تربة الحسين عليه السلام الجزء ٣

تربة الحسين عليه السلام10%

تربة الحسين عليه السلام مؤلف:
الناشر: دار المحجّة البيضاء
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 554

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 554 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 41303 / تحميل: 4271
الحجم الحجم الحجم
تربة الحسين عليه السلام

تربة الحسين عليه السلام الجزء ٣

مؤلف:
الناشر: دار المحجّة البيضاء
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

الفصل الثاني

ضوابط الحوار وآدابه

١ ـ شروط الحوار

٢ ـ آداب الحوار

١٦١
١٦٢

لما كان الحوار في الواقع الإنساني من الوسائل التي تستخدم لنشر الأفكار والإقتناع بها ؛ كان الهدف منه تعاون أطراف الحوار على معرفة الحقيقة والتوصل إليها ، تبصير كل منهما صاحبه بالأمور التي خفيت عنه حينما أخذ بنظر باحثاً عن الحقيقة ، وذلك باستخدام الحوار البريء من التعصب ؛ الخالي من العنف والإنفصال ، المتمشي وفق الأصول العامة للحوار الهادف البنّاء.

ولا يتحقق هذا الحوار إلا بعد تطبيق ما ذكره العلماء من الضوابط والآداب كما يلي :

١ ـ شروط الحوار :

ذكر العلماء والباحثون أنّ للحوار المّذون به شروطاً ينبغي إتباعها ، خشية أن يتحول إلى مماراة بعيدة عن الوصول إلى الحقيقة ، أو إلى مشاحنات أنانية ، ونحو ذلك مما يفسد القلوب ، ويهيج النفوس ، ويورث التعصب ولا يوصل إلى الحق ، نذكر منها التالي :

١ ـ أن يكون أطراف الحوار على معرفة بقوانين وقواعد الحوار ، متبعين المعايير العقلية والمنطقية ، باسلوب علمي رصين.

٢ ـ أن يكونوا على معرفة بالموضوع الذي يراد التحاور فيه ، بحيث يمكن التكلم بما يتناسب مع طبية المضوع المتحاور فيه ، بحيث لو تكلم أحد الأطراف لم يخبط خبط عشواء ، ولم يناقش في البديهيات بغير علم ، وإذا لُزم بالحق إلتزم به دون مكابرة.

٣ ـ أن يكون الموضوع مهماً ، أو مما يجوز أن تجري فيه المحاورة ضمن قواعد هذا الفن وضوابطه ، فالمفردات والبديهيات الجلية مثلاً ، لا تجري فيها المحاورة أصلا.

١٦٣

٤ ـ أن يكون المحاور متمكناً من الحوار ، بحيث يتمتع بوجهة علمية ومقدرة بيانية ، ومطلعاً على أفكار وآراء خصمه ، مستخدماً الألفاظ المناسبة الجزلة الفخمة ، متجنباً العبارات والألفاظ الركيكة.

وإلى هذا يشير إمامنا الصادق عليه السلام في الحديث التالي :

عن أبي خالد الكابلي ، قال : (رأيت أبا جعفر ـ صاحب الطاق ـ وهو قاعد في الروضة قد قطع أهل المدينة أزراره ، وهو دائب يجيبهم ويسألونه ، فدنوت منه فقلت : إنّ أبا عبد الله نهانا عن الكلام فقال : أمرك أن تقول لي؟ فقلت : لا ، ولكنه أمرني ألا أكَلِّم أحداً.

قال : فاذهب فأطعه فيما أمرك. فدخلت على أبي عبد الله عليه السلام فأخبرته بقصة صاحب الطاق ، وما قلت له ، وقوله لي : إذهب وأطعه فيما أمرك ، فتبسم أبو عبد الله عليه السلام وقال : يا أبا خالد ، إّ صاحب الطاق يكلّم الناس فيطير وينقض ، وأنت إو قصوك لن تطير)(٢١٢) .

٢ ـ آداب الحوار :

وضع العلماء لفَن آداب البحث والمحاورة جملة من الآداب ، وألزموا المتحاورين بها ، محافظة على سلامة المحاورة ، وتحقيقاً للغرض منها ، نذكر فيما يلي أهمها :

١ ـ أن يجتنب المحاور محاورة ذي هيبة يخشاه ، لئلا يؤثر ذلك عليه ، فيضعفه عن القيام بحجته كما ينبغي.

٢ ـ ألا يظن خصمه أقوى منه بكثير ، حتى لا يتخاذل ويضعف عن تقديم حجته على الوجه المطلوب.

__________________

(٢١٢) ـ الطوسي ، الشيخ محمد بن الحسن : رجال الكشي ، ج ٢ / ٤٢٤.

١٦٤

٣ ـ ألا يظن خصمه حقيراً ضعيفاً قليل الشأن ، فذلك يقلل من إهتمامه ، فيمكن خصمه الضعيف منه.

٤ ـ ألا يكون في حالة قلق نفسي وإضطراب ؛ أو في حالة نفسد عليه مزاجه الفكري والنفسي ، كأن يكون جائعاً ، أو ظامئاً ، أو نحو ذلك.

٥ ـ أن يتقابل المتحاوران في المجلس ، ويبصر أحدهما الآخر إن أمكن ، ويكونا متماثلين أو متقاربين علماً ومقداراً.

٦ ـ أن يجتنب كلا المتحاورين الهزء والسخرية ، وكل ما يشعر بإحتقار وإزدراء لصاحبه ، أو وسمه بالجهل أو قلة الفهم ، كالتبسم والضحك والغمز واللمز ونحو ذلك ، مما يثير عواطف الغير ، ويؤدي إلى إفساد المحاورة التي ينبغي أن تكون بالتي أحسن.

٧ ـ ألا يرفع صوته فوق المتعارف المألوف ، فإنّ هذا يدل على الشعور بالضعف والشعور بالمغلوبية ، بل ينبغي إلقاء الكلام قوي الأداء ، وإن كان بصوت منخفض هادئ ، فإنّ تأثيره أقوى بكثير من اسلوب الصياح والصراخ.

٨ ـ أن يتجنب ـ حد الإمكان ـ مجادلة طلب الرياء والسمعة ومُؤثر الغلبة والعناد ، فإنّ هذا من جهة يُعديه بمرضه فينساق بالأخير مقهوراً إلى أن يكون شبيهاً به في هذا المرض ، ومن جهة أخرى لا يستطيع الوصول مع مثل هذا الشخص إلى نتيجة مرْضِيّة.

٩ ـ ألا يكون المحاور متسرعاً يقصد إسكات خصمه في زمن يسير ؛ لأنّ ذلك يفسد عليه رويته الفكرية ، ويبعده عن منهج المنطق السديد ، والتفكير في الوصول إلى الحق.

١٦٥

١٠ ـ أن يحترز المحاور عن الإختصار المخل في الكلام ، وعن إطالة الكلام بلا فائدة ترجى من ذلك.

١١ ـ أن يأتي كل من المتحاورين بالكلام الملائم للموضوع ؛ فلا يخرج عما هما بصدده.

١٢ ـ ألا يتعرض أحدهما لكلام خصمه قبل أن يفهم مراده تماماً.

١٣ ـ أن ينتظر كل واحد منهما صاحبه حتى يفرغ من كلامه ، ولا يقطع عليه كلامه قبل أن يتمه.

١٤ ـ الإستعانة بالله عَزّ وجَلّ ، للتوفيق والوصول إلى الحقيقة ، فقد ورد عن إمامنا زين العابدين عليه السلام في الصحيفة السجادية ، من دعائه في مكارم الأخلاق : (اللهُمّ صل على محمد وآله ، واجعل لي يداً على من ظلمني ، ولساناً على من خاصمني ، وظفراً بمن عاندني)(٢١٣) .

وعنه عليه السلام ـ كما في المناجاة (المعروفة بالإنجيلية الطويلة) ـ : وأعوذ بك من دعاءٍ محجوبٍ ، ورجاء مكذوب ، وحياء مسلوب ، وإخاء مَعْبُوب ، وإحتجاج مغلوب ، ورأي غير مصيب)(٢١٤) .

__________________

(٢١٣) ـ زين العابدين ، الإمام علي بن الحسين : الصحيفة السجادية / ١١١ (جمع السيد محمد باقر الأبطحي).

(٢١٤) ـ نفس المصدر / ٤٣٩ ـ ٤٤٠.

