تربة الحسين عليه السلام الجزء ٣

تربة الحسين عليه السلام10%

تربة الحسين عليه السلام مؤلف:
الناشر: دار المحجّة البيضاء
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 554

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 554 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 41289 / تحميل: 4271
الحجم الحجم الحجم
تربة الحسين عليه السلام

تربة الحسين عليه السلام الجزء ٣

مؤلف:
الناشر: دار المحجّة البيضاء
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

بدرجة يطيعون اوامره وينفذون وصاياه الىٰ هذا الحدّ !

فأنظر ـ والكلام لابن سينا ـ الفارق الىٰ ايّ مستوىٰ ! اجل يا بهمنيار ، فلا يمكن الادعاء بما للعظماء كذباً.

الاصدقاء جميعهم : الحقيقة عين ما اشرت إليه.

السبب الحقيقي لنفوذ نبي الاسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله

العقيد : اصدقائي ارجو ان لا تستعجلوا الحكم ، مع ان كلام الشيخ لا يمكن انكاره الى حدّ ما ، فنفوذ الرسول محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ليس عادياً ، لكني اتصور ان جزءاً من نفوذ قدرة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله في الناس الذين عاصروا ذلك العظيم هي الاعمال التي كانوا يرونها منه والتي كانوا يتصورونها معاجز ، في حين ان المعجزة والامر الذي ليس له اسباب وعلل طبيعية وعادية ، مشكوك فيه في عالمنا المعاصر ، والجزء الآخر من نفوذه والذي يرتبط بعصرنا فهو محصور بين المسلمين غير العلماء ، وطبيعي فالنفوذ الىٰ قلوب مثل هذه النماذج من الناس ليس امراً عجيباً أو صعباً.

طالب الطب ، حسن : انا اوافق سيادة العقيد في هذا الرأي.

الشيخ : اشكركم أيُّها السادة ، علىٰ طرحكم ما ترونه موضع اشكال بحرية تامة ودون مجاملات ، وهدفنا من طرح هذه المواضيع هو دراسة الاشكالات التي يراها الاصدقاء في مواجهة الدين الاسلامي المقدس ، والاجابة عليها.

٨١

الاصدقاء جميعهم : نحن مسرورون لهذا اللقاء ، وهذا اليوم الذي تعرّفنا فيه عليك لهو من اجمل ايام حياتنا ، فكلامك جميل ، واجوبتك وافية ، كما ان سفرنا يمضي بسرور ونحن مستفيدون من وقتنا.

الشيخ : تتلخص اشكالات سيادة العقيد في ثلاثة محاور :

الأول : ايمان اهل ذلك العصر بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كان بالمعجزة الىٰ حدّ ما.

الثاني : من الصعب اليوم القبول بالمعجزة.

الثالث : نفوذ رسول الاسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله اليوم ، غالباً ما نجده بين غير المتعلمين وغير العلماء.

وسنتكلم في المواضيع الثلاثة ـ ان شاء الله ـ حسب طريقتنا ، اي بشكل مختصر ومفيد.

أمّا الموضوع الأوّل :

خلافاً لما قاله سيادة العقيد ، فأن اغلب اهالي الجزيرة العربية والمسلمون الذين عاصروا الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله تأثروا بقوانين الاسلام التي جاء بها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ( طبعاً بالحد الذي كان المستوىٰ الفكري لذلك العصر يسمح به ) وبالاعجاز القرآني من حيث الفصاحة والبلاغة وكذلك بحياة الرسول الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله التي كانت غريبة عنهم ، وليست بسائر المعجزات.

لأنه : إذا كان ايمان العرب بالرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله حدث بالمعاجز فقط ، كان لابدّ ان يكون تقدم الاسلام وانتشاره سريعاً في السنوات الثلاثة عشرة التي قضاها

٨٢

الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله في مكة بعد البعثة ، لان اكبر واعظم معجزاته كانت في مكة ، في حين ان نمو الاسلام في مكة وقياساً للسنوات العشرة التي قضاها الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله في المدينة يعد لاشيء ، بل اصبحت الحياة له لا تطاق في مكة وهو مهدد بالقتل فيها مما اضطره للخروج منها ليلاً والهجرة الىٰ المدينة بأمر من الله تبارك وتعالىٰ ، اما المدينة فقد استقبلته واحتضنته وعاهدته في الدفاع عنه بكل ما تستطيع ، وقد وفو بعهدهم اليه حقاً ، لكن ما الذي دعىٰ أهل المدينة لاستقبال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله واحتضانه والدفاع عنه بالغالي والرخيص ؟

لم تكن المعجزات هي التي جعلتهم يقومون بذلك ، لأنهم لم يروا أية معجزة منه يوم تعهدوا له بالدفاع عنه ، بل كان موسم الحج وقد جاؤا الىٰ مكة فسمعوا كلمات القرآن المحيرة ، وسألوا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عن الاسلام وقوانينه واحكامه وما يدعوا اليه ، وبعد ان تعرفوا عليه آمنوا به طوعاً ، وسبب افتتانهم به هو ان قبيلتين منهم ( الأوس والخزرج ) كانتا تتقاتلان لقرن من الزمن ، وكانت بينهما دماء ومآسي ، فكم من الشباب قتلوا وكم من النساء ترمّلن وكم من الاطفال تيتموا وكم من الآباء ثكلوا.

كان اهل المدينة قد عانوا الكثير ، كانوا يعيشون حالة من التوحش الكامل ، وقد ملّوا من الجرائم والدماء ، وكان انحطاطهم الاخلاقي بمستوىٰ جعلهم يستشرون ضرورة وجود مصلح وقوانين عادلة تنقذهم من شقائهم ، كانوا بحاجة الىٰ قوة تستبدل البغض والحقد الذي في قلوبهم بالعاطفة والمحبة ، لقد فهموا ان عليهم ايقاف حمامات الدم تلك ونبذ حياة التوحش والظلم والجريمة.

٨٣

ولكن ، من هو الشخص الذي يقوم بذلك العمل الجبار ويبلغهم تلك الآمال ؟ من هو الرجل الذي يرفع لواء العدل ويجمع هؤلاء المظلومين تحت رايته ؟ وهل يمكن ان يجدوا مثل ذلك الشخص وبتلك المواصفات في بلاد مثل الجزيرة العربية ؟

اجل ، لقد رأىٰ اهل المدينة ذلك الرجل الذي ينشدونه في سفر حجهم وادركوا انه الوحيد الذي يستطيع انهاء وضعهم المأساوي ، ولهذا اجتمعوا حول الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ونصروه في الشدائد والمشكلات ، ولماذا لا يفتتنوا بالرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟! ولماذا لايفتدوه بأموالهم وانفسهم ، فرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ما رآه ذو قلب سليم وشاهد صفاته التي لا تجتمع لأحد ، إلّا وخضع امامه واستسلم له ! فأي صخرة صماء ذلك الذي يرىٰ جميع تلك الفضائل : الوفاء والتواضع ، حسن الخلق ، نصرة المظلوم ، الرأفة ، الشجاعة ، الشهامة ، العفو ، الأدب ، الصدق ، الامانة ، عدم الاعتناء بالدنيا ومئات الفضائل الأخرىٰ ، ولا يمتلىء قلبه بحب الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟! فهل يمكن لبشر عادي ان يكون هكذا ؟

اجل صفاته واخلاقه مع الناس ومع ابنائه وازواجه ومع اتباعه ومع العبيد والصغار و الخ هي التي جعلت الناس تفتتن به ويكون له نفوذ في قلوبها ، وليست المعجزات التي جاء بها.

٨٤

سيرة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله المليئة بالفخر

سيادة العقيد ! من أجل أن يتّضح الموضوع بشكل جيد ، ولكي تعرفوا هل معجزات النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أو اسلوبه اخلاقي هو الذي سخر قلوب اهل زمانه له ، سأضطر الىٰ بحث مختصر حول اخلاق الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وفضائله وملكاته الفاضلة.

