تربة الحسين عليه السلام الجزء ٣

تربة الحسين عليه السلام3%

تربة الحسين عليه السلام مؤلف:
الناشر: دار المحجّة البيضاء
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 554

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 554 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 41300 / تحميل: 4271
الحجم الحجم الحجم
تربة الحسين عليه السلام

تربة الحسين عليه السلام الجزء ٣

مؤلف:
الناشر: دار المحجّة البيضاء
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

موقف أمير المؤمنين (عليه السلام) :

أما موقف أمير المؤمنين عليه السلام ؛ فيمكن تلخيصه فيما يلي :

أ ـ توبيخهم أمام الناس وإظهار حقيقتهم ومثال ذلك : ما رواه الحارث ، عن علي : أنّه دخل المسجد ، فإذا بصوت قاصّ ، فلما رآه سكت ، قال علي : ما هذا؟!

قال القاصّ ، أنا. فقال علي : أما أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : سيكون بعدي قصّاص لا ينظر الله إليهم(١٨١) .

ب ـ طردهم من المساجد ، ومثال ذلك : ما رواه أبو البختري ، قال : دخل علي بن أبي طالب المسجد فإذا رجل يوّف ، فقال ما هذا؟

فقالوا : رجل يُذكِّر الناس. فقال ليس برجل يُذكِّر الناس ، لكنّه يقول : أنا فلان بن فلان فاعرفوني. فأرسل إليه فقال : أتعرف الناسخ من المنسوخ؟! فقال : لا. قال : فاخرج من مسجدنا ، ولا تُذكِّر فيه(١٨٢) . وحين قدم البصرة طرد القَصّاصِين من المسجد ، حيث أنّه لا ينبغي القصص في المسجد(١٨٣) .

ج ـ إقامة الحدود عليهم بالضرب ، ومثال ذلك : عن أبي عبد الله عليه السلام ، أنّه قال : (إنّ أمير المؤمنين عليه السلام ، رأى قاصّاً في المسجد فضربه بالدرّة وطرده)(١٨٤) .

__________________

(١٨١) ـ الهندي ، علي المتقي بن حسام الدين : كنز العمال ، ج ١٠ / ١٧٢.

(١٨٢) ـ القرطبي ، محمد بن احمد الأنصاري : الجامع لأحكام القرآن ، ج ٢ / ٦٢.

(١٨٣) ـ الطرطوشي ، محمد بن الوليد : الحوادث والبدع / ١٠٠.

(١٨٤) ـ الكليني ، الشيخ محمد بن يعقوب : الكافي ، ج ٧ / ٢٦٣.

١٤١

وأيضاً ما روي ، من أنّه حينما بلغه عليه السلام ما يقوله القصاصون في قصة أوريا قال : من حَدّث بحديث داود على ما يرويه القصاص ؛ جلدته مائة وستين جلدة ، وذلك حد الفرية على الأنبياء»(١٨٥) .

موقف بقية الأئمة (عليهم السلام) :

وأما بقية الأئمة عليهم السلام : فاستخدموا الأسلوب التالي :

١ ـ ذكر اليعقوبي : «ومَرّ الحسن يوماً وقاصّ يقصّ على باب مسجد رسول الله : فقال الحسن : ما أنت؟! فقال : أنا قاصّ يا ابن رسول الله. قال كذبت ، محمد القاصّ ، قال الله عَزّ وجَلّ :( فَاقْصُصِ الْقَصَصَ ) (١٨٦) . قال : فأنا مذّكر. قال : كذبت ، محمد المذكر ، قال له عَزّ وجَلّ :( فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ ) (١٨٧) . قال : فما أنا؟ قال : المتكلف من الرجال»(١٨٨) .

٢ ـ «إنّ الإمام السجاد عليه السلام قد نهى الحسن البصري عن مزاولة عمل القصص ، فاستجاب للنهي»(١٨٩) .

٣ ـ وعن الإمام الباقر عليه السلام ، في تفسير قوله تعالى :( وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا ) (١٩٠) قال منه القصاص(١٩١) .