١٦٦

الفصل الثالث

الحوار المتعلق بتربة الحسين (عليه السلام)

بحوث تمهيدية :

١ ـ الوحدة الإسلامية.

٢ ـ التقريب بين المذاهب الإسلامية.

٣ ـ دعوة إلى الحوار.

١٦٧
١٦٨

تلعب الشائعات وحجب الحقائق دوراً كبيراً في محاربة الأفكار والمعتقدات ، ولعل مرجع هذه الشائعات ، هي عوامل سياسية ومصلحة نفعية ، ومن بين تلك المعتقدات التي حوربت بهذه الطريقة عقيدة الشيعة الإمامية ، الذين يمثلون فئة كبيرة من المسلمين ، فقد بالغ المغرضون والوضاعون النفعيون ، في تصوير معتقداتهم ، وتحريفها عن واقعها ومدلولها الصحيح. وقد أشار إلى هذه الحقيقة الناصعة ، الدكتور حامد حنفي داود(٢١٥) بقوله : «يخطئ كثيراً من يدّعي أنّه يستطيع أن يقف على عقائد الشيعة الإمامية وعلومهم وآدابهم مما كتبه عنهم الخصوم من العلم والإحاطة ، ومهما أحرزوا من الأمانة العلمية في نقل النصوص والتعليق عليها بأسلوب نزيه بعيد عن التعصب الأعمى. أقول ذلك جازماً بصحة ما أدعي بعد أن قضيت ردحاً طويلاً من الزمن ، أدرس فيه عقائد الأئمة الإثني عشرة بخاصة وعقائد الشيعة بعامة. فما خرجت من هذه الدراسة الطويلة التي قضيتها متصفحاً في كتب المؤرخين والنقاد من علماء أهل السنة بشيء ذي بال. وما زادني إشتياقي إلى هذه الدراسة وميلي الشديد في الوقوف على دقائقها إلا بعداً عنها وخروجاً عما أردت من الوصول إلى حقائقها ذلك لأنّها كانت دراسة بتراء أحلت نفسي فيها على كتب الخصوم لهذا المذهب وهو المذهب الذي يمثل شطر المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها ، ومن ثم اضطررت بحكم ميلي الشديد إلى طلب الحقيقة حيث كانت ، والحكمة حيث وجدت ، والحكمة ضالة المؤمن ، أن أدير دفة دراستي العلمية لمذهب الأئمة الإثني عشر إلى الناحية الأخرى ، تلك هي دراسة المذهب

__________________

(٢١٥) ـ أستاذ الأدب العربي بكلية الألسن العليا ، ورئيس قسم الأدب العربي بجامعة عين شمس ، من رواد الإصلاح ، ودعاة التقريب بين المذاهب الإسلامية.

١٦٩

في كتب أربابه ، وأن أتعرف عقائد القوم مما كتبه شيوخهم والباحثون المحققون من علمائهم وجهابذتهم. ومن البديهي أنّ رجال ال مذهب أشدّ معرفة لمذهبهم من معرفة الخصوم به ، مهما بلغ أولئك الخصوم من الفصاحة والبلاغة ، أو أوتوا حظاً من اللسن والإبانة عما في الشمس»(٢١٦) .

وقال الدكتور مصطفى الرافعي(٢١٧) : «... أجل ، عن مثل هؤلاء المستشرقين أو أولئك الجهلة والمغرضين أخذ خصوم الشيعة معلوماتهم عن الشيعة ، وأثاروا الكثير من الشبهات حول بعض المعتقدات التي يدينون بها ؛ أو الأحكام الفرعية التي يمارسونها ، فشوهوها وألبسوها لباس العداوة للإسلام حتى ظن معها قصار النظر ومن ليس لديه معلومات واسعة عن فقه الشيعة أنّ أتباع هذا المذهب بسبب إيمانهم بتلك المعتقدات أو ممارستهم لهذه الأحكام ، قد نؤوا عن الحق وجانبوا الصواب وربما بالغوا في التشنيع عليهم فقالوا : أنهم فرقة مرقت من الدين وخرججت من ربقة الإسلام»(٢١٨) .

هذه بعض كلمات الكتاب والباحثين من السنة ، الذين أنصفوا الشيعة الإمامية ، فيما حصل لهم من مظلومية وتشويه لسمعتهم أمام المسلم وغيره؟! والسؤال الذي ينبغي طرحه : ما هو الحل لعلاج هذه المشكلة الخطيرة؟

__________________

(٢١٦) ـ المظفر ، الشيخ محمد رضا : عقائد الإمامية / ٤١ ـ ٤٢ (تقديم).

(٢١٧) ـ كاتب وباحث لبناني ، ولد في طرابلس عام ١٩٢٣ م ، جمع بين الدراسة في الأزهر ـ حيث نال إجازة تخصص في القضاء عام ١٩٤٧ م ـ ، والدراسة في جامعة السوربون بفرنسا ، حيث نال شهادة الدكتوراه في الحقوق عام ١٩٤٨ م ، مثّل لبنان في كثير من المؤتمرات الإسلامية والثقافية ، وله مجموعة من المؤلفات.

(٢١٨) ـ الرافعي ، الدكتور مصطفى : إسلامنا / ١٣١.

١٧٠

لعلّ أهم الحلول التي طرحت لحلّ هذه المشكلة ، هي كالتالي :

١ ـ الوحدة الإسلامية :

والمراد بها إدماج مذهب في مذهب ، أو تغليب مذهب على مذهب ، وممن يرى هذه الفكرة الأستاذ أمين خولي(٢١٩) ، حيث قال : «أنا في العام الماضي تكلمت مع الشيخ محمد تقي الحكيم(٢٢٠) ، وقلت : فلنتنازل نحن السنة وأنتم الشيعة عن بعض الأشياء ، ونتفق على أشياء ونكون يداً واحدة»(٢٢١) .

وهذه الفكرة يصعب تطبيقها ، وقد أجاب عنها السيد مرتضى الرضوي بقوله ـ مخاطباً الأستاذ أمين الخولي ـ : «يا أستاذ ؛ لا يمكن التفاهم والإتفاق على شيء قبل أن نضع رجال الصدر الأول في ميزان الحساب ؛ لأنّهم خَلّفُوا أموراً خلافية كثيرة لا يمكن التغاضي عنها ، وتركها من دون علاج ، وبعد ذلك ، فمن السهل أن نتحد ونتفق على كل شيء. فسكت الأستاذ الخولي»(٢٢٢) .

٢ ـ التقريب بين المذاهب الإسلامية :

قامت مجموعة من أعلام المسلمين ـ ويأتي في طليعتهم الشيخ عبد المجيد سليم ، والشيخ محمود شلتوت ، والشيخ محمد تقي القمي ، والشيخ محمد محمد المدني ـ ، بتأسيس (دار التقريب بين المذاهب الإسلامية) وذلك سنة (١٣٦٦ هـ

__________________

(٢١٩) ـ من كبار الأساتذة وعمالقة الفكر في مصر ، ولد عام ١٩٠٤ م ، من أوائل أساتذة كلية الآداب بجامعة القاهرة ، وصل إلى منصب كرسي الأدب العربي بكلية الآداب بجامعة القاهرة ، كان من أبرز أعضاء المجلس الأعلى لدار الكتب المصرية ، الذي يضم جهابذة رجال الفكر والقلم في مصر.

(٢٢٠) ـ المراد به ، هو سماحة السيد محمد تقي الحكيم ، أحد علماء النجف ، عميد كلية الفقه في النجف الأشرف ، وأستاذ الفقه المقارن في جامعة بغداد ، وعضو المجمع العلمي في العراق ، وعضو مراسل المجمع اللغوي بمصر ، له بعض المؤلفات القيمة. ولد عام ١٣٤١ هـ ، وتوفي عام ١٤٢٣ هـ.

(٢٢١) ـ الرضوي ، السيد مرتضى : مع رجال الفكر في القاهرة / ٥١.

(٢٢٢) ـ نفس المصدر.