بلع العلى بكماله

كشف الدجى بجماله

حسنت جميع خصاله

صلّوا عليه وآله

معاملة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لأهل بيته

كان الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله مبتسم علىٰ الدوام مع اهل بيته ، ولم يكن فظَّاً غليظاً معهم ، فقد كان يحنو عليهم ويعاملهم برأفة ، كان يحاول جهد الامكان ان لا يغتمّوا ولا يحزنوا ، وكان عادلاً بينهم حتىٰ انه لم يشتكي منه احد مدىٰ حياته ، يساعدهم في اعمال البيت ، وكان يقول : مساعدة الزوجة في عملها بالبيت صدقة ، ومع ان بعض نساءه كنّ يتجرأن عليه ويعاملنه وكأنه رجل عادي كسائر الرجال وكنّ يؤذينه ويغضبنه ويتعرضنّ عليه ويتدخلن في اعماله ، مع ذلك كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله محافظاً علىٰ عدالته بينهنّ ، ويجب ان لا نتصور ان جميع وسائل الراحل كانت متوفرة لتلك النساء ، لانهنّ نساء امبراطور الاسلام ، أبداً فلا

٨٥

الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله كان امبراطوراً ، ولا نساءه كنّ مثل حريم الاباطرة.

فلم يكن لهنّ قصور ولا غلمان وجواري ، وفي بعض الاحيان لم تتوفر لهنّ ابسط ضروريات الحياة ، لكن ثغر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله الضحوك ووجهه البَشر وقلبه الرحيم العطوف ، كان بلسماً لكل وضنك ذلك العيش.

تقول اُمّ سلمة : احدىٰ نساء النبي :

في ليلة زفافي،حيث دخلت بيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كنت اسكن في غرفة لم يكن فيها الّا قليل من الشعير ومطحنة يدوية ووعاء للعجين وقدر لعمل الخبز وكوز ماء ، فطحنت الشعير وعجنته وصنعت اقراصاً من الخبز ، اكلتها. وهكذا كانت حياة نساء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله حتىٰ في ليلة زفافهنَّ.

معاملة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لأبنائه

لا يمكن وصف المحبة والعطف الذي كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يغدقه علىٰ ابناءه ، لقد كان يحب ابناءه واحفاده كثيراً جداً ، كان يجلسهم علىٰ ركبتيه ويداعبهم ويقبل وجوههم ، حتىٰ انه كان يلاعبهم احياناً ، ومحبته لابنته الزهراءعليها‌السلام وابنائهاعليهم‌السلام معروفة ومشهورة.

معاملة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لأصدقائه

معاملة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لأصدقائه ومحبيه ، تشبه معاملته لابنائه ، ولهذا السبب كان الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله محبوباً عند اصدقائه ، الى حدّ يفوق التصوّر.

٨٦

وفي حادثة وقعت بعد معركة احد ، كانت مكة قد اعدّتها ودبّرتها ، حيث جاءت مجموعة من الاعراب الىٰ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله في المدينة وطلبت ان يذهب معهم جماعة من المسلمين لتبليغ الدين وبيان الاحكام ، فأرسل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله معهم جماعة من المسلمين برئاسة عاصم بن ثابت ، لكن الأعراب قاموا بقتل المسلمين غيلة إلّا اثنين منهم اسروهم وارسلوهم الىٰ مكة وباعوهم علىٰ المشركين ، وكان زيد بن دثية احد الاسيرين ، فأشتراه صفوان بن اُمية ، لكي يقتله ثأراً لأبيه ، وبعد ان سجنه لفترة ، تقرر ان يُقتل في يوم معين.

وفي ذلك اليوم اجتمع اهل مكة جميعهم ، ليشاهدوا قتل ذلك الشاب المسلم ، انتقاماً لقتلاهم في بدر.

وفي النهاية ، حانت ساعة الاعدام ، فجاءوا ب‍ « زيد » وقد اجتمعت جميع طبقات مكة من كبارها ورؤساء قريش من التجار والمزارعين والنساء والفتيات والاطفال ، اجتمعوا اطرف المشنقة ، في تلك اللحظات التفت أبو سفيان وهو زعيم قريش الىٰ زيد وقال : أتحبُّ ان يكون محمداً مكانك هنا حتىٰ يعدم وترجع انت سالماً الىٰ اهلك ، اقسم عليك بمن تعبد ان تقول الصدق ؟

فأجابه زيد : يا أبا سفيان ، أقسم باللهِ ، أحبُّ ان اُقتل هنا ولا تصيب قدم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله شوكة فتؤذيه ! إفصاح أبو سفيان بعد تلك الاجابة : لم أرَ احداً اعزّ من محمد عند اصحابه.

أجل ، كان الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ودوداً مع اصحابه للحد الذي جعلهم يهيمون بحبه ، فلم يحملهم في حياته شيئاً ، ومع انه كان القائد وزعيم المسلمين الذي

٨٧

فتح الجزيرة العربية واخضع الجميع للاسلام ، لكنه وفي احدىٰ اسفاره ارادوا ان يذبحوا شاة للأكل ، فتعهد كل واحد بعمل ، فقال احدهم : انا أذبحها ، وقال الآخر : انا اسلخها وقال الثالث : أنا اطبخها ، فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وانا اجمع الحطب للطبخ.

واضح ان العمل الذي تكفّل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله به اشقّ من أعمال الآخرين ، لأنه كان يحتاج الىٰ كمية كبيرة من حطب الصحراء ! لكي تطبخ شاة ، لذلك قال المسلمون : يا رسول الله ، نحن نجمع الحطب ولا تؤذي نفسك انت.

لم يقل المسلمون ذلك مجاملة منهم للرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله لأنهم بذلوا كل ما يملكون من اجله ، هؤلاء الناس لا يتحدثوان زيفاً وتملّقاً وانما لم يحبوا ان يتعب الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله نفسه.

لكن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لهم : اعلم انكم لا تحبون ان اتعب ، لكني لا اُريد ان افضل علىٰ اصحابي ، والله لا يحب الذين يميزون انفسهم عن الآخرين.

وهكذا عندما بنىٰ المسلمون مسجد المدينة ، كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يحمل معهم الحجارة والتراب ، وعندما حفروا الخندق(1) اختص الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله لنفسه حصة من العمل كسائر المسلمين ، بل انه كان يعمل اكثر من الآخرين.

________________

(1) هو الخندق الذي حفره المسلمون حول المدينة لصد الاعداء في معركة الاحزاب.

٨٨

اصدقائي !

ألم يكن اهل الجزيرة العربية محقّون في الخضوع لهذا الرجل والافتتنان به ؟! وهل رأيتم رجلاً في العالم يتعامل بهذه الروح السمحة والمحبة للخير مع اتباعه والذين يأتمرون بأوامره وهو في قمة هرم السلطة ؟! هذه التصرفات والمعاملة الاخلاقية لا توجد الّا عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

معاملة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لأعدائه

لقد عامل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله اعداءه كما كان يعامل اصدقاءه واصحابه ، فأي شخص لم ينتقم بشدة في اليوم الذي يتسلط فيه علىٰ اعدائه وينتصر عليهم ؟! لكن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله كان رؤوفاً بأعدائه ، ينظر اليهم بعين العطف ، وكان متسامحاً للحد الذي وصفوه ـ الاعداء ـ بالعظيم والكريم.

ففي غزوة ذات الرقاع ، كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله واقفاً الىٰ جانب نهر ، وفجأة جاء سيل وحال بين الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وجيش المسلمين ، فرأىٰ احد جنود العدو ان الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله لوحده وبعيداً عن معسكره ، فجاءه شاهراً سيفه ظاناً ان اللحظة مؤاتية لقتل الرسول ، وقال : يا محمد ، من سينجيك مني ؟

قال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ربي.

ضحك الرجل مستهزءاً ، وهوىٰ بسيفه بقوة علىٰ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، لكن الله وقىٰ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله شره ، فوقعت به فرسه قبل ان يضرب ضربته ، ووقع علىٰ الارض ، فوقف الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله فوق رأسه وأعاد عليه كلامه ، قال : من سينجيك

٨٩

مني ؟!

فقال الرجل وعيناه تبرق املاً : جودك وكرمك يامحمد !!

فما هو اساس ذلك الكلام في تلك اللحظات الحرجة ؟ هل قال الرجل كلامه تملّقاً ؟! بالتأكيد ، لم يقله تملّقاً.

لقد رأىٰ الرجل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله شاهراً سيفه فوق رأسه ، وتذكر اللحظات السابقة ، كان والوضح حرجاً بالنسبة له في الظاهر ، لانه لو قام النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بقتله كان قد فعل ماكان هو يريد فعله قبل لحظات ، الاّ انه لم يوفق لذلك ، والأمل الوحيد لذلك المشرك هو أن الذي يريد قتله ليس انساناً عادياً كسائر الناس بل هو رجل الحق ، كريم بمعنىٰ الكرم ، عفوّ ورؤوف ، لقد تكلّم الرجل المشرك بكلامه استناداً الىٰ تاريخ ذلك الرجل الذي يريد قتله ، فحياته مليئة بالكرم والبذل والعمل الصالح والمحبة ، ولا بدّ أنَّ المشرك تذكر تلك السنة التي اصاب القحط فيها مكة ، فكان ذلك الرجل الذي شهر سيفه الآن عليه ، مثل الأب الرحيم علىٰ ابناءه ، يشتري الطعام بأمواله واموال خديجة ( بعد الاستأذان منها ) ، كان يشتري القمح والشعير والابل ويقدمها الىٰ الضعفاء في مكة واطرافها ، وبذلك نجّاهم من الموت جوعاً.

