الحقائق في تاريخ الاسلام

الحقائق في تاريخ الاسلام12%

الحقائق في تاريخ الاسلام مؤلف:
تصنيف: كتب متنوعة
الصفحات: 495

الحقائق في تاريخ الاسلام
  • البداية
  • السابق
  • 495 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 193437 / تحميل: 7471
الحجم الحجم الحجم
الحقائق في تاريخ الاسلام

الحقائق في تاريخ الاسلام

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

قوله تعالى: ( حَتَّى أَتانَا الْيَقِينُ ) قيد للتكذيب، و فسّروا اليقين بالموت لكونه ممّا لا شكّ فيه فالمعنى و كنّا في الدنيا نكذّب بيوم الجزاء حتّى أتانا الموت فانقطعت به الحياة الدنيا أي كنّا نكذّب به ما دامت الحياة.

و قيل: المراد به اليقين الحاصل بحقّيّة يوم الجزاء بمشاهدة آيات الآخرة و معاينة الحياة البرزخيّة حين الموت و بعده، و هو معنى حسن.

قوله تعالى: ( فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ ) تقدّم في بحث الشفاعة أنّ في الآية دلالة على أنّ هناك شافعين يشفعون فيشفّعون لكن لا تنفع هؤلاء شفاعتهم لأنّهم محرومون من نيلها.

و قد أوردنا جملة من أخبار الشفاعة في الجزء الأوّل من الكتاب.

١٨١

( سورة المدّثّر الآيات 49 - 56)

فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ ( 49 ) كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُّسْتَنفِرَةٌ ( 50 ) فَرَّتْ مِن قَسْوَرَةٍ ( 51 ) بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ أَن يُؤْتَىٰ صُحُفًا مُّنَشَّرَةً ( 52 ) كَلَّا بَل لَّا يَخَافُونَ الْآخِرَةَ ( 53 ) كَلَّا إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ ( 54 ) فَمَن شَاءَ ذَكَرَهُ ( 55 ) وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَىٰ وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ ( 56 )

( بيان‏)

في معنى الاستنتاج ممّا تقدّم من الوعيد و الوعد اُورد في صورة التعجّب من إعراضهم عن تذكرة القرآن و تنفّرهم عن الحقّ الصريح كأنّه قيل: فإذا كان كذلك فعليهم أن يجيبوا دعوة الحقّ و يتذكّروا بالتذكرة فمن العجب أنهم معرضون عن ذلك كلّا بل لا يؤمنون بالرسالة و يريد كلّ امرئ منهم أن ينزل عليه كتاب من الله. كلّا بل لا يخافون الآخرة فلا يرتدعون عن وعيد.

ثمّ يعرض عليهم التذكرة عرضاً فهم على خيرة من القبول و الردّ فإن شاؤا قبلوا و إن شاؤا ردّوا، لكن عليهم أن يعلموا أنّهم غير مستقلّين في مشيّتهم و ليسوا بمعجزين لله سبحانه فليس لهم أن يذكروا إلّا أن يشاء الله، و حكم القدر جار فيهم البتّة.

قوله تعالى: ( فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ ) تفريع على ما تقدّم من التذكرة و الموعظة، و الاستفهام للتعجيب، و( لَهُمْ ) متعلّق بمحذوف و التقدير فما كان لهم: و( مُعْرِضِينَ ) حال من ضمير( لَهُمْ ) و( عَنِ التَّذْكِرَةِ ) متعلّق بمعرضين.

١٨٢

و المعنى: فإذا كان كذلك فأيّ شي‏ء كان - عرض - للمشركين الّذين يكذّبون بتذكرة القرآن حال كونهم معرضين عنها أي كان من الواجب عليهم أن يصدّقوا و يؤمنوا لكنّهم أعرضوا عنها و هو من العجب.

قوله تعالى: ( كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ ) تشبيه لهم من حيث حالهم في الإعراض عن التذكرة، و الحمر جمع حمار، و المراد الحمر الوحشيّة و الاستنفار بمعنى النفرة و القسورة الأسد و الصائد، و قد فسّر بكلّ من المعنيين.

و المعنى: معرضين عن التذكرة كأنّهم حمر وحشيّة نفرت من أسد أو من الصائد.

قوله تعالى: ( بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتى‏ صُحُفاً مُنَشَّرَةً ) المراد بالصحف المنشّرة الكتاب السماويّ المشتمل على الدعوة الحقّة.

و في الكلام إضراب عمّا ذكر من إعراضهم، و المعنى ليس إعراضهم عن التذكرة لمجرّد النفرة بل يريد كلّ امرئ منهم أن ينزّل عليه كتاب من عند الله مشتمل على ما تشتمل عليه دعوة القرآن.

و هذه النسبة إليهم كناية عن استكبارهم على الله سبحانه أنّهم إنّما يقبلون دعوته و لا يردّونها لو دعا كلّ واحد منهم بإنزال كتاب سماويّ إليه مستقلّاً و أمّا الدعوة من طريق الرّسالة فليسوا يستجيبونها و إن كانت حقّة مؤيّدة بالآيات البيّنة.

فالآية في معنى ما حكاه الله سبحانه من قولهم:( لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتى‏ مِثْلَ ما أُوتِيَ رُسُلُ اللهِ ) الأنعام: 124، و في معنى قول الاُمم لرسلهم:( إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا ) على ما قرّرنا من حجّتهم على نفي رسالة الرسل.

و قيل: إنّ الآية في معنى قولهم للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الّذي حكاه الله في قوله:( وَ لَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ ) إسراء: 93.

و يدفعه أنّ مدلول الآية أن ينزل على كلّ واحد منهم صحف منشّرة غير ما ينزل على غيره لا نزول كتاب واحد من السماء على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقرؤه الجميع كما هو مدلول آية الإسراء.

١٨٣

و قيل: المراد نزول كتب من السماء عليهم بأسمائهم أن آمنوا بمحمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

و قيل: المراد أن ينزل عليهم كتب من السماء بالبراءة من العذاب و إسباغ النعمة حتّى يؤمنوا و إلّا بقوا على كفرهم و قيل غير ذلك.

و هي جميعاً معان بعيدة من السياق و التعويل على ما تقدّم.

قوله تعالى: ( كَلَّا بَلْ لا يَخافُونَ الْآخِرَةَ ) ردع لهم بما يريدونه من نزول كتاب سماويّ على كلّ واحد منهم فإنّ دعوة الرسالة مؤيّدة بآيات بيّنة و حجج قاطعة لا تدع ريباً لمرتاب فالحجّة تامّة قائمة على الرسول و غيره على حدّ سواء من غير حاجة إلى أن يؤتى كلّ واحد من الناس المدعوّين صحفاً منشّرة.

على أنّ الرسالة تحتاج من طهارة الذات و صلاحيّة النفس إلى ما يفقده نفوس سائر الناس كما هو مدلول جوابه تعالى في سورة الأنعام عن قولهم:( لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتى‏ مِثْلَ ما أُوتِيَ رُسُلُ اللهِ ) بقوله:( اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ ) .

و قوله:( بَلْ لا يَخافُونَ الْآخِرَةَ ) إضراب عن قوله:( يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ ) إلخ، و المراد أنّ اقتراحهم نزول كتاب على كلّ امرئ منهم قول ظاهريّ منهم يريدون به صرف الدعوة عن أنفسهم، و السبب الحقيقيّ لكفرهم و تكذيبهم بالدعوة أنّهم لا يخافون الآخرة، و لو خافوها لآمنوا و لم يقترحوا آية بعد قيام الحجّة بظهور الآيات البيّنات.

قوله تعالى: ( كَلَّا إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ ) ردع ثان لاقتراحهم نزول كتاب سماويّ لكلّ امرئ منهم، و المعنى لا ننزل كتاباً كذلك إنّ القرآن تذكرة و موعظة نعظهم به لا نريد به أزيد من ذلك، و أثر ذلك ما أعدّ للمطيع و العاصي عندنا من الجزاء.

قوله تعالى: ( فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ ) أي فمن شاء اتّعظ به فإنّما هي دعوة في ظرف الاختيار من غير إكراه.

قوله تعالى: ( وَ ما يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوى‏ وَ أَهْلُ الْمَغْفِرَةِ ) دفع لما يمكن أن يتوهّموه من قوله تعالى:( فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ ) أنّ الأمر إليهم و أنّهم

١٨٤

مستقلّون في إرادتهم و ما يترتّب عليها من أفعالهم فإن لم يشاؤا الذكر و لم يذكروا غلبوه تعالى فيما أراد و أعجزوه فيما شاء من ذكرهم.

و المحصّل من الدفع أنّ حكم القدر جاء في أفعالهم كغيرها من الحوادث، و تذكّرهم إن تذكّروا و إن كان فعلاً اختياريّاً صادراً عنهم باختيارهم من غير إكراه فالمشيّة الإلهيّة متعلّقة به بما هو اختياريّ بمعنى أنّ الله تعالى يريد بإرادة تكوينيّة أن يفعل الإنسان الفعل الفلانيّ بإرادته و اختياره فالفعل اختياريّ ممكن بالنسبة إلى الإنسان و هو بعينه متعلّق الإرادة الإلهيّة ضروريّ التحقّق بالنسبة إليها و لولاها لم يتحقّق.

و قوله:( هُوَ أَهْلُ التَّقْوى‏ وَ أَهْلُ الْمَغْفِرَةِ ) أي أهل لأن يتّقى منه لأنّ له الولاية المطلقة على كلّ شي‏ء، و بيده سعادة الإنسان و شقاوته، و أهل لأن يغفر لمن اتّقاه لأنّه غفور رحيم.

و الجملة أعني قوله:( هُوَ أَهْلُ التَّقْوى‏ وَ أَهْلُ الْمَغْفِرَةِ ) صالحة لتعليل ما تقدّم من الدعوة في قوله:( إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ ) و هو ظاهر، و لتعليل قوله:( وَ ما يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ ) فإنّ كونه تعالى أهل التقوى و أهل المغفرة لا يتمّ إلّا بكونه ذا إرادة نافذة فيهم سارية في أعمالهم فليسوا بمخلّين و ما يهوونه و هم معجزون لله بتمرّدهم و استكبارهم.

( بحث روائي‏)

في تفسير القمّيّ، في رواية أبي الجارود عن أبي جعفرعليه‌السلام في قوله تعالى:( بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتى‏ صُحُفاً مُنَشَّرَةً ) و ذلك أنّهم قالوا: يا محمّد قد بلغنا أنّ الرجل من بني إسرائيل كان يذنب الذنب فيصبح و ذنبه مكتوب عند رأسه و كفّارته.