١٧١

ـ ١٩٤٧ م) ، في القاهرة ، وكان هدف هذه المجموعة ، عدم إستغلال الفوارق المذهبية ، وما يترتب على ذلك من شق صف المسلمين ، وإضعاف وحدتهم. كما كانت دعوتهم إلى تقريب وجهات النظر ، من خلال إلقاء الضوء على المشتركات بينهم ، وعدم السعي إلى إلغاء بعضها على حساب بعض ، وبعبارة أخرى ، تسعى إلى بقاء المسلمين كل على مذهبه ، وعدم دمجهم في مذهب واحد. وكان من ثمارها ، إصدار مجلة (رسالة الإسلام) صدر العدد الأول منها سنة ١٣٦٨ هـ ، وتوقفت في شهر رمضان سنة ١٣٩٢ هـ ، بعد ما صدر منها ستون عدداً ، إهتمت بأدب التقريب بين المذاهب. وإدخال الفقه الشيعي إلى مواد التدريس في الأزهر الشريف ، كما أصدر شيخ الأزهر محمود شلتوت فتواه بجواز التعبد بالمذهب الجعفري ، ونشرتها مجلة (رسالة الإسلام ـ في العدد الثالث ، من السنة الحادية عشر ، ص ٢٢٨ ـ عام ١٩٥٩).

يقول الشيخ الشعراوي ـ بعد هذه الفتوى : «الشيعة الإمامية الإثني عشرية ، وإمامهم جعفر الصادق ؛ بن محمد ، بن علي زين العابدين ، بن الحسين ، بن علي بن أبي طالب ، وهو أحد أساتذة الإمام ابي حنيفة ، رضي الله عنهم جميعاً ، وهؤلاء الإمامية الجعفرية ؛ الذين نوضح أنهم من أرباب ال مذاهب النقيّة ؛ هم الذين أصدر شيخنا المرحوم شيخ الأزهر محمود شلتوت ، فتواه المشهورة في صحة التعبد على مذهبهم ؛ معلّلاً ذلك بأنّه من المذاهب الإسلامية ، الثابتة الأصول المعروفة المصادر ، المتبعة لسبيل المؤمنين. نعم : لقد أخذنا في مصر طائفة من الأحكام في قوانين الأحوال الشخصية عن الشيعة الإمامية الإثني عشريّة ، ومنها بعض أحكام الطلاق ، والقول بالوصيّة الواجبة

١٧٢

في الميراث»(٢٢٣) . وخلاصة هذه الفكرة ـ على حد تعبير الشيخ كاشف الغطاء (قده)(٢٢٤) . «وليس معنى الوحدة في الأمة أن يهضم أحد الفريقين حقوق الآخر فيصمت ، ويتغلب عليه فيسكت ، ولا من العدل أن يقال للمهضوم إذا طالب بحق ، أو دعا إلى عدل إنك مفرق أو مشاغب ، بل ينظر الآخرون إلى طلبه ، فإن كان حقاً نصروه ، وإذا كان حيفاً أرشدوه وأقنعوه ، وإلا جادلوه بالتي هي أحسن مجادلة الحميم لحميه ، والشقيق لشقيقه ، لا بالشتائم والسباب ، والمنابزة بالألقاب ، فتحتدم نار البغضاء بينهما حتى يكونا لها معغاً حطباً ، ويصبحا معاً للأجنبي لقمة سائغة ، وغنيمة باردة»(٢٢٥) .

وبعد هذا البيان المستفاد من كلمات العلماء والباحثين ، نقول : أنّ الهدف من التقريب بين المذاهب الإسلامية هو الحد من تضييق شقة الخلاف ، وبعض الظروف في عهود غابرة ، ولو قدر لها أن تبحث بحثاً موضوعياً ؛ لوصل الفريقان إلى الوحدة والتعاون المشترك ، في المنافع والفوائد في النهاية.

٣ ـ الدعوة إلى الحوار :

إذا أراد المسلمون تشكيل قوة متحدة متماسكة ، تستطيع أن تفرض إرادتها وإحترامها ، وترفع راية الإسلام فوق ربوع الأرض ؛ فعليهم أن ينبذوا الخلاف بالحوار الهادف المخلص ، وهذه المهمة يتحمل عِبْأَها العلماء ورواد الفكر السلامي ، فقد قام جماعة منهم بالدعوة إلى الحوار ونبذ الخلاف ،

__________________

(٢٢٣) ـ الأهرام ـ السنة ١٠٣ ـ العدد ٣٢٩٣٢.

(٢٢٤) ـ الشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء (١٢٩٤ هـ ـ ١٣٧٣ هـ) ، من أعلام الشيعة الإمامية ، ومنابع العلم والأدب ودعاة الاصلاح والتقريب بين المذاهب الاسلامية ، من فقهاء العراق.

(٢٢٥) ـ كاشف الغطاء ، الشيخ محمد حسين : أصل الشيعة وأصولها / ٦٦.

١٧٣

وعلى رأسهم العلمان البارزان : السيد عبد الحسين شرف الدين(٢٢٦) ، والشيخ سليم البشري(٢٢٧) .

وقد طَبّق هذا الحوار العلمان المذكوران بروح إتصفت بالنزاهة والطهر ، عَبّر عنها السيد شرف الدين (قده) بقوله : «وما أحسن ما يتعارف به العلماء من الورح النقي ، والقول الرضي ، والخلق النبوي ، ومتى كان العالم بهذا اللباس الأنيق المترف ، كان على خير ونعمة ، وكان ال ناس منه في أمان ورحمة ، لا يأبى أحد أن يفضي إليه بدخيلة رأيه ، أو يبثه ذات نفسه ، ذلك كان علم مصر وإمامها ، وهكذا كانت مجالسنا التي شكرناها شكراً لا إنقضاء له ولا حد»(٢٢٨) .

وقد إستغرق هذا الحوار مائة وإثنتي عشر حلقة ، وكان ذلك في الفترة ما بين ذي القعدة عام ١٣٢٩ هـ ، وجمادي الأولى عام ١٣٣٣ هـ ، وكانت حصيلة هذا الحوار كتب (المراجعات) ، الذي دَوّنه العالم الشيعي السيد عبد الحسين شرف الدين (قده) ، مما جعل لهذا الحوار أثره في العصر الذي جرى فيه والعصور المتأخرة ، بل يعتبر نموذجاً لكل من أراد الحوار الهادف ، وصرخة مدوية في أذن كل سني وشيعي ، أراد الوصول إلى الحقيقة ، أو على الأقل يعرف المذهب الجعفري بحقيقته الناصعة ، ولا يأخذها من كتب وأفواه خصومهم ، الذين لَفّقَوا فيهم التهم والأكاذيب. ومن بين تلك الأكاذيب ، عبادة التربة الحسينية الشريفة ، التي هي موضوع بحثنا.

__________________

(٢٢٦) ـ الشيخ عبد الحسين شرف الدين (١٢٩٠ هـ ـ ١٣٧٧ هـ) من أعلام الشيعة الإمامية ، ومنابع العلم والأدب ودعاة الإصلاح ، والتقريب بين المذاهب الإسلامية ، من فقهاء جبل عامل في لبنان.

(٢٢٧) ـ الشيخ سليم البشري (المالكي) ، ولد في محلة بشر ، بمحافظة البحيرة عام (١٢٤٨ هـ وتوفي عام ١٣٣٥ هـ) تولى مشيخة الأزهر مرتين : الأولى ـ من عام ١٣١٧ هـ إلى عام ١٣٢٠ هـ ، والثانية ـ من عام ١٣٢٧ هـ إلى عام ١٣٣٥ هـ. وفي عهده طبق نظام إمتحان الراغبين في التدريس بالأزهر.

(٢٢٨) ـ شرف الدين ، السيد عبد السحين : المراجعات / ٣٢.

١٧٤

نماذج للحوار في التربة الحسينية

١ ـ السيد الشيرازي مع رجل دين مصري.

٢ ـ السيد سلطان الواعظين مع الشيخ عبد السلام الأفغاني.

٣ ـ الشيخ الأنطاكي مع بعض أعلام السنة.

٤ ـ الدكتور التيجاني مع الشهيد الصدر.

٥ ـ المستر رايلي مع سكرتير وزارة المعارف العراقية.

٦ ـ الأستاذ محمد خير مع خصوم الشيعة.