__________________

(١٨٥) ـ العاملي ، السيد جعفر مرتضى : الصحيح من سيرة الرسول الأعظم ، ج ١ / ١٩٠.

(١٨٦) ـ الأعراف / ١٧٦.

(١٨٧) ـ الغاشية / ٢١.

(١٨٨) ـ اليعقوبي ، أحمد بن ابي يعقوب : تاريخ اليعقوبي ، ج ٢ / ٢٢٧ ـ ٢٢٨.

(١٨٩) ـ ابن خلكان ، أحمد بن محمد : وفيات الأعيان ، ج ٦ / ٧٠.

(١٩٠) ـ الأنعام / ٦٨.

(١٩١) ـ العياشي ، الشيخ محمد بن مسعود : تفسير العياشي ، ج ٢ / ٣٦٢.

١٤٢

٤ ـ ذكر القصاصون عند الصادق عليه السلام فقال : لعنهم الله إنهم يشيعون علينا. وسئل الصادق عليه السلام عن القصاص ، أيحل الإستماع لهم؟ فقال : لا وقال عليه السلام : من أصغى إلى ناطق ؛ فقد عبده ، فإن كان الناطق عن الله ؛ فقد عبد الله ، وإن كان الناطق عن إبليس ؛ فقد عبد إبليس.

وسئل الصادق عليه السلام عن قول الله تعالى :( وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ ) (١٩٢) ، قال : هم القصاص(١٩٣) .

وعن عباد بن كثير قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : (إني مررت بقاصّ يقص وهو يقول : هذا المجلس لا يشقى به جليس. قال : فقال أبو عبد الله عليه السلام : هيهات هيهات ، أخطأت أستاهم الحفرة ، إنّ لله ملائكة سيّاحين ، سوى الكرام الكاتبين ، فإذا مرّوا بقوم يذكرون محمداً وآل محمد قالوا : قفوا فقد أصبتم حاجتكم ، فيجلسون ، فيفقهون معهم ، فإذا قاموا عادوا مرضاهم وشهدوا جنائزهم ، فذلك المجلس الذي لا يشقى به جليس)(١٩٤) .

بيان وإيضاح :

الإستاه : بفتح الهمزة والهاء ؛ جمع الإست باكسر ، وهي حلقة الدبر. والمراد بالحفرة : الكنيف الذي يتغوط فيه ، وكأنّ هذا كان مثلاً سائراً ، يضرب لمن إستعمل كلاماً في غير موضعه ، أو أخطأ خطأ فاحشاً. وقد يقال : شبهت أفواههم بالأستاه تفضيحاً لهم ، وتكرير هيهات ـ أي بعد هذا القول عن الصواب ـ للمبالغة في البعد عن الحق.

__________________

(١٩٢) ـ الشعراء / ٢٢٤.

(١٩٣) ـ المجلسي ، الشيخ محمد باقر : بحار الأنوار ، ج ٦٩ / ٢٦٤ ـ ٢٦٥.

(١٩٤) ـ الكليني ، الشيخ محمد يعقوب : الكافي ، ج ٢ / ١٨٦.

١٤٣

والمراد بـ(فيتفقهون معهم) ؛ أي يطلبون العلم ويخوضون فيه. وفي بعض النسخ (فيفقهون معهم) أي يصدقونهم ، أو يذكرون بينهم مثل ذلك(١٩٥) . هذه بعض المواقف التي عالج بها الأئمة عليهم السلام ظاهرة القصّاص.

الثانية ـ السماح لهم تحت شروط معيّنة :

المستفاد من سيرة الأئمة عليهم السلام السماح للقصاصين بمزاولة القَصّ ، لكن بشروط معينة ، ولعلّ أهم شرط هو ما يلي :

أن يكون القاص عارفاً بأمور دينه ؛ كي يقوم بتفسير القرآن وإيضاح السنة والأحكام ، وإيضاح ما هو مدسوس في القصص من الإسرائيليات ؛ ولذا ينبغي لخطباء المنبر الحسيني سَلّمَهم الله ، أو يوضحوا للناس ما في القصص من الفوائد الدينية ، وينبهونهم على السلبيات الموجودة فيها ، بالأدلة العلمية المقنعة حتى لا يكون الخطيب قَاصّاً ، ويترتب عليه ما ورد عن الأئمة عليهم السلام في شأن القصّاص.

