومصلحة المسلمين، وحتى قتله أخاه، لم يكن من أجل الحكم، والرياسة، بقدر ما كان من أجل خير المسلمين، والمصلحة العامة، يدل على ذلك: أنه عندما رأى أن خير الأمة، إنما هو في إخراج الخلافة من بني العباس كلية، وهم الذين ضحوا الكثير في سبيلها، وقدموا من أجلها ما يعلمه كل أحد ـ عندما رأى ذلك ـ وأن ذلك لا يكون إلا بإخراجها إلى ألد أعدائهم، سارع إلى ذلك، بكل رضى نفس، وطيبة خاطر.. وليكون بذلك قد كفر عن جريمته النكراء، والتي كانت أحد أسباب زعزعة ثقة الناس به، ألا وهي: قتله أخاه الأمين، العزيز على العباسيين والعرب. وليكون بذلك، قد ربط الأمة بالخلافة، وكسب ثقتها فيها، وشد قلوب الناس، وأنظارهم إليها، حيث أصبح باستطاعتهم أن ينتظروا منها أن تقيم العدل، وترفع الظلم، وأن تكون معهم، وفي خدمتهم، وتعيش قضاياهم. وليكون لها من ثم من المكانة والتقدير، وما يجعلها في منأى ومأمن من كل من يتحينون بها الفرص، ويبغون لها الغوائل.

١٩٥

ويدل على ذلك ـ عدا عما ورد في وثيقة العهد ـ ما ورد من أن المأمون كتب إلى عبد الجبار بن سعد المساحقي، عامله على المدينة: أن اخطب الناس، وادعهم إلى بيعة الرضا، فقام خطيبا، فقال:

(يا أيها الناس، هذا الأمر الذي كنتم فيه ترغبون، والعدل الذي كنتم تنتظرون، والخير الذي كنتم ترجون، هذا علي بن موسى، بن جعفر، بن محمد، بن علي، بن الحسين، بن علي بن أبي طالب:

ســتـة آبــاؤهـم مــا هــم

من أفضل من يشرب صوب الغمام(١)

وقد أكد ذلك بحسن اختياره، إذ قد اختار هذه الشخصية، التي تمثل ـ في الحقيقة ـ أمل الأمة، ورجاءها، في حاضرها، ومستقبلها، وتكون النتيجة ـ بعد ذلك ـ أنه يكون قد حصل على حماية لكل تصرف يقدم عليه في المستقبل، وكل عمل يقوم به.. مهما كان غريباً، ومهما كان غير معقول، فإن على الأمة أن تعتبره صحيحاً وسليماً، لا بد منه، ولا غنى عنه، وإن لم تعرف ظروفه، ودوافعه الحقيقية. بل وحتى مع علمها بها، فإن عليها أن تؤول ما يقبل التأويل، وإلا. فإن عليها أن تدفن رأسها في التراب، وتتناسى ما تعلم. أو أن تعتبر نفسها قاصرة عن إدراك المصالح الحقيقية الكامنة في تلك التصرفات الغريبة، وأن ما أدركته ـ ولو كان حقاً ـ لا واقع له، ولا حقيقة وراءه. ويدل على ذلك بشكل واضح أبيات ابن المعتز الآتية ص ٣٠٥/٣٠٦ يقول ابن المعتز:

وأعـطاكم الـمأمون حـق خلافة

لـنا حـقها لـكنه جـاد بـالدنيا

لـيعلمكم أن الـتي قـد حرصتموا

عليها وغودرتم على أثرها صرعى

يـسير عـليه فـقدها غـير مكثر

كـما ينبغي للصالحين ذوي التقوى

____________

(١) العقد الفريد ج ٣ / ٣٩٢، طبع مصطفى محمد بمصر سنة ١٩٣٥ و (ما) في البيت زائدة.. ولا يخفى ما في البيت، وقد أثبتناه، كما وجدناه.

١٩٦

وعلى كل حال، فإنه يتفرع على ما ذكرناه:

أولاً: إنه بعد أن أقدم على ما أقدم عليه، فليس من المنطقي بعد للعرب أن يسخطوا عليه، بسبب معاملة أبيه، أو أخيه، وسائر أسلافه لهم، فإن المرء بما كسب هو، لا بما كسب أهله، ولا تزر وازرة وزر أخرى.

وكيف يجوز لهم أن يغضبوا بعد، وهو قد أرجع الخلافة إليهم، بل وإلى أعرق بيت فيهم. وعرفهم عملا: أنه لا يريد لهم، ولغيرهم، إلا الصلاح والخير..

وليس لهم بعد حق في أن ينقموا عليه معاملته القاسية لهم، ولا قتله أخاه، ولا أن يزعجهم، ويخيفهم تقريبه للإيرانيين، ولا جعله مقر حكمه مروا إلى آخر ما هنالك.. ما دام أن الخلافة قد عادت إليهم، على حسب ما يشتهون، وعلى وفق ما يريدون.

ومن هنا.. فلا يجب أن نعجب كثيراً، حين نراهم: قد تلقوا بيعة الرضا بنفوس طيبة، وقلوب رضية. حتى أهل بغداد نرى أنهم قد تقبلوها إلى حد كبير، فقد نص المؤرخون ـ ومنهم الطبري، وابن مسكويه ـ على أن بعضهم وافق، والبعض الآخر ـ وهم أنصار بني العباس ـ رفض. وهذا يدل دلالة واضحة: على أن بغداد، معقل العباسيين الأول، كانت تتعاطف مع العلويين إلى درجة كبيرة..

١٩٧

بل ونص المؤرخون، على أن: إبراهيم بن المهدي، المعروف بابن شكلة، الذي بويع له في بغداد غضبا من تولية الرضا للعهد: لم يستطع أن يسيطر إلا على بغداد، والكوفة والسواد(١) ، بل وحتى الكوفة قد استمرت الحرب قائمة فيها على ساق وقدم أشهراً عديدة بين أنصار المأمون، وعليهم الخضرة، وأنصار العباسيين وعليهم السواد(٢) .

وثانياً: وأما الإيرانيون عامة، والخراسانيون خاصة، والمعروفون بتشيعهم للعلويين، فقد ضمن المأمون استمرار تأييدهم له، وثقتهم به، بعد أن حقق لهم غاية أمانيهم. وأغلى أحلامهم، وأثبت لهم عملاً، حبه لمن يحبون، ووده لمن يودون.. وأن لا ميزة عنده لعباسي على غيره، ولا لعربي على غيره، وأن الذي يسعى إليه، هو ـ فقط خير الأمة، ومصلحتها، بجميع فئاتها، ومختلف طبقاتها، وأجناسها.