١٧٥
١٧٦

١ ـ السيد الشيرازي(٢٢٩) مع رجل علم مصري :

قال السيد عبد الله الشيرازي (قده) : «كنت يوماً جالساً في الروضة النبوية المطهرة بعد الفراغ من فريضة الصبح ، قرب المنبر مشغولاً بقراءة القرآن وكان المصحف بيدي ، فجاء رجل شيعي ووقف على يساري وكَبّر للصلاة ، وكان على يميني رجلان من أهل العلم مصريان ـ على الظاهر ـ متكئان على الإسطوانة ، فأدخل المصلي يده في جيبه بعد تكبير الإحرام لإخراج التربة أو الحجر للسجود عليه ، فقال أحدهما للآخر : إنظر إلى هذا العجمي يريد أن يسجد على الحجر. فلما هوى المصلي للسجود بعد ركوعه ، حمل عليه أحدها ليختطف ما في يده ، لكني أمسكت على يده قبل وصولها إلى المصلي ، وقلت : لماذا تبطل صلاة الرجل المسلم ، وهو يصلي مقابل قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم؟

قال : يريد أن يسجد على الحجر. قلت : وأيّ بأس في ذلك؟ وأنا أيضاً أسجد على الحجر.

قال : كيف؟ قلت : هو جعفري ، وهذا هو الصحيح على مذهبنا ، ثم قلت : هل تعرف جعفر بن محمد عليهما السلام؟

قال : نعم. قلت : هو من أهل البيت؟ قال : نعم. قلت : هو رئيس مذهبنا ، ويقول لا يجوز السجود على الفراش أو السجاد ، ويقول : لابد أن يكون السجود على أجزاء الأرض. فسكت قليلاً ، ثم قال : الدين واحد ، والصلاة واحدة. قلت : إذا كان واحداً ، والصلاة واحدة ، فكيف تُصلون

__________________

(٢٢٩) ـ أحد الفقهاء الكبار ، والمراجع العظام ، ولد في شيراز عام ١٣٠٩ هـ ، وهاجر الى النجف الأشرف عام ١٣٣٣ هـ ، حتى أصبح أحد أعلامها ، وفي عام ١٣٩٥ هـ إستقر في مشهد المقدسة ، قائماً بأعباء المرجعية وإدارة حوزتها العلمية ، وتوفي بها عام ١٤٥ هـ ، ودفن بجوار الإمام الرضا (ع).

١٧٧

أنتم السنة في حال القيام على أربعة أشكال من جهة التكتف : فالمالكية يصلون مرسلين الأيدي ، والحنفية يتكتفون ، والشافعية نحو ثالثاً ، والحنبلية نحواً رابعاً ، مع أنّ الدين واحد ، والصلاة التي صلاها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كانت نحواً واحداً؟!

ولقنته الجواب ، وقلت : غير أنكم تقولون إنّ أبا حنفية هكذا قال : والشافعي هكذا ، والمالكي هكذا ، والحنبلي هكذا ، وصوّرت له بيدي صور الحالات الأربع. قال : نعم.

قلت : جعفر بن محمد الصادق عليه السلام رئيس مذهبنا الذي إعترفت بأنّه من أهل البيت أدرى بما في البيت ، لم يكن أقل من أبي حنفية ، ومن هؤلاء علمنا أنّه لابدّ أن يكون السجود على أجزاء الأرض ، ولا يجوز السجود على الصوف والقطن ، وهذا الإختلاف بيننا وبينكم لا يكون إلا مثل الإختلاف بين أنفسكم في كيفية الصلاة من جهة التكتف وغيرها من سائر الإختلاف بينكم في الفروع ولا يرتبط بالأصول ، ولا يكون مربوطاً بالشرك أصلاً. فصدقني الجالسون من أهل السنة ، حتى صاحب هذا الشخص الذي كان جالساً إلى جانبه ، ولما وجدت الجو مناسباً بعد تصديقه كلامي حملت عليه بالكلام الحاد ، وقلت : أما تستحي من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تبطل صلاة رجل مسلم يصلي عند قبره ـ صلوات الله عليه وآله ـ بمقتضى مذهبه ، وهو مذهب أهل البيت صاحب هذا القبر ، الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تهيراً ، ولا يكون قولهم ومذهبهم إلا قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومذهبه.

فحمل الجالسون عليه أيضاً بالكلام الخشن ، واعتذروا مني من إعتقادهم بأنّ السجود على التربة أو الحجر شرك من الشيعة. أقول : لا يكاد ينقضي تعجبي من أنّ علماءهم كيف أشربوا في قلوب عوامهم أنّ الجسود على التربة

١٧٨

الحسنية ، أو الحجر ، أو الخشب من سائر أجزاء الأرض شرك بالله ، مع أنّه في حال السجود يذكرون الله تعالى بالتحميد والعلو ، وكثيراً في حال السجود عليها ، يقولون : لا إله إلا الله ، أليس السجود على الحجر الذي هو جزء ـ من ـ الأرض مثل السجدة على نفس الأرض ، أو السجدة على الفراش ، أو الحصير أو السجاد؟ فإذا سجد على الأرض أو الحصير أو السجاد ، هل يكون ذلك بمعنى أنّه عبدها؟ فليكن السجود على الحجر مثل السجود عليها!

وأعجب من أصل الموضوع أنّ لسان أكثرهم عربي ، وهم أعرف بمعاني اللغة وخصوصيات معاني الألفاظ ، فكيف غفلوا أو تجاهلوا عن الفرق بين السجود عليه ، والسجود له؟ والسجدة على شيء سواء كان أرضاً أو حجراً أو فراشاً يحتاج تحقق العبادة معه إلى شيء آخر يكون هو المعبود ، ولا يكون نفس السجود عليه معبوداً وهل رأى أحد وثنياً أو صنمياً في مقام العبادة يضع الصنم على الأرض ويسجد عليه؟

لا والله ، بل يجعلون الأصنام في مقابلهم ويسجدون على الأرض ويخرّون عليها تخضعاً وتخشعاً لها ، فحينئذ المعبود هل الصنم أو ما سجد عليه من الأرض أو الحجر أو الشيء الذي سجد عليه ووقع تحت جبهته بلا إختيار ولا إلتفات أو معهما؟

فيا ليت كان في البين ثالث عارف باللغة يحكم بين الفريقين ، هل السجود لله على أجزاء الأرض عبادة لها وشرك بالله ، أو يكون مثل السجدة على نفس الأرض والمعبود في كليهما هو الله الواحد؟

وإن كان بحمد الله الحاكم موجوداً وهو اللغة. فنرجو ـ من الله ـ أن يتنبّه العلماء والفضلاء منهم إلى هذه النقطة ، وإن لم يكن تجااهلاً ، وينبّهوا عوامهم

١٧٩

إلى عدم نسبة الشرك إلى الشيعة ، لسجودهم على أجزاء الأرض من التربة الحسينية أو الحجر أو الخشب»(٢٣٠) .

٢ ـ السيد سلطان الواعظين(٢١٣) ، مع الشيخ عبد السلام الأفغاني :

قال السيد سلطان الواعظين (طاب ثراه) : «ولكنا إذا خالفنا العامة في صلاتنا ، بأن سجدنا على طينة يابسة فبدل أن يسألونا عن الدليل والسبب ، يتهمونا بعبادة الأصنام ويسمون تلك الطينة التي نسجد عليها بالصنم ، فلماذا هذا الجهل والجفاء؟! ولماذا هذا التفريق بين المسلمين؟!

قال الشيخ عبد السلام : كما قلتم بأنّ مجلسنا هذا إنما إنعقد للتعارف والتفاهم ، وأنا أشهد الله سبحانه بأنّي لم أقصد الإساءة إليكم والتجاسر عليكم ، فإذا صدر مني ما يسوء فسببه عدم إطلاعنا على مذهبكم وعدم مطالعتنا لكتبكم ، فما كنا نعرفكم حق المعرفة ، لأنّا ما عاشرناكم ولا جالسناكم ، وانما سمعنا وصفكم من لسان غيركم وتلقيناها بالقبول من دون تحقيق ، فإلتبست علينا كثير من الحقائق ، ومع تكرار الإعتذار أرجوكم أن تُبينوا لنا سبب سجودكم على الطينة اليابسة؟

قلت : أشكر شعوركم الطيب ، وبيانكم الحلو العذب ، وأشكركم على هذا الإستفهام ؛ لأنّ السؤال والإستفهام أجمل طريقة وأعقل وسيلة لإزاحة أي شبهة وابهام.

__________________

(٢٣٠) ـ الشيرازي ، السيد عبد الله : الإحتجاجات العشرة / ٥٥ ـ ٥٩.

