تربة الحسين عليه السلام الجزء ٣

تربة الحسين عليه السلام10%

تربة الحسين عليه السلام مؤلف:
الناشر: دار المحجّة البيضاء
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 554

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 554 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 41290 / تحميل: 4271
الحجم الحجم الحجم
تربة الحسين عليه السلام

تربة الحسين عليه السلام الجزء ٣

مؤلف:
الناشر: دار المحجّة البيضاء
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

بدرجة يطيعون اوامره وينفذون وصاياه الىٰ هذا الحدّ !

فأنظر ـ والكلام لابن سينا ـ الفارق الىٰ ايّ مستوىٰ ! اجل يا بهمنيار ، فلا يمكن الادعاء بما للعظماء كذباً.

الاصدقاء جميعهم : الحقيقة عين ما اشرت إليه.

السبب الحقيقي لنفوذ نبي الاسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله

العقيد : اصدقائي ارجو ان لا تستعجلوا الحكم ، مع ان كلام الشيخ لا يمكن انكاره الى حدّ ما ، فنفوذ الرسول محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ليس عادياً ، لكني اتصور ان جزءاً من نفوذ قدرة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله في الناس الذين عاصروا ذلك العظيم هي الاعمال التي كانوا يرونها منه والتي كانوا يتصورونها معاجز ، في حين ان المعجزة والامر الذي ليس له اسباب وعلل طبيعية وعادية ، مشكوك فيه في عالمنا المعاصر ، والجزء الآخر من نفوذه والذي يرتبط بعصرنا فهو محصور بين المسلمين غير العلماء ، وطبيعي فالنفوذ الىٰ قلوب مثل هذه النماذج من الناس ليس امراً عجيباً أو صعباً.

طالب الطب ، حسن : انا اوافق سيادة العقيد في هذا الرأي.

الشيخ : اشكركم أيُّها السادة ، علىٰ طرحكم ما ترونه موضع اشكال بحرية تامة ودون مجاملات ، وهدفنا من طرح هذه المواضيع هو دراسة الاشكالات التي يراها الاصدقاء في مواجهة الدين الاسلامي المقدس ، والاجابة عليها.

٨١

الاصدقاء جميعهم : نحن مسرورون لهذا اللقاء ، وهذا اليوم الذي تعرّفنا فيه عليك لهو من اجمل ايام حياتنا ، فكلامك جميل ، واجوبتك وافية ، كما ان سفرنا يمضي بسرور ونحن مستفيدون من وقتنا.

الشيخ : تتلخص اشكالات سيادة العقيد في ثلاثة محاور :

الأول : ايمان اهل ذلك العصر بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كان بالمعجزة الىٰ حدّ ما.

الثاني : من الصعب اليوم القبول بالمعجزة.

الثالث : نفوذ رسول الاسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله اليوم ، غالباً ما نجده بين غير المتعلمين وغير العلماء.

وسنتكلم في المواضيع الثلاثة ـ ان شاء الله ـ حسب طريقتنا ، اي بشكل مختصر ومفيد.

أمّا الموضوع الأوّل :

خلافاً لما قاله سيادة العقيد ، فأن اغلب اهالي الجزيرة العربية والمسلمون الذين عاصروا الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله تأثروا بقوانين الاسلام التي جاء بها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ( طبعاً بالحد الذي كان المستوىٰ الفكري لذلك العصر يسمح به ) وبالاعجاز القرآني من حيث الفصاحة والبلاغة وكذلك بحياة الرسول الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله التي كانت غريبة عنهم ، وليست بسائر المعجزات.

لأنه : إذا كان ايمان العرب بالرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله حدث بالمعاجز فقط ، كان لابدّ ان يكون تقدم الاسلام وانتشاره سريعاً في السنوات الثلاثة عشرة التي قضاها

٨٢

الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله في مكة بعد البعثة ، لان اكبر واعظم معجزاته كانت في مكة ، في حين ان نمو الاسلام في مكة وقياساً للسنوات العشرة التي قضاها الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله في المدينة يعد لاشيء ، بل اصبحت الحياة له لا تطاق في مكة وهو مهدد بالقتل فيها مما اضطره للخروج منها ليلاً والهجرة الىٰ المدينة بأمر من الله تبارك وتعالىٰ ، اما المدينة فقد استقبلته واحتضنته وعاهدته في الدفاع عنه بكل ما تستطيع ، وقد وفو بعهدهم اليه حقاً ، لكن ما الذي دعىٰ أهل المدينة لاستقبال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله واحتضانه والدفاع عنه بالغالي والرخيص ؟

لم تكن المعجزات هي التي جعلتهم يقومون بذلك ، لأنهم لم يروا أية معجزة منه يوم تعهدوا له بالدفاع عنه ، بل كان موسم الحج وقد جاؤا الىٰ مكة فسمعوا كلمات القرآن المحيرة ، وسألوا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عن الاسلام وقوانينه واحكامه وما يدعوا اليه ، وبعد ان تعرفوا عليه آمنوا به طوعاً ، وسبب افتتانهم به هو ان قبيلتين منهم ( الأوس والخزرج ) كانتا تتقاتلان لقرن من الزمن ، وكانت بينهما دماء ومآسي ، فكم من الشباب قتلوا وكم من النساء ترمّلن وكم من الاطفال تيتموا وكم من الآباء ثكلوا.

كان اهل المدينة قد عانوا الكثير ، كانوا يعيشون حالة من التوحش الكامل ، وقد ملّوا من الجرائم والدماء ، وكان انحطاطهم الاخلاقي بمستوىٰ جعلهم يستشرون ضرورة وجود مصلح وقوانين عادلة تنقذهم من شقائهم ، كانوا بحاجة الىٰ قوة تستبدل البغض والحقد الذي في قلوبهم بالعاطفة والمحبة ، لقد فهموا ان عليهم ايقاف حمامات الدم تلك ونبذ حياة التوحش والظلم والجريمة.

٨٣

ولكن ، من هو الشخص الذي يقوم بذلك العمل الجبار ويبلغهم تلك الآمال ؟ من هو الرجل الذي يرفع لواء العدل ويجمع هؤلاء المظلومين تحت رايته ؟ وهل يمكن ان يجدوا مثل ذلك الشخص وبتلك المواصفات في بلاد مثل الجزيرة العربية ؟

اجل ، لقد رأىٰ اهل المدينة ذلك الرجل الذي ينشدونه في سفر حجهم وادركوا انه الوحيد الذي يستطيع انهاء وضعهم المأساوي ، ولهذا اجتمعوا حول الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ونصروه في الشدائد والمشكلات ، ولماذا لا يفتتنوا بالرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟! ولماذا لايفتدوه بأموالهم وانفسهم ، فرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ما رآه ذو قلب سليم وشاهد صفاته التي لا تجتمع لأحد ، إلّا وخضع امامه واستسلم له ! فأي صخرة صماء ذلك الذي يرىٰ جميع تلك الفضائل : الوفاء والتواضع ، حسن الخلق ، نصرة المظلوم ، الرأفة ، الشجاعة ، الشهامة ، العفو ، الأدب ، الصدق ، الامانة ، عدم الاعتناء بالدنيا ومئات الفضائل الأخرىٰ ، ولا يمتلىء قلبه بحب الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟! فهل يمكن لبشر عادي ان يكون هكذا ؟

اجل صفاته واخلاقه مع الناس ومع ابنائه وازواجه ومع اتباعه ومع العبيد والصغار و الخ هي التي جعلت الناس تفتتن به ويكون له نفوذ في قلوبها ، وليست المعجزات التي جاء بها.

٨٤

سيرة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله المليئة بالفخر

سيادة العقيد ! من أجل أن يتّضح الموضوع بشكل جيد ، ولكي تعرفوا هل معجزات النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أو اسلوبه اخلاقي هو الذي سخر قلوب اهل زمانه له ، سأضطر الىٰ بحث مختصر حول اخلاق الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وفضائله وملكاته الفاضلة.

