تربة الحسين عليه السلام الجزء ٣

تربة الحسين عليه السلام10%

تربة الحسين عليه السلام مؤلف:
الناشر: دار المحجّة البيضاء
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 554

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 554 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 41327 / تحميل: 4279
الحجم الحجم الحجم
تربة الحسين عليه السلام

تربة الحسين عليه السلام الجزء ٣

مؤلف:
الناشر: دار المحجّة البيضاء
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

كما أن من الطبيعي أن يثير دهشتهم، ويذهلهم.. بعد أن لم يكن بينهم رجالات كفاة، يدركون ألاعيب السياسة، ودهاء ومكر الرجال. وقد عبر عن دهشتهم هذه نفس الخليفة الذي اختاروه، واستعاضوا به عن المأمون. فلقد قال ابن شكلة معاتبا العباسيين:

فـلا جزيت بنو العباس خيراً

على رغمي ولا اغتبطت بري

أتـوني مـهطعين، وقد أتاهم

بـوار الـدهر بالخبر الجلي

وقد ذهل الحواضن عن بنيها

وصـد الثدي عن فمه الصبي

وحـل عصائب الأملاك منها

فـشدت فـي رقاب بني علي

فضجت أن تشد على رؤوس

تـطالبها بـميراث النبي(١)

ب ـ ولكن دهشتهم وغضبهم لا قيمة لهما، في جانب ذهاب الخلافة عنهم بالكلية، وسفك دمائهم.. وقد أوضح لهم ذلك في رسالة منه إليهم، حيث قال: (.. وأما ما كنت أردته من البيعة لعلي بن موسى، بعد استحقاق منه لها في نفسه، فما كان ذلك مني إلا أن أكون الحاقن لدمائكم، والذائد عنكم، باستدامة المودة بيننا وبينهم.). والرسالة مذكورة في أواخر هذا الكتاب.

وقريب من ذلك ما جاء في وثيقة العهد، مخاطباً (أهل بيت أمير المؤمنين) حيث قال لهم: (.. راجين عائدته في ذلك (أي في البيعة للرضاعليه‌السلام ) في جمع ألفتكم، وحقن دمائكم، ولم شعثكم، وسد ثغوركم.) فليغضبوا إذن قليلاً، فإنهم سوف يفرحون في نهاية الأمر كثيراً، وذلك عندما يعرفون الأهداف الحقيقية، التي كانت تكمن وراء تلك اللعبة، وأنها لم تكن إلا من أجل الإبقاء عليهم، واستمرار وجودهم في الحكم، والقضاء على أخطر خصومهم، الذين لن يكون الصدام المسلح معهم في صالحهم، إنهم دون شك عندما تؤتي تلك اللعبة ثمارها سوف يشكرونه، ويعترفون له بالجميل، ويعتبرون أنفسهم مدينين له مدى الحياة، ولسوف يذكرون دائما قوله لهم في رسالته المشار إلها آنفاً: (.. فإن تزعموا أني أردت أن يؤول إليهم (يعني للعلويين) عاقبة ومنفعة، فإني في تدبيركم، والنظر لكم، ولعقبكم، ولأبنائكم من بعدكم.).

____________

(١) التنبيه والإشراف ص ٣٠٣، والولاة والقضاة للكندي ص ١٦٨.

١٨١

ومضمون هذه العبارة بعينه ـ تقريباً ـ قد جاء في وثيقة العهد، حيث قال فيها، موجها كلامه للعباسيين، رجاء أن يلتفتوا لما يرمي إليه من لعبته تلك.. فبعد أن طلب منهم بيعة منشرحة لها صدورهم ـ قال ـ: (.. عالمين بما أراد أمير المؤمنين بها، وآثر طاعة الله، والنظر لنفسه، ولكم فيها، شاكرين الله على ما ألهم أمير المؤمنين، من قضاء حقه في رعايتكم، وحرصه على رشدكم، وصلاحكم، راجين عائدته في ذلك في جمع ألفتكم، وحقن دمائكم إلخ. ما قومناه..).

لا شك أنه إذا غضب عليه العباسيون، فإنه يقدر على إرضائهم في المستقبل، (وقد حدث ذلك بالفعل) عندما يطلعهم على حقيقة نواياه، ومخططاته، وأهدافه، ولكنه إذا خسر مركزه، وخلافته، فإنه لا يستطيع ـ فيما بعد ـ أن يستعيدها بسهولة، أو أن يعتاض عنها بشيء ذي بال.

ج ـ: إن من الإنصاف هنا أن نقول: إن اختيار المأمون للرضاعليه‌السلام ولياً للعهد، كان اختياراً موفقاً للغاية، كما سيتضح، وإنه لخير دليل على حنكته ودهائه، وإدراكه للأسباب الحقيقية للمشاكل التي كان يواجهها المأمون، ويعاني منها ما يعاني.

د ـ: إن من الأمور الجديرة بالملاحظة هنا هو أن اختيار المأمون لولي عهده، الذي لم يقبل إلا بعد التهديد بالقتل.. كان ينطوي في بادئ الرأي على مغامرة لا تنسجم مع ما هو معروف عن المأمون من الدهاء والسياسة، إذا ما أخذت مكانة الإمامعليه‌السلام ، ونفوذه بنظر الاعتبار، سيما مع ملاحظة: أنه هو الذي كان يشكل أكبر مصدر للخطر على المأمون، ونظام حكمه، حيث إنه كان يحظى بالاحترام والتقدير، والتأييد الواسع في مختلف الفئات والطبقات في الأمة الإسلامية.

ولكننا إذا دققنا الملاحظة نجد أن المأمون لم يقدم على اختيار الإمام وليا للعهد، إلا وهو على ثقة من استمرار الخلافة في بني أبيه، حيث كان الإمامعليه‌السلام يكبره بـ (٢٢) سنة، وعليه فجعل ولاية العهد لرجل بينه، وبين الخليفة الفعلي هذا الفارق الكبير بالسن، لم يكن يشكل خطراً على الخلافة، إذ لم يكن من المعروف، ولا المألوف أن يعيش ولي العهد ـ وهو بهذه السن المتقدمة ـ لو فرض سلامته من الدسائس والمؤامرات!.. إلى ما بعد الخليفة الفعلي، فإن ذلك من الأمور التي يبعد احتمالها جداً.

١٨٢

ه‍ ـ: ولهذا.. ولأن ما أقدم عليه لم يكن منتظراً من مثله، وهو الذي قتل أخاه من أجل الخلافة والملك، ولأنه من تلك السلالة المعادية لأهل البيتعليهم‌السلام .. احتاج المأمون إلى أن يثبت صدقه، وإخلاصه فيما أقدم عليه، وأن يقنع الناس بصفاء نيته، وسلامة طويته.. فأقدم لذلك. على عدة أعمال:

فأولاً: أقدم على نزع السواد شعار العباسيين، ولبس الخضرة شعار العلويين وكان يقول: إنه لباس أهل الجنة(١) . حتى إذا ما انتهى دور هذه الظاهرة بوفاة الإمام الرضاعليه‌السلام وتمكنه هو من دخول بغداد عاد إلى لبس السواد شعار العباسيين، بعد ثمانية أيام فقط من وصوله، على حد قول أكثر المؤرخين، وقيل: بل بقي ثلاثة أشهر. نزع الخضرة رغم أن العباسيين، تابعوه، وأطاعوه في لبسها، وجعلوا يحرقون كل ملبوس يرونه من السواد، على ما صرح به في مآثر الإنافة، والبداية والنهاية، وغير ذلك.

____________

(١) الإمام الرضا ولي عهد المأمون ص ٦٢ عن ابن الأثير.

١٨٣

وثانياً: ولنفس السبب(١) أيضاً نراه قد ضرب النقود باسم الإمام الرضاعليه‌السلام .

وثالثاً: أقدم للسبب نفسه على تزويج الإمام الرضاعليه‌السلام ابنته، رغم أنها كانت بمثابة حفيدة له، حيث كان يكبرها الإمامعليه‌السلام بحوالي أربعين سنة. كما أنه زوج ابنته الأخرى للإمام الجوادعليه‌السلام الذي كان لا يزال صغيراً، أي ابن سبع سنين(٢) .

ومن يدري: فلعله كان يهدف من تزويجهما أيضاً إلى أن يجعل عليهما رقابة داخلية. وأن يمهد السبيل، لكي تكون الأداة الفعالة، التي

____________

(١) التربية الدينية ص ١٠٠.

(٢) راجع مروج الذهب ج ٣ / ٤٤١، وغيره من كتب التاريخ. وفي الطبري ج ١١ / ١١٠٣، طبع ليدن، والبداية والنهاية ج ١٠ / ٢٦٩: أنهعليه‌السلام لم يدخل بها إلا في سنة ٢١٥ للهجرة، ولكن يظهر من اليعقوبي ج ٢ / ٤٥٤ ط صادر: أنه زوج الجواد ابنته بعد وصوله إلى بغداد، وأمر له بألفي ألف درهم، وقال: إني أحببت أن أكون جداً لامرئ ولده رسول الله، وعلي بن أبي طالب، فلم تلد منه انتهى. وهذا يدل على أنه قد بادر إلى تزويج الجواد بعد قتل أبيه الرضاعليه‌السلام ليبرئ نفسه من الاتهام بقتل الرضاعليه‌السلام ، حيث إن الناس كانوا مقتنعين تقريباً بذلك ومطمئنين إليه، وسيأتي في أواخر الكتاب البحث عن ظروف وملابسات وفاتهعليه‌السلام ويلاحظ: أن كلمة المأمون هذه تشبه إلى حد بعيد كلمة عمر بن الخطاب حينما أراد أن يبرر إصراره غير الطبيعي على الزواج بأم كلثوم بنت عليعليه‌السلام حتى لقد استعمل أسلوباً غير مألوف في التهديد والوعيد من أجل الوصول إلى ما يريد.

١٨٤

يستعملها في القضاء على الإمامعليه‌السلام ، كما كان الحال بالنسبة لولده الإمام الجواد، الذي قتل بالسم الذي دسته إليه ابنة المأمون، بأمر من عمها المعتصم(١) ، فيكون بذلك قد أصاب عدة عصافير بحجر واحد. كما يقولون..

ويجب أن نتذكر هنا: أن المأمون كان قد حاول أن يلعب نفس هذه اللعبة مع وزيره الفضل بن سهل، فألح عليه أن يزوجه ابنته فرفض، وكان الرأي العام معه، فلم يستطع المأمون أن يفعل شيئاً، كما سنشير إليه.. لكن الإمامعليه‌السلام لم يكن له إلى الرفض سبيل، ولم يكن يستطيع أن يصرح بمجبوريته على مثل هكذا زواج. لأن الرأي العام لا يقبل ذلك منه بسهولة.. بل ربما كان ذلك الرفض سبباً في تقليل ثقة الناس بالإمام، حيث يرون حينئذٍ أنه لا مبرر لشكوكه تلك، التي تجاوزت ـ بنظرهم حينئذٍ ـ كل الحدود المألوفة والمعروفة..

وعلى كل حال: فإن كل الشواهد والدلائل تشير إلى أن زواج الإمام من ابنة المأمون كان سياسياً، مفروضاً إلى حد ما.. كما أننا لا نستبعد أن يكون زواج المأمون من بوران بنت الحسن بن سهل سياسياً أيضاً، حيث أراد بذلك أن يوثق علاقاته مع الإيرانيين، ويجعلهم يطمئنون إليه، خصوصاً بعد عودته إلى بغداد، وتركه مروا، وليبرئ نفسه من دم الفضل بن سهل، ويكتسب ثقة أخيه الحسن بن سهل، المعرف بثرائه ونفوذه.

