شرح زيارة عاشوراء

شرح زيارة عاشوراء13%

شرح زيارة عاشوراء مؤلف:
المحقق: الشيخ يوسف أحمد الأحسائي
الناشر: منشورات دار الصديقة الشهيدة عليها السلام
تصنيف: متون الأدعية والزيارات
ISBN: 978-964-8438-50-5
الصفحات: 290

شرح زيارة عاشوراء
  • البداية
  • السابق
  • 290 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 28880 / تحميل: 4984
الحجم الحجم الحجم
شرح زيارة عاشوراء

شرح زيارة عاشوراء

مؤلف:
الناشر: منشورات دار الصديقة الشهيدة عليها السلام
ISBN: ٩٧٨-٩٦٤-٨٤٣٨-٥٠-٥
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

من نتائج التطبيق:

إيجابيّات

استنساخ أعداد كبيرة من العباقرة والموهوبين وراثيّاً.

سلبيات:

١ - فتح باب الإنجاب بلا زواج.

٢ - ليست المواهب ولا الفضائل نتيجة الوراثة فحسب.

٣ - احتمال الكوارث المرضيّة الجامعة في هؤلاء المتشابهين وراثيّاً، فالمعروف أنّ التغاير والتشاكل في الوراثة من أسباب حماية الجنس البشري وارتقائه(١) .

ويقول طبيب آخر في هذا الموضوع:

أمّا موضوع التكاثر اللاّتزاوجي الذي أُطلق عليه( الاستنساخ ) فأُحب أنْ أضع فيه بعض النقاط على الحروف، فطريقة الاستنساخ ليست وسيلة تكاثر، أعني ليس أنّ شخصاً أنتج شخصاً آخر بوسيلة لا تزاوجيّة، أي بغير تزاوج، ولكنّ المهمّ هنا أنّ هذا الوليد تكون فيه جميع الخصائص الوراثيّة لهذا الكائن، وهذا لا يحدث إطلاقاً في أيّ تكاثر بطريقة التزاوج ؛ لأنّ كلّ مولود نصفه من الأُمّ ونصفه من الأب، أمّا هذا المولود فكلّه من الأب، أو كلّه من الأُمّ، إذا حصل يجب أن يكون كلّه من الأب ؛ لأجل أن يرث جميع الخصائص الممتازة.

___________________

(١) ص١٣١ وص١٣٢، الإنجاب في ضوء الإسلام.

١٢١

هذا الخيال صار حقيقةً مؤكّدةً، وأنتج ٢٠ ضفدعةً واحدة في عمليّة واحدة، فكلّها معبَّر عنها بأنّها توائم الأب ؛ لأنّها نسخة طبق الأصل من هذا الأب ولكنّها أصغر منه سنّاً ؛ لأنّها اُنتجت بعد عشرين سنة أو أربعين سنة، ولكنّها صورة دقيقة للغاية، كأنّها التوأم المتشابه(١) .

وعرّف الاستنساخ أو النسخ طبيب ثالث بقوله: إنّه يريد به المختصّون محاولة تقديم كائن، أو خليّة، أو جزيء يمكنه التكاثر عن غير طريق التلقيح ومن غير نقص أو إضافة للمحتوى الوراثي(٢) .

أقول في المقام مطالب:

١ - إذا حصل العلم من مذاق الشرع(٣) بعدم رضاه بتحقّق إنسان من رجل وامرأة بهذا النحو(٤) لا نكاح بينهما حتّى إذا لم يستلزم الزنا وحراماً آخر فيقيّد جواز العمليّة من الوجهة الدينيّة بأخذ الخليّتين المذكورتين من الزوجين فإنّها إنجاب بلا جماع لا بلا طرفين كما لا يخفى، وإلاّ فلا.

٢ - الظاهر جواز العمليّة المذكورة خارج الرحم لأصالة البراءة، نعم في صحّة نسبه إلى رجل أُخذت الخليّة من جسده، وإلى امرأة صاحبة البويضة غير واضح ؛ فإنّه لم يخلق من مائه:( خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ * يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ ) (٥) ، وأمّا صاحبة البويضة فإنّها غير حامل وغير والدة ،

___________________

(١) ص١٧٥ نفس المصدر.

(٢) ص١٥٥ نفس المصدر.

(٣) هذا ما يُسمّى بالدليل اللُبّي في مقابل الدليل اللّفظي، والدليل اللّفظي غير متوفّر بنظري في المقام.

(٤) أي من منيّ امرأة وخليّة جسديّة من رجل.

(٥) الطارق آية ٦.

١٢٢

( إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلاّ اللاّئِي وَلَدْنَهُمْ ) (١) ، فلاحظ.

وعلى كلٍّ، لا مانع من فرض إنسان أُمّ له شرعاً ( أو لا والد له ) فلا تحرم العمليّة المذكورة مادامت إرادة هذا المولود حرّةً، واختياره غير مسلوب فلاحظ، ومادامت الصفات المورثة ممّا لم تكن مبغوضة للشرع.

٣ - إذا ثبت في علم الطب - ولمّا يثبت لعدم وقوع الفرض حتّى تناله التجربة - أنّ الكوارث المرضيّة الجامعة في هؤلاء المتشابهين وراثياً ذات مخاطر فتحرم العمليّة لأجلها، فكما يحرم الإضرار بالغير الموجود يحرم التوسط في إيجاد موجود محفوف بالضرر والنقص.

٤ - لا سلبيّات للعمليّة سوى احتمال تلك الكوارث، تعتمد عليها في منع العمليّة شرعاً، وما قيل، من سلبيات أُخر، ضعيف أيضاً(٢) .

٥ - إذا حملته صاحبة البويضة وولدته فإنّها أُمّه جزماً، وإنْ شككنا أو نفينا نسبه عن الرجل، فإنّ مريم أمّ عيسىعليها‌السلام بلا شكّ، ولا والد لهعليه‌السلام .

___________________

(١) المجادلة آية ٢.

(٢) الإنجاب في ضوء الإسلام ص١٥٦.

١٢٣

المسألة الخامسة عشرة

المستقبل البيوتكنولوجي للإنسان ومعطيات النظام الاجتماعي

توصّل علماء الطبّ والبيولوجيا والكيمياء إلى اكتشاف بعض خبايا ميكانيكيّة الخليّة الحيّة، وصاغوا بعض القوانين العلميّة التي تحكم الشِّفْرة الوراثيّة للخليّة، ثمّ شرعوا بعد ذلك، في هندسة المستقبل الوراثيّة للأنواع الحيّة، إمّا عن طريق تجزئة الخلايا( الهندسة الوراثيّة ) وإمّا عن طريق اتّحاد الخلايا( الهندسة المشيجيّة ) .

واستعمل العلماء هذه الطرق، في التحكّم في التكوين الخلقي للخليّة، وفي تطويرها، فهناك ما يُسمّى بالتكاثر بالخلايا الجسديّة، حيث يراود العلماء الأمل، في تحويل الخليّة الجسديّة إلى خليّة جنينيّة يمكن لها أن تتكاثر، مثلها في ذلك مثل أصلها وهو البويضة الملقّحة، وذلك بعد تخليصها من القفل الكيميائي الذي يمنعها من محاكاة أصلها.

ومن بين الاستخدامات المتصوَّرة لتكنيك التكاثر بالخلايا الجسديّة بعث الذات البيولوجية للإنسان، وقوام هذا الاستخدام، هو نسخ نسخة طبق الأصل من الإنسان الذي أُخذت من جسده الخليّة الجسديّة. ويقال: إنّه من الممكن تحقيق نفس الغرض حتّى إذا أُخذت الخليّة من جثّة الإنسان، مادام أنّ هذه الخليّة ذاتها لم تمت. وبذلك يمكن ضمان بقاء العباقرة على قيد الحياة لتستفيد البشريّة من علمهم.

ولا بأس من أن أذكر تطبيقاً آخر للإمكانيّات البيولوجية الحديثة التي

١٢٤

ترتّب عليها كسر الحدود الفاصلة بين الأنواع المختلفة للكائنات.

فمما تفتّقت عنه قريحة العلماء: فكرة خلط خلايا بشريّة بخلايا نباتيّة أو حيوانيّة، لنصل بذلك إلى الإنسان الخضري ( الكلورفيلي ) أو الإنسان المجتر. ويستهدف العلماء من أبحاثهم هذه إنتاج سلالة بشريّة جديدة، يدخل في تكوينها بعض الصفات النباتيّة أو الحيوانيّة المرغوبة، كجعل الإنسان ذاتي التغذية، يعتمد على ذاته في غذائه كالنبات ( التمثيل الضوئي ).

