تربة الحسين عليه السلام الجزء ٣

تربة الحسين عليه السلام10%

تربة الحسين عليه السلام مؤلف:
الناشر: دار المحجّة البيضاء
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 554

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 554 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 41317 / تحميل: 4274
الحجم الحجم الحجم
تربة الحسين عليه السلام

تربة الحسين عليه السلام الجزء ٣

مؤلف:
الناشر: دار المحجّة البيضاء
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

وهكذا نلاحظ كثيراً من الأدلة القرآنية التي تؤيد هذا الأمر. إذن ما ذهب إليه الإمامية صحيح ، لا يخالف القرآن كما إدعاه البعض.

وبعد هذا البيان والدراسة في بحث (الغيب) ، ندخل في دراسة القصة الغيبية.

ب ـ أقسام القصة الغيبية :

سبق أن قلنا أنّ هذا النوع من القصص تعد أحداثها بتفاصيلها مصدرها الوحي ، فهذه القصص من قبيل الغيب الذي كشفه الله عَزّ وجَلّ لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم ، وهي غيب سواء أكانت في الماضي أو المستقبل ، فعلى هذا يمكن تقسيم القصة الغيبية إلى ما يلي :

الأول ـ قصص الماضي :

يحتوي القرآن الكريم على كثير من علوم الغيب ، خصوصاً ما جرى على الأمم الماضية ، فعلى سبيل المثال ما جاء في قصة يوسف عليه السلام مع اخوته حيث أوحى الله سبحانه إلى يوسف في قوله تعالى :( لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمْرِهِمْ هَـٰذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ) [يوسف / ١٥]. ففي الآية غيب موحى إلى يوسف ، وكذلك غيب موحى إلى نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم بإخبار الوحي له بما حصل ليوسف عليه السلام وأكّد على ذلك في قوله تعالى :( ذَٰلِكَ مِنْ أَنبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ ) [يوسف / ١٠٢]. إلى غير ذلك مما ذكره القرآن الكريم من أخبار الأمم الماضية ، فالقرآن ذكر تلك القصص على نحو الإختصار ، ثم جاء الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يوضحها ، فالملاحظ أنّ تلك القصص وما تضمنته من أحداث ليست في متناول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ولم تحدث أمامه ، كما أنّه لم يُنشئها ولم يأخذها عن طريق غيره

١٠١

من المؤرخين ، بل مصدره الوحي ، وأخذ عنه أهل بيته عليهم السلام. «وذكر العلامة الجليل الورع الثقة النبيل ، السيد هاشم البحراني في كتابه (مدينة المعاجز) أكثر من ستمائة رواية في إخبارات الأئمة الإثني عشر صلوات الله عليهم»(١٠٥) .

الثاني ـ قصص المستقبل :

يتناول هذا اللون من القصص أموراً مختلفة كلها تتحدث عن أمور غيبية خاصة تحدث في الواقع ، ولو تأملنا ما ذكر في القرآن الكريم ، وعلى لسان النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم ؛ لأمكن تقسيمه إلى ما يلي :

أولاً ـ أخبار تحققت في حياة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) :

رأى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في المنام ـ وكان ذلك في المدينة المنورة قبل أن يخرج إلى الحديبية ـ أنّ المسلمين دخلوا المسجد الحرام ، فأخبر بذلك أصحابه ففرحوا وحسبوا أنّهم داخلوا مكة عامهم هذا ، فلما إنصرفوا ولم يدخلوا مكة ؛ قال المنافقون : ما حلقنا ولا قصرنا ولا دخلنا المسجد الحرام. فأنزل الله هذه الآية :( لَّقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَٰلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا ) [الفتح / ٢٧]. وكان بين نزول الآية والدخول مدة سنة. وكان عام سبع للهجرة وتَمّ الفتح القريب من دونه ـ وهو صلح الحديبية ـ ، الذي كان مقدمة لفتح مكة سنة ثمان للهجرة.

ثانياً ـ أخبار تحققت بعد حياته :

وهذا ال نوع من القصص منه ما هو مشهور كأخبار آخر الزمان ، المسمى بـ(أحاديث الفتن والملاحم) ، ويندرج تحت هذا النوع كثير من الإخبارات ،

__________________

(١٠٥) ـ النمازي ، الشيخ علي الشاهرودي : مستدرك سفينة البحار ، ج ٨ / ٨٠.

١٠٢

كخبر الدابة التي تخرج للناس في آخر الزمان ، وقد جاء في القرآن الكريم خبرها في قوله تعالى :( وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِّنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ ) [النمل / ٨٢]. ومن أراد تفاصيل ذلك ؛ فليراجع كتب التفسير.

كما ورد على لسان النبي صلى الله عليه وآله وسلم عدة إخبارات غيبية ، من أهمها ما يحل على أهل بيته عليهم السلام كإخباره بمقتل سبطه الحسين عليه السلام في كربلاء ، وقد ذكر منها ابن الأثير في ترجمة أنس بن الحارث حيث قال : «روى حديثه أشعث بن سحيم ، عن أبيه عن أنّه سمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول : (إنّ ابني هذا يقتل بأرض من أرض ال عراق ، فمن أدركه فلينصره) ، فقتل مع الحسين عليه السلام»(١٠٦) .

وأيضاً إخباره عن الإمام المهدي عليه السالم ، وقد ذكرها علماء المسلمين ، لا ينكر ذلك إلا مكابر لا قيمة لرأيه.

ثالثاً ـ أخبار البعث والنشور :

لعلّ من أهم القضايا التي واجه بها نبينا الأعظم عليه السلام مشركي قريش قضية البعث والنشور ، فقد أنكر المشركون هذا الأمر باصرار عنيف ، واستغربوا من ذلك أشد الإستغراب ، وقد سجل القرآن الكريم هذا الإنكار في أكثر من آية ، منها ما يلي :

قوله تعالى :( وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَىٰ رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ * أَفْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَم بِهِ جِنَّةٌ بَلِ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذَابِ وَالضَّلَالِ الْبَعِيدِ ) [سبأ / ٧ ـ ٨].

__________________

(١٠٦) ـ ابن الاثير ، علي بن محمد : أسد الغابة ، ج ١ / ١٢٣.

١٠٣

وقوله تعالى :( وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُم بِذَٰلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ ) [الجاثية / ٢٤].

وقوله تعالى :( أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ *أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ *قُلْ نَعَمْ وَأَنتُمْ دَاخِرُونَ *فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ يَنظُرُونَ ) [الصافات / ١٦ ـ ١٩].

وإزاء هذا الإنكار لهذه القضية ، إستخدم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم القصة في عرض البعث واليوم الآخر ، وأكّد على ذلك بأن نَزّل المستقبل منزلة الحار ، فهذه القصص في الوقت الذي تحمل الرد على المنكرين ، فإنّها تُؤكِّد الإيمان بالبعث والنشور ، كما أنّ هناك عاملاً جوهرياً يضاف إلى وجود هذا النوع من قصص العالم الآخر ، ووراء كثرته وتكراره أنّ ذلك العالم هو محل العقاب والثواب ، وقضية العقاب والثواب أساسية يتمد عليها منهج التربية في الشريعة الإسلامية ، من أجل قيام الإنسان المسلم على مبادئ دينه والإلتزام بها ، حيث سيظل وازع الإحساس بالمسؤولية ، ـ عما يقول أو يفعل ـ مائلاً أمامه من خلال تصوره لحياة أخرى يؤمن بأنّه سيجازي فيها على سلوكه ، على الخير بالخير في الجنة والنعيم ، وعلى الشر بالشر في النار والعذاب ، كما في قوله تعالى :( فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ *وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ) [الزلزلة / ٧ ـ ٨].