ورابعاً: وللسبب نفسه أيضاً كان يظهر الاحترام والتبجيل للإمامعليه‌السلام ـ وإن كان يضيق عليه في الباطن(٢) ـ وكذلك كانت الحال بالنسبة لإكرامه للعلويين، حيث قد صرح هو نفسه بأن إكرامه لهم ما كان إلا سياسة منه ودهاء، ومن أجل الوصول إلى أهداف سياسية معينة، فقد قال في رسالته للعباسيين، المذكورة في أواخر هذا الكتاب: (.. وأما ما كنت أردته من البيعة لعلي بن موسى.. فما كان ذلك مني، إلا أن أكون الحاقن لدمائكم، والذائد عنكم، باستدامة المودة بيننا وبينهم. وهي الطريق أسلكها في إكرام آل أبي طالب، ومواساتهم في الفيء، بيسير ما يصيبهم منه.).

____________

(١) ولعله قد استفاد ذلك من سلفه معاوية، وما جرى له مع الإمام الحسن السبطعليه‌السلام .

(٢) وقد سبقه إلى مثل ذلك سليمان عم الرشيد، عندما أرسل غلمانه، فأخذوا جنازة الكاظمعليه‌السلام من غلمان الرشيد، وطردوهم. ثم نادوا عليه بذلك النداء المعروف، اللائق بشأنه، فمدحه الرشيد، واعتذر إليه، ولام نفسه، حيث لم يأخذ في اعتباره ما يترتب على ما أقدم عليه من ردة فعل لدى الشيعة، ومحبي أهل البيتعليهم‌السلام ، والذين قد لا يكون للرشيد القدرة على مواجهتهم. وتبعه أيضاً المتوكل، حيث جاء بالإمام الهاديعليه‌السلام إلى سامراء، فكان يكرمه في ظاهر الحال، ويبغي له الغوائل في باطن الأمر، فلم يقدره الله عليه.. على ما صرح به ابن الصباغ المالكي في الفصول المهمة ص ٢٢٦، والمجلسي في البحار ج ٥٠ / ٢٠٣، والمفيد في الإرشاد ص ٣١٤.

١٨٥

ويذكرني قول المأمون: (ومواساتهم في الفيء إلخ..) بقول إبراهيم بن العباس الصولي ـ وهو كاتب القوم وعاملهم ـ في الرضا عندما قربه المأمون:

يـمن عـليكم بأموالكم

وتعطون من مئة واحدا

و ـ: إن المأمون ـ ولا شك ـ كان يعلم: أن ذلك كله ـ حتى البيعة للإمام ـ لا يضره ما دام مصمما على التخلص من ولي عهده هذا بأساليبه الخاصة. بعد أن ينفذ ما تبقى من خطته الطويلة الأجل، للحط من الإمام قليلاً قليلاً، حتى يصوره للرعية بصورة من لا يستحق لهذا الأمر ـ كما صرح هو نفسه(١) ، وكما صرح بذلك أيضاً عبد الله بن موسى في رسالته إلى المأمون، والتي سوف نوردها في أواخر هذا الكتاب إن شاء الله، حيث يقول له فيها: (.. وكنت ألطف حيلة منهم. بما استعملته من الرضا بنا، والتستر لمحننا، تختل واحداً فواحداً منا إلخ.)(٢) .

إلى غير ذلك من الشواهد والدلائل، التي لا تكاد تخفى على أي باحث، أو متتبع..

أهداف المأمون من البيعة:

هذا.. وبعد كل الذي قدمناه، فإننا نستطيع في نهاية المطاف: أن نجمل أهداف المأمون، وما كان يتوخاه من أخذ البيعة للرضاعليه‌السلام بولاية العهد بعده.. على النحو التالي:

الهدف الأول:

أن يأمن الخطر الذي كان يتهدده من قبل تلك الشخصية الفذة، شخصية الإمام الرضاعليه‌السلام الذي كانت كتبه تنفذ في المشرق والمغرب، وكان الأرضى في الخاصة والعامة ـ باعتراف نفس المأمون ـ، حيث لا يعود باستطاعة الإمامعليه‌السلام أن يدعو الناس إلى الثورة ولا أن يأتي بأية حركة ضد الحكم، بعد أن أصبح هو ولي العهد فيه. ولسوف لا ينظر الناس إلى أية بادرة عدائية منه لنظام الحكم القائم إلا على أنها نكران للجميل، لا مبرر لها، ولا منطق يدعمها.

____________

(١) سنتكلم في القسم الرابع من هذا الكتاب، حول تصريحات المأمون، وخططه بنوع من التفصيل إن شاء الله تعالى.

(٢) مقاتل الطالبيين ص ٦٢٩.

١٨٦

وقد أشار المأمون إلى ذلك، عندما صرح بأنه: خشي إن ترك الإمام على حاله: أن ينفتق عليه منه ما لا يسده، ويأتي منه عليه ما لا يطيقه فأراد أن يجعله ولي عهده ليكون دعاؤه له. كما سيأتي بيانه في فصل: مع بعض خطط المأمون إن شاء الله تعالى.

الهدف الثاني:

أن يجعل هذه الشخصية تحت المراقبة الدقيقة، والواعية من قرب، من الداخل والخارج، وليمهد الطريق من ثم إلى القضاء عليها بأساليبه الخاصة. وقد أشرنا فيما سبق، إلى أننا لا نستبعد أن يكون من جملة ما كان يهدف إليه من وراء تزويجه الإمام بابنته، هو: أن يجعل عليه رقيبا داخليا موثوقا عنده هو، ويطمئن إليه الإمام نفسه.

وإذا ما لاحظنا أيضاً، أن: (المأمون كان يدس الوصائف هدية ليطلعنه على أخبار من شاء..)(١) ، وأنه كان: للمأمون على كل واحد صاحب خبر(٢) . (.. فإننا نعرف السر في إرساله بعض جواريه إلى الإمام الرضاعليه‌السلام بعنوان: هدية.. وقد أرجعها الإمامعليه‌السلام إليه مع عدة أبيات من الشعر، عندما رآها اشمأزت من شيبه)(٣) .

ولم يكتف بذلك، بل وضع على الإمامعليه‌السلام عيوناً آخرين، يخبرونه بكل حركة من حركاته، وكل تصرف من تصرفاته.

فقد كان: (هشام بن إبراهيم الراشدي من أخص الناس عند الرضاعليه‌السلام ، وكانت أمور الرضا تجري من عنده، وعلى يده، ولكنه لما حمل إلى مرو اتصل هشام بن إبراهيم بذي الرئاستين، والمأمون،

____________

(١) تاريخ التمدن الإسلامي ج ٥ جلد ٢ ص ٥٤٩، نقلاً عن: العقد الفريد ج ١ / ١٤٨.

(٢) تاريخ التمدن الإسلامي ج ٤ جلد ٢ ص ٤٤١، نقلاً عن: المسعودي ج ٢ / ٢٢٥، وطبقات الأطباء ج ١ / ١٧١، (٣) البحار ج ٤٩ / ١٦٤، وعيون أخبار الرضا ج ٢ / ١٧٨.

١٨٧

فحظي بذلك عندهما. وكان لا يخفي عليهما شيئاً من أخباره، فولاه المأمون حجابة الرضا. وكان لا يصل إلى الرضا إلا من أحب، وضيق على الرضا، فكان من يقصده من مواليه، لا يصل إليه. وكان لا يتكلم الرضا في داره بشيء إلا أورده هشام على المأمون، وذي الرئاستين..)(١) وعن أبي الصلت: أن الرضا (كان يناظر العلماء، فيغلبهم، فكان الناس يقولون: والله، إنه أولى بالخلافة من المأمون، فكان أهل الأخبار يرفعون ذلك إليه..)(٢) وأخيراً.. فإننا نلاحظ: أن جعفر بن محمد بن الأشعث، يطلب من الإمامعليه‌السلام : أن يحرق كتبه إذا قرأها، مخافة أن تقع في يد غيره، ويقول الإمامعليه‌السلام مطمئناً له: «إني إذا قرأت كتبه إلي أحرقتها.)(٣) إلى غير ذلك من الدلائل والشواهد الكثيرة، التي لا نرى أننا بحاجة إلى تتبعها واستقصائها.

الهدف الثالث:

أن يجعل الإمامعليه‌السلام قريباً منه، ليتمكن من عزله عن الحياة الاجتماعية، وإبعاده عن الناس، وإبعاد الناس عنه، حتى لا يؤثر عليهم بما يمتلكه من قوة الشخصية، وبما منحه الله إياه من العلم، والعقل، والحكمة. ويريد أن يحد من ذلك النفوذ له، الذي كان يتزايد باستمرار، سواء في خراسان، أو في غيرها.

وأيضاً.. أن لا يمارس الإمام أي نشاط لا يكون له هو دور رئيس فيه، وخصوصاً بالنسبة لرجال الدولة، إذ قد يتمكن الإمامعليه‌السلام من قلوبهم، ومن ثم من تدبير شيء ضد النظام القائم. دون أن يشعر أحد.

____________

(١) البحار ج ٤٩ / ١٣٩، ومسند الإمام الرضا ج ١ / ٧٧، ٧٨، وعيون أخبار الرضا ج ٢ / ١٥٣.

(٢) شرح ميمية أبي فراس ص ٢٠٤، والبحار ج ٤٩ / ٢٩٠، وعيون أخبار الرضا ج ٢ / ٢٣٩.

(٣) كشف الغمة ج ٣ / ٩٢، ومسند الإمام الرضا ج ١ / ١٨٧، وعيون أخبار الرضا ج ٢ / ٢١٩.

١٨٨

والأهم من ذلك كله:

أنه كان يريد عزل الإمامعليه‌السلام عن شيعته، ومواليه، وقطع صلاتهم به، وليقطع بذلك آمالهم، ويشتت شملهم، ويمنع الإمام من أن يصدر إليهم من أوامره، ما قد يكون له أثر كبير على مستقبل المأمون، وخلافته.

وبذلك يكون أيضاً قد مهد الطريق للقضاء على الإمامعليه‌السلام نهائياً، والتخلص منه بالطريقة المناسبة، وفي الوقت المناسب.

وقد قال المأمون إنه: (يحتاج لأن يضع من الإمام قليلاً قليلا، حتى يصوره أمام الرعية بصورة من لا يستحق لهذا الأمر. ثم يدبر فيه بما يحسم عنه مواد بلائه.) كما سيأتي.

وقد قرأنا آنفاً أنه: (كان لا يصل إلى الرضا إلا من أحب ـ أي هشام بن إبراهيم ـ وضيق على الرضا، فكان من يقصده من مواليه، لا يصل إليه).

كما أن الرضا نفسه قد كتب في رسالته منه إلى أحمد بن محمد البيزنطي، يقول:((وأما ما طلبت من الإذن علي، فإن الدخول إلي صعب، وهؤلاء قد ضيقوا علي في ذلك الآن، فلست تقدر الآن، وسيكون إن شاء الله...)) (١) .

____________

(١) رجال المامقاني ج ١ / ٧٩، وعيون أخبار الرضا ج ٢ / ٢١٢.

١٨٩

كما أننا نرى أنه عندما وصل إلى القادسية، وهو في طريقه إلى مرو، يقول لأحمد بن محمد بن أبي نصر: (إكتر لي حجرة لها بابان: باب إلى الخان، وباب إلى خارج، فإنه أستر عليك..)(١) .

ولعل ذلك هو السبب في طلبه من الإمامعليه‌السلام ، ومن رجاء بن أبي الضحاك: أن يمرا عن طريق البصرة، فالأهواز إلخ.. ما سيأتي: ولا نستبعد أيضاً أن يكون عزل الإمام عن الناس، هو أحد أسباب إرجاع الإمام الرضا عن صلاة العيد مرتين(٢) . وللسبب نفسه أيضاً فرق عنه تلامذته، عندما أخبر أنه يقوم بمهمة التدريس، وحتى لا يظهر علم الإمام، وفضله.. إلى آخر ما هنالك من صفحات تاريخ المأمون السوداء.