فنزل جبرئيل على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و قال: يسألك قومك سنّة بني إسرائيل

١٨٥

في الذنوب فإن شاؤا فعلنا ذلك بهم و أخذناهم بما كنّا نأخذ بني إسرائيل فزعموا أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كره ذلك لقومه.

أقول: و القصّة لا تلائم لحن الآية و الرواية لا تخلو من إيماء إلى ضعف القصّة.

و في الدرّ المنثور، أخرج عبد بن حميد و ابن جرير و ابن المنذر عن السدّيّ عن أبي صالح قال: قالوا: إن كان محمّد صادقاً فليصبح تحت رأس كلّ رجل منّا صحيفة فيها براءته و أمنته من النار فنزلت:( بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتى‏ صُحُفاً مُنَشَّرَةً ) .

أقول: سياق الآيات و ما فيها من الردع لا يلائم القصّة.

و فيه، أخرج عبد بن حميد و ابن المنذر عن مجاهد( بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتى‏ صُحُفاً مُنَشَّرَةً ) قال: إلى فلان بن فلان من ربّ العالمين يصبح عند رأس كلّ رجل صحيفة موضوعة يقرؤها.

أقول: ما في الرواية يقبل الانطباق على الرواية السابقة و على ما قدّمناه من معنى الآية.

و فيه، أخرج عبد بن حميد و ابن المنذر عن قتادة في قوله تعالى:( بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتى‏ صُحُفاً مُنَشَّرَةً ) قال: قد قال قائلون من الناس لمحمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إن سرّك أن نتابعك فأتنا بكتاب خاصّة يأمرنا باتّباعك.

أقول: الرواية قابلة التطبيق لما في تفسير الآية من القول بأنّ الآية في معنى قوله تعالى:( وَ لَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ ) الآية و قد تقدّم ما فيه.

و في تفسير القمّيّ في قوله تعالى:( هُوَ أَهْلُ التَّقْوى‏ وَ أَهْلُ الْمَغْفِرَةِ ) قال: هو أهل أن يتّقى و أهل أن يغفر.

و في التوحيد، بإسناده إلى أبي بصير عن أبي عبداللهعليه‌السلام في قول الله عزّوجلّ:( هُوَ أَهْلُ التَّقْوى‏ وَ أَهْلُ الْمَغْفِرَةِ ) قال: قال الله عزّوجلّ: أنا أهل أن اُتّقى و لا يشرك بي عبدي شيئاً و أنا أهل إن لم يشرك بي عبدي شيئاً أن اُدخله الجنّة.

١٨٦

و قال: إنّ الله تبارك و تعالى أقسم بعزّته و جلاله أن لا يعذّب أهل توحيده بالنار.

و في الدرّ المنثور، أخرج ابن مردويه عن عبدالله بن دينار قال: سمعت أباهريرة و ابن عمر و ابن عبّاس يقولون: سئل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن قول الله:( هُوَ أَهْلُ التَّقْوى‏ وَ أَهْلُ الْمَغْفِرَةِ ) قال: يقول الله: أنا أهل أن اُتّقى فلا يُجعل معي شريك فإذا اتّقيت و لم يجعل معي شريك فأنا أهل أن أغفر ما سوى ذلك.

أقول: و في معناه غير واحد من الروايات عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

١٨٧

( سورة القيامة مكّيّة و هي أربعون آية)

( سورة القيامة الآيات 1 - 15)

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ ( 1 ) وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ ( 2 ) أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَلَّن نَّجْمَعَ عِظَامَهُ ( 3 ) بَلَىٰ قَادِرِينَ عَلَىٰ أَن نُّسَوِّيَ بَنَانَهُ ( 4 ) بَلْ يُرِيدُ الْإِنسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ ( 5 ) يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ ( 6 ) فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ ( 7 ) وَخَسَفَ الْقَمَرُ ( 8 ) وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ ( 9 ) يَقُولُ الْإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ ( 10 ) كَلَّا لَا وَزَرَ ( 11 ) إِلَىٰ رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ ( 12 ) يُنَبَّأُ الْإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ ( 13 ) بَلِ الْإِنسَانُ عَلَىٰ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ ( 14 ) وَلَوْ أَلْقَىٰ مَعَاذِيرَهُ ( 15 )

( بيان‏)

يطوف بيان السورة حول القيامة الكبرى فتنبئ بوقوع يوم القيامة أوّلاً ثمّ تصفه ببعض أشراطه تارة، و بإجمال ما يجري على الإنسان اُخرى، و ينبئ أنّ المساق إليه يبدأ من يوم الموت، و تختتم بالاحتجاج على القدرة على الإعادة بالقدرة على الابتداء.

و السورة مكّيّة بشهادة سياق آياتها.

قوله تعالى: ( لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ ) إقسام بيوم القيامة سواء قيل بكون( لا أُقْسِمُ ) كلمة قسم أو بكون لا زائدة أو نافية على اختلاف الأقوال.

قوله تعالى: ( وَ لا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ ) إقسام ثان على ما يقتضيه السياق و مشاكلة اللفظ فلا يعبأ بما قيل: أنّه نفي الأقسام و ليس بقسم، و المراد اُقسم بيوم

١٨٨

القيامة و لا اُقسم بالنفس اللوّامة.

و المراد بالنفس اللوّامة نفس المؤمن الّتي تلومه في الدنيا على المعصية و التثاقل في الطاعة و تنفعه يوم القيامة.

و قيل: المراد به النفس الإنسانيّة أعمّ من المؤمنة الصالحة و الكافرة الفاجرة فإنّها تلوم الإنسان يوم القيامة أمّا الكافرة فإنّها تلومه على كفره و فجوره، و أمّا المؤمنة فإنّها تلومه على قلّة الطاعة و عدم الاستكثار من الخير.

و قيل. المراد نفس الكافر الّتي تلومه يوم القيامة على ما قدّمت من كفر و معصية قال تعالى:( وَ أَسَرُّوا النَّدامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ ) يونس: 54.

و لكلّ من الأقوال وجه.

و جواب القسم محذوف يدلّ عليه الآيات التالية، و التقدير ليبعثنّ، و إنّما حذف للدلالة على تفخيم اليوم و عظمة أمره قال تعالى:( ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ لا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً ) الأعراف: 187 و قال:( إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكادُ أُخْفِيها لِتُجْزى‏ كُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعى) طه: 15 و قال:( عَمَّ يَتَساءَلُونَ عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ ) النبأ: 1.

قوله تعالى: ( أَ يَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ ) الحسبان الظنّ، و جمع العظام كناية عن الإحياء بعد الموت، و الاستفهام للتوبيخ، و المعنى ظاهر.

قوله تعالى: ( بَلى‏ قادِرِينَ عَلى‏ أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ ) أي بلى نجمعها( و قادِرِينَ ) حال من فاعل مدخول بلى المقدّر، و البنان أطراف الأصابع و قيل: الأصابع و تسوية البنان تصويرها على ما هي عليها من الصور، و المعنى بلى نجمعها و الحال أنّا قادرون على أن نصوّر بنانه على صورها الّتي هي عليها بحسب خلقنا الأوّل.

و تخصيص البنان بالذكر - لعلّه - للإشارة إلى عجيب خلقها بما لها من الصور و خصوصيّات التركيب و العدد تترتّب عليها فوائد جمّة لا تكاد تحصى من أنواع القبض و البسط و الأخذ و الردّ و سائر الحركات اللطيفة و الأعمال الدقيقة و الصنائع الظريفة الّتي يمتاز بها الإنسان من سائر الحيوان مضافاً إلى ما عليها من الهيئات و الخطوط الّتي لا يزال ينكشف للإنسان منها سرّ بعد سرّ.

١٨٩

و قيل: المراد بتسوية البنان جعل أصابع اليدين و الرجلين مستوية شيئاً واحداً من غير تفريق كخفّ البعير و حافر الحمار، و المعنى قادرين على أن نجعلها شيئاً واحداً فلا يقدر الإنسان حينئذ على ما يقدر عليه مع تعدّد الأصابع من فنون الأعمال، و الوجه المتقدّم أرجح.

قوله تعالى: ( بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسانُ لِيَفْجُرَ أَمامَهُ ) قال الراغب: الفجر شقّ الشي‏ء شقّاً واسعاً. قال: و الفجور شقّ ستر الديانة يقال: فجر فجوراً فهو فاجر و جمعه فجّار و فجرة. انتهى، و أمام ظرف مكان أستعير لمستقبل الزمان، و المراد من فجوره أمامه فجوره مدى عمره و ما دام حيّاً، و ضمير( أَمامَهُ ) للإنسان.

و قوله:( لِيَفْجُرَ أَمامَهُ ) تعليل سادّ مسدّ معلّله و هو التكذيب بالبعث و الإحياء بعد الموت، و( بَلْ ) إضراب عن حسبانه عدم البعث و الإحياء بعد الموت.

و المعنى: أنّه لا يحسب أن لن نجمع عظامه بل يريد أن يكذّب بالبعث ليفجر مدى عمره إذ لا موجب للإيمان و التقوى لو لم يكن هناك بعث للحساب و الجزاء.

هذا ما يعطيه السياق في معنى الآية، و لهم وجوه اُخر ذكروها في معنى الآية بعيدة لا تلائم السياق أغمضنا عن ذكرها.

و ذكر الإنسان في الآية من وضع الظاهر موضع الضمير و النكتة فيه زيادة التوبيخ و المبالغة في التقريع، و قد كرّر ذلك في الآية و ما يتلوها من الآيات أربع مرّات.

قوله تعالى: ( يَسْئَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيامَةِ ) الظاهر أنّه بيان لقوله:( بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسانُ لِيَفْجُرَ أَمامَهُ ) فيفيد التعليل و أنّ السائل في مقام التكذيب و السؤال سؤال تكذيب إذ من الواجب على من دعي إلى الإيمان و التقوى، و اُنذر بهذا النبإ العظيم مع دلالة الآيات البيّنة و قيام الحجج القاطعة أن يتّخذ حذره و يتجهّز بالإيمان و التقوى و يتهيّأ للقاء اليوم قريباً كان أو بعيداً فكلّ ما هو آت قريب لا أن يسأل متى تقوم الساعة؟ و أيّان يوم القيامة؟ فليس إلّا سؤال مكذّب مستهزئ.

قوله تعالى: ( فَإِذا بَرِقَ الْبَصَرُ وَ خَسَفَ الْقَمَرُ وَ جُمِعَ الشَّمْسُ وَ الْقَمَرُ ) ذكر

١٩٠

جملة من أشراط الساعة، و بريق البصر تحيّره في إبصاره و دهشته، و خسوف القمر زوال نوره.