١٠٤

٣ ـ القصة الخيالية

أ ـ الخرافية

ب ـ التمثيلية

ج ـ الخيال العلمي

١٠٥
١٠٦

٢ ـ القصة الخيالية :

هي حكايات يبتدعها خيال المؤلف ، قد تكون نثراً أو نظماً ، والروايات والقصص القصيرة ، هي من أشهر أشكال قصص الخيال رواجاً ، وسمات هذه القصص أنّها تحتوي على عناصر خيالية ، إما كلياً أو جزئياً ، وهذه العناصر تشمل الشخصيات والأوضاع المحيطة ، وفي بعض قصص الخيال تكون العناصر الخيالية واضحة ـ أي بعيدة عن الواقع ـ مثل القصة الإطارية ، وهي قصة تروي في إطارها مجموعة من الحكايات ، ومن أحسن الأمثلة عليها قصة شَهْرَيَار الملك وشَهْرَزَاد في كتاب (ألف ليلة وليلة) ، ومع ذلك ليس من الضروري أن تختلف كثيراً عن الواقع ؛ إذ أنّ كثيراً من نماذج قصص الخيال تمثل شخصيات قريبة من الواقع ، وتصف أوضاعاً واقعية ، وبعض القصص ترتكز على شخصيات وحوادث حقيقية ، وتدمج عادة العناصر الواقعية في قصص الخيال مع الأوضاع والشخصيات والحوادث الخيالية ، والغرض الرئيس لمعظم قصص الخيال هو التسلية ، إلا أنّ هناك بعض الأعمال الجادة من قصص الخيال التي تحفز العقل وتدعو إلى التفكير عن طريق إيجاد الشخصيات ، ووضعها في مواقف محددة ، وتأسيس وجهات النظر ، ويقوم مؤلفو قصص الخيال الجادة بتوضيح الأحكام المميزة بين الأشياء ، وهذه الأحكام تتناول المسائل الأخلاقية والفلسفية والنفسية والإجتماعية ، ولعلّ أهم ما يمكن دراسته من أقسامها هي التالي :

أ ـ الخرافية :

الخُرافَة : «الحديث المستملح من الكذب. وقالوا : حديث خرافة ، ذكر إبن الكلبي في قولهم حديث خرافة أنّ خرافة من بني عُذْرَة أو من جُهَيْنَة ، إختطفته الجن ، ثم رجع إلى قومه فكان يُحدث بأحاديث مما رأى يعجب منها

١٠٧

الناس ، فكذبوه فجرى على ألسن الناس»(١٠٧) . وعُرِّفت الخرافة أيضاً بـ«معتقد لا عقلاني أو ممارسة لا عقلانية. والخرافات قد تكون دينية ، وقد تكون ثقافية أو إجتماعية. فمن الخرافات الدينية إيمان بعض المشلولين أو المقعدين ، بقدرة قديس بعينه أو قديسة بعينها على شفائهم.

ومن الخرافات الثقافية أو الإجتماعية ، إيمان كثير من الناس بأنّ الخرزة الزرقاء تدفع الشر ، وبأنّ نعل الفرس مجلبة للخير»(١٠٨) وبعد هذا التعريف فالحكاية الخرافية : «قصة أو حكاية خيالية قصيرة ذات مغزى في معظم الحكايات الخرافية ، يمثل واحد أو أكثر من الشخصيات حيواناً أو نباتاً أو شيئاً يتكلم ويتصرف كمخلوق بشري ، ويمكن أن نُقص الحكاية الخرافية نثراً أو شعراً ، وفي عديد من الحكايات يمكن تلخيص المراد من القصة ، أو مغزاها في النهاية على شكل مثل شعبي»(١٠٩) .

وهذا النوع من القصة الخيالية لا قيمة له على المستوى الديني ، لا في القرآن الكريم ، ولا في السنة النبوية.

ب ـ التمثيلية :

لست بصدد دراسة القصة التمثيلية من جميع جوانبها ، وإنّما الهدف هو التعريف بها من بعض جوانبها ، في القرآن الكريم والسنة النبوية ، والذي يهمنا بحثه هو التالي :

__________________

(١٠٧) ـ ابن منظور ، محمد بن مكرم : لسان العرب ، ج ٩ / ٦٥ ـ ٦٦.

(١٠٨) ـ البعلبكي ، منير : موسوعة المورد العربية ، ج ١ / ٤٦١.

(١٠٩) ـ الموسوعة العربية العالمية ، ج ٩ / ٤٨١.

١٠٨

١ ـ التعريف بالمثل :

يطلق المثل على معانٍ ثلاثة ، هي كالتالي :

الأول ـ المثل السائر :

هو كلمة موجزة قيلت في مناسبة تناقلتها الأجيال بدون تبديل ، كقوله صلى الله عليه وآله وسلم : (إنّ من البيان لسحرا)(١١٠) ، قال الميداني : «يعني أنّ بعض البيان يعمل عمل السحر ، ومعنى السحر : إظهار الباطل في صورة الحق ، والبيان : إجتماع الفصاحة والبلاغة ، وذكاء القلب مع اللسَنِ ، وإنما شُبّه بالسحر ، لحدّة عمله في سامعه وسرعة قبول القلب له. يضرب في إستحسان المنطق ، وإيراد الحجة البالغة»(١١١) . والهدف منه مقصور على التطبيق.

الثاني ـ المثل القياسي :

ويقصد به البيانيون متشكل من أي وصف أو قصة أو تصوير رائع لتوضيح فكرة ، عن طريق تشبيه يسميه البلاغيون (التمثيل المركب) لتقريب أمر معقول من محسوس يجمع بذلك بين عمق الفكرة ، وجمال التصوير ولم يقصر على سماع أو نقل ، والإهتمام بصياغة الفكر فيه أكثر من إقتباس مثل سائر ، وحاصل القياسي : هو ما يخلقه المتمثل لغرض ينشده ، ومن نماذجه في القرآن الكريم ، قوله تعالى :( وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ) [النحل / ١١٢]. فالآية فيها إستعارة تمثيلية ؛ حيث أخذ اللباس في الجوع والخوف الدال على إستعمالها لمن

__________________

(١١٠) ـ الميداني ، احمد بن محمد النيسابوري : مجمع الأمثال ، ج ١ / ٧.

(١١١) ـ نفس المصدر.

١٠٩

كفر بأنعم الله تعالى ـ الأمن والصحة والكفاية في الرزق وغيرها من النعم التي لا تحصى ـ ، ولو إكتفى بالإذاقة لفات ذلك. وفي الأمثال النبوية قوله صلى الله عليه وآله وسلم : (أيها الناس إياكم وخضراء من الدِمَن. قيل يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : وما خضراء الدمن؟ قال : المرأة الحسناء في منبت السوء)(١١٢) .

قال الشريف الرضي : «... أنّه عليه الصلاة والسلام نهى عن نكاح المرأة على ظاهر الحسن ـ وهي منبت السوء ، أو في البيت السوء ـ ، فوجه المجاز في هذا القول ، أنّه عليه الصلاة والسلام ، شَبّه المرأة الحسناء بالروضة الخضرة لجمال ظاهرها ، وشبّه منبتها السوء بالدِمْنَة لقباحته ، والدِمْنَة هي : الأبعار المتجمعة تركبها السوافي ، ويعلوها الهابي ، فإذا أصابها المطر أنبتت نباتاً خضراء يروق منظره ويسوء مخبره ، فنهى عليه الصلاة والسلام عن نكاح المرأة إذا كانت مغموضة في نفسها ، أو مطعوناً عليها في نسبها ، لأنّ أعراق السوء تنزع إلى ولدها ، وتضرب في نسلها ، قال الشاعر :

وأدركنه خالاته فخذلنه

ألا إنّ عِرق السوء لا بدّ مدرك(١١٣)

وفي السيرة الحسينية ما جاء في خطبته في مكة المكرمة : «خُطّ الموت على ولد آدم مخط القلادة على جيد الفتاة ، وما أولهني إلى أسلافي إشتياق يعقوب إلى يوسف ، وخِيرَ لي مصرع أنا لاقيه ، فكأنّي بأوصالي تُقطعها عُسْلَان الفَلوات بين النَوَاوِيس وكربلا ، فيملأن مني أكراشاً جُوفَاً ، وأجْرُبَة سُغُبَاً»(١١٤) .

__________________

(١١٢) ـ الغروي ، الشيخ محمد : الأمثال النبوية ، ج ١ / ٢٧٢.

(١١٣) ـ الشريف الرضي ، محمد بن الحسين : المجازات النبوية / ٦٠ ـ ٦١.

(١١٤) ـ السماوي ، الشيخ محمد طاهر : إبصار العين في أنصار الحسين / ٦.