الهدف الرابع:

إن المأمون في نفس الوقت الذي يريد فيه أن يتخذ من الإمام مجناً يتقي به سخط الناس على بني العباس، ويحوط نفسه من نقمة الجمهور. يريد أيضاً، أن يستغل عاطفة الناس ومحبتهم لأهل البيت ـ والتي زادت ونمت بعد الحالة التي خلفتها الحرب بينه وبين أخيه ـ ويوظف ذلك في صالحه هو، وصالح الحكم العباسي بشكل عام.

أي أنه كان يهدف من وراء لعبته تلك، والتي كان يحسب أنها سوف تكون رابحة جداً ـ إلى أن يحصل على قاعدة شعبية، واسعة، وقوية. حيث كان يعتقد ويقدر: أن نظام حكمه سوف ينال من التأييد، والقوة، والنفوذ، بمقدار ما كان لتلك الشخصية من التأييد، والنفوذ والقوة.. وإذا ما استطاع في نهاية الأمر أن يقضي عليها، فإنه يكون قد أمن خطراً عظيماً، كان يتهدده من قبلها، بمقدار ما كان لها من العظمة والخطر.

____________

(١) بصائر الدرجات ص ٢٤٦، ومسند الإمام الرضا ج ١ / ١٥٥.

(٢) هذه القضية معروفة ومشهورة، فراجع: الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي ص ٢٤٦، ٢٤٧، ومطالب السؤول، لمحمد بن طلحة الشافعي، طبعة حجرية ص ٨٥، وإثبات الوصية للمسعودي ص ٢٠٥، ومعادن الحكمة ص، ١٨٠، ١٨١، ونور الأبصار ص ١٤٣، وشرح ميمية أبي فراس ص ١٦٥، وإعلام الورى ص ٣٢٢، ٣٢٣، وروضة الواعظين ج ١ / ٢٧١، ٢٧٢، وأصول الكافي ج ١ / ٤٨٩، ٤٩٠، والبحار ج ٤٩ / ١٣٥، ١٣٦، ١٧١، ١٧٢، وعيون أخبار الرضا، وإرشاد المفيد، وأعيان الشيعة، وكشف الغمة، وغير ذلك.

ولسوف يأتي فصل: خطة الإمام، وغيره من الفصول، ما يتعلق بذلك إن شاء الله تعالى.

١٩٠

إن المأمون قد اختار لولاية عهده رجلاً يحظى بالاحترام والتقدير من جميع الفئات والطبقات، وله من النفوذ، والكلمة المسموعة، ما لم يكن لكل أحد سواه في ذلك الحين. بل لقد كان الكثيرون يرون: أن الخلافة حق له، وينظرون إلى الهيئة الحاكمة على أنها ظالمة له وغاصبة لذلك الحق:

يقول الدكتور الشيبي، وهو يتحدث عن الرضاعليه‌السلام : (إن المأمون جعله ولي عهده، لمحاولة تألف قلوب الناس ضد قومه العباسيين، الذين حاربوه، ونصروا أخاه..)(١) .

ويقول:. (.. وقد كان الرضا من قوة الشخصية، وسمو المكانة: أن التف حوله المرجئة، وأهل الحديث، والزيدية، ثم عادوا إلى مذاهبهم بعد موته.)(٢) .

وكذلك هو يقول ـ وهو مهم فيما نحن بصدده ـ: (.. إن الرضا لم يكن بعد توليته العهد إمام الشيعة وحدهم، وإنما مر بنا:

____________

(١) الصلة بين التصوف والتشيع ص ٢٢٣، ٢٢٤.. ونحن لا نوافق الدكتور الشيبي على أنه كان يريد التقوي بذلك على العباسيين، كما اتضح، وسيتضح إن شاء الله.

(٢) المصدر السابق ص ٢١٤.

١٩١

أن الناس، حتى أهل السنة، والزيدية، وسائر الطوائف الشيعية المتناحرة.. قد اجتمعت على إمامته، وإتباعه، والالتفاف حوله.)(١) .

وهذا كما ترى تصريح واضح منه بهدف المأمون، الذي نحن بصدد بيانه.

ويقول محمد بن طلحة الشافعي مشيراً إلى ذلك، في معرض حديثه عن الإمام الرضاعليه‌السلام : (.. نما إيمانه، وعلا شأنه، وارتفع مكانه، وكثر أعوانه، وظهر برهانه، حتى أدخله الخليفة المأمون محل مهجته، وأشركه في مملكته.)(٢) .

وتقدم أنهعليه‌السلام كان ـ باعتراف المأمون ـ (الأرضى في الخاصة والعامة) وأن كتبه كانت تنفذ في المشرق والمغرب، حتى إن البيعة له بولاية العهد، لم تزده في النعمة شيئاً.. وأنه كان له من قوة الشخصية ما دفع أحد أعدائه لأن يقول في حقه للمأمون: (هذا الذي بجنبك والله صنم يعبد دون الله) إلى آخر ما هنالك، مما قدمنا (غيضاً من فيض منه).

كما وتقدم أيضاً قول المأمون في رسالته للعباسيين: (.. وإن تزعموا: أني أردت أن يؤول إليهم عاقبة ومنفعة ـ يعني للعلويين ـ، فإني في تدبيركم، والنظر لكم. ولعقبكم، وأبنائكم من بعدكم..)، وأيضاً عبارته التي كتبها المأمون بخط يده في وثيقة العهد، فلا نعيد.

وهكذا.. فما على العباسيين إلا أن ينعموا بالاً، ويقروا عيناً، فإن المأمون كان يدبر الأمر لصالحهم ومن أجلهم.. وليس كما يقوله الدكتور الشيبي، وغيره من أنه أراد أن يحصل على التأييد الواسع، ليقابل العباسيين، ويقف في وجههم.

____________

(١) المصدر السابق ص ٢٥٦.

(٢) مطالب السؤول ص ٨٤، ٨٥. وقريب منه ما في: الإتحاف بحب الأشراف ص ٥٨.

١٩٢

إشارة هامة لا بد منها:

هذا.. ويحسن بنا أن نشير هنا: إلى ما قاله ابن المعتز في الروافض. وإلقاء نظرة فاحصة على السبب الذي جعلهم مستحقين لهذه الحملة الشعواء منه.. فهو يقول:

لـقد قـال الروافض في علي

مـقالاً جـامعاً كـفراً وموقا

زنـادقة أرادت كـسب مـال

مـن الـجهال فـاتخذته سوقا

وأشـهـد أنـه مـنهم بـريّ

وكـان بـأن يـقتلهم خـليقا

كـما كـذبوا عـليه وهو حي

فـأطعم نـاره مـنهم فـريقا

وكـانوا بالرضا شغفوا زماناً

وقـد نفخوا به في الناس بوقا

وقـالـوا: إنـه رب قـديرا

فكم لصق السواد به لصوقا(١)

وهذه الأبيات تعبر عن مدى صدمة ابن المعتز، وخيبة أمله في الروافض، الذين ضايقه جداً امتداد دعوتهم في طول البلاد الإسلامية، وعرضها. وخصوصاً في زمن الرضا. والذي لم يجد شيئاً يستطيع أن ينتقص به إمامهم الرضاعليه‌السلام سوى أنه كان أسود اللون، وأن الروافض قالوا: إنه رب قدير.. وسر حنقه هذا على الروافض ليس هو إلا عقيدتهم في عليعليه‌السلام ـ التي كان يراها خطراً حقيقياً على القضية العباسية ـ والتي تتلخص بأنهعليه‌السلام : يستحق الخلافة بالنص. وهذه العقيدة والمقالة هي التي جعلتهم يستحقون من ابن المعتز أن يجمع لهم بين وصفي الكفر والزندقة، واتهامه لهم، بأنهم يقصدون بذلك كسب المال من الجهال. ثم يتهمهم بأنهم قد قالوا بنفس هذه المقالة في علي الرضاعليه‌السلام ، فقالوا: إنه الإمام الثابت إمامته بالنص، وشهروا بذلك، حتى علم به عامة الناس، ونفخوا به في الناس بوقاً.. وحتى لقد التف حوله أهل الحديث، والزيدية. بل والمرجئة، وأهل السنة، على حد تعبير الشيبي، وقالوا: بإمامة أبيه، ثم بإمامته.

____________

(١) ديوان ابن المعتز ص ٣٠٠، ٣٠١، والأدب في ظل التشيع ص ٢٠٦.

١٩٣

وبديهي.. أن لا يرتاح ابن المعتز، الذي كان في صميم الأسرة العباسية لهذا الامتداد للتشيع، ولمقالة الروافض، حيث إن ذلك يعني أن الأئمة الذين هم بين الرضا، وعلي أمير المؤمنينعليهما‌السلام ، كلهم تثبت إمامتهم بالنص.

ولقد بلغ من حنقه عليهم، بسبب ذلك الامتداد الواسع لعقيدتهم ـ وخصوصاً في زمان الرضا ـ أن دفعه إلى أن يخلط عن عمد، أو عن غير عمد بين عقيدة الروافض هذه، وبين عقيدة الغلاة، حيث أضاف إلى مقالة الروافض تلك مقالة أخرى، هي: القول بإلوهية عليعليه‌السلام .

وإذا كنا واثقين من أن الفرق الشاسع بين عقيدة الروافض، وعقيدة الغلاة، لم يكن ليخفى على مثل ابن المعتز، بل على من هو أقل منه بمراتب، فإننا سوف ندرك بما لا مجال معه للشك: أن يقصد بهذا الخلط المتعمد: التشنيع على الروافض، وتهجين عقيدتهم، إذ أنه يقصد ب‍ـ (الروافض)، ـ حسبما هو صريح كلامه ـ خصوص القائلين بإمامة الرضا، وإمامة علي أمير المؤمنين، ومن بينهما. وهو يعلم وكل أحد يعلم: أنه ليس فيهم من يقول بإلوهية أحدهما، أو إلوهيتهما، أو إلوهية غيرهما من أئمة أهل البيتعليهم‌السلام .

وأخيراً.. فإن قول واعتراف ابن المعتز هذا ـ وهو من نعلم ـ لخير دليل على مدى تحرر الشيعة في زمن الرضا، واتساع نفوذهم، وعلى أن شخصية الرضاعليه‌السلام ، كانت قد استقطبت قطاعاً واسعاً، إن لم نقل: أنه القطاع الأكبر من الأمة الإسلامية، في طول البلاد وعرضها، في تلك الفترة من الزمن، وقد تقدم بعض ما يدل على ذلك، فلا نعيد.

الهدف الخامس:

هذا.. ونستطيع أن نقول أيضاً: إنه كان يريد أن يقوي من دعائم حكمه، حيث قد أصبح الحكم يمتلك شخصية تعنو لها الجباه بالرضا والتسليم، ولقد كان الحكم بأمس الحاجة إلى شخصية من هذا القبيل. في مقابل أولئك المتزلفين القاصرين، الذين كانوا يتجمعون حول الحكم العباسي، طلبا للشهرة، وطمعا بالمال، والذين لم يعد يخفى على أحد حالهم ومآلهم.. وعلى الأخص بعد أن رأى فشلهم في صد حملات علماء الملل الأخرى، والذين كانوا قد ضاعفوا نشاطاتهم، عندما رأوا ضعف الدولة، وتمزقها، وتفرقها إلى جماعات وأحزاب.

نعم.. لقد كان الحكم يحتاج إلى العلماء الأكفاء، والأحرار في تفكيرهم، وفي نظرتهم الواعية للإنسان والحياة، ولم يعد بحاجة إلى المتزلفين، والجامدين، والانهزاميين، ولهذا نراه يستبعد أصحاب الحديث الجامدين، الذين كان أكثرهم في الجهة المناوئة له، يشدون من أزرها، ويقيمون أودها..