(٢٣١) ـ السيد محمد الموسوي الشيرازي ، المعروف بسلطان الواعظين ، كان من العلماء العاملين ، والخطباء البارعين ، ولد في طهران عام ١٣١٤ هـ. وأخذ المقدمات والأوليات على أساتذتها ، وفي عام ١٣٢٦ هـ. هاجر إلى كربلاء مع والده وحضر على أعلام حوزتها ، حتى برع وكمل في كربلاء ، ثم إتصل بالزعيم الشيخ عبد الكريم الحائري في قم وحضر دروسه ، وتوفي يوم الإثنين ٢٠ شعبان عام ١٣٩١ هـ.

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

وورد في زيارة أخرى :

أاَشْهَدُ لَقَدِ اقْشَعَرَّتْ لِدِمائِكُمْ اَظِلَّةُ الْعَرْشِ ، مَعَ اَظِلَّةِ الْخَلائِقِ)(٥٧٤) .

وورد في زيارة ثالثة :

(اَشْهَدُ أَنَّ دَمَكَ سَكَنَ فِي الْخُلْدِ ، وَاقْشَعَرَّتْ لَطُ اَظِلَّةُ الْعَرْشِ ، وَبَكى لَهُ جَميعُ الْخَلائِقِ ، وَبَكَتْ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالأَرَضُونَ السَّبْعُ ، وَما فيهِنَّ وَما بَيْنَهُنَّ ، وَمَنْ يَتَقَلَّبُ فِي الْجَنَّةِ وَالنّارِ مِنْ خَلْقِ رَبِّنا ، وَما يُرى وَما لا يُرى)(٥٧٥) .

وبعد هذا البيان نقول : إنّ دم الحسين عليه السلام مُقَدّس ، وسفكه يغضب الباري عَزّ وجَلّ ، وقد سفكه الأعداء في واقعة الطف الأليمة ، ومما تقدم ينبغي التركيز على ما ورد في الزيارة : (أَشْهَدُ أَنَّ دَمَكَ سَكَنَ فِي الْخُلْدِ الخ) ، وما يترتب على ذلك من بحث مهم ، فما المراد من سكنى دم الحسين عليه السلام في الخلد؟ يتضح جواب هذا السؤال بعد بيان الآتي :

١ ـ الدرجة العالية للحسين عند الله عَزّ وجَلّ :

ينبغي أن نقف وقفة إجلال عند شهادة الإمام الصادق عليه السلام : (أَشْهَدُ أَنَّ دَمَكَ سَكَنَ فِي الْخُلْدِ) ، ونتأمل بما يمكننا الوصول إليه من مغزى وأسرار هذه الشهادة. ونسأل : كيف صعد دم الحسين عليه السلام إلى جنّة الخلد وسكن فيها؟

والجواب عن هذا السؤال ، يستدعي مِنّا التعرض إلى ما يلي :

أولاً ـ قال تعالى :( مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ) [فاطر / ١٠].

__________________

(٥٧٤) ـ المصدر السابق / ٥٣٥.

(٥٧٥) ـ الكليني ، الشيخ محمد بن يعقوب : الكافي ، ج ٤ / ٥٧٥.

٤٦١

قال العلامة الطباطبائي (قده) : «من كان يريد العزة ، فليطلبها منه تعالى ؛ لأنّ العزة له جميعاً لا توجد عند غيره بالذات. فوضع قوله( فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا ) في جزاء الشرط من قبيل وضع السبب موضع المسبب ؛ وهو طلبها من عنده ، أي إكتسابها منه بالعبودية ، التي لا تحصل إلا بالإيمان والعمل الصالح.

والمراد بالكلم ما يفيد معنى تاماً كلامياً ويشهد به توصيفه بالطيب ، فطيب الكلم ؛ هو ملاءمته لنفس السامع ومتكلمه ، بحيث تنبسط منه وتستلذ وتستكمل به ؛ وذلك إنّما يكون بإفادته معنى حقاً فيه سعادة النفس وفلاحها. وبذلك يظهر أنّ المراد به ليس مجرد اللفظ بل بما أنّ له معنى طيباً ، فالمراد به الإعتقادات الحقّة التي يسعد الإنسان بالإذعان لها ، وبناء عمله عليها والمتيقن منها كلمة التوحيد التي يرجع إليها سائر الإعتقادات الحقّة ، وهي المشمولة لقوله تعالى :( أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا ) [إبراهيم / ٢٥]. وتسمية الإعتقاد قولاً وكلمة أمر شائع بينهم.

وصعود الكلم الطيب إليه تعالى ، هو تقربه منه تعالى إعتلاء ، وهو العلي الأعلى رفيع الدرجات ، وإذا كان إعتقاداً قائماً بمعتقده ، فتقربه منه تعالى تقرب المعتقد به منه ، وقد فسروا صعود الكلم الطيب بقبوله تعالى له ، وهو من لوازم المعنى. ثم أنّ ال إعتقاد والإيمان إذا كان حق الإعتقاد صادقاً إلى نفسه صدقه العمل ولم يكذبه ، أي يصدر عنه العمل على طبقه ، فالعمل من فروع العلم وآثاره التي لا تنفك عنه ، وكلما تكرر العمل ؛ زاد الإعتقاد رسوخاً وجلاء وقوي في تأثيره ، فالعمل الصالح ـ وهو العمل الحري بالقبول الذي طبع

٤٦٢

عليه ـ ، ببذل العبودية والإخلاص لوجهه الكريم بعين الإعتقاد الحق في ترتب أثره عليه ، وهو الصعود إليه تعالى ، وهو المعزي إليه بارفع ، فالعمل الصالح يرفع الكلم الطيب»(٥٧٦) . فمن أعظم مصاديق هذه الآية ، سيد الشهداء الحسين عليه السلام ، القائل عند إخراج السهم المثلث من قفاه ، وإنبعاث الدم كالميزاب ، فوضع يده تحت الجرح ، فلما إمتلأت ؛ رمى به نحو السماء : (هَوّن عليّ ما نزل بيّ أنّه بعين الله فلم يسقط من ذلك قطرة إلى الأرض)(٥٧٧) . وهذا ما أكد عليه جده المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم في رؤياه عند القبر الشريف بقوله : (وإنّ لك في الجنان لدرجات لا تنالها إلا بالشهادة).

ثانياً ـ قوله تعالى :( كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ *وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ *كِتَابٌ مَّرْقُومٌ *يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ ) [المطففين / ١٨ ـ ٢١] ، المستفاد من كلمات المفسرين لهذه الآية ما يلي :

(كِتَابَ الأَبْرَاِ) : كتاب المطيعين لله ، مكتوب فيه جميع طاعاتهم وما تقرّبه أعينهم ، ويوجب سرورهم.

(عِلّيِّينَ) : المراتب العالية ، محفوفة بالجلالة ، سواء كانت تلك المراتب في السماء السابعة أو سدرة المنتهى : وهي التي ينتهي إليها كل شيء من أمر الله تعالى ، أو الجنة ، أو لوح من زبرجدة خضراء معلق تحت العرش ، على إختلاف الأقوال في ذلك.

__________________

(٥٧٦) ـ الطباطبائي ، السيد محمد حسين : الميزان في تفسير الميزان ، ج ١٧ / ٢٢ ـ ٢٣.

(٥٧٧) ـ المقرم ، السيد عبد الرزاق : مقتل الحسين / ٢٧٩.

٤٦٣

(يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ) : أي الملائكة الذين هم في عليين ، يشهدون ويحضرون ذلك الكتاب ، أو ذلك الكتاب إذا صعد به إلى عليين.

قال وهب ، وابن إسحاق : الْمُقَرَّبُونَ ـ هنا ـ إسرافيل (عليه السلام) ، فإذا عمل المؤمن عمل البر ؛ صعدت الملائكة بالصحيفة وله نور يتلألأ في السموات كنور الشمس في الأرض ، حتى ينتهي بها إسرافيل ، فيختم عليها ويكتب ، فهو قوله :( يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ ) ؛ أي يشهد كتابتهم)(٥٧٨) .

