تربة الحسين عليه السلام الجزء ٣

تربة الحسين عليه السلام7%

تربة الحسين عليه السلام مؤلف:
الناشر: دار المحجّة البيضاء
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 554

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 554 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 41316 / تحميل: 4274
الحجم الحجم الحجم
تربة الحسين عليه السلام

تربة الحسين عليه السلام الجزء ٣

مؤلف:
الناشر: دار المحجّة البيضاء
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

ثالثاً ـ عقوبة وحرمان

١ ـ سالم العراقي

٢ ـ موسى بن عيسى الهاشمي

٣ ـ الرجل الذي أحدث على قبر الحسين

٤ ـ الصوفية

٥ ـ السامرائي

٨١
٨٢

تمهيد :

إنّ من أفض الطرق إلى الله عَزّ وجَلّ الوسيلة ، وقد حَثّ عليها القرآن الكريم في قوله :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ ) [المائدة / ٣٤].

إذن ، الوسلة مما عليه الشرع والعقل ، وخير وسيلة إليه عَزّ وجَلّ هم محمد وآله الأطهار ، لأنّهم عباد مكرمون ، إصطفاهم على خلقه ، وجعلهم حججاً على بريته ، وإلى هذا يشير قول ا لشاعر :

وإذا الرجال توسّلوا بوسيلة

فوسيلتي حُبّي لآل محمد

الله طَهّرَهم بفعل نبيِّهِ

وأبَانَ شِيعتَهم بطيب المولد(٨٥)

وقد جهل ذلك قوم وأنكروه ، فحرمهم الله من بركات ذلك ، وممن حُرِمُوا من تلك الخيرات والبركات أهل النفاق ، فقد روي : «أنّ أمير المدينة شكى إلى الإمام الصادق (عليه السلام) وجعاً يجده في جوفه ، فعلّمه (عليه السلام) ما يزيل عنه ذلك ، فاعترض على الإمام رجل من أهل المدينة من الهمج الرَّعَاع وقال : فعلنا هذا ـ يعني ما وصفت ـ فلم ينفعنا. فقال (عليه السلام) : إنما ينفع الله بهذا أهل الإيمان ، والتصديق برسوله ، ولا ينتفع به أهل النفاق ...»(٨٦) .

وبعد هذا التمهيد نذكر بعض القصص المتعلقة بذلك كالتالي :

١ ـ سالم العراقي :

الحسين بن محمد الأزْدِي ، عن أبيه قال : «صَلّيت في جامع المدينة وإلى جانبي رجلان على أحدهما ثياب السفر ، فقال أحدهما لصاحبه : يا فلان أما

__________________

(٨٥) ـ الرضوي ، السيد محمد الرضي : التحفة الرضوية / ٢٠٩.

(٨٦) ـ نفس المصدر / ١٣٠ ـ ١٣١.

٨٣

علمت أنّ طين قبر الحسين عليه السلام شفاء من كل داء؟ وذلك أنّه كان فيّ وجع الجوف ، فتعالجت بكل دواء فلم أجد فيه عافية ، وخفت على نفسي وأيست منها ، وكانت عندنا إمرأة من أهل الكوفة عجوز كبيرة ، فدخلت عليّ وأنا في أشد ما بي من العلّة ، فقالت لي : يا سالم ، ما أرى عليك عِلّتكَ إلا كلّ يوم زائدة ، فقلت لها : نعم. فقالت : فهل لك أن نعالجك فتبرأ بإذن الله عَزّ وجَلّ؟ فقلت لها : ما أنا إلى شيء أحوج مني إلى هذا. فسقتني ماء في قدح ، فسكنت عني العِلّة وبرئت حتى كأن لم يكن في عِلّة قط.

فلما كان بعد أشهر دخلت عَليّ العجوز ، فقلت لها : بالله عليك يا سلمة ـ وكان إسمها سلمة ـ بماذا داويتني فقال : بواحدة مما في هذه السبحة ، من سبحة كانت في يدها ، فقلت : وما هذه السبحة؟

فقالت : إنّها من طين قبر الحسين عليه السلام. فقلت لها : يا رَافضِيّة داويتني بطين قبر الحسين عليه السلام؟! فخرجت من عندي مغضبة ورجعت والله عِلتِي كأشدّ ما كانت ، وأنا أقاسي منها الجهد والبلاء ، وقد والله خشيت على نفسي ، ثم أذّن المؤذّن فقاما يصليان وغابا عني»(٨٧) .

٢ ـ موسى بن عيسى الهاشمي :

«عن محمد بن موسى الشريعي ، عن أبيه موسى بن عبد العزيز قال : لقيني يوحنا ابن سراقيون النصراني المتطبب في شارع أبي أحمد فاستوقفني وقال لي : بحق نبيك ودينك من هذا الذي يزور قبره قوم منك بناحية قصر ابن هبيرة؟ من هو؟ من أصحاب نبيك؟ قلت : ليس من أصحابه ، هو ابن بنته ، فما دعاك إلى المسألة لي عنه؟ فقال له : عندي حديث طريف. فقلت : حدثني به.

__________________

(٨٧) ـ المجلسي ، الشيخ محمد باقر : بحار الأنوار ، ج ٤٥ / ٣٩٩.

٨٤

فقال : وَجّه إليّ سَابُور الكبير الخادم الرشيدي في الليل فصرت إليه فقال : تعال معي ، فمضى وأنا معه حتى دخلنا على موسى بن عيسى الهاشمي فوجدناه زائل العقل متكئاً على وساده ، وإذا بين يده طست فيه حشو جوفه ، وكان الرشيد إستحضره من الكوفة.

فأقبل سَابُور على خادم كان من خَاصّة موسى فقال له : ويحك ما خبره؟ فقال له أخبرك إنّه كان من ساعته جالساً وحوله ندماؤه ، وهو من أصح الناس جسماً وأطيبهم نفساً ؛ إذ جرى ذكر الحسين بن علي عليه السلام قال يوحَنّا : هذا الذي سألتك عنه. فقال موسى : إنّ الرافضة ليغلون فيه حتى أنّهم فيما عرفت يجعلون تربته دواء يتداوون به ، فقال له رجل من بني هاشم كان حاضراً : قد كانت فيّ عِلّة غليلة ، فتعالجت لها بكل علاج فما نفعني حتى وصف لي كاتبي أن خذ من هذه التربة ، فأخذتها فنفعني الله بها وزال عني ما كنت أجده. قال : فبقي عندك منها شيء؟ قال : نعم ، فوجّه فجاءه منها بقطعة فناولها موسى بن عيسى ، فأخذها موسى فاستدخلها دبره إستهزاء بمن تداوى بها ، وإحتقاراً وتصغيراً لهذا الرجل الذي هي تربته ـ يعني الحسين عليه السلام ـ فما هو إلا أن إستدخلها دبره ، حتى صاح : النار النار ، الطست الطست. فجئناه بالطست فأخرج فيها ما ترى. فانصرف الندماء ، وصار المجلس مأتماً فأقبل عليّ سابور فقال : إنظر هل لك فيه حيله؟ فدعوت بشمعة فنظرت ، فإذا كبده وطحاله وريته وفؤاده خرج منه في الطست ، فنظرت إلى أمر عظيم ، فقلت : ما لأحد في هذا صنع إلا أن يكون لعيسى الذي كان يحيي الموتى ، فقال لي سابور : صدقت ولكن كن ههنا في الدار إلى أن يتبين ما يكون من أمره ، فبتُّ عندهم وهو بتلك الحال ما رفع رأسه ، فمات في وقت السحر. قال محمد بن موسى :

٨٥

قال لي موسى بن سريع : كان يُوحَنّا يزور قبر ال حسين وهو على دينه ، ثم أسلم بعد هذا وحسن إسلامه»(٨٨) .

٢ ـ الرجل الذي أحدث على قبر الحسين (عليه السلام) :

«كتابي ابن بطة والنطنزيّ : روى عبد الرحمان بن احمد بن حنبل ، بإسناده عن الأعمش قال : أحدث رجل على قبر الحسين عليه السلام ، فأصابه وأهل بيته جنون وجذام وبرص ، وهم يتوارثون الجذام إلى الساعة»(٨٩) .

