تربة الحسين عليه السلام الجزء ٢
0%
مؤلف: الشيخ أمين حبيب آل درويش
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 335
مؤلف: الشيخ أمين حبيب آل درويش
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 335
معنى ، وفي باقي الأئمة قريبة من التواتر ، وكيفية رجوعهم ، هل هو على الترتيب أو غيره؟ فكل علمها إلى الله سبحانه ، وإلى أوليائه عليهم السلام»(٤٢٨) .
وبعد ذكر هذه الروايات ، لعل البعض لا يصدق بما جاء فيها ويقول : إنّ هذه من مبالغات الشيعة في مصرع الحسين عليه السلام ، ومن الشواحد على ذلك ما يلي :
رأي ابن كثير في روايات حادثة كربلاء :
قال : «وللشيعة والرافضة في صفه مصرع الحسين كذب كثير وأخبار باطلة ، وفيما ذكرنا كفاية. وفي بعض ما أوردنا نظر ، ولولا أنّ ابن جرير وغيره من الحفاظ والأئمة ذكروه ما سقته ، وأكثره من رواية أبي مخنف لوط بن يحيى ، وكان شيعياً وهو ضعيف عند الأئمة ، ولكنّه أخباري حافظ ، وعنده من هذه الأشياء ما ليس عند غيره ، ولهذا يترامى عليه كثير من المصنفين في هذا الشأن ممن بعده. والله أعلم»(٤٢٩) .
مناقشة ابن كثير :
مما يؤسف له أنّ مثل هذا الحافظ الذي له أهميته في كتابة التاريخ ، يغلب عليه التعصب والهوى ؛ فإنّ كل من قرأ هذا النص الذي ذكرناه عنه يلاحظ عليه ما يلي :
أولاً ـ الإفتراء على الشيعة بأنها تنقل الكذب الكثير والأخبار الباطلة ، فهذه دعوى لا تغتفر في إتهام طائفة من أكابر الطوائف الإسلامية؟!
ثانياً ـ التشكيك فيما نقله من الأخبار مع إعترافه بنقل الحفاظ والأئمة بذلك ، فبالنتيجة يطعن في علمائه حيث أنّهم ينقلون ما ذكره الشيعة والرافضة من الكذب كما زعم؟!
__________________
(٤٢٨) ـ شبّر ، السيد عبد الله : حق اليقين في معرفة أصول الدين ، ج ٢ / ٥٥.
(٤٢٩) ـ ابن كثير ، عماد الدين إسماعيل بن عمر : استشهاد الحسين / ١٣٠.
ثالثاً ـ الطعن في رواية أبي مخنف لوط بن يحيى باعتبار تشيعه ، وباعتبار ضعفه عند الأئمة ، ثم يذكر أنّه أخبارياً حافظاً ، وأنّ الأئمة أخذوا عنه ، فانظر ـ أيها القارئ الكريم ـ كيف أنّ التعصب والهوى أبعده عن الحقيقة ؛ حيث تورط بتضعيف وتكذيب الشيعة ، وأثبت بعد ذلك أنّ علماءه يأخذون عنهم ، ولا ذنب للشيعة إلا أنهم والوا علياً وولده عليهما السلام ، ولكن هذا التضعيف لا قيمة له في البحث العلمي ، بل هو خلاف العقل والإنصاف. ولو تتبعنا من هو على شاكلته ؛ للاحظنا أنّ منهجهم من قديم الزمان إلى اليوم ، تضعيف الشيعة ورميهم بالكذب ، ومن الشواهد على ذلك ما يلي :
إمام الشافعية يشير إلى هذا المنهج :
إذا في مجلسٍ نذكُرْ علياً |
وسِبطيْهِ وفاطمةَ الزّكية |
|
يُقالُ تجاوزوا يا قومُ هذا |
فهذا منْ حديثِ الرّافضية |
|
برئتُ إلى المُهيمنِ من أناسٍ |
يرون الرّفضَ حُبَّ الفاطميَّة(٤٣٠) |
وقال أيضاً :
قالوا تَرَفّضْتُ قلت : كَلّا |
ما الرّفْضُ ديني ولا إعتقادي |
|
لَكنّ توليتُ غير شكٍّ |
وخيرَ إمامٍ وخيرَ هادي |
|
إن كان حبُّ الوليِّ رفضاً |
فإنّ رفضي إلى العبادِ(٤٣١) |
وهكذا نلاحظ إمام الشافعية من خلال أشعاره يستاء من هذه الظاهرة ، التي نهجتها بعض الجماعات ، والفئات التي عاصرها.
__________________
(٤٣٠) ـ عكاوي ، د. رحاب : ديوان الإمام الشافعي / ١٠٢.