كان المشرك يعلم ان هذا الرجل يحمل بين جنبيه قلباً عطوفاً رحيماً ، فكان محقاً بأن يأمل ويرجو في تلك اللحظات الحرجة تماماً ، لذلك قرر الاجابة علىٰ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله بما يعرفه عن ماضيه وعطفه واحسانه ، لكن الوقت كان ضيقاً واللحظة خطرة ، فليس هناك مجال للأسهاب في الكلام ، ولهذا اجاب الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله موجزاً ، وقال : « جودك وكرمك يا محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله » ، أي عظمتك

٩٠

ومقامك وعفوك ورأفتك يمكن ان تنجيني.

أجل ، لقد فكّر ذلك الرجل بشكل صحيح ، وكان رجاءه في محله ، لقد انجاه كرم الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله لأنه عندما سمع تلك العبارة ، انزل السيف جانباً ، وقال للرجل : انهض واسرع الىٰ جيشك(1) .

أيُّها السادة !

ألا يستطيع هذا الرجل ان يسخر قلوب الناس بهذه الاخلاق والمكارم الالهية التي هي بذاتها من اكبر المعجزات ؟! هل ان تأثير هذه التصرفات في جذب قلوب الناس اقل من بيان سائر المعجزات ؟

اعجاز النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله الاخلاقي عند فتح مكة

اشرنا من قبل أن اهل مكة شاهدوا اكبر المعجزات علىٰ مدىٰ ثلاثة عشرة سنة من بداية البعثة ، تلك المعجزات التي لو رآها أي انسان لأعترف بالنبوة والرسالة ، إلّا انهم كانوا اصم من الصخر فلم تؤثر فيهم ولم يؤمنوا بالرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، لكن اولئك الناس عندما شاهدوا عفو الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وعطفه عليهم عند فتح مكة لانت قلوبهم وآمنوا بالدين.

لقد كان لمعاملة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله لهم في ذلك اليوم اكبر الاثر في اسلامهم ، وهو بنفس الوقت خير دليل علىٰ ما قاله النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عن نفسه :

________________

(1) روضة الكافي ، تأليف ثقة الاسلام الكلينيقدس‌سره

٩١

« ادبني ربي فأحسن تأديبي ».

كما انه نموذج كامل لأسلوبه الاخلاقي في التعامل مع اعدائه.

دخل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله مكة دون قتال ( سوىٰ مقاومة صغيرة من بعض المشركين ابيدت علىٰ يد جيش الاسلام ).

ومكّة هي مسقط رأسه التي يهفو إليها قلبه علىٰ الدوام ، حتىٰ في الليلة التي اراد ان يهاجر فيها الىٰ المدينة ، نظر الىٰ اطرافها بحسرة ، واغرورقت عيناه بالدموع ، فنزل عليه الامين جبرائيل ووعده من جانب الله بأن يرجعه اليها. وكانت سنوات تمرّ علىٰ ذلك الوعد الالهي ، والرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ينتظر ، فمضت اشهر وسنين ببطء وحان الوقت الذي ينجز فيه الوعد.

* * *

عقد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله صلحاً مع كفار قريش وأهل مكة في الحديبية ، إلّا ان الكفار لم يعملوا بمفاد الصلح ، فكانت النتيجة ان الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله عزم علىٰ فتح مكة بأمر من الله ، وسار نحوا بعشرة آلاف مسلم ، وقد علم اهل مكة من خلال ابي سفيان « الذي ذكرناه تفاصيل لقاءه بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قرب مكة » بالتعبئة العامة للمسلمين.

طوىٰ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الطريق بين المدينة ومكة ، حتىٰ وصل الىٰ« ذي طوىٰ »(1) . نظر الىٰ ما حوله ، فوجد جيشاً قوامه عشرة آلاف مقاتل مستعدون

________________

(1) مكان مشرف علىٰ مكة.

٩٢

لنصرته وقلوبهم تطفح بالمحبة. فتذكّر يوم هجرته ، ذلك اليوم الذي خرج فيه خائفاً يريد الحفاظ علىٰ نفسه من مكة هذه. لكنه يعود اليها اليوم ومعه عشرة آلاف مقاتل من المسلمين الشجعان ، فمن الذي منحه تلك القوة ؟!

أهو غير ربّه الذي يدعوه ؟! بالتأكيد لا.

فلا احد يستطيع ان يحببه الىٰ قلوب الناس بهذا الشكل سوىٰ الله القادر والمهيمن ، اذن ، فاليوم هو اليوم الذي وعده به الله ، وقريب ما يتحقق الوعد الالهي.

نعم ، جميع ما حدث كان بنصر الله ، فلماذا لا يسجد له ، لماذا لا يعبده ؟ وكان ان صاح النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله :

« لا إله الّا الله ، وحده وحده ، انجز وعده ، ونصر عبده ، واعزّ جنده ، وهزم الاحزاب وحده ».

وذكر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله نِعَم الله ، تلك النِعَم التي يعجز عن شكرها ، واتقدت شعلة الحب الالهي في قلبه اكثر من ذي قبل ، يريد ان يسجد لربه ، لكنه لا يزال على ظهر الناقة ، تجسم العشق الالهي ورأفة الله به بحيث لم يستطع الصبر لينزل من علىٰ ظهر الناقة كي يسجد ، فسجد شكراً لله وهو علىٰ الناقة ، ثم رفع رأسه من السجود ، فوقعت عيناه علىٰ مكة ، تلك المدينة التي تتوسطها الكعبة ، حيث بناها جده ابراهيم الخليلعليه‌السلام ، موطن آباءه والمكان الذي يهفو اليه قلبه.

جميع تلك الاسباب جعلته يناجي مكة ويظهر لها حبه ، فقال : الله يعلم احبك ، ولو لا ان اهلك اخرجوني عنك لما آثرت عليك بلداً ، ولا ابتغيت بك بدلاً ، اني لمغتم على مفارقتك.

٩٣

فلماذا خاطب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله مكّة بهذا الكلام ؟!

وكأنما كان يسمع مسقط رأسه ، أي مكة هذه ، تعاتبه وتقول له : لماذا هجرتني ، وفارقتني ثمان سنوات ، ياحبيب الله ، انا ايضاً أحبك ، فلماذا تركتني الىٰ المدينة التي اخترتها بدلاً مني ، فهل كنت سيئة معك ؟!

وبعد أن أتمّ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله كلامه ، تحرك من ذي طوىٰ ودخل الحجون(1) ، فأغتسل هناك وركب ناقته حتىٰ يدخل مكة.

مكّة في انتظار النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله

اجتمع اهل مكة ووقفوا مع زعماء قريش ورؤساء القبائل الىٰ جانب الكعبة ، لكي ينظروا دخول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكانوا يريدون بذلك أمرين :

الأول : رؤية رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

الثاني : معرفة مصيرهم.

دخل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله مكة واستسلم الحجر الاسود من علىٰ الناقة ، ثم ارتفع صوتهصلى‌الله‌عليه‌وآله بالتكبير :

الله اكبر الله اكبر

فتعالت معه حناجر عشرة آلاف مسلم الله اكبر ، كان صوت التكبير يملأ سماء مكة وينعكس في جبالها ، لكن تأثيره في قلوب المشركين كان اشدّ.

________________

(1) محل اقرب الىٰ مكة من ذي طوىٰ.

٩٤

لقد خاف زعماء قريش من ذلك الصوت ، وكأنما سمعوا صيحة من السماء ، فأضطربت قلوبهم واخذت تخفق بشدّة.

بعد التكبير ، ترجل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من الناقة ، ودخل الكعبة كي يطهرها من رجز الاوثان ، فلا يجدر ببيت بُنيَ فيه الله ان يكون مأوىٰ الاثم ومركز الاصنام ، وكان علىٰ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ان يطهر البيت من تلك الاصنام والآلهه المصنوعة من الخشب أو الحجر.

وقام الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله بالاطاحة بالاصنام الواحدة بعد الاُخرىٰ ، بعصاه ، وهو يقول :

( جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا ) (1) .

( قُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ ) (2) .

أجل ، لقد انتهىٰ زمان الاصنام وعبادتها ، انتهى عصر الانحناء والخضوع امام آلهة صنعت من معدن أو خشب علىٰ هيئة البشر ، لقد حان الوقت الذي يعبد فيه الناس الله سبحانه وتعالىٰ ، ويخرجوا من ذلّ عبادة هذه الاوثان ، الىٰ عزّ عبادة رب العالمين.

وبعد ان فرغ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من الاطاحة بالاوثان ، توجه الىٰ اهل مكة ، فوجدهم قد اصطفوا مثل التماثيل التي صنعت من حجر ، وكأن علىٰ رؤوسهم الطير ، لا يتحركون ولا يحركون ساكناً ، ووجوهم المصفرة تعبر عن اضطرابهم الداخلي ( بعد ان شاهدوا قوة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وجيش المسلمين ) ، كانت عيونهم

________________

(1) سورة الاسراء : 81.

(2) سورة سبأ : 49.

٩٥

تريد الخروج من حدقاتها من شدة الخوف ، كانوا غارقين في افكارهم ، ويتصورون المصير الذي ينتظرهم ، بعد تلك الحروب التي خاضوها ضد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله والاذية التي آذوه ، لكنهم في نفس الوقت يرجون شيئاً من شخص الرسول الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله ، لأن اهل مكة يعرفون جيداً ، ان الرجل الذي دخل مكة اليوم ظافراً منتصراً ، هو محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ذو القلب العطوف والرحيم ، محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله الذي من شيمه العفو عند المقدرة والصفح عمن اساء له ، محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله الذي لا يظلم حتىٰ اعتىٰ اعدائه واقساهم ، محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ليس كالآخرين الذي لا يفكرون عند انتصارهم سوىٰ بالانتقام ، فهو الذي وصفه الله سبحانه وتعالىٰ في القرآن ، فقال :

( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ) (1)

فلماذا لا يرجوا أهل مكة فيه الخير ؟! ولماذا لا يمتزج خوفهم واضطرابهم بالامل ؟! لقد رأىٰ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ذلك الخوف والرجاء في وجوههم ، لكنه اراد ان يسمعه منهم ، فقال لهم : ماذا تقولون وتظنون ؟

فأجابه اهل مكة : نقول خيراً ونظن خيراً ، اخ كريم وابن اخ كريم وقد قدرت.

كان جواب اهل مكة مزيج من الخوف والامل ، فعبارة « قد قدرت » استخدمت للتعبير عن الخوف ، لكن العبارات التي سبقت ذلك كانت مفعمة بالرجاء لكن كفة الامل والرجاء كانت تفوق احتمال الانتقام.

ومن حقِّ أهل مكة ان يأملوا العفو والمسح من مثل ذلك الرجل العظيم ،

________________

(1) سورة الانبياء : 107.

٩٦

لأنه لو كان يريد الانتقام منهم ، لما اعطىٰ أبا سفيان الامان ، وجعل بيته مأمناً لأهل مكة ، فلماذا لا يأملوا بعد ذلك ، في حين ان ابا سفيان في خارج مكة عندما التقىٰ برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وبعد ان شاهد جيش المسلمين وهو واقف مع العباس عمّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، كان قد سمع سعد بن عباد رئيس قبيلة الخزرج ، يقول بصوت عال :

اليوم يوم الملحمة ، اليوم تسبىٰ الحرمة ، اليوم تذل قريش.

فخاف أبو سفيان بعد سماعة ذلك الكلام ، واخبر الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله بذلك ، فقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : لا تخف يا ابا سفيان ، سعد مخطيء ، اليوم يوم المرحمة ، اليوم تصان الحرمة ، اليوم تعزّ قريش.

ألم يكن اهل مكة محقّون في رجائهم ؟ لذلك اجابوا الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وقالوا : نقول خيراً ونظن خيراً.

أما النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فعندما سمع جوابهم ذلك ، اغرورقت عيناه المباركة بالدمع ، وعندما رأىٰ ذلك أهل مكة تجلت امام اعينهم جميع اعمالهم السيئة السابقة ، فتذكروا التهم التي كالوها له ، والسباب والرمي بالحجارة والحصار في شعب ابي طالب ومهاجمة بيته ليلاً لقتله واجباره علىٰ ترك وطنه الىٰ يثرب ، ومئات الاعمال الاخرىٰ التي جعلتهم يقفون ذلك الموقف النادم اليوم ، وشاهدوا ايضاً ذلك الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله الذي قاسىٰ ماقاساه منهم ، لكنه يقف اليوم ويعاملهم بلطف ورأفة وهو المنتصر والفاتح الذي يستطيع الانتقام.

فالخجل الذي اعتراهم من مواقفهم تلك من جهة ، والرأفة والحب الذي شاهدوه من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من جهة اخرىٰ ، اهاجتهم وجعلت اصواتهم ترتفع

٩٧

بالبكاء ، لقد كان الجميع يذرفون الدموع ، النادمون من سوء اعمالهم ، والمنتصرون الذين عادوا الىٰ وطنهم وحرروا قبلتهم ، حتىٰ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يذرف الدمع ، وبعد لحظات من تلك الحالة ، قال لهم الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله : سأقول لكم ما قاله أخي يوسفعليه‌السلام لأخوته الذين غدروا به :

( قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ) (1) .

صحيح انكم لم تنظروا فيّ انكم قومي وعشيرتي ، فأستبحتم ايذائي والوقوف بوجهي ، ولكن لا تخافوا « اذهبوا فأنتم الطلقاء » ، ولا يحق لاحد ان يتعرض لكم ولأموالكم.

وبهذه الكلمات المتقطبة ، خطّ علىٰ اعمالهم السيئة وغفر لهم اخطاء عشرين سنة بحقه.

اصدقائي الاعزاء !

أي واحدة من معجزات النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله تستطيع ان تسخر قلوب اعتىٰ الاعداء مثل هذا الحدّ الذي يفوق تصور البشر ؟ ألم يكن هؤلاء الناس ، هم انفسهم الذين شاهدوا اكبر المعجزات علىٰ مدىٰ عشرين سنة ولم يأمنوا ولم تتغير نفوسهم ، بل كلما جاءهم الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله بمعجزة وآية جديدة ، كانوا يزدادون غضباً وغيضاً وتتحد صفوفهم اكثر في عدائه ، في حين ان العفو العام الذي أعلنه الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو في الحقيقة من معجزاته الاخلاقية التي ليس لها ________________

(1) سورة يوسف : 92.

٩٨

مثيل ، استطاع ان يحرك عواطفهم ، للحد الذي تعالىٰ فيه صوت البكاء من تلك القلوب القاسية حتىٰ ملأ ارجاء مكة.

النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لا يدعو بالسوء

وفي معركة اُحد ، بعد ان دحر جيش الاسلام قوىٰ المشركين ، وعلىٰ اثر غفلة المسلمين وعدم اطاعتهم أوامر الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، استفاد جيش المشركين من تلك الفرصة ، وهجم من جديد علىٰ المسلمين ، فكانت نتيجة حملاته المتكررة والشديدة ان فرّ المسلمون الّا الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ونفر من المجاهدين الذين صمدوا رغم شدة البلاء ، وقد جرح الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وكسر سنّة وكان الخطر محيط به من كل جانب ، في تلك اللحظات ، قال له بعض اصحابه الذين صمدوا معه : ادعو يا رسول الله علىٰ اعدائك بالهلاك. فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : ما بعثت لذلك ، وانما بعثت لأكون رحمة للعالمين.

اجل هذه النماذج قليلة من معاملة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لأعدائه.

معاملة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لغلمانه

المعاملة التي كانت للرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله مع غلمانه ، لا يوجد مثيل لها الّا في عترته الطاهرة ، فلم يكن يُحسن إليهم فقط ، ويعاملهم كأفراد الاسرة ، بل وصىٰ المسلمين بهم كثيراً ، فقال : اطعموهم مما تطعمون والبسوهم مما تلبسون. ولم يطلب منهم يوماً القيام بعمل يذلّهم أو يكون لهم عاراً ، ولم يكن يشكل علىٰ

٩٩

اعمالهم.

يقول أنس الذي لازم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله سنوات عديدة : خدمت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عشرة سنوات ، فلم يزجرني بكلمة ابداً خلال تلك الفترة ، ولم يشكل علىٰ ايّ عمل قمت به لرأفته ، ولم يؤاخذني علىٰ شيء لم افعله أو عمل قصرّت فيه.