ملاحظة هامة:

إن من الجدير بالملاحظة هنا: أن الرضاعليه‌السلام كان قد قدم إلى إيران قبل ذلك. والظاهر أنه قدمها في حدود سنة ١٩٣ ه‍. أي في الوقت المناسب لوفاة الرشيد، فقد ذكر الرضي المعاصر للمجلسي في كتابه: ضيافة الإخوان: أن علياً الرضاعليه‌السلام كان مستخفياً في قزوين في دار داوود بن سليمان الغازي أبي عبد الله، ولداوود نسخة يرويها عن الرضاعليه‌السلام ، وأهل قزوين يروونها عن داوود، كإسحاق بن محمد، وعلي بن مهرويه(٣) .

وقال الرافعي في التدوين: (وقد اشتهر اجتياز علي بن موسى الرضا بقزوين. ويقال: إنه كان مستخفيا في دار داوود بن سليمان الغازي، روى عنه النسخة المعروفة، وروى عنه إسحاق بن محمد، وعلي بن مهرويه، وغيرهما.

____________

(١) راجع البداية والنهاية ج ١٠ / ٢٤٨، وغيره من كتب التاريخ. وزاد أحمد شلبي في كتابه: التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية ج ٣ / ١٠٥ ـ زاد على ذلك: المدائن أيضاً.

(٢) راجع: الكامل لابن الأثير ج ٥ / ١٩٠، والبداية والنهاية ج ١٠ / ٢٤٨، وغير ذلك.

(٣) راجع كتاب: ضيافة الإخوان مخطوط في مكتبة المدرسة الفيضية في قم، في ترجمة أبي عبد الله القزويني، وعلي بن مهرويه القزويني.

١٩٨

قال الخليل: وابنه المدفون في مقبرة قزوين، يقال: إنه كان ابن سنتين، أو أصغر)(١) انتهى كلام الرافعي.

والمراد بالخليل في كلامه، هو الخليل بن عبد الله بن أحمد بن إبراهيم الخليلي، القزويني، وهو الحافظ المشهور، مصنف كتاب الإرشاد، وكتاب تاريخ قزوين، الذي فرغ من تأليفه حوالي سنة أربعمائة هجرية، وكانت وفاته سنة ٤٤٦ ه‍.

الهدف الثامن:

لقد كان من نتائج اختياره الإمام، والبيعة له بولاية العهد ـ التي كان يتوقعها ـ: أن أخمد ثورات العلويين في جميع الولايات والأمصار.

ولعله لم تقم أية ثورة علوية ضد المأمون ـ بعد البيعة للرضا، سوى ثورة عبد الرحمان بن أحمد في اليمن. وكان سببها ـ باتفاق المؤرخين ـ هو فقط: ظلم الولاة وجورهم، وقد رجع إلى الطاعة بمجرد الوعد بتلبية مطالبه.

بل لا بد لنا أن نضيف إلى ذلك:

أ ـ : إنه ليس فقط أخمد ثوراتهم. بل لقد حصل على ثقة الكثيرين منهم، ومن والاهم، وشايعهم. والخراسانيون منهم، ويشير المأمون إلى هذا المعنى في رسالته، التي أرسلها إلى عبد الله بن موسى، حيث يقول:

(.. ما ظننت أحداً من آل أبي طالب يخافني، بعد ما عملته بالرضا) والرسالة مذكورة في أواخر هذا الكتاب.. كما أنه كتب للعباسيين في بغداد في رسالته، التي أشرنا إليها غير مرة، يقول لهم: إنه يريد بذلك أن يحقن دماءهم، ويذود عنهم، باستدامة المودة بنيهم، وبين العلويين.

ب: بل ونزيد هنا على ما تقدم: أنه قد بايعه منهم ومن أشياعهم من لم يكن بعد قد بايعه، وهم قسم كبير جداً، بل لقد بايعه أكثر المسلمين، ودانوا له بالطاعة، بعد أن كانوا مخالفين له ممتنعين عن بيعته، حسبما قدمناه.

وهذه دون شك هي إحدى أمنيات المأمون، بل هي أجل أمنياته وأغلاها.

ج: قال ابن القفطي في معرض حديثه عن عبد الله بن سهل ابن نوبخت:

(.. هذا منجم مأموني، كبير القدر في صناعته، يعلم المأمون قدره في ذلك. وكان لا يقدم إلا عالما مشهودا له، بعد الاختيار..

____________

(١) التدوين قسم ٢ ورقة ٢٣٥ مخطوط في مكتبة دار التبليغ الإسلامي في قم، ترجمة علي الرضا..

١٩٩

وكان المأمون قد رأى آل أمير المؤمنين، علي بن أبي طالب متخشين، متخفين، من خوف المنصور، ومن جاء بعده من بني العباس. ورأى العوام قد خفيت عنهم أمورهم بالاختفاء، فظنوا ما يظنونه بالأنبياء، ويتفوهون بما يخرجهم عن الشريعة، من التغالي.

فأراد معاقبة العامة على هذا الفعل.

ثم فكر: أنه إذا فعل هذا بالعوام زادهم إغراء به، فنظر نظراً دقيقاً، وقال: لو ظهروا للناس، ورأوا فسق الفاسق منهم، وظلم الظالم، لسقطوا من أعينهم، ولانقلب شكرهم لهم ذماً.

ثم قال: إذا أمرناهم بالظهور خافوا، واستتروا، وظنوا بنا سوءاً، وإنما الرأي: أن نقدم أحدهم، ويظهر لهم إماماً، فإذا رأوا هذا أنسوا، وظهروا، وأظهروا ما عندهم من الحركات الموجودة في الآدميين، فيحقق للعوام حالهم، وما هم عليه، مما خفي بالاختفاء، فإذا تحقق ذلك أزلت من أقمته، ورددت الأمر إلى حالته الأولى. وقوي هذا الرأي عنده، وكتم باطنه عن خواصه.. وأظهر للفضل ابن سهل: أنه يريد أن يقيم إماماً من آل أمير المؤمنين علي (صلوات الله عليه).

وفكر هو وهو: فيمن يصلح، فوقع إجماعهما على الرضا، فأخذ الفضل بن سهل في تقرير ذلك. وترتيبه وهو لا يعلم باطن الأمر. وأخذ في اختيار وقت لبيعة الرضا، فاختار طالع السرطان، وفيه المشتري الخ)(١) .

ثم ذكر أن عبد الله بن سهل أراد اختبار المأمون، فأخبره أن البيعة لا تتم إذا وقعت في ذلك الوقت، فهدده المأمون بالقتل إن لم تقع البيعة في ذلك الوقت بالذات، لأنه سوف يعتبر أنه هو الذي أفسد عليه ما كان دبره الخ..