(٤٣١) ـ نفس المصدر / ٤٩.
الدكتور عبد العزيز نور ولي نهج منهج ابن كثير :
وهو من المعاصرين قم بدراسة عنوانها (أثر التشيع على الروايات التاريخية في القرن الأول الهجري) ، ومن النتائج التي توصل إليها ما يلي :
ـ «نجد في الروايات الشيعية التاريخية ، بعض الأمور التي وافقت الروايات الصحيحة ، ولكن مثلهم مثل الكهان ، الذين يأخذون من مسترقي السمع من الشياطين الخبر الصادق ، ويخلطون معه مائة كذبة.
ـ غلاة الشيعة يستغلون بعض الحقائق ليصوغوها بما يوافق هواهم.
ـ يستغل غلاة الشيعة مواطن الإختصار في الروايات الصحيحة ، والتي تكون مجالاً للدس فيها ، فيستغلونها لخدمة عقيدتهم ومذهبهم.
ـ الكم الهائل للروايات الشيعية التي تضمنتها المصادر السنية.
ـ رغم كثرة الروايات التاريخية الشيعية في المصادر التاريخية المعتمدة عند أهل السنة ، إلا أنّ تلك الروايات ؛ كانت أهون بكثير من الروايات التي تناقلتها المصادر الشيعية البحتة.
ـ إعتماد المصادر التاريخية على الروايات الشيعية في حوادث مختلفة من التاريخ ، ولعلّ من أهم الأسباب لهذا الإعتماد الكبير عليها ، عدم الروايات المقابلة التي تعطي التسلسل التاريخي كما تُصوّره الرواية الشيعية.
ـ هذا التشويه والتزييف للتاريخ الإسلامي من قِبَل الشيعة ، تأثر به كُتاب التاريخ قديماً وحديثاً ، فنجد في الروايات المنقولة من طرق ضعيفة ، رغم أنّ رجالها ليسوا شيعة ولكنهم ينقلون ما يوافق روايات الشيعة ، فلا يستبعد تأثرهم بروايات الشيعة.
ـ ضرورة مراجعة كثير من الأخبار المشهورة في التاريخ للتأكد من صحتها ، فليس كل ما هو مشهور صحيحاً.
ـ عدم تجاهل جانب التشيع في غير الغالين فيه ، فرغم غلوهم إلا أنهم ينقلون ما يوافق تشيعهم»(٤٣٢) .
أقول : إنّ صاحب العقل المتجرد من الهوى والعصبية ، يلاحظ أنّ هذا الباحث أقحم نفسه في ميدان علمي لم يستخدم فيه لغة العلم ، بل نراه يتخبط ، فتارة يذهب إلى اعتماد أهل السنة على كثير من المرويات الشيعية ، وتارة أخرى يذهب إلى أنّ الشيعة يستغلون هذه الروايات ، في تصحيح عقيدتهم ومذهبهم.
نعم ، هذا حال تاريخنا الإسلامي وما فيه من الأغاليط ، يشعر بها كل من يقف على أحداثه دارساً ومتأملاً ، وقد ساهم في صنع هذه الأغاليط جماعات من الروات ؛ أعماهم التعصب حتى أفقدهم التوازن الفكري ، غدت حقائق التاريخ على أيديهم سلعة تعرض في (سوق من يزيد أو يريد) ، فهي تظهر حيناً وتختفي حسب الطلب ، ويكثر الوضع إذا إحتدم النزاع بين طائفة وطائفة ، ويقل الوضع حين يخف النزاع ، والوضع تناول كل شيء : الحوادث والحديث والتفسير والأدب وتراجم الرجال ، والتمييز بين المصنوع والمطبوع ، يحتاج إلى حنكة تاريخية وبصيرة نافذة.
٤ ـ تقديس التربة والتبرك بها :
لعلّ من الأشياء التي تُلفت أنظار الآخرين تجاه الشيعة الإمامية ، تلك العلاقة الوثيقة التي تربطهم بكربلاء منذ أزمنة بعيدة ، وإلى يومنا هذا ، اثيرت
__________________
(٤٣٢) ـ نور ولي ، الدكتور عبد العزيز محمد : أثر التشيع على الروايات التاريخية في القرن الأول الهجري / ٤١٣ ـ ٤١٤.
حولها الأسئلة التي يراد بها الوصول إلى الهدف من تقديسها والتبرك بها ، فما هو الهدف الذي دعاهم إلى ذلك؟
يتضح الجواب على هذا السؤال بعد بيان الآتي :
ـ معنى التبرك :
«التبرك : مأخوذ من البَرَكَة وهي : ثبوت الخير الإلهي في الشيء. ولما كان الخير الإلهي يصدر من حيث لا يُحس على وجه لا يحصى ولا يحصر ؛ قيل لكل ما يشاهد منه زيادة غير محسوسة ، هو مبارك وفيه بركة»(٤٣٣) .