قوله تعالى: ( يَقُولُ الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ ) أي أين موضع الفرار، و قوله:( أَيْنَ الْمَفَرُّ ) مع ظهور السلطنة الإلهيّة له و علمه بأن لا مفرّ و لا فرار يومئذ من باب ظهور ملكاته يومئذ فقد كان في الدنيا يسأل عن المفرّ إذا وقع في شدّة أو هدّدته مهلكة و ذلك كإنكارهم الشرك يومئذ و حلفهم كذباً قال تعالى:( ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا وَ اللهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ ) الأنعام: 23، و قال:( يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَما يَحْلِفُونَ لَكُمْ ) المجادلة: 18.

قوله تعالى: ( كَلَّا لا وَزَرَ ) ردع عن طلبهم المفرّ، و الوزر الملجأ من جبل أو حصن أو غيرهما، و هو من كلامه تعالى لا من تمام كلام الإنسان.

قوله تعالى: ( إِلى‏ رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ ) الخطاب للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، و تقديم( إِلى‏ رَبِّكَ‏ ) و هو متعلّق بقوله:( الْمُسْتَقَرُّ ) يفيد الحصر فلا مستقرّ إلى غيره فلا وزر و لا ملجأ يلتجأ إليه فيمنع عنه.

و ذلك أنّ الإنسان سائر إليه تعالى كما قال:( يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ إِلى‏ رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ ) الانشقاق: 6 و قال:( إِنَّ إِلى‏ رَبِّكَ الرُّجْعى‏ ) العلق: 8 و قال:( وَ أَنَّ إِلى‏ رَبِّكَ الْمُنْتَهى‏ ) النجم: 42، فهو ملاقي ربّه راجع و منته إليه لا حاجب يحجبه عنه و لا مانع يمنعه منه و أمّا الحجاب الّذي يشير إليه قوله:( كَلَّا بَلْ رانَ عَلى‏ قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ ) المطفّفين: 15 فسياق الآيتين يعطي أنّ المراد به حجاب الحرمان من الكرامة لا حجاب الجهل أو الغيبة.

و يمكن أن يكون المراد بكون مستقرّه إليه رجوع أمر ما يستقرّ فيه من سعادة أو شقاوة و جنّة أو نار إلى مشيّته تعالى فمن شاء جعله في الجنّة و هم المتّقون و من شاء جعله في النار و هم المجرمون قال تعالى:( يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ ) المائدة: 40.

١٩١

و يمكن أن يراد به أنّ استقرارهم يومئذ إلى حكمه تعالى فهو النافذ فيهم لا غير قال تعالى:( كُلُّ شَيْ‏ءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ) القصص: 88.

قوله تعالى: ( يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِما قَدَّمَ وَ أَخَّرَ ) المراد بما قدّم و أخّر ما عمله من حسنة أو سيّئة في أوّل عمره و آخره أو ما قدّمه على موته من حسنة أو سيّئة و ما أخّر من سنّة حسنة سنّها أو سنّة سيّئة فيثاب بالحسنات و يعاقب على السيّئات.

و قيل: المراد بما قدّم ما عمله من حسنة أو سيّئة فيثاب على الأوّل و يعاقب على الثاني، و بما أخّر ما تركه من حسنة أو سيّئة فيعاقب على الأوّل و يثاب على الثاني، و قيل، المراد ما قدّم من المعاصي و ما أخّر من الطاعات، و قيل، ما قدّم من طاعة الله و أخّر من حقّه فضيّعه، و قيل: ما قدّم من ماله لنفسه و ما ترك لورثته و هي وجوه ضعيفة بعيدة عن الفهم.

قوله تعالى: ( بَلِ الْإِنْسانُ عَلى‏ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ وَ لَوْ أَلْقى‏ مَعاذِيرَهُ‏ ) إضراب عن قوله،( يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ‏ ) إلخ، و البصيرة رؤية القلب و الإدراك الباطنيّ و إطلاقها على الإنسان من باب زيد عدل أو التقدير الإنسان ذو بصيرة على نفسه.

و قيل: المراد بالبصيرة الحجّة كما في قوله تعالى،( ما أَنْزَلَ هؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ بَصائِرَ ) إسراء: 102 و الإنسان نفسه حجّة على نفسه يومئذ حيث يسأل عن سمعه و بصره و فؤاده و يشهد عليه سمعه و بصره و جلده و يتكلّم يداه و رجلاه، قال تعالى:( إِنَّ السَّمْعَ وَ الْبَصَرَ وَ الْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا ) إسراء: 36، و قال( شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَ أَبْصارُهُمْ وَ جُلُودُهُمْ ) حم السجدة: 20. و قال،( وَ تُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَ تَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ ) يس: 65.

و قوله:( وَ لَوْ أَلْقى‏ مَعاذِيرَهُ‏ ) المعاذير جمع معذرة و هي ذكر موانع تقطع عن الفعل المطلوب، و المعنى هو ذو بصيرة على نفسه و لو جادل عن نفسه و اعتذر بالمعاذير لصرف العذاب عنها.

١٩٢

و قيل: المعاذير جمع معذار و هو الستر، و المعنى و إن أرخى الستور ليخفي ما عمل فإنّ نفسه شاهدة عليه و مآل الوجهين واحد.

( بحث روائي‏)

في تفسير القمّيّ في قوله تعالى:( وَ لا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ ) قال: نفس آدم الّتي عصت فلامها الله عزّوجلّ.

أقول: و في انطباقها على الآية خفاء.

و فيه، في قوله:( بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسانُ لِيَفْجُرَ أَمامَهُ ) قال: يقدّم الذنب و يؤخّر التوبة و يقول: سوف أتوب.

و فيه، في قوله:( فَإِذا بَرِقَ الْبَصَرُ ) قال: يبرق البصر فلا يقدر أن يطرف.

و فيه، في قوله تعالى:( بَلِ الْإِنْسانُ عَلى‏ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ وَ لَوْ أَلْقى‏ مَعاذِيرَهُ‏ ) قال: يعلم ما صنع و إن اعتذر.

و في الكافي، بإسناده عن عمر بن يزيد قال: إنّي لأتعشّى مع أبي عبداللهعليه‌السلام و تلا هذه الآية( بَلِ الْإِنْسانُ عَلى‏ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ وَ لَوْ أَلْقى‏ مَعاذِيرَهُ‏ ) ، ثمّ قال: يا أبا حفص ما يصنع الإنسان أن يعتذر إلى الناس بخلاف ما يعلم الله منه؟ إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يقول: من أسرّ سريرة ألبسه الله رداها إن خيراً فخير و إن شرّاً فشرّ.

و في المجمع، و روى العيّاشيّ بإسناده عن محمّد بن مسلم عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: ما يصنع أحدكم أن يظهر حسناً و يستر سيّئاً؟ أ ليس إذا رجع إلى نفسه يعلم أنّه ليس كذلك؟ و الله سبحانه يقول:( بَلِ الْإِنْسانُ عَلى‏ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ ) إنّ السريرة إذا صلحت قويت العلانية.

أقول: و رواه في اُصول الكافي، بإسناده عن فضل أبي العبّاس عنهعليه‌السلام .

و فيه، عن العيّاشيّ عن زرارة قال، سألت أباعبداللهعليه‌السلام ما حدّ المرض الّذي يفطر صاحبه؟ قال،( بَلِ الْإِنْسانُ عَلى‏ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ ) هو أعلم بما يطيق.

أقول: و رواه في الفقيه، أيضاً.

١٩٣

( سورة القيامة الآيات 16 - 40)

لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ ( 16 ) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ ( 17 ) فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ( 18 ) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ ( 19 ) كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ ( 20 ) وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ ( 21 ) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ ( 22 ) إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ( 23 ) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ ( 24 ) تَظُنُّ أَن يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ ( 25 ) كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ ( 26 ) وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ ( 27 ) وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ ( 28 ) وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ ( 29 ) إِلَىٰ رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ ( 30 ) فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّىٰ ( 31 ) وَلَكِن كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ ( 32 ) ثُمَّ ذَهَبَ إِلَىٰ أَهْلِهِ يَتَمَطَّىٰ ( 33 ) أَوْلَىٰ لَكَ فَأَوْلَىٰ ( 34 ) ثُمَّ أَوْلَىٰ لَكَ فَأَوْلَىٰ ( 35 ) أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى ( 36 ) أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَىٰ ( 37 ) ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّىٰ ( 38 ) فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَىٰ ( 39 ) أَلَيْسَ ذَٰلِكَ بِقَادِرٍ عَلَىٰ أَن يُحْيِيَ الْمَوْتَىٰ ( 40 )

( بيان‏)

تتمّة صفة يوم القيامة باعتبار حال الناس فيه و انقسامهم إلى طائفة ناضرة الوجوه مبتهجين و اُخرى باسرة الوجوه عابسين آيسين من النجاة، و الإشارة إلى أنّ هذا

١٩٤

المساق تبتدئ من حين نزول الموت ثمّ الإشارة إلى أنّ الإنسان لا يترك سدىً فالّذي خلقه أوّلاً قادر على أن يحييه ثانياً و به تختتم السورة.

قوله تعالى: ( لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ‏ - إلى قوله -ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ ) الّذي يعطيه سياق الآيات الأربع بما يحفّها من الآيات المتقدّمة و المتأخّرة الواصفة ليوم القيامة أنّها معترضة متضمّن أدباً إلهيّاً كلّف النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يتأدّب به حينما يتلقّى ما يوحى إليه من القرآن الكريم فلا يبادر إلى قراءة ما لم يقرأ بعد و لا يحرّك به لسانه و ينصت حتّى يتمّ الوحي.

فالآيات الأربع في معنى قوله تعالى:( وَ لا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى‏ إِلَيْكَ وَحْيُهُ ) طه: 114.

فالكلام في هذه الآيات يجري مجرى قول المتكلّم منّا أثناء حديثه لمخاطبه إذا بادر إلى تتميم بعض كلام المتكلّم باللفظة و اللفظتين قبل أن يلفظ بها المتكلم و ذلك يشغله عن التجرّد للإنصات فيقطع المتكلّم حديثه و يعترض و يقول لا تعجل بكلامي و أنصت لتفقه ما أقول لك ثمّ يمضي في حديثه.

فقوله:( لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ‏ ) الخطاب فيه للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، و الضميران للقرآن الّذي يوحى إليه أو للوحي، و المعنى لا تحرّك بالوحي لسانك لتأخذه عاجلاً فتسبقنا إلى قراءة ما لم نقرأ بعد فهو كما مرّ في معنى قوله:( وَ لا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى‏ إِلَيْكَ وَحْيُهُ ) طه: 114.