١٩٤

ويقرب المعتزلة: كبشر المريسي، وأبي الهذيل العلاف وأضرابهما. ولكن الشخصية العلمية، التي لا يشك أحد في تفوقها على جميع أهل الأرض علماً وزهدا، وورعاً وفضلاً الخ. كانت منحصرة في الإمام الرضاعليه‌السلام ، باعتراف من نفس المأمون، كما قدمنا، ولهذا فقد كان الحكم يحتاج إليها أكثر من احتياجه لأية شخصية أخرى، مهما بلغت.

الهدف السادس:

ولعل من الأهمية بمكان بالنسبة إليه، أنه يكون في تلك الفترة المليئة بالقلاقل والثورات، قد أتى الأمة بمفاجئة مثيرة، من شأنها أن تصرف أنظار الناس عن حقيقة ما يجري، وما يحدث، وعن واقع المشاكل التي كان يعاني الحكم والأمة منها، وما أكثرها.

وقد عبر إبراهيم بن المهدي، عن دهشة بني العباس في أبياته المتقدمة. حتى لقد ذهل ـ على حد قوله ـ الحواضن عن بنيها! وصد الثدي عن فمه الصبي!

وبعد هذا. فلسنا بحاجة إلى كبير عناء، لإدراك مدى دهشة غيرهم: ممن رأوا وسمعوا بمعاملة العباسيين لأبناء عمهم. ولسوف ندرك مدى عظمة دهشتهم تلك إذا ما لاحظنا: أنهم كانوا سياسياً أقل وعيا وتجربة من مثل إبراهيم بن المهدي، الذي عاش في أحضان الخلافة. وكان بمرأى ومسمع من ألاعيب السياسة، ومكر الرجال.

الهدف السابع:

طبيعي بعد هذا: أنه قد أصبح يستطيع أن يدعي، بل لقد ادعى بالفعل ـ على ما في وثيقة العهد ـ: أن جميع تصرفاته، وأعماله، لم يكن يهدف من ورائها، إلا الخير للأمة، ومصلحة المسلمين، وحتى قتله أخاه، لم يكن من أجل الحكم، والرياسة، بقدر ما كان من أجل خير المسلمين، والمصلحة العامة، يدل على ذلك: أنه عندما رأى أن خير الأمة، إنما هو في إخراج الخلافة من بني العباس كلية، وهم الذين ضحوا الكثير في سبيلها، وقدموا من أجلها ما يعلمه كل أحد ـ عندما رأى ذلك ـ وأن ذلك لا يكون إلا بإخراجها إلى ألد أعدائهم، سارع إلى ذلك، بكل رضى نفس، وطيبة خاطر.. وليكون بذلك قد كفر عن جريمته النكراء، والتي كانت أحد أسباب زعزعة ثقة الناس به، ألا وهي: قتله أخاه الأمين، العزيز على العباسيين والعرب. وليكون بذلك، قد ربط الأمة بالخلافة، وكسب ثقتها فيها، وشد قلوب الناس، وأنظارهم إليها، حيث أصبح باستطاعتهم أن ينتظروا منها أن تقيم العدل، وترفع الظلم، وأن تكون معهم، وفي خدمتهم، وتعيش قضاياهم. وليكون لها من ثم من المكانة والتقدير، وما يجعلها في منأى ومأمن من كل من يتحينون بها الفرص، ويبغون لها الغوائل.

١٩٥

ويدل على ذلك ـ عدا عما ورد في وثيقة العهد ـ ما ورد من أن المأمون كتب إلى عبد الجبار بن سعد المساحقي، عامله على المدينة: أن اخطب الناس، وادعهم إلى بيعة الرضا، فقام خطيبا، فقال:

(يا أيها الناس، هذا الأمر الذي كنتم فيه ترغبون، والعدل الذي كنتم تنتظرون، والخير الذي كنتم ترجون، هذا علي بن موسى، بن جعفر، بن محمد، بن علي، بن الحسين، بن علي بن أبي طالب:

ســتـة آبــاؤهـم مــا هــم

من أفضل من يشرب صوب الغمام(١)

وقد أكد ذلك بحسن اختياره، إذ قد اختار هذه الشخصية، التي تمثل ـ في الحقيقة ـ أمل الأمة، ورجاءها، في حاضرها، ومستقبلها، وتكون النتيجة ـ بعد ذلك ـ أنه يكون قد حصل على حماية لكل تصرف يقدم عليه في المستقبل، وكل عمل يقوم به.. مهما كان غريباً، ومهما كان غير معقول، فإن على الأمة أن تعتبره صحيحاً وسليماً، لا بد منه، ولا غنى عنه، وإن لم تعرف ظروفه، ودوافعه الحقيقية. بل وحتى مع علمها بها، فإن عليها أن تؤول ما يقبل التأويل، وإلا. فإن عليها أن تدفن رأسها في التراب، وتتناسى ما تعلم. أو أن تعتبر نفسها قاصرة عن إدراك المصالح الحقيقية الكامنة في تلك التصرفات الغريبة، وأن ما أدركته ـ ولو كان حقاً ـ لا واقع له، ولا حقيقة وراءه. ويدل على ذلك بشكل واضح أبيات ابن المعتز الآتية ص ٣٠٥/٣٠٦ يقول ابن المعتز:

وأعـطاكم الـمأمون حـق خلافة

لـنا حـقها لـكنه جـاد بـالدنيا

لـيعلمكم أن الـتي قـد حرصتموا

عليها وغودرتم على أثرها صرعى

يـسير عـليه فـقدها غـير مكثر

كـما ينبغي للصالحين ذوي التقوى

____________

(١) العقد الفريد ج ٣ / ٣٩٢، طبع مصطفى محمد بمصر سنة ١٩٣٥ و (ما) في البيت زائدة.. ولا يخفى ما في البيت، وقد أثبتناه، كما وجدناه.

١٩٦

وعلى كل حال، فإنه يتفرع على ما ذكرناه:

أولاً: إنه بعد أن أقدم على ما أقدم عليه، فليس من المنطقي بعد للعرب أن يسخطوا عليه، بسبب معاملة أبيه، أو أخيه، وسائر أسلافه لهم، فإن المرء بما كسب هو، لا بما كسب أهله، ولا تزر وازرة وزر أخرى.

وكيف يجوز لهم أن يغضبوا بعد، وهو قد أرجع الخلافة إليهم، بل وإلى أعرق بيت فيهم. وعرفهم عملا: أنه لا يريد لهم، ولغيرهم، إلا الصلاح والخير..

وليس لهم بعد حق في أن ينقموا عليه معاملته القاسية لهم، ولا قتله أخاه، ولا أن يزعجهم، ويخيفهم تقريبه للإيرانيين، ولا جعله مقر حكمه مروا إلى آخر ما هنالك.. ما دام أن الخلافة قد عادت إليهم، على حسب ما يشتهون، وعلى وفق ما يريدون.

ومن هنا.. فلا يجب أن نعجب كثيراً، حين نراهم: قد تلقوا بيعة الرضا بنفوس طيبة، وقلوب رضية. حتى أهل بغداد نرى أنهم قد تقبلوها إلى حد كبير، فقد نص المؤرخون ـ ومنهم الطبري، وابن مسكويه ـ على أن بعضهم وافق، والبعض الآخر ـ وهم أنصار بني العباس ـ رفض. وهذا يدل دلالة واضحة: على أن بغداد، معقل العباسيين الأول، كانت تتعاطف مع العلويين إلى درجة كبيرة..

١٩٧

بل ونص المؤرخون، على أن: إبراهيم بن المهدي، المعروف بابن شكلة، الذي بويع له في بغداد غضبا من تولية الرضا للعهد: لم يستطع أن يسيطر إلا على بغداد، والكوفة والسواد(١) ، بل وحتى الكوفة قد استمرت الحرب قائمة فيها على ساق وقدم أشهراً عديدة بين أنصار المأمون، وعليهم الخضرة، وأنصار العباسيين وعليهم السواد(٢) .

وثانياً: وأما الإيرانيون عامة، والخراسانيون خاصة، والمعروفون بتشيعهم للعلويين، فقد ضمن المأمون استمرار تأييدهم له، وثقتهم به، بعد أن حقق لهم غاية أمانيهم. وأغلى أحلامهم، وأثبت لهم عملاً، حبه لمن يحبون، ووده لمن يودون.. وأن لا ميزة عنده لعباسي على غيره، ولا لعربي على غيره، وأن الذي يسعى إليه، هو ـ فقط خير الأمة، ومصلحتها، بجميع فئاتها، ومختلف طبقاتها، وأجناسها.

ملاحظة هامة:

إن من الجدير بالملاحظة هنا: أن الرضاعليه‌السلام كان قد قدم إلى إيران قبل ذلك. والظاهر أنه قدمها في حدود سنة ١٩٣ ه‍. أي في الوقت المناسب لوفاة الرشيد، فقد ذكر الرضي المعاصر للمجلسي في كتابه: ضيافة الإخوان: أن علياً الرضاعليه‌السلام كان مستخفياً في قزوين في دار داوود بن سليمان الغازي أبي عبد الله، ولداوود نسخة يرويها عن الرضاعليه‌السلام ، وأهل قزوين يروونها عن داوود، كإسحاق بن محمد، وعلي بن مهرويه(٣) .

وقال الرافعي في التدوين: (وقد اشتهر اجتياز علي بن موسى الرضا بقزوين. ويقال: إنه كان مستخفيا في دار داوود بن سليمان الغازي، روى عنه النسخة المعروفة، وروى عنه إسحاق بن محمد، وعلي بن مهرويه، وغيرهما.

____________

(١) راجع البداية والنهاية ج ١٠ / ٢٤٨، وغيره من كتب التاريخ. وزاد أحمد شلبي في كتابه: التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية ج ٣ / ١٠٥ ـ زاد على ذلك: المدائن أيضاً.

(٢) راجع: الكامل لابن الأثير ج ٥ / ١٩٠، والبداية والنهاية ج ١٠ / ٢٤٨، وغير ذلك.

(٣) راجع كتاب: ضيافة الإخوان مخطوط في مكتبة المدرسة الفيضية في قم، في ترجمة أبي عبد الله القزويني، وعلي بن مهرويه القزويني.

١٩٨

قال الخليل: وابنه المدفون في مقبرة قزوين، يقال: إنه كان ابن سنتين، أو أصغر)(١) انتهى كلام الرافعي.

والمراد بالخليل في كلامه، هو الخليل بن عبد الله بن أحمد بن إبراهيم الخليلي، القزويني، وهو الحافظ المشهور، مصنف كتاب الإرشاد، وكتاب تاريخ قزوين، الذي فرغ من تأليفه حوالي سنة أربعمائة هجرية، وكانت وفاته سنة ٤٤٦ ه‍.

الهدف الثامن:

لقد كان من نتائج اختياره الإمام، والبيعة له بولاية العهد ـ التي كان يتوقعها ـ: أن أخمد ثورات العلويين في جميع الولايات والأمصار.

ولعله لم تقم أية ثورة علوية ضد المأمون ـ بعد البيعة للرضا، سوى ثورة عبد الرحمان بن أحمد في اليمن. وكان سببها ـ باتفاق المؤرخين ـ هو فقط: ظلم الولاة وجورهم، وقد رجع إلى الطاعة بمجرد الوعد بتلبية مطالبه.