ويفكّر العلماء - أيضاً - في إنتاج طراز جديد من الجنس البشري، عن طريق استخدام طريقة التكاثر الجسدي في تنمية الخلايا المختلطة، وبعد التأكّد من نجاح إنتاج هذا الطراز الجديد، فيمكن تعميمه بالطريق الطبيعي أي التكاثر الجنسي.

ولم يقف التلاعب بالحياة على المستوى العضوي، بل إنّ الفكر العلمي الحديث يتّجه إلى ابتداع طرق التحكّم في إرادة الإنسان بأجهزة الكترونية، وهذا هو الإنسان الالكتروني، الذي يمكنه إشباع رغباته وحاجاته عن طريق أزرار مركّبة على جسده.

ورغم ما يُقال عن تكنولوجيا التكاثر من أنّها ما زالت في طور الخيال، وأنّها لا تعدو أن تكون حاليّاً مجرّد أضغاث أحلام، إلاّ أنّ استخدامها الناجح على مستوى الحيوان والنبات، شجّع العلماء على التفكير في تطبيق قوانينها العلميّة على الجنس البشري، وما زراعة الأجنّة، أو طفل الأُنبوب، إلاّ تجسيد حيّ لطموح الإنسان في التحكّم في خلقته وصفاته، ولعلّ جهود العلماء في هذا المضمار، تجسّد رغبة الإنسان في التوصّل إلى إكسير الحياة ؛ ليكرّس بذلك خلوده وانتصاره على الموت، الذي هو مع ذلك سنّة الله في خلقه، ونذكر هنا أنّ أحد المليونيرات الأجانب طلب إنتاج نسخة من ذاته

١٢٥

وأبدى استعداده لتمويل أبحاث التكاثر الجسدي. ومثل هذا التفكير يحمل في طيّاته معاني كثيرة يفهمها كلّ لبيب(١) .

وقال بعضٌ آخر من الأطبّاء: موضوع الهندسة الوراثيّة في غاية الأهمّيّة، لسبب أنْ تقرّر أنّ كلّ القرارات الإلهيّة الموجودة داخل الخليّة يبدأ البحث فيها بمنتهى الدقّة، وهي تمثّل ٣٠٠ مليون جزئيّة. العالم بدأ في دراستها علميّاً واعتمد لها ١٥ مليار دولار، فتولّت ثلاث دول هذه العمليّة: أمريكا واليابان وألمانيا الغربيّة.

ومن المنتظر أنْ يتمّ الكشف عن هذه الجينوم، أو هذه الوثيقة بعد ١٥ عاماً...(٢) .

وقيل: إنّ بداية الإنسان ما هو إلاّ خليّة واحدة فيها نواة، إذا درسنا هذه النواة نجد أنّ فيها الحقيبة الوراثية، عبارة عن ٤٦ صبغ موجودين بين ٢٣ من الأب و٢٣ من الأُمّ، هذه الصبغيّات تحمل مورِّثات، هذه المورِّثات سواءٌ كانت تتحكّم في الصفات الطبيعيّة، أم الصفات المرضيّة، عددها كبير جدّاً يُقدّر بحوالي ٢ مليون مورِّث لغاية الآن، نحن الآن لم نعرف تقريباً أكثر من (٤٣٤٠) مورِّث بعضها يقيني وبعضها ليس بيقيني... ربّما يكون الأب سليماً من مرض، ثمّ يُبتلى ابنه به لوجود الصفات الوراثيّة في نواة الخليّة، انتهى كلامه بتغيير(٣) .

أقول : هذا البحث - من ناحيةٍ علميّةٍ - طويل عريض عميق جداً، ويُقال: إنّ العلم قادر على إيجاد لونٍ خاصٍّ لشعر المولود، وكيفيّة وجهه إلى

___________________

(١) الإنجاب في ضوء الإسلام ص ١٣٨ وما بعدها.

(٢) ص ٦٣٦ رؤية إسلاميّة لزراعة بعض الأعضاء البشريّة.

(٣) ص ٤٩١ وص ٤٩٢ نفس المصدر، ولم أفهم وجه التفاوت بين الرقمين ( ٣٠٠ مليون ) و ( حوالي مليونين ).

١٢٦

غير ذلك من الإنجازات المحيِّرة للعقول العامّيّة، وتحقيق هذه المسائل وأحكامها الفقهيّة ربّما يحتاج إلى تأليفٍ مستقلٍّ، وكلّ ميسّر لما خلق لأجله.

وحيث لا سبيل لي إلى جزئيّات هذه المسألة وإلى عشرين أعشارها ؛ نقتصر على ذكر بعض الأحكام الشرعيّة، حسب ما أدّى إليه نظري، والله العاصم والهادي:

التغيير في جنين الإنسان أو نطفته ربّما يكون على نحو نعلم بعدم رضا هذا الإنسان بعد ولادته وإدراكه وبلوغه بل يتنفّر منه ويتأذّى، بل يكون له ضرريّاً، وهذا غير مباح حتّى إذا طلبه الزوجان، إذ لا ولاية لهما على أولادهما بهذه السعة والإطلاق، وقد لا نعلم بذلك أو نعلم رضاه به، وهو على أقسام:

القسم الأوّل: إن التغيير قد ينجرّ إلى ما يستلزم إفراطه في الشهوة الجنسيّة، أكثر ممّا هو عليه الآن، أو تمايله الشديد في القتل والتعدّي.

وبالجملة: يصل الإنسان بوسيلة العمليّة الطبّيّة والبيولوجية والكيمياوية إلى حدٍّ تقوى غرائزه الحيوانيّة، بحيث تضعف به قواه العقلانية، ويختلّ به النظام الاجتماعي، والسلوك الأخلاقي، والاقتضاء الروحاني، وهذا حرام غير جائز بلا شبهة، ومخالف لهدف خِلقة الإنسان، وقد لا يستلزم ذلك بل إلى حدٍّ ما من الشرور، وفي جوازه نظر وبحث.

القسم الثاني: قد ينجرّ إلى ما يرغِّبه في الطاعات والخيرات، بحيث يسلب إرادته للشرور والمعاصي، والظاهر عدم جوازه ؛ لأنّ الطاعة المقبولة المطلوبة من الإنسان ما صدر عنه باختياره:( وَ لَوْ شَاءَ لَهَدَاکُمْ

١٢٧

أَجْمَعِينَ‌ ) (١) .

ومنه يظهر حرمة ما يرغبه في المعاصي بحيث يسلب عنه إرادة الصالحات، بطريق أولى.

القسم الثالث: وقد يرغِّبه الى الأفعال الصالحة والأخلاق الحميدة من غير سلب اختياره، وعندي أنّه جائزٌ بل حسن، يظهر وجهه ممّا ورد في حق الأُمّ المرضِعة وغير ذلك.

القسم الرابع: وقد ينجرّ إلى سلب إرادة الإنسان وجعله تابعاً في أفعاله - سواء كانت مباحة أو غير مباحة - إلى إرادة الغير، صالحاً كان أو شريراً، فهذا - أيضاً - غير جائز، فإنّه مضادٌّ لغرض الخِلقة، فإنّ الله سبحانه خلق الإنسان للتكامل الحاصل من العبوديّة، وإطاعة الربّ في جميع شئون الحياة، وهذا التكامل لا يحصل إلاّ بكونه مريداً مختاراً لا مجبوراً مضطرّاً.

القسم الخامس: وقد ينجرّ إلى تغييرات جسمانيّة بداع التجمّل والتحسّن، وهذا لا بأس به في حدّ نفسه، حتّى إذا سبّب طول قامته أو قصرها أو هزاله أو سمنه، فضلاً عن بياض وجهه، وشباهة عينه بعين الظبي، واصفرار لون شعره ونحو ذلك.

وقد تقدّم حكم بعض مانقلناه في أوّل الكلام هنا في المسائل المتقدّمة، والله الموفِّق.

___________________

(١) النحل آية ٩.

١٢٨

المسألة السادسة عشرة

التحكّم في معطيات الوراثة

عرّفت الوراثة بانتقال الصفات من الأُصول إلى الفروع، أو من السَّلف إلى الخَلَف، وهي تشمل إلى جانب الخصائص، الأمراض القابلة للتوريث(١) .