١١٠

إنّ بلاغة هذه الخطبة وعُلو مضمونها ، يوجب لنا الإطمئنان بصدورها عن سيد الشهداء عليه السلام ، كما أنّها على وجازتها تضمنت نهج الحسين عليه السلام وهدفه ، ونهايته ووصف مصرعه ومكانه ، والذي يهمنا بحثه ـ هنا ـ بيان بعض أوجهها البلاغية ، المتمثلة فيما يلي :

أولاً ـ عَبّر الحسين عليه السلام عن الموت الذي هو طبيعي للبشر بأنّه : (خط مخط القِلادة على جِيدْ الفَتاة). وهذا التعبير براعة إستهلال عجيبة المعنى ؛ حيث أنّ مخط القلادة يراد منه شيئين :

أ ـ إسم مكان : وهو موضع خط القلادة ـ وهي الجلد المستدير من الجيد ـ ، فكما أنّ ذلك الجلد لازم على الرقبة ، كذلك الموت على ولد آدم.

ب ـ إسم مصدر : والمراد به نفس الخط ، فيكون معنى ذلك : أنّ الموت دائرة لا يخرج ابن آدم عن وسطها ، كما أنّ القلادة دائرة لا يخرج الجيد منها حال تقليده. فإذا كان الموت لابد منه ؛ فليختر الإنسان أفضل ميتة ، وأعظمها شرفاً ونفعاً ، وإن أدّت إلى تقطيع أوصاله.

ثانياً ـ إختيار الحسين عليه السلام لنفسه الموتة الكريمة ، التي هي مرتبطة بأمر السماء التي تتم فيها شهادة الحسين وسعادته ، وسعادة من سار على نهجه ، لقد قضي الأمر وتمت الخيرة ، وكيفية القتلة ومكانها وعَبّر عن ذلك بقوله : (وخِير لي مصرع أنا لاقيه ، كأنّي بأوصالي تُقَطّعها عُسْلَان الفَلوات ، بين النَواوِيس وكربلاء).

فعسلان الفلوات : هي الذئاب ، ولعلّ الحسين عليه السلام يعني بها ـ مجازاً ـ الوحوش البشرية من أعدائه التي وَزّعت جسده الطاهر ، وتركته بالعراء وسلبته ووطأته بالخيول ، ثم تركته بلا مواراة ثلاثة أيام ، وقد عَبّر عن وحشيتهم بقوله

١١١

(فيملأن مني أكراشاً جُوْفَاً ـ أي واسعة ـ ، وأجربة سُغُباً ـ أي البطون الجائعة ـ ، وهذا تعبير عن شدتها وكثرة أكلها من دون محام ولا دافع عن الأعضاء المقطعة ، ويُؤَيّد هذا المعنى ما قاله لأصحابه لما نزل بَطْن العَقَبة : «ما أراني إلا مقتولاً ، فإنّي رأيت في المنام كلاباً تنهشني ، وأشدّها عليّ كلب أبقع»(١١٥) . أراد الحسين عليه السلام أن يُبيّن للمسلمين من خلال خطبته ، تلك الجريمة النكراء التي إقترفها الأمويون في حق البيت النبوي الطاهر ، ومدى اللثم والخسة في نفوس أعدائه ، حيث إمتدت تلك الجريمة ـ بعد تقطيع الحسين عليه السلام بالسيوف ، ووطئ جثته بالخيول ـ لتدخل الرعب والهلع في نفوس النساء والأطفال ، وتُعَرِّضَهم للعطش والحرق والسحق والأسر وضرب السياط ، وبهذا أراد الحسين عليه السلام أن يسجل على صفحات التاريخ ، صوراً من البطش والهمجية التي لا يرتكبها إلا الذئاب المفترسة والوحوش الضارية.

الثالث ـ مطلق ما يسمى بالمثل :

سواء فيه المثل السائر ، والقياسي والفرضي المعروف بالخياليات التي صنعت للإعتبار والموعظة ، كفرضيات كتاب (كليلة ودمنة) ، وكل وصف به نوع غرابة أو إعجاب زائد ، كقوله تعالى :( مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِّن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ .) [محمد / ١٥]. المستفاد من كلمات اللغويين أنّ المثل بمعنى التمثيل والتنظير ، وسمي المثل مثلاً لأنّه ماثل بخاطر الإنسان ؛ أي شاخص به. يقول الجوهري : «ومثلت له كذا تمثلاً إذا صَوّرت له مثاله

__________________

(١١٥) ـ المقرّم ، السيد عبد الرزاق الموسوي : مقتل الحسين / ١٨١.

١١٢

بالكتابة وغيرها»(١١٦) . فكأنّ مراد الجوهري الصورة بالكتابة والتمثال بخير الكتابة ؛ لأنّ غير الكتابة إما يكون وصفاً ؛ فهو أمر تخييلي محض ، وإما أن يكون عملاً يدوياً محسوساً فهو التمثال. فيكون الغاية من سوق المثل والتنظير له إقامة الحجة أو إظهار آية دالة على شيء ما. فالأسلوب في الآية عرضها مثول وانتصاب لحقيقتها أمام الناظر. ومن هذا الباب ما جاء عن الحسين عليه السلام في اليوم العاشر من المحرم ، حينما إستدعى ابن سعد ومَثّل له نهايته ، حيث قال له : «أي عمر ، أتزعم أنك تقتلني ويوليك الدّعي بلاد الرّي وجُورجَان ، والله لا تهنأ بذلك ، عهد معهود فاصنع ما أنت صانع ، فإنّك لا تفرح بعدي بدنيا ولا آخرة ، وكأنّي برأسك على قصبة يتراماه الصبيان بالكوفة ، ويتخذونه غرضاً بينهم ، فصرف بوجهه عنه مغضباً»(١١٧) .

وعند خروج الأكبر عليه السلام إلى الميدان ؛ صاح بعمر بن سعد : «مالك؟! قطع الله رحمك كما قطعت رحمي ، ولم تحفظ قرابتي من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وسَلّط عليك من يذبحك على فراشك»(١١٨) .

٢ ـ أهمية المثل :

للمثل أهمية كبرى يمكن تلخيصها فيما يلي :

١ ـ إنّ أهمية الأمثال بيانية ، حيث لم يكن في كلام العرب أوجز منها ، ولا أشد إختصاراً. قال إبراهيم النظام : «إجتمع في المثل أربعة لا تجتمع في

__________________

(١١٦) ـ الجوهري ، إسماعيل بن حَمّاد : تاج اللغة وصحاح العربية ، ج ٥ / ١٨١٦.

(١١٧) ـ المقرّم ، عبد الرزاق : مقتل الحسين / ٢٣٥.

(١١٨) ـ نفس المصدر / ٢٥٧.

١١٣

غيره من الكلام : إيجاز اللفظ ، وإصابة المعنى ، وحسن التشبيه ، وجودة الكناية ، فهو نهاية البلاغة»(١١٩) .

٢ ـ إنّ المقصود من ضرب الأمثال ، أنّها تؤثر في القلوب ما لا يؤثره وصف الشيء في نفسه ؛ وذلك لأنّ الغرض في المثل أن تنفعل به النفوس ، وتؤمن به القلوب ، فإن كان مدحاً ؛ كان أبهى وأفخم وأنبل في النفوس ، وأعظم وأهز للعطف ، وأسرع للإلف ، وأذكر وأيسر على الألسن ، وأولى بأن تعتلقه القلوب وأجدر. وإن كان ذماً ؛ كان مَسّه أوجع ، ووقعه أشدّ ، وحَدّه أحد. ومن هذا ما ورد في الخطب الحسينية في الطريق وفي كربلاء. وكذلك ما ورد عن أهل بيته عليهم السلام أثناء الخطب في الكوفة ، ويمكن التركيز منها على ما يلي :

المثل في خطب الإمام الحسين (عليه السلام) :

قال عليه السلام لابن عباس : «والله لا يدعوني حتى يستخرجوا هذه العَلَقَة من جوفي ، فإذا فعلوا ذلك ؛ سَلّط الله عليهم من يذبهم ، حتى يكونوا أذلّ من فِرَام المرأة»(١٢٠) .

وقال أثناء طريقه إلى الكوفة : «إنّ هؤلاء أخافوني ـ وهذه كتب أهل الكوفة ـ وهم قاتليَّ ، فإذا فعلوا ذلك ولم يدعوا الله محرماً إلا انتهكوه ؛ بعث

__________________

(١١٩) ـ الغروي ، الشيخ محمد : الأمثال النبوية ، ج ١ / ١٠.

(١٢٠) ـ المقرّم ، السيد عبد الرزاق : مقتل الحسين / ٢٣٤.