وبعد هذا التمهيد ؛ وصلنا إلى النتيجة التالية :

إنّ سيد الشهداء الحسين ابن علي عليهما السلام ، حينما إنبعث دم قلبه الطاهر رفعه نحو السماء ، فتلقاه جده المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم فرفعه ـ بواسطة الملائكة ـ إلى المقام العالي في الخلد ، فهو أغلى هدية قدّمها النبي صلى الله عليه وآله وسلم قرباناً للباري عَزّ وجَلّ. وقد أهداد الباري عَزّ وجَلّ قبل ذلك ـ عن طريق جبرئيل عليه السلام ـ تربة الحسين عليه السلام ، فشمها فإذا هي أطيب مسك خلقه الله ، ثم إحتفظ بها وأكد على حفظها عند أفضل زوجاته بعد خديجة عليها السلام. فهذا يدل على منزلة الحسين ودرجاته العالية عند ربه ، فدمه الممتزج بتربته نور ورحمة لأهل الأرض ، ودمه الطاهر نور ورحمة لأهل السماء ، وإلى هذا المعنى يشير الحديث الشريف عن الحسين بن علي عليهما السلام قال : (دخلت على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعند اُبيّ بن كعب ، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : مرحباً بك يا رسول الله ، زين السماوات والأرضين أحد غيرك؟ فقال : يا اُبيّ ، والذي بعثني بالحق نبيّاً ، إنّ الحسين بن علي في السماء

__________________

(٥٧٨) ـ القرطبي ، محمد بن أحمد الأنصاري : الجامع لأحكام القرآن ، ج ١٩ / ٢٦٤.

٤٦٤

أكبر منه في الأرض ، فإنّه لمكتوب عن يمين عرش الله : مصباح هدى وسفينة نجاة ..)(٥٧٩) .

وقد إستبشر أهل السماء بهذا النصر الذي حققه الحسين عليه السلام من أجل الدين والعقيدة ، وقد بَشّرَه النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم بذلك في سحر يوم عاشوراء ، حينما رآه : (ثم أني رأيت بعد ذلك جدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومعه جماعة من أصحابه وهو يقول لي : يا بني ، أنت شهيد آل محمد ، وقد إستبشر بك أهل السموات وأهل الصفيح الأعلى ، فليكن إفطارك عندي الليلة ، عَجّل ولا ت}خِّر ، فهذا ملك قد نزل من السماء ليأخذ دمك في قارورة خضراء ..)(٥٨٠) .

٢ ـ شكاية النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لربه عَزّ جَلّ :

مما تقدم نستفيد أنّ صعود الدم إلى الخلد ، وإضطراب أظلة العرش ، وبكاء أهل السماء وبقية الخلائق ، دليل على عظم الجريمة ، وشكاية النبي صلى الله عليه وآله وسلم لربه على من إقترفها ، ومن الشواهد على ذلك ما يلي :

١ ـ روى ابن عساكر ، بإسناده عن علي بن زيد بن جدعان ، قال : (إستيقظ ابن عباس من نومه فاسترجع وقال : قتل الحسين والله ، فقال له أصحابه : كَلّا يا ابن عباس كَلّا ، قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ومعه زجاجة من دم ، فقال : ألا تعلم ما صنعت أمتي بعدي؟! قتلوا ابني الحسين وهذا دمه ، ودم أصحابه أرفعه إلى الله عَزّ وجَلّ. قال : فكتبت ذلك اليوم الذي قال فيه ، وتلك الساعة ـ قال ـ : فما لبثوا إلا أربعة

__________________

(٥٧٩) ـ المجلسي ، الشيخ محمد باقر : بحار الأنوار ، ج ٢٦ / ٢٠٤ ـ ٢٠٥.

(٥٨٠) ـ نفس المصدر ، ج ٤٥ / ٣.

٤٦٥

وعشرين يوماً حتى جاءهم الخبر بالمدينة ، أنّه قتل ذلك اليوم ، وتلك الساعة)(٥٨١) .

٢ ـ ذكر السيد المقرّم (ره) : «ولما ضعف عن القتال ، وقف يستريح فرماه رجل بحجر على جبهته فسال الدم على وجهه ، فأخذ الثوب ليمسح الدم عن عينيه ، رماه آخر بسهم محدد له ثلاث شعب وقع على قلبه ، فقال : بسم الله وبالله ، وعلى مِلّة رسول الله ، ورفع رأسه إلى السماء وقال : إلهي إنك تعلم إنهم يقتلون رجلاً ليس على وجه الأرض ابن بنت نبي غيري!! ثم أخرج السهم من قفاه وانبعث الدم كالميزاب ، فوضع يده تحت الجرح فلما إمتلأت رمى به نحو السماء وقال : هَوّن عليّ ما نزل بيّ أنّه بعين الله ، فلم يسقط من ذلك الدم قطرة إلى الأرض ، ثم وضعها ثانياً ، فلما إمتلأت ؛ لطخ به رأسه ووجهه ولحيته ، وقال : هكذا ألقى الله وجدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأنا مخضب بدمي ، وأقول : يا جدي قتلني فلان وفلان»(٥٨٢) . هذه بعض الشواهد التي ذكرها الخاصة والعامة ، ولكن بعد ذكر هذه الشواهد ، نقول : ما السِّر في إتفاق الروايات على قضية الدم؟ هل لمحض الإتفاق والصدفة ، أم لشيء آخر؟

من تأمل في ذلك ، إتضح له ما ورد في الزيارة : (أَشْهَدُ أَمَّ دَمَكَ سَكَنَ فِي الْخُلْدِ) ، وخلاصة ما توصلنا إليه هو ما يلي :

أولاً ـ إنّ صعود الدم إلى السماء وسكناه في الخلد ، هو شكاية من الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم إلى الباري عَزّ وجَلّ ، كما ذكرنا في الشواهد السابقة.

__________________

(٥٨١) ـ الميلاني ، السيد محمد هادي : قادتنا كيف نعرفهم ، ج ٦ / ١٣٠ ـ ١٣١ (عن البداية والنهاية ، ج ٨ / ٢٠٠).

(٥٨٢) ـ المقرّم ، السيد عبد الرزاق : مقتل الحسين / ٢٧٨ ـ ٢٧٩.

٤٦٦

ثانياً ـ إنّ الدم لم يسكن في الأرض كعادته ، بل سكن في الخلد ، وما زال يضطرب ويفور حتى إقشعرت له أظلة العرش ، فبكى له سكان السماوات وترتب على ذلك إستنكار الخلائق بأجمعها على هذه الجريمة النكراء ، فهي شهود عيان على كل ذلك ، فإنتشار الدم في الأفق وفوق الأشجار وتحت الأحجار ، نتيجة للدم الذي سكن الخلد ، وغضب الباري عَزّ وجَلَ ، لشكاية النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

٤٦٧
٤٦٨

معجم المفردات

٤٦٩
٤٧٠

وردت في هذا الجزء من موسوعة (تربة الحسين دراسة وتحليل) ، بعض المفردات التي تحتاج إلى إيضاح ، ورتبناها حسب الحروف الهجائية كالتالي :

الحـ أ ـ رف

إجّانَة :

الإجانة ، جمع أجَاجِين : إناء تُغْسَل فيه الثياب. أو جَرّة كبيرة ، أو موقع الماء تحت الشجرة.

ومنه : (يجب على العامل تنقية الأجاجين ؛ أي ما يحوط حول الأشجار. راجع : منجد اللغة / ٤ ومجمع البحرين ج ٦ / ١٩٧).

إدّا :

الأديد : الجَلَبَة ، من قولهم : أدّت الناقة تَئِدُّ ؛ أي رجعت حنينهاً ترجيعاً شديداً. والمراد به في قوله تعالى :( لَّقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا ) [مريم / ٨٩]. الأمر المنكر يقع فيه جَلَبَة. راجع : المفردات في قريب القرآن ، ج ١ / ١٦.

أسَنَ :

يقال : أسَنَ الماء يأسُنُ ؛ وآسِنُ يأسن إذا تغير رَيحُه تَغيُّراً مُنكَراً ، وماء آسِنٌ ، قال تعالى :( مَّاءٍ غَيْرِ آسِنٍ ) [محمد / ١٥]. وأسَنَ الرجل مرض من أسَنَ الماء إذا غُشيَ عليه ، قال الشاعر :

«يَمِيدُ في الرُّمح مَيْدَ المَائِح الأسِنِ». وقيل : تأسّنَ الرّجُلُ إذا إعْتَلْ تشبيهاً به. راجع : المفردات في غريب القرآن ، ج ١ / ٢١ ـ ٢٢.