ورأفته كانت بحيث يقول أنس : طلب مني النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يوماً ان انجز له عمل ، لكني شغلت في الطريق بمشاهدة لعب الاطفال ، فمضىٰ علىٰ ذلك وقت كثير ، وانا لازلت انظر الاطفال في لعبهم ، وفجأة رأيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يمسك بقميصي من الخلف ، ويقول لي وهو يبتسم : اذهب الىٰ ما أرسلتك اليه.

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

وأما جواب السؤال : راجعوا كتب التفاسير واللغة فإنّهم قالوا في معنى السجود ، وضع الجبهة على الأرض للعبادة ، وهو منتهى الخضوع ، ولقد أفتى أئمتكم بأنّ كل ما يفرش به الأرض يجوز السجود عليه ، سواء كان من صوف أو قطن أو إبريسم أو شيء آخر ، فأجازوا السجود على كل شيء حتى أفتى بعضهم بجواز السجود على العذرة اليابسة!

لكن فقهاءنا تبعاً لأئمة أهل البيت من العترة الهادية عليهم السلام قالوا بعدم جواز السجود إلا على الأرض أو ما أنبتته مما يؤكل ولا يلبس ، فالبساطة والفرش لا يصدق عليه اسم الأرض ، بل يكون حاجزاً بينها وبين الجبهة ، لذلك فنحن نأخذ طينة يابسة ـ تسهيلاً للأمر ـ ونسجد عليها في الصلاة.

الشيخ عبد السلام : نحن نعلم بأنكم تخصصون تراب كربلاء للسجود ، فتصنعون منه أشكالاً مثل الأصنام فتقدسونها وتحلونها في مخابئكم وتقبلوها وتوجبن السجود عليها ، وهذا العمل يخالف سيرة المسلمين ولذلك يهاجمونكم ويشنون عليكم تلك التهم والكلمات غير اللائقة بكم.

قلت : هذه المعلومات الي أبديتها هي من تلك المسموعات التي سمعتها من مخالفينا وأعدائنا ، وتلقيتها بالقبول بدون تحقيق وتفحّص ، وإنّ من دواعي الأسف وجود هذه الحالة ؛ إذ تذعنون بشيء من غير تحقيق ، فترسلونها إرسال المسلمات ، وتنتقدون الشيعة في أشياء وهميّة ليس لها وجود ، وقد قيل : «ثَبّت العرش ثم انقش». وإنّ كلامكم بأننا نصنع من تراب كربلاء أشكالاً مثل الأصنام فنقدسها كلام فارغ ، وتقول باطل وليس إلا إتهاماً وإفتراء علينا ، وغرض المفترين إلقاء العداوة والبغضاء بيننا وبينكم ، وتمزيق المسلمين وتفريقهم ، كل ذلك لأجل الوصول إلى مصالحهم الشخصية ، ومنافعهم المادية

١٨١

الفردية ، كما قيل : «فرّق تسد» ولو كنتم ـ قبل الحين وقيل أن تصدقوا كلام المغرضين ـ تفتشون عن الواقع وتحققون عن الموضوع ، بأن تسألوا عن الشيعة الذين تعرفونهم وتجاورونهم ما هذه الطينة التي تسجدون عليها؟ لسمعتم الجواب إننا نسجد لله سبحانه على التراب ، خضوعاً وتعظيماً له عَزّ وجَلّ ، ولقالوا : لا يجوز عندنا السجود بقصد العبادة سوى الله سبحانه وتعالى ، واعلم أيها الشيخ بأنّ علمائنا وفقهاءنا لم يوجبوا السجود على تراب كربلاء كما زعمت! ويكفيك مراجعة كتبهم الفقهية ورسائلهم العملية التي تتضمن الفروع والمسائل الأولية في العبادات والمعاملات وغيرها ، فإنّهم أجمعوا على جواز السجود على الأرض ، سواء التراب أو الحجر والمدر والرمال ، وغيرها من ملحقات الأرض وعلى كل ما يطلق عليه الأرض عدا المعادن ، وكذلك أجازوا السجود على كلما تنبتها من غير المأكول والملبوس ، هذا بحكم السنة الشريفة ، والأول بحكم الكتاب العزيز. ولذا قالوا : بأنّ السجود على الأرض أفضل ، وبعض فقهائنا أجاز السجود على النبات من غير المأكول والملبوس عند فقدان مشتقات الأرض ، لذلك وعملاً بالأفضل نحمل معنا طينة يابسة لكي نضعها على الفرش والبساط ونسجد عليها في الصلوات ؛ لأنّ أكثر الأماكن مفروشة بما لا يجوز السجود عليه كالبُسط المحاكة من الصوف أو القطن وما شابه ذلك ، وتسهيلاً للأمر فإننا نحمل معنا الطينة اليابسة ، لنسجد عليها في الصلاة ، وأما إذا صادف أن وقفنا على التراب للصلاة ، فلا نضع الطينة اليابسة ، بل نسجد على نفس التراب مباشرة ، إذ يتحقق السجود الذي أراده الله تعالى من عباده المؤمنين.

١٨٢

الشيخ عبد السلام : لكنا نرى أكثركم تحملون تربة كربلاء وتقدسونها ، وكثيراً ما نرى الشيعة يقبلونها ويتبركون بها ، فما معنى هذا؟ وهي ليست إلا تربة كسائر التراب؟

قلت : نعم نحن نسجد على تراب كربلاء ، ولكن هذا لا يعني الوجوب ، فلا يوجد فقيه واحد من فقهاء الشيعة في طول التاريخ أفتى بوجوب السجود على تراب كربلاء ، وإنّما أجمعوا على جواز السجود على تربا أي بلد كان ؛ إلا أنّ تراب كربلاء أفضل ؛ وذلك للروايات الواردة عن أئمة أهل البيت عليهم السلام بأنّ السجود على تراب كربلاء يخرق الحجب السبع ، يعني : يصل الى عرش الرحمن والصلاة تقع مقبولة عند الله سبحانه وتعالى.

وهذا تقدير معنوي لجهاد الإمام الحسين عليه السلام ؛ إذ أنّه أقدم على الشهادة في سبيل الله لأجل إحياء الصلاة وسائر العبادات ، فتقديس التربة التي أريق عليها دماء الصفوة من آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، وتقديس التربة التي تحتضن الأجساد المخضبة بدماء الشهادة والجهاد المقدس ، والتربة التي تضم أنصار دين الله وأنصار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وأهل بيته الأطهار ، تقديسها تقديس للدين وللنبي صلى الله عليه وآله وسلم ولكل المكارم والقيم ولكل المثل العليا التي جاء بها سيد المرسلين وخاتم النبيين محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، ولكن مع كل الأسف نرى بعض من ينتسبون إلى السنة ـ وهم أشبه بالخوارج والنواصب ـ يفترون على لاشيعة بأنهم يعبدون الإمام الحسين ، ويستدلون لإثبات فريتهم وباطلهم ، بسجود الشيعة على تراب قبر الحسين عليه السلام؟! مع العلم بأنّه لا يجوز عندنا عبادة الإمام الحسين عليه السلام ، ولا عبادة جَدّه المصطفى وأبيه المرتضى الذين هما أعظمرتبة وأكبر جهاداً من الحسين عليه السلام.

١٨٣

وأقول بكل وضوح : بأنّ عبادة غير الله سبحانه وتعالى كائناً من كان ، كفر وشرك. ونحن الشيعة لا نعبد إلا الله وحده لا شريك له ولا نسجد لغيره أبداً ، وكل من ينسب إلينا غير هذا فهو مفترٍ كذاب.

الشيخ عبد السلام : الدلائل التي نقلتموها في سبب تقديسكم لتراب كربلاء ، إنّما هي دلائل عقلية مستندة إلى واقعة تاريخية ، أو بالأحرى هي دلائل عاطفية ، ونحن بصدد الإستماع إلى أدلة نقلية ، فهل توجد روايات معتبرة تحكي تقديس النبي صلى الله عليه وآله وسلم واعتنائه بتراب كربلاء؟

قلت : أما في كتب علمائنا المحدثين ، ونقلة الأخبار والروايات ، فقد ورد الكثير عن أئمة أهل البيت عليهم السلام وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في تقديس تربة كربلاء ، وإهتمامهم وإعتنائهم بها ، وهم قد رغّبوا شيعتهم بالسجود عليها ، وفضلوها على سائر التراب ، وكلامهم سند محكم لنا ودليل أتم للعمل بين الله عَزّ وجَلّ.