بل لا بد لنا أن نضيف إلى ذلك:

أ ـ : إنه ليس فقط أخمد ثوراتهم. بل لقد حصل على ثقة الكثيرين منهم، ومن والاهم، وشايعهم. والخراسانيون منهم، ويشير المأمون إلى هذا المعنى في رسالته، التي أرسلها إلى عبد الله بن موسى، حيث يقول:

(.. ما ظننت أحداً من آل أبي طالب يخافني، بعد ما عملته بالرضا) والرسالة مذكورة في أواخر هذا الكتاب.. كما أنه كتب للعباسيين في بغداد في رسالته، التي أشرنا إليها غير مرة، يقول لهم: إنه يريد بذلك أن يحقن دماءهم، ويذود عنهم، باستدامة المودة بنيهم، وبين العلويين.

ب: بل ونزيد هنا على ما تقدم: أنه قد بايعه منهم ومن أشياعهم من لم يكن بعد قد بايعه، وهم قسم كبير جداً، بل لقد بايعه أكثر المسلمين، ودانوا له بالطاعة، بعد أن كانوا مخالفين له ممتنعين عن بيعته، حسبما قدمناه.

وهذه دون شك هي إحدى أمنيات المأمون، بل هي أجل أمنياته وأغلاها.

ج: قال ابن القفطي في معرض حديثه عن عبد الله بن سهل ابن نوبخت:

(.. هذا منجم مأموني، كبير القدر في صناعته، يعلم المأمون قدره في ذلك. وكان لا يقدم إلا عالما مشهودا له، بعد الاختيار..

____________

(١) التدوين قسم ٢ ورقة ٢٣٥ مخطوط في مكتبة دار التبليغ الإسلامي في قم، ترجمة علي الرضا..

١٩٩

وكان المأمون قد رأى آل أمير المؤمنين، علي بن أبي طالب متخشين، متخفين، من خوف المنصور، ومن جاء بعده من بني العباس. ورأى العوام قد خفيت عنهم أمورهم بالاختفاء، فظنوا ما يظنونه بالأنبياء، ويتفوهون بما يخرجهم عن الشريعة، من التغالي.

فأراد معاقبة العامة على هذا الفعل.

ثم فكر: أنه إذا فعل هذا بالعوام زادهم إغراء به، فنظر نظراً دقيقاً، وقال: لو ظهروا للناس، ورأوا فسق الفاسق منهم، وظلم الظالم، لسقطوا من أعينهم، ولانقلب شكرهم لهم ذماً.

ثم قال: إذا أمرناهم بالظهور خافوا، واستتروا، وظنوا بنا سوءاً، وإنما الرأي: أن نقدم أحدهم، ويظهر لهم إماماً، فإذا رأوا هذا أنسوا، وظهروا، وأظهروا ما عندهم من الحركات الموجودة في الآدميين، فيحقق للعوام حالهم، وما هم عليه، مما خفي بالاختفاء، فإذا تحقق ذلك أزلت من أقمته، ورددت الأمر إلى حالته الأولى. وقوي هذا الرأي عنده، وكتم باطنه عن خواصه.. وأظهر للفضل ابن سهل: أنه يريد أن يقيم إماماً من آل أمير المؤمنين علي (صلوات الله عليه).

وفكر هو وهو: فيمن يصلح، فوقع إجماعهما على الرضا، فأخذ الفضل بن سهل في تقرير ذلك. وترتيبه وهو لا يعلم باطن الأمر. وأخذ في اختيار وقت لبيعة الرضا، فاختار طالع السرطان، وفيه المشتري الخ)(١) .

ثم ذكر أن عبد الله بن سهل أراد اختبار المأمون، فأخبره أن البيعة لا تتم إذا وقعت في ذلك الوقت، فهدده المأمون بالقتل إن لم تقع البيعة في ذلك الوقت بالذات، لأنه سوف يعتبر أنه هو الذي أفسد عليه ما كان دبره الخ..

وابن القفطي هنا، لا يبدو أنه يعتبر الإمام الرضاعليه‌السلام من أولئك الذين يريد المأمون إظهار تفاهاتهم للناس، ولكنه يوجه نظره إلى بقية العلويين في ذلك.. ونحن إن كنا لا نستبعد من المأمون ما ذكره ابن القفطي هنا لكننا لا نستطيع أن نعتبر أن هذا كان من الأسباب الرئيسية لدى المأمون، إذ لا نعتقد أن المأمون كان من السذاجة بحيث يجهل أن بقية العلويين لم يكونوا ـ إجمالاً ـ على الحال التي كان يريد أن يظهرهم عليها للناس، وأنهم كانوا أكثر تديناً والتزاماً من أي فئة أخرى على الإطلاق..

____________

(١) تاريخ الحكماء ص ٢٢١، ٢٢٢.

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

٣ ـ السيد محمد الفِلْفِل القطيفي(٤٣٣) :

ذكر العلامة الشيخ حسين البلادي القديحي (ره) في كتابه (سعادة الدارين) : «وجدت بخط الوالد الماجد (ره) ما لفظه : سمعت من الثقة الشيخ علي الحمامكي (ره) ـ من قراء النجف الأشرف ، على مشرفه السلام ـ ، عن العالم الفاضل الثقة الأفخر ، الشيخ جعفر الشوستري (ره) ، عن العالم الشاعر السيد محمد بن السيد مال الله القطيفي (ره) ، أنّه قال : رأيت في المنام كأنّي جئت إلى غدير ماء ، وعلى حَافّة ذلك الغدير إمرأة حزينة باكية ، وبيدها قميص تغسله فيه ، وهي تردد هذا البيت :

فكيف يطوفُ القلب مني ببهجةٍ

وبهجةُ قلبي في الطفوف غريبُ

قال السيد (ره) : فدنوت منها ، فقلت : مَنْ أنتِ ، ومَنِ إبنك؟

فقالت لي : أو ما تعرفني؟! أنا جدتك فاطمة الزهراء ، وهذا قميص ولدي الحسين. قال السيد (ره) : فلما أصبحت ؛ علمت قصيدة ، وضَمّنت البيت فيها ، وأولها : (أراك متى هَبّت صبا وجنوب) ..»(٤٣٤) .

__________________

(٤٣٣) ـ السيد محمد بن السيد مال الله بن السيد محمد ، ابو الفلفل القطيفي ، مسقط رأسه (التوبي) إحدى القرى القطيفية. عَبّر عنه صاحب أنوار البدرين : «العالم السيد الحسيب ، الشاعر الأديب الأسعد كان من الشعراء المجيدين المكثرين في مرائي الحسين (ع) ، وأصحاب الحسين (سلام الله عليهم أجمعين). وله يد قوية في العلم ، إلا أنّ الشعر غلبه. إنتقل من القطيف للعراق ، وجاور جده الحسين سيد الشهداء وإمام السعداء ، حتى مات فيها سنة (١٢٦١ هـ).

(٤٣٤) ـ القديحي ، الشيخ حسين البلادي : سعادة الدارين / ٦٧.

٣٤١

٤ ـ الشيخ محمد كَمّونَة(٤٣٥) :

«أخبرني الشيخ العالم ، العابد المعمِّر ، الشيخ عبد الله بن معتوق القطيفي ـ سَلّمه الله ـ أيام مجاورته في النجف الأشرف لطلب العلم سنة (١٣١٠ هـ) ، قال : أخبرني من أثق به من العلماء. قال : أخبرني الشيخ الفاضل الأديب الحاج محمد علي ، ابن الحاج محمد المعروف بابن كمونة الأسدي الحائري ، المتوفي سنة (١٢٨٣ هـ) ، وكان ينوب عن أخويه : الميرزا مهدي الخازنين في الروضة الحسينية ، ويلازم الروضة ، قال رأيت ذات ليلة في المنام سيد الحسين (عليه السلام) في الروضة الشريفة واقفاً ينظر إلى الزائرين ، وهو يردد قوله (فمنا المنادي ومنا السميع). قال : فانتبهت من منامي وأنا أحفظ هذا الشطر فأكملته بقولي :

سبقنا فلا أحد قبلنا

سوى من يرانا ومنا الصنيع

فذا الخف منا إلينا لنا

(فمنا المنادي ومنا السميع)

__________________

(٤٣٥) ـ الشيخ محمد علي ، ابن الشيخ محمد ، ابن عيسى النجفي الكربلائي ، كان شيخاً فاضلاً مبجلاً ، وأديباً كاملاً ، وشاعراً جليلاً ، كثر النظم ، مدح الأئمة المعصومين ورثاهم. وآل كمونة هؤلاء الذين يقيمون الآن في كربلاء كانوا يقيمون في النجف بمحلة البراق ، في شارع الجمالة التي فيه المغتسل القديم للموتى في النجف ، ولهم عدة دور فيه ، غير أنّه على أثر حادث عشائري عرفي متداول بين النجفيين ، نزحوا عن النجف تدريجياً وسكنوا مدينة كربلاء ، وصارت لهم فيها الوجاهة والشأن والكرامة والأمر والنهي ، ولهم دار ضيافة قرب التل المعروف بـ(الزينبي) يرحبون بالقادم ، ويحترمون أهل العلم ، ودفن داخل المشهد الحائري ، خلف رأس الحسين (عليه السلام) ، مع أخويه الحاج مهدي ، والحاج حسن. عن معجم رجال الفكر والأدب في النجف خلال الف عام ص ١٠٩٧.

٣٤٢

قال الشيخ عبد الله(٤٣٦) : فخمستها عند سماعي لهما سنة (١٣٠٥ هـ) لأتعلق بسبب إلى الحسين (عليه السلام) فقلت :

أجرنا عقولاً سعت نحونا

فتاهت وما بلغت كنهنا

ونحن عبيد ولكننا

سبقنا فلا أحد قبلنا

سوى من يرانا ومنا الصنيع

فمن ساء فعلاً ومن أحسنا

يؤب لنا قبل أن يوزنا

ننادي ونسمع أن يدعنا

فذا الخلق منا إلينا لنا

(فمنا المنادي ومنا السميع)(٤٣٧)

٥ ـ الوَحِيد البَهْبَهَانِي(٤٣٨) :

ذكر الشيخ محمد رضا الحكيمي في كتابه «تاريخ العلماء» : «وكان ميلاده الشريف في سنة ثمانية عشر ، أو سبعة عشر بعد المائة والألف في إصفهان ، وقطن برهو في بهبهان ، ثم انتقل إلى كربلاء ـ شَرّفها الله ـ وكان ربما يخطر بخاطره الشريف الإرتحال منها إلى بعض البلدان ؛ لتغيّر الدهر وتَنكِّد الزمان ،

__________________

(٤٣٦) ـ العالم المحقق والفاضل المدقق التقي الورع ، الشيخ عبد الله بن معتوق ، بن الحاج درويش ، ابن الحاج معتوق ، ابن الحاج عبد الحسين ، بن الحاج مرهون البحراني البلادي القطيفي التاروتي. ولد سنة (١٢٧٤ هـ) ، وتوفي ليلة الخميس ١١ / ٥ / ١٣٦٢ هز فقيه من الفقهاء المعروفين بالزهد والتقوى ، وظهور الكرامات التي يشهد بها المعاصرون له.

(٤٣٧) ـ السماوي ، الشيخ محمد : ظرافة الأحلام / ٦٦ ـ ٦٧.

(٤٣٨) ـ العلامة المجدد الآقا محمد باقر بن الآقا محمد باقر بن محمد أكمل بن محمد صالح الإصفهاني ، البهبهاني الحائري ، ينتهي نسبه بثلاث عشرة واسطة من طرف أبيه إلى الشيخ المفيد ، ومن جهة أمه بثلاث وسائط إلى المحدث الكبير المجلسي الأول. توفي في ٢٩ / ١٠ / ١٢٠٥ هـ. ودفن داخل الحرم الحسيني الشريف.