ومن النماذج على ذلك ما يلي :

١ ـ عن ابي عبد الرحمن السلمي قال : «مَرّ علي بن أبي طالب عليه السلام برجل يقَصّ ، فقال : أعَرِفت الناسخ من المنسوخ؟! قال : لا. قال : هلكت وأهلكت»(١٩٦) .

٢ ـ «قال علي عليه السلام للقاص : أتعرف الناسخ من المنسوخ؟ قال : نعم. قال : قال : قُصّ»(١٩٧) .

__________________

(١٩٥) ـ المجلسي ، الشيخ محمد باقر : بحار الأنوار ، ج ٧١ / ٢٥٩ ـ ٢٦٠ «بتصرف».

(١٩٦) ـ السيوطي ، عبد الرحمن بن ابي بكر : الدر المنثور ، ج ١ / ١٠٦.

(١٩٧) ـ ابن الجوزي ، عبد الرحمن بن علي : القصاص والمذكرين / ١٠٥.

١٤٤

٣ ـ فقد رووا : أنّه عليه السلام إنتهى إلى قَاصّ يقص فقال : تقص؟ ونحن حديثوا عهد برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟! أما أني أسألك عن مسألتين ، فإن أصبت وإلا أوجعتك ضرباً.

قال : سل يا أمير المؤمنين. قال : ما ثبات الإيمان وزواله؟ قال : ثبات الإيمان الورع ، وزواله الطمع(١٩٨) .

٤ ـ وروي عن سعد الإسكاف : قال لأبي جعفر عليه السلام : إني أجلس فأقصّ ، وأذكر حقكم وفضلكم! قال : وددت أنّ على كل ثلاثين ذراعاً قاصاً مثلك(١٩٩) .

وكان أبان بن تغلب «قاصّ الشيعة»(٢٠٠) . وكان عدي بن ثابت الكوفي ـ المتوفى سنة ١١٦ هـ ، إمام مسجد الشيعة وقاصهم(٢٠١) .

رابعاً ـ موقف العلماء والباحثين :

لاحظ العلماء والباحثون من العامة والخاصة ، أنّ نصيب القصاص في وضع الحديث كان كبيراً ، حيث أدخل على الحديث وتاريخ المسلمين الكثير من أساطير الأمم التي سبقت الإسلام ، لتكون مَعْوَل هدمً وتخريب فسارع عدد منهم إلى بحث ودراسة هذا الموضوع على نحو الخصوص ، لتنبيه المسلمين من هذه الأساطير الدخيلة على الإسلام. وممن بحث هذا الموضوع من العلماء والباحثين ما يلي :

__________________

(١٩٨) ـ المصدر السابق / ٢٣.

(١٩٩) ـ الأردبيلي ، الشيخ محمد بن علي : جامع الرواة ، ج ١ / ٣٥٣.

(٢٠٠) ـ الحاكم النيسابوري ، محمد بن عبد الله ، معرفة علوم الحديث / ١٣٦.

(٢٠١) ـ الذهبي ، محمد بن احمد : تاريخ الإسلام / ٤١٨ و ٤١٩ (حوادث سنة ١٠٠ ـ ١٢٠ هـ).

١٤٥

١ ـ عبد الرحمن بن علي ، المعروف بابن الجوزي ، المتوفي سنة (٥٩٧ هـ) ، في كتابه (القصاص والمذكرين).

٢ ـ الحافظ العراقي : المتوفي سنة (٨٠٦ هـ) ، في كتابه (الباعث على الخلاص من حوادث القصاص).

٣ ـ الحافظ السيوطي ، المتوفي سنة (٩١١ هـ) ، في كتابه (تحذير الخواص من أكاذيب القصاص).

