تربة الحسين عليه السلام الجزء ٣

تربة الحسين عليه السلام10%

تربة الحسين عليه السلام مؤلف:
الناشر: دار المحجّة البيضاء
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 554

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 554 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 41276 / تحميل: 4268
الحجم الحجم الحجم
تربة الحسين عليه السلام

تربة الحسين عليه السلام الجزء ٣

مؤلف:
الناشر: دار المحجّة البيضاء
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

السباق في الاسلام

الدكتور ، وهو يلتفت نحو الشيخ ، قال : تذكر انك قلت بأن الاسلام دين جامع ، وان قوانينه شملت حتىٰ السباق ، هل كلامك ذلك حقيقة أم مزحة ؟

الشيخ : لم يكن ذلك مزحة ، ففي الفقه الاسلامي ، هناك كتاب بعنوان السبق والرماية ، يتحدّث في مجموعة من قوانين السباق ، حتىٰ انه اقرّ جوائز للفائزين.

والسباقات في الاسلام مع انها اعمال رياضية وترويحية تماماً ، فهي توجد روح الشجاعة والشهامة عند الاشخاص ، فالسباق في الاسلام هو اسلوب صحيح واساسي لتربية جندي شجاع ومقاتل.

والسباقات في الاسلام هادفة ، وليست مجرد احتراف ، فسباق الرماية والفروسية في الاسلام ، هما سباقان حقيقيان ، لكنهما في الوقت نفسه ، يربيان رجالاً شجعان وشباباً مقاتلين وسباقاتهما ليست كما في سباقات عالم اليوم.

فصاح الرفاق جميعاً : أيُّها العم ! هنا لم تكن منصفاً ، لان عالم اليوم جدير بالاحترام والتقدير من حيث الرياضات المفيدة والسباقات الصحيحة التي نراها فيه !

الشيخ : ما يدعوني للأسف كثيراً ، هو أن ارىٰ العديد من المثقفين

٤١

والمتعلمين ايضاً ، لا يستطيعون معرفة حقيقة الظواهر الاستعمارية المعاصرة من خلف اقنعتها التي تتستر بها ، ومواجهة الحقيقة كما هي بعيداً عن الضجيج الاعلامي الخادع الذي يحيط بها.

وللأسف ، نشاهد في عالمنا المعاصر ، هذه الحقيقة المرّة وهي ان الألعاب الرياضية والسباقات اصحبت وسائل واوراق ضغط بيد القوىٰ الاستعمارية ، فتشغل الشباب المستعد عن الالتفات الىٰ اصل القضايا والمسائل المهمة في الحياة ، فضلاً عن الأموال الباهضة التي تصرفها الدول في هذه المجالات لتربية ابطال ومحترفين ، في حين ان شعوبهم يعانون من الفقر والمشاكل الاقتصادية الاخرىٰ.

وان جميع ما ذكرناه يرجع الىٰ طرف واحد من العملة ، أي الالعاب التي يمكن ان تسمىٰ صحيحة ، اما الوجه الآخر لهذه العملة ، فلا يكن تسميتها الّا « أعمال وحشية وخيانة » مثل : الملاكمة والمصارعة و ، تشاهدون في التلفاز وتقرأون في الصحف ، انهم يدعون اثنين من الشباب الاقوياء ، والاصحاء باسم سباق الملاكمة ، فيبدأون بتوجيه ضربات ولكمات الىٰ جسدي بعضهما امام أعين آلاف المشاهدين مباشرة وملايين آخرين من خلال التلفاز ، وبعد عدة ادوار من الدماء والآلام ، يعلن احدهما فائزاً علىٰ الآخر ، وتقدم له جوائز تقدّر بملايين الدولارات ، لكي يرغب وبحث من جديد علىٰ علىٰ جريمة اخرىٰ. فهل شاهدتم ، حتىٰ في العصر الحجري ( سوىٰ في تاريخ العبيد الذين يقاتلون حتىٰ الموت ) ان يصفق للمجرم ، ويرغَّب علىٰ جريمة اُخرىٰ بالجوائز التي تعطىٰ له علىٰ جريمته الاُولىٰ ؟!

٤٢

فهل يمكن تسمية ذلك غير الجريمة ؟! وهل هذه وسائر الأعمال الوحشية الاُخرى ، مثل المصارعة ، نماذج للسباقات المفيدة والصحيحة !! الموجودة في عالمنا ، في حين ان الناس لا يسمحون لانفسهم النظر في حقيقتها الاستعمارية ، لأنها جاءت الينا باسم الحضارة والعصر الذهبي وعصر الذرّة !

حسن ، طالب الطب : صحيح ما تقوله ياعمّ ، هناك من السباقات والالعاب الرياضية اليوم ، كما وصفتها لكننا وللأمانة لا يمكننا انكار الالعاب المفيدة والصحية التي تمارس اليوم ، وهي مفيدة جداً لسلامة الجسم وقوة الاشخاص.

الشيخ : اساساً ، هذه الالعاب الصحيحة التي ذكرتها ، ليست جذابة ، والحقيقة هي ان الرياضات الحديثة المفيدة أيضاً لم تستطع ان تلعب دوراً مؤثراً في تقوية الشباب ، في حين ان مجموعة الالعاب الشعبية التي كان الناس يمارسونها بالامس اكثر تأثيراً في تقوية العضلات وتربية شباب اصحاء.

هنا ، نورد كلاماً من العالم الفرنسي الدكتور الكسيس كارل ، يقول الدكتور كارل في احدىٰ كتاباته :

( هناك اختلاف في الالعاب الحديثة رغم تنوعها مع الالعاب القديمة ولابدّ من الاشارة الىٰ ان طول اعمار الرياضيين والانسان الحديث لا يزيد علىٰ اعمار الناس السابقين ، ولربما كانت اقصر منها ، كما ان قدرتهم في مواجهة الصعوبات ليست اكبر من الماضيين ، ولربما يمكننا القول ان الاشخاص الذين يستفيدون اليوم من تجارب الماضين في تقوية عضلاتهم واجسامهم اكثر

٤٣

نجاحاً من غيرهم واقوىٰ في مواجهة الاعمال الشاقة وتغيرات الطقس ، في حين ان رياضيينا المعاصرين ومع مراعاتهم للاُمور الطبية في النوم والأكل والتمرين اليومي الّا ان اعصابهم تضعف يوماً بعد يوم ويصبحون حساسين اكثر فلا يطيقون الاضطرابات العادية ولا الصعوبات التي تواجههم في العمل ، وبهذا كأنما فوز ونجاح التربية الحديثة أيضاً ليس كبيراً كما يرىٰ في الوهلة الاُولىٰ )(1) .

هذا اعتراف احد كبار علماء اوروبا فيما يخص الالعاب الصحيحة والتمارين المفيدة في عالمنا المعاصر ، في حين ان اعمالهم الوحشية الاخرىٰ ، مثل : المصارعة أو الملاكمة وما شابهها ، لها حسابها الخاص.

اصدقائي الاعزاء !

نعود الىٰ موضوعنا السابق ، الىٰ ما قبل الف والربعمائة عام ، أي الىٰ ذلك العالم المظلم الذي لم يصله بصيص من العلم والمعرفة ، ففي تلك البيئة المتخلفة ، يظهر فرد اُمي يقدم للبشرية قوانيناً واحكاماً في جميع مجالات حياتها في السباق والرياضة ، أليس ذلك غريباً وأليست هذه معجزة ؟!

أليس من الحق ، ان يخضع له ويستسلم امامه العديد من كبار علماء العالم ، لكونه انساناً فذاً ورجلاً لم ترَ البشرية مثله علىٰ مرِّ تاريخها ؟!

________________

(1) الانسان ذلك المجهول.

٤٤

ارض الجزيرة العربية

الدكتور : الحقيقة ان مثل هذا الرجل فذّ لا نظير له ، بشهادة التاريخ وجميع أدوار العالم ، حتىٰ في الدول المتطورة والبلدان التي كانت مهد العلم والمعرفة ، فضلاً عن أرض الحجاز القاحلة.

الشيخ : أجل ، ذلك الحدث عجيب ، خاصة في بيئة مثل الجزيرة العربية ، لأن البيئة لها تأثير كبير في تربية الافكار ، وهذا الموضوع ، اي الكلام عن اوضاع الجزيرة العربية من الناحية الاجتماعية ، هو المبحث الثاني ، الذي وعدتكم بالحديث عنه.

سعادة الدكتور ، تعلمون جيداً دور البيئة في تربية الافكار ونمو العقول وتأهيل اشخاص نوابغ ، فبعض المناطق تنمي خصال معينة في الانسان.

اما الجزيرة العربية ، فهي صحراء جرداء لاذعة ، جعلت شدّة الحرارة الحياة فيها صعبة للغاية ، وهي بيئة جهل وخرافة ، لا نجد في تاريخها الكثير من العلماء والنوابغ ، فنتاجها يعد من النماذج السلبية في عالم الانسانية ، كانوا يعدون من ابطال التوحش والبربرية ، ومن مثل تلك البيئة ظهر رسول الاسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله الذي اختار الله لهداية البشرية وارشادها.