وابن القفطي هنا، لا يبدو أنه يعتبر الإمام الرضاعليه‌السلام من أولئك الذين يريد المأمون إظهار تفاهاتهم للناس، ولكنه يوجه نظره إلى بقية العلويين في ذلك.. ونحن إن كنا لا نستبعد من المأمون ما ذكره ابن القفطي هنا لكننا لا نستطيع أن نعتبر أن هذا كان من الأسباب الرئيسية لدى المأمون، إذ لا نعتقد أن المأمون كان من السذاجة بحيث يجهل أن بقية العلويين لم يكونوا ـ إجمالاً ـ على الحال التي كان يريد أن يظهرهم عليها للناس، وأنهم كانوا أكثر تديناً والتزاماً من أي فئة أخرى على الإطلاق..

____________

(١) تاريخ الحكماء ص ٢٢١، ٢٢٢.

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

الإمام الخامس

محمد بن عليّ الباقر (عليهما السلام)

الطبقات: عن المعيصي قال: رأيت محمد بن علي على جبهته وأنفه اثر السجود، ليس بالكثير.(١)

ويقول: وكان ثقة كثير العلم والحديث.(٢)

الوفيات: أبو جعفر محمد بن زين العابدين عليّ بن الحسين، الملقّب بالباقر، أحد الأئمة الاثني عشر في اعتقاد الأمامية، وهو والد جعفر الصادق، وكان الباقر عالماً سيداً كبيراً، وإنما قيل له الباقر: لأنه تبقّر في العلم أي توسّع، والتبقّر التوسّع. وفيه يقول الشاعر:

يا باقر العلم لأهل التقى

وخير من لبى على الأجبل

ومولده بالمدينة سنة سبع وخمسين، وكان عمره يوم قتل جده الحسين (عليه السلام) ثلاث سنين، وتوفى سنة ثلاث عشرة ومئة، ودفن بالبقيع.(٣)

تذكرة الحفاظ: محمد بن علي الإمام الثبت الهاشمي العلوي المدني أحد الأعلام، مولده سنة ست وخمسين، وكان سيد بني هاشم في زمانه، اشتهر بالباقر، قولهم بقر العلم: يعني شقّه.(٤)

حلية الأولياء: عن عبد الله بن عطاء قال: ما رأيت العلماء عند أحد أصغر علماً منهم عند أبي جعفر، لقد رأيت الحكم عنده كأنه متعلّم.(٥)

____________________

١ - الطبقات ج ٥، ص٣٢١.

٢ - نفس المصدر، ص٣٢٤.

٣ - الوفيات ج ٢، ص٢٣.

٤ - تذكرة الحفاظ ج ١، ص١٢٤.

٥ - حلية الأولياء ج ٣، ص١٨٦.

٤٤١

البيان والتعريف: عن الأوزاعي، قدمت المدينة فسألت محمد بن علي بن الحسين عن قوله عَزَّ وجَلَّ( يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ ) ؟ قال: حدثني أبي عن جدي عليّ بن أبي طالب قال: سألت عنها رسول الله (ص) فقال: لأبشّرنّك بها يا عليّ فبشّر بها أمتي من بعدي: الصدقة على وجهها واصطناع المعروف وبرّ الوالدين وصلة الرحم تُحوّل الشقاء سعادة وتزيد في العمر وتقي مصارع السوء.(١)

حلبة الأولياء: قال محمد بن علي: كان ليّ أخ في عيني عظيم، وكان الذي عظّمه في عيني صغر الدينا في عينه.(٢)

ويروي أيضاً: عن جعفر بن محمد بن علي قال: فقد أبي بغلة له، فقال: لئنن ردّها الله تعالى عليّ لأحمدنه محامد يرضاها، فما لبث أن أتي بها بسرجها ولجامها، فركبها فلما استوى عليها وضمّ إليه ثيابه، رفع رأسه إلى السماء فقال: الحمد لله، لم يزد عليها! فقيل له في ذلك. فقال: وهل تركت شيئاً، جعلت الحمد كله لله عَزَّ وجَلَّ.

ويروي أيضاً: عن جابر، قال لي محمد بن عليّ: يا جابر، أنزل الدنيا كمنزل نزلت به وارتحلت منه، أو كمال أصبته في منامك فاستيقظت وليس معك منه شيء، إنما هي مع أهل اللبّ والعالِمين بالله تعالى كفيء الظِلال. فاحفظ ما استرعاك الله تعالى من دينه وحكمته.(٣)

عيون ابن قتيبة: أخبرنا جابر بن عبد الله أن النبي (ص) قال: يا جابر، إنك ستُعمّر بعدي حتى يولد لي مولود اسمه كاسمي يبقر العلم بقراً، فإذا لقيته فأقرأه منّي السلام. فكان جابر يتردّد في سكك المدينة بعد ذهاب بصره وهو ينادي: يا باقر! حتى قال الناس قد جُنّ جابر. فبينا هو ذات يوم بالبلاط إذ بصر بجارية يتورّكها صبيّ، فقال لها: يا جارية من هذا الصبي؟ قالت: هذا محمد بن علي بن الحسين بن عليّ، فقال أدنيه مني فأدنته منه فقبل بين عينيه، وقال:

____________________

١ - البيان والتعريف، ج ٢، ص٨٧.

٢ - حلية الأولياء، ج ٣، ص١٨٦.

٣ - حلية الأولياء، ج ٣، ص١٨٧.

٤٤٢

يا حبيبي، رسول الله (ص) يقرئك السلام، ثم قال: نعيت إليَّ نفسي وربّ الكعبة، ثم انصرف إلى منزله وأوصى فمات من ليلته.(١)

تذكرة الخواصّ: روى أن أبا جعفر دخل على جابر بعد ما أضر ( أي صار ضريراً وأعمى ) فسلّم عليه، فقال: من أنت؟ فقال محمد بن علي بن الحسين. فقال: أدن مني فدنى منه، فقبّل يديه ورجليه ثم قال: له: رسول الله يسلّم عليك. فقيل لجابر: وكيف هذا؟ فقال: كنت جالساً عند رسول الله والحسين في حجره وهو يُداعبه، فقال: يا جابر، يولد مولود اسمه عليّ، إذا كان يوم القيامة نادى مناد ليقم سيّد العابدين فيقوم ولده، ثم يولد له ولد اسمه محمد فإن أدركته يا جابر فاقرأه مني السلام.(٢)

أمالي القالي: عن عُفير: دخل أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين على عمر بن عبد العزيز، فقال: يا أبا جعفر، أوصيني. قال: أوصيك أن تتخذ صغير المسلمين ولداً وأوسطهم أخاً، وكبيرهم أباً، فارحم ولدك وصِل أخاك وبرّ أباك، وإذا صنعت معروفاً فرُبّه.(٣)

وقال أبو علي: قوله (فرُبَّه) أي أدمه، يقال: رب بالمكان وأرب أي أقام به ودام.