و قوله:( إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَ قُرْآنَهُ‏ ) القرآن ههنا مصدر كالفرقان و الرجحان، و الضميران للوحي، و المعنى لا تعجل به إذ علينا أن نجمع ما نوحيه إليك بضمّ بعض أجزائه إلى بعض و قراءته عليك فلا يفوتنا شي‏ء منه حتّى يحتاج إلى أن تسبقنا إلى قراءة ما لم نوحه بعد.

و قيل: المعنى إنّ علينا أن نجمعه في صدرك بحيث لا يذهب عليك شي‏ء من معانيه و أن نثبت قراءته في لسانك بحيث تقرأه متى شئت و لا يخلو من بعد.

و قوله:( فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ‏ ) أي فإذا أتممنا قراءته عليك وحياً فاتّبع

١٩٥

قراءتنا له و اقرأ بعد تمامها.

و قيل: المراد باتّباع قرآنه اتّباعه ذهناً بالإنصات و التوجّه التامّ إليه و هو معنى لا بأس به.

و قيل: المراد فاتّبع في الأوامر و النواهي قرآنه، و قيل: المراد اتّباع قراءته بالتكرار حتّى يرسخ في الذهن و هما معنيان بعيدان.

و قوله:( ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ ) أي علينا إيضاحه عليك بعد ما كان علينا جمعه و قرآنه فثمّ للتأخير الرتبيّ لأنّ البيان مترتّب على الجمع و القراءة رتبة.

و قيل، المعنى ثمّ إنّ علينا بيانه للناس بلسانك نحفظه في ذهنك عن التغيّر و الزوال حتّى تقرأه على الناس.

و قال بعضهم في معنى هذه الآيات إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يحرّك لسانه عند الوحي بما اُلقي إليه من القرآن مخافة أن ينساه فنهي عن ذلك بالآيات و اُمر بالإنصات حتّى يتمّ الوحي فضمير( لا تُحَرِّكْ بِهِ‏ ) للقرآن أو الوحي باعتبار ما قرأ عليه منه لا باعتبار ما لم يقرأ بعد.

و فيه أنّه لا يلائم سياق الآيات، تلك الملاءمة نظراً إلى ما فيها من النهي عن العجل و الأمر باتّباع قرآنه تعالى بعد ما قرأ، و كذا قوله،( إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَ قُرْآنَهُ‏ ) فذلك كلّه أظهر فيما تقدّم منها في هذا المعنى.

و عن بعضهم في معنى هذه الآيات، الّذي اختاره أنّه لم يرد القرآن، و إنّما أراد قراءة العباد لكتبهم يوم القيامة يدلّ على ذلك ما قبله و ما بعده، و ليس فيه شي‏ء يدلّ على أنّه القرآن و لا شي‏ء من أحكام الدنيا.

و في ذلك تقريع و توبيخ له حين لا تنفعه العجلة يقول: لا تحرّك لسانك بما تقرأه من صحيفتك الّتي فيها أعمالك يعني اقرأ كتابك و لا تعجل فإنّ هذا الّذي هو على نفسه بصيرة إذا رأى سيّئاته ضجر و استعجل فيقال له توبيخاً: لا تعجل و تثبّت لتعلم الحجّة عليك فإنّا نجمعها لك فإذا جمعناه فاتّبع ما جمع عليك بالانقياد

١٩٦

لحكمه و الاستسلام للتبعة فيه فإنّه لا يمكنك إنكاره ثمّ إنّ علينا بيانه لو أنكرت. انتهى.

و يدفعه أنّ المعترضة لا تحتاج في تمام معناها إلى دلالة ممّا قبلها و ما بعدها عليه على أنّ مشاكلة قوله:( وَ لا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى‏ إِلَيْكَ وَحْيُهُ ) في سياقه لهذه الآيات تؤيّد مشاكلتها له في المعنى.

و عن بعضهم أنّ الآيات الأربع متّصلة بما تقدّم من حديث يوم القيامة، و خطاب( لا تُحَرِّكْ‏ ) للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، و ضمير( بِهِ) ليوم القيامة، و المعنى لا تتفوّه بالسؤال عن وقت القيامة أصلاً و لو كنت غير مكذّب و لا مستهزئ( لِتَعْجَلَ بِهِ‏ ) أي بالعلم به( إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَ قُرْآنَهُ‏ ) أي من الواجب في الحكمة أن نجمع من نجمعه فيه و نوحي شرح وصفه إليك في القرآن( فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ‏ ) أي إذا قرأنا ما يتعلّق به فاتّبع ذلك بالعمل بما يقتضيه من الاستعداد له( ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ ) أي إظهار ذلك بالنفخ في الصور انتهى ملخّصاً و هو كما ترى.

و قد تقدّم في تفسير قوله:( وَ لا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ ) إنّ هذا النهي عن العجل بالقرآن يؤيّد ما ورد في الروايات أنّ للقرآن نزولاً على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دفعة غير نزوله تدريجاً.

قوله تعالى: ( كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ وَ تَذَرُونَ الْآخِرَةَ ) خطاب للناس و ليس من تعميم الخطاب السابق في شي‏ء لأنّ خطاب( لا تُحَرِّكْ‏ ) اعتراضيّ غير مرتبط بشي‏ء من طرفيه.

و قوله:( كَلَّا ) ردع عن قوله السابق:( يَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ ) و قوله:( بَلْ تُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ ) - أي الحياة العاجلة و هي الحياة الدنيا -( وَ تَذَرُونَ الْآخِرَةَ ) أي تتركون الحياة الآخرة، و ما في الكلام من الإضراب إضراب عن حسبان عدم الإحياء بعد الموت نظير الإضراب في قوله:( بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسانُ لِيَفْجُرَ أَمامَهُ ) .

قوله تعالى: ( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى‏ رَبِّها ناظِرَةٌ ) وصف ليوم القيامة بانقسام الوجوه فيه إلى قسمين: ناضرة و باسرة، و نضرة الوجه و اللون و الشجر و نحوها و نضارتها

١٩٧

حسنها و بهجتها.

و المعنى: نظراً إلى ما يقابله من قوله:( وَ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ باسِرَةٌ ) إلخ وجوه يوم إذ تقوم القيامة حسنة متهلّلة ظاهرة المسرّة و البشاشة قال تعالى:( تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ ) المطفّفين: 24، و قال:( وَ لَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَ سُرُوراً ) الدهر: 11.

و قوله:( إِلى‏ رَبِّها ناظِرَةٌ ) خبر بعد خبر لوجوه، و( إِلى‏ رَبِّها ) متعلّق بناظرة قدّم عليها لإفادة الحصر أو الأهمّيّة.

و المراد بالنظر إليه تعالى ليس هو النظر الحسّيّ المتعلّق بالعين الجسمانيّة المادّيّة الّتي قامت البراهين القاطعة على استحالته في حقّه تعالى بل المراد النظر القلبيّ و رؤية القلب بحقيقة الإيمان على ما يسوق إليه البرهان و يدلّ عليه الأخبار المأثورة عن أهل العصمةعليهم‌السلام و قد أوردنا شطراً منها في ذيل تفسير قوله تعالى:( قالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ ) الأعراف: 143، و قوله تعالى:( ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى) النجم: 11.

فهؤلاء قلوبهم متوجّهة إلى ربّهم لا يشغلهم عنه سبحانه شاغل من الأسباب لتقطّع الأسباب يومئذ، و لا يقفون موقفاً من مواقف اليوم و لا يقطعون مرحلة من مراحله إلّا و الرحمة الإلهيّة شاملة لهم( وَ هُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ ) النمل: 89 و لا يشهدون مشهداً من مشاهد الجنّة و لا يتنعّمون بشي‏ء من نعيمها إلّا و هم يشاهدون ربّهم به لأنّهم لا ينظرون إلى شي‏ء و لا يرون شيئاً إلّا من حيث إنّه آية لله سبحانه و النظر إلى الآية من حيث إنّها آية و رؤيتها نظر إلى ذي الآية و رؤية له.

و من هنا يظهر الجواب عمّا اُورد على القول بأنّ تقديم( إِلى‏ رَبِّها ) على( ناظِرَةٌ ) يفيد الحصر و الاختصاص، أنّ من الضروريّ أنّهم ينظرون إلى غيره تعالى كنعم الجنّة.

و الجواب أنّهم لمّا لم يحجبوا عن ربّهم كان نظرهم إلى كلّ ما ينظرون إليه إنّما هو بما أنّه آية، و الآية بما أنّها آية لا تحجب ذا الآية و لا تحول بينه و بين

١٩٨

الناظر إليه فالنظر إلى الآية نظر إلى ذي الآية فهؤلاء لا ينظرون في الحقيقة إلّا إلى ربّهم.

و أمّا ما اُجيب به عنه أنّ تقديم( إِلى‏ رَبِّها ) لرعاية الفواصل و لو سلّم أنّه للاختصاص فالنظر إلى غيره في جنب النظر إليه لا يعدّ نظراً، و لو سلّم فالنظر إليه تعالى في بعض الأحوال لا في جميعها.

فلا يخلو من تكلّف التقييد من غير مقيّد على أنّه أسند النظر إلى الوجوه لا إلى العيون أو الأبصار و وجوه أهل الجنّة إلى ربّهم دائماً من غير أن يواجهوا بها غيره.

قوله تعالى: ( وَ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ باسِرَةٌ تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِها فاقِرَةٌ ) فسّر البسور بشدّة العبوس و الظنّ بالعلم و( فاقِرَةٌ ) صفة محذوفة الموصوف أي فعله فاقرة، و الفاقرة من فقره إذا أصاب فقار ظهره، و قيل: من فقرت البعير إذا وسمت أنفه بالنار.

و المعنى: و وجوه يومئذ شديدة العبوس تعلم أنّه يفعل بها فعلة تقصم ظهورها أو تسم اُنوفها بالنار، و احتمل أن يكون تظنّ خطاباً للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بما أنّه سامع و الظنّ بمعناه المعروف.

قوله تعالى: ( كَلَّا إِذا بَلَغَتِ التَّراقِيَ ) ردع عن حبّهم العاجلة و إيثارها على الآخرة كأنّه قيل: ارتدعوا عن ذلك فليس يدوم عليكم و سينزل عليكم الموت فتساقون إلى ربّكم و فاعل( بَلَغَتِ ) محذوف يدلّ عليه السياق كما في قوله تعالى:( فَلَوْ لا إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ ) الواقعة: 83 و التقدير إذا بلغت النفس التراقي.

و التراقي العظام المكتنفة للنحر عن يمين و شمال جمع ترقوة، و المعنى ظاهر.

