شرح زيارة عاشوراء

شرح زيارة عاشوراء13%

شرح زيارة عاشوراء مؤلف:
المحقق: الشيخ يوسف أحمد الأحسائي
الناشر: منشورات دار الصديقة الشهيدة عليها السلام
تصنيف: متون الأدعية والزيارات
ISBN: 978-964-8438-50-5
الصفحات: 290

شرح زيارة عاشوراء
  • البداية
  • السابق
  • 290 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 28864 / تحميل: 4976
الحجم الحجم الحجم
شرح زيارة عاشوراء

شرح زيارة عاشوراء

مؤلف:
الناشر: منشورات دار الصديقة الشهيدة عليها السلام
ISBN: ٩٧٨-٩٦٤-٨٤٣٨-٥٠-٥
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

[التنبيه] السادس :

في أنه هل يشترط في زيارة عاشوراء من البعيد بالبروز

إلى الصحراء أو الصعود فوق الدار أو لا؟

إنّ مقتضى ما تقدّم من صدر رواية كامل الزيارة وصدر رواية «المصباح» أنه يشترط للبعيد أن يبرز إلى الصحراء أو يصعد إلى فوق الدار ، حيث قال في الأوّل(١) : «قلت : جعلت فداك ، فما لمن كان في بعيد البلاد وأقاصيها ولم يمكنه المسير إليه في ذلك اليوم؟

قال :إذا كان ذلك اليوم برز إلى الصحراء أو صعد سطحاً مرتفعاً في داره الخ»

وقال في الثاني(٢) :

«قلت : جعلت فداك ، فما لمن كان في بعد البلاد وأقاصيها ولم يمكنه المسير إليه في ذلك اليوم؟

قال :إذا كان كذلك برز إلى الصحراء أو صعد سطحاً مرفتعاً في داره » ، لكن مقتضى قول علقمة : «ومن سطح داري» في سؤاله عن أبي جعفر عليه السلام بقوله : «علّمني دعاء أدعو به في ذلك اليوم إذا أنا زرته من قريب ، ودعاء أدعو به إذا لم أزره من قريب وأومأت إليه من بعد البلاد ومن سطح داري؟» في رواية كامل الزيارة هو تعاهد اشتراط خصوص الصّعود فوق الدار.

لكن في رواية «المصباح» : «ومن داري» فالعطف على «بعد البلاد» من باب العطف التفسيري ، إلّا أن الزيارة مقدّمة على النقيصة ، لكون النقيصة أقرب إلى

__________________

(١) يعني صدر كامل الزيارة.

(٢) يعني صدر رواية المصباح.

١٤١

الاشتباه ، ومقتضى غير واحد من أخبار الاشتراط ، خصوص الصّعود إلى فوق الدار.

إما في باب مطلق الزيارة ، كما في «الكافي» و «التهذيب» بالإسناد عن ابن أبي عمير ، عمّن رواه ، قال : «قال أبو عبد الله عليه السلام :إذا بعدت بأحدكم الشقّة (١) ونأت به الدار ، فليَعْلُ أعلى منزله ، وليصلّ ركعتين ، وليومِ بالسّلام إلى قبورنا ، فإنّ ذلك يصل إلينا »(٢) .

وما في «الفقيه» مرسلاً : عن ابن أبي عمير ، عن هشام ، قال : «قال أبو عبد الله عليه السلام : إذا بعدت لأحدكم الشقّة ونأت به الدار ، فليصعد على منزله ، وليصلِّ ركعتين ، وليومِ بالسلام إلى قبورنا ، فإنّ ذلك يصل إلينا »(٣) .

وأما ما في زيارة سيّد الشهداء عليه السلام(٤) ، كما في «الفقيه» مرسلاً : عن حنان بن سدير ، عن أبيه ، قال : «قال أبو عبد الله عليه السلام : يا سدير(٥) ، تزور قبر الحسين عليه السلام في كلّ يوم؟

قلت : جعلت فداك ، لا إلى أن قال :فتزوره في كلّ سنة؟

قلت : قد يكون ذلك.

قال : ياسدير ،ما أجفاكم (٦) للحسين عليه السلام، أما علمت أنّ لله تبارك وتعالى ألف

__________________

(١) الشقّة ـ بالضم والكسر ـ : البعد والناحية ، ذكره في القاموس. منه عفي عنه.

(٢) فروع الكافي : ٤: ٥٨٧ ، باب النوادر ، الحديث ١. وفي التهذيب : ٦: ١٠٣ ، باب من بعدت شقّته وتعذّر عليه قصد المشاهد ، الحديث ١.

(٣) من لا يحضره الفقيه : ٢: ٥٩٩ ، باب ما يقوم مقام زيارة الحسين عليه السلام وغيره ، الحديث ١.

(٤) قوله : «وأمّا في باب زيارة سيّد الشهداء عليه السلام» ظاهر غير واحد من زيارات سيّد الشهداء عليه السلام المرويّة في كامل الزيارة اشتراط الصعود. منه رحمه الله.

(٥) قوله : «سدير» بفتح السين المهملة. منه عفي عنه.

(٦) قوله : «ما أجفاكم» فعل التعجّب من الجفاء ، أي ما أكثر جفائكم. منه رحمه الله.

١٤٢

ألف ملك شعث (١) غبر يبكون ويزورون ولا يفترون (٢) ، وما عليك ـ يا سدير ـ أن تزور قبر الحسين عليه السلام في كلّ جمعة خمس مرات ، أو في كلّ يوم مرّة.

فقلت : جعلت فداك ، بيننا وبينه فراسخ كثيرة.

فقال :اصعد فوق سطحك ، ثمّ التفت يمنة ويسرة (٣) ،ثمّ ارفع رأسك إلى السماء ، ثمّ تنحو نحو قبر الحسين فتقول : السلام عليك يا أبا عبد الله ، السلام عليك ورحمة الله وبركاته ، يكتب لك بذلك زورة ، والزورة حجّة وعمرة (٤) .

قال سدير : فربّما فعلت ذلك في شهر أكثر من عشرين مرّة».

لكن نقول : إنّه يمكن تقييد مرسل ابن أبي عمير ومرسل الفقيه عن ابن أبي عمير بعد اعتبار السند ، وكلّ منهما أعمّ من زيارة سيّد الشهداء عليه السلام بصدر رواية كامل الزيارة وصدر رواية «المصباح» بعد اعتبار سند الروايتين ، لاختصاصهما بزيارة سيّد الشهداء عليه السلام يوم عاشوراء ، وكذا تقييد خبر سدير بعد اعتبار سنده وإن اختصّ بزيارة سيّد الشهداء عليه السلام بالصدرين المذكورين ، لاختصاصهما بزيارة سيّد الشهداء عليه السلام يوم عاشوراء.

__________________

(١) وقوله : «شعث». الشعث ـ محرّكة ـ: انتشار الأمر ، ومصدر الأشعث للمغبرّ الرأس ، كما في القاموس. منه رحمه الله.

(٢) قوله : «لا يفترون». قال في القاموس : «فتر يفتُرُ ويفتِرُ سكن بعد حدّة ولان بعد شدّة». منه رحمه الله.

(٣) قوله : «يمنة ويسرة» بفتح الياء وسكون الميم والسين على ما اُعرب في الصحاح. قال : اليمنة : خلاف اليسرة ، وقال : قعد فلان يمنة.

وفي بحار الأنوار : «لا يبعد أن يكون الالتفات يمنة ويسرة وإلى جانب الفوق للتقيّة لئلّا يطلع عليه أحد». منه عفي عنه.

(٤) من لا يحضره الفقيه : ٢:٥٩٩ ، باب ما يقوم مقام زيارة الحسين عليه السلام وزيارة غيره ، الحديث ٢.

١٤٣

ويمكن أن يقال : إن مقتضى قوله عليه السلام : «إذا أنت صلّيت الركعتين بعد أن تومئ إليه بالسّلام وقلت عند الإيماء إليه بعد الركعتين هذا القول» في ذيل رواية كامل الزيارة.

وكذا قوله عليه السلام : «وإذا أنت صلّيت الركعتين بعد أن تومئ إليه بالسلام ، فقل عند الإيماء إليه بعد التكبير هذا القول » في ذيل رواية «المصباح» ، عدم اشتراط البروز إلى الصحراء والصعود فوق سطح الدار.

إلّا أن يقال : إنّ قوله عليه السلام : «تومئ إليه بالسلام » في ذيل الروايتين إيماء إلى قوله عليه السلام : «وأومئ إليه بالسلام » في صدر الروايتين المسبوق باشتراط البروز والصعود ، مع أن التقييد أمر سهل بعد اعتبار سند المطلق والمقيّد.

ويمكن أن يقال : إن مقتضى قول الصادق عليه السلام في آخر رواية صفوان : «إذا حدث لك إلى الله حاجة فزر بهذه الزيارة » هو عدم اشتراط البروز والصعود.

إلّا أن يقال : إنّ الظاهر أنّ الغرض من قوله عليه السلام : «من حيث كنت » هو عدم الحاجة إلى المسافرة والزيارة عن قرب ، مضافاً إلى سهولة التقييد ، إذ لا يخرج أمر قوله عليه السلام : «من حيث كنت » عن الإطلاق.

تذييلات

أحدها : في أنّه لو كان سطوح الدار مختلفة فكان بعضها فوق بعض ،

فهل المدار تعييناً أو تخييراً على الأرفع أو يكفي المرتفع؟

الأظهر الأخير ، لأنّ مقتضى قوله عليه السلام في صدر رواية كامل الزيارة : «أو صعد سطحاً مرتفعاً في داره » ، وقوله عليه السلام في رواية «المصباح» : «أو صعد مرتفعاً في داره » ، وقوله عليه السلام في خبر حنان بن سدير : «أصعد فوق سطحك »(١) ، كفاية المرتفع.

__________________

(١) المتقدّم ذكره عن الفقيه مرسلاً.

١٤٤

وإن قلت : إن مقتضى قوله عليه السلام في مرسل ابن أبي عمير ، كما في «الكافي» و «التهذيب» والمرسل عن ابن أبي عمير كما في «الفقيه» : «فليعل أعلى منزله»(١) كون المدار على الأرفع.

قلت : إنّ الظاهر كون الأعلى من باب الأفعل الوصفي ، فالغرض بالفارسية
(بالاى منزلش) لا من باب أفعل التفضيل بأن يكون الغرض بالفارسية (بالاتر منزلش) (٢) . مع أن سائر الروايات يرجّح كون الأمر من باب الأفعل الوصفي.