قيل: إنّ الصور المطروحة على بساط البحث لا تعدو ثلاثة أنواع، هي:

١ - النسخ ( الاستنساخ )، وهو الحصول على نسخ من الكائن دون التزاوج.

٢ - المزج بين صفات وخصائص معيّنة في المخلوق بالتصرّف في مورِّثاته.

٣ - استصفاء جنس معيّن باستبقاء عنصره في الطّور الأوّل للجنين(٢) .

أقول : أمّا الأوّل، فقد مرّ توضيحه وحكمه.

وأمّا الثاني، فقد سمّاه بعض الأطبّاء بالاستبدال، وهو كما عرّفه المختصّون: التمويل على ما للحامض النووي ( النوويك ) من خصائص ولاسيّما خاصّة الالتحام عند قصّه بحيث يمكن التحكّم في إبدال المورِّثات من خلال عمليّات معقّدة يعود تحقّق نتائجها إلى تلك الخصائص في الحامض المذكور.

___________________

(١) ص ١٤٩ الإنجاب في ضوء الإسلام.

(٢) ص ١٥١ نفس المصدر.

١٢٩

فإن اتّجه هذا التصرّف إلى العلاج من علّة، سواءٌ كانت مرضاً وراثيّاً قائماً بالجسم، أم انحرافاً في الطبيعة الأصليّة، أم تقاصراً عن القدر المألوف فيها ؛ فإنّه ممّا يندرج في التصرّفات المشروعة شرعاً، وإمّا إن اتّجه إلى سلب الإرادة حتّى في جانب الخير، أو إلى الانحراف بالسجايا إلى الميول الشرّيرة، فلا يجوز، كما لا يجوز كلّ ما يُؤثر على الفطرة الأصليّة، سواء كان بأسباب مادّيّة منضبطة: كالإسكار والتخدير، والإكراه الملجئ أو بأسباب أُخرى خاصّة، كالذي يتعاطاه السحرة النافثون في العُقَد، أو الحسدة هواة الإصابة بالعين، أو المرجفون، وما إلى ذلك من المؤثِّرات المعنويّة، أو النفسيّة السلبيّة أو المفسدة.

فلا يقلّ عن هذه التصرّفات في الخطورة، ما يصل إليه الإنسان من نتائج بالوسائل المادّيّة المختبريّة والإجراءات الطبيّة، فكلّ مِن هذا وذاك استجابة لأمر الشيطان، ومطاوعة لنزغاته بالقيام بالتصرّف المُعْتَبر سبباً تنشأ عنه مسبِّبات منسجمة مع ذلك التغيير، فإنّ الله ربط الأسباب بالمسبِّبات، والحكم كما يتعلّق بالمباشر، يتعلّق بالتسبّب إذا ما توفّرت صلته السببيّة كما ذكره بعضهم(١) ولا يخلو عن متانةٍ وصحّةٍ.

وأمّا الثالث، وهو التحكّم في جنس الجنين بعد تشخيصه(٢) فهو - أيضاً - في حدّ نفسه جائز، وقد مرّ تفصيله.

___________________

(١) ص١٥٨ نفس المصدر.

(٢) وفسّر الاستصفاء بعضهم بالاصطفاء لأحد الجنسين على الآخر.

١٣٠

المسألة السابعة عشرة

حكم البييضات الفائضة

تبقى من البييضات المخصبة في أُنبوبة المختبر، إذ يمكن تلقيح عشرين بويضة ولا يحتاج إلاّ إلى اثنين أو ثلاثة، فما هو حكم البقيّة الفائضة ؟

الأسئلة الشرعيّة المتعلِّقة بالمقام أُمور:

١ - هل يجوز إهدارها والإزهاق بها أو يحرم ؟

٢ - هل تجب الديّة بإهدارها ؟

٣ - هل يُعزل لها من الإرث سهمها ؟

٤ - ما هو الحكم بالنسبة إلى عدّة صاحبتها ؟

٥ - هل يُعطّل الحدّ الشرعي بالنسبة إلى صاحبتها ؟

٦ - مَن يملك التصرّف فيها ؟

٧ - هل يجوز نقلها في رحم صاحبتها بعد وفاة زوجها، أو بعد طلاقها ؟

وإليك أجوبة هذه الأسئلة مستعيناً بالله تعالى:

أمّا السؤال الأوّل فجوابه: أنّه لا مصرف للبييضات الفائضة إلاّ رحم صاحبتها أيّام حياة زوجها، فإن أمكن وجب إبقائها على الأحوط، حتّى تُنقل إليها، وإن لم يمكن - ولو بانصراف صاحبتها عنها - فلا بُدّ من إتلافها ؛ حذراً من استعمالها على نحو الحرام شرعاً.

نعم، إذا كانت البييضات في الأُنبوبة في مسير حياتها الإنسانيّة، وأمكن ذلك طبّيّاً، ولم يستلزم المؤنات الكثيرة ؛ فالأحوط لزوماً إبقاءها، بل إذا تعلّق

١٣١

بها الروح وجب حفظها، مهما أمكن ؛ فإنّها نفسٌ محترمةٌ يحرم إتلافها، بلا فرق بين كونها في رحم، أو في أُنبوبة، أو في محلٍّ آخر.

وجواب السؤال الثاني: أنّه إذا وجب إهدارها لا ديّة لها، وإذا تعلّق بها الروح، وأمكن حفظها، وجبت الديّة جزماً على مَن أتلفها، وإذا لم تتعلّق بها الروح، وكان في مسيرها إلى الحياة الإنسانيّة فالأحوط لزوماً وجوب الديّة بالشرطين المذكورين، ( أيّ إمكان حياتها إلى ولادتها في الأُنبوبة طبّاً، ووجود مَن يقوم بمؤنتها ).

وعلى كلٍّ، الأحوط للطبيب أنْ لا يخصب البيضات أكثر من حاجة صاحبتها.

وجواب الثالث: أنّها إذا تعلّق بها الروح، وخرجت من الأُنبوبة إنسانا حيّاً يرث أباه، وقد مرّ الإشكال في نسبه إلى صاحبة البويضة، فإنّ الحكم بأُمومتها مع قوله تعالى:( إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلاَّ اللاَّئِي وَلَدْنَهُمْ ) (١) مشكل، وإذا علموا بعدم خروجها حيّةً فلا يعزل له سهم، وأمّا إذا شكّ فالأحوط عزل السهم له، وكذا إذا علم بخروجه حيّاً من الأُنبوبة.

ويمكن أن يُقال بعدم وجوب عزل سهمٍ له، لأنّ موضوعه الحمل، ولا يصدق على ما في الأُنبوبة حمل بوجه، فإذا خرج حيّاً وقد قسّم الورثة الإرث بينهم، عليهم أن يردّ كلُّ واحدٍ من سهمهم ما يبلغ حقّ الحيّ المذكور.

وأمّا جواب الرابع: فهو منفيٌّ جزماً، فإنّ وجود البييضة في الأُنبوبة لا تجعلها حاملاً، وهذا واضح.

___________________

(١) المجادلة آية ٢.

١٣٢

وجواب الخامس: أنّه لا يُعطّل الحدّ عليها، نعم إذا فرضنا الجنين في معرض الخروج عن الأُنبوبة حيّاً، ولا توجد له حاضنة ومربّية سواها، ففي جريان الحدّ عليها تردّد، وتحقيقه في محلّه.

وجواب السادس: أنْ حق الأولويّة لصاحب الحيوان المنوي وصاحبة البويضة، وإذا مات أحدهما سقط حقّ الاستفادة عن البويضة المخصَّبة نهائيّاً كما ظهر ممّا سبق.

وأمّا جواب الأخير فقد اتّضح ممّا سبق، وأنّ النقل المذكور غير جائز.

بقي في المسألة أُمورٌ ينبغي ذكرها:

١ - إذا أُخصبت البييضة بحيوانٍ منويٍّ من غير الزوج، ثمّ تزوّج بصاحبتها، فهل يجوز نقلها إلى رحمها بعد الزواج ؟ فيه وجهان: أقربهما الجواز لعدم المانع، وهذا غير مَن حملت من أجنبي ثمّ زُوّجته، فإنّ الولد ولد زنا، ولا يرث من الرجل، ولا يخرج الولد بالعقد اللاحق عمّا انعقد عليه من الزنا بلا شبهة. نعم هو ولده لغةً وطبّاً، ولكنّه ليس بولده بحيث يرث منه ويورِث، كما مرّ.