تذكرة الخواص: روى عنه الأئمة أبو حنيفة وغيره، قال أبو يوسف: قلت لأبي حنيفة لقيت محمد بن عليّ الباقر؟ فقال: نعم. وسألته يوماً فقلت له: أراد الله المعاصي؟ فقال: أفُيعصى قهراً. قال أبو حنيفة: فما رأيت جوابا أفحم منه.

وقال عطاء: ما رأيت العلماء عند أحد أصغر علماً منهم عند أبي جعفر، لقد رأيت الحكم عنده كأنه عصفور مغلوب، ويعني بالحكم: الحكم بن عُيينة، وكان عالماً نبيلاً جليلاً في زمانه.(٤)

____________________

١ - عيون ابن قتيبة، ج ١، ص٢١٢.

٢ - تذكرة الخواص، ص١٩٠.

٣ - أمالي القالي، ج ٢، ص٣٠٩.

٤ - تذكرة الخواص، ص١٩٠.

٤٤٣

مطالب السؤول: قال أفلح مولى أبي جعفر: خرجت مع محمد بن علي حاجاً، فلما دخل المسجد نظر إلى البيت فبكى حتى علا صوته. فقلت: بابي وأمي، إنّ الناس ينظرون إليك فلو رفقت بصوتك قليلاً، فقال لي: ويحك يا أفلح، ولمَ لا أبكي؟! لعل الله أن ينظر إليّ منه برحمته فأفوز بها عنده غداً، ثم طاف بالبيت ثم جاء حتى ركع عند المقام فرفع رأسه من سجوده، فإذا موضع السجود مبتلّ من كثرة دموع عينه.(١)

____________________

١ - مطالب السئول ( الباب الخامس - أبو جعفر )

٤٤٤

الإمام

جعفر بن محمد (عليهما السلام)

الوفيات: أبو عبد الله جعفر الصادق بن محمد الباقر بن زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام)، أحد الأئمة الاثني عشر على مذهب الإمامية، كان من سادات أهل البيت، ولقّب بالصادق لصدقه في مقالته، وفضله أشهر من أن يذكر، وله كلام في صنعة الكيمياء والزجر والفال، وكان تلميذه أبو موسى جابر بن حيّان الصوفي الطرطوسيّ، قد ألّف كتاباً يشتمل على ألف ورقة يتضمّن رسائل جعفر الصادق (عليه السلام)، وهي خمسمئة رسالة. وكان المنصور أراد إشخاصه إلى العراق معه عند مسيره إلى المدينة فاستعفاه من ذلك فلم يُعفه وكانت ولادته سنة ثمانين للهجرة وتوفى سنة ثمان وأربعين ومئة بالمدينة ودفن بالبقيع. انتهى ملخَّصاً.(١)

تذكرة الحفاظ: جعفر بن محمد الإمام أبو عبد الله العلوي المدني الصادق، أحد السادة الأعلام.

عن أبي حنيفة قال: ما رأيت أفقه من جعفر بن محمد. وقال أبو حاتم: ثقة لا يُسأل عن مثله. وعن صالح بن أبي الأسود سمعت جعفر بن محمد يقول: سلوني قبل أن تفقدوني فإنه لا يحدّثكم أحد بعدي بمثل حديثي. وقال هياج بن بسطام: كان جعفر الصادق يُطعم حتى لا يبقى لعياله شيء.(٢)

حلية الأولياء: عن عبد الله بن شبرمة قال: دخلت أنا وأبو حنيفة على جعفر بن محمد، فقال لابن أبي ليلي: من هذا معك؟ قال: هذا رجل له بصر ونفاذ في أمر الدين. قال: لعله يقيس أمر الدين برأيه؟ قال: نعم. فقال جعفر لأبي حنيفة:

____________________

١ - الوفيات، ج ١، ص١١٢.

٢ - تذكرة الحفاظ، ج ١، ص١٦٦.

٤٤٥

ما اسمك؟ قال: نعمان. قال: يا نعمان، هل قست رأسك بعد؟ قال: كيف أقيس رأسي؟ قال: ما أراك تُحسن شيئاً، هل علمت ما الملوحة في العينين والمرارة في الأذنين والحرارة في المنخرين والعذوبة في الشفتين؟ قال: لا. قال: ما أراك تُحسن شيئاً. قال: فهل علمت كلمة أوّلها كفر وآخرها إيمان؟ فقال ابن أبي ليلى: يا ابن رسول الله، أخبرنا بهذه الأشياء التي سألته عنها؟ فقال: أخبرني أبي عن جدّي أن رسول الله (ص) قال: إن الله تعالى بمنّه وفضله جعل لابن آدم الملوحة في العينين لأنهما شحمتان ولولا ذلك لذابتاً، وإن الله تعالى بمنّه وفضله ورحمته على ابن آدم جعل المرارة في الأذنين حجاباً من الدوابّ فإن دخلت الرأس دابة والتمست إلى الدماغ فإذا ذاقت المرارة التمست الخروج، وإن الله تعالى بمنه وفضله ورحمته على ابن آدم جعل الحرارة في المنخرين يستنشق بهما الريح ولولا ذلك لأنتن الدماغ، وإن الله تعالى بمنه وكرمه ورحمته لابن آدم جعل العذوبة في الشفتين يجد بهما استطعام كل شيء ويسمع الناس بها حلاوة منطقه. قال: فأخبرني عن الكلمة التي أولها كفر وآخرها إيمان؟ فقال: إذا قال العبد: (لا اله) فقد كفر، فإذا قال: (إلا الله) فهو إيمان. ثم أقبل على أبي حنيفة فقال: يا نعمان، حدثني أبي عن جدي أن رسول الله (ص) قال: أول من قاس أمر الدين برأيه إبليس، قال الله تعالى له اسجد لآدم فقال: ( أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَني‏ مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِيْن‏ ) فمن قاس الدين برأيه قرنه الله يوم القيامة بإبليس لأنه اتبعه بالقياس. وزاد ابن شبرمة في حديثه: ثم قال جعفر: أيهما أعظم: قتل النفس أو الزنا؟ قال: قتل النفس، قال: فإن الله عَزَّ وجَلَّ قبل في قتل النفس شاهدين ولم يقبل في الزنا إلا أربعة. ثم قال: أيهما أعظم: الصلاة أم الصوم؟ قال: الصلاة، قال: فما بال الحائض تقتضي الصوم ولا تقتضي الصلاة. فكيف ويحك يقوم لك قياسك! اتق الله ولا تقس الدين برأيك.(١)

مطالب السؤول: قال مالك بن أنس: قال جعفر يوماً لسفيان الثوري: يا سفيان،

____________________

١ - حلية الأولياء، ج ٣، ص١٩٦.