١١٤

الله إليهم من يقتلهم ، وحتى يكونوا أذلّ من فِرَام الأمّة»(١٢١) . وخاطب الأعداء يوم عاشوراء بقوله : (يا عَبيد الأمّة)(١٢٢) تحقيراً لهم.

إيضاح أهم مفردات المثل الحسيني :

الفِرَام : ورد في كتب اللغة أنّ (الفِرَام) : دواء تُضيِّق به المرأة المسلك ، أو حب الزبيب تحتشى به لذلك ، وكانت في أحراح ثقيف سعة يتضيقن بعجم الزبيب. والفرامة : هي الخرقة تحتشي بها المرأة عند الحيض كالفِرَام ، وفيها يقول الشاعر :

وجَدْتُك فيها كأمِّ الغلام

متى ما تَجِدْ فَارِما تَفْترِم(١٢٣)

وأيضاً قال في (بَطْن العَقَبة) : «إنّهم لن يدعوني حتى يستخرجوا هذه العلقة من جَوفي ، فإذا فعلوا ذلك ؛ سَلّط الله عليهم من يذلهم ، حتى يكونوا أذلّ فرق الأمم»(١٢٤) .

وقال في (الرُهَيَمة) : «وطلبوا دمي فهربت ، وأيم الله ليقتلوني فيلبسهم الله ذِلّاً شاملاً ، وسيفاً قاطعاً ، ويسلط عليهم من يذلهم ، حتى يكونوا أذلّ من قوم سَبأ ؛ إذ ملكتهم إمرأة فحكمت في أموالهم ودمائهم»(١٢٥) . هذه بعض الأمثال الحسينية الواردة في خطبه عليه السلام.

__________________

(١٢١) ـ المصدر السابق / ١٧٥.

(١٢٢) ـ نفس املصدر / ١٦٨.

(١٢٣) ـ ابن منظور ، محمد بن مكرم : لسان العرب ، ج ١٢ / ٤٥١ ـ ٤٥٢.

(١٢٤) ـ المقرم ، السيد عبد الرزاق : مقتل الحسين / ١٨١.

(١٢٥) ـ نفس المصدر / ١٨٥.

١١٥

وإن كان وعظاً ؛ كان أشفى للصدر ، وأدعى للفكر ، وأبلغ في التنبيه والزجر ، ويبصر الغاية.

المثل في خطبة السيدة زينب (عليها السلام) في الكوفة :

ومما ورد في الخطبة الزينبية التي خطبتها في الكوفة ـ من الأمثال ما يلي : «الحمد لله ، والصلاة على أبي محمد وآله الطيبين الأخيار ، أما بعد يا أهل الكوفة ، يا أهل الخَتَل والغَدْر ، أتبكون؟! فلا رقأت الدمعة ، ولا هدأت الرنّه ، إنما مثلكم كمثل التي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً ، تتخذون أيمانكم دخلاً بينكم»(١٢٦) . تشير أم المصائب زينب عليها السلام إلى قوله تعالى :( وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَىٰ مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ) [النحل / ٩٢].

وبعد مراجعة كتب المفسرين حول هذه الآية ؛ نخرج بالنتيجة التالية :

أولاً ـ هذا مثل قرآني يشير إلى المرأة التي غزلت ثم نقضت غزلها من بعد إمرار وفَتلٍ للغزل ؛ وهي إمرأة حمقاء من قريش ، واسمها رَيطَة بنت عمرو ، بن كعب ، بن سعد ، بن تميم ، بن مُرّة ، وكانت تسمى خَرْقَاء مكة ، كانت تغزل مع جواريها إلى إنتصاف النهار ، ثم تأمرهن أن ينقضن ما غزلن ، ولا يزال ذلك دأبها.

ثانياً ـ هذا نهي من الله للمكلفين أن يتصفوا بالصفات المذكورة في الآية ، المندرجة تحت الألفاظ التالية :

__________________

(١٢٦) ـ المصدر السابق / ٣١١.

١١٦

١ ـ أنْكَاثاً : جمع نِكْث ، وكل شيء نقض بعد الفتل ؛ فهو أنكاث حبلاً كان أو غزلاً.

٢ ـ دَخَلاً : الدَخَل ، ما أدخل في الشيء على فساد ، فالمراد بالدخل وسيلته ، من تسمية السبب باسم المسبب ؛ أي وسيلة للغدر والخدعة والخيانة ؛ تطيبون بها نفوس الناس ثم تخونون وتدعونهم بنقضها. ومعنى ذلك : أنكم كمثلها ، إذا تتخذون أيمانكم دخلاً بينكم فتؤدونها وتعقدونها ، ثم تخونون وتخدعون بنقضها ونكثلها ، والله ينهاكم عنه.

٣ ـ أرْبَى : أي أكثر عدداً ومنه أربا فلان للزيادة التي يزيدها على غريمة في رأس ماله. ومعنى ذلك لا ينقضوا العهد بسبب أن يكون قوم أكثر من قوم ؛ أي لا تنقضوا عهدكم ، متخذيها دغلاً وغدراً وخديعة ، لمداراتكم قوماً هم أكثر عدداً ممن عاهدتم له ، بل عليكم الوفاء والحفظ لما عاهدتم عليه. فالسيدة زينب عليها السلام تذكرهم وتوبخهم بالعهد والبيعة لسيد الشهداء عليه السلام التي نقضوها ، وشبهتهم بالمرأة التي نقضت غزلها من بعد قوة ، إلى أن قالت : «ألا وهل فيكم إلا الصَلَف النَطَف ، والعجب والكذب والشَنِف ، ومَلِق الإماء ؛ وغَمَز الأعداء؟!» وفي هذا المقطع عَبّرت عنهم بألفاظ تعيبهم وتكشفهم بها توبيخاً لهم (فالصَلَف) : الذي يمتدح بما ليس عنده. وفي حديث المؤمن : (لا عنف ولا صَلَف) ، يقال : سحاب صلف ، إذ كان قليل الماء ، كثير الرعد ، وفي المثل (رُبّ صَلَف تحت الرَاعِدَة) يضرب للرجل يتوعد ثم لا يقوم فيه»(١٢٧) .

__________________

(١٢٧) ـ الطريحي ، الشيخ فخر الدين : مجمع البحرين ، ج ٥ / ٨٢.

١١٧

(والنَطَفَ) : «القذف بالفجور ، أو الفساد ، أو الشر»(١٢٨) .

(والشنف) : المبغض(١٢٩) .

(ومَلِق الإماء) :

«المَلأِق : الضعيف. أو التودد والتذلل ، وإبداء ما باللسان من الإكرام والودّ ما ليس في القلب»(١٣٠) .

(وغَمَز الأعداء) :

«الغَمَز : الضعف والميل والعيب»(١٣١) ؛ أي أنتم ضعاف في عقولكم وعملكم بحيث إستزِهدكم الأعداء ، وسخروا بكم بإطاعتكم لهم. إلى أن قالت : «أو كَمَرْعَى على دِمّنَة ، أو كقَصّةٍ على مَلْحُودَة».

(الدِمنَة) :

«هي ما تُدمّنُه الإبل والغنم بأبوالها وأبعارها ؛ أي تلبّده في مرابضها ؛ فربما نبت الحسن النضير. ومنه الحديث : (فينبتون نبات الدِّمن في السيل) ، هكذا جاء في رواية بكسر الدال وسيكون يرعى البعير ؛ لسرعة ما ينبت فيه»(١٣٢) .

وقيل الدِّمنة : هي المنزل الذي ينزل فيه أخيار العرب وتحصل فيه بسبب نزولهم تغيّر في الأرض بسبب الأحداث الواقعة منهم ومن مواشيهم ، فإذا أمطرت أنبتت نبتاً حسناً شديد الخضرة والطراوة ؛ لكنّه مرعى وَبِيء للإبل

__________________

(١٢٨) ـ لويس ، معلوف : المنجد في اللغة / ٨١٦.

(١٢٩) ـ نفس المصدر / ٤٠٤.

(١٣٠) ـ نفس المصدر / ٧٧٤.

(١٣١) ـ نفس المصدر / ٥٥٩.

(١٣٢) ـ ابن الأثير ، المبارك بن محمد الجزري : نهاية في غريب الحديث ، ج ٢ / ١٣٤.