٢ - إنّ زراعة خلايا بشريّة جنينيّة من خلال ثقب صغير بالجمجمة بمقدار ستّة مليمترات مكعّبة، بالأُسلوب الجراحي المجسّم، قد تمّت في تشيكوسلوفاكيا في أغسطس ١٩٨٩(١) ، فإذا أمكنت زراعة البييضات الفائضة في ذلك فلا بأس به شرعاً، كما أنّ زراعة خلايا بشريّة من جنينٍ ساقطٍ - أيضاً - لا مانع منه، لكنّ جواز الأوّل في فرض كون البييضات الفائضة

___________________

(١) ص٦٥ رؤية إسلاميّة لزراعة بعض الأعضاء البشريّة.

١٣٣

من صاحبة الجنين لا غير، كما عرفت سابقاً، نعم الخلايا غير المنويّة من أحد لا بأس بزراعتها في بدن جنينٍ آخر.

٣ - قيل: يمكن الاحتفاظ باللقيحة الى خمسين سنة، يعني حتّى إلى ما بعد المعدّل الأقصى لعمر الأبوين، إذ المعتاد أنْ لا يباشر الأطبّاء عملية التلقيح المُجرى إلاّ ما بعد الثلاثين سنة من عمر الأبوين(١) .

٤ - قيل: إنّه يمكن استخراج خمسين بويضة من امرأةٍ واحدةٍ، وإنّ أحد مراكز أطفال الأنابيب كان لديه ١٢٠٨ جنيناً فائضاً، أُودعت الثلاّجات وجمدت من ٤٣٢ امرأة أُجريت لهنّ عمليّة طفل الأُنبوب(٢) .

أقول : للحكومة منع إنشاء الأجنّة الفائضة عن مقدار الحاجة بتاتاً ؛ سدّاً لذرائع الفساد والحرام، لأجل حصول الثروة - كما منعت ألمانيا الغربية على ما نُقل - بل الأحسن منع استخراج البييضات الفائضة عن حاجة الزوجين مطلقاً.

___________________

(١) ص١١١ وص١١٢ نفس المصدر.

(٢) ص١٧٤ نفس المصدر.

١٣٤

المسألة الثامنة عشرة

في دفع الموت في الجملة

من الممكن قدرة الطبّ - في مستقبلٍ قريبٍ أو بعيدٍ - على حفظ الصحّة العامّة للبدن وحفظ خلاياه عن الفتور والفساد، فلا يُستبدل الشباب بالهرم والشيخوخة، فيدفع الموت ويطيل عمر الإنسان، بل تأثير الطبّ في دفع الأمراض المُهْلِكة، وتكثير النسل الإنساني، وطول العمر في الجملة، واقعٌ بالفعل ومن زمنٍ ولا مجال لإنكاره.

وقد يُتوهم حرمة دفع الموت شرعاً لجريان سنّة الله، على أنّ كلّ نفس ذائقة الموت، قال الله سبحانه وتعالى:

( أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ... ) (١) ، وقال تعالى:( وَ اللَّهُ خَلَقَکُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاکُمْ ) (٢) ، وقال سبحانه:( قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاَقِيکُمْ ) (٣) .

أقول : إنْ أراد هذا القائل أنّ الله تعالى أراد موت كلِّ إنسانٍ حين أجله، استناداً إلى هذه الآيات وأمثالها، فلا يجوز دفعه ؛ لأنّه تعجيز له تعالى ! فهو هذيان، والقائل به جاهل بالله وقدرته، وربّما لا يكون مؤمناً، قال الله تعالى:

( وَ إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ کُنْ فَيَکُونُ‌ ) (٤) ، وقال تعالى:( وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ ) ، وقال سبحانه:( وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي

___________________

(١) النساء آية ٧٨.

(٢) النحل آية ٧٠.

(٣) الجمعة آية ٨.

(٤) البقرة آية ١١٧.

١٣٥

السموات ولا في الأرض ) (١) وقال تعالى:( وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لا يُعْجِزُونَ ) (٢) .

وبالجملة: بطلان هذا التخيّل على ضوء العقل والدين غير خفي، وقد ثبت في محلّه أنّ الكائنات تفتقر إليه تعالى في وجودها وصفاتها وأفعالها، حدوثاً وبقاءً.

على أنّ تأثير الأسباب في المسبَّبات، ووصول الإنسان الساعي إلى الأسباب - أيضاً - من سنّة الله ومشيئته، وقال سبحانه:( وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلاّ بِمَا شَاءَ ) (٣) ، وقال سبحانه:

( يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ فَانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إِلاّ بِسُلْطَانٍ ) (٤) .

وهل علم الإنسان وقدرته إلاّ قطرة مفاضة من علمه وقدرته اللذين لا يت-ناهيان.

ولبّ الكلام: أنّ البحث في إرادته التشريعيّة التي هي بمعنى طلبه تعالى شيئاً أو تركاً من المكلَّف، من طريق إرادته واختياره، فقد يمتثله المكلَّف وقد يعصيه. لا في إرادته التكوينيّة التي يستحيل تخلّف المراد عنها، بناءً على وحدة واجب الوجود واستحالة الشرك. وهذا، فليكن ببال القرّاء في جميع مطالب هذا الكتاب وغيره.

وإن أراد القائل المذكور أنّ دفع الموت حرام على المكلَّفين، فهذا شيءٌ ممكنٌ عقلاً، لكنّه باطلٌ ؛ لعدم دليل في الكتاب والسنّة يدلّ على

___________________

(١) فاطر آية ٤٤.

(٢) الأنفال آية ٥٩.

(٣) البقرة آية ٢٥٥.

(٤) الرحمن آية ٣٣.

١٣٦

حرمته، بل لا شكّ في جواز المواظبة على أساس التوصيات الطبّيّة على صحّة البدن، وطول العمر، ولزوم العلاج على المريض بكلّ الوسائل الممكنة، كما سبق.

وإنْ أراد أنّ الله سبحانه وتعالى أخبر بانّ كلّ إنسانٍ يموت، وهذا يكشف عن عدم إمكان دفع الموت، فكلّ محاولةٍ له تصبح فاشلةً لا محالة، فتحرم لكونها عبثاً وإسرافاً للمال، فممنوع أيضاً ؛ لأنّ الطبّ لا يدّعي - ولا يصحّ له أن يدّعي - دفع الموت عن الإنسان بنحوٍ مطلق، وأنّه لا يموت أصلاً، ضرورة أنّ للموت أسباباً، غير صحّة البدن ونشاط الخلايا، كالغرق والحرق والقتل وافتراس مفترس وغير ذلك، والله سبحانه قادر على إماتة الإنسان بكلّ هذه الأسباب.

والطبُ إنّما يدّعي دفع الموت عن طريقٍ واحدٍ وسببٍ فاردٍ، فلا تناقض بين الأخبار عن موت كلّ أحدٍ، وقدرة الطبّ على دفع الموت عن بعض الأفراد، وهي من قدرة الله وتقديره.

وفي الدِّين ما يؤيّد إمكان الطبّ على دفع الموت وتطويل العمر: بحفظ الخلايا، ودفع الأمراض، من بقاء عيسى بن مريمعليه‌السلام على أظهر الأقوال، بل وببقاء الخضرعليه‌السلام كما اشتهر، وببقاء وليّ العصر، وناموس الدهر، المهدي الموعود المنتظر - عجّل الله تعالى فرجه - على عقيدتنا الشيعيّة الإماميّة.

فإن قيل: إنّ القرآن يقول بأنّ لكلّ أُمّةٍ أجلٌ لا يستقدمون منه ساعة ولا يستأخرون(١) ، فأيّ أثر للطّب ؟

يُقال له: لا شكّ في صدق القرآن في

___________________

(١) الأعراف آية ٣٤، ويونس آية ٤٩.

١٣٧

إخباره، لكن من أين علمت أنّ أجل مَن ينتفع بالطبّ، ويستفيد من العلم الحديث ثمانون سنةً فقط لا ألف ومئة وثمانون سنة، أو أنّه مليون سنة.