بلع العلى بكماله

كشف الدجى بجماله

حسنت جميع خصاله

صلّوا عليه وآله

معاملة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لأهل بيته

كان الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله مبتسم علىٰ الدوام مع اهل بيته ، ولم يكن فظَّاً غليظاً معهم ، فقد كان يحنو عليهم ويعاملهم برأفة ، كان يحاول جهد الامكان ان لا يغتمّوا ولا يحزنوا ، وكان عادلاً بينهم حتىٰ انه لم يشتكي منه احد مدىٰ حياته ، يساعدهم في اعمال البيت ، وكان يقول : مساعدة الزوجة في عملها بالبيت صدقة ، ومع ان بعض نساءه كنّ يتجرأن عليه ويعاملنه وكأنه رجل عادي كسائر الرجال وكنّ يؤذينه ويغضبنه ويتعرضنّ عليه ويتدخلن في اعماله ، مع ذلك كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله محافظاً علىٰ عدالته بينهنّ ، ويجب ان لا نتصور ان جميع وسائل الراحل كانت متوفرة لتلك النساء ، لانهنّ نساء امبراطور الاسلام ، أبداً فلا

٨٥

الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله كان امبراطوراً ، ولا نساءه كنّ مثل حريم الاباطرة.

فلم يكن لهنّ قصور ولا غلمان وجواري ، وفي بعض الاحيان لم تتوفر لهنّ ابسط ضروريات الحياة ، لكن ثغر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله الضحوك ووجهه البَشر وقلبه الرحيم العطوف ، كان بلسماً لكل وضنك ذلك العيش.

تقول اُمّ سلمة : احدىٰ نساء النبي :

في ليلة زفافي،حيث دخلت بيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كنت اسكن في غرفة لم يكن فيها الّا قليل من الشعير ومطحنة يدوية ووعاء للعجين وقدر لعمل الخبز وكوز ماء ، فطحنت الشعير وعجنته وصنعت اقراصاً من الخبز ، اكلتها. وهكذا كانت حياة نساء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله حتىٰ في ليلة زفافهنَّ.

معاملة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لأبنائه

لا يمكن وصف المحبة والعطف الذي كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يغدقه علىٰ ابناءه ، لقد كان يحب ابناءه واحفاده كثيراً جداً ، كان يجلسهم علىٰ ركبتيه ويداعبهم ويقبل وجوههم ، حتىٰ انه كان يلاعبهم احياناً ، ومحبته لابنته الزهراءعليها‌السلام وابنائهاعليهم‌السلام معروفة ومشهورة.

معاملة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لأصدقائه

معاملة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لأصدقائه ومحبيه ، تشبه معاملته لابنائه ، ولهذا السبب كان الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله محبوباً عند اصدقائه ، الى حدّ يفوق التصوّر.

٨٦

وفي حادثة وقعت بعد معركة احد ، كانت مكة قد اعدّتها ودبّرتها ، حيث جاءت مجموعة من الاعراب الىٰ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله في المدينة وطلبت ان يذهب معهم جماعة من المسلمين لتبليغ الدين وبيان الاحكام ، فأرسل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله معهم جماعة من المسلمين برئاسة عاصم بن ثابت ، لكن الأعراب قاموا بقتل المسلمين غيلة إلّا اثنين منهم اسروهم وارسلوهم الىٰ مكة وباعوهم علىٰ المشركين ، وكان زيد بن دثية احد الاسيرين ، فأشتراه صفوان بن اُمية ، لكي يقتله ثأراً لأبيه ، وبعد ان سجنه لفترة ، تقرر ان يُقتل في يوم معين.

وفي ذلك اليوم اجتمع اهل مكة جميعهم ، ليشاهدوا قتل ذلك الشاب المسلم ، انتقاماً لقتلاهم في بدر.

وفي النهاية ، حانت ساعة الاعدام ، فجاءوا ب‍ « زيد » وقد اجتمعت جميع طبقات مكة من كبارها ورؤساء قريش من التجار والمزارعين والنساء والفتيات والاطفال ، اجتمعوا اطرف المشنقة ، في تلك اللحظات التفت أبو سفيان وهو زعيم قريش الىٰ زيد وقال : أتحبُّ ان يكون محمداً مكانك هنا حتىٰ يعدم وترجع انت سالماً الىٰ اهلك ، اقسم عليك بمن تعبد ان تقول الصدق ؟

فأجابه زيد : يا أبا سفيان ، أقسم باللهِ ، أحبُّ ان اُقتل هنا ولا تصيب قدم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله شوكة فتؤذيه ! إفصاح أبو سفيان بعد تلك الاجابة : لم أرَ احداً اعزّ من محمد عند اصحابه.

أجل ، كان الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ودوداً مع اصحابه للحد الذي جعلهم يهيمون بحبه ، فلم يحملهم في حياته شيئاً ، ومع انه كان القائد وزعيم المسلمين الذي

٨٧

فتح الجزيرة العربية واخضع الجميع للاسلام ، لكنه وفي احدىٰ اسفاره ارادوا ان يذبحوا شاة للأكل ، فتعهد كل واحد بعمل ، فقال احدهم : انا أذبحها ، وقال الآخر : انا اسلخها وقال الثالث : أنا اطبخها ، فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وانا اجمع الحطب للطبخ.

واضح ان العمل الذي تكفّل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله به اشقّ من أعمال الآخرين ، لأنه كان يحتاج الىٰ كمية كبيرة من حطب الصحراء ! لكي تطبخ شاة ، لذلك قال المسلمون : يا رسول الله ، نحن نجمع الحطب ولا تؤذي نفسك انت.

لم يقل المسلمون ذلك مجاملة منهم للرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله لأنهم بذلوا كل ما يملكون من اجله ، هؤلاء الناس لا يتحدثوان زيفاً وتملّقاً وانما لم يحبوا ان يتعب الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله نفسه.

لكن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لهم : اعلم انكم لا تحبون ان اتعب ، لكني لا اُريد ان افضل علىٰ اصحابي ، والله لا يحب الذين يميزون انفسهم عن الآخرين.

وهكذا عندما بنىٰ المسلمون مسجد المدينة ، كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يحمل معهم الحجارة والتراب ، وعندما حفروا الخندق(1) اختص الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله لنفسه حصة من العمل كسائر المسلمين ، بل انه كان يعمل اكثر من الآخرين.

________________

(1) هو الخندق الذي حفره المسلمون حول المدينة لصد الاعداء في معركة الاحزاب.

٨٨

اصدقائي !

ألم يكن اهل الجزيرة العربية محقّون في الخضوع لهذا الرجل والافتتنان به ؟! وهل رأيتم رجلاً في العالم يتعامل بهذه الروح السمحة والمحبة للخير مع اتباعه والذين يأتمرون بأوامره وهو في قمة هرم السلطة ؟! هذه التصرفات والمعاملة الاخلاقية لا توجد الّا عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

معاملة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لأعدائه

لقد عامل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله اعداءه كما كان يعامل اصدقاءه واصحابه ، فأي شخص لم ينتقم بشدة في اليوم الذي يتسلط فيه علىٰ اعدائه وينتصر عليهم ؟! لكن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله كان رؤوفاً بأعدائه ، ينظر اليهم بعين العطف ، وكان متسامحاً للحد الذي وصفوه ـ الاعداء ـ بالعظيم والكريم.

ففي غزوة ذات الرقاع ، كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله واقفاً الىٰ جانب نهر ، وفجأة جاء سيل وحال بين الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وجيش المسلمين ، فرأىٰ احد جنود العدو ان الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله لوحده وبعيداً عن معسكره ، فجاءه شاهراً سيفه ظاناً ان اللحظة مؤاتية لقتل الرسول ، وقال : يا محمد ، من سينجيك مني ؟

قال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ربي.

ضحك الرجل مستهزءاً ، وهوىٰ بسيفه بقوة علىٰ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، لكن الله وقىٰ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله شره ، فوقعت به فرسه قبل ان يضرب ضربته ، ووقع علىٰ الارض ، فوقف الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله فوق رأسه وأعاد عليه كلامه ، قال : من سينجيك

٨٩

مني ؟!

فقال الرجل وعيناه تبرق املاً : جودك وكرمك يامحمد !!

فما هو اساس ذلك الكلام في تلك اللحظات الحرجة ؟ هل قال الرجل كلامه تملّقاً ؟! بالتأكيد ، لم يقله تملّقاً.