٣٤٣

فرأى الإمام (عليه السلام) في المنام يقول له (لا أرضى لك أن تخرج من بلادي) فجزم العزم على الإقامة بذلك النادي ، وقت كانت بلدان العراق ـ سيما المشهدين الشريفين ـ مملوءة قبل قدومه من معاشر الأخباريين ، بل ومن جاهليهم والقاصرين ، حتى أنّ الرجل منهم كان إذا أراد حمل كتاب من كتب فقهائنا ـ رضي الله عنهم ـ حمله مع منديل ، وقد أخلى الله البلاد منهم ببركة قدومه ، واهتدى المتحيرة في الأحكام بأنوار علومه ، وبالجملة كل من عاصره من المجتهدين ، فإنّما أخذ من فوائده ، واستفاد من فرائده»(٤٣٩) .

٦ ـ الشيخ جعفر التُسْتَرِي(٤٤٠) :

ينقل الشيخ النوري عن الشيخ التستري (ره) : «لما فرغت من تحصيل العلوم الدينية في المشهد الغروي [نسبة إلى الغرب من أرض النجف] ، وآن أوان النشر ووجوب الإنذار رجعت إلى وطني ، وقمت بأداء ما كان عليّ من هداية الناس على تفاوت مراتبهم. ولعدم تَضَلُّعِي بالآثار المتعلقة بالمواعظ والمصائب كنت مكتفياً بأخذ (تفسير الصافي) بيدي على المنبر والقراءة منه في شهر رمضان والجمعات ، و (روضة الشهداء) للمولي الكاشفي في أيام عاشوراء. ولم أكن ممن يمكنه الإنذار والإبكاء بما أودعه في صدره. إلى أن مضى عليّ عام ، وقرب

__________________

(٤٣٩) ـ الحكيمي ، الشيخ محمد رضا : تاريخ العلماء / ٩٥.

(٤٤٠) ـ الشيخ جعفر ، ابن المولى حسين ، بن الحسن ، بن علي ، بن الحسين النجفي. ولد عام (١٢٢٧ هـ) من أعاظم العلماء وأجلاء الفقهاء المشاهير في عصره ، هاجر إلى النجف وتلمذ على الشيخ صاحب الجواهر ، والشيخ الأنصاري سنيناً ، ثم عاد إلى (تستر) وأصبح مرجعاً للتقليد والفتيا ، وزعيماً مطاعاً للدنيا والدين ، ثم هاجر ثانية إلى النجف الأشرف وتصدى فيها للتدريس والتأليف وامامة الجماعة والخطابة ، وأصبح من كبار المراجع ومشاهير العلماء. إلى أن توفي بمدينة كرند في صفر سنة (١٣٠٣ هـ) ، وحمل جثمانه إلى النجف. عن معجم رجال الفكر والأدب في النجف خلال ألف عام ، ج ١ / ٣٢١.

٣٤٤

شهر محرم الحرام ، فقلت في نفسي الليلة : إلى متى أكون صحفياً (أعتمد على صحائف الكتب) ، لا أفارق الكتب؟! فقمت أتفكّر في الإستغناء عنه والإسقلال في الخطاب ، وسَرّحت بريد فكري في أطراف هذا المقام ، إلى أن سئمت منه وأخذني المنام ، فرأيت كأنّي بأرض كربلاء في أيام نزول المواكب الحسينية فيها ، وخيمهم مضروبة ، وعساكر الأعداء في تجاههم كما في الرواية. فدخلت على فسطاط سيد الأنام أبي عبد الله (عليه السلام) ، فسلّمت عليه ، فقربني وأدناني ، وقال (عليه السلام) لحبيب بن مظاهر : إنّ فلاناً (وأشار إليّ) ضيفنا. أما الماء ؛ فلا يوجد عندنا منه شيء ، وإنّما يوجد عندنا دقيق وسمن ، فقم واصنع له منهما طعاماً واحضره لديه. فقام وصنع فيه شيئاً ووضعه عندي ، وكان معه ملعقة ، فأكلت مه لقيمات وانتبهت. وإذا أنا أهتدي إلى دقائق وإشارات في المصائب ولطائف وكنايات في آثار الأطايب ما لم يسبقني أحد ، وزاد كل يوم إلى أن أتى شهر الصيام ، وبلغت في مقام الوعظ والبيان غاية المرام»(٤٤١) .

٧ ـ الشيخ يوسف البَحْرَانِي(٤٤٢) :

«حكى السيد محمد بن هاشم الحضراوي الخَطّي ، ـ المتوفى ٢٩ / ١ / ١٣٩٦ هـ ـ عن الشيخ حسين بن علي القديحي قال : إنّ العلامة الشيخ يوسف بن احمد ، بن ابراهيم. المحدث صاحب الحدائق الناضرة ، آل عصفور

__________________

(٤٤١) ـ النوري ، الميرزا حسين : دار السلام ، ج ٢ / ٣١٤.

(٤٤٢) ـ الشيخ يوسف ، بن الشيخ احمد ، بن ابراهيم ، بن احمد ، بن صالح ، بن احمد ، بن عصفور الدرازي البحراني ، العالم العامل ، المحدث الفقيه ، من أعاظم علماء الإمامية في عصره ، ولد في قرية (ماحوز) سنة (١١٠٧ هـ) ، حيث كان هاجر إليها والده من موطنه (دراز) لينهي دراسته على شيخه المحقق سليمان الماحوزي ، وتوفي في كربلاء بعد الظهر من يوم السبت ٤ ربيع الأول (١١٨٦ هـ).

٣٤٥

الماحوزي البحراني ، المتوفى عام ١١٨٦ هـ. كان يسكن في أواخر حياته بجوار سيد الشهداء في كربلاء ، فلما وقع في شكواه الذي توفي فيه أوصى أن ينقل بعد وفاته ؛ ليوارى في جوار أمير المؤمنين عليه السلام بالنجف الأشرف ؛ ليأمن من حساب القبر ، فرأى في منامه الإمام الحسين عليه السلام يقول له : (يا يوسف ، شرفتنا بجوارك لنا حال الحياة فلم حرمتنا منه بعد الوفاة؟! وهل صدر منا بحقك مساءة أو تقصير؟!). قال : حاشى لله يا مولاي ، إنّي ما رأيت منكم إلا كل جميل وإحسان ، ولكني كما تعلم قد قمت بتأليف هذه الموسوعة الفقهية في الأحكام الشرعية ، وناقشت في بعضها العلماء ، وطرحت بعض النصوص ، ورددت بعض الآراء ، وأخشى أن تحاسبني الملائكة في ذلك ، فلو حاسبتني على كل جملة وفقرة من الكتاب ، لإستمر حسابي إلى عشرين سنة على الأقل ، فرأيت أن آمن بجوار أبيك مما أخشاه. قال عليه السلام : يا يوسف ، أقم في جوارنا ولك علينا أن لا يصل إليك أحد من ملائكة الحساب ، نحن نكفيك كل ما تخشاه وتنال منا كلما تؤمله وتتمناه من أمير المؤمنين عليه السلام. فلما أصبح دعا أولاده فأخبرهم بما تعهد به الحسين عليه السلام ونهاهم عن نقله إلى كربلاء. وأمرهم أن يواروه عند الباب الذي يدخل منه الزوار لزيارة الشهداء ، مما يلي رجلي علي الأكبر وأبيه الحسين. فلما توفي اُودع جثمانه حيث طلب على باب المدخل للحضرة المقدسة من ناحية مقابر الشهداء ، وقد ضَمّ إليه بعد ذلك من العلماء السيد علي صاحب الرياض ، والسيد محمد باقر البهبهاني ، والسيد مرتضى بحر العلوم ، والد السيد مهدي بحر العلوم ، صاحب (الدرّة النجفية) ، وقد وضع على المقابر الأربعة ساجة كبيرة ، وكتب عليها أسماؤهم»(٤٤٣) .

__________________

(٤٤٣) ـ البحراني ، السيد محمد صالح : النمارق الفاخرة ، ج ٣ / ٧٨ ـ ٧٩ ، «بتصرف» ـ المؤلف.

٣٤٦

٨ ـ الشيخ ضياء الدين النعماني :

ذكر الشيخ عبد العظيم المهتدي البحراني في كتابه «قصص وخواطر» : «.. حكى لنا سماحة الشيخ ضياء الدين النعماني : أنّ شخصاً جاءه قبل وفاتة والده بأيام وقال : إنّي رأيت فيما يراه النائم رجلين قادمين من زيارة مرقد الإمام الحسين عليه السلام في كربلاء ، وبيد أحدهما تربتان حسينيتان ، فأعطاهما إياك وقال : إنّهما هدية لك ، إحدهما ولوالدك الأخرى. مضت أيام حتى يوم وفاة والدي ، وأنا في المغتسل ؛ إذ جاءني أحد المؤمنين وناولني تربتين حسينيتين ، وقال : إنّ إثنين من أصدقائه قدما من كربلاء وهذه هديتهما ، إليك واحدة والأخرى لوالدك المرحوم. فغُمِرْت بالعجب الشديد من تطابق تلك الرؤيا وهذا الواقع ، فأخذت التربتين وخلطت التي لوالدي بالماء وحينما وضعته في القبر مسحت بها على صدره ووجهه ، وإزددت عجباً عندما كنت ألقّنه بالعقائد الحَقّه ، وأقول : (إذا سألك الملكان المقرّبان من نبيك : فقل : محمد بن عبد الله ، خاتم الأنبياء بني ..) وإذا بجفون عيني والدي إنتفضت ونزلت من تحتها دمعة كبيرة بيضاء كالدرّ!

وأضاف الشيخ النعماني ـ الذي يقال : أنّه حافظ ثلاثين ألف حديث مع سلسلة إسناده ـ أنّ والده المرحوم (الحاج كريم) ، كان عالماً غير معمم ، وكان شديداً في الولاء لأهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وكان مواظباً منذ أربعين عاماً على أن لا تفوته زيارة الإمام الحسين عليه السلام ، فحتى بعدما جئنا إلى إيران كان يصعد على سطح المنزل ليلة كلّ جمعة ، فيتجه نحو العراق ويُسلِّم على الحسين عليه السلام.

وهنا عَلّق على هذه القصة العجيبة سماحة الشيخ صَحّت ـ وهو من حفاظ أحاديث أهل البيت عليهم السلام ـ قائلاً : إنّ ما حكاه الشيخ النعماني يؤيده

٣٤٧

الراوي عن الإمام الصادق عليه السلام قال : سمعته يقول : عن دمعة عين الميت (ذلك عند معاينة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فيرى ما يسره) ثم قال : (اما ترى الرجل يرى ما يَسرُّه ويحبّ فتدمع عينه لذلك ويضحك).(٤٤٤) ...)(٤٤٥) .

٩ ـ بعض العلماء :

«عن كتاب «مناقب السبطين» : إرتاض بعض العلماء ليستظهر قاتله مَنْ هو؟ فرأى في منامه الحسين عليه السلام وسأله عن قاتله؟ فقال عليه السلام : وإن كان المشهور أنّ الشمر قاتلي ، ولكن صنع ما صنع بيَّ طعنة سنان بن أنس»(٤٤٦) .

__________________

(٤٤٤) ـ راجع الأصول من الكافي ، ج ٣ / ١٣٣.

(٤٤٥) ـ البحراني ، الشيخ عبد العظيم المهتدي : قصص وخواطر / ٦١٨.

(٤٤٦) ـ الحائري ، الشيخ محمد مهدي : معالي السبطين ، ج ٢ / ٤٤.

٣٤٨

ثالثاً ـ عَامّة الناس

أ ـ هداية ورحمة :

١ ـ هند زوجة يزيد (لع)

٢ ـ جارية يزيد (لع)

٣ ـ زوجة شمر (لع)

٤ ـ زوجة خولي الأصبحي (لع)

«النوار بنت مالك»

٥ ـ رأس الجالوت

٦ ـ الخَلِيعي الموصِلي

٧ ـ الرجل النصراني

٨ ـ الرجل اليماني

٩ ـ المرأة الزانية التائبة

١٠ ـ المهراجا الهندوسي

٣٤٩
٣٥٠

١ ـ هند زوجة يزيد :

هند بنت عبد الله ، بن عامر ، بن كريز ؛ وهي زوج يزيد بن معاوية (لع). قال الدربندي (ره) :

«وخرجت هند بنت عبد الله ، بن عامر ، بن كريز إمرأة يزيد (لع) ـ وكانت قبل ذلك تحت الحسين ـ ، حتى شَقّت الستر وهي حاسرة ..» (٤٤٧).