٤ ـ ملا علي القاري ، المتوفي سنة (١٠١٤ هـ) ، في كتابه (الأسرار المرفوعة).

كما أنّ هناك من تعرض لهذا الموضوع في بعض الأبحاث منهم ما يلي :

ـ السيد هاشم معروف الحسيني ، المتوفي سنة (١٤٠٤ هـ) ؛ في كتابه (الموضوعات والآثار ـ ص ١٥٣ ـ ١٧٦).

ـ محمود ابو رية ، المتوفى سنة (١٩٧٠ م) ، في كتابه (أضواء على السنة المحمدية ـ ص ٩٧ ـ ٩٩).

ـ السيد جعفر مرتضى العاملي (المعاصر) ، في كتابه (الصحيح من سيرة النبي الأعظم ، ج ١ / ١٢١ ـ ١٩٣).

هذه بعض الكتب والأبحاث المتعلقة بهذا الموضوع ، وبهذا تنتهي البحوث التمهيدية ، وسوف نشرع في أبحاث هذا الجزء إن شاء الله تعالى.

١٤٦

المبحث الأول

قصص الحوار

١٤٧
١٤٨

مدخل البحث

١ ـ معنى الحوار

٢ ـ تاريخ ونشأة الحوار

١٤٩
١٥٠

١ ـ معنى الحوار :

تناولت المعاجم اللغوية والعلمية هذه اللفظة كالتالي :

قال الشيخ الطريحي (قده) : «التحاور : التجاوب. والمحاورة : المجاوبة ؛ يقال : تحاور الرجلان إذا رَدّ كل منهما على صاحبه ، ومنه ناظرته وحاورته»(٢٠٢) .

وقال ابن منظور : «والمحاورة : المجاوبة ، والتحاور : التجاوب ، والمحاورة : مراجعة المنطق والكلام في المخاطبة»(٢٠٣) .

وقال البعلبكي : «الحوار ؛ المحاورة : يقصد بالحوار في القصة والمسرحية ؛ ما يدور من حديث بين شخصين أو أكثر. أما المحاورة ؛ فنوع أدبي قائم بذاته يهدف إلى طرح مواقف فلسفية أو فكرية متعارضة ، ومناقشتها من طريق حوار يجري بين شخصين أو أكثر في موضوع ما»(٢٠٤) .

وبعد عرض ما ذكر في تعريف الحوار ، ينبغي طرح السؤال التالي :

س / لماذا تَمّ إختيار لفظة (الحوار) ، مع العلم أنّ هناك لفظة (الجَدَل والمنَاظَرَة) ، وهي تؤدي نفس الهدف؟

ج / يتضح الجواب بعد بيان معنى الجدل والمناظرة ، كالتالي :

الجدل لغة : «جَدِل الرجل جدلاً ، فهو جدل من باب تعب إذا إشتدت خصومته ، وجادل مجادلة وجِدَالاً : إذا خاصم بما يشغل عن ظهور الحق ووضوح الصواب. هذا أصله ثم اُستعمل على لسان حملة الشرع في مقابلة

__________________

(٢٠٢) ـ الطريحي ، الشيخ فخر الدين : مجمع البحرين ، ج ٣ / ٢٧٩.

(٢٠٣) ـ ابن منظور ، محمد بن مكرم : لسان العرب ، ج ٤ / ٢١٨.

(٢٠٤) ـ البعلبكي ، منير : موسوعة المورد العربية ، ج ١ / ٤٥٣.

١٥١

الأدلة لظهور أرجحها ، وهو محمود إن كان للوقوف على الحق ، وإلا فمذموم»(٢٠٥) .

وفي إصطلاح المناطقة عَبّر عنه الشيخ محمد رضا المظفر بقوله : «صناعة علمية يُقتدر معها ـ حسب الإمكان ـ على إقامة الحجة من المقدمات المسلمة على أي مطلوب يراد ، وعلى محافظة أي وضع يتفق(٢٠٦) ، على وجه لا تتوجه عليه مناقضة. وإنما قُيّد التعريف بعبارة (حسب الإمكان) ، فلأجل التنبيه على أنّ عجز المجادل عن تحصيل بعض المطالب لا يقدح في كونه صاحب صناعة ، كعجز الطبيب مثلاً عن مداواة بعض الأمراض ، فإنّه لا ينفي كونه طبيباً»(٢٠٧) .