والواقع أنّ كثيراً من مدّعي العلم، الذين ليسوا من الراسخين في المعارف الإسلاميّة، وجميع الملحدين المادّيّين، يتخيّلون إرادة الله تعالى وأفعاله في عرض الأسباب الطبيعيّة، فتحيّروا ضلالةً وجهالةً، بل ألحد المادّيّون بأنّ الأسباب المادّيّة تُغني عن الخالق المدبِّر المريد، ولو علموا أنّ إرادة الله وأفعاله في طول الأسباب المادّيّة، وأنّ الموجودات محتاجة إلى إفاضته تعالى في جميع شؤنها حدوثاً وبقاءً ؛ لم يضلّوا ولن يلحدوا، فالحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنّا لنهتدي لولا أنّ هدانا الله.

نعم أجل كلّ إنسانٍ يُحدّد في ضمن الأسباب المادّيّة لا خارجها، وفهم ذلك ينفعك في مقامات كثيرة بإذن الله المنّان دائم الفضل.

وفي الأخير تخيّل متخيّل: أنّ دفع الموت يهدم تشريع الميراث الذي اهتمّ به الشارع، وهو خبط عشواء، فإنّ أحكام الإرث تترتّب على الموت وإنّما اهتمّ بها الشارع في فرض الموت، فإذا زال الموضوع أو تأخّر زالت الأحكام أو تأخّرت بتبعه، كما أنّ الأحكام المتعلّقة بالسفر والمسافر، من قصر الصلاة وإفطار صوم رمضان تزول بزواله.

وبالجملة: الأحكام لا توجب حفظ الموضوع بل تترتّب إذا تحقّق، وليكن هذا واضحاً.

ولنا أنْ نقول على سبيل النقض والجدل: إنّ الإيمان بالله وباليوم الآخر وبالرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله واجب ومن أهمّ الواجبات، فيجب حفظ الحياة، وإطالة العمر، لحفظ الإيمان بالله تعالى وتحصيل مرضاته !

١٣٨

المسألة التاسعة عشرة

نهاية الحياة الإنسانيّة

( ١ )

نظر الشريعة الإسلاميّة

المفهوم من القرآن المجيد أنّ موت الإنسان - وهو نهاية الحياة الإنسانيّة - بأخذ روحه، وهو انقطاع اتّصال الروح وتدبيرها عن البدن انقطاعاً نهائيّاً غير مؤقّت.

قال الله تعالى:( اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا... ) (١) ، وقال:( قُلْ يَتَوَفَّاکُمْ مَلَکُ الْمَوْتِ الَّذِي وُکِّلَ بِکُمْ ) (٢) ، وقال:( الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلاَئِکَةُ ) (٣) ... وقال:( كلّ نفسٍ ذائقة الموت ) (٤) ، وقال:( أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ ) (٥) ، وقال:( إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ‌ ) (٦) ، وقال:( إذا بلغت التراقي ) (٧) - بناءً على رجوع الضمير المستتر في كلمة( بلغت ) إلى النفس أو الروح وقوله:( يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى

___________________

(١) الزمر آية ٤٢.

(٢) السجدة آية ١١.

(٣) النحل آية ٣٢.

(٤) آل عمران ١٨٣ وغيرها.

(٥) الأنعام آية ٩٣.

(٦) الواقعة آية ٨٣.

(٧) القيامة آية ٢٦.

١٣٩

رَبِّکِ... ) (١) ، وغيرها من الآيات.

وليكن هذا واضحاً مسلّماً غير قابل للخلاف والنقاش في الشريعة الإسلاميّة(٢) …، لكن لحظة انقطاع الروح غير محسوسة ولا منصوصة، فهل لها علامة طبيّة وما هي ؟

هل هي سكون القلب عن النبض كما يقول به الأطبّاء القدامى ؟

أو موت جذع المخّ كما يعتقد به الأطبّاء الجدد ؟ أو كلاهما ؟

لا شكّ أنّ إدراك الكليّات والعواطف الإنسانيّة: كالإيثار، وحبّ العلم والكمال، وحب الله تعالى، وغيرها، من أبرز آثار الروح والنفس الإنسانيّة، بل وكذا الإحساس والحركة الإراديّة.

وربّما يتوهّم متوهّمٌ أنّ الحسّ والحركة الإراديّة من خواصّ النفس الحيوانيّة دون الإنسانيّة لثبوتهما في الحيوانات أيضاً، لكنّه توهُّمٌ خاطئ، فإنّهما وإن وُجدا في الحيوان والإنسان معاً، لكن ليس للإنسان نفسٌ حيوانيّة في قِبال النفس الإنسانيّة، ليستند إليها الحسّ والحركة، بل هما يستندان إلى النفس الإنسانيّة، ومن هنا جعل الاستهلال والحركة في المولود علامتين لحياته في الأحاديث(٣) .

كما لا شكّ في علم الطبّ، وعلم الجنين، وغيرهما، لحدّ الآن أنّ القلب - كاليد والرجل والأنف والكبد والكلية ونحوها - لا حسّ له ولا علم ولا إدراك، بل هو أجنبي عن العواطف الإنسانيّة أيضاً، وهي من آثار المخّ

___________________

(١) الفجر آية ٢٨.

(٢) والمتأمِّل المتدبِّر في هذه الآيات يفهم أنّ قوله تعالى:( ثمّ أنشأناه خلقاً آخر ) يُراد به ظاهراً إنشاء اتصال الروح بالجنين، وبه تبدأ الحياة الإنسانيّة. فافهم ذلك جيّداً.

(٣) ص٣٥٠ وص٣٥١ ج٢٤ جامع أحاديث الشيعة.

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

[التنبيه] الخامس عشر :

في خروج الصلاة عن الزيارة

أنه لا إشكال في رجحان السلام الطويل مع انضمام أخواته(١) المختتمة بالسّجدة ودعائها ، بل الظاهر اختصاص الزيارة بها وخروج الصلاة عن الزيارة ، ويرشد إليه قول أبي جعفر عليه السلام لعلقمة في رواية «كامل الزيارة» و «المصباح» : «وإن استطعت أن تزوره في كل يوم بهذه الزيارة فافعل» ، حيث إنّ الظاهر أنّ المراد من الزيارة تلك الأقوال ، أعني السّلام وأخواته(٢) ، وأما كون المراد هو مجموع الأقوال والصّلاة ، فهو خلاف الظاهر ، ويرشد إليه أيضاً استعمال الزيارة في الأقوال في رواية صفوان في كلام الإمام وصفوان وسيف بن عميرة.

أمّا الأوّل(٣) : فهو قول أبي عبد الله عليه السلام : «تعاهد هذه الزيارة وزر به » ، وقوله عليه السلام : «يا صفوان وجدت هذه الزيارة مضمونه بهذا الضمان » ، وقوله عليه السلام : «وقد آلى الله على نفسه عزّ وجلّ أن من زار الحسين عليه السلام بهذه الزيارة ، من قرب أو بعد ، ودعا بهذا الدعاء » ، وقوله عليه السلام : «يا صفوان ، إذا حدث لك إلى الله حاجة فزر بهذه الزيارة ».

ولو قيل : إنّ المقصود بالزيارة فيما ذكر هو مجموع الأقوال والصلاة.

قلت : إنه خلاف الظاهر ، كما مر.

وأما الثاني (٤) : فهو قول صفوان : «وزرت مع سيّدي أبي عبد الله عليه السلام إلى هذا

__________________

(١) مراده بأخواته اللعن المكرّر مائة مرّة ، والسلام المكرّر مائة مرّة ، وقوله : «اللّهمّ خصّ أنت».

(٢) مراده بأخواته ما ذكر في الحاشية السابقة.

(٣) مراده به كلام الإمام عليه السلام.

(٤) مراده به كلام صفوان.

١٨١

المكان ففعل مثل الذي فعلناه في زيارتنا ، ودعا بهذا الدعاء عند الوداع بعد أن صلّى كما صلّينا ، وودّع كما ودّعنا».

وأمّا الأخير (١) : فهو قول سيف بن عميرة : «فدعا صفوان بالزيارة التي رواها علقمة بن محمّد الحضرمي ، عن أبي جعفر عليه السلام في يوم عاشوراء ، ثم صلّى ركعتين عند رأس أمير المؤمنين عليه السلام».

ولا يذهب عليك أنّه لا مجال لاحتمال استعمال الزيارة في مجموع الأقوال والصلاة في الأخيرين.