لكن نقول : إنّ في «الوافي» في مرسل ابن أبي عمير : «فليعل أعلى منزل له »(٣) مقتضاه كون المدار على الأرفع ، بل في رواية حنان بن سدير التي رواها في «كامل الزيارة» : «واصعد إلى أعلى منزل في دارك »(٤) ، بل في رواية أخرى رواها في «كامل الزيارة» أيضاً : «فليعل أعلى منزل له »(٥) .

ثانيها : في أن حكم الدار جار في غير الدار ، سواء كان المدار على المرتفع أو الأرفع

إنّ حكم الدار جار في غير الدار ، كالمدرسة والمسجد ، سواء كان المدار على المرتفع أو الأرفع ، للقطع بعدم الفرق ، بل التعبير بالدار في رواية «كامل الزيارة»

__________________

(١) المتقدّم ذكرها.

(٢) قوله : «بالاتر منزلش» يمكن أن يقرأ بكسر الراء وسكونها. منه رحمه الله.

(٣) الوافي : ١٤ : ١٥٧٧ ، باب زيارتهم عليهم السلام من بعيد ، الحديث ١٤٦٥٥/١ ، حيث نقل مرسلة ابن أبي عمير المتقدّم ذكرها عن الكافي والتهذيب ، بهذه العبارة : «فليعل أعلى منزل له» بينما المذكور فيما تقدّم عن الكافي والتهذيب : «فليعل أعلى منزله».

(٤) كامل الزيارة : ٤٨٣ ، باب ٩٦ من نأت داره وبعدت شقّته كيف يزوره عليه السلام ، الحديث ٧ ، ولكن فيه : «واصعد أعلى موضع في دارك».

(٥) كامل الزيارة : ٤٨٠ ، باب ٩٦ من نأت داره وبعدت شقّته كيف يزوره عليه السلام ، الحديث ١.

١٤٥

و ««المصباح» وارد مورد الغالب ، مضافاً إلى أنّ المأخوذ في مرسل ابن أبي عمير والمرسل عن ابن أبي عمير هو أعلى المنزل والمنزل أعمّ من الدار.

ثالثها : في أنّه لو كان البعيد في أحد المشاهد المشرّفة ، فهل يطرد اشتراط البروز والصعود بناءً على الاشتراط أم لا؟

إنّه لو كان البعيد في أحد المشاهد المشرّفة على مشرفيها آلاف السّلام والتحيّة ، فهل يطرد اشتراط البروز والصّعود ، بناء على الاشتراط أم لا؟

أقول : إنّه إن كان البعيد في حرم أمير المؤمنين عليه السلام فمقتضى فعل صفوان المحكي عن الصادق عليه السلام ، حيث زار سيّد الشهداء عليه السلام في حرم أمير المؤمنين عليه السلام عدم اطراد الاشتراط ، قضية قول سيف بن عميرة : «فزرنا أمير المؤمنين عليه السلام ، فلمّا فرغنا من زيارته صرف صفوان وجهه إلى ناحية أبي عبد الله عليه السلام ، فقال :تزورون الحسين عليه السلام » ، بل اشتراط البروز والصّعود في صدر رواية «كامل الزيارة» و ««المصباح»» ينصرف إلى الأمكنة المتعارفة الغالبة ولا يشمل الحرم المحترم المذكور ، فيقيد إطلاق الاشتراط بعد شموله للحرم المحترم المذكور بفعل الصادق عليه السلام بعد اعتبار سند المطلق والمقيد ، بل الاعتبار يقضي أيضاً بالتقييد لكمال شرافة الحرم المحترم المذكور.

وبما ذكرنا من انصراف إطلاق الاشتراط إلى الأمكنة المتعارفة ، مضافاً إلى الاعتبار ، يتّجه القول بجواز الزيارة من سائر المشاهد المشرّفة.

ويمكن أن يقال : إن حديث الانصراف لا يثبت كفاية الزيارة من المشاهد المشرّفة ، إذ لا مفهوم للإنصراف ، وإن يقتضي بعض كلمات المحقّق القمّي ثبوت المفهوم لانصراف المطلق إلى الفرد الشائع في باب الفرد النادر ، فالأمر في الزيارة من المشاهد المشرّفة مشكوك فيه فلابدّ من الرجوع إلى مقام العمل والبناء على

١٤٦

الاشتراط على القول بالاحتياط في باب الشكّ في المكلّف به ، والقول بعدم الاشتراط على القول بحكومة أصل البرائة ، إلّا أنه ها هنا لا يجري أصالة البراءة بناء على عدم جريانها في المستحبات ، كما هو الأظهر ، وإنما تجري أصالة العدم ، لو قلنا بحجيّتها ، وإلّا فلابدّ من البناء على الاشتراط ، عملاً باستصحاب عدم الإتيان بالزيارة المندوبة ، بل على القول بالاحتياط في الشكّ في المكلّف به ، لا تجري هنا قاعدة الإشتغال ، ومدرك القول بالاشتراط هنا على القول المذكور منحصر أيضاً في استصحاب عدم الإتيان بالمستحب ، والأمر في المقام نظير الغُلْيان في الصوم المندوب ، وقد حرّرنا الكلام فيه في رسالة منفردة

ويمكن أن يقال : إنه بعد فرض انصراف الاشتراط إلى غير المشاهد المشرّفة ، فمقتضى كون المتكلّم في مقام البيان واطلاعه على الإنصراف عدم اطّراد الاشتراط في المشاهد المشرّفة فلا يتجاوز الكلام في المقام عن مقام الاجتهاد.

لكن يمكن القول : بأن المفروض انحصار الدليل على الاشتراط فلما فرض الانصراف يحصل الظن بعدم اطراد اشتراط البروز والصعود في المشاهد المشرّفة ، لعدم الدليل على الاطراد.

إلّا أن يقال : إنّه يتبني حجيّة هذا الظن بعد فرض حصوله على حجيّة مطلق الظنّ.

إلّا أن يقال : إنّه يتأتّى الحجيّة ، ولو على القول بحجيّة الظنون الخاصّة ، بناء على حجيّة الظنّ الناشئ من اللفظ ولو بالواسطة ولو على القول بحجيّة الظنون الخاصّة ، على ما حرّرناه في الاُصول.

إلّا أنّه يشكل : بلزومُ حجيّة القياس لو كان ثبوت الحكم في الأصل باللفظ ، لكون الظن اللفظي الناشئ بالحكم في الفرع ناشئاً من اللفظ بتوسط العقل.

١٤٧

رابعها : فيما يمكن أن يكون حكمة اشتراط البروز والصعود.

إنّه يمكن أن يكون حكمة اشتراط البروز والصعود هي وقوع الزيارة في مكان خلوة خال عن الشواغل الموجبة لتفرق الخيال ، كما هو الحال في أكثر الأحوال والمانعة عن تمحيض القصد وفراغة البال ، كما يشرد إليه ما في زيارة أخرى رواها في «المصباح» مرسلاً عن عبد الله بن سنان عن الصادق عليه السلام من قوله : «تحلل إزرارك ، ثمّ تحسر عن ذراعيك كهيئة أصحاب المصائب ، ثمّ تخرج إلى أرض مقفرة ، أو مكان لا يراك به أحد ، أو تعمد إلى منزل لك خال ، أو في خلوة ، حين يرتفع النهار فتصلّي أربع ركعات؟ إلى أن قال : ثمّ تسلّم وتحوّل وجهك نحو قبر الحسين عليه السلام »(١) .

خامسها : في كلام من الشهيد في «الدروس».

أنه قد حكم الشهيد في «الدروس» باستحباب زيارة النبيّ صلى الله عليه وآله والأئمّة عليهم السلام كلّ يوم جمعة ولو من البعد ، وإذا كان على مكان عالٍ كان أفضل(٢) .

وحكم في ««البحار»» بأن ما ذكره من جواز الزيارة في أيّ مكانٍ تيسّر وإن لم يكن موضعاً عالياً لايخلو عن قوة ، تعليلاً بعمومات بعض الأخبار ، قال : «وإن كان الأفضل والأحوط إيقاعها في سطح دار عالٍ أو صحراء»(٣) .

أقول : إنّه إن كان المقصود اقتضاء بعض الأخبار استحباب زيارة النبيّ صلى الله عليه وآله والأئمّة عليهم السلام من دون اشتراط الصعود إلى سطح الدار والبروز إلى الصحراء ، وهذا هو المناسب لما ادّعاه الشهيد في «الدروس» ، ففيه بعد اعتبار سند الخبر المذكور

__________________

(١) مصباح المتهجّد : ٧٨٢.

(٢) الدروس : ٢: ١٦ ، باب المزار.

(٣) بحار الأنوار : ٩٨: ٣٧١ ، ذكر ذلك في ذيل الحديث ١٤ من باب زيارة الحسين عليه السلام وسائر الأئمّة عليهم السلام حيّهم وميّتهم من بعيد.

١٤٨

ورود التقييد في زيارة عاشوراء وغيرها كما تقدم ، وإن كان المقصود تعدّد ما يقتضي استحباب عموم الزيارة أو بعض الزيارات من دون الاشتراط بالصعود والبروز ، كما يرشد إليه التعبير بالعمومات ، فإن كان المقصود تعدّد ما يقتضي استحباب بعض الزيارات على الاطلاق فهو لا يناسب مقالة الشهيد ، وإن كان المقصود تعدّد مايقتضي استحباب بعض الزيارات على الاطلاق إلى زيارة النبيّ صلى الله عليه وآله والأئمّة عليهم السلام فكون تعدّد المطلق بحيث يوجب الظنّ بالاطلاق ، فهو غير ثابت ، بل الظاهر عدمه ، بل لا إشكال فيه.

١٤٩

[التنبيه] السّابع :

في اشتراط كون زيارة عاشوراء صدر النهار قبل زوال الشمس

أنّ مقتضى رواية كامل الزيارة و «المصباح» كون الزيارة المبحوث عنها صدر النهار قبل زوال الشمس.

أقول : أن المقصود بصدر النهار إما أوّله أو النصف الأوّل.

وعلى الثاني إمّا أن يكون المقصود الأعم بالقبل من القريب والبعيد ، فيعمّ أول النهار على حسب عموم النصف الأوّل ، فالأمر من باب التوضيح.

وإما أن يكون المقصود خصوص القبل القريب ، فالأمر من باب التخصيص.

وعلى الأوّل يتعيّن كون المقصود بالقبل هو القبل البعيد ، لكن لا إشكال في كون الوجه الأوّل خلاف الظاهر ، والوجه الثاني أيضاً خلاف الظاهر ، فيتعيّن الوجه الأخير أعني كون المقصود بالصدر هو النصف الأوّل والمقصود بالقبل هو القبل القريب.