أجل ، لقد عاش الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله في تلك البيئة ، بين اولئك الذين كان وأد البنات من اعمالهم العادية ـ وتعلمون أيُّها الدكتور ـ ان الذي يكبر في بيئة

٤٥

معينة ، لابدّ وان يصطبغ بلونها فلا يمكنه ان يتجاوز آداب الناس واخلاقياتهم.

يقول الدكتور الكسيس كارل في هذا الصدد :

( قوة وضعف الظواهر النفسية في كل شخص تحدده بيئته النفسية ، فاذا كانت البيئة فقيرة ، لا ينمو بها ذكاؤه وحسن اخلاقه ، وإذا كانت البيئة سيئة ، فستكون تصرفاته كذلك.

فنحن في بيئتنا الاجتماعية نمثل الخلايا في داخل جسم الانسان ، فلا تستطيع تلك الخلايا تجاوز الظروف المحيطة ، فأعضاء الانسان تستطيع حفظه امام الهجمات المادية اكثر مما يحافظ عليه الشعور امام المحيط النفسي ، لأن عناصر الهجوم المادي تواجه الجلد كجدار محافظ للجسد وتواجه ايضاً افرازات الغدد المترشحة داخلياً وخارجياً ، في حين ان الحدود الشعورية علىٰ العكس ، مفتوحة علىٰ الدوام ، والروح الانسانية معرضة باستمرار لهجوم انواع العوامل الفكرية والروحية والاجتماعية التي تأتي من البيئة ، فتتكون شخصية علىٰ اساس طبيعتها ، اما صحيحة وسليمة أو مريضة وغير مستوية )(1) .

ويقول ايضاً في بحث آخر :

( بلا أدنىٰ شك يتأثر الفرد بالاشخاص الذين يعيش معهم فإذا كان معاشراً المجرمين والجهلة منذ الصغر ، فإنه سيكون ايضاً في المستقبل مجرماً أو جاهلاً ).

وعلىٰ اساس حساباتنا الطبيعية والعلمية ، فرجل مثل رسول الاسلام

________________

(1) المصدر نفسه.

٤٦

عاش اربعين سنة بين هؤلاء القوم المجرمين والمعطشين للدماء ، القوم الذين كان الشراب والقماء والنهب والقتل من اعمالهم اليومية ، لا بد ان يكون علىٰ شاكلتهم.

لكن العجيب ان رسول الاسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله ، لم تتلوث شخصيته رغم تلك الفترة الطويلة التي عاشها مع اولئك الناس ، وفضلاً عن انه لم يَنَلْهُ الانحراف ، فقد كان بينهم وفي جميع تلك البيئة المتخلفة والخائنة وعند جميع القبائل العربية ، معروفاً بالامين ، والجميع يؤمنون بطهارته وأمانته وتعففه.

٤٧

قوانين الاسلام خالدة لا تبلىٰ

الدكتور : الىٰ هنا كلامك قويم وغير قابل للأنكار ، لكننا نقول ان قوانين الاسلام مع كونها سماوية واصيلة واستطاعت ان تقود الانسان نحو السعادة علىٰ مدىٰ قرون ، لكنها بالنهاية تعود الىٰ اربع عشر قرناً ماضية ، والقانون الذي يمضي عليه الف واربعمائة سنة لا يمكنه هداية عالم اليوم ، وضمان سعادته ، فهو وكما يصطلح قديم.

الشيخ : اعجب لهذا الكلام منكم اصدقائي ! فهل مجرد مضي عدة قرون علىٰ قانون يجعله قديماً وغير قابل للتطبيق ؟! ومن اجل تبيين هذه الحقيقة وهي انه ليست كل القوانين تفقد قيمتها بعد مضي فترة علىٰ تشريعها ، من الضروري الالتفات الىٰ نقطة عامة.

ما هو القانون الذي يصبح قديماً بمرور الزمن ، واي قانون يحافظ علىٰ قيمته حتى إذا مضىٰ علىٰ تشريعه آلاف السنين ؟

الرفاق جميعهم : نشكرك كثيراً لو بينت لنا ذلك.

وفي تلك اللحظة ، يُفتح باب الغرفة ، ويدخل عامل مطعم القطار ، وهو يحمل بيديه طبق الشاي ، فينادي بصوته المزعج : شاي شاي ثم التفت الىٰ شيخ واصدقاءه ، وقال : أيُّها السادة شاي جديد وحار.

قال الدكتور : لا نريد شاياً ، ولكن هل شايك جديد ـ حقيقةً ـ ، أم انه

٤٨

كشاي بعض المقاهي التي علىٰ طريق مدينة مشهد ، ففي احدىٰ السفرات الىٰ مشهد ، توقفت السيارة عند احدىٰ تلك المقاهي للغداء ، فنزل المسافرون جميعاً ، أنا أيضاً نزلت مع صديقي وجلسنا داخل المقهىٰ ، فجاءنا صاحب المقهىٰ بالشاي ، وقال : شاي جيد ، عملته قبل دقائق.

وضع الشاي علىٰ المنضدة وذهب ، قلت لصديقي ، لون الشاي يوحي بأنه بقي علىٰ النار أربع وعشرين ساعة ! فقال صديقي : تعال سأكتشف لك الحقيقة ، ذهبنا الىٰ صاحب المقهىٰ معاً ، فتقدم إليه صديقي وقال له بصوت منخفض ، أنا مريض وقد أوصاني الطبيب ان الشاي الذي اشربه لا بدّ وان يكون قد مضىٰ عليه ثلاثة أيام ، أرجو ان تستبدل لنا الشاي الذي جلبته ، وتأتينا بشاي قديم ، فما ان سمع صاحب المقهىٰ كلام صاحبنا حتىٰ أشار بيده نحو القبلة وقال : وربُّ الكعبة هذا الشاي جميعه ، شاي الاسبوع الماضي ! وهنا ضحك الحاضرون بشدة.

عامل مطعم القطار ايضاً أخذ يضحك لكلام الدكتور ، وهو خارج من الغرفة ، فسدوا باب الغرفة وبدأ الشيخ يكمل حديثه.

فقال : تلك القاعدة العامة التي اردت الاشارة اليها ، هي : في بعض الأحيان يكون القانون مقطعياً ولفترة معينة من التاريخ ، مثل اغلب القوانين التي تشرعها مختلف دول العالم في الماضي والحاضر لأنظمتها الاجتماعية ( طبقاً في تلك الدول التي يهتم فيها المشرعون بمصالحهم القومية ، لا مصالح اسيادهم في الداخل والخارج !!! ) وهذا النوع من القوانين ، يفقد قدرته وقيمته التنفيذية في مراحل وفترات اخرىٰ ، لأنه يتبع ظروفاً خاصة وحاجة مرحلة تاريخية

٤٩

معينة ، لذلك ، نشاهد جهازاً تشريعياً مستقلاً لكل دولة في الماضي والحاضر ، لكي يضع مشرعوا تلك الدولة قوانينهم بشكل يتناسب مع ثقافة الشعب وروحه ومع الأخذ ايضاً بالظروف التاريخية ومتطلبات البلد. واغلب هذه القوانين ليست غير مفيدة فقط في بلد آخر ، بل ستفقد قيمتها في نفس البلد بسبب تغيّر الظروف والمتطلبات. وهذه القوانين كالوصفات المؤقتة التي يقدمها الطبيب لمريضه مع الأخذ بحالته الخاصة ، وطبيعي ان تتغير كما تتغير وصفات الطبيب بعد فترة من استخدام المريض للوصفات السابقة.

ولكن هناك نوع من القوانين في العالم ، تكون في عداد قوانين العالم الطبيعية ومن جملة سنن الخلق ، وهذا النوع من القوانين باقية ، ما بقي الدهر.

مثل قانون الجاذبية وتركيب الماء من جزئيتين من الهيدروجين وجزئية من الاوكسيجين ، وملايين القوانين والقواعد العلمية الاخرىٰ في العالم ، فهل يحق لنا القول ان مرور الزمن سيجعل هذه القوانين بالية واذن لابدّ من تغييرها ؟! بالتأكيد لا ، لأن في هذا النوع من القوانين ، ليست هناك حدود للزمان ولا للمكان.

الدكتور : المثال الذي ذكرته صحيح. لان القوانين الطبيعية غير قابلة للتغير ، لكن ما علاقة ذلك بالقوانين الاسلامية ؟

الشيخ : لا تستعجلوا ! لو سمحتم لي ، سأوضح تلك العلاقة.

الدكتور : ارجو المعذرة ، لقد تسرعت بعض الشيء ، فهذه الحياة الآليّة التي نعيشها افقدتنا القابلية علىٰ الصبر.

٥٠

الشيخ : جميع قوانين الاسلام « العامة » و « الاصولية » هي من نوع القوانين الطبيعية ، ولها قيمة قانونية لجميع الناس وفي جميع مراحل التاريخ ، فلم تكن قوانين الاسلام العامة والاصولية خاصة بأهل ذلك العصر ومجتمع الجزيرة العربية فقط ، حتىٰ يقال انها اصبحت قديمة بعد مرور اربعة عشر قرناً عليها وانها فقدت قيمتها في التطبيق ، أو بعبارة اوضح اصبحت « قديمة ».