٤٧١

الحـ ب ـ رف

بَحْر الخَزَر :

وهو بحر طبرستان وجُرْجَان ، وآبسكون كلها واحد ، وهو بحر واسع عظيم لا إتصال له بغيره. ويسمى أيضاً : الخراساني والجيلي ، وربما سمّاه بعضهم : الدًّوّاره الخراسانية ، وقال الإصطخري : وأما بحر الخزر ؛ ففي شرقيه : بعض الديلم ، وطبرستان ، وجرجان ، وبعض المفازة التي بين جرجان وخوارزم. وفي غريبه : اللان من جبال القبق إلى حدود السرير ، وبلاد الخزر ، وبعض مفازة الغُزية. وشماليه : مفازة الغزية ـ وهم صنف من الترك بناحية سياه كوه ـ ، وجنوبيه : الجبل وبعض الديلم. وبحر الخزر ليس له إتصال بشيء من البحور على وجه الأرض ، فلو أنّ رجلاً طاف بهذا البحر ؛ لرجع إلى الموضع الذي إبتدأ منه ، لا يمنعه مانع إلا أن يكون نهر يصب فيه ، وهو بحر ملح لا مَدّ فيه ولا جَزْر ، وهو بحر مظلم قعره. راجع : معجم البلدان ، ج ١ / ٣٤٢.

الخَزَر :

شعب تتاري عاش حول بحر قزوين ـ الذي يعرف أيضا بسبب من ذلك بـ(بحر الخزر) ـ ، وفي سفوح جبال القوقاز ، من حوالي العام (١٩٠) للميلاد إلى العام (١١٠٠ م). وقد أنشأ الخزر إمبراطورية تجارية بلغت أوج قوتها في النصف الثاني من القرن الثامن ، عندما إمتدت من نهر دينبر غرباً إلى نهر الغولفا الأدنى وبحر قزوين شرقاً. وفي منتصف الثامن تَهَوّد كثير من الخزر على أيدي اليهود الذين غادروا القسطنطينية آنذاك هرباً من الإضطهاد. راجع : موسوعة المورد العربية. ج ١ / ٤٦٤.

٤٧٢

الحـ ج ـ رف

جامعة غَنْت :

جامعة حكومية في بلجيكا ، وسميت بهذا الإسم نسبة إلى المدينة الواقعة فيها (غَنْت) ، وتقع هذه المدينة على بعد حوالي ٥٠ كم شمال غربي مدينة بروكسل ، في الجزء الذي يتحدث اللغة الهولندية ، عند ملتقى نهري شيلدي وليبه ، وهي ميناء مهم ، حيث تربط قناة حفرت في عام (١٨٨٦ م) المدينة ببحر الشمال أصبحت غَنْت مدينة مهمة في العصور الوسطى ، وبلغت قمة الأهمية في القرن الخامس عشر الميلادي ، إلا أنّ الثورات والحروب فرقت المدينة عدة مرات بعد ذلك ، وقد إحتلها الأسبان ، والفرنسيون والنمساويون في فترات مختلفة قبل إستقلال بلجيكا. كما إحتلت القوات الألمانية مدينة غنت في الحربين العالميتين الأولى والثانية. وقعت فيها معاهدة بين بريطانيا والولايات المتحدة عام (١٨١٤ م) إتفقتا بموجبها على حَلّ المنازعات بينهما سلمياً. راجع : الموسوعة العربية العالمية ، ج ١٧ / ١٢٣ ، وج ٥ / ٧٠.

جَرْجَرَايا :

بلد من أعمال النهروان الأسفل ، بين واسط وبغداد من الجانب الشرقي ، كانت مدينة وخربت مع ما خرب من النهروانات ، وقد خرج منها جماعة من العلماء والشعراء والكتاب والوزراء ، ولها في الشعر كثير ؛ قال ابزون العَمّاني :

ألا يا حَبّذا يوماً جَرَرْنا

دُيُولَ اللّهوُ فيه بَجْر جَرَايا

راجع : معجم البلدان ، ج ٢ / ١٢٣.

٤٧٣

الحـ ح ـ رف

الحِسّ المشترك :

هو القوة التي ترتسم فيها صور الجزئيات المحسوسة ، فالحواس الخمسة الظاهرة ، كالجراسيس لها ، فتطلع عليها النفس من ثَمة فتدركها ، ومحله مقدم التجويف الأول من الدماغ. كأنّها عين تنشعب منها خمسة أنهار. راجع التعريفات للجرجاني.

حُقّة ذهب :

الحُقّة : جمع حُقّ وحُقّق وحِقَاق : الوعاء الصغير. راجع : منجد اللغة / ١٤٤. والحُقُ والحُقّة ، بالضم : معروفة ، هذا المنحوت من الخشب والعاج وغير ذلك مما يصلح أن ينحت منه ، عربي معروف قد جاء في الشعر الفصيح ، ومنه قول عمرو بن كُلْثُوم :

وثَدْيَاً مثلَ حُقّ العاجِ رخصاً

حِصاناً من أكُفّ اللامِسيسِنا

قال الجواهري : والجمع حُقّ وحُقَقٌ وحِقَاقٌ ؛ قال ابن سيدة : وجمع الحُقّ أحْقَاقٌ وحِقَاقٌ ، وجمع الحُقّة حُقَقَ ، وقال رؤبة : (سَوّى مساحِيهنَّ تَقْطِيطَ الحُقَقْ). صف حوافر حمر الوحش أي أنّ الحجارة سَوّت حوافرها كأنّما قُطِطَتْ تَقْطِيطَ الحُقَقِ. راجع : لسان العرب ، ج ١٠ / ٥٦.

حَمَأ مَسْنُون :

الحمأة والحمأ : طين أسود منتن. والمسنون : الذي أسن وتغير ، وهو صفة للحمأ. ويقول العلم الحديث : أنّ نشأة الحياة كانت من الطين الآسن طين المستنقعات التي تتصاعد منه الغازات الكريهة الرائحة. وهي غاز الميثان Methane ، وترى صورة ضخمة في قاعة المتحف الطبيعي بلندن تصور كيف

٤٧٤

تطورت هذه لتكون البروتينات ، وأهمها الحامض النووي الذي به سر الحياة راجع : المفردات في غريب القرآن ، ج ١ / ١٧٥. وخلق الانسان بين الطب والقرآن / ١٧.

الحـ خ ـ رف

خَضِلَ :

نَدِيّ وإبتَلّ وإخْضَلّت لحيته ؛ أي إبتلّت. راجع : منجد اللغة / ١٨٣.

الخطبة القَاصِعَة :

قال ابن ابي الحديد : «ومن الناس من يسمي هذه الخطبة بالقاصعة ، وهي تتضمن ذمّ إبليس لعنه الله ، على إستكباره وتركه السجود لآدم عليه السلام ، وأنّه أول من أظهر العصبية وتبع الحمية وتحذير الناس من سلوك طريقته.

يجوز أن تسمى هذه الخطبة (القاصعة) من قولهم : قصعت الناقة بجِرّتها ، وهو : أن تردها إلى جوفها ، أو تخرجها من جوفها فتملأها ، فلما كانت الزواجر والمواعظ في هذه الخطبة مرددة من أولها إلى آخرها ، شبهها بالناقة التي تقصع الجِرّة ، وتجوز أن تسمى القاصعة ؛ لأنّها كالقاتلة لإبليس وأتباعه من أهل العصبية ، من قولهم : قَصَعَتْ القملةُ إذا هَشَمْتَها وقتلتها. ويجوز أن تسمى القاصعة ؛ لأنّ المستمع لها المعتبر بها يذهب كبره ونحوته ، فيكون من قولهم : قصع الماء عطشه ؛ أي أذهبه وسكنه ، قال ذو ال رمة بيتاً في هذا المعنى :

فانْصَاعَتْ الحُقْبُ لَم تقْصَعْ صَرَائِرَها

وقد تشحّ فَلَا رِيّ ولا هِيمُ

الصّرائر : جمع صريرة ، وهي العطش (والحقب : الحمر الوحشية ، وإنصاعت : ذهبت هاربة».

٤٧٥

وتجوز أن تسمى القاصعة ؛ لأنّها تتضمن تحقير إبليس وأتباعه وتصغرهم ، من قولهم : قصعت الرجل إذا إمتهنتَه وحَقّرتَه ، وغلام مقصوع ؛ أي قمئ لا يَشِبّ ولا يزداد).

راجع : شرح ابن ابي الحديد ، ج ١٣ / ١٢٧ ـ ١٢٨.