وإن قلت : إن الظاهر من الصدر هو الأوّل ، والحمل على النصّف الأوّل خلاف الظاهر ، والظاهر من القبل هو القبل القريب ، والحمل على القبل البعيد والأعمّ خلاف الظاهر ، ولاترجيح لحمل القبل على القبل القريب ، وحمل الصدر على النصف الأوّل على حمل القبل على القبل البعيد أو الأعم وحمل الصدر على الأوّل.

قلت : إن المرجّح هو العرف وفيه الكفاية ، كيف لا وفي جميع موارد التجوّز مع القرينة يدور الأمر بين التصرّف في المقرون والتصرّف في القرينة ، والمرجّح العرف(١) ، مثلاً في (رأيت أسداً يرمي) يدور الأمر بين حمل الأسد على الرجل

__________________

(١) قوله : «والمرجّح العرف» ويتأتّى الترجيح بالعليّة أيضاً بالبناء على المجاز فيما كان»

١٥٠

الشجاع ، وحمل الرّمي في يرمي على معناه الحقيقي ، وحمل الأسد على الحيوان المفترس ، وحمل الرمي على إثارة التراب ، وكذا الحال في (رأيت أسداً في الحمام) حيث إن الأمر دائر بين حمل الأسد على الرجل الشجاع ، وحمل الحمام على معناه الحقيقي ، وحمل الأسد على الحيوان المفترس ، وحمل الحمام على الفلاة الحارة ، وليس حمل الأسد على الرجل الشجاع في المثالين كما هو المعروف ، بل السائر مسير المثل إلّا من باب الترجيح بالعرف ، ونظيره ما قيل في باب تعارض الأمر بالشيء مع النهيّ عنه بالجمع بحمل الأمر على الرخصة في الفعل ، والنهي على الكراهة ، مع إمكان الجمع بالعكس أعني حمل النهي على الرخصة في الترك وحمل الأمر على الاستحباب ، من أن المرجّح هو العرف ، مع قطع النظر عن غلبة استعمال الأمر في الرخصة بالنسبة إلى استعمال النهي في الرخصة ، هذا وعلى تقدير حمل الصّدر على الأوّل والقبل على القبل البعيد يختلف الأوّل باختلاف معنى النهار ، فعلى القول بكون ابتداء النهار من أول طلوع الفجر ، فأوّل النهار هو ما بين الطّلوعين ، وعلى القول بكون ابتدائه لغة أو بحسب الحقيقة الشرعية من أوّل طلوع الشمس على القولين في المقام ، فأوّل النهار هو أوّل طلوع الشمس.

لكن يمكن القول : بانصراف النهار إلى بعض الأجزاء مع اختلاف الانصراف والمنصرف إليه نظير انصراف الكلي إلى الجزئي من باب انصراف المطلق إلى بعض الأفراد من جهة شيوع الفرد أو غيره ، والظاهر من النهار هنا هو ما بين طلوع الشمس وغروبها ، أو ذهاب الحمرة ، والظاهر من النهار في استيجار شخص لتنظيف حريم

__________________

«التجوّز فيه من القرينة أو المقرون أغلب. هذا ، ونظير دوران الأمر بين ارتكاب خلاف الظاهر على وجه الحقيقة في القرينة والمقرون ، فلا بدّ من البناء على العرف وارتكاب خلاف الظاهر فيما كان وقوع أحد خلاف الظاهر فيه أغلب. منه رحمه الله.

١٥١

الباب هو القدر الوافي بالتنظيف مما بعد طلوع الشمس ، لكن الظاهر من النهار في استيجار شخص لخدمة حمّام الرجال هو ما بين طلوعُ الفجر وغروب الشمس أو ذهاب الحمرة ، بل الظاهر دخول قليل مما قبل الطلوع وبعد الغروب.

إلّا أن يقال : إنّ النهار في موارد الإنصراف إلى الجزء مستعمل في معناه الحققي ، أعني ما بين طلوع الفجر وغروب الشمس ، أو ذهاب الحمرة ، بناء على ما هو المفروض من كون ابتداء النهار من طلوع الفجر.

إلا أن الحكم الوارد على الكل أعني النهار يختلف انصراف وروده على الأجزاء ، وليس هذا من باب استعمال الكل في الجزء ، بل صدق ورود الحكم الوارد على الكلّ بوروده على الجزء واختلاف انصراف ورود الحكم واختلاف مورد الحكم على حسب اختلاف ورود الحكم في الموارد ، مثلاً لو قال بعض الخدّام (جلست في الدار) فالدار مُستعمل في معناه الحقيقي ، لكن الظاهر كون الجلوس في الدّهليز ، وأما لو قال بعض الموالي (جلست في الدار) فالدار مستعمل أيضاً في معناه الحقيقي ، لكن الظاهر كون الجلوس في البيت.

لكن نقول : إن ما ذكر وإن كان الظاهر تماميته ، لكن لا يتمّ في صدر النهار بناء على ما ادّعينا من ظهور كون النهار حقيقة في ما بين طلوع الشمس وغروبها أو ذهاب الحمرة.

وينبغي أن يعلم أنه يتأتى الكلام في أنّ منتهى النهار هو استتار القرص ، أو ذهاب الحمرة المشرقية ، بناء على انفكاك ذهاب الحمرة عن الاستتار ، وإلّا فالنمتهى هو ذهاب الحمرة.

وأيضاً يتأتى الكلام في اليوم بداية ونهاية على حسب الكلام في النهار لو قلنا بترادف اليوم والنهار ، وإلّا فيختلف الكلام.

١٥٢

[التنبيه] الثامن :

في أنّه هل يشترط زيارة عاشوراء بالغُسل؟

أنه هل يشترط الزيارة المتقدّمة بالغسل؟

ربّما يقال لا إشكال في استحباب الغسل لعموم ما دل على استحبابه في مطلق الزيارة.

أقول : إنّ مقتضى خلوّ رواية كامل الزيارة و «المصباح» من اشتراط الغسل وكذا خلو فعل صفوان عن الغسل ، عدم اشتراط تلك الزيارة بالغسل.

بل نقول : إنّ في طائفة مما رواه في كامل الزيارة التصريح بعدم اشتراط الغسل في زيارة سيّد الشهداء.

كما رواه بسنده عن الحسن بن عطية ، قال : «سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الغسل إذا أتيت قبر الحسين عليه السلام؟

قال :ليس عليك غسل »(١) .

وما رواه أيضاً بسنده عن أبي اليسع ، قال : «سأل رجل أبا عبد الله عليه السلام وأنا أسمع عن الغسل إذا أتى قبر الحسين عليه السلام.

فقال :لا »(٢) .

إلّا أن يقال : إنّ المقصود عدم اشتراط الغسل في مُجرّد التشرف بالإتيان إلى قبر سيّد الشهداء عليه السلام.

__________________

(١) كامل الزيارة : ٣٤٨ ، الباب ٧٦ الرخصة في ترك الغسل لزيارة الحسين عليه السلام ، الحديث ٩.

(٢) كامل الزيارة : ٣٤٧ ، الباب ٧٦ الرخصة في ترك الغسل لزيارة الحسين عليه السلام ، الحديث ٤.

١٥٣

إلّا أن يقال : إنّ الظاهر الإتيان للزيارة ، كما هو صريح الخبر الأخير ، بل الظاهر أنّ الإتيان بدون الزيارة نادر ، بل معدوم.

لكن نقول : إن مقتضى طائفة أخرى مما رواه في كامل الزيارة اشتراط الغسل.

كما رواه فيه بسنده عن علي بن جعفر الهمْداني ، عن العسكري عليه السلام قال : «من خرج من بيته يريد زيارة الحُسين بن عليّ عليهما السلام فصار إلى الفرات فاغتسل منه كُتِبَ من المفلحين ، فإذا سلم على أبي عبد الله عليه السلام كتب من الفائزين ، فإذا فرغ من صلاته أتاه ملك فقال له : إن رسول الله صلى الله عليه وآله يقرئك السّلام ويقول لك : أما إن ذنوبك فقد غُفِرَت لك ، استانف العمل »(١) .

وما رواه فيه بسنده عن يوسف الكناسي عن أبي عبد الله عليه السلام قال : «إذا أتيت قبر الحُسين بن عليّ عليه السلام فأتِ الفرات واغتسل بحيال قبره »(٢) .

وما رواه فيه بسنده عن بشير الدهّان ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : «ويحك! يا بشير إن المؤمن إذا أتاه عارفاً بحقّه فاغتسل في الفرات كتب له بكلّ خطوة حجّة وعمرة مبرورات متقبّلات وغزوة مع نبيّ مرسل وإمام عدل »(٣) .

وما رواه فيه بسنده عن صفوان الجمّال عن أبي عبد الله عليه السلام قال : «من اغتسل بماء الفرات وزار قبر الحسين عليه السلام كان كيوم ولدته أمّه »(٤) إلى آخر الحديث.

وهو مقتضى ما رواه في «التهذيب» بسنده : عن الحسن بن عبدالرحمن الرواسي(٥) ، عمّن حدثه ، عن بشير الدّهان ، عن الصادق عليه السلام قال : «من اغتسل في

__________________

(١) كامل الزيارة : ٣٤٤ ، الباب ٧٥ من اغتسل في الفرات وزار الحسين عليه السلام ، الحديث ٥.

(٢) كامل الزيارة : ٣٤٥ ، الباب ٧٥ مَن اغتسل فى الفرات وزار الحسين عليه السلام ، الحديث ٨.

(٣) كامل الزيارة : ٣٤٣ ، الباب ٧٥ مَن اغتسل فى الفرات وزار الحسين عليه السلام ، الحديث ٢.

(٤) كامل الزيارة : ٣٤٢ ، الباب ٧٥ مَن اغتسل فى الفرات وزار الحسين عليه السلام ، الحديث ١.

(٥) قوله : «الرواسي» بضمّ الراء المهملة والسين المهملة ، كما في التوضيح. منه رحمه الله.

١٥٤

الفرات ثم مشى إلى قبر الحسين عليه السلام كان له بكل قدم يرفعها ويضعها حجّة متقبّلة بمناسكها »(١) .

وكذا ما رواه فيه بسنده عن إبراهيم بن محمّد الثقفي ، قال : «كان أبو عبد الله عليه السلام يقول في غسل الزيارة إذا فرغ من الغسل :اللهم اجعل لي »(٢) إلى آخر الدعاء.