لقد رأىٰ الرجل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله شاهراً سيفه فوق رأسه ، وتذكر اللحظات السابقة ، كان والوضح حرجاً بالنسبة له في الظاهر ، لانه لو قام النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بقتله كان قد فعل ماكان هو يريد فعله قبل لحظات ، الاّ انه لم يوفق لذلك ، والأمل الوحيد لذلك المشرك هو أن الذي يريد قتله ليس انساناً عادياً كسائر الناس بل هو رجل الحق ، كريم بمعنىٰ الكرم ، عفوّ ورؤوف ، لقد تكلّم الرجل المشرك بكلامه استناداً الىٰ تاريخ ذلك الرجل الذي يريد قتله ، فحياته مليئة بالكرم والبذل والعمل الصالح والمحبة ، ولا بدّ أنَّ المشرك تذكر تلك السنة التي اصاب القحط فيها مكة ، فكان ذلك الرجل الذي شهر سيفه الآن عليه ، مثل الأب الرحيم علىٰ ابناءه ، يشتري الطعام بأمواله واموال خديجة ( بعد الاستأذان منها ) ، كان يشتري القمح والشعير والابل ويقدمها الىٰ الضعفاء في مكة واطرافها ، وبذلك نجّاهم من الموت جوعاً.

كان المشرك يعلم ان هذا الرجل يحمل بين جنبيه قلباً عطوفاً رحيماً ، فكان محقاً بأن يأمل ويرجو في تلك اللحظات الحرجة تماماً ، لذلك قرر الاجابة علىٰ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله بما يعرفه عن ماضيه وعطفه واحسانه ، لكن الوقت كان ضيقاً واللحظة خطرة ، فليس هناك مجال للأسهاب في الكلام ، ولهذا اجاب الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله موجزاً ، وقال : « جودك وكرمك يا محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله » ، أي عظمتك

٩٠

ومقامك وعفوك ورأفتك يمكن ان تنجيني.

أجل ، لقد فكّر ذلك الرجل بشكل صحيح ، وكان رجاءه في محله ، لقد انجاه كرم الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله لأنه عندما سمع تلك العبارة ، انزل السيف جانباً ، وقال للرجل : انهض واسرع الىٰ جيشك(1) .

أيُّها السادة !

ألا يستطيع هذا الرجل ان يسخر قلوب الناس بهذه الاخلاق والمكارم الالهية التي هي بذاتها من اكبر المعجزات ؟! هل ان تأثير هذه التصرفات في جذب قلوب الناس اقل من بيان سائر المعجزات ؟

اعجاز النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله الاخلاقي عند فتح مكة

اشرنا من قبل أن اهل مكة شاهدوا اكبر المعجزات علىٰ مدىٰ ثلاثة عشرة سنة من بداية البعثة ، تلك المعجزات التي لو رآها أي انسان لأعترف بالنبوة والرسالة ، إلّا انهم كانوا اصم من الصخر فلم تؤثر فيهم ولم يؤمنوا بالرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، لكن اولئك الناس عندما شاهدوا عفو الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وعطفه عليهم عند فتح مكة لانت قلوبهم وآمنوا بالدين.

لقد كان لمعاملة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله لهم في ذلك اليوم اكبر الاثر في اسلامهم ، وهو بنفس الوقت خير دليل علىٰ ما قاله النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عن نفسه :

________________

(1) روضة الكافي ، تأليف ثقة الاسلام الكلينيقدس‌سره

٩١

« ادبني ربي فأحسن تأديبي ».

كما انه نموذج كامل لأسلوبه الاخلاقي في التعامل مع اعدائه.

دخل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله مكة دون قتال ( سوىٰ مقاومة صغيرة من بعض المشركين ابيدت علىٰ يد جيش الاسلام ).

ومكّة هي مسقط رأسه التي يهفو إليها قلبه علىٰ الدوام ، حتىٰ في الليلة التي اراد ان يهاجر فيها الىٰ المدينة ، نظر الىٰ اطرافها بحسرة ، واغرورقت عيناه بالدموع ، فنزل عليه الامين جبرائيل ووعده من جانب الله بأن يرجعه اليها. وكانت سنوات تمرّ علىٰ ذلك الوعد الالهي ، والرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ينتظر ، فمضت اشهر وسنين ببطء وحان الوقت الذي ينجز فيه الوعد.

* * *

عقد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله صلحاً مع كفار قريش وأهل مكة في الحديبية ، إلّا ان الكفار لم يعملوا بمفاد الصلح ، فكانت النتيجة ان الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله عزم علىٰ فتح مكة بأمر من الله ، وسار نحوا بعشرة آلاف مسلم ، وقد علم اهل مكة من خلال ابي سفيان « الذي ذكرناه تفاصيل لقاءه بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قرب مكة » بالتعبئة العامة للمسلمين.

طوىٰ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الطريق بين المدينة ومكة ، حتىٰ وصل الىٰ« ذي طوىٰ »(1) . نظر الىٰ ما حوله ، فوجد جيشاً قوامه عشرة آلاف مقاتل مستعدون

________________

(1) مكان مشرف علىٰ مكة.

٩٢

لنصرته وقلوبهم تطفح بالمحبة. فتذكّر يوم هجرته ، ذلك اليوم الذي خرج فيه خائفاً يريد الحفاظ علىٰ نفسه من مكة هذه. لكنه يعود اليها اليوم ومعه عشرة آلاف مقاتل من المسلمين الشجعان ، فمن الذي منحه تلك القوة ؟!

أهو غير ربّه الذي يدعوه ؟! بالتأكيد لا.

فلا احد يستطيع ان يحببه الىٰ قلوب الناس بهذا الشكل سوىٰ الله القادر والمهيمن ، اذن ، فاليوم هو اليوم الذي وعده به الله ، وقريب ما يتحقق الوعد الالهي.

نعم ، جميع ما حدث كان بنصر الله ، فلماذا لا يسجد له ، لماذا لا يعبده ؟ وكان ان صاح النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله :

« لا إله الّا الله ، وحده وحده ، انجز وعده ، ونصر عبده ، واعزّ جنده ، وهزم الاحزاب وحده ».

وذكر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله نِعَم الله ، تلك النِعَم التي يعجز عن شكرها ، واتقدت شعلة الحب الالهي في قلبه اكثر من ذي قبل ، يريد ان يسجد لربه ، لكنه لا يزال على ظهر الناقة ، تجسم العشق الالهي ورأفة الله به بحيث لم يستطع الصبر لينزل من علىٰ ظهر الناقة كي يسجد ، فسجد شكراً لله وهو علىٰ الناقة ، ثم رفع رأسه من السجود ، فوقعت عيناه علىٰ مكة ، تلك المدينة التي تتوسطها الكعبة ، حيث بناها جده ابراهيم الخليلعليه‌السلام ، موطن آباءه والمكان الذي يهفو اليه قلبه.

جميع تلك الاسباب جعلته يناجي مكة ويظهر لها حبه ، فقال : الله يعلم احبك ، ولو لا ان اهلك اخرجوني عنك لما آثرت عليك بلداً ، ولا ابتغيت بك بدلاً ، اني لمغتم على مفارقتك.

٩٣

فلماذا خاطب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله مكّة بهذا الكلام ؟!

وكأنما كان يسمع مسقط رأسه ، أي مكة هذه ، تعاتبه وتقول له : لماذا هجرتني ، وفارقتني ثمان سنوات ، ياحبيب الله ، انا ايضاً أحبك ، فلماذا تركتني الىٰ المدينة التي اخترتها بدلاً مني ، فهل كنت سيئة معك ؟!

وبعد أن أتمّ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله كلامه ، تحرك من ذي طوىٰ ودخل الحجون(1) ، فأغتسل هناك وركب ناقته حتىٰ يدخل مكة.

مكّة في انتظار النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله

اجتمع اهل مكة ووقفوا مع زعماء قريش ورؤساء القبائل الىٰ جانب الكعبة ، لكي ينظروا دخول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكانوا يريدون بذلك أمرين :

الأول : رؤية رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

الثاني : معرفة مصيرهم.

دخل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله مكة واستسلم الحجر الاسود من علىٰ الناقة ، ثم ارتفع صوتهصلى‌الله‌عليه‌وآله بالتكبير :

الله اكبر الله اكبر

فتعالت معه حناجر عشرة آلاف مسلم الله اكبر ، كان صوت التكبير يملأ سماء مكة وينعكس في جبالها ، لكن تأثيره في قلوب المشركين كان اشدّ.

________________

(1) محل اقرب الىٰ مكة من ذي طوىٰ.

٩٤

لقد خاف زعماء قريش من ذلك الصوت ، وكأنما سمعوا صيحة من السماء ، فأضطربت قلوبهم واخذت تخفق بشدّة.