١١٨

مُضرّبها)(١٣٣) . ومن هذا ، ما ورد في الحديث النبوي (.. إياكم وخَضْرَاء الدِّمن ، وقيل يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : وما خضراء الدِّمن؟ قال : المرأة الحسناء في منبت السوء)(١٣٤) .

قال الشريف الرضي (ره) : «والقول الآخر : أن يكون عليه الصلاة والسلام ؛ إنّما نهى في الحقيقة عن تغارض النفاق وتعاير الأخلاق ، وأن يتلقى الرجل أخاه بالظاهر الجميل ، وينطوي عن الباطن الدميم ، أو يخدعه بحلاوة اللسان ، ومن خلفها مرارة الجنان ، وإلى هذا المعنى ذهب الشاعر في قوله :

وقد يَنْبُتُ المرْعَى على دِمَنِ الثّرَى

وتَبْقَى حَزَازَاتُ النفوس كما هِيَا

كأنه أراد ، إنا وإن لقيناكم بظاهر الطلاقة والبشر ، فإنّا نضمر لكم على باطن الغش والغمز ، ومثل هذا قول الآخر :

وفِينَا وإن قِيلَ إصْظَلحْنَا تَضَاغُنٌ

كما طرّ أوبارُ الجِرَابِ على النّشْرِ

وقال أهل العربية : النشر أن ينبت وبر البعير وتحته داء العرّ ؛ وهو الجرب فيرى كأن ظاهره سليم وباطنه سقيم»(١٣٥) ، وبعد هذا الإيضاح يظهر لنا مغزى ما يستفاد من كلام السيدة زينب عليها السلام ، حيث أنّ الغرض هو التعريف بأن الدِّمنَة وإن زها ظاهرها بالنبت ، إلا أنّه لا يفيد الحيوان قوة ؛ لأنّها مجمع الأوساخ والكشافات السامة القاتلة ، فنتاج الدِّمنة لا يكون طيباً ، وأهل الكوفة وإن زها

__________________

(١٣٣) ـ الطريحي ، الشيخ فخر الدين : مجمع البحرين ، ج ٦ / ٢٤٨.

(١٣٤) ـ الحر العاملي ، الشيخ محمد بن الحسن : وسائل الشيعة ، ج ٢٠ / ٣٥ (الباب ٧ من أبواب مقدمات النكاح ـ الحديث ٧).

(١٣٥) ـ الشريف الرضي ، محمد بن ابي احمد الحسين : المجازات النبوية / ٦١.

١١٩

ظاهرهم بالإسلام ؛ إلا أنّ الصدور إنطوت على قلوب مظلمة لا يصدر منها إلا بما يقوم به أهل الجاهلية والإلحاد»(١٣٦) .

(أو كقَصّةٍ على مَلْحُودة) :

«القَصّةُ والقِصّة والقَصُّ ، الجَصّ : لغة حجازية. وقيل : الحجارة من الجَصّ ، وقد قصّصَ داره ، أي جصّصَها. ومدينة مُقصّصَة : مطلية بالقصّ ، وكذلك قبر مُقصّصٌ ، والتقصيص : هو التجصيص ، وذلك أنّ الجَصّ يقال له ، القَصّة. يقال : قصصت البيت وغيره ؛ أي جصّصته. وفي حديث زينب (يا قَصّةٌ عُلى مَلحُودَةٍ) ؛ شبهت أجسادهم بالقبور المتخذة من الجصّ ، وأنفسهم بجيف الموتى التي تشتمل عليها القبور»(١٣٧) .

قال السيد المقرّم (ره) : «والذي أراه ، أنّ النكتة في هذه الإستعارة ، أنّ القصّة بلغة الحجاز الجصّ ، والملحودة ؛ القبر لكونه ذا لحد ، فكان القبر يتزين ظاهره ببياض الجصّ ، ولكن داخله جيفة قذرة ، وأهل الكوفة وإن تزين ظاهرهم بالإسلام ، إلا أنّ قلوبهم كجيف الموتى ؛ بسبب قيامهم بأعمال الجاهلية الوخيمة العاقبة من الغدر وعدم الثبات على المبادئ الصحيحة ؛ وقد إنفردت (متتمة الدعوة الحسينية) بهذه النكات البديعة ، التي لم بسبقها مهرة البلغاء إليها»(١٣٨) .

إلى أن قالت عليها السلام : (ولقد أتيتم بها خَرْقَاء ، شَوْهَاء كِطلَاعِ الأرض ، ومِلء السماء).

__________________

(١٣٦) ـ المقرم ، السيد عبد الرزاق : مقتل الحسين / ٣١١ (بتصرف).

(١٣٧) ـ ابن منظور ، محمد بن مكرم : لسان العرب ، ج ٧ / ٧٦ ـ ٧٧.

(١٣٨) ـ المقرم ، السيد عبد الرزاق : مقتل الحسين / ٣١٢.

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

والساقي. قالت : فقلت : من أنت الذي مَنّ الله عليّ بك؟ قال : أنا الحسين بن علي. فإنتبهت وأنا مذهولة ومضيت إلى المجلس قبل أن يتفرقوا ، فحكيت لهم وتعجبوا ، فقام البكاء والعويل وتبت على أيديهم من فعل القبيح»(٤٧١) .

١٠ ـ المهراجا الهندوسي :

«... وأنّ المهراجا الهندوسي في (غواليور) يقود المواكب كلّ سنة في عاصمته ، ويقال : إنّ منشأ هذا ، هو أنّ المهراجا كان قد مرض قبل خمسين أو ستين سنة ، فرأى ذات ليلة من ليالي مرضه الإمام الحسين في المنام ، فقيل له : إنّه سوف يشفى ويبل من مرضه في الحال ، إذا ما أقام مجلساً من مجالس التعزية في محرم بإسم الحسين عليه السلام ، ووزع الصدقات فيه ، وقد فعل ذلك ، فشفى بإذن الله ، فبقيت العادة حتى يومنا هذا. لكن المهراجا الحالي من نسله صار يكتفي اليوم بركوب حصان فَارِه ، يتقدم به موكب العزاء في يوم عاشوراء ، وتقوم خزينة الدولة هناك بتسديد مصاريف الموكب»(٤٧٢) .

__________________

(٤٧١) ـ القزويني ، السيد رضي بن نبي : تظلم الزهراء / ٦٢ «عن المنتخب» ج ١ / ٢٠٤ ـ ٢٠٥.

(٤٧٢) ـ الشهرستاني ، السيد صالح : تاريخ النياحة ، ج ٢ / ٨٠.

٣٨١
٣٨٢

ب ـ ضلالة وعقاب

١ ـ هارون المعَرِّي

٢ ـ الرجل الأعمى

٣ ـ الحَدّاد الكوفي

٣٨٣
٣٨٤

١ ـ هارون المعَرِّي :

ذكر الشيخ النوري (ره) في كتابه (دار السلام) : «.. عن أبي الفضل ، عن محمد بن ابراهيم ، بن أبي السلاسل الكاتب قال : حدثني أبو عبد الله الباقطاني قال : ضمني عبيد الله بن يحيى بن خاقان إلى هارون المعري ـ وكان قائداً من قواد السلطان ـ أكتب له. وكان بدنه كله أبيض شديد البياض ، حتى يديه ورجليه كانا كذلك ، وكان وجهه أسود شديد السواد كأنّه القِير ، وكان يتقيأ مع ذلك مادة نتنة. قال : فلما آنس بي سألته عن سواد وجهه فأبى أن يخبرني ، ثم أنّه مرض مرضه الذي مات فيه ، فقعدت فسألته فرأيته كأن يحب أن يكتم عليه ، فضمنت له الكتمان ، فحدثني ، قال : وَجّهَنِي المتوكل أنا والدَيزَج لنبش قبر الحسين عليه السلام ، وإجراء الماء عليه ، فلما عزمت على الخروج والمسير إلى الناحية ، رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في المنام ، فقال : لا تخرج مع الديزج ، ولا تفعل ما أمرتم به في قبر الحسين عليه السلام. فلما أصبحنا جاؤوا يستحثونيفي المسير ، فسرت معهم حتى وافينا كربلاء ، وفعلنا ما أمرنا به المتوكل ، فرأيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم في المنام فقال : ألم آمرك ألا تخرج معهم ولا تفعل فعلهم ، فلم تقبل حتى فعلت ما فعلوا؟! ثم لطمني وتفل في وجهي ، فصار وجهي مسوداً كما ترى ، وجسمي على حالته الأولى»(٤٧٣) .