بل ان اصول الاسلام جميعها طبيعية تماماً وهي جزء من الفطرة الانسانية السليمة ، ومطابقة لناموس الخليقة ، لقد عرّف رسول الاسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله ، الكذاب بأنه عدو رب العالمين ، واعتبر الكذب نوع من الخيانة ، فهل يمكن القول : ان الكذب خيانة ولكن للذين عاشوا قبل اربعة عشر قرناً.

أما اليوم وفي عصر التطور والتعالي البشري ، دنيا الكهرباء والبخار ، ليس هناك كذب أو خيانة ، وان ذلك كلام قديم ؟!

ينقل رسول الاسلام عن لسان الوحي الالهي :

( لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ ) (1) .

وان علىٰ الناس احترام حقوق بعضهم البعض الآخر ، وان لا يسرقوا ولا يبخسوا الميزان وان لا يجمعوا المال بطرق غير مشروعة ، بل تكون بطرق مشروعة ، أي العمل الحلال(2) ، وان يصلوا الفقراء.

________________

(1) سورة البقرة : 188.

(2) ﴿وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَىٰ ﴾ سورة النجم : 40.

يرى البعض أن العمل يعني الانتاج الاقتصادي فقط ، في حين أن ذلك يعني أن الكثير من فئات المجتمع الذين يعملون في مجالات الثقافة أو الخدمات ـ مثلاً ـ عاطلون ، وهذا كلام غير دقيق ، لأن الخدمات والثقافة و أيضاً أعمال مشروعة.

٥١

أيُّها السادة المحترمون !

أليس من السفاهة القول ان السرقة والنهب والاعتداء علىٰ حقوق الآخرين ، تعتبر خيانة بالنسبة لعصر مضىٰ عليه الف واربعمائة سنة ، وانه بالنسبة لعصرنا الحاضر عصر الذرة ، لايعد خيانة ؟! فهل يمكن القول ان هذا القانون قديم وغير قابل للتطبيق لانه مضىٰ عليه أربعة عشر قرناً ؟!

واعتبر رسول الاسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله الاعتداء علىٰ نواميس الغير ذنباً ، وحذّر الناس من عمل هذا الذنب ، فهل يمكن القول ان هذا القانون اصبح قديماً بمرور الايام ، وان عالمنا لا يعترف بحدود اسمها الاسرة ! وان الاعتداء علىٰ نواميس الغير ليست خيانة ؟!

لقد اعتبر الاسلام السكوت امام الظلم ذنب ، وقال : عادوا الظالمين ودافعوا عن المظلومين ، ويصرح القرآن الكريم في هذا الصدد :

( إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ) (1) .

( وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ) (2) .

ويقول أيضاً :

( لَّا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَن ظُلِمَ ) (3) .

وفي مكان آخر يقول القرآن :

________________

(1) سورة البقرة : 190.

(2) سورة آل عمران : 57.

(3) سورة النساء : 148.

٥٢

( إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ ) (1)

أي الذين يقاتلون في سبيل المظلومين ومن اجل الحرية واستيفاء حقوقهم.

والآن يا اصدقائي ألا ترون من السفاهة إذا قلنا ان هذا الكلام يختص بعصر يعود الىٰ الف واربعمائة سنة ماضية ، وان هذا الكلام اكل الدهر عليه وشرب ؟! وهل يمكن حصر هذه المسائل بظروف ومراحل تاريخية معينة ؟!

والاسلام لا يميّز في تشريعه بين الاعراف والفئات والطبقات ، فليس هناك أبيض وأسود ، أو عرب وعجم ، أو حاكم ورعيّة ، أو عامل ورب العمل ، فالجميع لديه متساوون ولا يرىٰ لأحد منهم امتيازاً علىٰ الآخر ، فهل نستطيع القول ان مرور الزمان يغيّر ذلك « الأصل » وان علينا نفي وانكار « اصل المساواة بين البشر » أو « اصل الغاء جميع التمايزات » ؟!

فقد أكد الاسلام كثيراً علىٰ عيادة المرضىٰ ومراعاة حق الجار ، وبشكل عام مراعاة حقوق الجميع ورفع مشاكلهم ، فهل يمكن القول ان هذه القوانين لا يمكن تطبيقها اليوم لأنها تعود علىٰ اربعة عشر قرناً ماضية ؟!

أيُّها السادة المحترمون !

جميع القوانين العامة والاصولية في الاسلام هي من هذا النوع ، وجميعها جزء من فطرة الانسان طبقاً لنظام الخلقة ، وبالنتيجة هي فوق الظروف

________________

(1) سورة الصف : 4.

٥٣

التاريخية الخاصة ، ومع الأخذ بذلك ، فهل يوجد في العالم ايديولوجية افضل من الاسلام واكثر منه طبيعية ، حتىٰ نترك هذه القوانين ونتمسك بغيرها اكمل منها ؟! وهل يستطيع الزمان التأثير علىٰ طراوة وحيوية مثل هذه القوانين ؟!

أمّا كيف يمكن للاسلام الاجابة علىٰ متطلبات المجتمع رغم التطوّرات والتغيرات التي تحدث بشكل لا ارادي في مسيرة الانسان التكاملية ومختلف مراحل التاريخ البشري ، فهذا يحتاج الىٰ توضيح مختصر.

هناك قوانين في الاسلام مطروحة بشكل عام واصولي ، وهي التي تحدد الخطوط العامة لجميع قوانين المجتمع العامة وحركته ، مثل : « اصالة العمل » ونفي الاسلام « للعلاقة الاستعمارية » في مسألة الانتاج والتوزيع ، وطبيعي ان تكون هذه الاصول ( كما هو الحال في جميع الاصول والقوانين الكلية ) ثابتة وغير قابلة للتغيير ، سواء كان البشر في مرحلة الزراعة ، أو في مرحلة الصناعة ، فهذه القوانين ابدية ، ولا بدّ أن تشكل الاساس لجميع تلك القوانين التي يضعها المتخصصون في القضايا الاسلامية ( اي المجتهدون الواعون والعارفون بظروف المجتمع والعصر ) حسب متطلبات العصر ، وطبيعي فأن هذا الاصل ثابت لا يتغير.

أما المتغير فهو كيفية الانتاج والتوزيع التي تتناسب وكل زمان أو مكان ، لكن الانتاج والتوزيع يجب ان يكون في النهاية علىٰ اساس نفي الاستثمار واصالة العمل.

لقد نفىٰ الاسلام ولم يعترف بأية علاقة انسانية يكون فيها احد الاطراف

٥٤

متضرراً ، فقال : « لا ضرر ولا ضرار في الاسلام »(1) سواء كانت هذه العلاقة « الضررية » علىٰ مستوىٰ الاسرة أو في القضايا المالية أو في أية علاقة اخرىٰ ـ طبقاً لاشك ان هناك اختلاف بين متطلبات كل عصر وزمان ، لكن هذه المسؤولية تقع علىٰ عاتق المجتهد الواعي والمتخصص في المسائل الاسلامية ، والمطّلع علىٰ احوال العصر ، لكي يستنبط الخطوط العامة والمحورية فيما يتعلق « بالحوادث الواقعة » والمستجدات من المسائل من خلال الرجوع الىٰ تلك القوانين العامة والقواعد الاسلامية الثابتة ، وبذلك يمكنه الاجابة علىٰ التساؤلات المستجدة ، او بعبارة اخرىٰ « ارجاع الفروع الىٰ الاصول » ، ولا شك ان المتغير هنا هي هذه « الفروع » و « الحوادث الواقعة » أو مقتضيات الزمان ، لكن الاصول والمحاور تبقىٰ ثابتة دائماً.

فالاسلام ـ مثلاً ـ حرّم الكذب ، سواءً كان بالكلام مباشرة مع شخص ، او من خلال مكبر صوت. أو من خلال الكلام في المذياع والتلفاز ، فالذي تغير هنا هو كيفية الكلام وليس اصله ، فكان مرّة بشكل طبيعي واُخرىٰ بمكبر الصوت وثالثة من خلال البث الاذاعي والمرئي الذي يخاطب ملايين الناس ، ويبقىٰ الاصل الثابت في جميع الاحوال هو عدم جواز الكذب وحرمته.

ومن خلال الشرح والايضاح الذي قدمناه ، تبين بشكل جيد ان الثابت في الاسلام هو القوانين والاُصول العامة التي تعد محاور واسس جميع القوانين الاخرىٰ ، والمتغير هو متطلبات العصر والمستجدات من الظروف والحالات.

________________

(1) وسائل الشيعة : كتاب الارث ، الباب الأول ، الرواية 9.

٥٥

كما تبين لنا الدور الذي تلعبه عملية « الاجتهاد » واستنباط الحكم هنا ؟ وكيف بجب علىٰ المجتهد المطّلع علىٰ احوال الزمان ، تقديم اجوبة واقعية للتساؤلات المستجدة ومتطلّبات العصر مع الأخذ بالاُصول والعموميات الثابتة في الاسلام.