إلا أن الاستدلال به بعد اعتبار سنده وثبوت التأسي بالإمام ، كما هو الحقّ كما حررّناه في الأصول خلافاً للمشارق حيث تأمّل فيه(٣) ، مبنيّ على دلالته على المداومة على الغسل ، وإلّا فلايثبت الاشتراط ، وكذا على دلالته على اشتراط الغسل لا كون الأمر من باب المستحب في المستحب ، حيث إنه قد وقع الكلام فيما فعله النبيّ صلى الله عليه وآله في ضمن الواجب في كون الأمر من باب الإناطة بالجزئية أو الشرطية أو الوجوب التعبّدي.

إلا أن الظاهر الاشتراط هنا والإناطة في باب الواجب.

إلا أن اعتبار الظهور مبنيّ على اعتبار نظر الناشئ من الفعل ، ومع هذا يبتني الاستدلال على كون الزيارة زيارة سيّد الشهداء عليه السلام.

__________________

(١) الظاهر أنّ المصنّف هنا سهى قلمه الشريف فركب سند رواية على متن رواية اُخرى ، حيث إنّ الشيخ في التهذيب : ٦: ٥٣ ، ذكر هذا المتن بسنده إلى الحسين بن سعيد ، عن جعفر بن محمّد عليه السلام ، وهو الحديث الرابع في الباب ١٧ ، باب فضل الغسل للزيارة.

وأمّا السند الذي ذكره المصنّف هنا فهو للحديث الأوّل في نفس الباب ، ونذكره لارتباطه بالموضوع : «قال : من أتاه ـ يعني الحسين عليه السلام ـ فتوضّأ واغتسل من الفرات لم يرفع قدماً ولم يضع قدماً إلّاكتب الله بذلك حجّة وعمرة».

(٢) تهذيب الأحكام : ٦: ٤٥ ، الباب ١٧ باب فضل الغسل للزيارة ، الحديث ٧.

(٣) مراده بذلك : مشارق الشموس في شرح الدروس : ١: ٨٨ ، للمحقّق الخوانساري المعروف بين أهل العلم بـ (آقا جمال) ، حيث إنّ المحقّق الخوانساري استشكل في ثبوت التأسّي بالإمام ، وظاهر كلامه اختصاصه بالنبيّ صلى الله عليه وآله.

١٥٥

لكن يمكن أن يذبّ عنه : بأن الشيخ ذكره في باب فضل غسل الزيارة ، وهذا الباب مقعود في غسل زيارة سيّد الشهداء عليه السلام ، وإن كان العنوان مطلقاً ، بشهادة الباب السابق عليه والباب اللاحق له ، حيث إنّ الباب السابق عليه باب نسب أبي عبد الله الحسين بن عليّ عليهما السلام وباب فضل زيارته ، والباب اللاحق له باب زيارته ، والغرض زيارة سيّد الشهداء عليه السلام وباب وداع أبي عبد الله الحسين بن علي عليهما السلام.

بل نقول : إنّ مقتضى بعض الروايات تعاهد الاشتراط.

كما رواه في كامل الزيارة بسنده عن هشام بن سالم ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : «أتاه رجل فقال له : هل يزار والدك؟

فقال :نعم إلى قال :من اغتسل من ماء الفرات وهو يريده تساقطت عنه خطا ياهُ كيوم ولدته اُمّه »(١) .

وكذا ما رواه في «كامل الزيارة»(٢) : عن الحسن بن زبرقان(٣) الطبري بإسناده يرفعه إلى الصادق عليه السلام قال : «قلت ربّما أتينا قبر الحسين بن عليّ عليه السلام فيصعب علينا الغسل للزيارة من البرد أو غيره. فقال عليه السلام :من اغتسل في الفرات وزار الحسين عليه السلام كتب له من الفضل ما لا يحصى ...»(٤) .

__________________

(١) كامل الزيارة : ٣٤٤ ، الباب ٧٥ مَن اغتسل في الفرات وزار الحسين عليه السلام ، الحديث ٤.

(٢) قوله : «وكذا ما رواه في كامل الزيارة» هذا ما كتبه سابقاً ، لكنّه بعدما نقل من عبارة الحديث ، فمتى ما رجع إلى الموضع الذي اغتسل فيه وتوضّأ وزار الحسين عليه السلام كتب له ذلك الثواب ، ومقتضاه عدم اشتراط الغسل ، ويرشد إليه أنّ الحديث مذكور في كامل الزيارة في باب الرخصة في ترك الغسل لزيارة الحسين بن عليّ صلوات الله عليه. منه رحمه الله.

(٣) قوله : «زبرقان» بكسر الزاي المعجمّة وسكون الباء الموحدة وكسر اللام المهملة والقاف ، كما في التوضيح. منه عفي عنه.

(٤) كامل الزيارة : ٣٤٨ ، الباب ٧٦ الرخصة في ترك الغسل لزيارة الحسين عليه السلام ، الحديث ١٠.

١٥٦

بل مقتضاه شدة الاهتمام في باب الغسل وعدم ارتفاع اشتراطه بالعسر والحرج.

إلّا أن يقال : إن اعتبار شيء في عبادة ، سواء كان بالأمر الحاضر أو الغائب أو بالجملة الخبريّة ، ظاهر في كون الأمر من باب الاشتراط ، لا الواجب التعبدي في الواجب إن كانت العبادة واجبة ، أو المستحبّ في المستحب إن كانت العبادة مستحبة ، كما أنّ النهي عن الشيء مقيّداً بعبادة ظاهر في كون الأمر من باب الممانعة وفساد العبادة مع الاقتران بالمنهيّ عنه ، والأمر بالشيء مقيّداً بعبادة بالأمر الحاضر غير عزيز ، وقد حرّرنا المقال فيه في الأصول ، ومن باب الأمر الغائب والجملة الخبريّة ما في بيان زيارة عاشوراء من قوله :«فليعل أعلى منزله » ، وقوله عليه السلام : «برز إلى الصحراء أو صعد مرتفعاً في داره » حكاية الصعود إلى السطح والبروز إلى الصحراء في زيارة عاشوراء في الأمر الغائب ومطلق الزيارة في الجملة الخبريّة ، ويظهر الحال بما مرّ ، لكن اعتبار شيء في العبادة على وجه القضية الشرطية ، كما في هذه الأخبار المذكورة لا دلالة فيه على اشتراط الشيء في العبادة ، وإنّما المدلول اشتراط ترتّب الثواب والجزاء بالشيء المذكور ، فغاية الأمر الدلالة على كمال العبادة لا الاشتراط والإناطة.

بل نقول : إنّ مقتضى كثير من الروايات كون الغسل من باب الكمال.

كما رواه في «كامل الزيارة» بسنده عن بشير الدّهان ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : «من أتى الحسين بن عليّ عليهما السلام فتوضّأ واغتسل في الفرات ، لم يرفع قدماً ولم يضع قدماً إلّا كتب الله عليه حجّة وعمرة »(١) .

إذ لم يقل أحد باشتراط الوضوء مع الغسل لو كان العبارة بالواو ، أو على وجه الترديد لو كانت العبارة بأو ، فالظاهر مساوقة الوضوء والغسل ولا إشكال في كون الوضوء من باب الكمال.

__________________

(١) كامل الزيارة : ٣٤٥ ، الباب ٧٥ مَن اغتسل في الفرات وزار الحسين عليه السلام ، الحديث ٧.

١٥٧

وكذا ما رواه في «كامل الزيارة» بسنده عن يونس بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : «إذا كنت منه قريباً ، يعني الحسين عليه السلام فإن أصبت غسلاً فاغتسل وإلّا فتوضّأ ...»(١) .

إلّا أن يقال : إنّ الأمر فيه ليس على منوال الرواية السابقة ، إذ لا بأس باستحباب الوضوء لمن لم يتمكّن من الغسل.

وكذا ما رواه في «كامل الزيارة» بسنده عن أبي الصّامت ، قال : «سمعت أبا عبد الله عليه السلام وهو يقول :من أتي قبر الحسين عليه السلام ماشياً كتب الله له بكلّ خطوة ألف حسنة ، ومحى عنه ألف سيئة ، ورفع له ألف درجة ، فإذا أتيت الفرات فاغتسل وعلّق نعليك وامشِ حافياً وامشِ مشي العبد الذليل ، فإذا أتيت باب الحائر فكبّر أربعاً ثم امشِ قليلاً ثم كبّر أربعاً ثم ائت رأسه فقف عليه فكبّر أربعاً وصلّ عنده واسأل الله حاجتك »(٢) .

إذ مقتضى الوقوع في سياق تعليق النعل والمشي حافياً ومشى العبد الذليل استحباب الغسل كاستحباب التعليق والمشي حافياً ومشي العبد الذليل.

نعم ظاهر اعتبار التكبير ولاسيّما أربعاً خصوصاً على التفصيل المذكور في الحديث اشتراط التكبير وهو الحال في الصّلاة.

وكذا ما رواه في «كامل الزيارة» بسنده عن محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام ، وعن نسخة عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : «قلت : إذا خرجنا إلى أبيك فلسنا في حج؟

قال :بلى.

قلت : فيلزمنا ما يلزم الحاج؟

__________________

(١) كامل الزيارة : ٣٤٨ ، الباب ٧٦ الرخصة في ترك الغسل لزيارة الحسين عليه السلام ، الحديث ٨.

(٢) كامل الزيارة : ٢٥٤ ، الباب ٤٩ ثواب من زار الحسين عليه السلام راكباً أو ماشياً ، ومناجاة الله لزائره ، الحديث ٤.

١٥٨

قال :يلزمك حسن الصحابة لمن يصحبك ، ويلزمك قلّة الكلام إلّا لخير ، ويلزمك كثرة ذكر الله ، ويلزمك الغسل قبل أن تأتي الحائر ، ويلزمك نظافة الثياب ، ويلزمك الخشوع وكثرة الصلاة والصلاة على محمّد وآل محمّد ، ويلزمك التوقي لأخذ ما ليس لك ، ويلزمك أن تغضّ بصرك ، ويلزمك أن تعود على أهل الحاجة من إخوانك إذا رأيت منقطعاً والمواساة ، ويلزمك التقية التي هي قوام دينك بها والورع عما نهيت عنه والخصومة وكثرة الأيمان والجدال الذي فيه الأيمان ، فإذا فعلت ذلك تمّ حجك وعمرتك ، واستوجب من الذي طلبت ما عنده بنفقتك واغترابك عن أهلك ورغبتك فيما رغبت أن تنصرف بالمغفرة والرحمة والرّضوان »(١) .