٤٤٦

إذا أنعم الله عليك بنعمة فأحببت بقاءها فأكثر من الحمد والشكر عليها، فإن الله عَزَّ وجَلَّ قال في كتابه العزيز:( لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزيدَنَّكُمْ ) . وإذا استبطأت الرزق فأكثر من الاستغفار، فإن الله عز وعلا قال في كتابه:( اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ ) يعني في الدنيا( وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ ) في الآخرة. يا سفيان، إذا حزنك أمر من سلطان أو غيره فأكثر من: لا حول ولا قوة إلا بالله ؛ فإنها مفتاح الفرج وكنز من كنوز الجنة.(١)

تذكرة الخواص: وقال الثوري بالإسناد المتقدم: قلت لجعفر: يا ابن رسول الله، اعتزلت الناس! فقال: يا سفيان، فسد الزمان وتغيّر الإخوان فرأيت الانفراد اسكن للفؤاد.(٢)

____________________

١ - مطالب السئول (الباب السادس - أبو عبد الله).

٢ - تذكرة الخواص، ص١٩٥.

٤٤٧

الإمام

موسى بن جعفر (عليهما السلام)

الوفيات: أبو الحسن موسى الكاظم بن جعفر الصادق، قال الخطيب فيتاريخ بغداد: كان موسى يُدعى العبد الصالح من عبادته واجتهاده، روي أنه دخل مسجد رسول الله (ص) فسجد سجدة في أول الليل وسُمع وهو يقول في سجوده: (عظم الذنب عندي فليَحسن العفو من عندك يا أهل التقوى ويا أهل المغفرة) فجعل يُرددها حتى أصبح. وكان سخيّاً كريماً، وكان يسكن المدينة فأقدمه المهدي بغداد، فحبسه فرأى في النوم علي بن أبي طالب وهو يقول:يا محمد ( فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ ) . قال الربيع: فأرسل إليّ ليلاً فراعني ذلك، فجئته فإذا هو يقرأ هذه الآية، وقال: علي بموسى بن جعفر! فجئته به فعانقه وأجلسه إلى جانبه وقال: يا أبا الحسن إني رأيت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب في النوم يقرأ عليّ كذا، فتُؤمنني أن تخرج عليّ؟ فقال: والله لا فعلت ذلك ولا هو من شأني. وأقام بالمدينة إلى أيام هارون الرشيد من عمره سنة تسع وسبعين ومئة فحمل موسى (ع) معه إلى بغداد وحبسه بها إلى أن تُوفِّي في محبسه سنة ثلاث وثمانين ومئة، وكانت ولادته سنة تسع وعشرين ومئة - انتهى ملخصاً.(١)

مطالب السؤول: هذا هو الإمام الكبير القدر، العظيم الشأن، الكثير التهجّد، الجد في الاجتهاد، المشهود له بالكرامات، المشهور العبادة، المواظب على الطاعات، يبيت الليل ساجداً وقائماً، ويقطع النهار متصدقاً وصائماً، ولفرط حمله وتجاوزه عن المعتدين عليه دُعي كاظماً، كان يُجازي المسيء بإحسانه إليه ويُقابل الجاني بعفوه عنه.(٢)

____________________

١ - الوفيات، ج ٢، ص٢٥٦.

٢ - مطالب السئول ( الباب السابع - أبو الحسن )

٤٤٨

الإمام

علي بن موسى الرضا (عليهما السلام)

الوفيات: أبو الحسن علي الرضا ابن موسى الكاظم ابن جعفر الصادق، وهو أحد الأئمة الاثني عشر على اعتقاد الإمامية، وكان المأمون جعله وليّ عهده وضرب اسمه على الدينار والدرهم وكانت ولادة عليّ الرضا يوم الجمعة في بعض شهور سنة ثلاث وخمسين ومئة بالمدينة، وتُوفّي في آخر صفر سنة اثنتين ومتين. ويقول أبو نواس:

قيل لي أنت أحسن الناس طراً

في فنون من المقال النبيه

فعلى ما تركت مدح ابن موسى

والخصال التي تجمعن فيه

قلت لا أستطيع مدح إمام

كان جبريل خادماً لأبيه

انتهى ملخصاً.(١)

تاريخ الطبري: ورد كتاب من الحسن بن سهل أن أمير المؤمنين المأمون قد جعل علي بن موسى بن جعفر وليّ عهده من بعده، وذلك أنه نظر في بين العباس وبين عليّ فلم يجد أحداً هو أفضل ولا أورع ولا أعلم منه، وأنه سماه الرضي من آل محمد.(٢)

تذكرة الخواص: قال الصولى وغيره: كان المأمون يُحبّ عليا (عليه السلام)، كتب إلى الآفاق بأن أفضل الخلق بعد رسول الله (ص) علي بن أبي طالب، وأن لا يُذكر معاوية بخير، ومن ذكره بخير أبيح دمه وماله، ومن أشعار المأمون.

لا تُقبل التوبة من تائب

إلا بحب ابن أبي طالب

أخو رسول الله خَلَف الهدى

والأخ فوق الخلّ والصاحب

____________________

١ - الوفيات، ج ١، ص٣٤٨.

٢ - تاريخ الطبري، ج ١٠، ص٢٤٣.

٤٤٩

إن مال ذو النصب إلى جانب

ملت مع الشيعي إلى جانب(١)

أخبار أصبهان: عن أبي علي أحمد بن عليّ الأنصاري عن أبي الصلت قال: كنت مع ياسين بن النضر وأحمد بن حرب ويحيى بن يحيى وعدّة من أهل العلم فتعلّقوا بلجامه من المربع فقالوا: بحق آبائك الطاهرين حدّثنا بحديث سمعته من أبيك قال: حدّثني أبي العدل الصالح موسى بن جعفر، قال: حدّثني أبي الصادق جعفر بن محمد، قال: حدثني أبي أبو جعفر باقر العلم علم الأنبياء، قال: حدّثني أبي علي بن الحسين سيد العابدين، قال: حدّثني أبي سيد أهل الجنة الحسين، قال: حدثني أبي سيد العرب عليّ بن أبي طالب (رضوان الله عليهم)، قال: سألت رسول الله (ص) ما الإيمان؟ قال: معرفة بالقلب وإقرار باللسان وعمل بالأركان. وقال أبو علي: قال لي أحمد بن حنبل: إن قرأت هذا الإسناد على مجنون بريء من جنونه.(٢)

مطالب السئول: قال دعبل: لما قلت: مدارس آيات خلت من تلاوة. قصدت بها أبا الحسن علي بن موسى الرضا وهو بخراسان وليّ عهد المأمون في الخلافة وهي هذه:

مدارس آياتٍ خلت من تلاوة

ومَهبط وحى مُقفر العرصات

منازل كانت للصلاة وللتقى

وللصوم والتطهير والحسنات

همُ آل ميراث النبيّ اذ انتُمو

وهم خير سادات وخير حُمات

إذا لم نُناج الله في صلواتنا

بذكرهم لم تُقبل الصلوات

وليراجع في شرح هذه الرحلة وتفصيلها إلى الكتاب.(٣)

____________________

١ - تذكرة الخواص، ص٢٠١.