وهنا يتبين السرّ في حيوية الاسلام وطراوته الدائمة ، فلو لم يكن هناك « اجتهاد » بمعناه الصحيح والاسلامي ، لما استطاع البشر الاجابة علىٰ متطلباتهم الحديثة والمتسجدة بشكل صحيح.

الذين جلبوا العار لتاريخ المسلمين

الشيخ : اطمئنوا اذا لم يكن الاسلام طبيعياً وفطرياً ، لم يكن ليبقىٰ بعد الف واربعمائة سنة بهذه الصورة الحية والمتكاملة ، ولهضمته الأحداث كما تقضم الشاة نبتة الربيع.

اتعلمون ان سّر بقاء الدين الىٰ اليوم ، هي تلك النقطة التي اشرت اليها ؟

الدكتور : ارجوا ان تتكلّم أكثر بهذا الصدد !

الشيخ : ان بقاء اي نظام في العالم مرهون بعوامل مادية او معنوية ، لكن الاسلام فضلاً عن عدم امتلاكه العوامل المادية والمعنوية لبقاءه ، فأنه كانت هناك عوامل عديدة لسقوطه ، وهذه العوامل الاخيرة موجودة حالياً أيضاً ، لانه ، وبشهادة التاريخ ، تغيّرت مسيرة الدين بعد رحيل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والشخص

٥٦

الذي عينه الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله لخلافته وزعامة المسلمين بأمر من الباري عزّ وجلّ ( أي الامام عليعليه‌السلام ) لم يعطىٰ زمام الامور.

لقد قامت أيدي المنافقين منصب زعامة المسلمين الىٰ اعدائه الداخليين ، الذين شكلوا بدورهم عصابة خطرة ، وهؤلاء اغتصبوا مقام خلافة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله واحداً بعد الآخر وجعلوها ملكاً يدار بأيديهم يرثونه ، حتىٰ وصل الأمر إلىٰ بني اُمية وبني العباس.

ان الاعمال التي قام بها هؤلاء ( بني اُمية وبني العباس ) جعلت من عهديهما من اسوء مراحل التاريخ الاسلامي ، فقد تحولت الخلافة الىٰ سلطان ، واستبدلت الروحانية والزهد ، بمجالس اللهو والطرب والخمر. واستبدل قراء القرآن والمؤذنون ، بالجواري الجميلات والمغنون ، واصبحت مجالس اللهو و القمار وموائد الخمرة تقام في قصور خلفاء الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله الغاصبين ! وقد وصل الامر الىٰ حدّ ، نهي فيه الوليد من الافراط في شرب الخمرة من قبل ندماءه والمقرّبين منه ، لانه يخالف نصّ القرآن وليس لخليفة المسلمين ان يتصرف بهذا الشكل.

فقال الوليد : اريد ان اعرف عاقبة امري ، عليَّ بالقرآن استفئل به ، ففتح القرآن وبدت له الآية( وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ ) (1) ، فاشتاط غضباً برؤيتها ، ثم فتح القرآن ثانية فكانت الآية الشريفة( وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ ) (2) فلم يستطع أن يتمالك نفسه من شدة الغضب ، فأخذ قوساً ونبالاً وصار يرمي بها ________________

(1) سورة الشعراء : 227.

(2) سورة ابراهيم : 15.

٥٧

القرآن وهو ينشد أبياته المعروفة :

اتوعد كل جبارٍ عنيد

فها انا ذاك جبار عنيدُ

اذا لاقيت ربك يوم حشرٍ

فقل يا ربِّ مزقني الوليدُ

لقد وصل الامر للحد الذي وقف فيه عامل ( امير ) الكوفة في محراب المسجد ليأم الناس صلاة الصبح وهو ثمل ، فصلىٰ اربع ركعات ، وعندما اعترض الناس علىٰ ذلك ، أجابهم : هل ازيد.

وقد وصلت الفضيحة لدرجة اصبح الغلمان والمردة يحلّون مكان الجواري والنساء.

هذه الفتن التي تعرض لها الاسلام بعد رحيل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله استمرت حتىٰ أتىٰ هولاكو علىٰ خلافة بني العباس ، اما المعتصم آخر خلفاءهم فقد سحق بأمر من شيخ الاسلام العظيم الخواجة نصير الدين الطوسي.

وبعد ذلك لم تأتي حكومة مقتدرة تخفظ بلاد المسلمين الممتدة وتوحّدها. ولو تجاوزنا ذلك فالمساعي التي تبذلها العناصر المعارضة للأسلام ( اي الاستعمار ) والتي تعتبر المسيحية احدىٰ مظاهرها ، واسعة جداً وهدفها تدمير واسقاط النظام الاسلامي الصحيح. اما المبالغ التي تصرف لتشويه صورة الدين والاعلام المضاد له ، فلا احد يعلم بمقدارها إلّا الله ! فأكثر القساوسة و الآباء اليسوعيين وبالدعم الذي يتلقونه ، متشرون في الدول الاسلامية بهدف التبشير من جهة وتدمير الدين الاسلامي واسقاطه من جهة اخرىٰ.

٥٨

حديث من السيد جمال الدين

ومن اكبر هذه العوامل تأثيراً في سقوط الدين ، هو تصرف المسلمين ، وقوة هذا العامل تصل لحدّ ، ان بأمكانه تخريب شبكة تنظيمية واسعة بمفرده ، لأن العالم ينظر الىٰ الاسلام من خلال تصرفات المسلمين ، وللأسف الشديد ، فأن تصرفات المسلمين مهينة للحد الذي يخجل الانسان من ذكرها.

كم من القلوب الطاهرة استسلمت امام قوانين الاسلام النورانية دون اختيار ، واصبحت علىٰ شرف اعتناق الاسلام ، الّا انها انصرفت عن ذلك بمشاهدة تصرفات بعض المسلمين.

اتذكر ، ان احد العلماء المسيح صرّح رسمياً قبل فترة ، بأن المانع الوحيد امامه لقبول الاسلام هو اعمال وتصرفات المسلمين المهينة !

وعلىٰ حدّ قول السيد جمال الدين الافغاني

« اذا اردنا دعوة الغرب للأسلام ، علينا ان نثبت اولاً اننا لسنا مسلمون ، ومن ثم نبدأ الدعوة ».

أليس من المؤسف ان يصل الأمر بالمسلمين الىٰ هذا الحدّ ، وهم الذين كانوا في يوم من الأيام مثلاً للفضيلة والأنسانية ! كما أن البعض ـ وللأسف ـ من الذين لا يستطيعون التفريق بين « الاسلام » و « المسلمين » ، وان يدركوا هذه الحقيقة وهي ان الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله جاء بالاسلام من جانب الله وليس بالمسلمون ، لذلك فهم ينسبون الانحراف في تصرف المسلم الىٰ الدين ويحملون نظرة سيئة عن الاسلام.

٥٩

هذه وعشرات العوامل القوية الاخرىٰ جزء من الموانع التي تقف بوجه الدين.

اصدقائي الاعزاء !

اتصدقون انه مع الأخذ بالاسباب والعوامل التي ذكرناها هنا وبعض العوامل الاخرىٰ التي لم نذكرها ، كان لا بدّ أن لا يبقىٰ ذكر للأسلام في العالم ، لكن والحسن الحظ لم تجتذب قوانينه قلوب العالم فقط ، بل ان شعاع نوره ينتشر كل يوم اكثر واكثر ، للحد الذي يندر ان نجد مفكراً أو عالماً درس وبحث حول الاسلام ولم يستسلم امام عظمة النبي محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وينحني له تعظيماً.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

وهكذا نلاحظ كثيراً من الأدلة القرآنية التي تؤيد هذا الأمر. إذن ما ذهب إليه الإمامية صحيح ، لا يخالف القرآن كما إدعاه البعض.

وبعد هذا البيان والدراسة في بحث (الغيب) ، ندخل في دراسة القصة الغيبية.

ب ـ أقسام القصة الغيبية :

سبق أن قلنا أنّ هذا النوع من القصص تعد أحداثها بتفاصيلها مصدرها الوحي ، فهذه القصص من قبيل الغيب الذي كشفه الله عَزّ وجَلّ لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم ، وهي غيب سواء أكانت في الماضي أو المستقبل ، فعلى هذا يمكن تقسيم القصة الغيبية إلى ما يلي :

الأول ـ قصص الماضي :

يحتوي القرآن الكريم على كثير من علوم الغيب ، خصوصاً ما جرى على الأمم الماضية ، فعلى سبيل المثال ما جاء في قصة يوسف عليه السلام مع اخوته حيث أوحى الله سبحانه إلى يوسف في قوله تعالى :( لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمْرِهِمْ هَـٰذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ) [يوسف / ١٥]. ففي الآية غيب موحى إلى يوسف ، وكذلك غيب موحى إلى نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم بإخبار الوحي له بما حصل ليوسف عليه السلام وأكّد على ذلك في قوله تعالى :( ذَٰلِكَ مِنْ أَنبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ ) [يوسف / ١٠٢]. إلى غير ذلك مما ذكره القرآن الكريم من أخبار الأمم الماضية ، فالقرآن ذكر تلك القصص على نحو الإختصار ، ثم جاء الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يوضحها ، فالملاحظ أنّ تلك القصص وما تضمنته من أحداث ليست في متناول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ولم تحدث أمامه ، كما أنّه لم يُنشئها ولم يأخذها عن طريق غيره

١٠١

من المؤرخين ، بل مصدره الوحي ، وأخذ عنه أهل بيته عليهم السلام. «وذكر العلامة الجليل الورع الثقة النبيل ، السيد هاشم البحراني في كتابه (مدينة المعاجز) أكثر من ستمائة رواية في إخبارات الأئمة الإثني عشر صلوات الله عليهم»(١٠٥) .