٢ ـ الرجل الأعمى :

ذكر الشيخ المجلسي (ره) في كتابه (البحار) : «روى السيد في كتاب (الملهوف) ، وابن شهر آشوب ، وغيرهما عن عبد الله بن رباح القاضي قال :

__________________

(٤٧٣) ـ النوري ، الميرزا حسين الطبرسي : دار السلام ، ج ١ / ٢٤٥.

٣٨٥

لقيت رجلاً مكفوفاً قد شهد قتل الحسين عليه السلام ، فسئل عن بصره؟ فقال : كنت شهدت قتله ، عاشر عشرة ، غير أنّي لم أطعن برمح ، ولم أضرب بسيف ، ولم أرمِ بسهم ، فلما قتل ؛ أجب رسول الله! فقلت : ما لي وله؟ فأخذ بتلبيبي وجَرّني إليه ، فإذا النبي جالس في صحراء حاسر عن ذراعيه ، آخذ بحربة ، وملك قائم بين يديه ، وفي يديه سيف من نار يقتل أصحابي التسعة ، فكلما ضرب ضربة إلتهب أنفسهم ناراً ، فدنوت منه وجثوت بين يديه ، وقلت : السلام عليك يا رسول الله. فلم يردَّ عليّ ، ومكث طويلاً ثم رفع رأسه وقال : يا عدو الله إنتهكت حرمتي ، وقتلت عترتي ، ولم ترعَ حقي ، وفعلت وفعلت؟! فقلت : يا رسول الله ، ما ضربت بسيف ، ولا طعنت برمح ، ولا رميت بسهم ، فقال : صدقت : ولكنّك كَثّرت السواد ، إدني مني! فدنوت منه ، فإذا طست مملوء دماً ، فقال لي : هذا دم ولدي الحسين ، فكحّلني من ذلك الدّم فإنتبهت حتى الساعة لا أبصر شيئاً»(٤٧٤) .

٣ ـ الحَدّاد الكوفي :

ذكر الشيخ الطريحي (ره) في كتابه (المنتخب) : «حكي عن رجل كوفي حَدّاد قال : لما خرج العسكر من الكوفة لحرب الحسين بن علي عليهما السلام ، جمعت حديداً عندي وأخذت آلتي وسرت معهم ، فلما وصلوا وطنبوا خيمهم ؛ بنيت خيمة وصرت أعمل أوتاداً للخيم ، وسككاً ومرابط للخيل وأسنة للرماح وما إِعْوَجّ من سنان أو خنجر أو سيف ، كنت بكل ذلك بصيراً فصار رزقي كثيراً ، وشاع ذكري بينهم حتى أتى الحسين مع عسكره فإرتحلنا إلى كربلاء وخيمنا على

__________________

(٤٧٤) ـ المجلسي ، الشيخ محمد باقر : بحار الأنوار ، ج ٤٥ / ٣٠٦.

٣٨٦

شاطئ العلقمي ، وقام القتال فيما بينهم وحموا الماء عليه وقتلوه وأنصاره وبنيه ، وكان مدة إقامتنا وإرتحالنا تسعة عشر يوماً ، فرجعت غنياً إلى منزلي والسبايا معنا ، فعُرِضَتْ على عُبَيد الله فأمر أن يشهروهم إلى يزيد إلى الشام ، فلبثت في منزلي أياماً قلائل ، وإذا أنا ذات ليلة راقد على فراشي ، فرأيت طيفاً كأنّ القيامة قامت والناس يموجون على الأرض كالجراد إذ فقدت دليلها ، وكلهم دالع لسانه على صدره من شدة الظمأ ، وأنا أعتقد أنّ فيهم أعظم مني عطشاً ؛ لأنّه كلّ سمعي وبصري من شدته ، هذا غير حرارة الشمس تغلي منها دماغي ، والأرض تغلي كأنّها القير إذ أشعل تحته نار ، فخلت أنّ رجلي قد تقلعت قدماها ، فوالله العظيم لو أنّي خيرت بين عطشي وتقطيع لحمي حتى يسيل دمي لأشربه ؛ لرأيت شربه خيراً من عطشي ، فبينما أنا في العذاب الأليم والبلاء العميم ، إذ أنا برجل قد عَمّ الموقف نوره وابتهج الكون بسروره ، راكب على فرس وهو ذو شيبة قد حفت به الوف من كل نبي ووصي وصديق وشهيد وصالح ، فمَرّ كأنّه ريح أو سيران فلك ، فمرت ساعة وإذا أنا بفارس على جواد أعزّ ، له وجه كتمام القمر تحت ركابه الوف إن أمر ائتمروا ، وإن زجر إنزجروا ، فإقشعرت الأجسام من لفتاته ، وإرتعدت الفرائص من خطواته ، فتأسفت عن الأول ما سألت عنه خيفة من هذا ، وإذا به قد قام في ركابه وأشار إلى أصحابه وسمعت قوله خذوه ، وإذا بأحدهم قابض بعضدي كلبة حديد خارجة من الناس ، فمضي بي إليه فخلت كتفي اليمنى قد إنقلعت ، فسألته الخفة فزادني ثقلاً ، فقلت له : سألتك بمن أمرك عليّ من تكون؟ قال : ملك من ملائكة الجبار. قلت : ومن هذا؟ قال : علي الكَرّار. قلت : والذي قبله؟ قال : محمد المختار. قلت : والذين حوله؟ قال : النبيون والصديقون

٣٨٧

والشهداء والصالحون والمؤمنون. قلت : أنا ما فعلت حتى أمّرَك عليّ؟ قال : إليه يرجع الأمر ، وحالك حال هؤلاء. فحققت النظر وإذا بعمر بن سعد ، أمير العسكر وقوم لم أعرفهم ، وإذا بعنقه سلسلة من حديد والنار خارجة من عينيه وأذنيه ، فأيقنت بالهلاك وباقي القوم منهم مغلل ، ومنهم مقيد ومنهم مقهور بعضده مثلي ، فبينما نحن نسير وإذا برسول الله الذي وصفه الملك جالس على كرسي عال يزهو ، أظنه من اللؤلؤ ورجلين ذي شيبتين بهيتين عن يمينه ، فسألت الملك عن الرجلين؟ فقال : آدم ونوح. وإذا برسول الله يقول : ما صنعت يا عليّ؟ قال : ما تركت أحداً من قاتلي الحسين إلا وأتيت به. فحمدت الله تعالى بأني لم أكن منهم ورَدّ إليّ عقلي ، وإذا برسول الله يقول : قدموهم! قدموهم إليه وجعل يسألهم ويبكي ويبكي كل من في الموقف لبكائه ، لأنّه يقول للرجل : ما صنعت بطف كربلاء بولدي الحسين؟ فيجيب : يا رسول الله ، أنا حميت الماء عليه ، وهذا يقول : أنا قتلته. وهذا يقول : أنا سلبته. وهذا يقول : أنا وطأت صدره بفرسي ، ومنهم يقول : أنا ضربت ولده العليل. فصاح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال : وا ولداه ، واقلة ناصراه ، وا حسيناه وا علياه ، هكذا صدر عليكم بعدي أهل بيتي ، انظر يا أبي يا آدم ، انظر يا أخي يا نوح كيف أخلفوني في ذريتي؟ فبكوا حتى إرتج المحشر ، فأمر بهم زبانية جهنم يجرونهم أولاً فأولاً إلى النار ، وإذا بهم قد أتوا برجل فسأله قال : ما صنعت شيئاً ، قال : أما أنت نجار؟ قال : صدقت يا سيدي ، لكني ما علمت شيئاً إلا عموداً لخيمة الحصين بن نمير ؛ لأنّه إنكسر من ريح عاصف فوصلته. فبكى صلى الله عليه وآله وسلم وقال : كَثّرت السواد على ولدي خذوه للنار وصاحوا : لا حكم إلا لله ولرسوله ووصيه. قال الحدّاد : فأيقنت بالهلاك. فأمرني فقدموني ، فاستخبرني

٣٨٨

فأخبرته ، فأمرني إلى النار ، فلما سحبوني إلا وإنتبهت ، وحكيت لكل من لقيته ، وقد يبس لسانه ومات نصفه ، وتبرأ كل من يحبه ومات فقيراً لا رحمه الله تعالى :( وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ ) [الشعراء / ٢٧] ...»(٤٧٥) .