وقد وصف نفسه عَزَ وجَلّ بذلك كما في قوله تعالى :( فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ) [المؤمنينن / ١٤] ، كل ذلك تنبيهاً على إختصاصه تعالى بالخيرات ؛ أي ثبت الخير عنده وفي خزائنه ، واتسعت رحمته وكثرت نعمته. كما وصف مخلوقاته بذلك في كثير من الآيات ، نذكر منها ما يلي :
١ ـ قوله تعالى :( وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ ) [مريم / ٣١] ؛ أي موضع الخيرات الإلهية. وفي الحديث عن إمامنا الصادق عليه السلام : (في قول الله عَزَ وجَلّ :( وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ ) قال : نَفّاعاً)(٤٣٤) .
٢ ـ قوله تعالى :( ربِّ أَنزِلْنِي مُنزَلًا مُّبَارَكًا ) [المؤمنون / ٢٩] ؛ أي حيث يوجد الخير الإلهي.
__________________
(٤٣٣) ـ الإصفهاني ، أبو القاسم الحسين بن محمد : المفردات في غريب القرآن ، ج ١ / ٥٦.
(٤٣٤) ـ الصدوق ، الشيخ محمد بن علي ابن الحسين : معاني الأخبار : ٢١٣.
٣ ـ قوله تعالى :( وَهَـٰذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ ) [الأنعام / ٩٢]. قال الشيخ الطبرسي قده : «وإنما سمّاه مباركاً ؛ لأنّه ممدوح مستعد به ، فكلّ من تمسك به نال الفوز»(٤٣٥) .
ـ معنى التقديس :
قال السيد السبزواري (قده) : «والتقديس : بمعنى التنزيه ـ كما عن جمع من اللغويين والمفسرين ـ والتطهير المعنوي عن النقائص. ويمكن التفريق بينهما ، بجعل الأول بالنسبة على الذات الأقدس ، فهو تعالى منزّه عن كل نقص ، والثاني بالنسبة إلى الفعل ففعله منزّه عن كل نقص ، لكونه صادراً عن الحكمة البالغة»(٤٣٦) . هذا بالنسبة للباري عَزّ وجَلّ ، كما وصف نفسه في قوله تعالى :( لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ) [الحشر / ٢٤]. أما بالنسبة لخلقه ، فقد جاء في القرآن ذلك كما يلي :
١ ـ قوله تعالى :( إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى ) [النازعات / ١٦].
٢ ـ قوله تعالى :( يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ ) [المائدة / ٢٢].
قال السيد السبزواري (قده) : «ومادة (قدس) تدل على التنزّه والطهر ، يقال : تقدّس الله ؛ أي تنزّه والأرض المقدسة : هي الأرض المطهّرة من رجس الشرك ، والتي يمكن إقامة الدين فها ، ولعلّ هذا هو معنى البركة التي وصف عَزّ وجَلّ الأرض التي وعدهم بها. قال تعالى :( وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ
__________________
(٤٣٥) ـ الطبرسي ، الشيخ أبو علي الفضل بن الحسن : مجمع البيان في تفسير القرآن ، ج ٣ ـ ٤ / ٤١٦.
(٤٣٦) ـ السبزواري ، السيد عبد الأعلى الموسوي : مواهب الرحمن في تفسير القرآن ، ج ١ / ١٧٠.
الْحُسْنَىٰ عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا ) [الأعراف / ١٣٧]. فإنّ البركة هي : الخير الكثير ، وأعلاه مرتبة ؛ هو إقامة الدين ، وبسط الحق والعدل ، ورفع قذارة الشرك ، وبذلك يمكن الجمع بين كلمات المفسرين في المراد من المقدّسة في المقام. واختلفوا في تعيين الأرض المقدسة ، فقيل : هي الشام ، وقيل : هي الطور وما حوله ، وقيل : أريحاء ، وقال بعضهم : دمشق وفسطين ، وقال آخر : الأردن ، وقيل : غير ذلك.
والحقّ أن يقال : إنه لم يرد في القرآن الكريم ، ولا في السنة الشريفة تحديد هذه الأرض الموعودة ، وإلا أنّ توصيفها بالبركة ـ كما قال تعالى :( سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) [الاسراء / ١] ، ـ يقرب أنه المسجد الأقصى وما حوله ، فيستفاد أنّ هذه الأرض المقدّسة ؛ هي هذه المنطقة بالخصوص ، ولعلّ ما ورد في بعض الروايات من أنها الشام ، هو اقرب الإجتماعات ، فإن أرض الشام موصوفة بالبركة عبر العصور ومرّ التاريخ ، وهي تشمل المسجد الأقصى وما حوله»(٤٣٧) .