الثاني ـ قصص المستقبل :

يتناول هذا اللون من القصص أموراً مختلفة كلها تتحدث عن أمور غيبية خاصة تحدث في الواقع ، ولو تأملنا ما ذكر في القرآن الكريم ، وعلى لسان النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم ؛ لأمكن تقسيمه إلى ما يلي :

أولاً ـ أخبار تحققت في حياة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) :

رأى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في المنام ـ وكان ذلك في المدينة المنورة قبل أن يخرج إلى الحديبية ـ أنّ المسلمين دخلوا المسجد الحرام ، فأخبر بذلك أصحابه ففرحوا وحسبوا أنّهم داخلوا مكة عامهم هذا ، فلما إنصرفوا ولم يدخلوا مكة ؛ قال المنافقون : ما حلقنا ولا قصرنا ولا دخلنا المسجد الحرام. فأنزل الله هذه الآية :( لَّقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَٰلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا ) [الفتح / ٢٧]. وكان بين نزول الآية والدخول مدة سنة. وكان عام سبع للهجرة وتَمّ الفتح القريب من دونه ـ وهو صلح الحديبية ـ ، الذي كان مقدمة لفتح مكة سنة ثمان للهجرة.

ثانياً ـ أخبار تحققت بعد حياته :

وهذا ال نوع من القصص منه ما هو مشهور كأخبار آخر الزمان ، المسمى بـ(أحاديث الفتن والملاحم) ، ويندرج تحت هذا النوع كثير من الإخبارات ،

__________________

(١٠٥) ـ النمازي ، الشيخ علي الشاهرودي : مستدرك سفينة البحار ، ج ٨ / ٨٠.

١٠٢

كخبر الدابة التي تخرج للناس في آخر الزمان ، وقد جاء في القرآن الكريم خبرها في قوله تعالى :( وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِّنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ ) [النمل / ٨٢]. ومن أراد تفاصيل ذلك ؛ فليراجع كتب التفسير.

كما ورد على لسان النبي صلى الله عليه وآله وسلم عدة إخبارات غيبية ، من أهمها ما يحل على أهل بيته عليهم السلام كإخباره بمقتل سبطه الحسين عليه السلام في كربلاء ، وقد ذكر منها ابن الأثير في ترجمة أنس بن الحارث حيث قال : «روى حديثه أشعث بن سحيم ، عن أبيه عن أنّه سمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول : (إنّ ابني هذا يقتل بأرض من أرض ال عراق ، فمن أدركه فلينصره) ، فقتل مع الحسين عليه السلام»(١٠٦) .

وأيضاً إخباره عن الإمام المهدي عليه السالم ، وقد ذكرها علماء المسلمين ، لا ينكر ذلك إلا مكابر لا قيمة لرأيه.

ثالثاً ـ أخبار البعث والنشور :

لعلّ من أهم القضايا التي واجه بها نبينا الأعظم عليه السلام مشركي قريش قضية البعث والنشور ، فقد أنكر المشركون هذا الأمر باصرار عنيف ، واستغربوا من ذلك أشد الإستغراب ، وقد سجل القرآن الكريم هذا الإنكار في أكثر من آية ، منها ما يلي :

قوله تعالى :( وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَىٰ رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ * أَفْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَم بِهِ جِنَّةٌ بَلِ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذَابِ وَالضَّلَالِ الْبَعِيدِ ) [سبأ / ٧ ـ ٨].

__________________

(١٠٦) ـ ابن الاثير ، علي بن محمد : أسد الغابة ، ج ١ / ١٢٣.

١٠٣

وقوله تعالى :( وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُم بِذَٰلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ ) [الجاثية / ٢٤].

وقوله تعالى :( أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ *أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ *قُلْ نَعَمْ وَأَنتُمْ دَاخِرُونَ *فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ يَنظُرُونَ ) [الصافات / ١٦ ـ ١٩].

وإزاء هذا الإنكار لهذه القضية ، إستخدم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم القصة في عرض البعث واليوم الآخر ، وأكّد على ذلك بأن نَزّل المستقبل منزلة الحار ، فهذه القصص في الوقت الذي تحمل الرد على المنكرين ، فإنّها تُؤكِّد الإيمان بالبعث والنشور ، كما أنّ هناك عاملاً جوهرياً يضاف إلى وجود هذا النوع من قصص العالم الآخر ، ووراء كثرته وتكراره أنّ ذلك العالم هو محل العقاب والثواب ، وقضية العقاب والثواب أساسية يتمد عليها منهج التربية في الشريعة الإسلامية ، من أجل قيام الإنسان المسلم على مبادئ دينه والإلتزام بها ، حيث سيظل وازع الإحساس بالمسؤولية ، ـ عما يقول أو يفعل ـ مائلاً أمامه من خلال تصوره لحياة أخرى يؤمن بأنّه سيجازي فيها على سلوكه ، على الخير بالخير في الجنة والنعيم ، وعلى الشر بالشر في النار والعذاب ، كما في قوله تعالى :( فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ *وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ) [الزلزلة / ٧ ـ ٨].

١٠٤

٣ ـ القصة الخيالية

أ ـ الخرافية

ب ـ التمثيلية

ج ـ الخيال العلمي

١٠٥
١٠٦

٢ ـ القصة الخيالية :

هي حكايات يبتدعها خيال المؤلف ، قد تكون نثراً أو نظماً ، والروايات والقصص القصيرة ، هي من أشهر أشكال قصص الخيال رواجاً ، وسمات هذه القصص أنّها تحتوي على عناصر خيالية ، إما كلياً أو جزئياً ، وهذه العناصر تشمل الشخصيات والأوضاع المحيطة ، وفي بعض قصص الخيال تكون العناصر الخيالية واضحة ـ أي بعيدة عن الواقع ـ مثل القصة الإطارية ، وهي قصة تروي في إطارها مجموعة من الحكايات ، ومن أحسن الأمثلة عليها قصة شَهْرَيَار الملك وشَهْرَزَاد في كتاب (ألف ليلة وليلة) ، ومع ذلك ليس من الضروري أن تختلف كثيراً عن الواقع ؛ إذ أنّ كثيراً من نماذج قصص الخيال تمثل شخصيات قريبة من الواقع ، وتصف أوضاعاً واقعية ، وبعض القصص ترتكز على شخصيات وحوادث حقيقية ، وتدمج عادة العناصر الواقعية في قصص الخيال مع الأوضاع والشخصيات والحوادث الخيالية ، والغرض الرئيس لمعظم قصص الخيال هو التسلية ، إلا أنّ هناك بعض الأعمال الجادة من قصص الخيال التي تحفز العقل وتدعو إلى التفكير عن طريق إيجاد الشخصيات ، ووضعها في مواقف محددة ، وتأسيس وجهات النظر ، ويقوم مؤلفو قصص الخيال الجادة بتوضيح الأحكام المميزة بين الأشياء ، وهذه الأحكام تتناول المسائل الأخلاقية والفلسفية والنفسية والإجتماعية ، ولعلّ أهم ما يمكن دراسته من أقسامها هي التالي :

أ ـ الخرافية :

الخُرافَة : «الحديث المستملح من الكذب. وقالوا : حديث خرافة ، ذكر إبن الكلبي في قولهم حديث خرافة أنّ خرافة من بني عُذْرَة أو من جُهَيْنَة ، إختطفته الجن ، ثم رجع إلى قومه فكان يُحدث بأحاديث مما رأى يعجب منها

١٠٧

الناس ، فكذبوه فجرى على ألسن الناس»(١٠٧) . وعُرِّفت الخرافة أيضاً بـ«معتقد لا عقلاني أو ممارسة لا عقلانية. والخرافات قد تكون دينية ، وقد تكون ثقافية أو إجتماعية. فمن الخرافات الدينية إيمان بعض المشلولين أو المقعدين ، بقدرة قديس بعينه أو قديسة بعينها على شفائهم.