__________________

(٤٧٥) ـ الطريحي ، الشيخ فخر الدين : المنتخب ، ج ١ / ١٩٠ ـ ١٩٢ (المجلس التاسع ـ الباب الثالث).

٣٨٩
٣٩٠

نتائج

تساؤلات البحث

٣٩١
٣٩٢

بعد الإنتهاء من البحث ، يأتي دور الإجابة على التساؤلات المذكورة في بدايته ، وهي كالتالي :

السؤال الأول : نقرأ ونسمع الكثير من القصص الدينية ، التي يدعي علماء الإسلام أنّ لها فوائداً في حياة الإنسان ، فهل هذه الدعوى صحيحة من الناحية العلمية أم لا؟

تمهيد :

والجواب على هذا السؤال يحتاج إلى بيان ما يلي :

ليس كل ما يُسمى بالقصص الدينية صحيح ويُؤخذ به ؛ إذ هناك بعض العلوم يستفاد منها في معرفة الصحيح من غيره ، ومن أهم تلك العلوم عِلمَيّ الرجال والدِرَاية ، وموضوع علم الرجال : هو دراسة وفهم الراوي ، من حيث إتصافه بشرائط قبول خبره وعدمه ، وموضوع علم الدراية : هو معرفة الصحيح من الحديث عن سقيمه ، والمقبول من المردود سنداً كان أو متناً. إذن ، فكل قصة تنسب إلى الدين تحتاج إلى هذه الدراسة التي أشرنا إليها ، سواء كانت في العقائد أو الأحكام أو غير ذلك مما ينسب إلى الدين.

وبعد التسليم بصحة القصص الدينية ، فلا ينبغي عرض كل قصة على البحث العلمي الحديث ؛ إذ الدين ليس مادياً بحثاً ، حتى نلجئ في كل شيء فيه إلى البحث والتجربة العلمية المعاصرة ، بل يرجع إلى أمر السماء والوحي الإلهي ، وهذا أمر غيبي ؛ وهو المعبّر عنه ، بما وراء الطبيعة. أو كما يقول وحيد الدين خان : «بأنّ الدين ليس (مادياً) ، بل فوق المادة ، وبناء على ذلك ليس للعلوم المادية أن تعترض طريق الدين»(٤٧٦) . ومن هناك يأتي دور الإعتقاد

__________________

(٤٧٦) ـ خان ، وحيد الدين : الإسلام يتحدى / ٢٣.

٣٩٣

بالمعجزات والكرامات ، وما يترتب على ذلك من النقاش حول وجود هذه العقيدة عند معتنقيها ، أو نفيها عند من يراها خرافة ، وبعد هذا التمهيد ، ندخل في دراسة هذا الموضوع المعبّر عنه بـ(المعجزات) ؛ حيث أنّ كثيراً من القصص الدينية لها إرتباط به ، ويمكن دراسته كالتالي :

١ ـ تعريف المعجزة :

هي فعل خارق للعادة ، يعجز البشر عن الإتيان بمثله ، مقروناً بدعوى النبوة ، موافقاً للدعوى. ويمكن إيضاح هذا التعريف ، بأنّ النبوة وظيفة مرموقة ، لها قيمتها الكبرى وسلطانها الروحي النافذ ، مما يحفز المشعوذين على إدّعَائها زَيفَاً وباطلاً ، ويترتب على ذلك إلتباس الصادق بالكاذب ، فيعتذر تشخيص صاحبها الشرعي ، من أجل ذلك لا بد لمدعي النبوة إثبات دعواه بأمر خارق للعادة ، يعجز البشر عن تزويره ومحاكاته ، ويكون موافقاً لدعواه المعجزة التي تحداهم بها ، بحيث لا يأتي بشيء مخالفاً لدعواه ؛ وهو المعبّر عنه بـ(المُكَذّبة) وهي : ما تكون مخالفة للدعوى فتكذب دعوى المدعي ؛ لوقوعها على خلاف ما أراد ، كما حصل لمسيلمة الكذاب ، فإنّه دعا لواحد العين ؛ فعميت عينه الصحيحة. ودعا لفور ماء البئر ؛ فجفّ ماؤها ، ومتى أظهر النبي المعجزة ؛ علمنا صحة نبوته وصدق دعواه.

٢ ـ أنواع المعجزة :

نقل الشيخ عبد الواحد المظفر (ره) عن المارودي الشافعي في (أعلام النبوة ص ٢٠٠) أنواع المعجزة كالتالي :

٣٩٤

الأول ـ ما يخرج جنسه عن قدرة البشر ؛ كإختراع الأجسام ، وقلب الأعيان ، وإحياء الموتى ، فقليل هذا وكثيره معجز ؛ لخروج قليله عن القدرة كخروج كثيره.

الثاني ـ ما يدخل من جنسه في قدرة البشر ، لكن يخرج مقداره عن قدرة البشر ، كطي الأرض البعيدة في المدة القريبة ، فيكون معجزاً لخرق العادة. واختلف المتكلمون في المعجز منه ، فعند بعضهم أنّ ما خرج عن القدرة منه يكون هو المعجز خاصة ، لا إختصاصه بالمعجز. وعند آخرين منهم في جميعه يكون معجزاً ؛ لإتصاله بما لا يتميز منه.

الثالث ـ ظهور العلم بما خرج عن معلوم البشر ، كالأخبار بحوادث الغيوب فيكون معجزاً بشرطين :

أحدهما ـ أن يتكرر حتى يخرج عن حَدّ الإتفاق.

الثاني ـ أن يتجرد عن سبب يستدل به عليه.

الرابع ـ ما خرج نوعه عن مقدور البشر وإن دخل في جنسه في مقدور البشر ، كالقرآن في خروج إسلوبه عن أقسام الكلام فيكون معجزاً بخروج نوعه عن القدرة ، فصار جنساً خارجاً عن القدرة ، ويكون المعجز مع القدرة على آلته من الكلام ليبلغ في المعجز.

الخامس ـ ما يدخل في أفعال البشر ويفضي بخروجه عن مقدار البشر ، كالبرء الحادث من المرض ، والزرع الحادث عن البذر ، فإنّ برء المزمن لوقته ، وإستحصاد الزرع المتأكل قبل أوانه ، كأن يخرق العادة معجزاً لخروجه عن القدرة.

٣٩٥

السادس ـ عدم القدرة عما كان داخلاً في القدرة ؛ كإنذار الناطق بعجزه عن الكلام ، وإخبار الكاتب بعجزه عن الكتابة ، فيكون معجزاً يختص بالعاجز لا يتعداه ؛ لأنّه على يقين من عجزه وليس على يقين من عجزه.

السابع ـ إنطاق حيوان أو حركة جماد ، فإن كان بإستدعائه أو عن إشارته كان معجزاً له ، وإن ظهر بغير إستدعاء ولا إشارة لم يكن معجزاً له وإن خرق العادة ؛ لأنّه ليس إختصاصه به أولى من إختصاصه بغيره ، وكان من نوادر الوقت وحوادثه.

الثامن ـ أظهار الشيء في غير زمانه ، كأظهار فاكهة الصيف في الشتاء ، وفاكهة الشتا في الصيف ، وإن كان إستبقاؤهما في غير زمانهما ممكناً ، لم يكن معجزاً ، وإن لم يمكن إستبقاؤهما ؛ كان معجزاً سواء بدأ إظهاره أو طولب به.

التاسع ـ إنفجار الماء ، وقطع الماء المنفجر إذا لم يظهر بحدوثه أسباب من غيره ؛ فهو من معجزاته لخرق العادة به.

العاشر ـ إشباع العدد الكثير من الطعام اليسير ، وإروائهم من الماء القليل يكون معجزاً في حقهم ، وغير معجز في حق غيرهم لما قدمناه من التعليل ، وهذه الأقسام ونظائرها الداخلة في حدود الإعجاز متساوية الأحكام في ثبوت الإعجاز ، وتصديق مظهرها على ما إدعاه من النبوة»(٤٤٧) .

__________________

(٤٤٧) ـ المظفر ، الشيخ عبد الواحد : بطل العلقمي ، ج ٣ / ٣٩٧ ـ ٣٩٨.