٤ ـ الصوفية :

قال السيد نعمة الله الجزائري (قده) : «واعلم أنّ مشايخ الصوفية إنما يستعملون سبحة الخشب إقتداء بأسلافهم من صوفية أهل الخلاف ، وسألت : شيخاً منهم عن إستعمال سبحة الخشب فقال : إنّها أخف وأنظف من التربة الحسينية ؛ لأنها توسخ اليد ، مع أنّها ثقيلة في الوزن. وقد عميت بصيرته عن أن وسخ السبحة الحسينية ، إنما هو عنبر إلهي خرج من تربة حسينية. أما أنا فأكثر إستعمالي السبحة الحسينية قبل الطبخ لقربها إلى ترابه عليه السلام ، وتمحضها له ، وأما المطبوخة ؛ فقال بعضهم : إنّها تستحيل بالطبخ وتخرج عن التراب ، ولا ريب أنّها أفضل من المطبوخة والكل حسن»(٩٠) .

٥ ـ السامرائي :

قال عبد المنعم السامرائي : «ونتيجة هذا التفضيل ، فإنّ الرافضة جعلت من تربة قبر ال حسين الشفاء من كل داء ، وإنهم يتداوون بها ، ولها من المنزلة

__________________

(٨٨) ـ المجلسي ، الشيخ محمد باقر : بحار الأنوار ، ج ٤٥ / ٣٩٩ ـ ٤٠١.

(٨٩) ـ نفس المصدر / ٤٠١.

(٩٠) ـ الجزائري ، السيد نعمة الله : زهر الربيع / ٣٠٣.

٨٦

الشيء الكثير ، ولقد رأيت أثناء زيارتي لكربلاء في شعبان ١٤١٠ هـ ، التزاحم الكثير حول قبر الحسين (رضي الله عنه) ، ورأيت بعض القبوريين يجمع التراب عند قبره (رضي الله عنه) ، فسألته عن سبب هذا الإهتمام ، فأخبرني بأنّ هذا التراب شفاء من كل داء. فقتل له : إذا كان العلاج يتم بواسطة هذا التراب ، فلماذا المستشفيات والمراكز الصحية المفتوحة لعلاج الناس؟ فنظر إليّ نظرة ملؤها الإنكار والإستخفاف وقال لي : يبدو أنك من غير الشيعة. فأجبته ـ بعد حمد الله تعالى ـ أنني لست كذلك. ونضع بين يدي القراء الكرام نماذج من تلك المرويات التي تقدس تلك التربة. مقترحين على وزارة الصحة في العراق ، وأيضاً إيران وبعض دول الخليج العربي ، إغلاق المستشفيات وكليات الطب والإكتفاء بهذه التربة العجيبة والغريبة»(٩١) .

وقال أيضاً : «ولا نملك إلا أن نقول : ما هي الطريقة المثلى لحفظ بركة هذا الطين؟ لأنّ الرافضة في عصرنا الحاضر إمتلأت أمعاءهم من ذلك الطين ، وهم مع ذلك فالمستشفيات تَغصّ بهم ، إنّ راوي هذا الإفك نسي أن يذكر تلك الطريقة ؛ لأنّ الواقع يدحض كذبه وافتراءه ، وهنيئاً للرافضة بذلك الطين المبارك. إستزيدوا قَطّع الله أمعاءكم»(٩٢) .

وقال أيضاً : «وهذه الرواية مخالفة لإعتقاد الرافضة في مسألة الطين الذي يؤكل ، فقد وردت روايات متعددة تجعل من أكل الطين من غير قبر الحسين (رضي الله عنه) ، ويزعمون أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من أكل الطين فهو ملعون ، وأيضاً : (الطين كله حرام كلحم الخنزير ، ومن

__________________

(٩١) ـ السامرائي ، عبد المنعم : الرافضة وتفضيل زيارة قبر الحسين / ١٨ ـ ١٩.

(٩٢) ـ نفس المصدر / ٢٥ ـ ٢٦.

٨٧

أكله ثم مات منه لم أصلِّ عليه ، إلا طين قبر الحسين (عليه السلام) فإنّ فيه شفاء من كل داء ، ومن أكله لشهوة لم يكن فيه شفاء ، وغير ذلك من الروايات المكذوبة المتناقضة ، أعرضنا عنها خشية الإطالة ، وألى الله تعالى إلا أن يظهر كذبهم ودجلهم»(٩٣) .

مناقشة المؤلف للسامرائي :

أقول : بعد عرض مقالة السامرائي المتقدمة ؛ ينبغي إيضاح ما يلي :

إنّ الدكتور عبد المنعم السامرائي يحمل شهادة جامعية عُليا ، والمعروف عن هذا الصنف من الناس سعة الثقافة ، والتحلي بالأخلاق الفاضلة ، وفي حالة الحوار مع الآخرين يتحدث بمنطق الدليل العلمي ، لكن مما يؤسف له نلاحظ أنّ الشخص المذكور ؛ خرج عن لغة الحوار العلمي واعتمد لغة العصبية ، فقد قرأت كتابه (الرافضة وتفضيل زيارة الحسين على حج بيت الله الحرام) ، فرأيت فيه لغة عامة الناس في الأسواق والشوارع العامة؟! حيث يقول في مقدمة كتابه المذكور : «إنّ مخطط الرافضة في هدم الإسلام نابع من الأسس التي بني عليها ، حيث إنّه خليط من الأحقاد اليهودية والنصرانية والمجوسية ، ولا يهدأ لهم بال إلا بعد أن يقضوا على هذا الدين الذي أضاع أمجادهم وقضى على تراثهم»(٩٤) . إلى أن قال : «فتمحض هذا الأسلوب عن مولود جديد لقيط ألا وهو التشيع فكان هذا المولود باراً بآباه فنفّذ ما رُسِمَ له بإتقان»(٩٥) .

__________________

(٩٣) ـ المصدر السابق / ٢٨ ـ ٢٩.

(٩٤) ـ نفس المصدر / ٦.

(٩٥) ـ نفس المصدر.

٨٨

أقول : وبعد عرض مقالته ؛ تبين لنا أنّه لو كان يملك روح الثقافة والبحث ؛ لما تعدى على أتباع أهل البيت عليهم السلام الذين مدحهم القرآن الكريم في قوله تعالى :( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَـٰئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ) [البينه / ٧].

قال السيوطي : «وأخرج ابن عدي عن ابن عباس قال لما نزلت قال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لعلي : هو أنت وشيعتك يوم القيامة راضين مرضيين».

وأخرج ابن مردويه ، عن علي قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ألم تسمع قول الله :( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَـٰئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ) أنت وشيعتك ، موعدي وموعدكم الحوض إذا جاءت الأمم للحساب تدعون غرّا محجلين»(٩٦) . إلى غير ذلك من الروايات التي ذكرها علماء العامة في كتبهم في فضل الشيعة. ثم بعد هذا التمهيد ندخل معه في الحوار التالي :

أولاً ـ إنّ قولك : «إذا كان العلاج يتم بواسطة هذا التراب ، فلماذا المستشفيات والمراكز الصحية المفتوحة لعلاج الناس؟».

يجاب عليه : بأنّ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم حَثّ على الإستشفاء بتربة المدينة في قوله (غبار المدينة شفاء من الجذام)(٩٧) . وقوله (إنّ في غبارها شفاء من كل داء)(٩٨) ، إلى غير ذلك من الروايات التي ذكرها علماء العامة في كتبهم ، وقد أشرنا إلى ذلك في الجزء الأول من هذه الموسوعة. وعلى هذا يمكن القول : فلماذا

__________________

(٩٦) ـ السيوطي ، جلال الدين عبد الرحمن : الدر المنثور ، ج ٧ / ٥٨٩.

(٩٧) ـ المتقي الهندي ، علاء الدين : كنز العمال ، ج ١٣ / ٢٠٥ ، والسمهودي ، السيد نور الدين : وفاء الوفا ، ج ١ / ٦٧ ـ ٦٨.

(٩٨) ـ نفس المصدر.

٨٩

المستشفيات والمراكز الصحية المفتوحة لعلاج الناس ، مع علم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بذلك يا دكتور؟!

قانياً ـ قولك : «ولا نملك إلا أن نقول : ما هي الطريقة المثلى لحفظ بركة هذا الطين؟ لأنّ الرافضة في عصرنا الحاضر إمتلأت أمعاءهم من ذلك الطين الخ».

يجاب عنه : ماذا نصنع وقد روى علماؤكم كيفية إهتمام الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم بهذه التربة الطاهرة حسب تعليمات وأوامر ذي الجلال بذلك ، عن طريق جبرئيل عليه السلام حينما سلّمه تلك التربة الطاهرة ، ثم أعطاها لأم سلمة (رضي الله عنها) ، فما ذنب الشيعة في ذلك حينما ساروا على نهج النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته الكرام عليهم السلام؟!.