لكن نقول : إنّ الظاهر أنّ الزيارة حقيقة في مشاهدة الإنسان أو الأعم ، ومن الأخير ما يقال : «زرنا مكتوبك» ، فإطلاق الزيارة على مجموع السّلام وأخواته من باب المجاز ، فعلى ما ذكرنا فلا بأس بالاقتصار على السّلام وأخواته وعدم الإتيان بالصّلاة ، وأما قصد توظيف السّلام واخواته مع العلم بعدم توظيفه من باب التصديق وتصوّر التوظف مع العلم بعدم توظيفه ، فلا مجال لحرمته ، فينحصر أمر الحرمة فيما لو كان الاذعان بالتوظيف مستنداً إلى مدرك فاسد غير معتبر شرعاً اجتهاداً كان أو تقيداً أو خيالاً من عند النفس ، فالصّلاة من باب المستحبّ في المستحبّ ، أي يستحبّ الزيارة ويستحبّ أيضاً إردافها بالصّلاة ، لكن ترتب المثوبات الموعودة منوط بالإتيان بالصّلاة.

وربما قيل نقلاً : إنه لا كلام في كون الصلاة جزء الزيارة.

وليس بشيء ، لما يظهر ممّا سمعت من عدم دخول الصّلاة في مفهوم الزيارة ، بل عدم اشتراط الزيارة بالصّلاة ، لرجحانها في حدّ نفسها.

وبعد هذا أقول : إن مقتضى ما رواه علقمة عن أبي جعفر عليه السلام ، على ما رواه في

__________________

(١) مراده به كلام سيف بن عميرة.

١٨٢

«كامل الزيارة» من قوله عليه السلام : «فإنّك إذا قلت ذلك فقد دعوت بما يدعو به زوّاره من الملائكة ، وكتب الله لك بها ألف ألف حسنة ، ومحى عنك ألف ألف سيّئة ، ورفع لك مائة ألف ألف درجة ، وكنت كمن استشهد مع الحسين عليه السلام » ، وقوله عليه السلام ـ على ما في «المصباح ـ : «فإنك إذا قلت ذلك فقد دعوت بما يدعو به زوّاره من الملائكة ، وكتب الله لك مائة ألف ألف درجة » من المثوبات الموعودة على الزيارة ، ومع هذا الظاهر أنّ الزّوار من الملائكة إنّما يأتون بالزيارة نفسها دون الصلاة ، فمورد الدعاء بما يدعو به الملائكة وهو مورد المثوبات الموعودة هو الأقوال لا مجموع الأقوال والصلاة.

بقي أنّه قد تقدّم أنّ الظاهر خروج السجدة ، بل الدّعاء بالتخصيص عن الزيارة.

لكن نقول : إنّه لا بدّ من الإتيان بهما في ترتّب المثوبات الموعودة.

تذييلان

أحدهما : فيما لو أراد شخص الاقتصار على بعض أجزاء السّلام الطويل أو أراد ترك بعض إخوانه أو الصّلاة.

أنه لو أراد الشخص الإقتصار على بعض أجزاء السّلام الطويل قليلاً كان أو كثيراً ، أو أراد ترك بعض أخواته ، بناء على دخولها في الزيارة والظاهر أنه لا إشكال في الدخول أو أراد ترك الصّلاة بناء على دخولها في الزيارة فهل يصحّ ذلك أم لا؟

أقول : إنّه ربّما جرى العلّامة النجفي في «كشف الغطاء» على جواز القناعة في المندوب ببعض أجزائه فيما لم يثبت عدم استحباب بعض الأجزاء ، نظراً إلى انحلال الأمر إلى تعدّد الأمر.

وليس بالوجه ، فلا يتجه الصحة في الفروض المذكورة.

١٨٣

ثانيهما : فيما لو تعذّر بعض أجزاء السّلام الطويل أو بعض اخواته أو الصّلاة.

أنّه لو تعذّر بعض أجزاء السّلام الطويل أو تعذّر بعض أخواته أو تعذّر الصّلاة بناء على دخولها في الزيارة فهل يصحّ الإتيان بالباقي؟

أقول : إنّ الأمر يبتني على تمامية قاعدة الميسور والمعسور في باب المستحبات بعد تماميتها من أصلها ، وقد حررنا في الأصول عدم تماميتها من أصلها.

١٨٤

[التنبيه] السادس عشر :

في خروج دعاء الوداع عن الزيارة

وإناطة قضاء الحاجة بالإتمام به

أنه لا إشكال في خروج دعاء الوداع ، أعني دعاء صفوان عن الزيارة ، بل مقتضى ما ذكر في رواية مالك برواية كامل الزيارة ، ورواية قيس برواية «المصباح» من ثواب ألفي ألف حجّة وألفي ألف غزوة وغيرها ، هو ترتب الجزاء والثواب على الزيارة بالاستقلال ولا إشكال.

لكن مقتضى ما رواه صفوان إناطة قبول الزيارة وترتّب الثواب وقضاء الحاجة بالاتمام بالدعاء ، حيث إنّ مقتضى قول الصادق عليه السلام في رواية «المصباح» : «يا صفوان ، تعاهد هذه الزيارة ، وادع بهذا الدعاء ، وزر به ، فإنّي ضامن على الله تعالى لكلّ من زار بهذه الزيارة ، ودعى بهذا الدعاء ، من قرب أو بعد ، أنّ زيارته مقبولة ، وأن سعيه مشكور ، وسلامه واصل غير محجوب ، وحاجته مقضيّة من الله تعالى بالغاً ما بلغت ، ولا يخيبه ».

وكذا الحال في قوله عليه السلام : «وقد آلى الله على نفسه عزّ وجلّ إن من زار الحسين عليه السلام بهذه الزيارة ، من قرب أو بعد ، ودعا بهذا الدعاء ، قبلت زيارته ، وشفّعته في مسألته بالغاً ما بلغت ، وأعطيته سؤله ، ثم لا ينقلب عنّي خائباً ، وأقلبه مسرور العين ، قريراً عينه بقضاء حاجته ، والفوز بالجنة والعتق من النار ، وشفّعته في كل ما شفع ، خلا ناصب لنا » ، كما أنّ مقتضى قوله عليه السلام في آخر ما رواه صفوان : «يا صفوان ، إذا حدث لك إلى الله حاجة فزر بهذه الزيارة من حيث كنت ، وادع بهذا الدعاء ، وسل ربّك حاجتك تاتك من الله ، والله غير مخلف وعده رسوله » ، إناطة قضاء الحاجة بالاتمام بالدعاء ، ففي باب إناطة قضاء الحاجة بالاتمام بالدعاء ، ورواية صفوان خالية

١٨٥

عن معارضة رواية «كامل الزيارة».

ولو قيل : إنّ المقصود بالدعاء في الفقرات المذكورة هو نفس الزيارة ، كيف وبيان الزيارة من أبي جعفر عليه السلام في رواية «كامل الزيارة» و «المصباح» إنما وقع بعد سؤال علقمة من الصادق عليه السلام عن دعاء يدعو به إذا لم يزره من قريب ويومي إليه من بعد البلاد.

قلت : إن مقتضى ما ذكره صفوان بعد اعتراض علقمة في باب دعاء الوداع من أنّ الصادق عليه السلام فعل مثل ما فعله صفوان ، ودعا بدعاء الوداع ، وقال : «تعاهد هذه الزيارة وادع بهذا الدعاء » ، كون المقصود بالدعاء المشار إليه في هذه الفقرة هو دعاء الوداع بلا إشكال فيه أصلاً ، فمقتضى السياق كون المقصود بالدعاء في الفقرتين الأولين من الفقرات المذكورة هو دعاء الوداع أيضاً ، بل الفقرة الأخيرة لا مجال لاحتمال كون المقصود بالدعاء فيه هو نفس الزيارة.

وربما يتوهّم : عدم مزاحمة رواية صفوان لرواية مالك وقيس في باب اختصاص ترتب الثواب بالزيارة.