وأما الروايات المنقولة في كتبكم ؛ فكثيرة جداً ، منها : كتاب الخصائص الكبرى ، للعلامة جلال الدين السيوطي ، فقد ذكر روايات كثيرة عن طريق أبي نعيم الحافظ ، والبيهقي ، والحاكم وغيرهم ، وهم بالإسناد إلى أم المؤمنين ـ أم سلمة وعائشة ـ ، وأم الفضل زوجة العباس عمّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وابن عباس ، وأنس بن مالك ، وغيرهم ، ومن جملة تلك الروايات قول الراوي : رأيت الحسين في حجر جدّه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وفي يده تربة حمراء وهو يشمها ويبكي ، فقلت ما هذه التربة يا رسول الله؟ وممّ بكاؤك؟ فقال صلى الله عليه وآله وسلم : كان عندي جبرئيل فأخبرني أنّ ولدي الحسين يقتل بأرض العراق ، وجاءني بهذه التربة من مصرعه. ثم ناولها لأم سلمة (رض) وقال لها : إنظري إذا انقلبت دماً عبيطاً فاعلمي بأنّ ولدي الحسين قد قتل. فوضعتها أم سلمة في قارورة وهي

١٨٤

تراقبها كل يوم ، حتى إذا كان يوم عاشوراء من سنة ٦١ هجرية ، فإذا بالتربة قد إنقلبت دماً عبيطاً ، فصرخت : وا ولداه واحسيناه وأبرت أهل المدينة بقتل الحسين.

ولقد أجمع علماؤنا أنّ أوّل من إتخذ من تراب كربلاء ـ بعد إستشهاد أبي عبد الله الحسين ، سيد الشهداء وأنصاره وصحبه السعداء الشهداء الأوفياء ، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ـ هو السجاد زين العابدين ؛ إذ حمل معه كيساً من تلك التربة الزاكية الطيّبة ، فكان يسجد على بعضها وصنع ببعضها مسباحاً يُسبّح به ، وهكذا فعل أئمة أهل البيت عليهم السلام من بعده ، وهم أحد الثقلين.

فيلزم الإقتداء بهم والأخذ بقولهم وفعلهم لقول النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم : (إني تارك فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا ، وهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض)(٢٣٢) ، فالتمسك بهم وبقولهم وفعلهم أمان من الضلال ، وموجب لدخول الجنة معهم إن شاء الله تعالى. ولقد روى شيخ الطائفة ابو جعفر الطوسي ، رضوان الله تعالى عليه ، في كتابه «مصباح المتهجد» بأنّ الإمام الصادق ، جعفر بن محمد عليهما السلام كان يحمل معه شيئاً من تربة كربلاء في منديل أصفر ، وكان وقت الصلاة يفتح ذلك المنديل ، ويسجد على تلك التربة ، وكان يقول : إنّ السجود على تراب قبر جدي الحسين عليه السلام غير واجب ، ولكن أفضل من السجود على غيره من بقاع الأرض ، وهذا رأي جميع فقهاء الشيعة بلا إستثناء.

__________________

(٢٣٢) ـ الطوسي ، الشيخ محمد بن الحسن : مصباح المتهجد / ٥١٠.

١٨٥

فكانت الشيعة أيضاً تحمل من تراب كربلاء في مناديل معهم ، فإذا صار وقت الصلاة فتحوا المنديل ، وسجدوا على التراب الذي فيه ، وبعد ذلك فكروا بصنع قطعات يسهل حملها ، فمزجوا تراب كربلاء بالماء وجعلوا منه قطعات من الطين اليابس تسهيلاً لحمله ونقله ، فكل من أحب يأخذ معه طينة يابسة يحملها معه ، فإذا صار وقت الصلاة ؛ يضعها حيث يشاء فيسجد عليها ، وهو من باب الفضيلة والإستحباب ، وإلا فنحن نسجد على كل ما يطلق عليه إسم الأرض ، من الحجر والمدر والتراب والحصى والرمل من كل بقاع الأرض. والآن فكروا ، هل يصح منكم ـ وأنتم علماء القوم ـ أن تهاجموا الشيعة المؤمنين ، لأجل سجودهم على تراب كربلاء؟ فتلبسوا الواقع على أتباعكم ، فيظنون بأنّ الشيعة كفار ومشركون ، يعبدون الأصنام ، ومن المؤسف أنّ بعض علماء أهل السنة أيضا يماشي عامة الناس ، ويؤيدهم من غير أن يتحقق في الموضوع ، ليعرف ما هو دليل الشيعة على عملهم؟ وما معنى ومغزى سجودهم على الطينة اليابسة؟!

ولو كان علماء العامة يحققون في ذلك لعرفوا أنّ الشيعة أكثر خضوعاً ، وأكثر تذللاً لله عَزّ وجَلّ ، إذ يضعون جباههم ـ وهو أفضل مواضع الجسم ـ على التراب الذي يسحق بالأقدام ، يضعون جباههم عليه خضوعاً لله وعبودية له سبحانه ، وهكذا يتصاغرون أمام عظمة الله تعالى ، ويتذللون له عَزّ وجَلّ.

فالعتب على علماء العامة ؛ إذ يتبعون بعض أسلافهم في إثارة التُّهم والإفتراءات والأكاذيب على الشيعة ، بغير تحقيق وتدبّر ، فنحن ندعوهم إلى

١٨٦

التفكّر والتعمق في معتقداتهم ومعتقداتنا ، ونطلب منهم بإلحاح أن يحققوا المسائل الخلافية بيننا وبينهم ، فيعرفوا دلائلنا ، لعلّهم يجدوا الحق فيتبعوه»(٢٣٣) .

٣ ـ الشيخ الأنطاكي(٢٣٤) مع بعض أعلام السنة :

«وفي يوم الرابع عشر من شهر محرم الحرام سنة ١٣٧٤ هـ ، أتاني جماعة من علماء السنة وبعضهم زملائي في الأزهر ، حاملين عليّ حقداً في صدورهم لأخذي بمذهب أهل البيت وتركي مذهب السنة ، ودار البحث بيننا طويلاً يقرب حوالي عشر ساعات تقريباً ، وذلك في كثير من المسائل ، ومنها إنتقادهم على الشيعة بأنّهم يسجدون على التربة الحسينية فهم مشركون ، وإجراءهم التعازي على الإمام الحسين عليه السلام وهو بدعة. فقلت لهم : كلاهما أمر محبوب محبذ إليه من الشارع المقدس ، أما قولكم أنّ الشيعة يسجدون على التربة الحسينية ، فهم مشركون! هذا غير صحيح ؛ لأنّ السجود على التربة لا يكون شركاً ؛ لأنّ الشيعة تسجد على التربة لا لها وإن كانت الشيعة تعتقد على حسب مدعاكم وزعمكم «على الفرض المحال» ، أنّ التربة هي أو في جوفها شيء يسجدون لأجلها ، فكان اللازم السجود لها لا السجود عليها ؛ لأنّ الشخص لا يسجد على معبوده ، ولأنّ السجود يجب أن يكون للمعبود وهو الله يعني تكون الغاية من السجود والخضوع هو الله سبحانه ، أما السجود على الله ؛ فهو كفر محض ، فسجود الشيعة على التربة ليس شركاً فأجابني أحدهم

__________________

(٢٣٣) ـ سلطان الواعظين ، السيد محمد الموسوي : ليالي بيشاور / ١٠٥٦ ـ ١٠٧١.

(٢٣٤) ـ العلامة الكبير الشيخ محمد مرعي الأمين الأنطاكي ، أحد أعلام سوريا ، ولد سنة ١٣١٤ هـ في قرية من القرى التابعة إلى أنطاكية ، تبعد عنها ما يقرب من أربعة فراسخ تدعى (عنصو) ، ثم نزل حلب وتخرج من الأزهر وأصبح أحد أعلام سوريا ، كان في بداية أمره شافعياً ثم إعتنق مذهب أهل البيت (ع) ، توفي عام ١٣٨٣ هـ.