ثالثاً ـ قولك : «وهذه الرواية مخالفة لإعتقاد الرافضة في مسألة الطين الذي يؤكل الخ» يتضح الجواب من خلال ما يلي :

١ ـ إنّ الرواية ليست مخالفة لإعتقادنا في مسألة الذي يؤكل ، وقد تقدم في الجزء الأول من هذه الموسوعة أنّ أكل الطين مُحرّم عندنا إلا القليل من تربة الحسين عليه السلام بمقدار الحمصّة للإستشفاء ، والرواية التي ذكرتها موجود فيها (إلا طين قبر الحسين عليه السلام ، فإنّ فيه شفاء من كل داء الخ). فأين المخالفة المدعاة يا دكتور؟!.

٢ ـ على فرض أنّ الطين أكله حرام ، إلا أنّ هناك قاعدة معروفة عند الفقهاء : (الضرورات تبيح المحضورات) ، فهل قرأتها واطلعت عليها يا دكتور؟!.

٣ ـ إننا نسير على نهج أهل بيت العصمة والطهارة من آل النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، في تقديس هذه التربة ولا يهمنا تكذيبك لنا ؛ لأنّك لا تعتمد في دعواك على

٩٠

منهج علمي ، بل على منهج جاهلي أكل عليه الدهر وشرب ، وصدق عليه قوله تعالى :( وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا ) [الفرقان / ٦٣].

٩١
٩٢

٢ ـ القصة الغيبية

أ ـ تعريفها.

ب ـ أقسام القصة الغيبية.

الأول ـ قصص الماضي.

الثاني ـ قصص المستقبل.

٩٣
٩٤

١ ـ تعريفها :

هي التي ترتبط في أحداثها بمصدر الوحي ؛ أي من قبيل الغيب الذي كشفه الباري عَزّ وجَلّ لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم. وقبل بحثها ودراستها ، لا بد من الإجابة على السؤال التالي :

س / ما المراد بالغيب؟

ج / الغيب لغة : «غاب الشيء في الشيء : بطن فيه واستتر ، والغيب : كل ما غاب عنك ، وسمعت صوتاً من وراء الغيب ؛ أي من موضع لا أراه»(٩٩) وعَبّر عنه الشي المجلسي (ره) : «.. الغيب : ما غاب عن الشخص ؛ إما باعتبار زمان وقوعه كالأشياء الماضية والآتية ، أو باعتبار مكان وقوعه كالأشياء الغائبة عن حواسنا في وقتنا ، وإما باعتبار خفائه في نفسه ، كالقواعد ا لتي ليست ضروريات ، ولا مستنبطة منها بالفكر ، وضد الغيب الشهادة»(١٠٠) .

مما تقدم نخرج بالنتيجة التالية :

أولاً ـ إنّ علم الغيب من مختصات الباري عَزّ وجَلّ ، كما أوضحته الآيات التالية :

قال تعالى :( وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ ) [الأنعام / ٥٩].

وقال تعالى :( فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ ) [يونس / ٢٠].

وقال تعالى :( قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ ) [النمل / ٦٥].

__________________

(٩٩) ـ معلوف ، لويس : المنجد في اللغة / ٥٦٣ (بتصرف).

(١٠٠) ـ المجلسي ، الشيخ محمد باقر : مرآة ال عقول ، ج ٣ / ١١١.

٩٥

ثانياً ـ إنّ الأنبياء والملائكة عندهم علم الغيب ، كما في الآيات الآتية : قال تعالى :( وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَـٰكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَاءُ ) [آل عمران / ١٧٩].

وقال تعالى :( قُل لَّا أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ ) [الأنعام / ٥٠]. وقال تعالى :( عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَىٰ غَيْبِهِ أَحَدًا *إِلَّا مَنِ ارْتَضَىٰ مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا ) [الجن / ٢٦ ـ ٢٧].

فالمستفاد من هذه الآيات أنّ منصب النبوة والرسالة يستدعي العلم بالغيب لمصلحة تبليغ الرسالات ، وإلى هذا تشير الآيات التالية :

قال تعالى :( وَكُلًّا نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَـٰذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ ) [هود / ١٢٠]. وقال تعالى :( تِلْكَ مِنْ أَنبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلَا قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَـٰذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ ) [هود / ٤٩]. وقال تعالى :( ذَٰلِكَ مِنْ أَنبَاءِ الْقُرَىٰ نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ ) [هود / ١٠٠].

ثالثاً ـ حصر علم الغيب في أمور خمسة ، كما في الآية التالية :

قال تعالى :( إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ) [لقمان / ٣٤].

وبعد بيان هذه الأمور الثلاثة المتقدمة ؛ نطرح السؤال التالي :

س / إنّ حصر الغيب في الله عَزّ وجَلّ ، ثم حصر الغيب في أمور خمسة خلاف ما تقدم ، فما وجه الجمع بينهما؟.

ج / لا يمكن الإجابة على ذلك بما لي :

٩٦

١ ـ أن يكون المراد بالأدلة الحاصرة للغيب في الله سبحانه النافية عن غيره ، أنّه سبحانه عالم به بذاته ، أما بالنسبة لغيره ، فبعلم مستفاد منه سبحانه بوحي أو إلهام ، أو نكث في القلوب ، ونقر في الأسماع أو غير ذلك من جهات العلم.

٢ ـ ما ذكره الشيخ المجلسي (قده) : «وأما الخمسة التي وردت في الآية ؛ فتحتمل وجوهاً :

الأول ـ أن يكون المراد أنّ تلك الأمور لا يعلمها على التعيين والخصوص إلا الله تعالى ، فإنّهم إذا أخبروا بموت شخص في اليوم الفلاني ، فيمكن أن لا يعلموا خصوص الدقيقة التي تفارق الروح الجسد فيها مثلاً ، ويحتمل أن يكون ملك الموت أيضاً لا يعلم ذلك.

الثاني ـ أن يكون العلم الحتمي بها مختصاً به تعالى ، وكل ما أخبر الله به من ذلك كان محتملاً للبداء.

الثالث ـ أن يكون المراد عدم علم غيره تعالى بها إلا من قبله ، فيكون كسائر الغيوب ، ويكون التخصيص بها لظهور الأمر فيها أو لغيره.

الرابع ـ ما أومأنا إليه سابقاً ؛ وهو أنّ الله تعالى لم يُطْلِع على تلك الأمور كلية أحداً من الخلق على وجه لا بداء فيه ، بل يرسل علمها على وجه الحتم في زمان قريب من حصولها كليلة القدر ، أو أقرب من ذلك. وهذا وجه قريب تدل عليه الأخبار الكثيرة ؛ إذ لا بد من علم ملك الموت بخصوص الوقت ، كما ورد في الأخبار ، وكذا ملائكة السحاب والمطر بوقت نزول المطر ، وكذا المدبرات من الملائكة بأوقات وقوع الحوادث»(١٠١) .

__________________

(١٠١) ـ المجلسي ، الشيخ محمد باقر : بحار الأنوار ، ج ٢٩ / ١٠٣ ـ ١٠٤.

٩٧

س / ما هي عقيدتنا في الغيب؟

ج / تتمثل عقيدتنا في الغيب من خلال ما يلي :

إنّ أغلب ما يعتقده المؤمن يرجع إلى الغيب ؛ كالإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ، والحياة بعد الموت والبعث والنشور ونفخ الصور ، وجنتة ونار إلى آخر ما آمن به وصَدّقه فكل هذا من الغيب ، وقد أشارت إليه الآيات القرآنية ، وبذلك عَرّف الله المؤمن كما في قوله تعالى :( إِنَّمَا تُنذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ ) [فاطر / ١٨]. وقوله تعالى :( الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ ) [البقرة / ٣]. وقوله تعالى :( جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَـٰنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ ) [مريم / ٦١].

والنتيجة التي توصلنا إليها : أنّ الأنبياء والأولياء والمؤمنين يعلمون الغيب بنصّ من الكتاب العزيز لكل منهم نصيب من العلم على حسب مراتبهم ، إلا أنّ علمهم مهما بلغ فهو محدود ـ كمّاً وكيفاً.