مناقشة السيد المقرّم لقصة زواجها من الحسين :

وقال المحقق السيد المقرّم (ره) : «قصة تزويج هند ـ زوجة عبد الله بن عامر ، بن كريز ـ من يزيد ، وإجبار زوجها على الطلاق من الأساطير التي أراد واضعها الحَطّ من كرامة سيدي شباب أهل الجنة الحسن والحسين (عليهما السلام) ، فرويت بصور مختلفة.

(الصورة الأولى ) ـ مقتل الخوارزمي ج ١ ٢ ١٥١ ـ فصل ٧ ، طبع النجف : بالإسناد إلى يحيى بن عبد الله بن بشير الباهلي ، قال : «كانت هند بنت سهيل ، بن عمرو عند عبد الله بن عامر بن كريز ، وكان عامل معاوية على البصرة ، فأقطعه خراج البصرة على أن يتنازل عن زوجته هند ؛ لرغبة يزيد فيها ، وبعد إنتهاء العدة أرسل معاوية أبا هريرة ومعه ألف دينار مهراً لها ، وفي المدينة ذكر أبو هريرة القصة للحسين بن علي (عليه السلام). فقال : إذكرني لهند. ففعل أبو هريرة ، وإختارت الحسين فتزوجها ، ولما بلغه رغبة عبد الله بن عامر فيها طلقها ، وقال له : (نعم المحلل كنت لكما). وفي إسناده يحيى بن عبد الله بن بشير الباهلي ، عن ابن المبارك ، وهو مجهول عند علماء الرجال.

__________________

(٤٤٧) ـ الدربندي ، الشيخ آغا بن عابد الشيرواني : اسرار الشهادات ، ج ٣ / ٦٦٠.

٣٥١

(الصورة الثانية ) ـ في مقتل الخوارزمي ج ١ ، ص ١٥٠ : فصل ٧ مسنداً عن الهذلي ، عن ابن سيرين : أنّ عبد الرحمن بن عناب بن أسيد كان أبا عذرتها ، طلقها وتزوجها عبد الله بن عامر بن كريز ، وذكر كما في الصورة الأولى ، إلا أنّه أبدل الحسين بالحسن عليه السلام ، وأنّه قال لعبد الله بن عمر بعد أن طلقها : (لا تجد محللاً خيراً لكما مني) ، وكانت هند تقول : سيدهم حسن وأسخاهم عبد الله ، وأحَبّهم إلي عبد الرحمن. وفي تهذيب التهذيب لابن حجر ج ١ / ٤٥ : «إنّ الهذلي : هو أبو بكر ، كذّاب عند ابن معين ، ضعيف عند ابي زرعة ، متروك الحديث عند النسائي. وفي الوافي بالوفيات ـ للصفدي ج ٣ ص ١٤٦ : إعتراف محمد بن سيرين على نفسه بأنّه يسمع الحديث وينقص منه ، وكان من سبي جرجايا. وفي طرح التثريب ج ص ١٠٣ ، كان ابن سيرين من سَبْي عَين التّمرْ.

(الصورة الثالثة ) ـ في نهاية الارب للنوبري ج ٦ ص ١٨٠ : كانت (زينب) بالزاء المعجمة عند عبد الله بن سلام ، عامل معاوية على العراق ، فطلب منه معاوية طلاق زوجته ؛ لرغبة يزيد فيها على أن يزوجه من إبنته ، فلما طَلّقَها لم توافق إبنة معاوية على التزويج منه ، فأرسل معاوية أبا هريرة ، وأبا الدرداء إلى العراق ليخطبا (زينب بنت إسحاق) ليزيد ، فقدما الكوفة وكان بها الحسين بن علي عليهما السلام فذكرا له القصة. فقال لهما : إذكراني. فإختارت الحسين عليه السلام وتزوجها ، ولما عرف رغبة عبد الله بن سلام فيها طلقها لتحل لزوجها الأول.

وهذه القصة المطولة التي أرسلها النويري في نهاية الأرب ، من دون إسناد أرسلها ابن بدرون في شرح قصيدة ابن عبدون ص ١٧٢ ، طبع سنة ١٣٣٠ هـ ، وسَمّاها (رينب) بالراء المهملة ، والحسين عليه السلام لم يرد إلى الكوفة بعد إرتحالهم منها.

٣٥٢

(الصورة الرابعة ) ـ في الأمثال للميداني ج ١ ص ٢٧٤ : حرف الراء ، عنوان (رُبّ سَاعِ لقاعد) روي مرسلاً : أنّ معاوية سأل يزيد عن رغباته فذكر له رغبته في التزويج من (سلمى أم خالد) ، زوجة عبد الله بن عامر بن كريز ، فاستقدمه معاوية وسأله طلاق إمرأته (أم خالد) على أن يعطيه خراج فارس خمس سنين ، فَطَلّقها فكتب معاوية إلى وليه على المدينة (الوليد بن عتبة) أن يعلم أم خالد بطلاقها ، وبعد إنقضاء العدة أرسل معاوية أبا هريرة ومعه ستون ألفاً وعشرون الف دينار ، مهرها وعشرون الف كرامتها ، وعشرون الف هديتها ، وفي المدينة حكى القصة لأبي محمد الحسن بن أمير المؤمنين (عليه السلام). فقال لأبي هريرة : إذكرني. وقال له الحسين : إذكرني لها. وقال عبيد الله بن العباس بن عبد المطلب : إذكرني. وقال عبد الله بن جعفر الطيار : إذكرني. وقال عبد الله بن الزبير : إذكرني. وقال عبد الله بن مطيع بن الأسود : إذكرني. ولما دخل عليها ابو هريرة حى لها ما أراده معاوية ، ثم ذكر رغبة الجماعة فيه. فقالت له : إختر لي أنت. فاختار لها الحسن بن علي عليهما السلام ، وزَوّجَها منه وانصرف إلى معاوية بالمال ، ولما بلغ معاوية القصة ، عَتَبَ على أبي هريرة فرد عليه : المستشار مؤتمن.

هذا كل ما في عَيْبَة المؤرخين الأمناء في تسجيل الحقايق كما وقعت ، ومن المؤسف عدم تحفظهم عن الطعن بكرامة المسلمين ، والتأمل في هذه الأسطورة لا يعدوه الإذعان بأن الغاية منها هو النيل من إبني رسول الله (صلى الله عليه وآله) الإمامين على الأئمة إن قاما وإن قعدا ، لَعَلّ من يبصر الأشياء على علاتها من دون تمحيص ، وقد وجد من انطلت عليه هذه الأكذوبة ، فرمى أبا محمد الحسن عليه السلام بما تسيخ منه الجبال بالإعتذار عن كثرة الزوجات للحسن ، أن

٣٥٣

الطلاق بالثلاث شايع ولم يجدوا محللاً صادقاً بأن يتزوج المرأة على الدوام ، ثم يطلقها إلا الحسن عليه السلام ، وما أدري بما يعتذر يوم يقول له ـ أبو محمد عليه السلام ـ : على أي إستناد وثيق هتكتني ولم تتبصر؟! ..»(٤٤٨) .

وبعد عرض ما ذكره المحقق السيد المقرّم (ره) ؛ تبين لنا أنّ هند لم يتضح لنا نسبها ، بل ولا إسمها ولا إسم زوجها قبل يزيد. فتأمل ـ أيها القارئ النبيل ـ ولاحظ معي ما ذكر في الصور الأربع المتقدمة ،

ففي الصورة الأولى : (هند بنت سهيل بن عمر ، وزوجها عبد الله بن عامر بن كريز).

وفي الصورة الثانية : (عبد الله بن عناب بن اسيد ، كان أبا عذرتها طلقها وتزوجها عبد الله بن عامر بن كريز ..).

وفي الصورة الثالثة : (زينب بنت إسحاق ، عند عبد الله بن سلام).

وفي الصورة الرابعة : (سلمى بنت خالد ، زوجة عبد الله بن عامر بن كريز).

علاقتها بأهل البيت عليهم السلام :

وبعد هذا نقول : لا يهمنا كل ذلك ، بل المهم أن نذكر أنّها ذات إرتباط بأهل بيت العصمة عليهم السلام ، ومن الشواهد على ذلك ما ذكره المؤرخون في السيرة الحسينية ـ منها ما يلي :

«وخرجت هند بنت عبد الله ، بن عامر ، بن كريز ، إمرأة يزيد ـ وكانت قبل ذلك تحت الحسين عليه السلام ـ حتى شَقّت الستر وهي حاسرة ، فوثبت إلى يزيد وهو في مجلس عام ، فقالت : يا يزيد أرأس ابن فاطمة بنت رسول الله مصلوب

__________________

(٤٤٨) ـ المقرم ، السيد عبد الرزاق : مقتل المقرم / ٤٠ ـ ٤١. «حاشية».

٣٥٤

على فناء بابي؟! فوثب إليها يزيد فَغَطّاها ، وقال : نعم فأعولي عليه يا هند وأبكي على ابن بنت رسول الله ، وصريخة قريش ، عَجّل عليه ابن زياد (لعنه الله) فقتله ، قتله الله»(٤٤٩) .

قال الراوي : فسمعته بنت عبد الله زوجة يزيد (لع) ، وكان يزيد (لع) مشغوفاً بها ، قال : فدعت برداء فتردت بها ، ووقفت من وراء الستر وقالت ليزيد (لع) : هل عندك من أحد؟

قال : أجل ، فأمر من كان عنده بالإنصارف ، وقال اللعين : ادخلي. فدخلت ، قال : فنظرت إلى رأس الحسين ؛ فصرخت فقالت : ما هذا الرأس الذي معك؟ فقال : رأس الحسين بن علي بن أبي طالب. قال : فبكت وقالت : يعزّ والله على فاطمة أن ترى رأس ولدها بين يديك ، وأنك يا يزيد قد فعلت فعلاً إستوجبت به اللعن من الله ورسوله ، والله ما أنا لك بزوجة ولا أنت ببعل. فقال لها : ما أنت وفاطمة؟ فقالت : بأبيها وبعلها وبنيها هدانا الله تعالى ، وألبسنا هذا القميص ، ويلك يا يزيد ، بأي وجه تلق الله ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟! فقال لها : يا هند ، دعي هذا الكلام فما إخترت قتله ، فخرجت باكية ...»(٤٥٠) .

وذكر الشيخ الحائري (ره) في كتابه (معالي السبطين) : «وروي أنّ هند بنت عبد الله ، بن عامر ، بن كريز. لما قتل أبوها ، بقيت عند أمير المؤمنين عليه السلام ، ولما قبض أمير المؤمنين ؛ بقيت في دار الحسن ، فسمع بها معاوية (لع) ، فأخذها من الحسن فزوجها من ولده يزيد ، وفي خبر كانت تحت الحسين فطلقها وتزوجها يزيد ، فبقيت عند يزيد إلى أن قتل الحسين عليه السلام ، ولم يكن لها علم

__________________

(٤٤٩) ـ المجلسي ، الشيخ محمد باقر : بحار الأنوار ، ج ٤٥ / ١٤٣.

(٤٥٠) ـ الدربندي ، الشيخ آغا بن عابد الشيرواني : أسرار الشهادات ، ج ٣ / ٦٥٩ ـ ٦٦٠.