والمناظرة : «هي المحاورة بين فريقين حول موضوع لكل منهما وجهة نظر فيه تخالف وجهة نظر الفريق الآخر ، فهو يحاول إثبات وجهة نظره وإبطال وجهة نظر خصمه ، مع رغبته الصادقة بظهور الحق والإعتراف به لدى ظهوره»(٢٠٨) .

وبعد عرض هذه المعاني الثلاثة للحوار والجدل والمناظرة ، نخرج بالنتيجة التالية :

١ ـ إنّ لفظ (الحوار) ينسجم مع بحثنا أكثر من لفظ (الجدل والمناظرة) ؛ إذ أنّ الجدل وإن كان أكثر إستعمالاً في القرآن الكريم ـ حيث ورد في سبعة وعشرين موضعاً ، والحوار في ثلاثة مواضضع ـ ، إلا أنّ الغالب في إستعمال لفظ (الجدل) في النزاع والخصومة الفكرية ، وما يترتب على ذلك من نتيجة

__________________

(٢٠٥) ـ الفيومي ، احمد بن محمد : المصباح المنير ، ج ١ / ٩٣.

(٢٠٦) ـ الوضع : هو الدعوى التي يراد إثباتها أو إبطالها.

(٢٠٧) ـ المظفر ، الشيخ محمد رضا : المنطق / ٣٧٥.

(٢٠٨) ـ الميداني ، عبد الرحمن حسن : ضوابط المعرفة / ٣٨١.

١٥٢

عقيمة ، وقد تَحوّلت إلى صناعة يُقْصَد بها التدريب على الأخذ والرد لتعطيل قوة الخصم ، لا للوصول للقناعة والحقيقة ، بخلاف الحوار فإنّ الهدف منه هو الوصول للحقيقة.

٢ ـ إنّ لفظ (الحوار) أوسع مدلولاً من لفظ (الجدل والمناظرة) ، حيث يشمل الخصومة وغيرها ، ولذا جاء لفظ (الحوار والجدل) بمعنى واحد ، كما في قوله تعالى :( قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ) [المجادلة / ١].

قال الشيخ الطوسي (قده) في تفسير الآية : «وقد يقال : للمراجعة والمقابلة للمعنى بما يخالفه مجادلة ومن قابل المعنى بخلافه طلباً للفائدة فليس بمجادلة ، وقال أيضاً : والتحاور التراجع ؛ وهو المحاورة ، تقول : تحاور تحاوراً ؛ أي راجعه في الكلام»(٢٠٩) . إذن ، المحاورة تشمل الجدل والمناظرة.

٢ ـ تاريخ ونشأة الحوار :

الحوار مظهر بارز في القصة ، سواء القرآنية أو النبوية أو غير ذلك ، بل يعتبر جانباً مهماً في القصة ، حيث كان منتشراً فيها بشكل ملحوظ ، وعلى ذلك نرى أنّ موضوع الحوار يرتبط بشخصية الإنسان ، وإلى هذا يشير القرآن الكريم في قوله تعالى :( ...وَكَانَ الْإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا ) [الكهف / ٥٤]. فيمكن الإستفادة من هذه الآية الكريمة ، أنّ صفة الجدل والحوار من الصفات اللازمة للإنسان في طبعه كبقية الصفات التي تميزه عن سائر المخلوقات ، فقد طبع الإنسان على مواجهة الحياة ، بكل ما تحويه من أوضاع وأحداث وملابسات

__________________

(٢٠٩) ـ الطوسي ، الشيخ محمد بن الحسن : التبيان في تفسير القرآن ، ج ٩ / ٥٤١ ـ ٥٤٢.