س : يفهم من عقيدة الشيعة الإمامية أنّهم يَدّعون أنّ أئمتهم يشاركون الله عَزّ وجَلّ في صف علم الغيب وعلم ما كان وما سيكون ، وأنّه لا يخفى عليهم شيء ، والمسلمون كلهم يعلمون أنّ الأنبياء والمرسلين لم يكونوا يشاركون الله في هذه الصفة ، فما الدليل على ذلك؟

ج / يتضح الجواب على هذا السؤال من خلال عرض أقوال علماء الإمامية كما يلي :

الشيخ المفيد (٣٣٦ ـ ٤١٣ هـ)

«إنّ الأئمة من آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم قد كانوا يعرفون ضمائر بعض العباد ، ويعرفون ما يكون قبل كونه ، وليس ذلك بواجب في صفاتهم ولا شرطاً في

٩٨

إمامتهم ، وإنّما أكرمهم الله تعالى به وأعلمهم إياه للطف في طاعتهم والتمسك بإمامتهم ، وليس ذلك بواجب عقلاً ، ولكنه وجب لهم من جهة السماع. فأما إطلاق القول عليهم بأنهم يعلمون الغيب ؛ فهو منكر بَيّن الفساد ، لأنّ الوصف بذلك إنما يستحقه من علم الأشياء بنفسه لا يعلم مستفاد ، وهذا لا يكون إلا الله ـ عَزّ وجَلّ ـ وعلى قولي هذا جماعة أهل الإمامة إلا من شدّ عنهم من المفوّضة ومن إنتمى اليهم من الغلاة» (١٠٢).

الشيخ الطبرسي (٤٧٠ هـ ـ ٥٢٨ هـ) :

«ووجدت بعض المشايخ ممن يتسم بالعدوان والتشنيع ، قد ظلم الشيعة الإمامية في هذا الموضع من تفسيره ، فقال : هذا يدل على أنّ الله سبحانه يختص بعلم الغيب ، خلافاً لما تقول الرافضة أنّ الأئمة يعلمون الغيب ، ولا شك أنّه عنى بذلك من يقول بإمامة الإثني عشر ، ويدين بأنّهم أفضل الأنام بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فإنّ هذا دأبه وديدنه فيهم ، يشنع في مواضع كثيرة من كتابه عليهم ، وينسب الفضائح والقبائح إليهم ، ولا نعلم أحداً منهم إستجاز الوصف بعلم الغيب لأحد من الخلق ، فإنّما يستحق الوصف بذلك من يعلم جميع المعلومات لا بعلم مستفاد ، وهذه صفة القديم سبحانه العالم لذاته لا يشركه فيها أحد من المخلوقين ، ومن إعتقد أنّ غير الله سبحانه يشركه في هذه الصفة فهو خارج عن ملة الإسلام ، فأما ما نقل عن أمير المؤمنين عليه السلام ، ورواه عنه الخاص والعام من الأخبار بالغائبات في خطب الملاحم وغيرها وما نقل من هذا الفن عن أئمة الهدى (عليهم السلام) فإنّ جميع ذلك متلقى عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مما أطلعه الله عليه ، فلا معنى لنسبة من روى عنهم هذه الأخبار المشهورة ، إلى أن يعتقد

__________________

(١٠٢) ـ المفيد ، الشيخ محمد بن محمد العبكري : أوائل المقالات / ٦٧.

٩٩

كونهم عالمين للغيب ، وهل هذا إلا سبب قبيح وتضليل لهم بل تكفير لا يرتضيه من هو بالمذاهب خبيرة ، والله يحكم بينه وبينهم وإليه المصير؟!» (١٠٣).

الشيخ المجلسي (١٠٣٧ ـ ١١١١ هـ) :

«قد عرفت مراراً أنّ نفي علم الغيب عنهم معناه أنهم لا يعلمون ذلك من أنفسهم بغير تعليمه تعالى بوحي أو إلهام ، وإلا فظاهر أنّ عمدت معجزات الأنبياء والأوصياء عليهم السلام من هذا القبيل. وأحد وجوه إعجاز القرآن أيضاً إشتماله على الأخبار بالمغيبات ، ونحن أيضاً نعلم كثيراً من المغيبات بإخبار الله تعالى ورسوله والأئمة عليهم السلام ، كالقيامة وأحوالها والجنة والنار والرجعة وقيام القائم عليه السلام ونزول عيسى وغير ذلك من أشراط الساعة ، والعرش والكرسي والملائكة»(١٠٤) .

وبعد عرض أقوال علماء الإمامية ؛ تبين لنا عقيدتهم الواضحة في أنّ العلوم والإخبارات الغيبية ، إنما أخذها أئمة أهل البيت عليهم السلام عن جدهم سيد الرسل عن الباري عَزّ وجَلّ ، ولا يستلزم هذا المشاركة في صفاته تعالى ، وهذه العقيدة واضحة البيان في كتابه العزيز في قوله تعالى :( أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ ) [آل عمران / ٤٩]. فلم يقل أحد من المسلمين أنّ عيسى عليه السلام قد شارك الباري عَزّ وجَلّ في صفته الخالقية؟!.

وكذلك قوله تعالى :( قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ) [السجدة / ١١]. فلم يعترض أحد على ملك الموت بأنّه شارك الباري في هذه الصفة أنّه المميت؟!

__________________

(١٠٣) ـ الطبرسي ، الشيخ ابو علي الفضل بن الحسن : مجمع البيان في تفسير القرآن ، ج ٥ / ٢٦٤ ـ ٢٦٥.

(١٠٤) ـ المجلسي ، الشيخ محمد باقر : بحار الأنوار ، ج ٢٦ / ١٠٣.

١٠٠

وهكذا نلاحظ كثيراً من الأدلة القرآنية التي تؤيد هذا الأمر. إذن ما ذهب إليه الإمامية صحيح ، لا يخالف القرآن كما إدعاه البعض.

وبعد هذا البيان والدراسة في بحث (الغيب) ، ندخل في دراسة القصة الغيبية.

ب ـ أقسام القصة الغيبية :

سبق أن قلنا أنّ هذا النوع من القصص تعد أحداثها بتفاصيلها مصدرها الوحي ، فهذه القصص من قبيل الغيب الذي كشفه الله عَزّ وجَلّ لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم ، وهي غيب سواء أكانت في الماضي أو المستقبل ، فعلى هذا يمكن تقسيم القصة الغيبية إلى ما يلي :

الأول ـ قصص الماضي :

يحتوي القرآن الكريم على كثير من علوم الغيب ، خصوصاً ما جرى على الأمم الماضية ، فعلى سبيل المثال ما جاء في قصة يوسف عليه السلام مع اخوته حيث أوحى الله سبحانه إلى يوسف في قوله تعالى :( لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمْرِهِمْ هَـٰذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ) [يوسف / ١٥]. ففي الآية غيب موحى إلى يوسف ، وكذلك غيب موحى إلى نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم بإخبار الوحي له بما حصل ليوسف عليه السلام وأكّد على ذلك في قوله تعالى :( ذَٰلِكَ مِنْ أَنبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ ) [يوسف / ١٠٢]. إلى غير ذلك مما ذكره القرآن الكريم من أخبار الأمم الماضية ، فالقرآن ذكر تلك القصص على نحو الإختصار ، ثم جاء الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يوضحها ، فالملاحظ أنّ تلك القصص وما تضمنته من أحداث ليست في متناول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ولم تحدث أمامه ، كما أنّه لم يُنشئها ولم يأخذها عن طريق غيره

١٠١

من المؤرخين ، بل مصدره الوحي ، وأخذ عنه أهل بيته عليهم السلام. «وذكر العلامة الجليل الورع الثقة النبيل ، السيد هاشم البحراني في كتابه (مدينة المعاجز) أكثر من ستمائة رواية في إخبارات الأئمة الإثني عشر صلوات الله عليهم»(١٠٥) .

الثاني ـ قصص المستقبل :

يتناول هذا اللون من القصص أموراً مختلفة كلها تتحدث عن أمور غيبية خاصة تحدث في الواقع ، ولو تأملنا ما ذكر في القرآن الكريم ، وعلى لسان النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم ؛ لأمكن تقسيمه إلى ما يلي :

أولاً ـ أخبار تحققت في حياة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) :

رأى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في المنام ـ وكان ذلك في المدينة المنورة قبل أن يخرج إلى الحديبية ـ أنّ المسلمين دخلوا المسجد الحرام ، فأخبر بذلك أصحابه ففرحوا وحسبوا أنّهم داخلوا مكة عامهم هذا ، فلما إنصرفوا ولم يدخلوا مكة ؛ قال المنافقون : ما حلقنا ولا قصرنا ولا دخلنا المسجد الحرام. فأنزل الله هذه الآية :( لَّقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَٰلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا ) [الفتح / ٢٧]. وكان بين نزول الآية والدخول مدة سنة. وكان عام سبع للهجرة وتَمّ الفتح القريب من دونه ـ وهو صلح الحديبية ـ ، الذي كان مقدمة لفتح مكة سنة ثمان للهجرة.