ويضعف : بأنّ مقتضى الفقرتين الأوليين المتقدّمتين من رواية صفوان هو إناطة ترتب الثواب وقضاء الحاجة بالاتمام بالدعاء ، لأخذ قبول الزيارة وشكر السعي وقضاء الحاجة في الأولى في الجزاء على الزيارة والدعاء ، وأخذ قبول الزيارة وقضاء الحاجة والفوز بالجنّة والعتق من النّار وغيرها في الثانية في الجزاء على الزيارة والدعاء ، وإن أمكن كون الأمر في الاُولى من باب اللّف والنشر المرتب ، بكون ترتّب قبول الزيارة وشكر السعي في جزاء الزيارة وكون قضاء الحاجة في جزاء دعاء الوداع.

١٨٦

[التنبيه] السابع عشر :

في أنّه إذا كان للزائر حاجة فليسأل الله سبحانه قضائها

بعد الفراغ عن دعاء الوداع

أنه إذا كان للزائر حاجة فليسأل الله سُبحانه قضائها بعد الفراغ عن دعاء الوداع ، قضيّة ما رواه صفوان في آخر ما رواه عن أبي جعفر عليه السلام في رواية «المصباح» ومحمّد بن المشهدي ، حيث روي عنه عليه السلام أنّه قال : «يا صفوان ، إذا حدث لك إلى الله حاجة فزر بهذه الزيارة من حيث كنت ، وادع بهذا الدعاء ، وسل ربّك تأتك من الله ، والله غير مخلف وعده رسوله ».

وربّما يدعى قضاء الاستقراء بكون وقت الدعاء بعد إتمام العمل أو حين الإتمام.

١٨٧

[التنبيه] الثامن عشر :

في أنّه لا فرق في استحباب زيارة عاشوراء

بين الرّجال والنساء، والعبيد الأحرار، والبلّغ وغير البُلّغ

أنه لا فرق في استحباب الزيارة المبحوث عنها بين الرجال والنساء والأحرار والعبيد ، لأصالة الاشتراك.

وهل يطرد الاستحباب في غير البالغ؟

الأظهر القول به.

إلّا أن يقال : بالانصراف إلى البالغ ، بل الأوجه القول بهذا المقال.

لكن نقول : إنّه يمكن دعوى القطع بعدم الفرق ، بل لا إشكال في القطع بعدم الفرق ، بل على هذا المنوال الحال في سائر المستحبات.

١٨٨

[التنبيه] التاسع عشر :

في استبعاد العقل ترتّب المثوبات الموعودة

على زيارة عاشوراء في حقّ القريب

إنّه ربّما تتوحش النفس ويستبعد العقل ترتّب المثوبات الموعودة في باب القريب ، كما ذكر في رواية «كامل الزيارة» تارة من ثواب ألفي ألف حجّة ، وألفي ألف عمرة ، وألفي ألف غزوة ، وثواب حجّة وعمرة وغزوة كثواب من حج واعتمر وغزى مع رسول الله صلى الله عليه وآله ومع الأئمّة الراشدين.

وما ذكر فيها أخرى من ثواب ألف ألف حجّة ، وألف ألف عمرة ، وألف ألف غزوة كلّها مع رسول الله صلى الله عليه وآله وثواب مصيبة كل نبيٍّ ورسولٍ وصديق وشهيدٍ مات أو قتل منذ خلق الله الدنيا إلى أن تقوم الساعة.

وما ذكر فيها ثالثة من ثواب ألف ألف حسنة ، ومحو ألف ألف سيئة ، ورفع مائة ألف ألف درجة ، والكون كمن استشهد مع سيّد الشهداء عليه السلام حتى يشارك معهم في درجاتهم ولا يعرف إلّا في الشهداء الذين استشهدوا معه وكتابة ثواب زيارة كلّ نبي ورسول وزيارة كلّ من زار سيّد الشهداء عليه السلام منذ يوم قتل صلوات الله عليه.

وكذا ما ذكر في رواية «المصباح» تارة من كتابة مائة مائة ألف درجة ، والكون كمن استشهد مع سيّد الشهداء عليه السلام حتى يشارك معهم في درجاتهم ولا يعرف إلّا في الشهداء الذين استشهدوا معه ، وكتابة ثواب كل نبي وكلّ رسول وزيارة كلّ من زار سيّد الشهداء عليه السلام منذ يوم قتل ، وما ذكر فيها أخرى من ثواب ألفي حجّة وألفي عمرة وألفي غزوة وثواب كل حجّة وعمرة كثواب من حجّ واعتمر وغزا مع رسول الله صلى الله عليه وآله ومع الأئمّة الراشدين عليهم الصّلاة والسّلام.

١٨٩

وما ذكر فيها ثالثة من كتابة مائة ألف ألف درجة والكون كمن استشهد مع الحسين عليه السلام حتى يدرك في درجاتهم لا يعرف إلّا في الشهداء الذين استشهدوا معه وكتابة ثواب زيارة كل نبي وكل رسول وزيارة كلّ من زار الحسين عليه السلام مُنذ يوم قُتل عليه السلام ، بل على ذلك المنوال الحال فيما ذكر في رواية محمّد بن المشهدي في باب الجزاء من قبول الزيارة وشكر السعي ووصول السّلام وقضاء الحاجة بالغة ما بلغت والفوز بالجنّة والعتق من النار وغير ذلك مما ذكر في تلك الرواية ، وإن كان التوحّش والاستبعاد مما ذكر في تلك الرواية أقلّ ، إذ قبول الزيارة وقضاء الحاجة ووصول السّلام وأمثالها ليس مما يتوحش منه النفس وتستبعده ، نعم الفوز بالجنة مثلاً تتوحش منه النفس وتستبعده.

أقول : إنّ التوحّش والاستبعاد يطرّد في جميع المثوبات الجليلة الكثيرة الموعودة في الأخبار على الأعمال الخفيفة القليلة في كثير من الموارد ، وهذا من مشكلات الشريعة ، نظير مسألة الطّينة(١) .

__________________

(١) هذا منه إشارة إلى أخبار الطينة الواردة في بيان طينة المؤمن وطينة الكافر ، وقد وردت في هذه المسألة أخبار كثيرة تصل إلى حدّ الاستفاضة ، بل يمكن القول ببلوغها التواتر المعنوي ولا أقلّ من التواتر الإجمالي ، فقد عقد لها الشيخ الكليني رحمه الله في اُصول الكافي باباً مستقلاً أسماه بـ (باب طينة المؤمن والكافر) ، وضمّنه مجموعة من الأخبار ، فراجع اُصول الكافي : ٢: ٣.

كما عقد لها العلّامة المجلسي رحمه الله في بحاره باباً أسماه بـ (باب طينة المؤمن وخروجه من الكافر ، وبالعكس) ، وضمّنه عدداً كبيراً من الأخبار ، فراجع بحار الأنوار : ٦٤: ٧٧.

وقد أشار إلى هذه الأخبار العلّامة الطباطبائي في الميزان ، وقال ما نصّه ـ ولِنعم ما قال ـ: «ويناسب المقام عدّة من أخبار الطينة ، كما رواه في البحار عن جابر بن عبدالله ، قال : «قلت لرسول الله صلى الله عليه وآله : أوّل شيء خلق الله ما هو؟

فقال : نور نبيّك يا جابر ، خلقه الله ثمّ خلق منه كلّ خير الخ»

١٩٠

بل حكى الفاضل التقي المجلسي قدس سره في شرح مشيخة الفقيه عن شيخنا البهائي الحكم بطرح الأخبار المذكورة ، حيث إنه حكى عنه أنه قال في الدرس : «إنا نعلم قطعاً إن أمثال هذه الأخبار كاذبة ، فإنه ورد أنّ ثواب إطعام المؤمن ألف ألف حجة ، فحينئذٍ لايبقى للحجّة مقدار».

إلا أن الفاضل المذكور حكى أنه ذكر لشيخنا البهائي أنه لا يمكن إنكار أمثال هذه الأخبار ، فإنها متواترة معنىً ، قال : وقلت أنتم تروون أنّ ضربة عليّ عليه السلام أفضل من عبادة الثقلين إلى يوم القيامة وتعتقدونه ، ولا شك أنّ ذلك بسبب علوّ شأنه عليه السلام ، بل كل فعل من أفعاله كذلك ، وكذلك كلّ واحد من الأئمّة صلوات الله عليهم بالنظر إلى غيرهم فأيّ استبعاد في أن يكون ثواب خلّص أوليائهم كذلك ، كما وقع في إطعام المسكين واليتيم والأسير ، وهذه المثوبات العظيمة وكانت فضة الخادمة فيهم ، مع أنه فرق بين الثواب الاستحقاقي والتفضّلي.