٣٥٥

بأن الحسين قد قتل ، ولما قتل الحسين وأتوا بنسائه وبناته وأخواته إلى الشام ؛ دخلت إمرأة على هند وقالت : يا هند ، هذه الساعة أقبلوا بسبايا ولم أعلم من أين هم ، فلعلك تمضين إليهم وتتفرجين عليهم ، فقامت هند ولبست أفخر ثيابها وتَخَمّرَت بخمارها ولبست إِزارها ، وأمرت خادمة لها أن تحمل الكرسي ، فلما رأتها الطاهرة زينب ؛ إلتفتت إلى أختها أم كلثوم وقالت لها أخيه : أتعرفين هذه الجارية؟. قالت : لا والله. قالت لها : أخيه ، هذه خادمتنا هند بنت عبد الله. فسكتت أم كلثوم ونكست رأسها ، وكذلك زينب ، فقالت هند : أخيه أراكِ طأطأت رأسكِ؟ فسكتت زينب ولم ترد عليها جواباً ، ثم قالت : أخية ، من أي البلاد أنتم؟ فقالت لها زينب : من بلاد المدينة. فلما سمعت هند ، بذكر المدينة ؛ نزلت عن الكرسي وقالت : على ساكنها أفضل السلام ، قم إلتفتت إليها زينب وقالت : أراك نزلت عن الكسي؟ قالت هند : إجلالاً لمن سكن أرض المدينة ، ثم قالت هلا : أخية ، أريد أن أسئلك عن بيت في المدينة ، قالت لها الطاهرة زينب : إسئلي ما بدا لك. قالت : أريد أن أسألك عن دار علي بن أبي طالب. فقالت لها زينب : وأين لك معرفة بدار علي عليه السلام؟ فبكت وقالت : إني كنت خادمة عندهم ، قالت لها : زينب ، وعن أيما تسئلين؟ قالت : أسألك عن الحسين وعن أخوته وأولاده ، وعن بقية أولاد علي ، وأسألك عن سيدتي زينب ، وعن أختها أم كلثوم ، وعن بقية مخدرات فاطمة الزهراء؟ فبكت عند ذلك زينب بكاءاً شديداً وقالت لها : يا هند ، أما إن سألت عن دار علي عليه السلام ؛ فقد خَلّفَنَاها تنعى أهلها ، وإن سألت عن الحسين عليه السلام ؛ فهذا رأسه بين يدي يزيد ، وأما إن سألت عن العباس ، وعن بقية أولاد علي عليهم السلام ؛ فقد خلفناهم على الأرض مجزرين كالأضاحي بلا رؤوس ، وإن

٣٥٦

سألت عن زين العابدين عليه السلام ، فها هو عليل نحيل لا يطيق النهوض من كثرة المرض والأسقام ، وإن سألت عن زينب ؛ فأنا زينب بنت علي ، وهذه أم كلثوم ، وهؤلاء بقية مخدرات فاطمة الزهراء ، فلما سمعت هند كلام زينب ؛ رَقّت وبكت ونادت : وا إماماه ، وا سيداه ، وا حسيناه ، ليتني كنت قبل هذا اليوم عمياء ولا أنظر بنات فاطمة الزهراء على هذه الحالة ، ثم تناولت حجراً وضربت به رأسها فسال الدم على وجهها ومقنعتها وغشي عليها ، فلما أفاقت من غشيتها أتت إليها الطاهرة زينب وقالت لها : يا هند ، قومي واذهبي إلى دارك ؛ لأنّي أخشى عليك من بعلك يزيد. فقالت هند : والله لا أذهب حتى أنوح على سيدي ومولاي أبي عبد الله ، وحتى أدخلك وسائر النساء الهاشميات معي في داري ، فقامت وحسرت رأسها ، وشققت الثياب ، وهتكت الستر وخرجت حافية إلى يزيد وهو في مجلس عام ، وقالت : يا يزيد ، أنت أمرت برأس الحسين عليه السلام يشال على الرمح عند باب الدار؟!

رأس ابن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، مصلوب على فناء داري؟! وكان يزيد في ذلك الوقت جالساً وعلى رأسه تاج مكلل بالدّر والياقوت والجواهر النفيسة ، فلما رأى زوجته على تلك الحالة ؛ وثب إليها فغطاها ، وقال : نعم فأعولي يا هند وأبكي على ابن بنت رسول الله وصريخة قريش ، فقد عَجّلَ عليه ابن زياد لعنة الله عليه فقتله قتله الله ، فلما رأت هند أنّ يزيد غَطّاهَا ؛ قالت له : ويلك يا يزيد أخذتك الحمية عليّ ، فلم لا أخذتك الحمية على بنات فاطمة الزهراء ، هتكت ستورهن وأبديت وجوههن ، وأنزلتهن في دار خربة ، والله لا أدخل حرمك حتى أدخلهن معي؟!

٣٥٧

وأمر يزيد بهن إلى منزله ، وأنزلهم في داره الخاصة ، فلما دخلت النسوة ؛ إستقبلتهن نساء آل أبي سفيان وقبلن أيدي بنات رسول الله وأرجلهن ، ونُحْنَ وبَكَيْنَ وقلن : واحسيناه ، وألقين ما عليهن من الثياب والحلي ، وأقمن المآتم ثلاثة أيام ، فما كان يزيد يتغذى ولا يتعشى إلا ويحضر علي بن الحسين عليهما السلام ، وقال يوماً لعلي بن الحسين : إن شئت أقمت عندنا ، فبررناك ، وإن شئت رددناك إلى المدينة. فقال عليه السلام : لا أريد إلا المدينة. فردّه إليها مع أهله»(٤٥١) .

رؤياها :

«ونقل عن هند زوجة يزيد قالت : كنت أخذت مضجعي فرأيت باباً من السماء وقد فتحت ، والملائكة ينزلون كتائب كتائب إلى رأس ال حسين ، وهم يقولون : السلام عليك يا أبا عبد الله ، السلام عليك يا ابن رسول الله ، فبينما أنا كذلك إذا نظرت إلى سحابة قد نزلت من السماء ، وفيها رجال كثيرون ، وفيهم رجل درّي اللون قمري الوجه ، فأقبل يسعى حتى إنكبّ على ثنايا الحسين يقبلهما وهو يقول : يا ولدي قتلوك ، أتراهم ما عرفوك ، ومن شرب الماء منعوك ، يا ولدي أنا جَدّك رسول الله ، وهذا أبوك علي المرتضى ، وهذا أخوك الحسن ، وهذا عمك جعفر ، وهذا عقيل ، وهذان حمزة والعباس ، ثم جعل يعدد أهل بيته واحداً بعد واحد. قالت هند : فانتبهت من نومي فزعة مرعوبة ، وإذا بنور قد إنتشر على رأس الحسين ، فجعلت أطلب يزيد ، وهو قد دخل إلى بيت مظلم ، وقد دار وجهه إلى الحائط وهو يقول : ما لي وللحسين؟ وقد وقعت عليها الهمومات ، فقصت عليه المنام وهو منكّس الرأس»(٤٥٢) .

__________________

(٤٥١) ـ الحائري ، الشيخ محمد مهدي : معالي السبطين ، ج ٢ / ١٧٣ ـ ١٧٥.

(٤٥٢) ـ المجلسي ، الشيخ محمد باقر : بحار الأنوار ، ج ٤٥ / ١٩٦.

٣٥٨

٢ ـ جارية يزيد :

ذكر الدربندي في كتابه (أسرار الشهادات) رؤيا جارية يزيد كالتالي :

«قال سهل : وخرجت جارية من قصر يزيد (لع) فرأته ينكث ثنايا الإمام عليه السلام ، فقالت : قطع الله يديك ورجليك ، أتنكث ثنايا طالما قَبّلَها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟

إنّي كنت بين النائمة واليقظانة ، إذ نظرت إلى باب السماء قد فتح ، وإذا أنا بسلّم من نور قد نزل من السماء إلى الأرض ، وإذا بغلامين أمر دين عليهما ثياب خضر ، وهما ينزلان على ذلك السِلّم ، وقد بسط لهما في ذلك الحال بسطاً من زبرجد الجنّة ، وقد أخذ نور ذلك البساط من المشرق إلى المغرب ، وإذا برجل رفيع القامة مدور الهامة قد أقبل يسعى ، حتى جلس في وسط ذلك البساط ونادى : يا آدم اهبط ، فهبط رجل درِّيّ اللون طويل ، ثم نادى : يا أبي سَام إهبط ، فهبط ، ثم نادى : يا إبراهيم يا أبي إهبط ، فهبط ، ثم نادى : يا أبي إسماعيل ، إهبط ؛ فهبط ، ثم نادى يا أخي موسى إهبط ، فهبط ، ثم نادى : يا أخي عيسى فاهبط ؛ فهبط ثم رأيت إمرأة واقفة ؛ وقد نشرت شعرها وهي تنادي : يا أمّي حَوّا إهبطي ، يا أمّي خديجة إهبطي ، يا أمّي هاجر إهبطي ، ويا أختي سارة إهبطي ، ويا أختي مريم إهبطي. وإذا هاتف من الجو يقول : هذه فاطمة الزهراء ، ابنة محمد المصطفى ، زوجة علي المرتضى ، أم سيد الشهداء المقبور بكربلاء ، ثم إنّها نادت : يا أبتاه ، ألا ترى ما صنعت أمتك بولدك الحسين؟ فبكى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال : يا أبي آدم ، ألا ترى إلى ما فعلت الطغاة بولدي؟ فبكى آدم وبكى كل من كان حاضراً ، حتى بكت الملائكة لبكائهم. ثم رأت رجالاً كثيراً حول الرأس الشريف وقائلاً يقول : خذوا

٣٥٩

صاحب الدار واحرقوه بانلار ، فخرجت أنت يا يزيد من الدار وانت تقول : النار النار ، أين المفَرّ من النار. فأمر يزيد بضرب عنقها»(٤٥٣) . وفي رواية أخرى : (.. وكان لها جارية ـ أي زوجة يزيد أم حبيب ـ ، كانت نائمة فانتبهت من نومها ، ولطمت وجهها ومَزّقَت ما كان عليها من الثياب الفاخرة وقالت : شاهت وجوهكم وتعست جدودكم يا أولاد الشجرة الملعونة في القرآن ، ونسل الرجس والطغيان ، يا آل أبي سفيان ، المتهمين في أنسابكم ، المعروفين بقبائح أحسابكم ، حيث لم يصحّ إسلامكم ، ولم يثبت عند الله إيمانكم ، ويلكم هؤلاء أولاد اليعسوب الزكي ، والبر التقي أمير المؤمنين ، ثم أنشأت تقول :

وجوه نورها يزهو

كنور البدر والشمسِ

رسول الله والطهر

خيار الجن والانس

حسين السبط مقتول

بسيف الفاسق الرّجس

قال الشعبي : ثم خرجت إلى يزيد (لع) ، وهي منشورة الشعر فقالت : ويلك يا يزيد ، كُفّ عن ولد فاطمة الزهراء عليها السلام ، فإنّي كنت الساعة نائمة فرأيت في منامي كأن أبواب السماء قد فتحت ، ورأيت أربعة من الملائكة قد أحاطوا بقصرك وهم يقولون : إحرقوا هذه الدار ، فقد سخط على أهلها الملك الجبار. قال سهل : وكانت هذه المرأة زوجة ليزيد (لع) فقال لها : ويلك وترثين لأولاد فاطمة الزهراء ، والله لأقتلنك شَرّ قتلة. قالت له : وما ينجني من القتل؟ قال : تقومين على قدميك وتسبين علي ابن ابي طالب وعترته ؛ فإنّك تنجين

__________________

(٤٥٣) ـ الدربندي ، الشيخ آغا بن عابد الشيرواني : إكسير العبادات في أسرار الشهادات ، ج ٣ / ٦٥٣ ـ ٦٥٤.

٣٦٠

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554