ومن الخرافات الثقافية أو الإجتماعية ، إيمان كثير من الناس بأنّ الخرزة الزرقاء تدفع الشر ، وبأنّ نعل الفرس مجلبة للخير»(١٠٨) وبعد هذا التعريف فالحكاية الخرافية : «قصة أو حكاية خيالية قصيرة ذات مغزى في معظم الحكايات الخرافية ، يمثل واحد أو أكثر من الشخصيات حيواناً أو نباتاً أو شيئاً يتكلم ويتصرف كمخلوق بشري ، ويمكن أن نُقص الحكاية الخرافية نثراً أو شعراً ، وفي عديد من الحكايات يمكن تلخيص المراد من القصة ، أو مغزاها في النهاية على شكل مثل شعبي»(١٠٩) .

وهذا النوع من القصة الخيالية لا قيمة له على المستوى الديني ، لا في القرآن الكريم ، ولا في السنة النبوية.

ب ـ التمثيلية :

لست بصدد دراسة القصة التمثيلية من جميع جوانبها ، وإنّما الهدف هو التعريف بها من بعض جوانبها ، في القرآن الكريم والسنة النبوية ، والذي يهمنا بحثه هو التالي :

__________________

(١٠٧) ـ ابن منظور ، محمد بن مكرم : لسان العرب ، ج ٩ / ٦٥ ـ ٦٦.

(١٠٨) ـ البعلبكي ، منير : موسوعة المورد العربية ، ج ١ / ٤٦١.

(١٠٩) ـ الموسوعة العربية العالمية ، ج ٩ / ٤٨١.

١٠٨

١ ـ التعريف بالمثل :

يطلق المثل على معانٍ ثلاثة ، هي كالتالي :

الأول ـ المثل السائر :

هو كلمة موجزة قيلت في مناسبة تناقلتها الأجيال بدون تبديل ، كقوله صلى الله عليه وآله وسلم : (إنّ من البيان لسحرا)(١١٠) ، قال الميداني : «يعني أنّ بعض البيان يعمل عمل السحر ، ومعنى السحر : إظهار الباطل في صورة الحق ، والبيان : إجتماع الفصاحة والبلاغة ، وذكاء القلب مع اللسَنِ ، وإنما شُبّه بالسحر ، لحدّة عمله في سامعه وسرعة قبول القلب له. يضرب في إستحسان المنطق ، وإيراد الحجة البالغة»(١١١) . والهدف منه مقصور على التطبيق.

الثاني ـ المثل القياسي :

ويقصد به البيانيون متشكل من أي وصف أو قصة أو تصوير رائع لتوضيح فكرة ، عن طريق تشبيه يسميه البلاغيون (التمثيل المركب) لتقريب أمر معقول من محسوس يجمع بذلك بين عمق الفكرة ، وجمال التصوير ولم يقصر على سماع أو نقل ، والإهتمام بصياغة الفكر فيه أكثر من إقتباس مثل سائر ، وحاصل القياسي : هو ما يخلقه المتمثل لغرض ينشده ، ومن نماذجه في القرآن الكريم ، قوله تعالى :( وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ) [النحل / ١١٢]. فالآية فيها إستعارة تمثيلية ؛ حيث أخذ اللباس في الجوع والخوف الدال على إستعمالها لمن

__________________

(١١٠) ـ الميداني ، احمد بن محمد النيسابوري : مجمع الأمثال ، ج ١ / ٧.

(١١١) ـ نفس المصدر.

١٠٩

كفر بأنعم الله تعالى ـ الأمن والصحة والكفاية في الرزق وغيرها من النعم التي لا تحصى ـ ، ولو إكتفى بالإذاقة لفات ذلك. وفي الأمثال النبوية قوله صلى الله عليه وآله وسلم : (أيها الناس إياكم وخضراء من الدِمَن. قيل يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : وما خضراء الدمن؟ قال : المرأة الحسناء في منبت السوء)(١١٢) .

قال الشريف الرضي : «... أنّه عليه الصلاة والسلام نهى عن نكاح المرأة على ظاهر الحسن ـ وهي منبت السوء ، أو في البيت السوء ـ ، فوجه المجاز في هذا القول ، أنّه عليه الصلاة والسلام ، شَبّه المرأة الحسناء بالروضة الخضرة لجمال ظاهرها ، وشبّه منبتها السوء بالدِمْنَة لقباحته ، والدِمْنَة هي : الأبعار المتجمعة تركبها السوافي ، ويعلوها الهابي ، فإذا أصابها المطر أنبتت نباتاً خضراء يروق منظره ويسوء مخبره ، فنهى عليه الصلاة والسلام عن نكاح المرأة إذا كانت مغموضة في نفسها ، أو مطعوناً عليها في نسبها ، لأنّ أعراق السوء تنزع إلى ولدها ، وتضرب في نسلها ، قال الشاعر :

وأدركنه خالاته فخذلنه

ألا إنّ عِرق السوء لا بدّ مدرك(١١٣)

وفي السيرة الحسينية ما جاء في خطبته في مكة المكرمة : «خُطّ الموت على ولد آدم مخط القلادة على جيد الفتاة ، وما أولهني إلى أسلافي إشتياق يعقوب إلى يوسف ، وخِيرَ لي مصرع أنا لاقيه ، فكأنّي بأوصالي تُقطعها عُسْلَان الفَلوات بين النَوَاوِيس وكربلا ، فيملأن مني أكراشاً جُوفَاً ، وأجْرُبَة سُغُبَاً»(١١٤) .

__________________

(١١٢) ـ الغروي ، الشيخ محمد : الأمثال النبوية ، ج ١ / ٢٧٢.

(١١٣) ـ الشريف الرضي ، محمد بن الحسين : المجازات النبوية / ٦٠ ـ ٦١.

(١١٤) ـ السماوي ، الشيخ محمد طاهر : إبصار العين في أنصار الحسين / ٦.

١١٠

إنّ بلاغة هذه الخطبة وعُلو مضمونها ، يوجب لنا الإطمئنان بصدورها عن سيد الشهداء عليه السلام ، كما أنّها على وجازتها تضمنت نهج الحسين عليه السلام وهدفه ، ونهايته ووصف مصرعه ومكانه ، والذي يهمنا بحثه ـ هنا ـ بيان بعض أوجهها البلاغية ، المتمثلة فيما يلي :

أولاً ـ عَبّر الحسين عليه السلام عن الموت الذي هو طبيعي للبشر بأنّه : (خط مخط القِلادة على جِيدْ الفَتاة). وهذا التعبير براعة إستهلال عجيبة المعنى ؛ حيث أنّ مخط القلادة يراد منه شيئين :

أ ـ إسم مكان : وهو موضع خط القلادة ـ وهي الجلد المستدير من الجيد ـ ، فكما أنّ ذلك الجلد لازم على الرقبة ، كذلك الموت على ولد آدم.

ب ـ إسم مصدر : والمراد به نفس الخط ، فيكون معنى ذلك : أنّ الموت دائرة لا يخرج ابن آدم عن وسطها ، كما أنّ القلادة دائرة لا يخرج الجيد منها حال تقليده. فإذا كان الموت لابد منه ؛ فليختر الإنسان أفضل ميتة ، وأعظمها شرفاً ونفعاً ، وإن أدّت إلى تقطيع أوصاله.

ثانياً ـ إختيار الحسين عليه السلام لنفسه الموتة الكريمة ، التي هي مرتبطة بأمر السماء التي تتم فيها شهادة الحسين وسعادته ، وسعادة من سار على نهجه ، لقد قضي الأمر وتمت الخيرة ، وكيفية القتلة ومكانها وعَبّر عن ذلك بقوله : (وخِير لي مصرع أنا لاقيه ، كأنّي بأوصالي تُقَطّعها عُسْلَان الفَلوات ، بين النَواوِيس وكربلاء).

فعسلان الفلوات : هي الذئاب ، ولعلّ الحسين عليه السلام يعني بها ـ مجازاً ـ الوحوش البشرية من أعدائه التي وَزّعت جسده الطاهر ، وتركته بالعراء وسلبته ووطأته بالخيول ، ثم تركته بلا مواراة ثلاثة أيام ، وقد عَبّر عن وحشيتهم بقوله

١١١

(فيملأن مني أكراشاً جُوْفَاً ـ أي واسعة ـ ، وأجربة سُغُباً ـ أي البطون الجائعة ـ ، وهذا تعبير عن شدتها وكثرة أكلها من دون محام ولا دافع عن الأعضاء المقطعة ، ويُؤَيّد هذا المعنى ما قاله لأصحابه لما نزل بَطْن العَقَبة : «ما أراني إلا مقتولاً ، فإنّي رأيت في المنام كلاباً تنهشني ، وأشدّها عليّ كلب أبقع»(١١٥) . أراد الحسين عليه السلام أن يُبيّن للمسلمين من خلال خطبته ، تلك الجريمة النكراء التي إقترفها الأمويون في حق البيت النبوي الطاهر ، ومدى اللثم والخسة في نفوس أعدائه ، حيث إمتدت تلك الجريمة ـ بعد تقطيع الحسين عليه السلام بالسيوف ، ووطئ جثته بالخيول ـ لتدخل الرعب والهلع في نفوس النساء والأطفال ، وتُعَرِّضَهم للعطش والحرق والسحق والأسر وضرب السياط ، وبهذا أراد الحسين عليه السلام أن يسجل على صفحات التاريخ ، صوراً من البطش والهمجية التي لا يرتكبها إلا الذئاب المفترسة والوحوش الضارية.