__________________

(١) كامل الزيارة : ٢٥٠ الباب ٤٨ كيف يجب أن يكون زائر الحسين بن عليّ عليهما السلام ، الحديث ١.

١٥٩

[التنبيه] التاسع :

في أنه هل يجوز الإكتفاء في زيارة عاشوراء

باللعّن والسلام مرة واحدة؟

أنّه هل يجوز الإكتفاء في كل من اللعن والسلام بالمرّة الواحدة أم لا؟

قيل : إنّه يعتبر في اللعن والتسليم الإتيان بكل منهما مائة مرة ولا يكفي الأقل.

أقول : إن مقتضى رواية علقمة في كل من رواية كامل الزيارة و «المصباح» اشتراط تكرار اللعن والتسليم مائة مرة ، ومقتضى رواية كامل الزيارة ورواية عقبة وإن كان عدم اشتراط المائة ، لكن مقتضاه اشتراط كمال الإكثار ، حيث إنه مقتضى الاجتهاد المأخوذ في الروايتين ، فلا يكفي المرة الواحدة على التقديرين.

نعم يتأتى الكلام لو صدق الاجتهاد بدون المائة ، فلو قلنا بحمل المطلق على المقيّد في المستحبّات ، فلابدّ من البناء على المائة ، وإلّا فيكفي ما دون المائة ، كما أنّه لو قلنا بحمل المطلق على المقيّد يكفي ما دون المائة أيضاً ، بناء على التسامح في المستحبّاب لو قلنا باطراده مع الظنّ المعتبر بالخلاف ، وأمّا الاكتفاء بالمرة الواحدة فلا وجه لحرمنه ، إلّا تطرق البدعة ، لكنها غير متطرقة مع الاطلاع على اعتبار التكرار مائة مرة.

نعم لو كان مبيناً على خيال فاسد ، كخيال من عند النفس ، أو اجتهاد غير معتبر ، أو تقليد غير معتبر ، كتقليد بعض العوام لبعض آخر ، أو بعض أرباب العلم الغير البالغ رتبة الاجتهاد أو المجتهد مع عدم اعتبار مدرك اجتهاده ، كما لو كان اجتهاده مبنياً على القياس ، يتأتى تطرق البدعة ، ويظهر الأمر كمال الظهور بملاحظة ما حرّرناه في الأصول في باب البدعة في بحث التسامح في أدلّة السنن.

١٦٠

[التنبيه] العاشر :

في أنه هل يجوز الإتيان بزيارة عاشوراء في مجالس متعددة

أو ماشياً أو راكباً أم لا؟

وعلى الثاني هل تعتبر الموالاة في أجزائها أم لا؟

أنّه هل يجوز الإتيان بالزيارة المبحوث عنها على النظم المتقدّم في مجالس متعددة أو ماشياً أو راكباً أو في السفينة أم لا؟

وعلى الثاني(١) هل يعتبر الموالاة في أجزائها أم لا؟

(أمّا الثاني )(٢) : فالظاهر من أخبار الزيارة اعتبار الموالاة فلو تخلل الفصل في البين ، فالظاهر لزوم الاستيناف ، نعم لو كان الفصل لا ينافي الاتصال عرفاً ولا يوجب عدم صدق الاسم وانمحاء الصورة سواء كان الفصل بالإختيار كشرب الماء أو بالإضطرار كالتعطس ، فلا بأس بالفصل ، وعلى هذا المنوال تجري الحال في جميع المركبات المركبة من الأقوال والأفعال أو الأقوال أو الأفعال ، ومنه الوضوء وغيره.

وربما فُصِّلَ في الفصل المتخلل المخلّ بالإتصال عرفاً بين الإضطرار والإختيار ، بارتفاع الموالاة ولزوم الاستئناف على الثاني(٣) دون الأوّل(٤) ، فيجوز فيه إتمام العمل.

__________________

(١) وهو عدم جواز الإتيان بها على النظم المتقدّم.

(٢) وهو عدم اعتبار الموالاة.

(٣) وهو الاختيار.

(٤) وهو الاضطرار.

١٦١

وأنت خبيرٌ بأن المانع عن إلتيام الصورة وتحقّق الهيئة أعني الصحّة لا يختلف ممانعته بالإختيار والإضطرار ، فقضية عدم اختلاف الأحكام الوضعيّة والآثار القهرية بالإختيار والإضطرار ، نعم جواز ارتكاب المانع يختلف بالإختيار ، لكنه أمر آخر ليس الكلام فيه ، بل ارتكاب المانع هنا بالإختيار لاريب في جوازه.

وأمّا الأوّل (١) : فإن كان تعدّد المجلس بحيث لا يخل بالموالاة ، كما لو ذهب من سطح داره إلى سطح آخر أو من موضع من الصحراء إلى موضع آخر من دون إخلال بالموالاة مع كون الزيارة إلى جهة قبر سيّد الشهداء عليه السلام فلا بأس به ، وإلّا فتبطل الزيارة ، قضيّة انمحاء الصورة وعدم صدق الاسم.

ولا فرق في الباب بين الإختيار والإضطرار ، وأما المشي والركوب والكون في السفينة فلا يشملها أخبار الزيارة بعد كونها في جهة قبر سيّد الشهداء عليه السلام وإلّا فالظاهر بطلان الزيارة إذ مقتضى الأخبار اعتبار الجهة.

ولا فرق في الباب أيضاً بين لزوم المشي أو الركوب أو الكون في السفينة وارتكاب الزيارة بعدها أو عروض الإضطرار إلى المشي أو أحد من أخويه بعد الشروع في الزيارة ، هذا مع قطع النظر عن الصلاة والسجدة ، وإلاّ فعدم شمول الصّلاة في أخبار الزيارة للصلاة ماشياً أو راكباً بعد صحة صلاة الزيارة ماشياً أو راكباً من باب القطع بعدم الفرق بينها وبين النافلة(٢) أظهر من عدم شمول السلام الطويل واللّعن والسّلام المكرّرين لما يكون ماشياً أو راكباً أو في السفينة ، وعلى ذلك المنوال حال السجدة

__________________

(١) وهو اعتبار الموالاة.

(٢) قوله : «بينها وبين النافلة أظهر» بناء على جواز النافلة ماشياً أو راكباً ، ولو في الحضر بالاختيار ، كما يدلّ عليه الأخبار ، وهو اختيار من عدا العماني والأحسائي نقلاً ، حيث إنّهما خصّا الجواز بالسفر ، وجوازها في السفينة كما يدلّ عليه غير واحد من الأخبار ، بل الأخبار كما في الغنائم ، والظاهر أنّه لا خلاف فيه. منه رحمه الله.

١٦٢

ماشياً أو راكباً بالإيماء بالرأس أو غيره ، فإن عدم شمول السجدة في أخبار الزيارة للسجدة ماشياً أو راكباً أظهر من عدم شمول السلام وأخويه لما يكون ماشياً أو راكباً.

وربّما فُصِّلَ (١) : بأنّه إذا كان راكباً أو في السفينة فكان مجلسه بحاله ولم يتعدّد له المجلس ، سواء كان في حال الإختيار أو الإضطرار ، ويجوز الإتيان بصلاته حال الركوب مومياً ، كما هو شأن صلاة النافلة.

وأما في حال المشي فإن كان ذلك في حاجة لازمة أو راحجة كعيادة مريض أو تشييع جنازة أو قضاء حاجة مؤمن أو نحو ذلك فلا بأس ، ولكن إذا عرضت له هذه الحوائج وهو في أثناء الزيارة فلا يترك عمله بل يأتي بها متشاغلاً به.

وأما إذا كان مشيه إلى الحاجة قبل الشروع في الزيارة ، فإن لم يخف الفوت بالتأخير إلى زمان القرار فالأولى والأحوط التأخير ، وإن خاف الفوت فليومِ إليه عليه السلام بأوّل السّلام ، ثم يأتي بالباقي على الوجه الذي إليه مشيه ، وإن لم يكن في حاجة لازمة ولا راجحة فالإتيان بها بقصد التوظيف لا يخلوا عن إشكال ، وقد يُستأنَسُ بعضُ ما ذكرناه بروايات وردت في الطواف ، ثم إنّه إذا كان مشغولاً بالعمل حال مشيه في موضع الجواز وجاء وقت السجدة أو الصلاة فالظاهر عدم جواز الإيماء وإن كان الأفضل حينئذٍ اختيار مكان لأجل السّجود والصّلاة ، بحيث لا يخلّ بالموالاة ، وإلاّ فليقتصر على الإيماء ، ومن ذلك يظهر الحال في إتيانها في مجالس عديدة ، فإنه إذا كان ذلك لأجل حاجة ضروريّة جاز إذا لم يخل بالموالاة ، وكذا الحوايج الراجحة شرعاً ، وإلاّ فإن كانت المجالس في حكم مجلس واحد فلا بأس بذلك ، كما إذا كان في سطح واحد فزار في موضع وأتى باللّعن في موضع آخر وهكذا ، وإن كانت المجالس متعدّدة فإن أخلّ مع ذلك بالموالاة من دون عارض يمنعه عن إتمام العمل في المجلس الأوّل فالظاهر عدم الصحّة ولزوم الاستيناف لو أراد الإتيان بهذا العمل

__________________

(١) لم نعثر على المفصّل.

١٦٣

على وجه الصحّة وإن لم يخلّ بالموالاة ، كما إذا أخلّ بها وقد عرض له أمر عاقه عن إتمام العمل ، فإن الظاهر جواز البناء وعدم لزوم الاستيناف.

أقول : إنّ ما ذكره(١) في باب الركوب والكون في السّفينة فإن كان المقصود شمول أخبار زيارة عاشوراء ، كما ربّما يفصح عنه قوله فإنّما مجلسه بحاله ولم يتعدّد له المجلس فهو ظاهر الضّعف ، ولا سيّما بالنسبة إلى الصّلاة ، وإن كان المقصود القطع بعدم الفرق فلا يخلو عن الوجه بعد فرض كون الركوب وحركة السفينة في جهة قبر سيّد الشهداء عليه السلام ، ولعلّ الفرض المذكور هو ظاهر كلامه.

وأما ما ذكره : في باب المشي في حاجة لازمة أو راجحة.

فمحصوله أنه لا يمانع عن الشروع ولا عن الإتمام.