قوله تعالى: ( وَ قِيلَ مَنْ راقٍ‏ ) اسم فاعل من الرقى أي قال من حضره من أهله و أصدقائه من يرقيه و يشفيه؟ كلمة يأس، و قيل: المعنى قال بعض الملائكة لبعض: من يرقى بروحه من الملائكة أ ملائكة الرحمة أم ملائكة العذاب.؟

قوله تعالى: ( وَ ظَنَّ أَنَّهُ الْفِراقُ ) أي و علم الإنسان المحتضر من مشاهدة هذه

١٩٩

الأحوال أنّه مفارقته للعاجلة الّتي كان يحبّها و يؤثرها على الآخرة.

قوله تعالى: ( وَ الْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ ) ظاهره أنّ المراد به التفاف ساق المحتضر بساقه ببطلان الحياة السارية في أطراف البدن عند بلوغ الروح التراقي.

و قيل: المراد به التفاف شدّة أمر الآخرة بأمر الدنيا، و قيل: التفاف حال الموت بحال الحياة، و قيل: التفاف ساق الدنيا و هي شدّة كرب الموت بساق الآخرة و هي شدّة هول المطّلع.

و لا دليل من جهة اللفظ على شي‏ء من هذه المعاني نعم من الممكن أن يقال: إنّ المراد بالتفاف الساق بالساق غشيان الشدائد و تعاقبها عليه واحدة بعد اُخرى من حينه ذلك إلى يوم القيامة فينطبق على كلّ من المعاني.

قوله تعالى: ( إِلى‏ رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَساقُ ) المساق مصدر ميميّ بمعنى السوق، و المراد بكون السوق يومئذ إليه تعالى أنّه الرجوع إليه، و عبّر بالمساق للإشارة إلى أن لا خيرة للإنسان في هذا المسير و لا مناص له عنه فهو مسوق مسيّر من يوم موته و هو قوله:( إِلى‏ رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَساقُ ) حتّى يرد على ربّه يوم القيامة و هو قوله:( إِلى‏ رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ ) و لو كان تقديم( إِلى‏ رَبِّكَ ) لإفادة الحصر أفاد انحصار الغاية في الرجوع إليه تعالى.

و قيل: الكلام على تقدير مضاف و تقديم( إِلى‏ رَبِّكَ ) لإفادة الحصر و التقدير إلى حكم ربّك يومئذ المساق أي يساق ليحكم الله و يقضي فيه بحكمه، أو التقدير إلى موعد ربّك و هو الجنّة و النار، و قيل: المراد برجوع المساق إليه تعالى أنّه تعالى هو السائق لا غير، و الوجه ما تقدّم.

قوله تعالى: ( فَلا صَدَّقَ وَ لا صَلَّى وَ لكِنْ كَذَّبَ وَ تَوَلَّى ثُمَّ ذَهَبَ إِلى‏ أَهْلِهِ يَتَمَطَّى ) الضمائر راجعة إلى الإنسان المذكور في قوله:( أَ يَحْسَبُ الْإِنْسانُ ) إلخ، و المراد بالتصديق المنفيّ تصديق الدعوة الحقّة الّتي يتضمّنها القرآن الكريم، و بالتصلية المنفيّة التوجّه العباديّ إليه تعالى بالصلاة الّتي هي عمود الدين.

و التمطّي - على ما في المجمع - تمدّد البدن من الكسل و أصله أن يلوي

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

الإمام الخامس

محمد بن عليّ الباقر (عليهما السلام)

الطبقات: عن المعيصي قال: رأيت محمد بن علي على جبهته وأنفه اثر السجود، ليس بالكثير.(١)

ويقول: وكان ثقة كثير العلم والحديث.(٢)

الوفيات: أبو جعفر محمد بن زين العابدين عليّ بن الحسين، الملقّب بالباقر، أحد الأئمة الاثني عشر في اعتقاد الأمامية، وهو والد جعفر الصادق، وكان الباقر عالماً سيداً كبيراً، وإنما قيل له الباقر: لأنه تبقّر في العلم أي توسّع، والتبقّر التوسّع. وفيه يقول الشاعر:

يا باقر العلم لأهل التقى

وخير من لبى على الأجبل

ومولده بالمدينة سنة سبع وخمسين، وكان عمره يوم قتل جده الحسين (عليه السلام) ثلاث سنين، وتوفى سنة ثلاث عشرة ومئة، ودفن بالبقيع.(٣)

تذكرة الحفاظ: محمد بن علي الإمام الثبت الهاشمي العلوي المدني أحد الأعلام، مولده سنة ست وخمسين، وكان سيد بني هاشم في زمانه، اشتهر بالباقر، قولهم بقر العلم: يعني شقّه.(٤)

حلية الأولياء: عن عبد الله بن عطاء قال: ما رأيت العلماء عند أحد أصغر علماً منهم عند أبي جعفر، لقد رأيت الحكم عنده كأنه متعلّم.(٥)

____________________

١ - الطبقات ج ٥، ص٣٢١.

٢ - نفس المصدر، ص٣٢٤.

٣ - الوفيات ج ٢، ص٢٣.

٤ - تذكرة الحفاظ ج ١، ص١٢٤.

٥ - حلية الأولياء ج ٣، ص١٨٦.

٤٤١

البيان والتعريف: عن الأوزاعي، قدمت المدينة فسألت محمد بن علي بن الحسين عن قوله عَزَّ وجَلَّ( يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ ) ؟ قال: حدثني أبي عن جدي عليّ بن أبي طالب قال: سألت عنها رسول الله (ص) فقال: لأبشّرنّك بها يا عليّ فبشّر بها أمتي من بعدي: الصدقة على وجهها واصطناع المعروف وبرّ الوالدين وصلة الرحم تُحوّل الشقاء سعادة وتزيد في العمر وتقي مصارع السوء.(١)

حلبة الأولياء: قال محمد بن علي: كان ليّ أخ في عيني عظيم، وكان الذي عظّمه في عيني صغر الدينا في عينه.(٢)

ويروي أيضاً: عن جعفر بن محمد بن علي قال: فقد أبي بغلة له، فقال: لئنن ردّها الله تعالى عليّ لأحمدنه محامد يرضاها، فما لبث أن أتي بها بسرجها ولجامها، فركبها فلما استوى عليها وضمّ إليه ثيابه، رفع رأسه إلى السماء فقال: الحمد لله، لم يزد عليها! فقيل له في ذلك. فقال: وهل تركت شيئاً، جعلت الحمد كله لله عَزَّ وجَلَّ.

ويروي أيضاً: عن جابر، قال لي محمد بن عليّ: يا جابر، أنزل الدنيا كمنزل نزلت به وارتحلت منه، أو كمال أصبته في منامك فاستيقظت وليس معك منه شيء، إنما هي مع أهل اللبّ والعالِمين بالله تعالى كفيء الظِلال. فاحفظ ما استرعاك الله تعالى من دينه وحكمته.(٣)

عيون ابن قتيبة: أخبرنا جابر بن عبد الله أن النبي (ص) قال: يا جابر، إنك ستُعمّر بعدي حتى يولد لي مولود اسمه كاسمي يبقر العلم بقراً، فإذا لقيته فأقرأه منّي السلام. فكان جابر يتردّد في سكك المدينة بعد ذهاب بصره وهو ينادي: يا باقر! حتى قال الناس قد جُنّ جابر. فبينا هو ذات يوم بالبلاط إذ بصر بجارية يتورّكها صبيّ، فقال لها: يا جارية من هذا الصبي؟ قالت: هذا محمد بن علي بن الحسين بن عليّ، فقال أدنيه مني فأدنته منه فقبل بين عينيه، وقال:

____________________

١ - البيان والتعريف، ج ٢، ص٨٧.

٢ - حلية الأولياء، ج ٣، ص١٨٦.

٣ - حلية الأولياء، ج ٣، ص١٨٧.

٤٤٢

يا حبيبي، رسول الله (ص) يقرئك السلام، ثم قال: نعيت إليَّ نفسي وربّ الكعبة، ثم انصرف إلى منزله وأوصى فمات من ليلته.(١)

تذكرة الخواصّ: روى أن أبا جعفر دخل على جابر بعد ما أضر ( أي صار ضريراً وأعمى ) فسلّم عليه، فقال: من أنت؟ فقال محمد بن علي بن الحسين. فقال: أدن مني فدنى منه، فقبّل يديه ورجليه ثم قال: له: رسول الله يسلّم عليك. فقيل لجابر: وكيف هذا؟ فقال: كنت جالساً عند رسول الله والحسين في حجره وهو يُداعبه، فقال: يا جابر، يولد مولود اسمه عليّ، إذا كان يوم القيامة نادى مناد ليقم سيّد العابدين فيقوم ولده، ثم يولد له ولد اسمه محمد فإن أدركته يا جابر فاقرأه مني السلام.(٢)

أمالي القالي: عن عُفير: دخل أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين على عمر بن عبد العزيز، فقال: يا أبا جعفر، أوصيني. قال: أوصيك أن تتخذ صغير المسلمين ولداً وأوسطهم أخاً، وكبيرهم أباً، فارحم ولدك وصِل أخاك وبرّ أباك، وإذا صنعت معروفاً فرُبّه.(٣)

وقال أبو علي: قوله (فرُبَّه) أي أدمه، يقال: رب بالمكان وأرب أي أقام به ودام.

تذكرة الخواص: روى عنه الأئمة أبو حنيفة وغيره، قال أبو يوسف: قلت لأبي حنيفة لقيت محمد بن عليّ الباقر؟ فقال: نعم. وسألته يوماً فقلت له: أراد الله المعاصي؟ فقال: أفُيعصى قهراً. قال أبو حنيفة: فما رأيت جوابا أفحم منه.

وقال عطاء: ما رأيت العلماء عند أحد أصغر علماً منهم عند أبي جعفر، لقد رأيت الحكم عنده كأنه عصفور مغلوب، ويعني بالحكم: الحكم بن عُيينة، وكان عالماً نبيلاً جليلاً في زمانه.(٤)

____________________

١ - عيون ابن قتيبة، ج ١، ص٢١٢.

٢ - تذكرة الخواص، ص١٩٠.

٣ - أمالي القالي، ج ٢، ص٣٠٩.

٤ - تذكرة الخواص، ص١٩٠.