بعد التكبير ، ترجل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من الناقة ، ودخل الكعبة كي يطهرها من رجز الاوثان ، فلا يجدر ببيت بُنيَ فيه الله ان يكون مأوىٰ الاثم ومركز الاصنام ، وكان علىٰ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ان يطهر البيت من تلك الاصنام والآلهه المصنوعة من الخشب أو الحجر.

وقام الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله بالاطاحة بالاصنام الواحدة بعد الاُخرىٰ ، بعصاه ، وهو يقول :

( جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا ) (1) .

( قُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ ) (2) .

أجل ، لقد انتهىٰ زمان الاصنام وعبادتها ، انتهى عصر الانحناء والخضوع امام آلهة صنعت من معدن أو خشب علىٰ هيئة البشر ، لقد حان الوقت الذي يعبد فيه الناس الله سبحانه وتعالىٰ ، ويخرجوا من ذلّ عبادة هذه الاوثان ، الىٰ عزّ عبادة رب العالمين.

وبعد ان فرغ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من الاطاحة بالاوثان ، توجه الىٰ اهل مكة ، فوجدهم قد اصطفوا مثل التماثيل التي صنعت من حجر ، وكأن علىٰ رؤوسهم الطير ، لا يتحركون ولا يحركون ساكناً ، ووجوهم المصفرة تعبر عن اضطرابهم الداخلي ( بعد ان شاهدوا قوة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وجيش المسلمين ) ، كانت عيونهم

________________

(1) سورة الاسراء : 81.

(2) سورة سبأ : 49.

٩٥

تريد الخروج من حدقاتها من شدة الخوف ، كانوا غارقين في افكارهم ، ويتصورون المصير الذي ينتظرهم ، بعد تلك الحروب التي خاضوها ضد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله والاذية التي آذوه ، لكنهم في نفس الوقت يرجون شيئاً من شخص الرسول الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله ، لأن اهل مكة يعرفون جيداً ، ان الرجل الذي دخل مكة اليوم ظافراً منتصراً ، هو محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ذو القلب العطوف والرحيم ، محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله الذي من شيمه العفو عند المقدرة والصفح عمن اساء له ، محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله الذي لا يظلم حتىٰ اعتىٰ اعدائه واقساهم ، محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ليس كالآخرين الذي لا يفكرون عند انتصارهم سوىٰ بالانتقام ، فهو الذي وصفه الله سبحانه وتعالىٰ في القرآن ، فقال :

( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ) (1)

فلماذا لا يرجوا أهل مكة فيه الخير ؟! ولماذا لا يمتزج خوفهم واضطرابهم بالامل ؟! لقد رأىٰ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ذلك الخوف والرجاء في وجوههم ، لكنه اراد ان يسمعه منهم ، فقال لهم : ماذا تقولون وتظنون ؟

فأجابه اهل مكة : نقول خيراً ونظن خيراً ، اخ كريم وابن اخ كريم وقد قدرت.

كان جواب اهل مكة مزيج من الخوف والامل ، فعبارة « قد قدرت » استخدمت للتعبير عن الخوف ، لكن العبارات التي سبقت ذلك كانت مفعمة بالرجاء لكن كفة الامل والرجاء كانت تفوق احتمال الانتقام.

ومن حقِّ أهل مكة ان يأملوا العفو والمسح من مثل ذلك الرجل العظيم ،

________________

(1) سورة الانبياء : 107.

٩٦

لأنه لو كان يريد الانتقام منهم ، لما اعطىٰ أبا سفيان الامان ، وجعل بيته مأمناً لأهل مكة ، فلماذا لا يأملوا بعد ذلك ، في حين ان ابا سفيان في خارج مكة عندما التقىٰ برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وبعد ان شاهد جيش المسلمين وهو واقف مع العباس عمّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، كان قد سمع سعد بن عباد رئيس قبيلة الخزرج ، يقول بصوت عال :

اليوم يوم الملحمة ، اليوم تسبىٰ الحرمة ، اليوم تذل قريش.

فخاف أبو سفيان بعد سماعة ذلك الكلام ، واخبر الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله بذلك ، فقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : لا تخف يا ابا سفيان ، سعد مخطيء ، اليوم يوم المرحمة ، اليوم تصان الحرمة ، اليوم تعزّ قريش.

ألم يكن اهل مكة محقّون في رجائهم ؟ لذلك اجابوا الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وقالوا : نقول خيراً ونظن خيراً.

أما النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فعندما سمع جوابهم ذلك ، اغرورقت عيناه المباركة بالدمع ، وعندما رأىٰ ذلك أهل مكة تجلت امام اعينهم جميع اعمالهم السيئة السابقة ، فتذكروا التهم التي كالوها له ، والسباب والرمي بالحجارة والحصار في شعب ابي طالب ومهاجمة بيته ليلاً لقتله واجباره علىٰ ترك وطنه الىٰ يثرب ، ومئات الاعمال الاخرىٰ التي جعلتهم يقفون ذلك الموقف النادم اليوم ، وشاهدوا ايضاً ذلك الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله الذي قاسىٰ ماقاساه منهم ، لكنه يقف اليوم ويعاملهم بلطف ورأفة وهو المنتصر والفاتح الذي يستطيع الانتقام.

فالخجل الذي اعتراهم من مواقفهم تلك من جهة ، والرأفة والحب الذي شاهدوه من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من جهة اخرىٰ ، اهاجتهم وجعلت اصواتهم ترتفع

٩٧

بالبكاء ، لقد كان الجميع يذرفون الدموع ، النادمون من سوء اعمالهم ، والمنتصرون الذين عادوا الىٰ وطنهم وحرروا قبلتهم ، حتىٰ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يذرف الدمع ، وبعد لحظات من تلك الحالة ، قال لهم الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله : سأقول لكم ما قاله أخي يوسفعليه‌السلام لأخوته الذين غدروا به :

( قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ) (1) .

صحيح انكم لم تنظروا فيّ انكم قومي وعشيرتي ، فأستبحتم ايذائي والوقوف بوجهي ، ولكن لا تخافوا « اذهبوا فأنتم الطلقاء » ، ولا يحق لاحد ان يتعرض لكم ولأموالكم.

وبهذه الكلمات المتقطبة ، خطّ علىٰ اعمالهم السيئة وغفر لهم اخطاء عشرين سنة بحقه.

اصدقائي الاعزاء !

أي واحدة من معجزات النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله تستطيع ان تسخر قلوب اعتىٰ الاعداء مثل هذا الحدّ الذي يفوق تصور البشر ؟ ألم يكن هؤلاء الناس ، هم انفسهم الذين شاهدوا اكبر المعجزات علىٰ مدىٰ عشرين سنة ولم يأمنوا ولم تتغير نفوسهم ، بل كلما جاءهم الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله بمعجزة وآية جديدة ، كانوا يزدادون غضباً وغيضاً وتتحد صفوفهم اكثر في عدائه ، في حين ان العفو العام الذي أعلنه الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو في الحقيقة من معجزاته الاخلاقية التي ليس لها ________________

(1) سورة يوسف : 92.

٩٨

مثيل ، استطاع ان يحرك عواطفهم ، للحد الذي تعالىٰ فيه صوت البكاء من تلك القلوب القاسية حتىٰ ملأ ارجاء مكة.

النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لا يدعو بالسوء

وفي معركة اُحد ، بعد ان دحر جيش الاسلام قوىٰ المشركين ، وعلىٰ اثر غفلة المسلمين وعدم اطاعتهم أوامر الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، استفاد جيش المشركين من تلك الفرصة ، وهجم من جديد علىٰ المسلمين ، فكانت نتيجة حملاته المتكررة والشديدة ان فرّ المسلمون الّا الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ونفر من المجاهدين الذين صمدوا رغم شدة البلاء ، وقد جرح الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وكسر سنّة وكان الخطر محيط به من كل جانب ، في تلك اللحظات ، قال له بعض اصحابه الذين صمدوا معه : ادعو يا رسول الله علىٰ اعدائك بالهلاك. فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : ما بعثت لذلك ، وانما بعثت لأكون رحمة للعالمين.

اجل هذه النماذج قليلة من معاملة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لأعدائه.