ثانياً ـ أخبار تحققت بعد حياته :

وهذا ال نوع من القصص منه ما هو مشهور كأخبار آخر الزمان ، المسمى بـ(أحاديث الفتن والملاحم) ، ويندرج تحت هذا النوع كثير من الإخبارات ،

__________________

(١٠٥) ـ النمازي ، الشيخ علي الشاهرودي : مستدرك سفينة البحار ، ج ٨ / ٨٠.

١٠٢

كخبر الدابة التي تخرج للناس في آخر الزمان ، وقد جاء في القرآن الكريم خبرها في قوله تعالى :( وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِّنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ ) [النمل / ٨٢]. ومن أراد تفاصيل ذلك ؛ فليراجع كتب التفسير.

كما ورد على لسان النبي صلى الله عليه وآله وسلم عدة إخبارات غيبية ، من أهمها ما يحل على أهل بيته عليهم السلام كإخباره بمقتل سبطه الحسين عليه السلام في كربلاء ، وقد ذكر منها ابن الأثير في ترجمة أنس بن الحارث حيث قال : «روى حديثه أشعث بن سحيم ، عن أبيه عن أنّه سمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول : (إنّ ابني هذا يقتل بأرض من أرض ال عراق ، فمن أدركه فلينصره) ، فقتل مع الحسين عليه السلام»(١٠٦) .

وأيضاً إخباره عن الإمام المهدي عليه السالم ، وقد ذكرها علماء المسلمين ، لا ينكر ذلك إلا مكابر لا قيمة لرأيه.

ثالثاً ـ أخبار البعث والنشور :

لعلّ من أهم القضايا التي واجه بها نبينا الأعظم عليه السلام مشركي قريش قضية البعث والنشور ، فقد أنكر المشركون هذا الأمر باصرار عنيف ، واستغربوا من ذلك أشد الإستغراب ، وقد سجل القرآن الكريم هذا الإنكار في أكثر من آية ، منها ما يلي :

قوله تعالى :( وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَىٰ رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ * أَفْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَم بِهِ جِنَّةٌ بَلِ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذَابِ وَالضَّلَالِ الْبَعِيدِ ) [سبأ / ٧ ـ ٨].

__________________

(١٠٦) ـ ابن الاثير ، علي بن محمد : أسد الغابة ، ج ١ / ١٢٣.

١٠٣

وقوله تعالى :( وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُم بِذَٰلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ ) [الجاثية / ٢٤].

وقوله تعالى :( أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ *أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ *قُلْ نَعَمْ وَأَنتُمْ دَاخِرُونَ *فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ يَنظُرُونَ ) [الصافات / ١٦ ـ ١٩].

وإزاء هذا الإنكار لهذه القضية ، إستخدم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم القصة في عرض البعث واليوم الآخر ، وأكّد على ذلك بأن نَزّل المستقبل منزلة الحار ، فهذه القصص في الوقت الذي تحمل الرد على المنكرين ، فإنّها تُؤكِّد الإيمان بالبعث والنشور ، كما أنّ هناك عاملاً جوهرياً يضاف إلى وجود هذا النوع من قصص العالم الآخر ، ووراء كثرته وتكراره أنّ ذلك العالم هو محل العقاب والثواب ، وقضية العقاب والثواب أساسية يتمد عليها منهج التربية في الشريعة الإسلامية ، من أجل قيام الإنسان المسلم على مبادئ دينه والإلتزام بها ، حيث سيظل وازع الإحساس بالمسؤولية ، ـ عما يقول أو يفعل ـ مائلاً أمامه من خلال تصوره لحياة أخرى يؤمن بأنّه سيجازي فيها على سلوكه ، على الخير بالخير في الجنة والنعيم ، وعلى الشر بالشر في النار والعذاب ، كما في قوله تعالى :( فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ *وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ) [الزلزلة / ٧ ـ ٨].

١٠٤

٣ ـ القصة الخيالية

أ ـ الخرافية

ب ـ التمثيلية

ج ـ الخيال العلمي

١٠٥
١٠٦

٢ ـ القصة الخيالية :

هي حكايات يبتدعها خيال المؤلف ، قد تكون نثراً أو نظماً ، والروايات والقصص القصيرة ، هي من أشهر أشكال قصص الخيال رواجاً ، وسمات هذه القصص أنّها تحتوي على عناصر خيالية ، إما كلياً أو جزئياً ، وهذه العناصر تشمل الشخصيات والأوضاع المحيطة ، وفي بعض قصص الخيال تكون العناصر الخيالية واضحة ـ أي بعيدة عن الواقع ـ مثل القصة الإطارية ، وهي قصة تروي في إطارها مجموعة من الحكايات ، ومن أحسن الأمثلة عليها قصة شَهْرَيَار الملك وشَهْرَزَاد في كتاب (ألف ليلة وليلة) ، ومع ذلك ليس من الضروري أن تختلف كثيراً عن الواقع ؛ إذ أنّ كثيراً من نماذج قصص الخيال تمثل شخصيات قريبة من الواقع ، وتصف أوضاعاً واقعية ، وبعض القصص ترتكز على شخصيات وحوادث حقيقية ، وتدمج عادة العناصر الواقعية في قصص الخيال مع الأوضاع والشخصيات والحوادث الخيالية ، والغرض الرئيس لمعظم قصص الخيال هو التسلية ، إلا أنّ هناك بعض الأعمال الجادة من قصص الخيال التي تحفز العقل وتدعو إلى التفكير عن طريق إيجاد الشخصيات ، ووضعها في مواقف محددة ، وتأسيس وجهات النظر ، ويقوم مؤلفو قصص الخيال الجادة بتوضيح الأحكام المميزة بين الأشياء ، وهذه الأحكام تتناول المسائل الأخلاقية والفلسفية والنفسية والإجتماعية ، ولعلّ أهم ما يمكن دراسته من أقسامها هي التالي :

أ ـ الخرافية :

الخُرافَة : «الحديث المستملح من الكذب. وقالوا : حديث خرافة ، ذكر إبن الكلبي في قولهم حديث خرافة أنّ خرافة من بني عُذْرَة أو من جُهَيْنَة ، إختطفته الجن ، ثم رجع إلى قومه فكان يُحدث بأحاديث مما رأى يعجب منها

١٠٧

الناس ، فكذبوه فجرى على ألسن الناس»(١٠٧) . وعُرِّفت الخرافة أيضاً بـ«معتقد لا عقلاني أو ممارسة لا عقلانية. والخرافات قد تكون دينية ، وقد تكون ثقافية أو إجتماعية. فمن الخرافات الدينية إيمان بعض المشلولين أو المقعدين ، بقدرة قديس بعينه أو قديسة بعينها على شفائهم.

ومن الخرافات الثقافية أو الإجتماعية ، إيمان كثير من الناس بأنّ الخرزة الزرقاء تدفع الشر ، وبأنّ نعل الفرس مجلبة للخير»(١٠٨) وبعد هذا التعريف فالحكاية الخرافية : «قصة أو حكاية خيالية قصيرة ذات مغزى في معظم الحكايات الخرافية ، يمثل واحد أو أكثر من الشخصيات حيواناً أو نباتاً أو شيئاً يتكلم ويتصرف كمخلوق بشري ، ويمكن أن نُقص الحكاية الخرافية نثراً أو شعراً ، وفي عديد من الحكايات يمكن تلخيص المراد من القصة ، أو مغزاها في النهاية على شكل مثل شعبي»(١٠٩) .

وهذا النوع من القصة الخيالية لا قيمة له على المستوى الديني ، لا في القرآن الكريم ، ولا في السنة النبوية.

ب ـ التمثيلية :

لست بصدد دراسة القصة التمثيلية من جميع جوانبها ، وإنّما الهدف هو التعريف بها من بعض جوانبها ، في القرآن الكريم والسنة النبوية ، والذي يهمنا بحثه هو التالي :

__________________

(١٠٧) ـ ابن منظور ، محمد بن مكرم : لسان العرب ، ج ٩ / ٦٥ ـ ٦٦.

(١٠٨) ـ البعلبكي ، منير : موسوعة المورد العربية ، ج ١ / ٤٦١.

(١٠٩) ـ الموسوعة العربية العالمية ، ج ٩ / ٤٨١.