٤٤٣

مطالب السؤول: قال أفلح مولى أبي جعفر: خرجت مع محمد بن علي حاجاً، فلما دخل المسجد نظر إلى البيت فبكى حتى علا صوته. فقلت: بابي وأمي، إنّ الناس ينظرون إليك فلو رفقت بصوتك قليلاً، فقال لي: ويحك يا أفلح، ولمَ لا أبكي؟! لعل الله أن ينظر إليّ منه برحمته فأفوز بها عنده غداً، ثم طاف بالبيت ثم جاء حتى ركع عند المقام فرفع رأسه من سجوده، فإذا موضع السجود مبتلّ من كثرة دموع عينه.(١)

____________________

١ - مطالب السئول ( الباب الخامس - أبو جعفر )

٤٤٤

الإمام

جعفر بن محمد (عليهما السلام)

الوفيات: أبو عبد الله جعفر الصادق بن محمد الباقر بن زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام)، أحد الأئمة الاثني عشر على مذهب الإمامية، كان من سادات أهل البيت، ولقّب بالصادق لصدقه في مقالته، وفضله أشهر من أن يذكر، وله كلام في صنعة الكيمياء والزجر والفال، وكان تلميذه أبو موسى جابر بن حيّان الصوفي الطرطوسيّ، قد ألّف كتاباً يشتمل على ألف ورقة يتضمّن رسائل جعفر الصادق (عليه السلام)، وهي خمسمئة رسالة. وكان المنصور أراد إشخاصه إلى العراق معه عند مسيره إلى المدينة فاستعفاه من ذلك فلم يُعفه وكانت ولادته سنة ثمانين للهجرة وتوفى سنة ثمان وأربعين ومئة بالمدينة ودفن بالبقيع. انتهى ملخَّصاً.(١)

تذكرة الحفاظ: جعفر بن محمد الإمام أبو عبد الله العلوي المدني الصادق، أحد السادة الأعلام.

عن أبي حنيفة قال: ما رأيت أفقه من جعفر بن محمد. وقال أبو حاتم: ثقة لا يُسأل عن مثله. وعن صالح بن أبي الأسود سمعت جعفر بن محمد يقول: سلوني قبل أن تفقدوني فإنه لا يحدّثكم أحد بعدي بمثل حديثي. وقال هياج بن بسطام: كان جعفر الصادق يُطعم حتى لا يبقى لعياله شيء.(٢)

حلية الأولياء: عن عبد الله بن شبرمة قال: دخلت أنا وأبو حنيفة على جعفر بن محمد، فقال لابن أبي ليلي: من هذا معك؟ قال: هذا رجل له بصر ونفاذ في أمر الدين. قال: لعله يقيس أمر الدين برأيه؟ قال: نعم. فقال جعفر لأبي حنيفة:

____________________

١ - الوفيات، ج ١، ص١١٢.

٢ - تذكرة الحفاظ، ج ١، ص١٦٦.

٤٤٥

ما اسمك؟ قال: نعمان. قال: يا نعمان، هل قست رأسك بعد؟ قال: كيف أقيس رأسي؟ قال: ما أراك تُحسن شيئاً، هل علمت ما الملوحة في العينين والمرارة في الأذنين والحرارة في المنخرين والعذوبة في الشفتين؟ قال: لا. قال: ما أراك تُحسن شيئاً. قال: فهل علمت كلمة أوّلها كفر وآخرها إيمان؟ فقال ابن أبي ليلى: يا ابن رسول الله، أخبرنا بهذه الأشياء التي سألته عنها؟ فقال: أخبرني أبي عن جدّي أن رسول الله (ص) قال: إن الله تعالى بمنّه وفضله جعل لابن آدم الملوحة في العينين لأنهما شحمتان ولولا ذلك لذابتاً، وإن الله تعالى بمنّه وفضله ورحمته على ابن آدم جعل المرارة في الأذنين حجاباً من الدوابّ فإن دخلت الرأس دابة والتمست إلى الدماغ فإذا ذاقت المرارة التمست الخروج، وإن الله تعالى بمنه وفضله ورحمته على ابن آدم جعل الحرارة في المنخرين يستنشق بهما الريح ولولا ذلك لأنتن الدماغ، وإن الله تعالى بمنه وكرمه ورحمته لابن آدم جعل العذوبة في الشفتين يجد بهما استطعام كل شيء ويسمع الناس بها حلاوة منطقه. قال: فأخبرني عن الكلمة التي أولها كفر وآخرها إيمان؟ فقال: إذا قال العبد: (لا اله) فقد كفر، فإذا قال: (إلا الله) فهو إيمان. ثم أقبل على أبي حنيفة فقال: يا نعمان، حدثني أبي عن جدي أن رسول الله (ص) قال: أول من قاس أمر الدين برأيه إبليس، قال الله تعالى له اسجد لآدم فقال: ( أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَني‏ مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِيْن‏ ) فمن قاس الدين برأيه قرنه الله يوم القيامة بإبليس لأنه اتبعه بالقياس. وزاد ابن شبرمة في حديثه: ثم قال جعفر: أيهما أعظم: قتل النفس أو الزنا؟ قال: قتل النفس، قال: فإن الله عَزَّ وجَلَّ قبل في قتل النفس شاهدين ولم يقبل في الزنا إلا أربعة. ثم قال: أيهما أعظم: الصلاة أم الصوم؟ قال: الصلاة، قال: فما بال الحائض تقتضي الصوم ولا تقتضي الصلاة. فكيف ويحك يقوم لك قياسك! اتق الله ولا تقس الدين برأيك.(١)

مطالب السؤول: قال مالك بن أنس: قال جعفر يوماً لسفيان الثوري: يا سفيان،

____________________

١ - حلية الأولياء، ج ٣، ص١٩٦.

٤٤٦

إذا أنعم الله عليك بنعمة فأحببت بقاءها فأكثر من الحمد والشكر عليها، فإن الله عَزَّ وجَلَّ قال في كتابه العزيز:( لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزيدَنَّكُمْ ) . وإذا استبطأت الرزق فأكثر من الاستغفار، فإن الله عز وعلا قال في كتابه:( اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ ) يعني في الدنيا( وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ ) في الآخرة. يا سفيان، إذا حزنك أمر من سلطان أو غيره فأكثر من: لا حول ولا قوة إلا بالله ؛ فإنها مفتاح الفرج وكنز من كنوز الجنة.(١)

تذكرة الخواص: وقال الثوري بالإسناد المتقدم: قلت لجعفر: يا ابن رسول الله، اعتزلت الناس! فقال: يا سفيان، فسد الزمان وتغيّر الإخوان فرأيت الانفراد اسكن للفؤاد.(٢)

____________________

١ - مطالب السئول (الباب السادس - أبو عبد الله).

٢ - تذكرة الخواص، ص١٩٥.

٤٤٧

الإمام

موسى بن جعفر (عليهما السلام)

الوفيات: أبو الحسن موسى الكاظم بن جعفر الصادق، قال الخطيب فيتاريخ بغداد: كان موسى يُدعى العبد الصالح من عبادته واجتهاده، روي أنه دخل مسجد رسول الله (ص) فسجد سجدة في أول الليل وسُمع وهو يقول في سجوده: (عظم الذنب عندي فليَحسن العفو من عندك يا أهل التقوى ويا أهل المغفرة) فجعل يُرددها حتى أصبح. وكان سخيّاً كريماً، وكان يسكن المدينة فأقدمه المهدي بغداد، فحبسه فرأى في النوم علي بن أبي طالب وهو يقول:يا محمد ( فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ ) . قال الربيع: فأرسل إليّ ليلاً فراعني ذلك، فجئته فإذا هو يقرأ هذه الآية، وقال: علي بموسى بن جعفر! فجئته به فعانقه وأجلسه إلى جانبه وقال: يا أبا الحسن إني رأيت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب في النوم يقرأ عليّ كذا، فتُؤمنني أن تخرج عليّ؟ فقال: والله لا فعلت ذلك ولا هو من شأني. وأقام بالمدينة إلى أيام هارون الرشيد من عمره سنة تسع وسبعين ومئة فحمل موسى (ع) معه إلى بغداد وحبسه بها إلى أن تُوفِّي في محبسه سنة ثلاث وثمانين ومئة، وكانت ولادته سنة تسع وعشرين ومئة - انتهى ملخصاً.(١)

مطالب السؤول: هذا هو الإمام الكبير القدر، العظيم الشأن، الكثير التهجّد، الجد في الاجتهاد، المشهود له بالكرامات، المشهور العبادة، المواظب على الطاعات، يبيت الليل ساجداً وقائماً، ويقطع النهار متصدقاً وصائماً، ولفرط حمله وتجاوزه عن المعتدين عليه دُعي كاظماً، كان يُجازي المسيء بإحسانه إليه ويُقابل الجاني بعفوه عنه.(٢)

____________________

١ - الوفيات، ج ٢، ص٢٥٦.

٢ - مطالب السئول ( الباب السابع - أبو الحسن )

٤٤٨

الإمام

علي بن موسى الرضا (عليهما السلام)

الوفيات: أبو الحسن علي الرضا ابن موسى الكاظم ابن جعفر الصادق، وهو أحد الأئمة الاثني عشر على اعتقاد الإمامية، وكان المأمون جعله وليّ عهده وضرب اسمه على الدينار والدرهم وكانت ولادة عليّ الرضا يوم الجمعة في بعض شهور سنة ثلاث وخمسين ومئة بالمدينة، وتُوفّي في آخر صفر سنة اثنتين ومتين. ويقول أبو نواس:

قيل لي أنت أحسن الناس طراً

في فنون من المقال النبيه

فعلى ما تركت مدح ابن موسى

والخصال التي تجمعن فيه

قلت لا أستطيع مدح إمام

كان جبريل خادماً لأبيه

انتهى ملخصاً.(١)

تاريخ الطبري: ورد كتاب من الحسن بن سهل أن أمير المؤمنين المأمون قد جعل علي بن موسى بن جعفر وليّ عهده من بعده، وذلك أنه نظر في بين العباس وبين عليّ فلم يجد أحداً هو أفضل ولا أورع ولا أعلم منه، وأنه سماه الرضي من آل محمد.(٢)

تذكرة الخواص: قال الصولى وغيره: كان المأمون يُحبّ عليا (عليه السلام)، كتب إلى الآفاق بأن أفضل الخلق بعد رسول الله (ص) علي بن أبي طالب، وأن لا يُذكر معاوية بخير، ومن ذكره بخير أبيح دمه وماله، ومن أشعار المأمون.

لا تُقبل التوبة من تائب

إلا بحب ابن أبي طالب

أخو رسول الله خَلَف الهدى

والأخ فوق الخلّ والصاحب

____________________

١ - الوفيات، ج ١، ص٣٤٨.

٢ - تاريخ الطبري، ج ١٠، ص٢٤٣.