٣٩٦

٢ ـ إنكار المعجزة :

إنّ العلماء في المختبرات وغيرها يبحثون كشف الروابط بين العلل المادية ومعاليلها ، فيصطدمون بعنوان المعجزة والكرامة الواردة في الكتب السماوية ، فعلى سبيل المثال : أنّ موسى عليه السلام ألقى عصاه ، فانقلبت حَيّة تسعى ، وعيسى عليه السلام كان يمسح بيده على المرضى فيبرؤون. وأنّ الحصى سَبّحت في كفّ النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم. فمن لاحظ هذه المعاجز ؛ يقف حائراً ويقول : ما علاقة العصا بالثعبان الذي يتولد من ال بيضة بعد مرورها بمراحل وأدوار؟

وما علاقة يد النبي عيسى عليه السلام بعلاج الأمراض المختلفة في لحظة من الزمن؟

وكيف تنطق الحصى من دون لسان وحنجرة وفم ، وهكذا في بقية معاجز الأنبياء؟

فالنتيجة التي توصلوا إليها : أنّ ظهور المعاجز بهذا الشكل على الطبيعة ، مع عدم علل مادية. ويمكن مناقشة هذا الإنكار بما يلي :

أولاً ـ مناقشة أساس الفكرة :

١ ـ هناك خلط ولبس عند أصحاب هذه الدعوى ؛ إذ هم يَدّعون أنّ المعجزة معلول بلا علة ، وهذا لا يقول به أحد ممن يعتقد بنسبة المعاجز إلى الأنبياء ، وإنما المنفي في مورد المعجزة هو العلل المادية المتعارفة ، التي يأنس بها الفكر البشري ، ولكن قد يكون للمعجزة علّة لا يعرفها الفكر البشري ، ولم تقف عليها التجربة. وبهذا إتضح لنا الفرق بين كون المعجزة ظاهرة إتفاقية لا تستند إلى علة أبداً ، وبين كونها ذات علّة غير معروفة عند البشر.

٣٩٧

٢ ـ إنّ المعاجز حادث بقدرة الباري عَزّ وجَلّ ونواميسه المجهولة ، التي يستحيل على الخلق محاكاتها وإدراك أسرارها ، وبهذا تتميز عن الإختراعات العلمية تميزاً واضحاً. ومن الأمثلة على ذلك ما يلي :

«إستطاع الإنسان أن يغور في الغواصات إلى أعماق البحار ، ويمكث في أغوار لججها أياماً عديدِة ، متذرعاً إلى ذلك بالوسائل العلمية ال حديثة. أما بقاء ذي النون عليه السلام في بطن الحوت وأغوار البحر محروماً من نسيم الهواء ، وعرضة للهضم والتلاشي في جوفها ، كما تتلاشى فيه الأغذية ، فهو سر إعجازي يعجز الإنسان عن إدراك كنهه ، وهكذا إستطاعت حضارة القرن العشرين أن ترتاد الفضاء الخارجي ، وتُحلق إلى سطح القمر ، مستخدمة في ذلك طاقاتها العلمية ووسائلها الفنية. أما المعجزة الخارقة ؛ فهي التي حققها الرسول الأعظم محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم بعروجه إلى قمم السماء ، مجرداً من جميع الأجهزة والوسائل العلمية ، إلا الوسائل الإلهية المعجزة التي بلغته ذلك المستوى الأرفع ، الذي يقصر الإنسان عن إدراكه والتطلع إليه»(٤٧٨) .

٣ ـ إعتراف علماء الغرب بعجزهم عن الوصول إلى كل أسرار الكون نذكر منهم ما يلي :

البروفسور (سيسيل بايس هامان) ـ أستاذ أمريكي في البيولوجيا قال : «إنّ الطبيعة لا تفسر شيئاً من الكون ، وإنما هي نفسها بحاجة إلى تفسير». ف لو أنك سألت طبيباً : ما السبب وراء إحمرار الدم؟ لأجاب : لأنّ الدم خلايا حمراء ، حجم كل خلية منها ٧٠٠ / ١ من البوصة!

ـ حسناً ، ولكن لماذا تكون هذه الخلايا حمراء؟

__________________

(٤٧٨) ـ الصدر ، السيد مهدي : أصول العقيدة ، ج ٢ / ٧٩ ـ ٨٠.

٣٩٨

ـ في هذه الخلايا مادة تسمى (الهميوجلوبين) ؛ وهي مادة تحدث لها الحمرة حين تختلط بالأوكسجين في القلب.

ـ هذا جميل. ولكن من أين تأتي هذه الخلايا التي تحمل الهميوجلوبين؟

ـ إنّها تصنع في كبدك.

ـ عجيب! ولكن كيف ترتبط هذه الأشياء ا لكثيرة من الدم والخلايا والكبد وغيرها ، بعضها ببعض إرتباطاً كلياً ، وتسير نحو أداء واجبها المطلوب بهذه الدقة الفائقة؟

ـ هذا ما نسميه بقانون الطبيعة.

ـ ولكن ما المراد بقانون الطبيعة هذا ، يا سيدي الطبيب؟

ـ المراد بها القنون : هو الحركات الداخلية العمياء للقوى الطبيعية والكيمياوِية.

ـ ولكن لماذا تهدف هذه القوى دائماً إلى نتيجة معلومة؟ وكيف تنظم نشاطها حتى تطير الطيور في الهواء ، ويعيش السمك في الماء ، ويوجد إنسان في الدنيا ، بجميع ما لديه من إلإمكانات والكفاءات العجيبة المثيرة؟

ـ لا تسألني عن هذا ، فإنّ علمي لا يتكلم إلا عن : (ما يحدث) ، وليس له أن يجيب : (لماذا يحدث؟)(٤٧٩) .

ثم عَلّق على هذه الأسئلة وحيد الدين خان بقوله : «يتضح من هذه الأسئلة مدى صلاحية العلم الحديث لشرح العلل والأسباب وراء هذا الكون ولا شك أنّه قد أبان لنا عن كثير من الأشياء التي لم تكن على معرفة بها ، ولكن الدين جواب لسؤال آخر لا يتعلق بهذه الكشوف العلمية ، فلو أنّ هذه الكشوف

__________________

(٤٧٩) ـ خان ، وحيد الدين : الإسلام يتحدى / ٣٢ ـ ٣٤.

٣٩٩

زادت مليون ضعف عنها اليوم ، فسوف تبقى الإنسانية بحاجة إلى الدين ، إنّ جميع هذه الكشوف (حلقات ثمينة من السلسلة) ، ولكن ما يحل محل الدين لا بد أن يشرح الكون شرحاً كلياً وكاملاً ، فما الكون على حاله هذه إلا كمثل ماكينة تدور تحت غطائها ، لا نعلم عنها إلا أنّها (تدور) ، ولكنا لو فتحنا غطاءها ؛ فسوف نشاهد كيف ترتبط هذه الماكينة بدوائر وتروس كثيرة ، يدور بعضها ببعض ، ونشاهد حركاتها كلها ، هل معنى هذا أننا قد علمنا خالق هذه الماكينة بمجرد مشاهدتنا لما يدور بدورها ذاتياً؟ هل يفهم منطقياً أنّ مشاهدتنا هذه أثبتت أنّ الماكينة جاءت من تلقاء ذاتها ، وتقوم بدورها ذاتياً؟ لو لم يكن هذا الإستدلال منطقياً ، فكيف إذن نثبت بعد مشاهدة بعض عمليات الكون ـ أنّه جاء تلقائياً ، ويتحرك ذاتياً؟

لقد إستغل البروفيسور هيرز ( A. Harris ) هذا الإستدلال حين نقد فكرة داروين عن النشوء والإرتقاء ، فقال : «إنّ الإستدلال بقانون الإنتخاب الطبيعي يفسر عملية (بقاء الأصلح) ولكنّه لا يستطيع أن يفسر حدوث هذا الأصلح»(٤٨٠) .

الدكتور ألكسيس كارليل :

«ليس من اللازم أن تكون الحقيقة بسيطة وقابلة للفهم ، فمن الممكن أن توجه حقائق في العالم لا نعلمها ، أو يستعصي علينا فهمها»(٤٨١) .

__________________

(٤٨٠) ـ خان ، وحيد الدين : الإسلام يتحدى / ٣٢ ـ ٣٤.

(٤٨١) ـ مُروِّج الإسلام ، الشيخ علي أكبر : الكرامات الرضوية ، ج ١ / ٣٥.

٤٠٠

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554