معاملة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لغلمانه

المعاملة التي كانت للرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله مع غلمانه ، لا يوجد مثيل لها الّا في عترته الطاهرة ، فلم يكن يُحسن إليهم فقط ، ويعاملهم كأفراد الاسرة ، بل وصىٰ المسلمين بهم كثيراً ، فقال : اطعموهم مما تطعمون والبسوهم مما تلبسون. ولم يطلب منهم يوماً القيام بعمل يذلّهم أو يكون لهم عاراً ، ولم يكن يشكل علىٰ

٩٩

اعمالهم.

يقول أنس الذي لازم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله سنوات عديدة : خدمت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عشرة سنوات ، فلم يزجرني بكلمة ابداً خلال تلك الفترة ، ولم يشكل علىٰ ايّ عمل قمت به لرأفته ، ولم يؤاخذني علىٰ شيء لم افعله أو عمل قصرّت فيه.

ورأفته كانت بحيث يقول أنس : طلب مني النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يوماً ان انجز له عمل ، لكني شغلت في الطريق بمشاهدة لعب الاطفال ، فمضىٰ علىٰ ذلك وقت كثير ، وانا لازلت انظر الاطفال في لعبهم ، وفجأة رأيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يمسك بقميصي من الخلف ، ويقول لي وهو يبتسم : اذهب الىٰ ما أرسلتك اليه.

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

١ ـ بيان حقيقة الرؤى

أ ـ علاقة الرؤى بالنوم

ب ـ أقوال العلماء في حقيقتها

ج ـ بيان أسمائها ومعانيها

٢٠١
٢٠٢

أ ـ علاقة الرؤى بالنوم :

إنّ أجسامنا صنعت من الطبيعة ولها ، وقد روعي فيها أن تتبع القوانين الطبيعية ، فالنوم حالة طبيعية متكررة يتوقف فيها الكائن الحي عن اليقظة ، وتصبح حواسه معزولة نسبياً عما تحيط بها من أحداث ، وقد عَبّر عنها القرآن الكريم في قوله تعالى :( وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا) [النبأ / ٩]. أي راحة لأبدانكم بانقطاعكم عن الأشغال. ويتضح هذا من خلال التقسيم العلمي للنوم ، وهو كالتالي :

هناك نوعان من النوم :

«النوم التقليدي : Orthodox Sleep (النوم الهادئ) (لا يترافق بحركة سريعة في العين) : ويشكل الجزء الأعظم من النوم ويبدأ بالنعاس وتصبح أمواج الدماغ الكهربائية فيه أبطأ وأكثر عمقاً من الأمواج التي تحدث في اليقظة ويتباطؤ نشاط الدماغ وعمليات الإستقلاب في الجسم (العمليات الكيمياوية الحيوية) وتصل إلى أدنى مستوى لها ، وتحدث فيه بعض الأحلام»(٢٤٤) .

وخصائص هذا النوم الهادئ : «ينخفض ضغط الدم ويتباطئ القلب في هذا النوع من النوم ويستطيع النائم التحرك في المراحل الخفيفة منه. لكنه لا يقوى على الحركة حين يدخل المرء في مراحل متقدمة من نوم عميق حيث ترتخي العضلات ويضعف نشاط الدماغ وقد تُرى الأحلام حول ما سيجري في غدٍ من أعمال ..»(٢٤٥) .

__________________

(٢٤٤) ـ باشا ، الدكتور حسان شمسي : النوم والأرق والأحلام بين الطب والقرآن / ٢٢.

(٢٤٥) ـ نفس المصدر / ٢٣.

٢٠٣

وحول دور النوم الهادئ تقول دائرة المعارف البريطانية (طبعة ١٩٨٩ م) : «إنّ النوم الهادئ هو النوم الذي يعطي الراحة والسكينة للجسم ، كما أنّه يدعم إحدى وظائف النوم الكبرى. وهي تعويض الجسم ما خسره في يقظته وترميم ما بلى منه وتخرّب»(٢٤٦) .

النوم المتناقض : Paradoxical Sleep (النوم الحالم) (يترافق بحركة سريعة في العين) :

وخصائص هذا النوم ـ كما تعبّر عنه دائرة المعارف البريطانية (طبعة ١٩٨٩ م) : «يتسم النوم الحالم بحالة من نشاط جسمي عام فموجات الدماغ تتسارع وتنخفض سعتها والقلب يتسارع في دقاته ويتصاعد إيقاع التنفس في شهيق وزفير ويرتفع ضغط الدم. ويحدث فيه الإنتصاب عند الذكور. وتكثر فيه حركة الجسم وتظهر فيه تقلصات عضلية في الوجه والأطراف ويزداد استهلاك الدماغ للأوكسجين كما يزداد تدفق الدم إلى الدماغ وترى خلايا الدماغ في هذا النوع من النوم نشاطه أثناء اليقظة»(٢٤٧) .

وحول دور النوم الحالم (المتناقض) : «أشارت التجارب والبحوث العلمية في مجال النوم إلى أنّ النوم ليس مرحلة ركود وخمول ، إنما هو مرحلة صيانة للجسم ، وإستعادة لما فقده من عناصر حيوية ؛ وهو مرحلة يستطيع خلالها الجسم أن يحضر ما يلزمه من مواد يحتاجها في الفترة التالية من اليقظة والنشاط ويعتقد بعض الباحثين أنّ صيانة أنسجة المخ تتم أثناء فترة النوم ،

__________________

(٢٤٦) ـ المصدر السابق / ٢٥.

(٢٤٧) ـ نفس المصدر / ٢٦ ـ ٢٧.

٢٠٤

ومن المعروف أنّ أنسجة الدماغ تتوقف عن النمو بعد عمر معين ، ويقتصر جهد الجسم بعد ذلك على الصيانة والترميم ..»(٢٤٨) .

ب ـ أقوال العلماء في حقيقتها :

يقول العلامة الطباطبائي (قده) : «كان الناس كثير العناية بأمر الرؤى والمنامات منذ عهود قديمة لا يضبط لها بدء تاريخي ، وعند كل قوم قوانين وموازين متفرقة متنوعة يزنون بها المنامات ويعبرون بها ويكشفون رموزها ، ويحلون بها مشكلات إشاراتها فيتوقعون بذلك شراً أو نفعاً أو شراً بزعمهم»(٢٤٩) .

وقد أثير حول حقيقتها التساؤل التالي :

س / هل للرؤى حقيقة أم لا؟

ج / إختلف العلماء في ذلك على قولين :

الأول ـ ذهب الباحثون من علماء الطبيعة الأوروبيين إلى عدم وجود حقيقة للرؤى ، بل ليس للبحث عن شأنها وإرتباطها بالحوادث الخارجية وزناً علمياً ، وهذا ما ذهب إليه علم الهدى السيد المرتضى (قده) ، وملخص عبارته هو : «أنّ النائم غير كامل العقل ؛ لأنّ النائم يفقد شعوره عند النوم ، فما يراه حصيلة عدم الشعور فلا قيمة له ، وجميع منامات الإنسان من هذا القبيل»(٢٥٠) .

__________________

(٢٤٨) ـ المصدر السابق / ٣٠.

(٢٤٩) ـ الطباطبائي ، السيد محمد حسين : الميزان في تفسير القرآن ، ج ١١ / ٢٦٨.

(٢٥٠) ـ الشريف المرتضى ، السيد علي بن الحسين الموسوي : أمالي المرتضى ، ج ٢ / ٣٩٢.

٢٠٥

الثاني ـ ذهب علماء النفس إلى أهمية الرؤيا وقيمتها لإتخاذها في القضية النفسية ـ في أواخر القرن التاسع عشر ـ وإحتجوا ببعض المنامات الصحيحة التي تنبأ عن حوادث مستقبلية ، أو أوامر خفية أوردوها في كتبهم مروية بطرق صحيحة لا يخالطها شك. وهذا ما ذهب إليه العلامة الطباطبائي (قده) في قوله : «ما منا واحد إلا وقد شاهد من نفسه شيئاً من الرؤى والمنامات دَلّهُ على بعض الأمور الخفية أو المشكلات العلمية أو الحوادث التي ستستقبله من الخير أو الشر أو وقوع سمعه بعض المنامات التي من هذا القبيل ، ولا سبيل إلى حمل ذلك على الإتفاق وإنتفاء أي رابطة بينها وبين ما ينطبق عليها من التأويل ، وخاصة في المنامات الصريحة التي لا تحتاج إلى تعبير»(٢٥١) .