الثالث ـ مطلق ما يسمى بالمثل :

سواء فيه المثل السائر ، والقياسي والفرضي المعروف بالخياليات التي صنعت للإعتبار والموعظة ، كفرضيات كتاب (كليلة ودمنة) ، وكل وصف به نوع غرابة أو إعجاب زائد ، كقوله تعالى :( مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِّن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ .) [محمد / ١٥]. المستفاد من كلمات اللغويين أنّ المثل بمعنى التمثيل والتنظير ، وسمي المثل مثلاً لأنّه ماثل بخاطر الإنسان ؛ أي شاخص به. يقول الجوهري : «ومثلت له كذا تمثلاً إذا صَوّرت له مثاله

__________________

(١١٥) ـ المقرّم ، السيد عبد الرزاق الموسوي : مقتل الحسين / ١٨١.

١١٢

بالكتابة وغيرها»(١١٦) . فكأنّ مراد الجوهري الصورة بالكتابة والتمثال بخير الكتابة ؛ لأنّ غير الكتابة إما يكون وصفاً ؛ فهو أمر تخييلي محض ، وإما أن يكون عملاً يدوياً محسوساً فهو التمثال. فيكون الغاية من سوق المثل والتنظير له إقامة الحجة أو إظهار آية دالة على شيء ما. فالأسلوب في الآية عرضها مثول وانتصاب لحقيقتها أمام الناظر. ومن هذا الباب ما جاء عن الحسين عليه السلام في اليوم العاشر من المحرم ، حينما إستدعى ابن سعد ومَثّل له نهايته ، حيث قال له : «أي عمر ، أتزعم أنك تقتلني ويوليك الدّعي بلاد الرّي وجُورجَان ، والله لا تهنأ بذلك ، عهد معهود فاصنع ما أنت صانع ، فإنّك لا تفرح بعدي بدنيا ولا آخرة ، وكأنّي برأسك على قصبة يتراماه الصبيان بالكوفة ، ويتخذونه غرضاً بينهم ، فصرف بوجهه عنه مغضباً»(١١٧) .

وعند خروج الأكبر عليه السلام إلى الميدان ؛ صاح بعمر بن سعد : «مالك؟! قطع الله رحمك كما قطعت رحمي ، ولم تحفظ قرابتي من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وسَلّط عليك من يذبحك على فراشك»(١١٨) .

٢ ـ أهمية المثل :

للمثل أهمية كبرى يمكن تلخيصها فيما يلي :

١ ـ إنّ أهمية الأمثال بيانية ، حيث لم يكن في كلام العرب أوجز منها ، ولا أشد إختصاراً. قال إبراهيم النظام : «إجتمع في المثل أربعة لا تجتمع في

__________________

(١١٦) ـ الجوهري ، إسماعيل بن حَمّاد : تاج اللغة وصحاح العربية ، ج ٥ / ١٨١٦.

(١١٧) ـ المقرّم ، عبد الرزاق : مقتل الحسين / ٢٣٥.

(١١٨) ـ نفس المصدر / ٢٥٧.

١١٣

غيره من الكلام : إيجاز اللفظ ، وإصابة المعنى ، وحسن التشبيه ، وجودة الكناية ، فهو نهاية البلاغة»(١١٩) .

٢ ـ إنّ المقصود من ضرب الأمثال ، أنّها تؤثر في القلوب ما لا يؤثره وصف الشيء في نفسه ؛ وذلك لأنّ الغرض في المثل أن تنفعل به النفوس ، وتؤمن به القلوب ، فإن كان مدحاً ؛ كان أبهى وأفخم وأنبل في النفوس ، وأعظم وأهز للعطف ، وأسرع للإلف ، وأذكر وأيسر على الألسن ، وأولى بأن تعتلقه القلوب وأجدر. وإن كان ذماً ؛ كان مَسّه أوجع ، ووقعه أشدّ ، وحَدّه أحد. ومن هذا ما ورد في الخطب الحسينية في الطريق وفي كربلاء. وكذلك ما ورد عن أهل بيته عليهم السلام أثناء الخطب في الكوفة ، ويمكن التركيز منها على ما يلي :

المثل في خطب الإمام الحسين (عليه السلام) :

قال عليه السلام لابن عباس : «والله لا يدعوني حتى يستخرجوا هذه العَلَقَة من جوفي ، فإذا فعلوا ذلك ؛ سَلّط الله عليهم من يذبهم ، حتى يكونوا أذلّ من فِرَام المرأة»(١٢٠) .

وقال أثناء طريقه إلى الكوفة : «إنّ هؤلاء أخافوني ـ وهذه كتب أهل الكوفة ـ وهم قاتليَّ ، فإذا فعلوا ذلك ولم يدعوا الله محرماً إلا انتهكوه ؛ بعث

__________________

(١١٩) ـ الغروي ، الشيخ محمد : الأمثال النبوية ، ج ١ / ١٠.

(١٢٠) ـ المقرّم ، السيد عبد الرزاق : مقتل الحسين / ٢٣٤.

١١٤

الله إليهم من يقتلهم ، وحتى يكونوا أذلّ من فِرَام الأمّة»(١٢١) . وخاطب الأعداء يوم عاشوراء بقوله : (يا عَبيد الأمّة)(١٢٢) تحقيراً لهم.

إيضاح أهم مفردات المثل الحسيني :

الفِرَام : ورد في كتب اللغة أنّ (الفِرَام) : دواء تُضيِّق به المرأة المسلك ، أو حب الزبيب تحتشى به لذلك ، وكانت في أحراح ثقيف سعة يتضيقن بعجم الزبيب. والفرامة : هي الخرقة تحتشي بها المرأة عند الحيض كالفِرَام ، وفيها يقول الشاعر :

وجَدْتُك فيها كأمِّ الغلام

متى ما تَجِدْ فَارِما تَفْترِم(١٢٣)

وأيضاً قال في (بَطْن العَقَبة) : «إنّهم لن يدعوني حتى يستخرجوا هذه العلقة من جَوفي ، فإذا فعلوا ذلك ؛ سَلّط الله عليهم من يذلهم ، حتى يكونوا أذلّ فرق الأمم»(١٢٤) .

وقال في (الرُهَيَمة) : «وطلبوا دمي فهربت ، وأيم الله ليقتلوني فيلبسهم الله ذِلّاً شاملاً ، وسيفاً قاطعاً ، ويسلط عليهم من يذلهم ، حتى يكونوا أذلّ من قوم سَبأ ؛ إذ ملكتهم إمرأة فحكمت في أموالهم ودمائهم»(١٢٥) . هذه بعض الأمثال الحسينية الواردة في خطبه عليه السلام.

__________________

(١٢١) ـ المصدر السابق / ١٧٥.

(١٢٢) ـ نفس املصدر / ١٦٨.

(١٢٣) ـ ابن منظور ، محمد بن مكرم : لسان العرب ، ج ١٢ / ٤٥١ ـ ٤٥٢.

(١٢٤) ـ المقرم ، السيد عبد الرزاق : مقتل الحسين / ١٨١.

(١٢٥) ـ نفس المصدر / ١٨٥.

١١٥

وإن كان وعظاً ؛ كان أشفى للصدر ، وأدعى للفكر ، وأبلغ في التنبيه والزجر ، ويبصر الغاية.

المثل في خطبة السيدة زينب (عليها السلام) في الكوفة :

ومما ورد في الخطبة الزينبية التي خطبتها في الكوفة ـ من الأمثال ما يلي : «الحمد لله ، والصلاة على أبي محمد وآله الطيبين الأخيار ، أما بعد يا أهل الكوفة ، يا أهل الخَتَل والغَدْر ، أتبكون؟! فلا رقأت الدمعة ، ولا هدأت الرنّه ، إنما مثلكم كمثل التي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً ، تتخذون أيمانكم دخلاً بينكم»(١٢٦) . تشير أم المصائب زينب عليها السلام إلى قوله تعالى :( وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَىٰ مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ) [النحل / ٩٢].

وبعد مراجعة كتب المفسرين حول هذه الآية ؛ نخرج بالنتيجة التالية :

أولاً ـ هذا مثل قرآني يشير إلى المرأة التي غزلت ثم نقضت غزلها من بعد إمرار وفَتلٍ للغزل ؛ وهي إمرأة حمقاء من قريش ، واسمها رَيطَة بنت عمرو ، بن كعب ، بن سعد ، بن تميم ، بن مُرّة ، وكانت تسمى خَرْقَاء مكة ، كانت تغزل مع جواريها إلى إنتصاف النهار ، ثم تأمرهن أن ينقضن ما غزلن ، ولا يزال ذلك دأبها.

ثانياً ـ هذا نهي من الله للمكلفين أن يتصفوا بالصفات المذكورة في الآية ، المندرجة تحت الألفاظ التالية :

__________________

(١٢٦) ـ المصدر السابق / ٣١١.

١١٦

١ ـ أنْكَاثاً : جمع نِكْث ، وكل شيء نقض بعد الفتل ؛ فهو أنكاث حبلاً كان أو غزلاً.