١٠٨

١ ـ التعريف بالمثل :

يطلق المثل على معانٍ ثلاثة ، هي كالتالي :

الأول ـ المثل السائر :

هو كلمة موجزة قيلت في مناسبة تناقلتها الأجيال بدون تبديل ، كقوله صلى الله عليه وآله وسلم : (إنّ من البيان لسحرا)(١١٠) ، قال الميداني : «يعني أنّ بعض البيان يعمل عمل السحر ، ومعنى السحر : إظهار الباطل في صورة الحق ، والبيان : إجتماع الفصاحة والبلاغة ، وذكاء القلب مع اللسَنِ ، وإنما شُبّه بالسحر ، لحدّة عمله في سامعه وسرعة قبول القلب له. يضرب في إستحسان المنطق ، وإيراد الحجة البالغة»(١١١) . والهدف منه مقصور على التطبيق.

الثاني ـ المثل القياسي :

ويقصد به البيانيون متشكل من أي وصف أو قصة أو تصوير رائع لتوضيح فكرة ، عن طريق تشبيه يسميه البلاغيون (التمثيل المركب) لتقريب أمر معقول من محسوس يجمع بذلك بين عمق الفكرة ، وجمال التصوير ولم يقصر على سماع أو نقل ، والإهتمام بصياغة الفكر فيه أكثر من إقتباس مثل سائر ، وحاصل القياسي : هو ما يخلقه المتمثل لغرض ينشده ، ومن نماذجه في القرآن الكريم ، قوله تعالى :( وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ) [النحل / ١١٢]. فالآية فيها إستعارة تمثيلية ؛ حيث أخذ اللباس في الجوع والخوف الدال على إستعمالها لمن

__________________

(١١٠) ـ الميداني ، احمد بن محمد النيسابوري : مجمع الأمثال ، ج ١ / ٧.

(١١١) ـ نفس المصدر.

١٠٩

كفر بأنعم الله تعالى ـ الأمن والصحة والكفاية في الرزق وغيرها من النعم التي لا تحصى ـ ، ولو إكتفى بالإذاقة لفات ذلك. وفي الأمثال النبوية قوله صلى الله عليه وآله وسلم : (أيها الناس إياكم وخضراء من الدِمَن. قيل يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : وما خضراء الدمن؟ قال : المرأة الحسناء في منبت السوء)(١١٢) .

قال الشريف الرضي : «... أنّه عليه الصلاة والسلام نهى عن نكاح المرأة على ظاهر الحسن ـ وهي منبت السوء ، أو في البيت السوء ـ ، فوجه المجاز في هذا القول ، أنّه عليه الصلاة والسلام ، شَبّه المرأة الحسناء بالروضة الخضرة لجمال ظاهرها ، وشبّه منبتها السوء بالدِمْنَة لقباحته ، والدِمْنَة هي : الأبعار المتجمعة تركبها السوافي ، ويعلوها الهابي ، فإذا أصابها المطر أنبتت نباتاً خضراء يروق منظره ويسوء مخبره ، فنهى عليه الصلاة والسلام عن نكاح المرأة إذا كانت مغموضة في نفسها ، أو مطعوناً عليها في نسبها ، لأنّ أعراق السوء تنزع إلى ولدها ، وتضرب في نسلها ، قال الشاعر :

وأدركنه خالاته فخذلنه

ألا إنّ عِرق السوء لا بدّ مدرك(١١٣)

وفي السيرة الحسينية ما جاء في خطبته في مكة المكرمة : «خُطّ الموت على ولد آدم مخط القلادة على جيد الفتاة ، وما أولهني إلى أسلافي إشتياق يعقوب إلى يوسف ، وخِيرَ لي مصرع أنا لاقيه ، فكأنّي بأوصالي تُقطعها عُسْلَان الفَلوات بين النَوَاوِيس وكربلا ، فيملأن مني أكراشاً جُوفَاً ، وأجْرُبَة سُغُبَاً»(١١٤) .

__________________

(١١٢) ـ الغروي ، الشيخ محمد : الأمثال النبوية ، ج ١ / ٢٧٢.

(١١٣) ـ الشريف الرضي ، محمد بن الحسين : المجازات النبوية / ٦٠ ـ ٦١.

(١١٤) ـ السماوي ، الشيخ محمد طاهر : إبصار العين في أنصار الحسين / ٦.

١١٠

إنّ بلاغة هذه الخطبة وعُلو مضمونها ، يوجب لنا الإطمئنان بصدورها عن سيد الشهداء عليه السلام ، كما أنّها على وجازتها تضمنت نهج الحسين عليه السلام وهدفه ، ونهايته ووصف مصرعه ومكانه ، والذي يهمنا بحثه ـ هنا ـ بيان بعض أوجهها البلاغية ، المتمثلة فيما يلي :

أولاً ـ عَبّر الحسين عليه السلام عن الموت الذي هو طبيعي للبشر بأنّه : (خط مخط القِلادة على جِيدْ الفَتاة). وهذا التعبير براعة إستهلال عجيبة المعنى ؛ حيث أنّ مخط القلادة يراد منه شيئين :

أ ـ إسم مكان : وهو موضع خط القلادة ـ وهي الجلد المستدير من الجيد ـ ، فكما أنّ ذلك الجلد لازم على الرقبة ، كذلك الموت على ولد آدم.

ب ـ إسم مصدر : والمراد به نفس الخط ، فيكون معنى ذلك : أنّ الموت دائرة لا يخرج ابن آدم عن وسطها ، كما أنّ القلادة دائرة لا يخرج الجيد منها حال تقليده. فإذا كان الموت لابد منه ؛ فليختر الإنسان أفضل ميتة ، وأعظمها شرفاً ونفعاً ، وإن أدّت إلى تقطيع أوصاله.

ثانياً ـ إختيار الحسين عليه السلام لنفسه الموتة الكريمة ، التي هي مرتبطة بأمر السماء التي تتم فيها شهادة الحسين وسعادته ، وسعادة من سار على نهجه ، لقد قضي الأمر وتمت الخيرة ، وكيفية القتلة ومكانها وعَبّر عن ذلك بقوله : (وخِير لي مصرع أنا لاقيه ، كأنّي بأوصالي تُقَطّعها عُسْلَان الفَلوات ، بين النَواوِيس وكربلاء).

فعسلان الفلوات : هي الذئاب ، ولعلّ الحسين عليه السلام يعني بها ـ مجازاً ـ الوحوش البشرية من أعدائه التي وَزّعت جسده الطاهر ، وتركته بالعراء وسلبته ووطأته بالخيول ، ثم تركته بلا مواراة ثلاثة أيام ، وقد عَبّر عن وحشيتهم بقوله

١١١

(فيملأن مني أكراشاً جُوْفَاً ـ أي واسعة ـ ، وأجربة سُغُباً ـ أي البطون الجائعة ـ ، وهذا تعبير عن شدتها وكثرة أكلها من دون محام ولا دافع عن الأعضاء المقطعة ، ويُؤَيّد هذا المعنى ما قاله لأصحابه لما نزل بَطْن العَقَبة : «ما أراني إلا مقتولاً ، فإنّي رأيت في المنام كلاباً تنهشني ، وأشدّها عليّ كلب أبقع»(١١٥) . أراد الحسين عليه السلام أن يُبيّن للمسلمين من خلال خطبته ، تلك الجريمة النكراء التي إقترفها الأمويون في حق البيت النبوي الطاهر ، ومدى اللثم والخسة في نفوس أعدائه ، حيث إمتدت تلك الجريمة ـ بعد تقطيع الحسين عليه السلام بالسيوف ، ووطئ جثته بالخيول ـ لتدخل الرعب والهلع في نفوس النساء والأطفال ، وتُعَرِّضَهم للعطش والحرق والسحق والأسر وضرب السياط ، وبهذا أراد الحسين عليه السلام أن يسجل على صفحات التاريخ ، صوراً من البطش والهمجية التي لا يرتكبها إلا الذئاب المفترسة والوحوش الضارية.

الثالث ـ مطلق ما يسمى بالمثل :

سواء فيه المثل السائر ، والقياسي والفرضي المعروف بالخياليات التي صنعت للإعتبار والموعظة ، كفرضيات كتاب (كليلة ودمنة) ، وكل وصف به نوع غرابة أو إعجاب زائد ، كقوله تعالى :( مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِّن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ .) [محمد / ١٥]. المستفاد من كلمات اللغويين أنّ المثل بمعنى التمثيل والتنظير ، وسمي المثل مثلاً لأنّه ماثل بخاطر الإنسان ؛ أي شاخص به. يقول الجوهري : «ومثلت له كذا تمثلاً إذا صَوّرت له مثاله

__________________

(١١٥) ـ المقرّم ، السيد عبد الرزاق الموسوي : مقتل الحسين / ١٨١.