وبعد ذكر أهم الأقوال في مسألة الرؤى ؛ نخرج بالنتيجة التالية :

أولاً ـ لا ينكر الإنسان أنّ للعوامل الخارجية المرتبطة ببدنه كالحر والبرد ونحو ذلك ، وكذلك للعوامل الداخلية الطارئة عليه ، كأنواع الأمراض ، وإمتلاء المعدة تأثير في المتخيلة ، وتأثير على الرؤى ولذا نلاحظ أنّ أغلب الرؤى والمنامات من التخيلات النفسانية التي لها إرتباط بشيء من الأسباب المذكورة ، فمثلاً : من أثّرَت فيها حرارة أو برودة بالغة ؛ يرى في منامه نيراناً مؤججة أو الشتاء ونزول الثلج. وأنّ من إنحرف مزاجه أو امتلأت معدته ؛ يرى رؤيا مشوشة.

وهذا الذي ذكره منكروا حقيقة الرؤى من علماء الطبيعة. وهذه الدعوى يمكن إبطالها بما يلي :

__________________

(٢٥١) ـ الطباطبائي ، السيد محمد حسين ، الميزان في تفسير القرآن : ج ١١ / ٢٦٩.

٢٠٦

توجد بعض المنامات والرؤى الصادقة التي تكشف حقائق لا سبيل إلى إنكارها ونفي الرابطة بينها وبين الحوادث الخارجية والأمور المستكشفة ، ومن الشواهد على ذلك التالي :

١ ـ رؤيا ابراهيم عليه السلام في ابنه اسماعيل عليه السلام حيث أخبر عنها القرآن الكريم في قوله تعالى :( فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَىٰ قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ ) [الصافات / ١٠٢].

٢ ـ رؤيا الملك :( وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَىٰ سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ ) [يوسف / ٤٣].

٣ ـ رؤيا صاحبي يوسف عليه السلام في السجن :( قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ) [يوسف / ٣٦].

٤ ـ ومن هذا القبيل ما ذكره الشهيد المطهري ـ حكاية عن زوجته ـ : «وأخبرتني ليلة ـ وكان ذلك قبل السحر ، من شهر رمضان بساعتين ـ بأنها رأت في المنام أبيها وهو غضبان : أين فلان؟ قلت له : لماذا؟ قال : إنّه يريد الزواج من شابة نصرانية. ثم قالت زوجتي : بأنها رأت في المنام ليلة أخرى هذه البنت النصرانية وقالت لها : لماذا لا تتركي هذا الشاب؟ فأنتِ نصرانية وهو مسلم ، أنت غريبة وهو شرقي ، وليس بينكما وجه إشتراك.

فقالت هذه الشابة : سوف تصلكم غداً رسالتي عليها علامة رقم (٨٨). فلما صلينا صلاة الصبح بقينا إلى طلوع الشمس ، وإذا بالباب يطرق ، فلما ذهب الشاب يفتح الباب ؛ إذا بساعي البريد على الباب ، أخذ الشاب الرسالة

٢٠٧

وفَضّها يقرأها ؛ فوجدها رسالة البنت النصرانية ، فقال : يا سبحان الله ، وأخذ يقرأها وكانت قد كتبت فيها : إني في المستشفى وقد أجريت لي عملية جراحية ـ وكانت قد أخبرته بأنها مريضة وقد تجري عملية جراحية ـ ولا أدري هل تتحسن صحتي أم لا؟ لأني الآن أملي على شخص بكتابة هذه الرسالة ، ولعله لا يصلك بعد هذه الرسالة شيء ، ثم قالت : بأنّ عنوانها قد تغير ، فإنّ أردت المراسلة فراسل على هذا العنوان : (.. رقم المنزل ٨٨) وكتبت هذا الرقم بظهر الرسالة أيضاً ، كل ذلك كان بعد ساعات من الرؤيا»(٢٥٢) .

فظهر مما ذكرناه أنّ جميع الرؤى لا تخلو عن حقيقة ، أي أنّ هذه الإدراكات المتنوعة المختلفة التي تعرض النفس الإنسانية ـ وهي الرؤى ـ لها أصول وأسباب تستدعي وجودها للنفس وظهورها للخيال ، وهي على اختلافها تحكي أنّ لكل منام تأويل وتعبير ، غير أنّ بعضها السبب الطبيعي العامل في البدن حال النوم ، وتأويل بعضها ، السبب الخلقي أو أسباب متفرقة.

إذن لا ربط لبعض الرؤى بذكريات وسوابق في الماضي ، لتكون راجعة للأسباب التي ذكرت سابقاً!

ثانياً ـ ما ذكر في القرآن الكريم من أنّ الرؤيا ، قد تكون أضغاث أحلام كما في قوله تعالى :( قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ ) [يوسف / ٤٤].

وقد تكون رؤيا صادقة كرؤيا يوسف عليه السلام ، كما في قوله تعالى :( إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ ) [يوسف / ٤].

__________________

(٢٥٢) ـ المطهري ، الشيخ مرتضى : التوحيد / ١٥١ ـ ١٥٢.

٢٠٨

فعبرها له أبوه بما سيكون له من شأن ، وأنّ هذه الكواكب الإحدى عشر ؛ هي أخوته والشمس والقمر أبويه. إلى غير ذلك من الآيات الدالة على ذلك.

ثالثاً ـ إتضح لنا مما تقدم ، أنّ ما ذهب إليه العلامة الطباطبائي (قده) ، وعلماء النفس هو الصحيح.

ج ـ بيان أسمائها ومعانيها :

تظهر أهمية الرؤى والمنامات قديماً وحديثاً ، من خلال ما ذكره المؤرخون والباحثون في الطب الحديث ، وأهم من ذلك ما ذكره القرآن الكريم من الرؤى وأسماءها ، ولعلّ أهم ما ذكره من أسماء هو التالي :

١ ـ الرؤيا :

هي : «تخيل النفس للمعنى في المنام حتى كأنه يراه» (٢٥٣).

وقد وردت هذه اللفظة في القرآن الكريم تسع مرات ، منها قوله تعالى :( وَنَادَيْنَاهُ أَن يَا إِبْرَاهِيمُ *قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا ) [الصافات / ١٠٤ ـ ١٠٥].

٢ ـ الحِلْم :

«والأحلام جمع حلم ، وهو الرؤيا في النوم ، وقد يقال : جاء بالحلم ؛ أي الشيء الكثير ، كأنّه جاء بما لا يرى إلا في النوم لكثرته»(٢٥٤) .

وقد وردت في القرآن الكريم ثلاثة مرات ، منها قوله تعالى :( قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ ) [يوسف / ٤٤].

__________________

(٢٥٣) ـ الطوسي ، الشيخ محمد بن الحسن : التبيان في تفسير القرآن ، ج ٦ / ١٤٥.

(٢٥٤) ـ نفس المصدر / ١٤٦.

٢٠٩

وسميت بـ(أضغاث أحلام) ؛ لأنّ الضغث : هو الحزمة من الحشيش ، والبقل وغيره ، وهو غير متشاكل ولا متلائم ، فشبهوا به تخليط المنام. والفرق بين الرؤيا والحلم : يغلب على الرؤيا ما يراه الإنسان من الخيرو الشيء الحسن ، وغلب الحلم عل ىما يراه الإنسان من الشر والقبيح. ويؤيد هذا المعنى ما في الدرة الباهرة : «قال أبو محمد العسكري عليه السلام : من أكثر المنام رأى الأحلام»(٢٥٥) .

قال الشيخ المجلسي (قده) : «.. أنّ كثرة الغفلة عن ذكر الله وعن الموت وأمور الآخرة موجبة للأماني الباطلة والخيالات الفاسدة التي هي كأضغاث الأحلام ولا يلتفت إليها الكرام. مع أنّ الحمل على ظاهره أظهر وأصوب ، بحمل الأحلام على الفاسدة منها ، كما ورد : (أنّ الحلم من الشيطان ..)(٢٥٦) .

٣ ـ الأحاديث :

قال تعالى :( وَكَذَٰلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ ) [يوسف / ٨]. وسميت الرؤيا بالأحاديث لما يلي :

أ ـ والأحاديث جمع الحديث وربما أريد به الرؤى ؛ لأنّها من حديث النفس ، فإنّ نفس الإنسان تصور له الأمور في المنام ، كما يصور المحدّث لسماعه الأمور في اليقظة فالرؤيا حديث مثله(٢٥٧) .