أدلة التبرك والتقديس
ويمكن الإستدلال على ذلك بثلاثة أدلة وهي كالتالي :
الأول ـ القرآن الكريم :
قال تعالى :( إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى) [طه / ١٢]. ذكر المفسرون أن السبب الذي لأجله أمر بخلع النعلين فيه قولان :
__________________
(٤٣٧) ـ المصدر السابق ، ج ١١ / ١٢٧ ـ ١٢٨.
الأول ـ أنه أمر بذلك على وجه الخضوع والتواضع ؛ لأنّ التحفي في مثل ذلك أعظم تواضعاً وخضوعاً.
الثاني ـ ليباشر الوادي بقدميه متبركاً به. وهذا يدل على احترام البقعة ، وتعظيم لها وتشريف لقدسها.
الثاني ـ السنة النبوية :
«عن المناسك للكرماني : أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما رمى جمرة العقبة رجع إلى منزله بمنى ، ثم دعا بالحلاق فأعطاه شقه الأيمن فحلقه ، ثم دفعه إلى أبي طلحة ليفرقه بين الناس ، ثم أعطاه شقه الأيسر فحلقه ، ثم دفعه إلى أبي طلحة ليفرقه بين الناس ، قيل وأصاب خالد بن الوليد شعرات من شعرات ناصيته صلى الله عليه وآله وسلم. وفي الشفا كانت شعرات من شعره عليه السلام في قلنسوة خالد ، فلم يشهد بها قتالاً إلا رزق النصر انتهى من تاريخ الخميس» ويؤيد ما ذكره الكرماني الأحاديث التالية :
١ ـ عن أنس بن مالك : (أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله أتى منى فأتى الجمرة فرماها ، ثمّ أتى منزله بمنى ونحر ثم قال للحلاق : خذ وأشار إلى جانبه الأيمن ، ثمّ الأيسر ، ثمّ جعل يعطيه الناس)(٤٣٨) .
٢ ـ عن أنس بن مالك : (لما رمى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الجمرة ونحر نسكه وحلق ، ناول الحلاق شقه الأيمن فحلقه. ثم دعا أبا طلحة الأنصاري فأعطاه إياه ، ثم ناوله الشق الأيسر ، فقال : إحلق فحلقه فأعطاه أبا طلحة فقال : اقسمه بين الناس)(٤٣٩) .
__________________
(٤٣٨) ـ القشيري ، مسلم ابن الحجاج : صحيح مسلم ، ج ٣ / ٩٤٧.
(٤٣٩) ـ نفس المصدر.
٣ ـ (لما نحر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الهدي ، دعا الحلاق وحضر المسلمون يطلبون من شعر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فأعطى الحلاق شق رأسه الأيمن. ثم أعطاه أبا طلحة الأنصاري ، وكَلّمه خالد بن الوليد في ناصيته حين حلق فدفعها إليه ، فكان يجعلها في مقدمة قلنسوته ، فلا يلقى جمعاً إلا فضه)(٤٤٠) .
وبعد هذا ، هل يحتمل مسلم مؤمن بالله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم ، أنّ التبرك غير صحيح وخلاف الأحكام الشرعية ، بعد أن حث عليه النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم ، كما ذكرنا في الروايات؟!
كلا إنّ في التبرك حقيقة التوحيد وخالص الإيمان ؛ إذ أنّ المسلمين يعتقدون بأنّ الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم ؛ هو خيرته من خلقه ، والمقرب عنده والمطاع في ملكوته ، وهو عبده ورسوله ، ومبارك من عنده وبإرادته. ومن أراد التوسع ؛ فليراجع الكتب المتخصصة في هذا المجال ، كوفاء الوفاء للسمهودي ، وتبرك الصحابة لمحمد طاهر الكردي ، والتبرك للعلامة الحجة الشيخ علي الأحمدي.
الثالث ـ سِيرَة المسلمين :
قال العلامة محمد طاهر بن عبد القادر : «ولا شك أنّ آثار رسول الله صلى الله عليه وآله ، صفوة خلق الله وأفضل النبيين ، أثبت وجوداً ، وأشهر ذكراً ، وأظهر بركة ، فهي أولى بذلك ـ يعني التبرك ـ وأحرى ، وقد شهدها الجم الغفير من أصحابه ، واجمعوا على التبرك بها ، والاهتمام بجمعها ، وهم الهداة المهديون ، والقدوة الصالحون فتبركوا بشعراته وبفضل وضوئه ، وبعرقه ، وبثيابه وآنيته ، وبمس جسده الشريف بغير ذلك ، مما عرف من آثاره الشريفة التي صحت به الأخبار. فلا جرم إن كان التبرك بها سنة الصحابة رضي الله
__________________
(٤٤٠) ـ الواقدي ، محمد بن عمر : المغازي ، ج ٣ / ١١٠٨ ـ ١١٠٩.