١٥٣

فكرية ، ذات آراء مختلفة وأفكار متنوعة ، لتجسد له المعنى الذي تنطلق فيه آراؤه وأفكاره في مجال العرض وميادين الصراع ، والذي يهمنا بحثه هو الوصول إلى أنّ الحوار يتجسد في الإنسان المحاور الذي يعرف كيف يصل إلى عقل الإنسان الآخر بأقرب طريق وأفضل اسلوب ، وكان الحوار أسلوب الأنبياء ورسالتهم الإلهية إلى الإنسان ، وينطلق الحوار ليحرك الفكر والعاطفة والوجدان ، ومنهجاً للسير بالحياة إلى أهدافها الكبيرة ، وبعد كل ذلك تطرح السؤال التالي :

س / متى بدأ الإهتمام بلغة الحوار والجدل من الناحية العلمية؟

يمكن الإجابة على هذا السؤال فيما يلي :

يعتبر الفلاسفة أوّل من تبنى هذه الفكرة ، وتبعهم فيها المتكلمون ، وهكذا تطورت الفكرة بعد مرورها بأطوار إنسانية مختلفة ، يمكن حصرها فيما يلي :

أ ـ الفلاسفة :

مرت لفظة (الحوار والجدل) عند الفلاسفة بالأدوار التالية :

١ ـ «إستخدمت كلمة الجدل لأوّل مرة في الفلسفة من قبل زينون تلميذ برمنديس ينكر وجود الكثرة والتغيير في عالم الوجود أساساً ، بما أنّ هذا الإعتقاد يتنافى مع البديهيات الحِسيّة ، فقد أصبح موضع سخرية وإستهزاء من قبل الناس ، وإنطلاقاً من رغبة زينون في الدفاع عن أستاذه ، فقد إتخذ الجدل كأسلوب لنفض آراء الناس القائلة بوجود الكثرة والتغيير ، وهكذا فقط كان الجدل يمثل عند زينون وسيلة لنقش آراء الطرف المقابل ، وإثبات آرائه عن طريق برهان الخلف.

٢ ـ إستخدم السوفسطائيون الجدل في التغلب في المحاكم القضائية ، وإستحصال الأموال من الموكلين.

١٥٤

٣ ـ إستخدم الجدل في القرون الوسطى بمعناى المنطق ، والأساليب المنطقية لإثبات القضايا الفلسفية»(٢١٠) .

ب ـ الديانات :

إنّ الجدل والحوار كان شائعاً بين أتباع الديانات والملل السابقة على الإسلام كالتالي :

١ ـ الحوار والجدل بين الحنفاء الموحدين والمشركين.

٢ ـ الحوار والجدل بين اليهود والنصارى.

٣ ـ الحوار والجدل بين الفرق والمذاهب المسيحية ، في قضية التثليث وعلاقة عيسى عليه السلام بالله.

٤ ـ الحوار والجدل بين المذاهب اليهودية ، كالرّبانيّين والقُرّاء.

هذه بعض نماذج الحوار ، التي مرت بها الملل والديانات ، وما زالت مستمرة إلى هذه العصور ، ولكن باسلوب وطور مختلف.

ج ـ الإسلام :

عرف الإسلام بين الديانات بظهوره وبروزه في الحوار ، ولعلّ من أهم الشواهد على ذلك ، ما استعرضه القرآن الكريم من نماذج الحوار بين الديانات ، وكذلك ما ذكره المؤرخون من حوارات للنبي الاكرم محمد صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته الكرام عليهم السلام ، مع المشركين واليهود والنصارى والزنادقة ، التي تشكل قواعد وأسس يبتني عليها الحوار في كل زمان ومكان ، بل تعتبر تاريخاً مشرقاً وحضارة إسلامية من أجل توعية ال أمم البشرية عبر العصور ، إلى نشر الفضيلة

__________________

(٢١٠) ـ الرّي شهري ، محمد : الحوار بين الحضارات / ١٤ ـ ١٥.

١٥٥

والوصول بها إلى منتهى الكمال البشري المراد في الدنيا ، وسوف تتضح من خلال الأبحاث المدرجة في هذا البحث.