ب ـ إنّها سميت أحاديث ؛ لأنّها من حديث الملك إن كانت صادقة ، ومن حديث الشيطان إن كانت كاذبة(٢٥٨) .

__________________

(٢٥٥) ـ المجلسي ، الشيخ محمد باقر : بحار الأنوار ، ج ٥٨ / ١٩٠.

(٢٥٦) ـ نفس المصدر / ١٥٣.

(٢٥٧) ـ الطباطبائي ، السيد محمد حسين : الميزان في تفسير القرآن ، ج ١١ / ٧٩ ـ ٨١.

(٢٥٨) ـ نفس المصدر.

٢١٠

ج ـ قال العلامة الطباطبائي (ره) : «وبالجملة معنى كون الرؤيا من الأحاديث ، أنّها من قبيل تصور الأمور للنائم كما يتصور الأنباء والقصص بالتحدي اللفظي ، فهي حديث إما ملكي أو شيطاني أو نفسي كما تقدم ، لكم الحق أنّها من أحاديث النفس بالمباشرة ، وسيجيء إستيفاء البحث في ذلك إن شاء الله تعالى. هذا لكن الظاهر المتحصل من قصته عليه السلام المسرودة في هذه السورة أنّ الأحاديث التي عَلّمه الله تعالى تأويلها أعم من أحاديث الرؤيا ، وإنما هي الأحاديث ؛ أعني الحوادث والوقائع التي تتوصر للإنسان أعم من أن تتصور له في يقظة أو منام ، فإنّ بين الحوادث والأصول التي تنشأ هي منها والغايات التي تنتهي إليها إتصالاً لا يسع إنكاره ، وبذلك يرتبط بعضها ببعض ، فمن الممكن أن يهتدي عبد بإذن الله تعالى إلى هذه الروابط فينكشف له تأويل الأحاديث والحقائق التي تنتهي هي إليها. ويؤيده فيما يرجع إلى المنام ما حكاه الله تعالى من بيان يعقوب تأويل رؤيا يوسف عليه السلام ، وتأويل يوسف لرؤيا نفسه ، ورؤيا صاحبيه في السجن ، ورؤيا عزيز مصر وفيما يرجع إلى اليقظة ما حكاه عن يوسف في السجن بقوله :( قَالَ لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَن يَأْتِيَكُمَا ذَٰلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي ) [يوسف / ٣٧] ، وكذا قوله :( فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمْرِهِمْ هَـٰذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ) [يوسف / ١٥] ، وسيوافيك توضيحه إن شاء الله تعالى»(٢٥٩) .

__________________

(٢٥٩) ـ الطباطبائي ، السيد محمد حسين : الميزان في تفسير القرآن ، ج ١١ / ٧٩ ـ ٨١.

٢١١

٤ ـ البشرى :

هي الرؤيا الحسنة التي يبشر بها المؤمن ، وإلى ذلك يُشير قوله تعالى :( لَهُمُ الْبُشْرَىٰ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ) [يونس / ٦٤].

٥ ـ النجوى :

هي الرؤيا المحزنة للمؤمن ، كما يوضح ذلك قوله تعالى :( إِنَّمَا النَّجْوَىٰ مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ) [المجادلة / ١٠].

قال الشيخ الطبرسي (ره) : «وقيل : إنّ الآية المراد بها أحلام المنام التي يراها الإنسان في نومه محزنة. وورد في الخبر عن أبي عبد الله بن مسعود قال : قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : إذا كنتم ثلاثة فلا يتناج إثنان دون صاحبهما ، فإنّ ذلك يحزنه»(٢٦٠) .

وبعد بيان وإيضاح أسماء المنامات والرؤى في القرآن الكريم ؛ تبين لنا أنّها من المسائل المهمة في حياة وطبيعة البشر ، بل هي من المسائل التي شغلت أذهان البشر للتعرف على حقيقتها ، وما الفائدة منها.

__________________

(٢٦٠) ـ الطبرسي ، الشيخ الفضل بن الحسن : مجمع البيان في تفسير القرآن ، ج ٩ ـ ١٠ / ٣١٧.

٢١٢

٢ ـ أقسام الرؤى

الأول ـ تقسيم الروايات

الثاني ـ تقسيم العلماء

الثالث ـ تقسيم العلم الحديث

٢١٣
٢١٤

الأول ـ تقسيم الروايات :

يمكن تقسيم الرؤى في الروايات من خلال ما رواه المسلمون في كتبهم كالتالي :

أ ـ مرويات الإمامية :

١ ـ عن علي بن إسماعيل بن موسى بن جعفر ، عن أبيه ، عن آبائه عليهم السلام ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : (الرؤيا ثلاثة : بشرى من الله ، وتحزين من الشيطان ، والذي يُحدِّث به الإنسان نفسه فيراه في منامه)(٢٦١) .

٢ ـ وقال صلى الله عليه وآله وسلم : (الرؤيا من الله ، والحلم من الشيطان)(٢٦٢) .

٣ ـ عن أبي عبد الله عليه السلام قال : (الرؤيا على ثلاثة وجوه : بشرى من الله للمؤمن ، وتحذير من الشيطان ، وأضغاث أحلام)(٢٦٣) .

ب ـ مرويات السنة :

١ ـ عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : (إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المؤمن تكذب ، وأصدقهم رؤيا أصدقهم حديثاً ، ورؤيا المسلم جزء من ستة وأربعين جزء من ال نبوة.

والرؤيا ثلاث : فالرؤيا الصالحة بشرى من ا لله ، والرؤيا من تحزين الشيطان ، والرؤيا مما يُحدِّث نفسه ، وإذا رأى أحدكم ما يكره ، فليقم وليتفل ولا يحدث به الناس ، وأحب القيد في النوم ، واكره الغلّ ، القيد ثبات في

__________________

(٢٦١) ـ المجلسي ، الشيخ محمد باقر : بحار الأنوار ، ج ٥٨ / ١٩١.

(٢٦٢) ـ نفس المصدر.

(٢٦٣) ـ الكليني ، الشيخ محمد بن يعقوب : الروضة من الكافي ، ج ٨ / ٩٠.

٢١٥

الدين ، فإن رأى أحدكم رؤيا تعجبه فليقصها إن شاء ، وإن رأى شيئاً يكرهه فلا يقصه على أحد وليقم يصلي)(٢٦٤) .

٢ ـ عن عوف بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : (الرؤيا على ثلاثة : منها تخويف من الشيطان ليحزن به ابن آدم ، ومنها لاأمر يحدِّث به نفسه في اليقظة فيراه في المنام ، ومنها جزء من ستة وأربعين جزء من أجزاء النبوة)(٢٦٥) .

وبعد ذكر المرويات المتقدمة ؛ نخرج بالنتيجة التالية :

أولاً ـ أنّها متفقة على التقسيم الثلاثي وإن إختلفت الألفاظ ، إلا أنّ المعنى واحد ؛ إذ بعض المرويات عبرت بـ(بشرى من الهل) ، وبعضها بـ(جزء من ستة وأربعين جزء من النبوة) والمعنى ـ بقرينة بعض الروايات ـ كما عن أبي سعيد ، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : (الرؤيا الصالحة جزء من سبعين جزء من النبوة)(٢٦٦) . وعن أبي قتادة ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : (الرؤيا الصالحة بشرى من الله ، وهي جزء من أجزاء النبوة)(٢٦٧) . إذن ، لا خلاف بين هذه الروايات في المعنى.

ثانياً ـ قوله صلى الله عليه وآله وسلم : (إذا اقترب الزمان) ، وعلى رواية أخرى : (إذا تقارب الزمان) : فيه وجوه أهمها ما ذكره ابن الأثير : «أراد إقتراب الساعة. وقيل : إعتدال الليل والنهار ، وتكون الرؤيا صحيحة لإعتدال الزمان»(٢٦٨) .

__________________

(٢٦٤) ـ السيوطي ، عبد الرحمن بن ابي بكر : الدر المنثور ج ٣ / ٣١٢.

(٢٦٥) ـ نفس المصدر / ٣١٣.

(٢٦٦) ـ نفس المصدر.

(٢٦٧) ـ ابن الأثير ، المبارك بن محمد الجزري : النهاية في غريب الحديث والأثر ، ج ٤ / ٣٣.

(٢٦٨) ـ نفس المصدر.