٤٤٩

إن مال ذو النصب إلى جانب

ملت مع الشيعي إلى جانب(١)

أخبار أصبهان: عن أبي علي أحمد بن عليّ الأنصاري عن أبي الصلت قال: كنت مع ياسين بن النضر وأحمد بن حرب ويحيى بن يحيى وعدّة من أهل العلم فتعلّقوا بلجامه من المربع فقالوا: بحق آبائك الطاهرين حدّثنا بحديث سمعته من أبيك قال: حدّثني أبي العدل الصالح موسى بن جعفر، قال: حدّثني أبي الصادق جعفر بن محمد، قال: حدثني أبي أبو جعفر باقر العلم علم الأنبياء، قال: حدّثني أبي علي بن الحسين سيد العابدين، قال: حدّثني أبي سيد أهل الجنة الحسين، قال: حدثني أبي سيد العرب عليّ بن أبي طالب (رضوان الله عليهم)، قال: سألت رسول الله (ص) ما الإيمان؟ قال: معرفة بالقلب وإقرار باللسان وعمل بالأركان. وقال أبو علي: قال لي أحمد بن حنبل: إن قرأت هذا الإسناد على مجنون بريء من جنونه.(٢)

مطالب السئول: قال دعبل: لما قلت: مدارس آيات خلت من تلاوة. قصدت بها أبا الحسن علي بن موسى الرضا وهو بخراسان وليّ عهد المأمون في الخلافة وهي هذه:

مدارس آياتٍ خلت من تلاوة

ومَهبط وحى مُقفر العرصات

منازل كانت للصلاة وللتقى

وللصوم والتطهير والحسنات

همُ آل ميراث النبيّ اذ انتُمو

وهم خير سادات وخير حُمات

إذا لم نُناج الله في صلواتنا

بذكرهم لم تُقبل الصلوات

وليراجع في شرح هذه الرحلة وتفصيلها إلى الكتاب.(٣)

____________________

١ - تذكرة الخواص، ص٢٠١.

٢ - أخبار أصبهان، ج ١، ص١٣٨.

٣ - مطالب السئول ( الباب الثامن - أبو الحسن )

٤٥٠

الإمام

محمد بن عليّ الرضا (عليهما السلام)

الوفيات: أبو جعفر محمد بن علي الرضا ابن موسى الكاظم المعروف بالجواد، أحد الأئمة الاثني عشر، قدم بغداد وافداً على المعتصم ومعه امرأته أم الفضل بنت المأمون، فتُوفي بها سنة عشرين ومئتين، وكانت ولادته سنة خمس وتسعين ومئة ودفن عند جدّه موسى بن جعفر صلوات الله عليهم.(١)

المصايد: لما أراد المأمون أن يزوّج ابنته أم الفضل أبا جعفر محمد بن علي بن موسى (عليه السلام)، اجتمع عليه من أهله من أراد دفعه عن ذلك، فقال لهم: اسكتوا فإني لست أقبل فيه قولاً. قالوا: فتُزوج قرة عينك صبياً لم يتفقّه في دين الله عَزَّ وجَلَّ ولا يعرف فريضة من سنة ولا يُميّز بين حق وباطل - ولأبي جعفر عشر سنين أو إحدى عشرة سنة - فلو صبرت عليه حتى يتأدّب ويقرأ القرآن ويعرف فرضاً من سُنة! فقال: إنه لأفقه منكم وأعلم بالله ورسوله، وسننه وفرائضه، وحرامه وحلاله، وأقرء لكتابه، وأعلم بمحكمه ومتشابهه، وناسخه ومنسوخه، وظاهره وباطنه منكم، وخاصه وعامه، وتأويله وتنزيله. فاسألوه، فإن كان الأمر كما قلتُ علمتم مقداره، فلما اجتمعوا للتزويج وحضر أبو جعفر قالوا: يا أمير المؤمنين، هذا القاضي يحيى بن أكثم إذا أذن له يسأل، قال له: سل أبا جعفر! فقال له: ما تقول في مُحرم قتل صيدا؟ فقال: قتله في حلّ أو حرم، عامداً أو جاهلاً، عمداً أو خطأً، عبداً أو حراً، صغيراً أو كبيراً، مُبدءاً أو معيداً، أمن ذوات الطير أو من غيرها، ومن صغار الطير أو كبارها، مُصراً على ذلك أو نادماً، بالليل في وكرها أو بالنهار عياناً، مُحرما للعمرة أو للحج؟ فانقطع

____________________

١ - الوفيات، ج ٢، ص٢٣.

٤٥١

يحيى. فقال المأمون ( فخطب المأمون ثم زوج ابنته ثم قال: بيّن لنا ما الذي يلزم كل واحد من هذه الأصناف؟ فأجاب أبو جعفر (عليه السلام) عن المسائل كلها )(١) ، فأمر المأمون بكتب ذلك عنده، ثم قرؤوه عليهم. ثم قال: هل فيكم أحد يجيب بمثل هذا الجواب؟ فقالوا: صدقت أنت أعلم به منا. فقال لهم: أما علمتم أن رسول الله (ص) بايع الحسن والحسين (عليهما السلام) وهما صبيان غير بالغين ولم يبايع طفلاً غيرهما، وآمن أبوهما وهو ابن عشر سنين فقبل رسول الله (ص) إيمانه ولم يقبل من طفل غيره، ولا دعا النبي طفلاً غيره إلى الإيمان، أو ما علمتم أنها ذرية بعضها من بعض، يجري لآخرهم ما يجري لأولهم، وأمر أن يُنثر على أبي جعفر إلخ.(٢)

مطالب السؤول: وقدم الخليفة إلى بغداد بعد وفاة الرضا بسنة، اتفق أنه بعد ذلك خرج يوماً يتصيّد فاجتاز في طريقه بطرف البلد، والصبيان يلعبون ومحمد واقف ثم أخذها في يده وعاد إلى داره في الطريق الذي أقبل فيه، فلما وصل إلى ذلك المكان، وجد الصبيان على حالهم وأبو جعفر لم ينصرف، فلما دنا منه الخليفة قال: يا محمد، قال: لبيك، قال: ما في يدي؟ فألهمه الله عَزَّ وجَلَّ أن قال: يا أمير المؤمنين، إن الله خلق بمشيّته في بحر قدرته سمكاً صغاراً تصيدها بزاة الملوك والخلفاء فيختبرون بها سلالة أهل النبوة، فلما سمع المأمون كلامه عجب منه. راجع في تفصيلها إلى الكتاب.(٣)

____________________

١ - المصايد، ص٣٨.

٢ - المصايد، ص٤٠.

٣ - مطالب السئول ( الباب التاسع - أبو جعفر ).

٤٥٢

الإمام

علي بن محمد الهادي (عليهما السلام)

الوفيات: أبو الحسن علي الهادي بن محمد الجواد بن علي الرضا (عليهم السلام) ويعرف بالعسكري، وهو أحد الأئمة الاثني عشر عند الإمامية، وكان قد سعي به إلى المتوكل، فهجموا عليه في منزله على غفلة فوجدوه وحده في بيت مغلق وعليه مدرعة من شعر وعلى رأسه ملحفة من صوف وهو مستقبل القبلة يترنّم بآيات من القرآن الكريم في الوعد والوعيد، وليس بينه وبين الأرض بساط إلا الرمل والحصا، فأخذ على الصورة التي وُجد عليها وكانت ولادته سنة ثلاث عشرة ومئتين وتُوفّي سنة أربع وخمسين ومئتين، ودفن في داره. انتهى ملخّصاً.(١)

تاريخ أبي الفداء: يروي مثلها.(٢)

تذكرة الخواص: فلما دخلتُ ( أي يحيى بن هرثمة ) على المتوكل سألني عنه، فأخبرته بحسن سيرته وسلامة طريقه وورعه وزهادته وأني فتشت داره فلم أجد فيها غير المَصاحف وكتب العلم، وأن أهل المدينة خافوا عليه. فأكرمه المتوكل وأحسن جائزته وأجزل بره وأنزله معه (سُرّ من رأى). قال يحيى بن هرثمة: فاتفق مرض المتوكل بعد ذلك بمدة، فنذر إن عُوفي ليتصدّقنّ بدارهم كثيرة فعُوفي، فسأل الفقهاء عن ذلك فلم يجد عندهم فرجاً، فبعث إلى عليّ فسأله؟ فقال: يتصدّق بثلاثة وثمانين ديناراً، فقال المتوكل: من أين لك هذا؟ فقال: من قوله تعالى( لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ في‏ مَواطِنَ كَثيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْن‏ ) والمواطن الكثيرة هي هذه الجملة ؛ وذلك لأن النبي (ص) غزى سبعاً وعشرين غزاة وبعث خمساً وستين سريّة، وآخر غزواته يوم حنين، فعجب المتوكل والفقهاء من هذا الجواب.(٣)

____________________

١ - الوفيات، ج ١، ص٣٤٩.

٢ - تاريخ أبي الفداء، ج ١، ص٤٤.

٣ - تذكرة الخواص، ص٢٠٢.

٤٥٣

الإمام

الحسن بن عليّ العسكريّ (عليهما السلام)

الوفيات: أبو محمد الحسن بن علي بن محمد بن علي الرضا (عليهم السلام) أحد الأئمة الاثني عشر على اعتقاد الإمامية، وهو والد المنتظر صاحب السرداب ويعرف بالعسكري، وأبوه عليّ يعرف أيضاً بهذه النسبة، وكانت ولادة الحسن المذكور يوم الخميس في بعض شهور إحدى وثلاثين ومئتين، وتوفّي سنة ستين ومئتين بسُرّ من رأى، ودفن بجنب قبر أبيه، والعسكري نسبة إلى سُرّ من رأى، ولما بناها المعتصم وانتقل إليها بعسكره قيل لها العسكر. وإنما نسب الحسن إليها لأن المتوكل أشخص أباه علياً إليها وأقام بها عشرين سنة وتسعة أشهر. انتهى ملخصاً.(١)

تاريخ أبي الفداء: يروي مثلها.(٢)

الأئمة الاثني عشر: ما يقرب منها.(٣)

تذكرة الخواص: وكان سنّه تسعاً وعشرين سنة، وكان عالماً ثقة، روى الحديث عن أبيه عن جده، ومن جملة مَسانيده حديث في الخمر عزيز، ذكره جدي أبو الفرج في كتابه المسمى بـ(تحرير الخمر) ونقلته من خطّه وسمعته يقول: أشهد بالله لقد سمعت عبد الله بن عطاء الهرويّ يقول أشهد بالله لقد سمعت الحسن بن علي العسكري يقول: أشهد بالله لقد سمعت أبي علي بن محمد يقول أشهد بالله لقد سمعت محمداً رسول الله (ص) يقول: أُشهد بالله لقد سمعت جبرئيل يقول:

____________________

١ - الوفيات، ج ١، ص١٤٧.

٢ - تاريخ أبي الفداء، ج ١، ص٤٥.

٣ - الأئمّة الاثني عشر، ص١١٣.

٤٥٤

أشهد بالله لقد سمعت ميكائيل يقول: أشهد بالله لقد سمعت إسرافيل يقول: أشهد بالله على اللوح المحفوظ أنه قال: سمعت الله يقول: شارب الخمر كعابد الوثن.