عنهم واقتفى آثارهم في ذلك من نهج نهجهم من التابعين والصالحين. وقد وقع التبرك ببعض آثاره صلى الله عليه وآله وسلم في عهده وأقره ولم ينكر عليه ، فدلّ ذلك دلالة قاطعة على مشروعيته ، ولو لم يكن مشروعاً لنهى عنه وحذّر منه. وكما تدل الأخبار الصحيحة ، وإجماع الصحابة على مشروعيته تدل على قوة إيمان الصحابة وشدة محبتهم ومولاتهم ومتابعتهم للرسول الأعظم صلى الله عليه وآله على حد قول الشاعر :
أمر على الدِّيار ديار ليلى |
أقبّل ذا الجدار وذا الجدار |
|
وما حب الديار شغفن قلبي |
ولكن حب من سكن الديار(٤٤١) |
وقال العلامة المحقق الشيخ علي الأحمدي (ره) : «التأمل التام في عمل الصحابة رضي الله عنهم ، يمثل لنا عقيدتهم في النبي صلى الله عليه وآله وفي آثاره ، كما أنّ كتب التاريخ والسيرة والحديث تمثل لنا كيف كانوا يعاشرون الرسول صلى الله عليه وآله ، ويقدسونه ويتبركون به في كل شؤونه ؛ إذ من المسلم المقطوع به من أفعال الصحابة الكاشفة عن عقيدتهم في الرسول ، أنّ كل مولود يولد لهم ـ منذ قدومه صلى الله عليه وآله المدينة الطيبة ـ كانوا يأتون به إليه فيحنكه ويمسح رأسه ويتفل في فيه ويباركه يرون أنّه بذلك قد أصبح مباركاً ، وكانوا يتباهون بذلك ويفتخرون به هذا عمل الصحابة ، وأما رسول الله صلى الله عليه وآله ؛ فكان يقرهم عليه ، ولا ينكر عليهم ذلك. ويعمل به فلو كان التبرك شركاً ؛ لما جرت عليه سيرة الصحابة الذين هم دعاة الدين ورعاته ، ولما اقرهم عليه الرسول العظيم صلى الله عليه وآله ، وبعد هذا
__________________
(٤٤١) ـ عبد القادر ، الشيخ محمد طاهر : تبرك الصحابة / ٥.
فلا يبقى ريب لأي متدبر منصف في ذلك ، بل يدرك المتأمل أنّ ذلك كان من شؤون الإيمان وعلائمه ، ومظاهر اليقين ومناهجه»(٤٤٢) .
نعم هذه سيرة المسلمين جرت على ذلك ، بل يقدسون ويتبركون بكل شيء له صلة بالدين والعقيدة ، كالعلماء والصلحاء ، ومن الشواهد على ذلك ما يلي :
١ ـ الشيخ الإمام السبكي ، وضع حر وجهه على باسط دار الحديث التي مستها قدم النواوي ؛ لينال بركة قدمه ، وينوّه بمزيد عظمته كما أشار إلى ذلك بقوله :
وفي دار الحديث لطيف معنى |
على بسط لها أصبو وآوي |
|
لعلِّي أن أنال بحرِّ وجهي |
مكاناً مَسّه قدم النواوي(٤٤٣) |
٢ ـ «وعاد الشيخ أبو إسحاق إلى بغداد في أقل من أربعة أشهر ، وناظر إمام الحرمين هناك ، فلما أراد الإنصراف من نيسابور ؛ خرج إمام الحرمين للوداع وأخذ بركابه حتى ركب أبو إسحاق ، فظهر له في خراسان منزلة عظيمة. وكانوا يأخذون التراب الذي وطئته بغلته فيتبركون به»(٤٤٤) .
٣ ـ «ولما مات ابن تيمية ؛ كان تشييه حافلاً حتى ضاقت الطريق لجنازته ، وانتهى إليها الناس من كل فج عميق ، واشتد الزحام ، وألقوا على نعشه مناديلهم وعمائمهم للتبرك وكسرت أعواد سريره ؛ لكثرة تعلق الناس به ، وشربوا ماء غسله للتيمن به ، لما اشرب في قلوبهم من حبه ، واشتروا
__________________
(٤٤٢) ـ الأحمدي ، الشيخ علي : التبرك / ١٣ ، ١٨.