٢١٦

ثالثاً ـ قوله : (لم تكن رؤيا المؤمن تكذب ، وأصدقهم رؤيا أصدقهم حديثاً) ،

فيه وجوه :

١ ـ قال النووي ـ في شرح الصحيح ـ : «ظاهره أنه على إطلاقه ، حكى القاضي عن بعض العلماء أنّ هذا يكون في آخر الزمان عند إنقطاع العلم موت العلماء والصالحين ومن يستضاء بقوله وعمله ، فجعله الله تعالى جابراً وعوضاً ومنبهاً لهم ، والأول أظهر ؛ لأنّ غير الصادق في حديثه يتطرق الخلل إلى رؤياء وحكايته إياها»(٢٦٩) .

٢ ـ قال الشيخ المجلسي (قده) : «لما غَيّب الله تعالى في آخر الزمان عن الناس حجتهم ؛ تفضل عليهم وأعطاهم رأياً في إستنباط الأحكام الشرعية ، مما وصل إليهم من أئمتهم عليهم السلام ، ولما حجب عنهم الوحي وخُزّانه ؛ أعطاهم الرؤيا الصادقة أزيد مما كان لغيرهم ، ليظهر عليهم بعض الحوادث قبل حدوثها»(٢٧٠) .

رابعاً ـ قوله : (جزء أو سبعين جزء من أجزاء النبوة). فيه وجوه كالتالي :

١ ـ قال ابن عبد البر : «إختلاف الآثار في هذا الباب في عدد أجزاء الرؤيا ليس ذلك عندي إختلاف متضاد متدافع ـ والله أعلم ـ ؛ لأنّه يحتمل أن تكون الرؤيا الصالحة من بعض من يراها على حسب ما يكون من صدق الحديث وأداء الأمانة والدين المتين وحسن اليقين ، فعلى قدر إختلاف الناس فيما وصفناه تكون الرؤيا منهم على الأجزاء المختلفة العدد ، فمن خلصت نيته في عبادة ربه ويقينه وصدق حديثه ؛ كانت رؤياه أصدق ، وإلى النبوة

__________________

(٢٦٩) ـ الووي ، محي الدين بن شرف : شرح صحيح مسلم ، مج ٨ ، ج ١٥ / ٢٠ (كتاب الرؤيا).

(٢٧٠) ـ المجلسي ، الشيخ محمد باقر : بحار الأنوار ، ج ٥٨ / ١٧٧.

٢١٧

أقرب ، كما أنّ الأنبياء يتفاضلون ، قال الله تعالى :( وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَىٰ بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا ) [الإسراء / ٥٥].

وأيّد القرطبي بقوله : «فهذا التأويل يجمع شتات الأحاديث ، وهو أولى من تفسير بعضها دون بعض وطرحه»(٢٧١) .

٢ ـ قال الشيخ المجلسي (قده) : «لعل المراد أنّ للنبوة أجزاء كثيرة ، سبعون منها من قبل الرأي ؛ أي الإستنباط اليقيني ، لا الإجتهاد والتظني ، والرؤيا الصادقة ، فهذا المعنى الحاصل لأهل آخر الزمان ، على تلك السبعين ، ومشابه لها وإن كان في النبوة أقوى»(٢٧٢) .

٣ ـ يمكن الجمع بين هذين القولين بما يلي :

أ ـ إنّ ذكر عدد الأجزاء بـ(سبعين ، أو ستين ، أو خمسين ، أو أربعين) ـ كما ورد في الروايات ، لعله من باب التمثيل ، كما قيل في قوله تعالى :( إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً ) [التوبة / ٨٠]. وقوله تعالى :( ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا ) [الحاقة / ٣٢].

وأيضاً ورد عدد (أربعين) في بعض الآيات كما في قوله تعالى :( وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَىٰ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ) [البقرة / ٥١]. وقوله تعالى :( فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً ) [المائدة / ٢٦]. وقوله تعالى :( حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً ) [الأحقاف / ١٥]. ففي كل هذه الآيات لعلها كناية عن الكثرة وطول المدة وما شابه ذلك.

__________________

(٢٧١) ـ القرطبي ، محمد بن احمد : الجامع لأحكام القرآن ، ج ٩ / ١٢٣.

(٢٧٢) ـ المجلسي ، الشيخ محمد باقر : بحار الأنوار ج ٥٨ / ١٧٧.

٢١٨

ولهذا لم يهتم ابن عبد البر بالعدد ، وقال : «إختلاف الآثار في هذا الباب في عدد أجزاء الرؤيا ، ليس ذلك عندي إختلاف متضاد متدافع». فبقوله هذا جمع بين هذه الروايات.

ب ـ يتفق الشيخ المجلسي وابن عبد البر على أنّ العبد كلما أخلص لله صدقت رؤياه وشُبِّه بالأنبياء من حيث صدق الرؤيا ، فكما أنّ المؤمنين على درجات من الإخلاص ، كذلك الأنبياء على درجات من المراتب والفضل.

خامساً ـ قوله : (وأكره الغُلّ) ، يمكن إرجاع ذلك إلى معنيين كالتالي :

١ ـ (الغُلّ : مختص بما يُقيّد به فيجعل الأعضاء وسطه ، وجمعه أغلال ، وغُلَّ فلان قيّد به. قال :( خُذُوهُ فَغُلُّوهُ ) [الحاقة / ٣٠] وقيل للبخيل هو مغلول اليد ، قال تعالى :( وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ ) [الإسراء / ٢٩].

٢ ـ الغِلّ : العداوة والضغن ، قال تعالى :( وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ ) [الأعراف / ٤٣](٢٧٣) .

وبعد هذا لا مانع من إرادة المعنيين ؛ حيث أنّ البخل والضغن والعداوة مانعة من الرؤيا الصادقة.

الثاني ـ تقسيم العلماء :

لعلّ أهم تقسيم للعلماء هو ما يلي :

١ ـ حديث النفس بالشيء والفكر فيه ، حتى يحصل كالمنطبع في النفس ، فيخيل إلى النائم ذلك بعينه وأشكاله ونتائجه ، فمثلاً : ضعيف النفس الخائف

__________________

(٢٧٣) ـ الراغب الإصفهاني ، الحسين بن محمد : المفردات في غريب القرآن ، ج ٢ / ٤٧٠.

٢١٩

الذعران يتصور في نومه أموراً هائلة ، وكذلك البغض والعداوة والعجب ونحو ذلك يرى صوراً تناسبه وتلائمه.

٢ ـ تأثير الطبايع وما يكون من قهر بعضها لبعض ، فيطرب المزاج ويتخيل لصاحبه ما يلائم ذلك الطبع الغالب ، فترى من أثرت فيه حرارة أو برودة بالغة يرى في منامه نيراناً مؤججة ، أو نزول ثلج والمطر ، ومن إمتلأت معدته يرى رؤيا مشوشة لا ترجع إلى طائل.

٣ ـ ألطاف من الله عَزّ وجَلّ لبعض خلقه ، من تنبيه وتيسير وأعذار وإنذار ، فيلقى في روعه ما ينتج له تخيلات وأمور تدعوه إلى الطاعة والشكر على النعمة ، وتزجره عن المعصية وتخوّفه الآخرة ويحصل له مصلحة وزيادة فائدة ، وفكر يحدث له معرفة.

٤ ـ أسباب من الشيطان ووسوسة يفعلها للإنسان ويُذكره بها ، أموراً تحزنه وأسباباً تغمه فيما لا يناله ، أو يدعوه إلى ارتكاب محظور يكون فيه هلاكه ، أو تخيل شبهة في دينه ، وذلك مختص بمن عدم التوفيق لعصيانه وكثرة تفريطه في طاعات الله سبحانه.

٥ ـ ما يكون من غير سبب إعتقاداً مبتدأ.

الثالث ـ تقسيم العلم الحديث :

تفيد الأبحاث العلمية أنّ النائم يحلم بمعدل مرة واحدة كل حوالي مائة دقيقة نوم ويدوم كل حلم حوالي ١٥ دقيقة في النصف الأول من الليل في حين تزيد المدة في النصف الثاني من الليل إلى حوالي الضعفين. أي ثلاثة دقيقة.

وقد قسم العلماء الأحلام التي تحدث للإنسان أثناء النوم إلى ما يلي :

١ ـ ما تحدث للإنسان أثناء النوم إلى عدة مجموعات :

٢٢٠

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554