ويُضعفُ : بأنّه يتأتى الكلام ، تارة في ممانعة المشي في حاجة لازمة أو راحجة عن صحّة الزيارة ، وأخرى في ترجيح المشي على الزيارة بدون المشي ، أمّا الأوّل فهو الذي ينبغي التكلّم فيه في المقام ولا خفاء في عدم ممانعة لزوم المشي أو رجحانه عن فساد الزّيارة ، كما أنّ الصّلاة مثلاً لا يختلف فسادها بارتكاب ما يفسدها من الفعل الكثير بلزوم الفعل الكثير أو رجحانه وعدمهما ، وظاهره القول بالصحّة في المقام ، ويظهر فساده بما سمعت.

وأمّا الثاني فلابدّ فيه من ملاحظة الأهميّة في صورة رجحان الحاجة ولا يصحّ ترجيح المشي إلى الحاجة الرّاجحة ، نعم لزوم الحاجة يوجب ترجيح المشي إليها على الإطلاق.

وأما ما ذكره من أنّه إن خاف فوت الزيارة بالتأخير إلى زمان القرار فليومِ إليه بأوّل السلام.

__________________

(١) المُفَصَّل الذي تقدّم ذكره في قوله المتقدّم : «وربّما فصّل».

١٦٤

فيُضعفُ بأنّه إن تعذّر السلام بالتمام ولم يأت بتمام السّلام فلا جدوى في الإتيان بأوّل السلام ، إلّا أن يكون مبنياً على زعم كون المقصود بالإيماء بالسّلام هو الإيماء بالسّلام المندوب ، أعني أوّل السلام ، وليس بشيء إذ المقصود بالإيماء بالسّلام إما أن يكون الإيماء من السّلام إلى السلام أعني مجموع السّلام الطويل واللّعن والسّلام المكرّرين أو السّلام الطويل ، وعلى التقديرين لا يكفي السّلام المندوب ، أن يكون مبنياً على أنّ الميسور لا يسقط بالمعسور ، إلّا أن قاعدة الميسور والمعسوُر غير تامة ، ولا سيّما في المستحبّات على الأظهر ، وقد حرّرنا تفصيل الكلام في الأصول ، مع أن مجرى تلك القاعدة إنّما هو ما لو تعذّر بعض أجزاء المركّب ، والأمر في المقام من باب تعذّر الشرط بتمامه إذ الإيماء من باب شرط الزيارة ، وهاهنا قد تعذّر الإتيان به في تمام الزيارة وإنّما أمكن الإتيان به في أوّل السلام ، هذا على تقدير كون المقصود بالإيماء الإشارة بالإصبع ، وأما لو كان المقصود من الإيماء إليه هو توجيه السّلام نحوه ، فلعلّ الظاهر كون الأمر من باب الجزئيّة ، وأمّا لو قلنا بعدم اشتراط الإشارة بالإصبع ، كما يأتي ، فلا حاجة إلى الإيماء لو كان المقصود به الإشارة بالإصبع ولو في أوّل السّلام.

وأمّا ما ذكره : من أنّه إن لم يكن المشي في حاجة لازمة ولا راجحة فالإتيان بالزّيارة بقصد التوظيف لا يخلو عن إشكال.

فيُضعفُ : بأنّه لا إشكال في عدم جواز قصد التوظيف ، ومقتضى كلامه خلو قصد التوصيف عن الإشكال ، بل الحق عدم إمكان قصد التوظيف مع الاطّلاع والالتفات إلى عدم شمول الأخبار ، وإن أمكن تصور التّوظيف ، لكن تصوّر الحرام لا يكون حراماً ، نعم يمكن التصديق في صورة عدم الاطلاع على عدم شمول الأخبار من باب الخرص والتخمين أو التقليد الفاسد ، وحينئذٍ يتأتى الحرمة.

وأمّا ما ذكره : من استيناس بعض ما ذكره بروايات وردت في الطواف.

فيُضعّفُ : بأن الاستيناس لا جدوى فيه ، لأنّه لا يخرج عن القياس فتدبّر.

١٦٥

وأمّا ما ذكره : من أنّ الظاهر جواز الإيماء فيما إذاكان مشغولاً بالعمل حال مشيه في موضع الجواز وجاء وقت السّجدة أو الصّلاة.

فيُضَّعفُ : بأن دعوى الظهور مع إمكان أخذ مكان لأجل السجود أو الصّلاة بحيث لا يخلّ بالموالاة ، كما هو المفروض في ظاهر كلامه محلّ الإشكال ، بل الظاهر العدم ، هذا والتعرض لحال السجدة والصّلاة في كلامه المذكور يكشف عن عدم دخول حالهما فيما يقتضيه كلامه المتقدّم من الشروع في الزيارة عند سبق المشي وإتمامها عند عروض المقتضى للمشيّ وإلاّكان الظاهر دخول حالهما فيما يقتضيه كلامه المتقدّم.

وأمّا ما ذكره : من الإقتصار على الإيماء في صوره عدم إمكان أخذ مكان لأجل الصّلاة.

فيُضعّفُ : بأن المفروض دوران الأمر بين فوت الموالاة وفوت القيام وغيره في الصّلاة ووضع الجبهة في السجود واختيار الثاني لابدّ له من مستند وحجّة.

وأمّا ما ذكره : من جواز الإتيان بالزّيارة في مجالس عديدة لأجل حاجة ضروريّة أو راجحة شرعاً.

فيُضعّفُ : بما يظهر مما تقدم.

وأما ما ذكره : من أنّ الظاهر جواز البناء وإتمام العمل لو عاقه أمر عن إتمام العمل في المجلس الواحد وأوجب تعدد المجلس.

فيُضعّفُ : بما يظهر مما مر من أنّ الإضطرار إلى ارتكاب المانع لا يمانع عن ممانعة المانع عن الصحة والتيام الطبيعة ، لعدم اختلاف الأحكام الوضعية والآثار القهريّة بالإختيار والإضطرار.

وربّما يتوهّم : أنّ مقصوده بما ذكره هو دعوى الظهور فيما لو عاق أمر عن الموالاة بمجرّده ولو في المجلس الواحد.

١٦٦

وهو مدفوع : بأنّه قد تقدّم منه ذكر ما لو عاق أمر عن الإتمام في المجلس الواحد ، وحكم فيه بالإتمام ، ولا مجال للتكرار مع أنّ مقتضى السياق وكون دعوى الظهور المذكور في تلو أحكام تعدد المجلس هو كون تلك الدعوى في باب تعدد المجلس.

١٦٧

[التنبيه] الحادي عشر :

في أنه هل يجوز كون السّلام الطويل

اللّعن والسّلام المكرّرين بالقعود؟

إنّ الظاهر أنه لا إشكال في جواز كون دعاء الوداع أعني دعاء صفوان بالقعود ، وكذا الحال في الدعاء قبل السجدة ، وهل يتعيّن كون السلام الطويل واللعن والسّلام المكررين بالقيام أو يجوز كونهما بالقعود؟

أقول : الظاهر إن فعل صفوان كان بالقيام ، كما هو المعهود المتعارف خلفاً بعد سلف غالباً ، بل الظاهر أنّ إطلاق الأخبار ينصرف إلى القيام ، بل يمكن دعوى استمرار السيرة على القيام في باب السّلام الطويل ، بل الاعتبار يقتضي تعيّن كون السّلام الطويل والمكرر بالقيام ، ولا سيّما بالنسبة إلى القريب إذ السّلام هنا بمنزلة السّلام والمكالمة مع سيّد الشهداء عليه السلام بالمشافهة ولا ريب أنّ حسن الأدب يقتضي كون السّلام والمكالمة في صورة المشافهة بالقيام ، نعم اللّعن من باب الدعاء والمكالمة مع الله سبحانه ، ولا بأس بكونه بالقعود ، كما أنه لم يتعيّن في دعاء من الأدعية كونه بالقيام لتنزّه الله سبحانه عن التعيّن في جهة من الجهات ، ويرشد إلى حسن مراعاة الأدب ، بل لزومها ما حكي من أنّ بعض الأعلام في بعض أيام التحصيل رأى سيّد الشهداء عليه السلام في النوم فسلّم عليه فأعرض عنه فسُئلَ عن وجه الإعراض ، فقال : قلت لفلان فتسارع بعض الأعلام في اليوم إلى الفلان وهو صار من العلماء وسئل عن مقالة سيّد الشهداء عليه السلام ، فقال إنّي رأيته في النوم قال لي : إنّ بعضاً لا يبالي ويجيب عن السؤال بمحضري ، فتفطّن بعض الأعلام بما صنعه حيث أجاب عن السؤال في بقعته الشريفة.

١٦٨

[التنبيه] الثاني عشر :

في أنّ التكلّم في خلال زيارة عاشوراء هل يوجب فسادها؟

أنّ التكلّم في خلال الزيارة هل يوجب فسادها أم لا؟

أقول : لا ينبغي الإشكال في عدم الفساد ، لو لم يكن التكلّم ماحياً للصورة والاتصال وصدق الزيارة عرفاً ، وأما لو كان التكلّم ماحياً للصورة ، فيمكن القول بالبطلان ولزوم الاستئناف ، بل لعل الأمر خال عن الإشكال.

١٦٩

[التنبيه] الثالث عشر :

فيما تعارف من الإشارة بالإصبع

في حال الزيارة في زيارة عاشوراء

أنّه قد تعارف بين الخواصّ والعوام الإشارة في حال الزيارة بإصبع السبّابة ، والظاهر أنّها يقال لها إصبع الشهادة أيضاً.

ولعلّه مبنيّ على حمل الإيماء في رواية مالك وعلقمة وعقبة على الإشارة بالإصبع.

وليس بشيء إذ الإيماء لغة بمعنى مُطلق الإشارة ، قال في الصحاح : «وَمَأَ وأومأتُ إليهِ : أشرتُ»(١) .

وفي «المصباح» : «أوْمَأتُ إليهِ أشرْتُ بحاجبٍ أو يدٍ أو غيرِ ذلكَ»(٢) .

وفي القاموس : «وَمَأ إليهِ كوضعَ أشارَ كأومأ وومأ ، وتقدم في وَبأ»(٣) ، وذكر في وَبأ : أن «وبأ إليه بمعنى أشار ، قال والإيباء الإشارة بالأصابع من أمامك ليُقبِلَ ، والإيماء من خلفك ليتأخّر» ، وفي بعض النسخ : «والإبياء».

وعلى الأوّل المقصود استعمال الإيماء في الإشارة بالأصبع من الخلف للتأخّر ، وعلى الثاني المقصود الترديد في الإيباء بين كونه مُطلق الإشارة أو الإشارة من الأمام قبال الإيماء المقصود به الإشارة من الخلف ، والمقصود بما ذكره في الإيماء :

__________________

(١) صحاح الجوهري : ١: ٨٢ ، مادّة «ومأ».