(٤٤٣) ـ الفاكهي ، الشيخ عبد القادر : حسن التوسل (المطبوع بهامش كتاب) ـ الإتحاف يحب الأشراف / ٦٠.
(٤٤٤) ـ ابن خلطان ، أحمد بن محمد بن أبي بكر : وفيات الأعيان ، ج ٢ / ١٢٢.
ما زاد من سدره فقسموه بينهم. ويقال : أنّ الخيط الذي كان عليه الزيبق وعُلِّق على جسده لدفع القمل ، اشتروه بمأة وخمسين درهم»(٤٤٥) .
مما تقدم إتضح لنا ، أنّ العادة المألوفة بين المسلمين ، هي التبرك برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وآثاره في زمانه ، ولم يكن إستنكار منه صلى الله عليه وآله وسلم على ذلك ، ثم تطور ذلك إلى التقديس والتبرك والإستشفاء بتربة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وتربة الحرم والشهداء ، حتى بتربة صهيب الرومي ، وكانت معروفة عند المسلمين في صدر الإسلام. بل تطور الأمر إلى التبرك بموضع أقدام الرجال ، من وضع حَرّ الوجه وتمريغ الجبين على تراب وطئته ، طلباً لليمن والبركة ، إذن فلا غرابة في تقديس الشيعة لتربة الحسين عليه السلام ، التي هي أطيب وأزكى وأطهر تربة ، لما حوته من أجساد أبناء الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، الذين هم روحه ونفسه ، وبضعة منه ، ولحمه ودمه ، أيشك في ذلك أحد؟!.
دواعي التبرك والتقديس :
مما سبق يتضح لنا أنّ هناك دواعي للتبرك والتقديس ، نذكر منها ما يلي :
١ ـ إهتمام الباري عَزّ وجَلّ بهذه التربة الطاهرة ، حيث أرسل رسلاً من الملائكة فجاءوا إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقبضة منها ، فمن أجل ذلك يحترمها ويأخذها الشيعي ، للتبرك والإستشفاء بها ، والسجود عليها.
٢ ـ إنّ هذه التربة الشريفة ، التي أهداها الجليل عَزّ وجَلّ إلى نبيه الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم ، هدية غالية ، لجديرة بأن تُحترم وتُكَرّم إتباعاً لسنة الله تعالى.
٣ ـ إنّ الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم ، لما تسلمها من جبريل عليه السلام ، قبّلها وأعطاها لأم سلمة (رض) ـ كما ورد في الروايات ـ فالشيعة يقبلونها عملاً بسنة
__________________
(٤٤٥) ـ ابن كثير ، عماد الدين إسماعيل بن عمر : البداية والنهاية ، ج ١٤ / ١٣٦ ـ ١٣٨.
الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، كما أنهم يحفظونها ، تأسياً برسول صلى الله عليه وآله وسلم حيث جعلها في قارورة وأعطاها أم سلمة. كما أنّ الإمام الصادق عليه السلام كان يضعها في خريطة ديباج صفراء ، لا يفتحها إلا وقت الصلاة للسجود عليها.
٤ ـ إنّ الشيعة يشمونها كما شَمّها الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم ، كأغلى العطور والرياحين العطرة ؛ لأنّ شَمّ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لها قبل أن يهراق دم الحسين عليه السلام ، إنما هو لعطور معنوية ، وعلاقات ربانية ، وعناية إلهية بالنسبة إليها.
ويقبلونها ؛ لأنّه صلى الله عليه وآله وسلم قَبّلها ، ويسكبون عليها الدموع كما سكب دمعه ، إقتفاء لأثره ، وإتباعاً لسننه كما قال تعالى :( لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ) [الأحزاب / ٢١].
٥ ـ ورد عن أهل بيت العصمة والطهارة عليهم السلام من الإهتمام بهذه التربة الطاهرة ، والتبرك بها في تحنيك الأطفال ، وتقبيلها ، ووضعها على العين ، وإمرارها على سائر الجسد ، والإستشفاء والتداوي بها(٤٤٦) .
٥ ـ خصائص التربة الحسينية :
المستفاد من الروايات المتقدمة ، أنّ لهذه التربة الشريفة عدة خصائص ، نذكر منها ما يلي :
١ ـ أنّها مقدّسة مباركة يجعلها الله أفضل أرض في الجنة ، وأفضل منزل ومسكن يسكن فيها أولياءه.
٢ ـ أنّ الله خلقها قبل أن يخلق الكعبة بأربعة وعشرين ألف عام ، وقدّسها وبارك عليها.
__________________
(٤٤٦) ـ استفدت ذلك من العلامة الحجة الشيخ علي الأحمدي ، في كتابه «السجود على الأرض» ـ المؤلف.