٢ ـ دَخَلاً : الدَخَل ، ما أدخل في الشيء على فساد ، فالمراد بالدخل وسيلته ، من تسمية السبب باسم المسبب ؛ أي وسيلة للغدر والخدعة والخيانة ؛ تطيبون بها نفوس الناس ثم تخونون وتدعونهم بنقضها. ومعنى ذلك : أنكم كمثلها ، إذا تتخذون أيمانكم دخلاً بينكم فتؤدونها وتعقدونها ، ثم تخونون وتخدعون بنقضها ونكثلها ، والله ينهاكم عنه.

٣ ـ أرْبَى : أي أكثر عدداً ومنه أربا فلان للزيادة التي يزيدها على غريمة في رأس ماله. ومعنى ذلك لا ينقضوا العهد بسبب أن يكون قوم أكثر من قوم ؛ أي لا تنقضوا عهدكم ، متخذيها دغلاً وغدراً وخديعة ، لمداراتكم قوماً هم أكثر عدداً ممن عاهدتم له ، بل عليكم الوفاء والحفظ لما عاهدتم عليه. فالسيدة زينب عليها السلام تذكرهم وتوبخهم بالعهد والبيعة لسيد الشهداء عليه السلام التي نقضوها ، وشبهتهم بالمرأة التي نقضت غزلها من بعد قوة ، إلى أن قالت : «ألا وهل فيكم إلا الصَلَف النَطَف ، والعجب والكذب والشَنِف ، ومَلِق الإماء ؛ وغَمَز الأعداء؟!» وفي هذا المقطع عَبّرت عنهم بألفاظ تعيبهم وتكشفهم بها توبيخاً لهم (فالصَلَف) : الذي يمتدح بما ليس عنده. وفي حديث المؤمن : (لا عنف ولا صَلَف) ، يقال : سحاب صلف ، إذ كان قليل الماء ، كثير الرعد ، وفي المثل (رُبّ صَلَف تحت الرَاعِدَة) يضرب للرجل يتوعد ثم لا يقوم فيه»(١٢٧) .

__________________

(١٢٧) ـ الطريحي ، الشيخ فخر الدين : مجمع البحرين ، ج ٥ / ٨٢.

١١٧

(والنَطَفَ) : «القذف بالفجور ، أو الفساد ، أو الشر»(١٢٨) .

(والشنف) : المبغض(١٢٩) .

(ومَلِق الإماء) :

«المَلأِق : الضعيف. أو التودد والتذلل ، وإبداء ما باللسان من الإكرام والودّ ما ليس في القلب»(١٣٠) .

(وغَمَز الأعداء) :

«الغَمَز : الضعف والميل والعيب»(١٣١) ؛ أي أنتم ضعاف في عقولكم وعملكم بحيث إستزِهدكم الأعداء ، وسخروا بكم بإطاعتكم لهم. إلى أن قالت : «أو كَمَرْعَى على دِمّنَة ، أو كقَصّةٍ على مَلْحُودَة».

(الدِمنَة) :

«هي ما تُدمّنُه الإبل والغنم بأبوالها وأبعارها ؛ أي تلبّده في مرابضها ؛ فربما نبت الحسن النضير. ومنه الحديث : (فينبتون نبات الدِّمن في السيل) ، هكذا جاء في رواية بكسر الدال وسيكون يرعى البعير ؛ لسرعة ما ينبت فيه»(١٣٢) .

وقيل الدِّمنة : هي المنزل الذي ينزل فيه أخيار العرب وتحصل فيه بسبب نزولهم تغيّر في الأرض بسبب الأحداث الواقعة منهم ومن مواشيهم ، فإذا أمطرت أنبتت نبتاً حسناً شديد الخضرة والطراوة ؛ لكنّه مرعى وَبِيء للإبل

__________________

(١٢٨) ـ لويس ، معلوف : المنجد في اللغة / ٨١٦.

(١٢٩) ـ نفس المصدر / ٤٠٤.

(١٣٠) ـ نفس المصدر / ٧٧٤.

(١٣١) ـ نفس المصدر / ٥٥٩.

(١٣٢) ـ ابن الأثير ، المبارك بن محمد الجزري : نهاية في غريب الحديث ، ج ٢ / ١٣٤.

١١٨

مُضرّبها)(١٣٣) . ومن هذا ، ما ورد في الحديث النبوي (.. إياكم وخَضْرَاء الدِّمن ، وقيل يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : وما خضراء الدِّمن؟ قال : المرأة الحسناء في منبت السوء)(١٣٤) .

قال الشريف الرضي (ره) : «والقول الآخر : أن يكون عليه الصلاة والسلام ؛ إنّما نهى في الحقيقة عن تغارض النفاق وتعاير الأخلاق ، وأن يتلقى الرجل أخاه بالظاهر الجميل ، وينطوي عن الباطن الدميم ، أو يخدعه بحلاوة اللسان ، ومن خلفها مرارة الجنان ، وإلى هذا المعنى ذهب الشاعر في قوله :

وقد يَنْبُتُ المرْعَى على دِمَنِ الثّرَى

وتَبْقَى حَزَازَاتُ النفوس كما هِيَا

كأنه أراد ، إنا وإن لقيناكم بظاهر الطلاقة والبشر ، فإنّا نضمر لكم على باطن الغش والغمز ، ومثل هذا قول الآخر :

وفِينَا وإن قِيلَ إصْظَلحْنَا تَضَاغُنٌ

كما طرّ أوبارُ الجِرَابِ على النّشْرِ

وقال أهل العربية : النشر أن ينبت وبر البعير وتحته داء العرّ ؛ وهو الجرب فيرى كأن ظاهره سليم وباطنه سقيم»(١٣٥) ، وبعد هذا الإيضاح يظهر لنا مغزى ما يستفاد من كلام السيدة زينب عليها السلام ، حيث أنّ الغرض هو التعريف بأن الدِّمنَة وإن زها ظاهرها بالنبت ، إلا أنّه لا يفيد الحيوان قوة ؛ لأنّها مجمع الأوساخ والكشافات السامة القاتلة ، فنتاج الدِّمنة لا يكون طيباً ، وأهل الكوفة وإن زها

__________________

(١٣٣) ـ الطريحي ، الشيخ فخر الدين : مجمع البحرين ، ج ٦ / ٢٤٨.

(١٣٤) ـ الحر العاملي ، الشيخ محمد بن الحسن : وسائل الشيعة ، ج ٢٠ / ٣٥ (الباب ٧ من أبواب مقدمات النكاح ـ الحديث ٧).

(١٣٥) ـ الشريف الرضي ، محمد بن ابي احمد الحسين : المجازات النبوية / ٦١.

١١٩

ظاهرهم بالإسلام ؛ إلا أنّ الصدور إنطوت على قلوب مظلمة لا يصدر منها إلا بما يقوم به أهل الجاهلية والإلحاد»(١٣٦) .

(أو كقَصّةٍ على مَلْحُودة) :

«القَصّةُ والقِصّة والقَصُّ ، الجَصّ : لغة حجازية. وقيل : الحجارة من الجَصّ ، وقد قصّصَ داره ، أي جصّصَها. ومدينة مُقصّصَة : مطلية بالقصّ ، وكذلك قبر مُقصّصٌ ، والتقصيص : هو التجصيص ، وذلك أنّ الجَصّ يقال له ، القَصّة. يقال : قصصت البيت وغيره ؛ أي جصّصته. وفي حديث زينب (يا قَصّةٌ عُلى مَلحُودَةٍ) ؛ شبهت أجسادهم بالقبور المتخذة من الجصّ ، وأنفسهم بجيف الموتى التي تشتمل عليها القبور»(١٣٧) .

قال السيد المقرّم (ره) : «والذي أراه ، أنّ النكتة في هذه الإستعارة ، أنّ القصّة بلغة الحجاز الجصّ ، والملحودة ؛ القبر لكونه ذا لحد ، فكان القبر يتزين ظاهره ببياض الجصّ ، ولكن داخله جيفة قذرة ، وأهل الكوفة وإن تزين ظاهرهم بالإسلام ، إلا أنّ قلوبهم كجيف الموتى ؛ بسبب قيامهم بأعمال الجاهلية الوخيمة العاقبة من الغدر وعدم الثبات على المبادئ الصحيحة ؛ وقد إنفردت (متتمة الدعوة الحسينية) بهذه النكات البديعة ، التي لم بسبقها مهرة البلغاء إليها»(١٣٨) .

إلى أن قالت عليها السلام : (ولقد أتيتم بها خَرْقَاء ، شَوْهَاء كِطلَاعِ الأرض ، ومِلء السماء).

__________________

(١٣٦) ـ المقرم ، السيد عبد الرزاق : مقتل الحسين / ٣١١ (بتصرف).

(١٣٧) ـ ابن منظور ، محمد بن مكرم : لسان العرب ، ج ٧ / ٧٦ ـ ٧٧.

(١٣٨) ـ المقرم ، السيد عبد الرزاق : مقتل الحسين / ٣١٢.

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554