ولما روى جدي هذا الحديث فيكتاب تحريم الخمر ، قال، قال أبو نعيم الفضل بن دكين: هذا حديث صحيح ثابت روته العترة الطيبة الطاهرة.(١)

٤٥٥

الإمام

الثاني عشر المهديّ (عليه السلام)

الوفيات: أبو القاسم محمد بن الحسن العسكري بن علي الهادي، الثاني عشر من الأئمة الاثني عشر على اعتقاد الإمامية، المعروف بالحجة، وهو الذي تزعم الشيعة أنه المنتظر والقائم والمهدي، وهو صاحب السرداب عندهم وأقاويلهم فيه كثيرة، وهم ينتظرون ظهوره في آخر الزمان، كانت ولادته يوم الجمعة منتصف شعبان سنة خمس وخمسين ومئتين، ولما تُوفي أبوه كان عمره خمس سنين، واسم أمه: خمط، وقيل: نرجس.(١)

تاريخ أبي الفداء: يروي مثلها.(٢)

الأئمة الاثني عشر: ما يقرب منها.(٣)

تذكرة الخواص: هو محمد بن الحسن وكنيته أبو عبد الله وأبو القاسم، وهو الخلف الحجة صاحب الزمان القائم والمنتظر والتالي، وهو آخر الأئمة. وعن ابن عمر قال: قال رسول الله (ص): يخرج في آخر الزمان رجل من ولدي اسمه كاسمي وكنيته ككنيتي يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً فذلك هو المهدي. وهذا حديث مشهور. وقد أخرج أبو داود والزهريّ عن علي بمعناه، وفيه: لو لم يبق من الدهر إلا يوم واحد لبعث الله من أهل بيتي من يملأ الأرض عدلاً. وذكره في روايات كثيرة. ويقال له: ذو الاسمين محمد وأبو القاسم. قالوا: إن أمه أم ولد يقال لها: صقيل. وقال السّدّى: يجتمع المهدي وعيسى بن مريم فيجيء وقت الصلاة فيقول المهدي لعيسى: تقدّم، فيقول عيسى: أنت أولى بالصلاة فيُصلي عيسى

____________________

١ - الوفيات، ج ٢، ص٢٤.

٢ - تاريخ أبي الفداء، ج ١، ص٤٥.

٣ - الأئمة الاثني عشر، ص١١٧.

٤٥٦

وراءه مأموماً فيصير تبعاً.(١)

المهدي من أهل البيت

ابن ماجة: قال رسول الله (ص): المهدي من ولد فاطمة.(٢)

سنن أبي داود: يقول رسول الله (ص): المهدي من عترتي من ولد فاطمة.(٣)

مستدرك الحاكم: عن أم سلمة: سمعت النبي (ص) يذكر المهدي، فقال: نعم، هو حق، وهو من بني فاطمة.(٤)

ابن ماجة: قال رسول الله (ص): المهدي منا أهل البيت يُصلحه الله في ليلة.(٥)

أخبار أصبهان: عن محمد بن الحنفيّة عن عليّ (ع) قال: قال رسول الله (ص): المهديّ كما في ابن ماجة.(٦)

مسند أحمد: مثلها.(٧)

أقول: يظهر من هذه الروايات أمور:

١ - أنه (ع) من ولد فاطمة (ع).

٢ - أنه من عترة رسول الله (ص).

٣ - انه من أهل بيت رسول الله (ص).

٤ - أن أمره وقيامه يُصلَح في ليلة.

سنن أبي داود: بأسناد متعددة عن النبي (ص): لو لم يبقَ من الدنيا إلا يوم لطوّل الله ذلك اليوم حتى يبعث رجلاً مني أو من أهل بيتي يُواطئ اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلئت ظلماً وجوراً. وفي

____________________

١ - تذكرة الخواص، ص٢٠٤.

٢ - ابن ماجة، ج ٢، ص٥١٩

٣ - سنن أبي داود، ج ٢، ص٢٣٢.

٤ - مستدرك الحاكم، ج ٤، ص٥٥٧.

٥ - ابن ماجة، ج ٢، ص٥١٩.

٦ - أخبار أصبهان، ج ١، ص١٧٠.

٧ - مسند أحمد، ج ١، ص٨٤.

٤٥٧

حديث سفيان: لا تذهب الدنيا، أو: لا تنقضي حتى يملك العرب رجل من أهل بيتي يواطيء اسمه اسمي.(١)

ويروي أيضاً: عن أبي الطفيل عن النبي (ص): لو لم يبق من الدهر إلا يوم لبعث الله رجلاً من أهل بيتي يملأها عدلاً كما ملئت جوراً.

مسند أحمد: يروي نظيرها.(٢)

سنن الترمذي: قال رسول الله (ص): لا تذهب كما في حديث سفيان.(٣)

أقول: قال في حاشية الكتاب - قال الشيخ عبد الحق في اللمعات: قد تظاهرت الأحاديث البالغة حد التواتر معنى، في كون المهدي من أهل البيت من وُلد فاطمة.

الكنى للدولابي: قال عبد الله، قال رسول الله (ص): لن تنقضي الدنيا حتى يخرج رجل من أمتي اسمه الحديث.(٤)

مختصر التذكرة: أن رسول الله (ص) قال: ليُصيبنّ هذه الأمة بلاء حتى لا يجد الرجل ملجأ يلجأ إليه من الظلم، فيبعث الله تعالى رجلاً من عترتي أهل بيتي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، يرضى عنه ساكن السماء وساكن الأرض لا تدع السماء من قطرها شيئاً إلا صبّته مدراراً، ولا تدع الأرض من نباتها شيئاً إلا أخرجته، حتى يتمنّى الأحياء العيش، يمكث على ذلك سبع سنين أو ثماني أو تسع سنين.(٥)

أخبار أصبهان: عن عبد الله عن النبي (ص) قال: يلي أمر هذه الأمة في آخر زمانها رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي.(٦)

مسند أحمد: عن عبد الله، عن النبي (ص) قال: لا تقوم الساعة حتى يلي رجل

____________________

١ - سنن أبي داود، ج ٢، ص٢٣٢.

٢ - مسند أحمد، ج ١، ص٩٩.

٣ - سنن الترمذي، ص٣٢٤.

٤ - الكنى للدولابي، ج ١، ص١٠٧.

٥ - مختصر التذكرة، ص١٢٧.

٦ - أخبار أصبهان، ج ١، ص٣٢٩.

٤٥٨

من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي.(١)

ويروي: أيضاً عن النبي (ص) قال: لا تنقضي الدنيا حتى يملك العرب رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي.(٢)

أقول: يستكشف من هذه الروايات أمور:

١ - تدل هذه الجملات: (لو لم يبق من الدنيا إلا يوم، لا تذهب الدنيا، لا تنقضي، لن تنقضي، يلي أمر هذه الأمة في آخر زمانها، لا تقوم الساعة) على أهمية الموضوع وضرورته ولزوم هذه الولاية، حتى يصلح الله تعالى من أمور الدين والدنيا للأمة ما فسد.

٢ - أن هذا الوليّ الملك المبعوث القائم له هذه الصفات: فهو يملك ظاهراً، ويلي أمور المسلمين، ويبعث من الله تعالى، ويقوم بأمر الله ولأمر الله.

٣ - فهو من أهل البيت ومن العترة الطاهرة، بل من رسول الله (ص) ويواطئ اسمه اسمه.

٤ - أنه يملأ الأرض عدلاً وقسطاً بعد ما مُلئت جوراً وظلماً، يرضى عنه ساكن الأرض والسماء، وتظهر البركات والرحمة.

٥ - أن هذا القائم يقوم ويظهر في آخر الزمان.

يملأ الأرض قسطاً

سنن أبي داود: قال رسول الله (ص): المهدي مني، أجلى الجبهة أقنى الأنف، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلئت ظلماً وجوراً ويملك، سبع سنين.(٣)

مستدرك الحاكم: عن أبي سعيد، قال رسول الله (ص): المهدي منا أهل البيت أشمّ الأنف أقنى أجلى يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً

____________________

١ - مسند أحمد، ج ١، ص٣٧٦.

٢ - نفس المصدر، ص٤٣٠.

٣ - سنن أبي داود، ج ٢، ص٢٣٢.

٤٥٩

يعيش هكذا وبسط يساره وإصبعين من يمينه المسبّحة والإبهام وعقد ثلاثة.(١)

أخبار أصبهان: عن أبي سعيد الخدري، قال رسول الله (ص): لا تقوم الساعة حتى يستخلف رجل من أهل بيتي أجنأ أقنى، يملأ الأرض عدلاً كما ملئت قبل ذلك ظلماً يكون سبعين سنين.(٢)

مسند أحمد: ما يقرب منها.(٣)

ذخائر العقبى: في حديث الهلالي: يا فاطمة، والذي بعثني بالحق إن منهما مهديّ هذه الأمة إذا صارت الدنيا هرجاً ومرجاً وتظاهرت الفتن وتقطّعت السُبل وأغار بعضهم على بعض، فلا كبير يرحم صغيراً ولا صغير يوقّر كبيراً، فيبعث الله عند ذلك من يفتح حصون الضلالة وقلوباً غُلفاً، يقوم بالدين في آخر الزمان كما قمت به في أول الزمان، ويملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً.

أخرجه الحافظ أبو العلاء الهمداني فيأربعين حديثاً في المهديّ. (٤)

مستدرك الحاكم: عن الخدري، قال رسول الله (ص): لا تقوم الساعة حتى تُملأ الأرض ظلماً وجوراً وعدواناً، ثم يخرج من أهل بيتي من يملأها قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وعدواناً.

قالالحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يُخرجاه.(٥)

الاستيعاب: روى جابر بن عبد الله الصدفي عن النبي (ص) أنه قال: يكون بعدي خلفاء، وبعد الخلفاء أمراء، وبعد الأمراء ملوك، وبعد الملوك جبابرة، وبعد الجبابرة يخرج رجل من أهل بيتي يملأ الأرض عدلاً.(٦)

رجال أصبهان: عن قُرّة، قال رسول الله (ص): لتُملأن الأرض جوراً وظلمان، فإذا ملئت جوراً وظلماً بعث الله رجلاً مني اسمه اسمي فيملأها قسطاً وعدلاً

____________________

١ - مستدرك الحاكم، ج ٤، ص٥٥٧.

٢ - أخبار أصبهان، ج ١، ص٨٤.

٣ - مسند أحمد، ج ٣، ص١٧.

٤ - ذخائر العقبى، ص١٣٦.

٥ - مستدرك الحاكم، ج ٤، ص٥٥٧.

٦ - الاستيعاب، ج ١، ص٢٢١.

٤٦٠

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495