٣ ـ عَبّرت عنها الروايات بترعة من ترع الجنة ، وروضة من رياض الجنة ، وأنّها من بطحاء الجنة.
٤ ـ في رواية الإمام زين العابدين عليه السلام : (أنّه إذا زلزلت الأرض زلزالها وسيّرها ؛ رفعت كربلاء كما هي بتربتها النورانية صافية ، فجعلت في أفضل روضة من رياض الجنة ، وأنها لتزهر بين رياض الجنة ، كما يزهر الكوكب الدري ، يغشى أبصارها أهل الجنة ...).
٥ ـ إنّها حرم الله ؛ لما تضمنته من جسد سيد الشهداء وأهل بيته عليهم السلام ، وأنّ التربة المحيطة بقبر الحسين عليه السلام متفاوتة الفضيلة ، من عشرين ذراعاً إلى خمسة فراسخ ، وقد إختارها الله تعالى لمدفنه يوم دحى الأرض.
٦ ـ إنّ هذه التربة قد حملها كل ملك زار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأهداها إليه. ففي الرواية : (أنّ كل ملك أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان معه شيء من تربة كربلاء ، وكل نبي زار كربلاء ، فقد قبض منها وشمها ومسّ جلده ترابها ؛ فهي مقام كل الأنبياء إلى يوم القيامة)(٤٤٧) .
٧ ـ قد دفن فيها قبل الحسين عليه السلام مائتا نبي ، ومائتا وصي ، ومائتا سبط كلهم شهداء ، كما في بعض الروايات(٤٤٨) .
٨ ـ زيارة الأنبياء والأوصياء لمكان إستشهاده في كربلاء قبل أن يقتل ، ومن لم يزرها فقد أسري به إليه ، كما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : (اسري به في هذا الوقت إلى موضع من العراق يقال له كربلاء ، فأديت فيه مصرع الحسين ابني وجماعة من ولدي وأهل بيتي ، فلم أزل ألقط دماءهم فها هي في يدي ،
__________________
(٤٤٧) ـ المصدر السابق ، ج ٩٨ / ١١٦.
(٤٤٨) ـ المفيد ، الشيخ محمد بن محمد النعمان : الإرشاد ، ج ٢ / ١٣٠.
وبسطها إليّ فقال : خذيها واحتفظي بها ، فأخذتها فإذا هي شبة تراب أحمر ، فوضعته في قارورة وسددت رأسها)(٤٤٩) .
٩ ـ أنّ الحور العين تستهدي التربة الشريفة من الملائكة النازلين إلى الأرض للتبرك بها.
١٠ ـ إنّ الدفن فيها موجب لدفع العذاب ، والدخول في الجنة بغير حساب.
١١ ـ إنّ السجود عليها يخرق الحجب السبع.
١٢ ـ إنّ الله تعالى جعلها شفاء من كل داء.
١٣ ـ إنّ التسبيح والإستغفار بالسبحة المصنوعة منها ، موجب لمضاعفة الثواب ، وإنّ إدارتها من دون تسبيح يوجب ثواب التسبيح.
١٤ ـ إنّها حرز وأمان من المخاوف إذا حملها الإنسان بهذه النية.
١٥ ـ ورد في الحديث : (حنكوا أولادكم بتربة قبر الحسين عليه السلام فإنّها أمان).
١٦ ـ إنّ وضعها في المتاع موجب للبركة ، كما في بعض الروايات(٤٥٠) .
١٧ ـ إنّ هذه التربة قد إنقلبت دماً أينما كانت منذ انصباب دم الحسين عليه السلام ، بل تتحول في اليوم العاشر من المحرم في كل سنة.
١٨ ـ إنّ شَمّها موجب لإراقة الدموع ، وقد تحقق ذلك قبل مدفنه أيضاً بالنسبة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وأمير المؤمنين عليه السلام ، وعبروا عنها بريح كرب وبلاء.
١٩ ـ إنّها طيبة الرائحة تفوح كالمسك ، كما ورد في الروايات السابقة ، كما تفوح من قبره رائحة التفاح المهدى له من الجنة ، يجدها المخلص من شيعته ومواليه ، خصوصاً وقت السحر ، كما ورد في بعض الروايات(٤٥١) .
__________________
(٤٤٩) ـ المجلسي ، الشيخ محمد باقر : بحار الأنوار ، ج ٤٤ / ٢٣٦.
(٤٥٠) ـ نفس المصدر ، ج ٩٨ / ١٢٤.
(٤٥١) ـ نفس المصدر ، ج ٤٣ / ٢٩٠.
٢٠ ـ ورد إستحباب خلط الحنوط بتربتها الشريفة.
٢١ ـ ورد في الروايات أنّ لونها حمراء أو بيضاء.