الحـ د ـ رف

دُرِّي اللون :

الدُرِّي : نسبة إلى الدُرّ في صفائه وحسنه وبياضه ، ولذا يقال : دُرِّي السيف : تلألؤه وإشراقه.

راجع : لسان العرب ، ج ٤ / ٢٨٢.

الحـ ذ ـ رف

دَرَارِينَا :

الذُرّية : فُعْلِية ؛ وهي منسوب إلى الذُرّ الذي هو النمل الصغار. وذُرِّيةُ الرجل : ولده ، والجمع الذّرَارِي والذُّرّيّات. إسم تجمع نسل الإنسان من ذكر وانثى ، وأصلها الهمز لكنهم حذفوها فلم يستعملوها إلا غير مهموزة. راجع : لسان العرب ، ج ٤ / ٣٠٤.

الحـ ر ـ رف

الرِكَاز :

إختلف أهل العراق والحجاز في معناه ؛ فقال أهل العراق : الركاز ، المعادن كلها.

وقال أهل الحجاز : المدفون خاصة مما كنزه بنو آدم قبل الإسلام ، والقولان يحتملهما أهل اللغة : لأنّ كُلاً منهما مركوز في الأرض ، أي ثابت ، يقال :

٤٧٦

ركزه ركزاً ؛ إذا دفنه ، وإنما كان فيه الخمس ؛ لكثرة نفعه وسهولة أخذه. وفي الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ـ وقد سئل ، وما الركاز؟ ـ فقال : (الذهب والفضة ، الذي خلقه الله في الأرض يوم خلقه). راجع : مجمع البحرين ، ج ٤ / ٢١.

الرُّهَيْمَة :

بلفظ التصغير لرهمة. ضيعة قرب الكوفة. وقيل : عين بعد خَفيَّة بثلاثة أميال إذا أردت الشما من الكوفة. راجع مراصد الإطلاع ، ج ٢ / ٦٤٥.

رَيْن :

الرّيْن : الطبع والدنس. والحجاب الكثيف ، والصدأ الذي يعلو السيف والمرآة ، وقد جمعت هذه المعاني في قوله تعالى :( كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ ) [المطففين / ١٤].

أي غلب على قلوبهم كسب الذنوب ، كما يرين الخمر على عقل السكران. ورانت نفسه ترين : خبثت.

راجع : مجمع البحرين ، ج ٦ / ٢٥٩ ، ولسان العرب ، ج ١٣ / ١٩٢.

الحـ س ـ رف

سُعْد :

السُعْد : نبتة عشبية معمرة تنمو إلى إرتفاع مترين. ذات عقد منتفخة ، الساق أسطوانية مثلثة الزوايا أحياناً ، تكون عند قاعدة النبات أغماد ورقية كبيرة ، ينتمي النبات إلى جنس السعد ، التابع للفصيلة السعدية ، وهو جنس يحتوي على ٦٠٠ نوع. منتشرة في المناطق الإستوائية والدافئة. لبعض هذه الأنواع درنات تؤكل وتوضع في العطور ، وأشهر أنواع هذا الجنس نبات البردي.

٤٧٧

تضم الفصيلة ١١٠ جنساً و ٣٦٠٠ نوع. راجع : الموسوعة العربية العالمية ، ج ٢٥ / ١٣٥.

السُوْفِسْطَائِيّون :

السَفْسَطَة : أصل هذا اللفظ في اليونانية (سوفيسما) ، وهو مشتق من لفظ (وفوس) ومعناها الحكيم والحاذق. والسفسطة عند الفلاسفة : هي الحكمة المموهة. وعند المنطقتيين : هي القياس المركب من الوهميات ، الغرض منه تغليط الخصم وإسكاته ، وقيل أيضا : أنّ السفسطة قياس ظاهره الحق وباطنه الباطل ، ويقصد به خداع الآخرين ، أو خداع النفس ، فإذا كان القياس كاذباً ، ولم يكن مصحوباً بهذا القصد لم يكن سفسطه ، بل كان مجرد غلط أو إنحراف عن المنطق. والسوفسطائي : هو المنتسب إلى السفسطة ، تقول : فيلسوف سوفسطائي ونظرية سوفسطائية. وقد اُطلق هذا اللفظ في الأصل على الحاذق في الخطابة أو الفلسفة ، ثم اُطلق بعد ذلك تبذلاً على كل دجال مخادع.

راجع : المعجم الفلسفي ، ج ١ / ٦٥٨ ـ ٦٥٩.

الحـ ش ـ رف

شَاحِبَاً باكياً :

شَحَبَ لونه : تغير من جوع أو مرض ونحوهما ، فالشاحب : المهزول ، أو المتغير اللون أو نحو ذلك.

راجع : المنجد في اللغة / ٣٧٦.

٤٧٨

الحـ ص ـ رف

ألواح الصَلْصَال :

اللَوْح : جمع ألواح : كل صفيحة عريضة خشباً كانت أو عظماً أو غيرهما. المنجد / ٧٣٨.

الصَلْصَال :

الطين اليابس الذي يصل من يسبه ؛ أي يصوت. وكان البابليون وغيرهم من الحضارات القديمة يستخدمون ألواح الصلصال للكتابة المسمارية وثائق لهم. راجع : المنجد في اللغة / ٤٣٠. والموسوعة العربية العالمية ، ج ١٩ / ١٢١.

الصِيرّان :

الصَوْر ، جمع صَيْرَان وأصْوَار : الرائحة الطيبة ، أو القليل من المسك ، أو وعاء المسك ، فعلى هذا كأنه أراد تشبيه البعر بنافجة المسك. وقد ورد في صفة الجنة : وترابها الصِوَار ، يعني المسك ، وصِوَار المسك : نافجته ، والجمع أصورة. وأصورة المسك نافقاته ، راجع : لسان العرب ، ج ٤ / ٤٧٦.

والصّوْر :

جماعة النخل الصغار ، ويقال لغير النخل من الشجر : صَوْر وصِيْرَان. وذكره كثير.

وقيل : المجتمع من النخل الصغر. راجع : لسان العرب ، ج ٤ / ٤٧٥.

الحـ ع ـ رف

عِجَاف :

العِجَاف : الإبل التي بلغت في الهزال النهاية. جمع أعجف ، والأعجف : المهزول ، والأنثى عَجْفَاء والجمع عِجَاف على غير قياس.

٤٧٩

قال الجوهري : لأنّ أفْعَل فَعْلَاء لا يجمع على فِعَال ، ولكنهم بنوه على سِمَان ، والعرب قد تبني الشيء على ضده. راجع : مجمع البحرين ، ج ٥ / ٩٢.

الحـ غ ـ رف

غواليبور :

إمارة سابقة في الجزء الشمالي من وسط الهند تشكل اليوم جزءاً من ولاية مَدْيابرادش ، يرقى تاريخها إلى القرن الخامس للميلاد سكانها ٤٥٠٠٠٠٠ نسمة. راجع : موسوعة المورد ، ج ٢ / ٨١٢.

فُسَيْفِسَاء :

شكل من أشكال الفن ، حيث تنتظم فيه قطع صغيرة من الزجاج الملون ، أو الحجارة ، أو أي مادة أخرى ملونه معاً بالملاط. ويطلق عليه أيضا الموزاييك. والقطع الصغيرة ، وهي تسمى تَسّرا ، تركب معاً بحيث تكون صورة. ومعظم الفسيفساء يستخدم في تزيين السقوف ، والأرضيات والجدران الداخلية ، ولكن بعضه يستخدم لأسطح خارجية مثل الأرصفة والجدران الخارجية ، وربما كان سكان بلاد ما بين النهرين ، قد صنعوا الفسيفساء منذ ثلاثة آلاف سنة قبل الميلاد.

وعلى أي حال ، فإنّ الإستخدام الواسع للفسيفساء بدأ منذ القرن الرابع قبل الميلاد في مناطق كان يحكمها اليونانيون ، وفيما بعد نقل اليونانيون تصميم الفسيفساء إلى الرومانيين الذين توصلوا إلى طريقتهم الخاصة في هذا الفن ، فيما بين القرنين الثاني والثالث الميلاديين ، وقد نشر الرومان فن الفسيفساء في أرجاء الإمبراطورية الرومانية. راجع الموسوعة العربية العالمية ، ج ١٧ / ٣٦٥.

٤٨٠

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554