١١٢

بالكتابة وغيرها»(١١٦) . فكأنّ مراد الجوهري الصورة بالكتابة والتمثال بخير الكتابة ؛ لأنّ غير الكتابة إما يكون وصفاً ؛ فهو أمر تخييلي محض ، وإما أن يكون عملاً يدوياً محسوساً فهو التمثال. فيكون الغاية من سوق المثل والتنظير له إقامة الحجة أو إظهار آية دالة على شيء ما. فالأسلوب في الآية عرضها مثول وانتصاب لحقيقتها أمام الناظر. ومن هذا الباب ما جاء عن الحسين عليه السلام في اليوم العاشر من المحرم ، حينما إستدعى ابن سعد ومَثّل له نهايته ، حيث قال له : «أي عمر ، أتزعم أنك تقتلني ويوليك الدّعي بلاد الرّي وجُورجَان ، والله لا تهنأ بذلك ، عهد معهود فاصنع ما أنت صانع ، فإنّك لا تفرح بعدي بدنيا ولا آخرة ، وكأنّي برأسك على قصبة يتراماه الصبيان بالكوفة ، ويتخذونه غرضاً بينهم ، فصرف بوجهه عنه مغضباً»(١١٧) .

وعند خروج الأكبر عليه السلام إلى الميدان ؛ صاح بعمر بن سعد : «مالك؟! قطع الله رحمك كما قطعت رحمي ، ولم تحفظ قرابتي من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وسَلّط عليك من يذبحك على فراشك»(١١٨) .

٢ ـ أهمية المثل :

للمثل أهمية كبرى يمكن تلخيصها فيما يلي :

١ ـ إنّ أهمية الأمثال بيانية ، حيث لم يكن في كلام العرب أوجز منها ، ولا أشد إختصاراً. قال إبراهيم النظام : «إجتمع في المثل أربعة لا تجتمع في

__________________

(١١٦) ـ الجوهري ، إسماعيل بن حَمّاد : تاج اللغة وصحاح العربية ، ج ٥ / ١٨١٦.

(١١٧) ـ المقرّم ، عبد الرزاق : مقتل الحسين / ٢٣٥.

(١١٨) ـ نفس المصدر / ٢٥٧.

١١٣

غيره من الكلام : إيجاز اللفظ ، وإصابة المعنى ، وحسن التشبيه ، وجودة الكناية ، فهو نهاية البلاغة»(١١٩) .

٢ ـ إنّ المقصود من ضرب الأمثال ، أنّها تؤثر في القلوب ما لا يؤثره وصف الشيء في نفسه ؛ وذلك لأنّ الغرض في المثل أن تنفعل به النفوس ، وتؤمن به القلوب ، فإن كان مدحاً ؛ كان أبهى وأفخم وأنبل في النفوس ، وأعظم وأهز للعطف ، وأسرع للإلف ، وأذكر وأيسر على الألسن ، وأولى بأن تعتلقه القلوب وأجدر. وإن كان ذماً ؛ كان مَسّه أوجع ، ووقعه أشدّ ، وحَدّه أحد. ومن هذا ما ورد في الخطب الحسينية في الطريق وفي كربلاء. وكذلك ما ورد عن أهل بيته عليهم السلام أثناء الخطب في الكوفة ، ويمكن التركيز منها على ما يلي :

المثل في خطب الإمام الحسين (عليه السلام) :

قال عليه السلام لابن عباس : «والله لا يدعوني حتى يستخرجوا هذه العَلَقَة من جوفي ، فإذا فعلوا ذلك ؛ سَلّط الله عليهم من يذبهم ، حتى يكونوا أذلّ من فِرَام المرأة»(١٢٠) .

وقال أثناء طريقه إلى الكوفة : «إنّ هؤلاء أخافوني ـ وهذه كتب أهل الكوفة ـ وهم قاتليَّ ، فإذا فعلوا ذلك ولم يدعوا الله محرماً إلا انتهكوه ؛ بعث

__________________

(١١٩) ـ الغروي ، الشيخ محمد : الأمثال النبوية ، ج ١ / ١٠.

(١٢٠) ـ المقرّم ، السيد عبد الرزاق : مقتل الحسين / ٢٣٤.

١١٤

الله إليهم من يقتلهم ، وحتى يكونوا أذلّ من فِرَام الأمّة»(١٢١) . وخاطب الأعداء يوم عاشوراء بقوله : (يا عَبيد الأمّة)(١٢٢) تحقيراً لهم.

إيضاح أهم مفردات المثل الحسيني :

الفِرَام : ورد في كتب اللغة أنّ (الفِرَام) : دواء تُضيِّق به المرأة المسلك ، أو حب الزبيب تحتشى به لذلك ، وكانت في أحراح ثقيف سعة يتضيقن بعجم الزبيب. والفرامة : هي الخرقة تحتشي بها المرأة عند الحيض كالفِرَام ، وفيها يقول الشاعر :

وجَدْتُك فيها كأمِّ الغلام

متى ما تَجِدْ فَارِما تَفْترِم(١٢٣)

وأيضاً قال في (بَطْن العَقَبة) : «إنّهم لن يدعوني حتى يستخرجوا هذه العلقة من جَوفي ، فإذا فعلوا ذلك ؛ سَلّط الله عليهم من يذلهم ، حتى يكونوا أذلّ فرق الأمم»(١٢٤) .

وقال في (الرُهَيَمة) : «وطلبوا دمي فهربت ، وأيم الله ليقتلوني فيلبسهم الله ذِلّاً شاملاً ، وسيفاً قاطعاً ، ويسلط عليهم من يذلهم ، حتى يكونوا أذلّ من قوم سَبأ ؛ إذ ملكتهم إمرأة فحكمت في أموالهم ودمائهم»(١٢٥) . هذه بعض الأمثال الحسينية الواردة في خطبه عليه السلام.

__________________

(١٢١) ـ المصدر السابق / ١٧٥.

(١٢٢) ـ نفس املصدر / ١٦٨.

(١٢٣) ـ ابن منظور ، محمد بن مكرم : لسان العرب ، ج ١٢ / ٤٥١ ـ ٤٥٢.

(١٢٤) ـ المقرم ، السيد عبد الرزاق : مقتل الحسين / ١٨١.

(١٢٥) ـ نفس المصدر / ١٨٥.

١١٥

وإن كان وعظاً ؛ كان أشفى للصدر ، وأدعى للفكر ، وأبلغ في التنبيه والزجر ، ويبصر الغاية.

المثل في خطبة السيدة زينب (عليها السلام) في الكوفة :

ومما ورد في الخطبة الزينبية التي خطبتها في الكوفة ـ من الأمثال ما يلي : «الحمد لله ، والصلاة على أبي محمد وآله الطيبين الأخيار ، أما بعد يا أهل الكوفة ، يا أهل الخَتَل والغَدْر ، أتبكون؟! فلا رقأت الدمعة ، ولا هدأت الرنّه ، إنما مثلكم كمثل التي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً ، تتخذون أيمانكم دخلاً بينكم»(١٢٦) . تشير أم المصائب زينب عليها السلام إلى قوله تعالى :( وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَىٰ مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ) [النحل / ٩٢].

وبعد مراجعة كتب المفسرين حول هذه الآية ؛ نخرج بالنتيجة التالية :

أولاً ـ هذا مثل قرآني يشير إلى المرأة التي غزلت ثم نقضت غزلها من بعد إمرار وفَتلٍ للغزل ؛ وهي إمرأة حمقاء من قريش ، واسمها رَيطَة بنت عمرو ، بن كعب ، بن سعد ، بن تميم ، بن مُرّة ، وكانت تسمى خَرْقَاء مكة ، كانت تغزل مع جواريها إلى إنتصاف النهار ، ثم تأمرهن أن ينقضن ما غزلن ، ولا يزال ذلك دأبها.

ثانياً ـ هذا نهي من الله للمكلفين أن يتصفوا بالصفات المذكورة في الآية ، المندرجة تحت الألفاظ التالية :

__________________

(١٢٦) ـ المصدر السابق / ٣١١.

١١٦

١ ـ أنْكَاثاً : جمع نِكْث ، وكل شيء نقض بعد الفتل ؛ فهو أنكاث حبلاً كان أو غزلاً.

٢ ـ دَخَلاً : الدَخَل ، ما أدخل في الشيء على فساد ، فالمراد بالدخل وسيلته ، من تسمية السبب باسم المسبب ؛ أي وسيلة للغدر والخدعة والخيانة ؛ تطيبون بها نفوس الناس ثم تخونون وتدعونهم بنقضها. ومعنى ذلك : أنكم كمثلها ، إذا تتخذون أيمانكم دخلاً بينكم فتؤدونها وتعقدونها ، ثم تخونون وتخدعون بنقضها ونكثلها ، والله ينهاكم عنه.