١٨٧

ـ وهو أعلمهم ـ قائلاً : أحسنت يا فضيلة الشيخ على هذا التحليل اللطيف ، ولنا أن نسألك : ما سبب إصرار الشيعة على السجود على التربة ، ولم لا تسجدون على سائر الأشياء ، كما تسجدون على التربة؟

فأجبته : ذلك عملاً بالحديث المتفق عليه باجماع جميع فرق المسلمين ، وهو قوله صلى الله عليه وآله وسلم : (جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً). فالتراب الخالص هو الذي يجوز السجود عليه باتفاق جميع طوائف المسلمين ، ولذلك نسجد دائماً على التراب الذي اتفق المسلمون جميعاً على صحة السجود عليه ، فسألني : وكيف إتفق المسلمون عليه؟

فأجبته : أول ما جاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة وأمر ببناء مسجد فيها ، هل كان المسجد مفروشاً بفرش؟ فأجابني : كلا لم يكن مفروشاً. قلت : فعلى أي شيء كان يسجد النبي صلى الله عليه وآله وسلم والمسلمون؟ أجابني : على أرض المسجد المفروشة بالتراب. قلت : ومن بعد النبي في زمن (أبي بكر وعمر وعثمان وأمير المؤمنين علي عليه السلام ، هل كان المسجد مفروشاً بفرش؟

فأجابني : على أرض مفروشة بالتراب. فقلت : إذن جميع صلوات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كانت على الأرض ، وكان يسجد على التراب صحيح قطعاً ، ومعاشر ال شيعة إذ تسجد على التراب تأسياً برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فتكون صلواتهم صحيحة قطعاً.

فأورد عليَّ : بأنّ الشيعة لم لا تسجد على غير التربة التي يحملونها معهم من سائر مواضع الأرض ، أو غيرها من التراب؟

١٨٨

فأجبته :

أولاً ـ إنّ الشيعة تجوز السجود على كل أرض ، سواء في ذلك المتحجر منها أو التراب.

ثانياً ـ حيث أنّه يشترط في محل السجود الطهارة من النجاسة ، فلا يجوز السجود على أرض نجسة ، أو تراب غير طاهر ، لذلك يجعلون معهم قطعة من الطين الجاف الطاهر ، تَفصّياً عن السجود على ما لا يعلم طهارته من نجاسته ، مع العلم أنّهم يجوزون السجود على التربة أو أرض لا يعلم نجاسته.

فأورد عليَّ : إن كانت الشيعة يريدون بذلك السجود على التراب الطاهر الخالص ، فلم يحملون معهم تراباً يسجدون عليه؟

فأجبته : حيث أنّ حمل التراب يوجب وسخ الثياب ـ لأنّه أينما وضع من الثوب ، فلا بد أن يوسخه ـ لذلك تمزجه بشيء من الماء ، ثم ندعه ليجف حتى لا يوجب حمله وسخ الثوب؟ ثم إنّ السجود على قطعة من الطين الجاف أكثر دلالة على الخضوع والتواضع لله ، فإنّ السجود هو غاية الخضوع ، ولذا لا يجوز السجود لغير الله سبحانه ، فإذا كان الهدف من السجود هو الخضوع لله ، فكلما كان مظهر السجود أخفض من موضع اليدين والرجلين ؛ لأنّ ذلك أكثر دلالة على الخضوع لله تعالى.

وكذلك يستحب أن يُغفِّر الأنف بالتراب في حال السجدة ؛ لأنّ ذلك أشد دلالة على التواضع والخضوع لله تعالى ؛ ولذلك فالسجود على الأرض ؛ أو على قطعة من الطين الجاف أحسن من السجود على غيرها مما يجوز السجود

١٨٩

عليه ؛ لأنّ في ذلك وضع أشرف مواضع الجسد ـ وهو الجبهة ـ على الأرض ، خضوعاً لله تعالى ، وتصاغراً أمام عظمته.

أما أن يضع الإنسان ـ في حال السجدة ـ جبهته على سجاد ثمين ، أو على معادن كالذهب والفضة وأمثالهما ، أو على ثوب غال القيمة ؛ فذلك مما يقلل من الخضوع والتواضع ، وما أدى إلى عدم التصاغر أمام الله العظيم ، إذن ، فهل يمكن أن يعتبر السجود على ما يزيد من تواضع الإنسان أمام ربه شركاً وكفراً ، والسجود على ما يذهب بالخضوع لله تعالى تقرباً من الله ، إن ذلك إلا قول وزور؟!

ثم سألني فما هذه الكلمات المكتوبة على التربة التي تسجد الشيعة عليها؟

فأجبته :

أولاً ـ المكتوب على بعضها ، سبحان ربي الأعلى وبحمده رمزاً لذكر السجود ، وعلى بعضها أنّ هذه التربة متخذة من تراب أرض كربلاء المقدسة ، بالله عليك أسأل من فضيلتك ، هل في ذلك بأس؟ وهل يُعد ذلك شركاً؟ وهل ذلك يخرج التربة عن كونها تراباً جائز السجود عليه؟

فأجابني : كَلّا!

ثم سألني : ما هذه الخصوصية في تربة أرض كربلاء ، حيث أنّ أكثر الشيعة مقيدين بالسجود عليها مهما أمكن؟

قلت : السر في ذلك ، أنّه ورد في ال حديث الشريف : (السجود على التربة الحسينية يخرق السماوات السبع الخ)(٢٣٥) . يعني أنّ السجود عليها يوجب قبول

__________________

(٢٣٥) ـ هذا ال حديث منقول بالمعنى ، والموجود في النص هكذا : (السجود على تربة أبي عبد الله (ع) ، يخرق الحجب السبع).

١٩٠

الصلاة وصعودها إلى السماء ، وما ذلك إلا لإدراك أفضلية ، ليست في تربة غير كربلاء المقدسة.

فأورد عليَّ : هل السجود على تربة الحسين تجعل الصلاة مقبولة عن دالله تعالى ، ولو كانت الصلاة باطلة؟

فأجبته : أنّ الشيعة تقول : بأنّ الصلاة الفاقدة لشرط من شرائط الصحة باطلة غير مقبولة ، ولكن الصلاة الجامعة لجميع شرائط الصحة ، قد تكون مقبولة عند الله تعالى ، وقد تكون غير مقبولة ـ أي لا يثاب عليها ـ ، فاذا كانت الصلاة الصحيحة على تربة الحسين ؛ قبلت ويثاب عليها ، فالصحة شيء ، والقبول شيء آخر.

فسألني : وهل أرض كربلاء المقدسة أشرف من جميع بقاع الأرض ، حتى من أرض مكة المعظمة ، والمدينة المنورة ، حتى يكون السجود عليها أفضل؟

فقلت : وما المانع من ذلك؟

قال : إنّ تربة مكة التي لم تزل منذ نزول آدم عليه السلام إلى الأرض كعبة ، وأرض المدينة التي تحتضن جسد الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم ، تكونان في المنزلة دون منزلة كربلاء ، قال : هذا أمر غريب! وهل الحسين بن علي أفضل من جده الرسول؟

قلت : إنّ عظمة الحسين من عظمة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، وشرف الحسين من شرف الرسول ، ومكانة الحسين عند الله تعالى إنما هي لأجل أنّه إمام سار على دين جده الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، حتى استشهد في ذلك لا ليست منزلة الحسين إلا جزءاً من منزلة الرسول ، ولكن حيث أنّ الحسين عليه السلام قتل هو وأهل بيته

١٩١

وأنصاره في سبيل إقامة الإسلام ، وإرساء قواعده ، وحفظها عن تلاعب متبعي الشهوات ، عَوّضه الله تعالى باستشهاده ثلاثة أمور :

١ ـ إستجابة الدعاء تحت قبته.

٢ ـ الأئمة من ذريته.

٣ ـ الشفاء في تربته(٢٣٦) .

فعظم الله تعالى تربته ؛ لأنّه قتل في سبيل الله أفجع قتلة ، وقتل معه أولاده وأخوته وأصحابه ، وسبي حريمه وغير ذلك من المصائب التي نزلت به من أجل الدين ، فهل في ذلك مانع؟ أم هل في تفضيل تربة كربلاء على سائر بقاع الأرض حتى على أرض المدينة ، معناه أنّ الحسين عليه السلام أفضل من جده الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، بل الأمر بالعكس ، فتعظيم تربة الحسين تعظيم للحسين ، وتعظيم الحسين عليه السلام تعظيم لله ولجده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فقام أحدهم عن مجلسه وعليه آثار البشاشة والسرور ، فحمدني كثيراً ، وطلب مني بعض مؤلفات الشيعة ، بعد أن قال : مولاي إفادتك ، هذا صحيح وأني كنت أتخيل أنّ الشيعة يفضلون حتى على جده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والآن عرفت الحقيقة ، وأشكرك على هذه المناظرة اللطيفة والإلتفاتات الطيبة التي زودتنا بها ، وسوف أحمل معي أبداً قطعة من أرض كربلاء المقدسة لأسجد عليها أينما صليت ، كما أني سأدع السجود على غير التراب ، ومخصوصاً التربة الحسينية»(٢٣٧) .