٢ - أخبار أصبهان، ج ١، ص١٣٨.

٣ - مطالب السئول ( الباب الثامن - أبو الحسن )

٤٥٠

الإمام

محمد بن عليّ الرضا (عليهما السلام)

الوفيات: أبو جعفر محمد بن علي الرضا ابن موسى الكاظم المعروف بالجواد، أحد الأئمة الاثني عشر، قدم بغداد وافداً على المعتصم ومعه امرأته أم الفضل بنت المأمون، فتُوفي بها سنة عشرين ومئتين، وكانت ولادته سنة خمس وتسعين ومئة ودفن عند جدّه موسى بن جعفر صلوات الله عليهم.(١)

المصايد: لما أراد المأمون أن يزوّج ابنته أم الفضل أبا جعفر محمد بن علي بن موسى (عليه السلام)، اجتمع عليه من أهله من أراد دفعه عن ذلك، فقال لهم: اسكتوا فإني لست أقبل فيه قولاً. قالوا: فتُزوج قرة عينك صبياً لم يتفقّه في دين الله عَزَّ وجَلَّ ولا يعرف فريضة من سنة ولا يُميّز بين حق وباطل - ولأبي جعفر عشر سنين أو إحدى عشرة سنة - فلو صبرت عليه حتى يتأدّب ويقرأ القرآن ويعرف فرضاً من سُنة! فقال: إنه لأفقه منكم وأعلم بالله ورسوله، وسننه وفرائضه، وحرامه وحلاله، وأقرء لكتابه، وأعلم بمحكمه ومتشابهه، وناسخه ومنسوخه، وظاهره وباطنه منكم، وخاصه وعامه، وتأويله وتنزيله. فاسألوه، فإن كان الأمر كما قلتُ علمتم مقداره، فلما اجتمعوا للتزويج وحضر أبو جعفر قالوا: يا أمير المؤمنين، هذا القاضي يحيى بن أكثم إذا أذن له يسأل، قال له: سل أبا جعفر! فقال له: ما تقول في مُحرم قتل صيدا؟ فقال: قتله في حلّ أو حرم، عامداً أو جاهلاً، عمداً أو خطأً، عبداً أو حراً، صغيراً أو كبيراً، مُبدءاً أو معيداً، أمن ذوات الطير أو من غيرها، ومن صغار الطير أو كبارها، مُصراً على ذلك أو نادماً، بالليل في وكرها أو بالنهار عياناً، مُحرما للعمرة أو للحج؟ فانقطع

____________________

١ - الوفيات، ج ٢، ص٢٣.

٤٥١

يحيى. فقال المأمون ( فخطب المأمون ثم زوج ابنته ثم قال: بيّن لنا ما الذي يلزم كل واحد من هذه الأصناف؟ فأجاب أبو جعفر (عليه السلام) عن المسائل كلها )(١) ، فأمر المأمون بكتب ذلك عنده، ثم قرؤوه عليهم. ثم قال: هل فيكم أحد يجيب بمثل هذا الجواب؟ فقالوا: صدقت أنت أعلم به منا. فقال لهم: أما علمتم أن رسول الله (ص) بايع الحسن والحسين (عليهما السلام) وهما صبيان غير بالغين ولم يبايع طفلاً غيرهما، وآمن أبوهما وهو ابن عشر سنين فقبل رسول الله (ص) إيمانه ولم يقبل من طفل غيره، ولا دعا النبي طفلاً غيره إلى الإيمان، أو ما علمتم أنها ذرية بعضها من بعض، يجري لآخرهم ما يجري لأولهم، وأمر أن يُنثر على أبي جعفر إلخ.(٢)

مطالب السؤول: وقدم الخليفة إلى بغداد بعد وفاة الرضا بسنة، اتفق أنه بعد ذلك خرج يوماً يتصيّد فاجتاز في طريقه بطرف البلد، والصبيان يلعبون ومحمد واقف ثم أخذها في يده وعاد إلى داره في الطريق الذي أقبل فيه، فلما وصل إلى ذلك المكان، وجد الصبيان على حالهم وأبو جعفر لم ينصرف، فلما دنا منه الخليفة قال: يا محمد، قال: لبيك، قال: ما في يدي؟ فألهمه الله عَزَّ وجَلَّ أن قال: يا أمير المؤمنين، إن الله خلق بمشيّته في بحر قدرته سمكاً صغاراً تصيدها بزاة الملوك والخلفاء فيختبرون بها سلالة أهل النبوة، فلما سمع المأمون كلامه عجب منه. راجع في تفصيلها إلى الكتاب.(٣)

____________________

١ - المصايد، ص٣٨.

٢ - المصايد، ص٤٠.

٣ - مطالب السئول ( الباب التاسع - أبو جعفر ).

٤٥٢

الإمام

علي بن محمد الهادي (عليهما السلام)

الوفيات: أبو الحسن علي الهادي بن محمد الجواد بن علي الرضا (عليهم السلام) ويعرف بالعسكري، وهو أحد الأئمة الاثني عشر عند الإمامية، وكان قد سعي به إلى المتوكل، فهجموا عليه في منزله على غفلة فوجدوه وحده في بيت مغلق وعليه مدرعة من شعر وعلى رأسه ملحفة من صوف وهو مستقبل القبلة يترنّم بآيات من القرآن الكريم في الوعد والوعيد، وليس بينه وبين الأرض بساط إلا الرمل والحصا، فأخذ على الصورة التي وُجد عليها وكانت ولادته سنة ثلاث عشرة ومئتين وتُوفّي سنة أربع وخمسين ومئتين، ودفن في داره. انتهى ملخّصاً.(١)

تاريخ أبي الفداء: يروي مثلها.(٢)

تذكرة الخواص: فلما دخلتُ ( أي يحيى بن هرثمة ) على المتوكل سألني عنه، فأخبرته بحسن سيرته وسلامة طريقه وورعه وزهادته وأني فتشت داره فلم أجد فيها غير المَصاحف وكتب العلم، وأن أهل المدينة خافوا عليه. فأكرمه المتوكل وأحسن جائزته وأجزل بره وأنزله معه (سُرّ من رأى). قال يحيى بن هرثمة: فاتفق مرض المتوكل بعد ذلك بمدة، فنذر إن عُوفي ليتصدّقنّ بدارهم كثيرة فعُوفي، فسأل الفقهاء عن ذلك فلم يجد عندهم فرجاً، فبعث إلى عليّ فسأله؟ فقال: يتصدّق بثلاثة وثمانين ديناراً، فقال المتوكل: من أين لك هذا؟ فقال: من قوله تعالى( لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ في‏ مَواطِنَ كَثيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْن‏ ) والمواطن الكثيرة هي هذه الجملة ؛ وذلك لأن النبي (ص) غزى سبعاً وعشرين غزاة وبعث خمساً وستين سريّة، وآخر غزواته يوم حنين، فعجب المتوكل والفقهاء من هذا الجواب.(٣)

____________________

١ - الوفيات، ج ١، ص٣٤٩.