٣ ـ أرْبَى : أي أكثر عدداً ومنه أربا فلان للزيادة التي يزيدها على غريمة في رأس ماله. ومعنى ذلك لا ينقضوا العهد بسبب أن يكون قوم أكثر من قوم ؛ أي لا تنقضوا عهدكم ، متخذيها دغلاً وغدراً وخديعة ، لمداراتكم قوماً هم أكثر عدداً ممن عاهدتم له ، بل عليكم الوفاء والحفظ لما عاهدتم عليه. فالسيدة زينب عليها السلام تذكرهم وتوبخهم بالعهد والبيعة لسيد الشهداء عليه السلام التي نقضوها ، وشبهتهم بالمرأة التي نقضت غزلها من بعد قوة ، إلى أن قالت : «ألا وهل فيكم إلا الصَلَف النَطَف ، والعجب والكذب والشَنِف ، ومَلِق الإماء ؛ وغَمَز الأعداء؟!» وفي هذا المقطع عَبّرت عنهم بألفاظ تعيبهم وتكشفهم بها توبيخاً لهم (فالصَلَف) : الذي يمتدح بما ليس عنده. وفي حديث المؤمن : (لا عنف ولا صَلَف) ، يقال : سحاب صلف ، إذ كان قليل الماء ، كثير الرعد ، وفي المثل (رُبّ صَلَف تحت الرَاعِدَة) يضرب للرجل يتوعد ثم لا يقوم فيه»(١٢٧) .

__________________

(١٢٧) ـ الطريحي ، الشيخ فخر الدين : مجمع البحرين ، ج ٥ / ٨٢.

١١٧

(والنَطَفَ) : «القذف بالفجور ، أو الفساد ، أو الشر»(١٢٨) .

(والشنف) : المبغض(١٢٩) .

(ومَلِق الإماء) :

«المَلأِق : الضعيف. أو التودد والتذلل ، وإبداء ما باللسان من الإكرام والودّ ما ليس في القلب»(١٣٠) .

(وغَمَز الأعداء) :

«الغَمَز : الضعف والميل والعيب»(١٣١) ؛ أي أنتم ضعاف في عقولكم وعملكم بحيث إستزِهدكم الأعداء ، وسخروا بكم بإطاعتكم لهم. إلى أن قالت : «أو كَمَرْعَى على دِمّنَة ، أو كقَصّةٍ على مَلْحُودَة».

(الدِمنَة) :

«هي ما تُدمّنُه الإبل والغنم بأبوالها وأبعارها ؛ أي تلبّده في مرابضها ؛ فربما نبت الحسن النضير. ومنه الحديث : (فينبتون نبات الدِّمن في السيل) ، هكذا جاء في رواية بكسر الدال وسيكون يرعى البعير ؛ لسرعة ما ينبت فيه»(١٣٢) .

وقيل الدِّمنة : هي المنزل الذي ينزل فيه أخيار العرب وتحصل فيه بسبب نزولهم تغيّر في الأرض بسبب الأحداث الواقعة منهم ومن مواشيهم ، فإذا أمطرت أنبتت نبتاً حسناً شديد الخضرة والطراوة ؛ لكنّه مرعى وَبِيء للإبل

__________________

(١٢٨) ـ لويس ، معلوف : المنجد في اللغة / ٨١٦.

(١٢٩) ـ نفس المصدر / ٤٠٤.

(١٣٠) ـ نفس المصدر / ٧٧٤.

(١٣١) ـ نفس المصدر / ٥٥٩.

(١٣٢) ـ ابن الأثير ، المبارك بن محمد الجزري : نهاية في غريب الحديث ، ج ٢ / ١٣٤.

١١٨

مُضرّبها)(١٣٣) . ومن هذا ، ما ورد في الحديث النبوي (.. إياكم وخَضْرَاء الدِّمن ، وقيل يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : وما خضراء الدِّمن؟ قال : المرأة الحسناء في منبت السوء)(١٣٤) .

قال الشريف الرضي (ره) : «والقول الآخر : أن يكون عليه الصلاة والسلام ؛ إنّما نهى في الحقيقة عن تغارض النفاق وتعاير الأخلاق ، وأن يتلقى الرجل أخاه بالظاهر الجميل ، وينطوي عن الباطن الدميم ، أو يخدعه بحلاوة اللسان ، ومن خلفها مرارة الجنان ، وإلى هذا المعنى ذهب الشاعر في قوله :

وقد يَنْبُتُ المرْعَى على دِمَنِ الثّرَى

وتَبْقَى حَزَازَاتُ النفوس كما هِيَا

كأنه أراد ، إنا وإن لقيناكم بظاهر الطلاقة والبشر ، فإنّا نضمر لكم على باطن الغش والغمز ، ومثل هذا قول الآخر :

وفِينَا وإن قِيلَ إصْظَلحْنَا تَضَاغُنٌ

كما طرّ أوبارُ الجِرَابِ على النّشْرِ

وقال أهل العربية : النشر أن ينبت وبر البعير وتحته داء العرّ ؛ وهو الجرب فيرى كأن ظاهره سليم وباطنه سقيم»(١٣٥) ، وبعد هذا الإيضاح يظهر لنا مغزى ما يستفاد من كلام السيدة زينب عليها السلام ، حيث أنّ الغرض هو التعريف بأن الدِّمنَة وإن زها ظاهرها بالنبت ، إلا أنّه لا يفيد الحيوان قوة ؛ لأنّها مجمع الأوساخ والكشافات السامة القاتلة ، فنتاج الدِّمنة لا يكون طيباً ، وأهل الكوفة وإن زها

__________________

(١٣٣) ـ الطريحي ، الشيخ فخر الدين : مجمع البحرين ، ج ٦ / ٢٤٨.

(١٣٤) ـ الحر العاملي ، الشيخ محمد بن الحسن : وسائل الشيعة ، ج ٢٠ / ٣٥ (الباب ٧ من أبواب مقدمات النكاح ـ الحديث ٧).

(١٣٥) ـ الشريف الرضي ، محمد بن ابي احمد الحسين : المجازات النبوية / ٦١.

١١٩

ظاهرهم بالإسلام ؛ إلا أنّ الصدور إنطوت على قلوب مظلمة لا يصدر منها إلا بما يقوم به أهل الجاهلية والإلحاد»(١٣٦) .

(أو كقَصّةٍ على مَلْحُودة) :

«القَصّةُ والقِصّة والقَصُّ ، الجَصّ : لغة حجازية. وقيل : الحجارة من الجَصّ ، وقد قصّصَ داره ، أي جصّصَها. ومدينة مُقصّصَة : مطلية بالقصّ ، وكذلك قبر مُقصّصٌ ، والتقصيص : هو التجصيص ، وذلك أنّ الجَصّ يقال له ، القَصّة. يقال : قصصت البيت وغيره ؛ أي جصّصته. وفي حديث زينب (يا قَصّةٌ عُلى مَلحُودَةٍ) ؛ شبهت أجسادهم بالقبور المتخذة من الجصّ ، وأنفسهم بجيف الموتى التي تشتمل عليها القبور»(١٣٧) .

قال السيد المقرّم (ره) : «والذي أراه ، أنّ النكتة في هذه الإستعارة ، أنّ القصّة بلغة الحجاز الجصّ ، والملحودة ؛ القبر لكونه ذا لحد ، فكان القبر يتزين ظاهره ببياض الجصّ ، ولكن داخله جيفة قذرة ، وأهل الكوفة وإن تزين ظاهرهم بالإسلام ، إلا أنّ قلوبهم كجيف الموتى ؛ بسبب قيامهم بأعمال الجاهلية الوخيمة العاقبة من الغدر وعدم الثبات على المبادئ الصحيحة ؛ وقد إنفردت (متتمة الدعوة الحسينية) بهذه النكات البديعة ، التي لم بسبقها مهرة البلغاء إليها»(١٣٨) .

إلى أن قالت عليها السلام : (ولقد أتيتم بها خَرْقَاء ، شَوْهَاء كِطلَاعِ الأرض ، ومِلء السماء).

__________________

(١٣٦) ـ المقرم ، السيد عبد الرزاق : مقتل الحسين / ٣١١ (بتصرف).

(١٣٧) ـ ابن منظور ، محمد بن مكرم : لسان العرب ، ج ٧ / ٧٦ ـ ٧٧.

(١٣٨) ـ المقرم ، السيد عبد الرزاق : مقتل الحسين / ٣١٢.

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554