٢٢ ـ إنّها من الأماكن التي يحب الله أن يعبد فيها ، كما جاء في حديث الإمام الهادي عليه السلام.
٢٣ ـ إستجابة الدعاء تحت قبة سيد الشهداء عليه السلام ، وهي من الأمور التي عَوّضه الله بها عن قتله.
٢٤ ـ يستحب وضعها مع الميت ، أمام وجه في القبر لرفع عذاب القبر.
هذه بعض خصائص التربة الحسينية ، وقد ذكر قسماً منها المحقق الشيخ جعفر التستري (قده) في كتابه القيم (الخصائص الحسينية).
٦ ـ المجاورة في كربلاء والأماكن المقدسة
تمهيد
١ ـ تعريف المجاورة
٢ ـ أقسام المجاورة
٣ ـ آداب المجاورة
٤ ـ أهداف المجاورة
تمهيد :
إقتضت الحكمة الإلهية ، أن تكون الأرض مجمعاً للخلائق ، ومحلاً لعبادته ؛ إذ فيها الأنبياء والأوصياء والملائكة ، فعلى هذا لها إرتباط بالقوى العلوية ، ومظاهر عالم الغيب ، وترتب على هذا ، أنّ لبعض البقاع مناسبة خاصة لجهة من جهات الغيب ، فكما أنّ ما بين القبر الشريف والمنبر روضة من رياض الجنة ، كذلك هناك بقاع بخلاف ذلك ، وبعد هذا يمكن تقسيم هذه البقاع إلى التالي :
أ ـ المؤتَفِكَات :
«قال البيضاوي : المؤتفكة : القرى التي إئتفكت بأهلها ؛ أي إنقلبت. وقال في النهاية ـ في حديث أنس ـ : البصرة إحدى المؤتفكات ؛ يعن أنّها غرقت مرتين فشبّه غرقها بانقلابها»(٤٥٢) . وبعد هذ التعريف ، تبين لنا أنّ هذه مواضع خسف ، وأنها من المواضع المغضوب عليها ، والتي ذكرها الفقهاء في الأماكن التي يكره الصلاة فيها ، وقد ذكرها السيد بحر العلوم (قده) في منظومته الفقهية :
وفي خصوص أربع مقررة |
وهن ضجنان ووادي الشقرة |
|
يتم في البيداء والصلاصل |
وقد يزداد خامس ببابل(٤٥٣) |
ويمكن إيضاح ما ذكره السيد بحر العلوم (قده) بما يلي :
__________________
(٤٥٢) ـ القمي ، الشيخ عباس : سفينة البحار ، ج ١ / ١٠٠.
(٤٥٣) ـ بحر العلوم ، السيد محمد مهدي : الدُرّة النجفية / ٩٨.
أولاً ـ في الروايات :
نَصّت بعض الروايات على كراهة الصلاة في هذه الأماكن ، نذكر منها التالي :
١ ـ عن معاوية بن عَمّار ، عن أبي عبد الله عليه السلام أنّه قال : (الصلاة تكره في ثلاثة مواضع من الطريق : البيداء ـ وهي ذات الجيش ـ ، وذاب الصلاصل ، وضجناان)(٤٥٤) .
٢ ـ محمد بن علي بن الحسين قال : (وروي أنّه لا يُصلّي في البيداء ، ولا ذات الصلاصل ، ولا وادي الشقرة ، ولا وادي ضجنان)(٤٥٥) .
ثانياً ـ التعريف بهذه الأماكن :
١ ـ ضَجْنَان :
ذكر الباحثون في تعريفها ما يلي :
أ ـ «قيل : جبيل على بريد من مكة ، وهناك الغَمِيم في أسفله مسجد صلّى فيه رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلّم ، وله ذكر في المغازي ، وقال الواقدي : بين ضَجْنَان ومكة خمسة وعشرون ميلاً ، وهي لأسلم وهذيل وغاضرة.
وقال أبو عبيد البكري : بفتح أوله وإسكان ثانيه على وزن فعلان : جبل بناحية مكة على طريق المدينة. قال ابن عباس : بعث رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم ، أبا بكر بسورة براءة ، فلما بلغ أبو بكر ضجنان ، سمع بغام ناقة علي ثم يقول البكري : ويدلك أنّ بين ضجنان وقُدَيد ليلة ، قول مَعْبد
__________________
(٤٥٤) ـ الحر العاملي ، الشيخ محمد حسن : وسائل الشيعة ، ج ٥ / ١٥٥ (باب ٢٣ من أبواب مكان المصلى ـ حديث ٢).
(٤٥٥) ـ نفس المصدر / ١٥٦ (باب ٢٣ من أبواب مكان المصلي ـ حديث ٥).