١٥٦

الفصل الأول

الحوار في القصّة

أ ـ طبيعة الحوار

ب ـ وظائف الحوار

١٥٧
١٥٨

أ ـ طبيعة الحوار :

تظهر أهمية الحوار في أنّه عملية سردية تتبع فيها الأحداث والمواقف بطريقة سردية رتيبة ، ولكي لا تبدو هذه الرتابة بصورة مُملّة ، فإنّ القصة تلجأ إلى إستعمال الحوار ، لإعطاء هذا السرد نوعاً من الحيوية والإثارة ، حتى تستطيع القصة أن تَشدّ المستمع إليها وتحمله على المتابعة المستمرة ، لأنّ المستمع سيجد في الحوار تشويقاً ومتعة لا حدّ لهما ، كما أنّ الحوار سيلبي لديه حاجته النفسية في حبه لإستطلاع معنى الحوار وأبعاده ، وما يترتب عليه من مواقف وما يُخلّفه من أحداث. فالملاحظ في الحوار أنّه يأتي في سياق القصة في صورة طبيعية ؛ أي أنّه يبرز إلى الوجود في ساحة القصة ، من خلال الموقف وبدافع منه ، فهو لا يقحم على السياق ولا يفرض عليه فرضاً ، والحوار قصير لا يستمر وقتاً طويلاً يمضيه المتحاوران في حديثيهما ، فلا يلبث بعد عدة فقرات أن يتوقف عند نقطة معينة ، والحوار في القصة لا يعرض علينا في مظهر مسرحي. بحيث يتم التحاور بين الأشخاص بالصورة المباشرة التي لا تشعر معها بوجود الراوي ، ولكنّه يعرض بصورة يكون فيها الحوار مضمناً في السرد ، فهو ذو علاقة وثيقة بالسرد بحيث نَحسّ بحضور الراوي يحكي لنا في أثناء سرده للقصة مقولات المتحاورين ، وينقلها لنا مسبوقة بلفظ «قال أو قالوا أو ما شابه ذلك» من ألفاظ ، وهذه هي الطريقة التي يصورها الحوار في قصص القرآن والسيرة النبوية.

ب ـ وظائف الحوار :

تظهر أهمية عنصر الحوار في القصة ، الدور البارز في بناء القصة والذي يتضح جلياً من خلال الوظائف المتعددة التي يؤديها في البناء الروائي لها كالتالي :

١٥٩

١ ـ المساعدة في رسم الشخصية ، فهو سيجعل الشخصية أكثر حضوراً وتجسيماً من خلال حضورها في الحوار ، وسيجعلها كاملة الوضوح أمام القارئ أو السامع الذي سيحس بها من خلال حديثها وكلامها والدور الحقيقي هنا للحوار ، وهو ما يحمله من ترجمة لمشاعر الشخصية وعواطفها وأحاسيسها المختلفة ، التي ستبوح بها من خلال الكلمات الواردة على لسانها.

٢ ـ تطوير الحدث ، والسعي به نحو حلقات جديدة ، ودفعه لبعث مواقف جديدة في خط سير القصة إلى أن تصل إلى النهاية المقصودة.

٣ ـ عميق الحدث في نفس السامع أو القارئ وتجسيده من خلال فقرات الحوار الدائرة حوله والمنبعثة منه.

٤ ـ المساعدة على تصوير مواقف معينة في القصة.

٥ ـ الكشف مغزى القصة ، وإبانة غرضها الذي ترمي إليه.

٦ ـ إنّ الحوار يضفي على القصة نوعاً من الواقعية الحيّة في نظر السامع أو القارئ ؛ إذ يحس أنّه أمام أحياء يمارسون وجودهم فعلاً ، من خلال ما يقرؤه أو يسمعه من أحاديثهم ومحاورتهم التي تردد على مسامعه في ثنايا القصة ، ومن خلال مواقفها المتعددة»(٢١١) .

__________________

(٢١١) ـ الزير ، محمد بن حسن : القصص في الحديث النبوي / ٢٥٠ ـ ٢٥٩ «بتصرف».

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554