(٢) المصباح المنير : ٦٧٣ ، مادة «ومأ».

(٣) القاموس المحيط : ١: ١٤٦ ، مادّة «وبأ».

١٧٠

أنّه يمعنى مُطلق الإشارة ، ويستعمل في قبال الإيباء ، ولا مجال للترديد في المقام ، إذ مقتضى العبارة على تقدير كونها با وهو الترديد في الإيباء لا الإيماء ، ولا يسرى الترديد في الإيباء إلى الإيماء ، ولم يقل أحد بكون الإيماء هو الإشارة بالإصبع ، فلا مجال لحمل الإيماء في رواية مالك وأخويه(١) على الإشارة بالإصبع ، بل المراد التوجه ، فالغرض من الإيماء بالسّلام هو توجيه السّلام وقصد سيّد الشهداء عليه السلام بالسّلام.

ويرشد إليه ما رواه في «كامل الزيارة» : عن سليمان بن عيسى ، عن أبيه ، قال : «قلت لأبي عبد الله عليه السلام : كيف أزورك إذا لم أقدر على ذلك؟

قال :يا عيسى ، إذا لم تقدر على المجيء ، فإذا كان في يوم الجمعة فاغتسل أو توضّأ ، واصعد إلى سطحك ، وصلِّ ركعتين ، وتوجّه نحوي »(٢) ، فإنّ المقصود بالتوجّه نحوه عليه السلام هو التوجّه بالزيارة.

وكذا ما رواه في «كامل الزيارة» بسنده : عن حنان ، عن أبيه ، قال : «قال لي أبو عبد الله عليه السلام :يا سدير ، تكثر زيارة قبر الحسين بن عليّ عليه السلام ؟

قلت : إنّه من الشغل.

فقال :ألا اُعلّمك شيئاً إذا أنت فعلته كتبت لك بذلك الزيارة ؟

فقلت : بلى جعلت فداك.

فقال لي :اغتسل في منزلك ، واصعد إلى سطحك ، وأشر إليه بالسّلام »(٣) ، حيث إنّ قوله عليه السلام : «وأشر إليه» ظاهر كمال الظهور في أنّ المقصود بالإيماء

__________________

(١) يعني أخويه في الرواية ، وهما علقمة وعقبة.

(٢) كامل الزيارة : ٤٨٢ ، الباب ٩٦ مَن نأت داره وبعدت شقّته كيف يزوره عليه السلام ، الحديث ٤.

(٣)كامل الزيارة : ٤٨٢ ، الباب ٩٦ مَن نأت داره وبعدت شقّته كيف يزوره عليه السلام ، الحديث ٥.

١٧١

هو مجرّد الإشارة.

ويرشد إليه أيضاً ما في رواية عبد الله بن سنان المروية في «المصباح» : «ثم تسلّم ، وتحوّل وجهك نحو قبر الحسين عليه السلام ومضجعه ، فتمثّل لنفسك مفزعه ، ومن كان معه من ولده وأهله ، وتسلّم وتصلّي عليه ، وتلعن قاتليه »(١) ، قضية الإكتفاء فيه بصرف الوجه.

وكذا ما حكاه سيف بن عميرة ، عن صفوان : «من أنّه صرف وجهه إلى ناحية أبي عبد الله عليه السلام فقال :تزورون الحسين عليه السلام من هذا المكان من عند رأس أمير المؤمنين عليه السلام من هاهنا ، وأومئ إلى أبي عبد الله عليه السلام ، حيث إنّ صفوان اكتفى بصرف الوجه ، والظاهر أنّ الغرض نقل ما فعله عن أبي عبد الله عليه السلام وتطبيق فعله على فعل أبي عبد الله عليه السلام ، ولا يتأتّى ذلك إلّا على تقدير كون الغرض من الإيماء هو توجيه الوجه.

لكن يمكن أن يكون الغرض من الإيماء هو توجيه السّلام ، فصرف الوجه تمهيد للزيارة ، لكنّه ـ أعني صفوان ـ قد حكى بعد ذلك ما فعله عن الصادق عليه السلام ، وربّما يرشد إليه ما في بعض زيارات عاشوراء : «ثم ارفع يديك ، واقنت بهذا الدعاء ، وقل وأنت تومئ إلى أعداء آل محمّد صلى الله عليه وآله : اللهمّ إن كثيراً من الاُمّة ناصبت المستحفظين من الأئمّة عليهم السلام»(٢) إلى الآخر ، حيث إنّ المقصود بالإيماء فيه هو القصد ليس إلّا.

وبعد هذا أقول : إنّ في بعض الروايات أنّ شخصاً كان يكثر زيارة سيّد الشهداء عليه السلام لكنّه بسبب الهرم والفقر تقاعد عن الزيارة فرأى في الرؤيا رسول الله صلى الله عليه وآله وعنده سيّدا شباب أهل الجنة ، فلما قرب إليهم قال سيّد الشهداء عليه السلام لرسول الله صلى الله عليه وآله : إن هذا الشخص كان يكثر الزيارة ، والحال ترك الزيارة.

__________________

(١) مصباح المتهجّد : ٧٨٣.

(٢) مصباح المتهجّد : ٧٨٤.

١٧٢

فتوجّه رسول الله صلى الله عليه وآله إليه وقال :زيارة الحسين هل يمكن تركها.

فقال : يا رسول الله ، الهرم والفقر يمانعا عن الزيارة.

فقال رسول الله صلى الله عليه وآله :اصعد كلّ ليلة على سطح دارك ، وأشر بإصبع الشهادة إلى قبر الحسين ، وقل : إلى آخر الزيارة».

وفي رواية أخرى : «إنّ شخصاً جاء مع سكينة ووقار ، وقام في روضة سيّد الشهداء عليه السلام ، وأشار بيده إلى جانب الضريح وأتى الزيارة.

وذكر العلّامة المجلسي قدس سره : أن الظاهر أنّ الزائر كان هو الخضر عليه السلام أو أحد من الأئمّة عليهم السلام.

لكنّك خبيرٌ بأن شيئاً من الروايتين لا عبرة بهما في إثبات اشتراط الإشارة بالإصبع ، لعدم اعتبار النوم في الأولى ، وعدم تعيّن الزائر بعد سلامة السند فيهما.

تذييلان

أحدهما : في أنّ الإشارة بالإصبع بناء على اعتبارها في الزيارة هل تختصّ

بالسّلام الطويل أو يطرّد في اللّعن والسّلام المكرّرين؟

إنّ الإشارة بالإصبع بناء على اعتبارها هل تختص بالسّلام الطويل أو تطرد في اللعن والسّلام المكرّرين؟

ربّما قيل : إنّ الأوْلى والأفضل الإيماء إلى قبره عليه السلام في تمام الزيارة ، كما هو ظاهر الرواية.

وإن كان للاكتفاء به في أصل السّلام دون غيره من اللعن والتسليم وجه.

أقول : إنّه لو كان المقصود بالسّلام المومى إليه هو الزيارة لا مطلق السّلام ، كما هو المفروض ، فلا بدّ من اطراد الإشارة في تمام الأجزاء فلا بدّ من الاطّراد في اللّعن والسّلام المكرّرين ، ولا مجال لكفاية الإشارة في السّلام الطويل.

١٧٣

إلّا أن يقال : أنّ الكلّ المعلّق عليه الحكم ربّما ينصرف إلى بعض الأجزاء ، كما أنّ الكلّي عليه الحكم ربما ينصرف إلى بعض الأفراد ، كيف وقد شاع وذاع أن المطلق ينصرف إلى الفرد الشائع ، بل كثيراً ما ينصرف المطلق إلى بعض الأفراد من غير جهة الشيوع ، ويأتي مزيد الكلام في هذا الباب ، فلا بأس بانصراف السّلام المومي إليه إلى السّلام الطويل.

لكنّه مدفوع : بأنّه إنّما يتم لو لم يكن تعلق الحكم في مقام بيان تشريع حكم الكل مع فرض انحصار دليل التشريع وإلّا فلا مجال للانصراف ، إذ لو انصرف الكل إلى بعض الأجزاء فلا دليل على تشريع الباقي ، ويبقى الباقي بدون دليل على التشريع ، والمفروض تشريع تمام الأجزاء ، والأمر في المقام من هذا القبيل.

إلّا أن يقال : إنّه يمكن أن يكون تشريع الباقي من الأجزاء ثابتاً بالإجماع لا يشمول الكل ، ولا بأس به ، وهذا نظير أنه لو ثبت اطراد حكم المطلق في بعض الأفراد النّادرة ، بناء على انصراف المطلق إلى الفرد الشائع ، فاطّراد الحكم لا يكشف عن شمول المطلق لجميع الأفراد بكون المراد بالمطلق هو الأعم من تلك النوادر ، فيرتفع ظهوره في الفرد الشائع ويصير ظاهراً في الأعم وأنّه لو كان اللّفظ موضوعاً لمعنى وثبت الحكم المتعلق بذلك اللّفظ في معنى آخر بالاجماع مع إمكان التجوّز باللّفظ عن المعني الأعم من المعنيين ، فهذا لا يصير قرينة على المجازية بكون اللّفظ مستعملاً في الأعم ، كما في قوله سبحانه :( فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ ) (١) ، حيث إنّ الإخوة حقيقة فيما فوق الاثنين ، بناء على كون أقل الجمع ثلاثة ، كما هو المشهور المنصور ، والحكم المذكور أعني الحجب ثابت في الأخوين بالاجماع ، وإمكان استعمال الإخوة فيما فوق الواحد مجازاً لا يمانع عن الاستعمال فيما فوق الاثنين حقيقة وإن اطراد الحكم المطرّد في غير مورد العلّة بناء على عدم اعتبار

__________________

(١) النساء ٤: ١١.

١٧٤

مفهوم العلة وثبوت التخصيص بها لا يمانع عن التخصيص.

لكن نقول : إنّ المفروض انحصار مدرك التشريع فيما لو انصرف إلى بعض الأفراد ويبقى الباقي خالياً عن التشريع ، فعلى هذا لابدّ من كون مدرك الاجماع هو عموم الكل لتمام الأجزاء ، فالاجماع يكشف عن عموم المدرك لجميع الأجزاء ولا مجال لكون الاجماع مدركاً بنفسه ، والأمر في المقام من هذا القبيل لانحصار ما يثبت تشريع اللّعن والسّلام فيما دل على الإيماء ولو انصرف هذا إلى السّلام يبقى اللعن والسّلام خالياً عن دليل التشريع.