٢ - تاريخ أبي الفداء، ج ١، ص٤٤.

٣ - تذكرة الخواص، ص٢٠٢.

٤٥٣

الإمام

الحسن بن عليّ العسكريّ (عليهما السلام)

الوفيات: أبو محمد الحسن بن علي بن محمد بن علي الرضا (عليهم السلام) أحد الأئمة الاثني عشر على اعتقاد الإمامية، وهو والد المنتظر صاحب السرداب ويعرف بالعسكري، وأبوه عليّ يعرف أيضاً بهذه النسبة، وكانت ولادة الحسن المذكور يوم الخميس في بعض شهور إحدى وثلاثين ومئتين، وتوفّي سنة ستين ومئتين بسُرّ من رأى، ودفن بجنب قبر أبيه، والعسكري نسبة إلى سُرّ من رأى، ولما بناها المعتصم وانتقل إليها بعسكره قيل لها العسكر. وإنما نسب الحسن إليها لأن المتوكل أشخص أباه علياً إليها وأقام بها عشرين سنة وتسعة أشهر. انتهى ملخصاً.(١)

تاريخ أبي الفداء: يروي مثلها.(٢)

الأئمة الاثني عشر: ما يقرب منها.(٣)

تذكرة الخواص: وكان سنّه تسعاً وعشرين سنة، وكان عالماً ثقة، روى الحديث عن أبيه عن جده، ومن جملة مَسانيده حديث في الخمر عزيز، ذكره جدي أبو الفرج في كتابه المسمى بـ(تحرير الخمر) ونقلته من خطّه وسمعته يقول: أشهد بالله لقد سمعت عبد الله بن عطاء الهرويّ يقول أشهد بالله لقد سمعت الحسن بن علي العسكري يقول: أشهد بالله لقد سمعت أبي علي بن محمد يقول أشهد بالله لقد سمعت محمداً رسول الله (ص) يقول: أُشهد بالله لقد سمعت جبرئيل يقول:

____________________

١ - الوفيات، ج ١، ص١٤٧.

٢ - تاريخ أبي الفداء، ج ١، ص٤٥.

٣ - الأئمّة الاثني عشر، ص١١٣.

٤٥٤

أشهد بالله لقد سمعت ميكائيل يقول: أشهد بالله لقد سمعت إسرافيل يقول: أشهد بالله على اللوح المحفوظ أنه قال: سمعت الله يقول: شارب الخمر كعابد الوثن.

ولما روى جدي هذا الحديث فيكتاب تحريم الخمر ، قال، قال أبو نعيم الفضل بن دكين: هذا حديث صحيح ثابت روته العترة الطيبة الطاهرة.(١)

٤٥٥

الإمام

الثاني عشر المهديّ (عليه السلام)

الوفيات: أبو القاسم محمد بن الحسن العسكري بن علي الهادي، الثاني عشر من الأئمة الاثني عشر على اعتقاد الإمامية، المعروف بالحجة، وهو الذي تزعم الشيعة أنه المنتظر والقائم والمهدي، وهو صاحب السرداب عندهم وأقاويلهم فيه كثيرة، وهم ينتظرون ظهوره في آخر الزمان، كانت ولادته يوم الجمعة منتصف شعبان سنة خمس وخمسين ومئتين، ولما تُوفي أبوه كان عمره خمس سنين، واسم أمه: خمط، وقيل: نرجس.(١)

تاريخ أبي الفداء: يروي مثلها.(٢)

الأئمة الاثني عشر: ما يقرب منها.(٣)

تذكرة الخواص: هو محمد بن الحسن وكنيته أبو عبد الله وأبو القاسم، وهو الخلف الحجة صاحب الزمان القائم والمنتظر والتالي، وهو آخر الأئمة. وعن ابن عمر قال: قال رسول الله (ص): يخرج في آخر الزمان رجل من ولدي اسمه كاسمي وكنيته ككنيتي يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً فذلك هو المهدي. وهذا حديث مشهور. وقد أخرج أبو داود والزهريّ عن علي بمعناه، وفيه: لو لم يبق من الدهر إلا يوم واحد لبعث الله من أهل بيتي من يملأ الأرض عدلاً. وذكره في روايات كثيرة. ويقال له: ذو الاسمين محمد وأبو القاسم. قالوا: إن أمه أم ولد يقال لها: صقيل. وقال السّدّى: يجتمع المهدي وعيسى بن مريم فيجيء وقت الصلاة فيقول المهدي لعيسى: تقدّم، فيقول عيسى: أنت أولى بالصلاة فيُصلي عيسى

____________________

١ - الوفيات، ج ٢، ص٢٤.

٢ - تاريخ أبي الفداء، ج ١، ص٤٥.

٣ - الأئمة الاثني عشر، ص١١٧.

٤٥٦

وراءه مأموماً فيصير تبعاً.(١)

المهدي من أهل البيت

ابن ماجة: قال رسول الله (ص): المهدي من ولد فاطمة.(٢)

سنن أبي داود: يقول رسول الله (ص): المهدي من عترتي من ولد فاطمة.(٣)

مستدرك الحاكم: عن أم سلمة: سمعت النبي (ص) يذكر المهدي، فقال: نعم، هو حق، وهو من بني فاطمة.(٤)

ابن ماجة: قال رسول الله (ص): المهدي منا أهل البيت يُصلحه الله في ليلة.(٥)

أخبار أصبهان: عن محمد بن الحنفيّة عن عليّ (ع) قال: قال رسول الله (ص): المهديّ كما في ابن ماجة.(٦)

مسند أحمد: مثلها.(٧)

أقول: يظهر من هذه الروايات أمور:

١ - أنه (ع) من ولد فاطمة (ع).

٢ - أنه من عترة رسول الله (ص).

٣ - انه من أهل بيت رسول الله (ص).

٤ - أن أمره وقيامه يُصلَح في ليلة.

سنن أبي داود: بأسناد متعددة عن النبي (ص): لو لم يبقَ من الدنيا إلا يوم لطوّل الله ذلك اليوم حتى يبعث رجلاً مني أو من أهل بيتي يُواطئ اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلئت ظلماً وجوراً. وفي

____________________

١ - تذكرة الخواص، ص٢٠٤.

٢ - ابن ماجة، ج ٢، ص٥١٩

٣ - سنن أبي داود، ج ٢، ص٢٣٢.

٤ - مستدرك الحاكم، ج ٤، ص٥٥٧.