__________________

(٢٣٦) ـ هذا مأخوذ من حديث محمد بن مسلم ، حيث قال : سمعت أبا جعفر ، وجعفر بن محمد (ع) يقولان (إنّ الله تعالى عَوّض الحسين (ع) من قتله ، أن جعل الإمامة في ذريته ، والشفاء في تربته ، واجابة الدعاء عند قبره ، ولا تُعدُّ أيام زائريه جائياً وراجعاً من عمره الخ) ـ راجع بحار الأنوار للمجلسي : ج ٤٤ / ٢٢١.

(٢٣٧) ـ الأنطاكي ، الشيخ محمد مرعي : لماذا اخترت مذهب أهل البيت / ٣٤١.

١٩٢

٤ ـ الدكتور التيجاني مع الشهيد الصدر :

يقول الدكتور التيجاني : «سألته بعد ذلك عن التربة الحسينية التي يسجدون عليها ، والتي يسمونها بـ(التربة الحسينية).

أجاب قائلاً : يجب أن يُعرف قبل كل شيء أننا نسجد على التراب ، ولا نسجد للتراب ـ كما يتوهم البعض الذين يشهرون بالشيعة ـ فالسجود هو لله سبحانه وتعالى وحده ، والثابت عندنا وعند أهل السنة أيضاً أنّ أفضل السجود على الأرض ، أو ما أنبتت الأرض من غير المأكول ، ولا يصح السجود على غير ذلك ، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يفترش التراب ، وقد إتخذ له خمرة من التراب والقش يسجد عليها ، وعَلّم أصحابه ـ رضوان الله عليهم ـ فكانوا يسجدون على الأرض ، وعلى الحصى ، ونهاهم أن يسجد أحدهم على طرف ثوبه ، وهذا من المعلومات بالضرورة عندنا. وقد إتخذ الإمام زين العابدين وسيد الساجدين علي بن الحسين عليهما السلام تربة من قبر أبيه أبي عبد الله عليه السلام باعتبارها تربة زكية طاهرة ، سالت عليها دماء سيد الشهداء ، وإستمر على ذلك شيعته إلى يوم الناس هذا ، فنحن لا نقول بأنّ السجود لا يصَحّ إلا عليها ، بل نقول بأنّ السجود يصَحّ على أي تربة أو حجرة طاهرة ، كما يصح على الحصير والسجاد المصنوع من سعف النخيل وما شابه ذلك»(٢٣٨) .

٥ ـ المستر رايلي مع سكرتير وزارة المعارف العراقية

يقول الدكتور عبد الجواد الكليدار : «وقبل ذلك حوالي عام ١٩٢٢ ـ ١٩٢٣ ، زار كربلاء المستر رايلي وكيل مستشار المعارف ، إذ ذاك يصحبه

__________________

(٢٣٨) ـ التيجاني ، الدكتور محمد السماوي : ثم اهتديت / ٦٦.

١٩٣

سكرتير الوزارة ، وكان الرجل بالأصل قِسّاً يتتبع مثل هذه الأمور ، ولا سيما في بغداد كانوا قد أدخلوا في ذهنه بعض المسائل ، فعندما كان يتجول في أسواق كربلاء ، وصل إلى حانوت لبيع الترب على الزائرين ، فسأل السكرتير مستغرباً ، كأنّه لا يعرف ذلك : ما هذا الذي يبيعونه في هذا الحانوت؟

فأجابه السكرتير إرتجالاً ، هذه تربة كربلاء ، وهي مثل حصى كنيسة القديس بطرس عندكم ، التي تباع كل واحدة منها بفرنك واحد ـ أي بدرهم ـ على الزائرين.

وما كان ينتظر المستشار هذا الجواب الفجائي غير المنتظر ، فضحك وقال : صدقت ، نحن أيضاً في أوروبا عندنا مثل هذه العوائد ولا غرابة في ذلك ، إذ أنّ كل من يزور تلك الكنيسة في روما يشتري من حصاها للتبرك والإستشفاء ، فتجد أنّ مثل هذه العادات في تقديس بعض الأشياء الدينية لا تخلو منها أمة ، وحتى الأمم الأوروبية المتحضرة الراقية توجد بأكثر من ذلك»(٢٣٩) .

٦ ـ الأستاذ محمد خير(٢٤٠) مع خصوم الشيعة :

يقول الأستاذ محمد خير : «ومما يثير أعداء الشيعة عليهم ، هو قولهم : أنّ الشيعة يخالفون جمهور أهل السنة لسجودهم على أحجار من الطين ، يحملونها في جيوبهم ويقدسونها تقديسا. والحقيقة أنّ الشيعة يحملون ألواحاً من الطين من التربة التي دفن فيها سيدنا الحسين ، ويتبركون بها عند سجودهم.

__________________

(٢٣٩) ـ الكليدار ، الدكتور عبد الجواد : تاريخ كربلاء وحائر الحسين (ع) / ١٣٦.

(٢٤٠) ـ محمد أحمد حامد محمد خير ، سوداني مالكي المذهب ، أشعري العقيدة ، ينتمي إلى أسرة دينية عريقة في العلم في منطقة الخندق بالشمالية ، إلتحق بجامعة الخرطوم ـ كلية الاقتساد ـ وتخرج منها عام ١٩٨١ م ، تلقى العلوم الدينية على يد عدد من العلماء.

١٩٤

وتفسير هذه المسألة بسيط جداً ، وهو أنّ الشيعة ـ حسب المذهب الجعفري ـ يعتقدون أنّ السجود على الأرض ، أو ما خرج منها واجب ، وهم لم ينفردوا بهذا الرأي ، بل أنّ الراجح من مذهب السادة المالكية أنّ السجود على الأرض أفضل ، ولذلك فهم يعملون هذه الأحجار ، ويسجدون عليها حيثما ذهبوا. أما القول بأنّ هذه الأحجار من تربة كربلاء ، وأنهم يتبركون بها ؛ فلا بأس من ذلك فقد تواتر عند الأئمة من أهل البيت ، أنهم كانوا يسجدون على تربة سيدنا الحسين وقد روى شيخ الطائفة الطوسي : (أنّه كان للإمام الصادق بن محمد الباقر ، خريطة ديباج صفراء ، فكان إذا حضرت الصلاة صَبّها على سجادته وسجد عليها ، وقال : إنّ السجود على تربة أبي عبد الله ، يخرق الحجب السبع)(٢٤١) إنّ فضل التربة التي ضمت سيدنا الحسين ، فضل عظيم ولها خبر عجيب ، لقد كان أول من عظم هذه التربة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم. فقد روى الحاكم ، والبيهقي ، وأبي نعيم عن عدد من الصحابة ، أنّ أم سلمة دخلت على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؛ فوجدت بيده تربة حمراء ، والحسين في حجره ، وعينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تهرقان الدموع. فقالت أم سلمة : ما هذه التربة يا رسول الله؟

فقال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم : أتاني جبريل فأخبرني أنّ أمتي ستقتل ابني هذا ، وأتاني بتربة من تربته حمراء)(٢٤٢) .

وورد في بعض الروايات : أنّ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم سلم تلك التربة إلى أم سلمة ، وقال لها : (إذا رأيتها فاضت دماً فاعلمي أنّ الحسين قتل. فكانت تتعهدها ،

__________________

(٢٤١) ـ الطوسي ، الشيخ محمد بن الحسن : مصباح المتهجد / ٥١٠.

(٢٤٢) ـ خير ، محمد احمد حامد : براءة الشيعة / ٤٥ ـ ٤٦.

١٩٥

وحفظتها في قارورة إلى أن وجدتها فاضت يوم عاشوراء ، فقالت لجاريتها : إعلمي أنّ ابني قد قتل.

والمقصود أنّ تربة سيدنا الحسين تبركت بيد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وأنّ فيها سرّ سيدنا الحسين وبركته ؛ إذ تغيرت بموته ، ولذا تبرك بها أتباع أهل البيت إلى يوم القيامة ، وحرم الله منها من حرم»(٢٤٣) .

__________________

(٢٤٣) ـ خير ، محمد أحمد حامد : براءة الشيعة / ٤٥ ـ ٤٦.

١٩٦

البحث الثاني

قصص الرؤى

١٩٧
١٩٨

بحوث تمهيدية

١ ـ بيان حقيقة الرؤى

٢ ـ أقسام الرؤى

٣ ـ أهمية الرؤى

٤ ـ نتيجة البحث

١٩٩
٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554