ثانيهما : في كلام من العلّامة المجلسي قدس سره في الإشارة بالإصبع في زيارة سيّد الشهداء عليه السلام

إنّ العلّامة المجلسي قدس سره في «زاد المعاد في بيان أعمال ليلة النصف من شعبان» بعد أن روى مرسلاً عن الصادق عليه السلام : «أنّ في نصف ليلة النصف من شعبان يغفر الله جميع ذنوب من زار سيّد الشهداء عليه السلام » ، قال قدس سره : «واقلّ زيارت آن حضرت آن استكه ببامى يا صحن ﮔﺸﺎﺩﻩ درآيد وبجانب راست آسمان وبجانب ﭼﭗ وبه بالاى سر نظر كند ﭘﺲ باﻧﮕﺸﺖ إشاره كند بجانب راست قبله ﭘﺲ ﺑﮕﻮيد : السّلام عليك يا أبا عبد الله ، السّلامُ عَليكَ ورحمةُ اللهِ وبركاته».

أقول : إن هذا مضمون ما رواه الفقيه مرسلاً عن حنان بن سدير ، عن أبيه ، عن الصادق عليه السلام ، كما مر ، حيث قال عليه السلام : «اصعد فوق سطحك ، ثم التفت يمنة ويسرة ، ثم ارفع رأسك إلى السماء ، ثم تنحو نحو قبر الحسين عليه السلام فتقول : السّلام عليكَ يا أبا عبد الله ، السّلامُ عَليكَ ورحمةُ الله وبركاته ...»(١) ، فالمدار في كلامه

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه : ٢:٥٩٩ ، باب ما يقوم مقام زيارة الحسين عليه السلام وزيارة غيره ، الحديث ٢.

١٧٥

على بيان أقلّ ما يتحقّق به زيارة سيّد الشهداء عليه السلام.

لكن نقول : إنّه(١) زاد كفاية البروز إلى الصحراء ، وليس هذا بمتجه وإن اتّجه تقييد تلك الرواية بعد اعتبار سندها بصدر رواية «كامل الزيارة» وصدر رواية «المصباح» ، بعد اعتبار سندهما لاقتضائهما التخيير بين الصعود إلى السطح والبروز إلى الصحراء في الزيارة يوم عاشوراء ، وقد تقدّم الكلام فيه.

ومع هذا نقول : إنّه قد زاد : «السّلام عليك يابن رسول الله» مع خلو تلك الرواية عنه وكفاية ما ورد في الرواية في أقل ما يتحقّق به الزيارة وهو الذي يكون كلامه في بيانه.

ومع هذا نقول : إنّه ليس في تلك الرواية إشارة إلى الإشارة بالإصبع ، وهو قد اعتبر الإشارة بالإصبع.

إلّا أن يقال : إنّ اعتبار الإشارة بالإصبع من باب اعتبار الإيماء في الروايات.

لكنّه مدفوع : بما مر من أنّ المقصود بالإيماء هو توجيه السّلام.

ومع هذا نقول : إنّ اعتبار كون الإشارة بالإصبع إلى جانب القبلة بعد خلو تلك الرواية عنه لم أظفر به في رواية من الروايات.

إلّا أن يقال : إنه مبنيّ على استخراج جهة القبر بالدائرة الهنديّة(٢) كاستخراج القبلة.

__________________

(١) يعني به العلّامة المجلسي في زاد المعاد.

(٢) نظير الأمر في المقام ما ذكره المحقّق القمّي من أنّهم ادّعوا الإجماع في مسألة القبلة ، على أنّ من بنى على الظنّ فيها بعد العجز عن تحصيل العلم ، ثمّ ظهر له الانحراف عنها ما بين المشرق والمغرب ، فيصحّ إجماعاً ويستدير إلى القبلة ، وإلّا فيبطل ، مع أنّ دعوى الإجماع لا تصحّ إلّا في القبلة إلى العراق وأشباهه ، مع أنّ الفقهاء أطلقوا المسألة ، وقد تكون القبلة في نقطة المشرق أو نقطة المغرب. منه رحمه الله.

١٧٦

لكن نقول : إنّ مقتضى كلامه كون قبر سيّد الشهداء عليه السلام في جانب يمين القبلة ، وقد صرّح بعض الأصحاب باختصاصه بأكثر البلاد المشهورة من العراق بتفاوت فيها في انحراف القبر عن القبلة ، حيث إنّ الانحراف في إصفهان بثلاثة وخمسين درجة وفي شيراز بخمسة وستين درجة ، وفي مشهد المقدّس الرضوي بسبعة وستّين درجة ، وفي قزوين باثنين وثلاثين درجة ، وقد يكون القبر في جانب اليسار بدرجة.

وقال بعض الأعلام : إنّ التوجّه إلى أرض قدس كربلاء في إصفهان ومثله من بلاد إيران يحقّق بالميل من سمت القبلة بجانب المغرب ، ومقدار الميل يختلف بزيادة طول البلد وعرضه ونقصانه.

مضافاً إلى ما عن بعضٍ من القدح في استخراج القبلة وجهات قبور الأئمّة بالدائرة الهندية بوجوه.

ومع ذلك نقول : إنّ ما ذكره يختصّ بالبعيد ، واستحباب الزيارة ليلة النصف من شعبان يعمّ القريب.

اللهمّ إلاّ أن يكون عمدة البناء في زاد المعاد على ذكر زيارة البعيد ، كما هو مقتضى ما تقدم من كلامه.

١٧٧

[التنبيه] الرابع عشر :

في أنّ الزيارة السابقة على زيارة عاشوراء على ما رواه في «المصباح» هي زيارة أمير المؤمنين عليه السلام بالزيارة السادسة كما هو مقتضى ما رواه محمّد بن المشهدي واختلاف الروايتين من وجوه ، واختلاف دعاء الوداع على ما رواه «المصباح» لو كان الأمر على ما رواه محمّد بن المشهدي

إنّ الزيارة السابقة على زيارة عاشوراء ، أي المقصود بالزيارة المفروغ عنها في رواية «المصباح» في قول سيف بن عميرة : «فلمّا فرغنا من الزيارة» هو زيارة أمير المؤمنين عليه السلام ، بقرينة قوله : «خرجت مع صفوان بن مهران الجمّال وجماعة من أصحابنا إلى الغريّ» ، وزيارة أمير المؤمنين عليه السلام إنّما كانت بالزيارة السادسة ، كما هو مقتضى رواية محمّد بن المشهدي ، لكن بين رواية «المصباح» ورواية محمّد بن المشهدي اختلاف من أربعة وجوه :

أحدها : إنّ رواية محمّد بن المشهدي لا توافق رواية «المصباح» في باب الزيارة إلاّ في قوله : السّلامُ عَليك يا أبا عبد الله ، السّلامُ عليك يابن رسول الله» ، ومن هذه الجهة تخالف رواية محمّد بن المشهدي رواية «كامل الزيارة» أيضاً.

ثانيها : إنّ قوله : «أتيتكما زائراً ومتوسّلاً إلى الله» داخل في زيارة سيّد الشهداء عليه السلام ، بل هو صدر الزيارة في رواية محمّد بن المشهدي ، وفي رواية «المصباح» داخل في الوداع.

ثالثها : إنّ قوله : «أتيتكما زائراً» مؤخّر في رواية «المصباح» عن قوله : «يا الله ، يا الله» ، وفي رواية محمّد بن المشهدي مقدّم عليه.

١٧٨

رابعها : إنّ في رواية محمّد بن المشهدي قال : «ثم تلتفت إلى أمير المؤمنين عليه السلام وتقول :السَّلَامُ عَلَيْكَ يا أَميرَ الْمُؤْمِنينَ ، والسَّلَامُ عَلىٰ أَبي عبْدِ اللهِ الْحُسَيْن ما بَقِيتُ وَبَقِيَ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ ، لَا جَعَلَهُ اللهُ آخِرَ الْعَهْدِ مِنّي لِزيارَتِكُما ، وهذه الفقرات داخلة في الوداع في رواية «المصباح» من دون التفات إلى أمير المؤمنين عليه السلام.

وبالجملة فالظاهر ، بل بلا إشكال أنّ الزيارة المتقدّمة جزء الرواية المذكورة في صدرها الزيارة المعروفة بالزيارة السادسة لأمير المؤمنين عليه السلام ، وقد سبق أنّه ذكر تلك الرواية في «تحفة الزائر» نقلاً عن شيخنا المفيد ومحمّد بن المشهدي ، وذكره في «البحار» نقلاً عن شيخنا المفيد ، والوداع المذكور لتلك الزيارة المقدّمة هو الوداع المذكور في ذيل الزيارة السادسة ، ويرشد إلى ما ذكر ما حكاه في «البحار» عن السيّد ابن طاووس من أنه أورد الزيارة السادسة ، فقال : «ثمّ صلّ صلاة الزيارة ست ركعات إلى أن قال : ثم قم فزر الحسين عليه السلام من عند رأس أمير المؤمنين عليه السلام بالزيارة الثانية من زيارتي عاشوراء اتباعاً لما ورد »(١) ، فاقتصار الشيخ في «المصباح» على ذكر زيارة عاشوراء من جهة اختصاص الغرض ، قضيّة كونه في بيان أعمال المحرم.

وأما محمّد بن المشهدي فربما يقال : إنّه لما كان في مقام بيان زيارات الأئمّة فهو ذكر أولاً زيارة أمير المؤمنين عليه السلام عند ذكر زياراته ، ولم يذكر زيارة سيّد الشهداء عليه السلام وإن اشتملت الرواية عليها لأنه كان يذكر زيارة كلّ إمام في مقام تختصّ به ، فذكر ما يتعلق بزيارة سيّد الشهداء عليه السلام.

لكن يخدشه اختلاف ما ذكره محمّد بن المشهدي من زيارة سيّد الشهداء عليه السلام بالاستقلال وما رواه من زيارة عاشوراء في ذيل رواية الزيارة السادسة ، ويظهر الحال بملاحظة ما تقدم ، وقد ذكر في «تحفة الزائر» : أنّ من قرائن الروايات المذكورة في زيارة أمير المؤمنين وسيّد الشهداء عليهما السلام يعلم أنّ أرباب تأليف الزيارات فرقوا حديث

__________________

(١) بحار الانوار : ٣١٠:٩٧.

١٧٩

السادسة ، وصرّح بعض آخر أيضاً : بكون المدار على التفريق.

وعلى أيّ حال ، لو كان الحال على منوال ما رواه شيخنا المفيد ومحمّد بن المشهدي فالوداع المرويّ في «المصباح» مورد اختلال الحال ويظهر الحال بما مرّ هنا وفي سالف المقال.

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290