٥ - ابن ماجة، ج ٢، ص٥١٩.

٦ - أخبار أصبهان، ج ١، ص١٧٠.

٧ - مسند أحمد، ج ١، ص٨٤.

٤٥٧

حديث سفيان: لا تذهب الدنيا، أو: لا تنقضي حتى يملك العرب رجل من أهل بيتي يواطيء اسمه اسمي.(١)

ويروي أيضاً: عن أبي الطفيل عن النبي (ص): لو لم يبق من الدهر إلا يوم لبعث الله رجلاً من أهل بيتي يملأها عدلاً كما ملئت جوراً.

مسند أحمد: يروي نظيرها.(٢)

سنن الترمذي: قال رسول الله (ص): لا تذهب كما في حديث سفيان.(٣)

أقول: قال في حاشية الكتاب - قال الشيخ عبد الحق في اللمعات: قد تظاهرت الأحاديث البالغة حد التواتر معنى، في كون المهدي من أهل البيت من وُلد فاطمة.

الكنى للدولابي: قال عبد الله، قال رسول الله (ص): لن تنقضي الدنيا حتى يخرج رجل من أمتي اسمه الحديث.(٤)

مختصر التذكرة: أن رسول الله (ص) قال: ليُصيبنّ هذه الأمة بلاء حتى لا يجد الرجل ملجأ يلجأ إليه من الظلم، فيبعث الله تعالى رجلاً من عترتي أهل بيتي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، يرضى عنه ساكن السماء وساكن الأرض لا تدع السماء من قطرها شيئاً إلا صبّته مدراراً، ولا تدع الأرض من نباتها شيئاً إلا أخرجته، حتى يتمنّى الأحياء العيش، يمكث على ذلك سبع سنين أو ثماني أو تسع سنين.(٥)

أخبار أصبهان: عن عبد الله عن النبي (ص) قال: يلي أمر هذه الأمة في آخر زمانها رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي.(٦)

مسند أحمد: عن عبد الله، عن النبي (ص) قال: لا تقوم الساعة حتى يلي رجل

____________________

١ - سنن أبي داود، ج ٢، ص٢٣٢.

٢ - مسند أحمد، ج ١، ص٩٩.

٣ - سنن الترمذي، ص٣٢٤.

٤ - الكنى للدولابي، ج ١، ص١٠٧.

٥ - مختصر التذكرة، ص١٢٧.

٦ - أخبار أصبهان، ج ١، ص٣٢٩.

٤٥٨

من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي.(١)

ويروي: أيضاً عن النبي (ص) قال: لا تنقضي الدنيا حتى يملك العرب رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي.(٢)

أقول: يستكشف من هذه الروايات أمور:

١ - تدل هذه الجملات: (لو لم يبق من الدنيا إلا يوم، لا تذهب الدنيا، لا تنقضي، لن تنقضي، يلي أمر هذه الأمة في آخر زمانها، لا تقوم الساعة) على أهمية الموضوع وضرورته ولزوم هذه الولاية، حتى يصلح الله تعالى من أمور الدين والدنيا للأمة ما فسد.

٢ - أن هذا الوليّ الملك المبعوث القائم له هذه الصفات: فهو يملك ظاهراً، ويلي أمور المسلمين، ويبعث من الله تعالى، ويقوم بأمر الله ولأمر الله.

٣ - فهو من أهل البيت ومن العترة الطاهرة، بل من رسول الله (ص) ويواطئ اسمه اسمه.

٤ - أنه يملأ الأرض عدلاً وقسطاً بعد ما مُلئت جوراً وظلماً، يرضى عنه ساكن الأرض والسماء، وتظهر البركات والرحمة.

٥ - أن هذا القائم يقوم ويظهر في آخر الزمان.

يملأ الأرض قسطاً

سنن أبي داود: قال رسول الله (ص): المهدي مني، أجلى الجبهة أقنى الأنف، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلئت ظلماً وجوراً ويملك، سبع سنين.(٣)

مستدرك الحاكم: عن أبي سعيد، قال رسول الله (ص): المهدي منا أهل البيت أشمّ الأنف أقنى أجلى يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً

____________________

١ - مسند أحمد، ج ١، ص٣٧٦.

٢ - نفس المصدر، ص٤٣٠.

٣ - سنن أبي داود، ج ٢، ص٢٣٢.

٤٥٩

يعيش هكذا وبسط يساره وإصبعين من يمينه المسبّحة والإبهام وعقد ثلاثة.(١)

أخبار أصبهان: عن أبي سعيد الخدري، قال رسول الله (ص): لا تقوم الساعة حتى يستخلف رجل من أهل بيتي أجنأ أقنى، يملأ الأرض عدلاً كما ملئت قبل ذلك ظلماً يكون سبعين سنين.(٢)

مسند أحمد: ما يقرب منها.(٣)

ذخائر العقبى: في حديث الهلالي: يا فاطمة، والذي بعثني بالحق إن منهما مهديّ هذه الأمة إذا صارت الدنيا هرجاً ومرجاً وتظاهرت الفتن وتقطّعت السُبل وأغار بعضهم على بعض، فلا كبير يرحم صغيراً ولا صغير يوقّر كبيراً، فيبعث الله عند ذلك من يفتح حصون الضلالة وقلوباً غُلفاً، يقوم بالدين في آخر الزمان كما قمت به في أول الزمان، ويملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً.

أخرجه الحافظ أبو العلاء الهمداني فيأربعين حديثاً في المهديّ. (٤)

مستدرك الحاكم: عن الخدري، قال رسول الله (ص): لا تقوم الساعة حتى تُملأ الأرض ظلماً وجوراً وعدواناً، ثم يخرج من أهل بيتي من يملأها قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وعدواناً.

قالالحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يُخرجاه.(٥)

الاستيعاب: روى جابر بن عبد الله الصدفي عن النبي (ص) أنه قال: يكون بعدي خلفاء، وبعد الخلفاء أمراء، وبعد الأمراء ملوك، وبعد الملوك جبابرة، وبعد الجبابرة يخرج رجل من أهل بيتي يملأ الأرض عدلاً.(٦)

رجال أصبهان: عن قُرّة، قال رسول الله (ص): لتُملأن الأرض جوراً وظلمان، فإذا ملئت جوراً وظلماً بعث الله رجلاً مني اسمه اسمي فيملأها قسطاً وعدلاً

____________________

١ - مستدرك الحاكم، ج ٤، ص٥٥٧.

٢ - أخبار أصبهان، ج ١، ص٨٤.

٣ - مسند أحمد، ج ٣، ص١٧.

٤ - ذخائر العقبى، ص١٣٦.

٥ - مستدرك الحاكم، ج ٤، ص٥٥٧.

٦ - الاستيعاب، ج ١، ص٢٢١.

٤٦٠

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495