قال : فاستحسن كلامي ولم يتكلّم بما كان يتكلّم قبله.

لكن فيما ذكره الفاضل المشار إليه مجال المقال ، ويمكن أن يقال : إنّ العقل لا يستبعد في المقام ترتّب المثوبات المذكورة على الزيارة لأنّه من باب الجزاء على ما تحمله سيّد الشهداء عليه السلام في سبيل الله وحراسته الدين بنفسه وماله وعياله بما تقاسر الألسن والأقلام عن تقريره وتحريره.

__________________

«أقول : والأخبار في هذه المعاني كثيرة متظافرة ، وأنت إذا أجلت نظرة التأمّل والإمعان فيها وجدتها شواهد على ما قدّمناه ، وسيجئ شطر من الكلام في بعضها. وإيّاك أن ترمى أمثال هذه الأحاديث الشريفة المأثورة عن معادن العلم ومنابع الحكمة بأنّها من اختلاقات المتصوّفة أوهامهم ، فللخلقة أسرار ، وهو ذا العلماء من طبقات أقوام الإنسان لا يألون جهداً في البحث عن أسرار الطبيعة منذ أخذ البشر في الانتشار ، وكلّما لاح لهم معلوم واحد بان لهم مجاهيل كثيرة ، وهي عالم الطبيعة أضيق العوالم وأخسّها ، فما ظنّك بما ورائها ، وهي عوالم النور والسعة» ـ الميزان : ١: ١٢١.

١٩١

ولنعم ما حكى عنه رُوحي وروح العالمين له الفداء :

تركتُ الناس كلا في هواكا

وأيتمت العيال لكي أراكا

وإن قطّعتني في الحبّ إربا

لما حنّ الفؤاد إلى سواكا

نعم يستبعد العقل ترتّب المثوبات المذكورة في باب الأعمال القليلة في سائر الموارد ، ويرشد إلى ما ذكرنا أنّه ربّما يتحمّل شخص شدّة في المراحل العادية خدمة لشخص والشخّص الثاني يبذل أموالاً كثيرة مجاناً لكلّ واحد من أقربائه وأحبّائه بملاحظة ما تحمله الشخص الأوّل من الشدّة.

ويمكن أن يقال : إنّه لو بذل عبد من عبيد السّلطان جميع ما أمكنه وتمكن منه وإن كان قليلاً فأبذل السلطان سلطنته إليه لا يضائق عنه العقل ولا يحكم بردائه ما صنعه وركاكته ، بل يحكم بحسنه ، بل يحكم بكونه في غاية حسن المكافاة وقد بذل سيّد الشهداء روحي وروح العالمين له الفداء جميع ما تمكّن منه في سبيل الله مع شرافة نفسه وشرافة أنفس سائر الشهداء الذين شهدوا عنده ولاسيّما أقربائه وكذا شرافة أهله الأسرآء بعده روحي وروح العالمين له الفداء أو بشرافة الشخص ودنوها يختلف حال عمله من حيث العلوّ والدنوّ ، وبهذا يختلف أجر عمله كما أنّه يختلف الخضوع عند الله سُبحانه باختلاف عز الشخص وذلّة فقد يكون شيء من العزيز موجباً للطف الله سبحانه إليه دون الذّليل لكون الشيء المشار إليه موجباً لشدّة الخضوع من العزيز دون الذليل ، والمثوبات المذكورة من باب المكافاة لما بذله سيّد الشهداء روحي وروح العالمين له الفداء قليل من كثير ما يتمكّن منه الله سبحانه مع سعة رحمته ووفور فضله ومما يختلف به حال المكافاة سعة أمر الشخص وضيقه ، فمقتضى ما ذكرنا في باب العبد والسلطان ، كفاية نفس بذل سيّد الشهداء روحي وروح العالمين له الفداء ما بذله في رفع الاستبعاد وبملاحظة غاية شرافة نفس سيّد الشهداء وشرافة أهله وعياله وكذا ساير الشهداء وسعة رحمة الله سبحانه غاية السعة

١٩٢

يزيد رفع الاستبعاد ويتناقص الاستبعاد.

لكن هذا الوجه كالوجه السابق يختصّ بالمثوبات المذكورة في باب زيارة سيّد الشهداء روحي وروح العالمين له الفداء.

ويمكن أن يقال : أنه قد جرت العادة واستمرة سيرة الناس على إعطاء الكثير بالقليل ، مثلاً ربما يعطي الشخص خمسين درهماً بإهداء ما يكون قيمته عشرين درهماً ويغمض عن خمسين درهماً لو كانا ديّانا باهداء ما ذكر ، ومن قبيل الأخير حال أرباب الدّيوان ، حيث إنّ الشخص المستولي على الوظيفة الدّيوانية ربما يقصد إمساك مبلغ وباهداء ما دون المبلغ بدرجات يتجاوز عما قصده ويعطي ما قصد إمساكه ، والسرّ فيه أنّ النفس تقبل ويتطرّق عليه الحبّ بواسطة الإهداء ، ولما أقبلت وتطرق عليها الحبّ ، فيقدم على السّماحة والإغماض على حبّ الإقبال وتطرق الحبّ ، وهذا الوجه لا يختص بمثوبات زيارة سيّد الشهداء روحي وروح العالمين له الفداء ، بل يعم غيرها.

إلاّ أن يقال : إنّ الوجه المذكور لا بأس به فيمن يكون إعطائه على حسب اقتضاء الميل ، وأما الله سبحانه فلمّا كان إعطائه وإغماضه على حسب اقتضاء الحكمة ومقدار استعداد العمل فيما لا يكون الأمر فيه من باب التفضّل ، بل ليس التفضّل إلّا على وجه يقتضيه الحكمة ، فلا يتجه الوجه المذكور في المثوبات المذكورة من جانبه سُبحانه بإزاء الأعمال القليلة.

ويمكن أن يقال : إنّ مقتضى الإستقراء في القرآن ورود ثلاثة أقسام من العذاب على قوم لوط : الصّيحة ، وانقلاب الأرض ، وتماطر الأحجار ، مع كفاية واحدٍ منها في تحقّق الهلاك ، وكل ما يمكن أن يكون مصلحة في تعدد العذاب ، يتأتّى نظيره في باب المثوبات الجزيلة على الأعمال القليلة ، فالتوقف في باب تلك المثوبات أولى من طرحها ، والحكم بكذب تلك الأخبار كما هو مقتضى ما تقدم

١٩٣

حكايته عن شيخنا البهائي.

تذييلٌ :

في اشتراط المثوبات المشار إليها بتطرّق البكاء حال الزّيارة

مقتضى ما رواه في كامل الزيارة و «المصباح» إناطة المثوبات المشار إليها بتطرق البكاء حال الزيارة ، لقول أبي جعفر عليه السلام : «حتى يظلّ عنده باكياً » ، بعد قوله عليه السلام : «من زار الحسين عليه السلام يوم عاشوراء » بأن حضر قبره الشريف ، ويكفي في البكاء صدق الاسم للاطلاق.

إلّا أن يقال : إنه لا يكفي مجرّد صدق الاسم ، بل لابدّ من شمول الاطلاق ، كما هو الحال في سائر موارد الاطلاق ، فلو كان من القلّة على مقدار لا يشمله الاطلاق لا يكفي ، وإن تأتّى صدق الاسم.

وإن قلت : إنّ مقتضى معنى : «ظلّ باكياً » هو استغراق النهار بالبكاء ، كما يقال : «ظلّ زيد متفكّراً» ، والمعنى المداومة على التفكّر في النهار ، نظير : «إن بات زيد متفكّراً» ، بمعنى المداوة على التفكّر ، قضيته أنّ معناه البيتوتة بالتفكّر ، ومعناه المداومة في الليل على التفكّر.

قلت : إنّ «ظلّ» وإن يشتمل في إتيان الفعل بالنهار على وجه الاستيعاب ، كما إن (بات) يستعمل في اتيان الفعل في الليل على وجه الاستيعاب ، بل ظاهر «القاموس» و «المجمع» : كون «ظلّ» حقيقة فيما ذكر ، لكنه قد يستعمل بمعنى صار مجرّداً عن الزمان ، نحو قوله تعالى :( ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً ) (١) ، والأمر في المقام من قبيل الأخير بلا شبهة ، كيف واشتراط البكاء في تمام يوم عاشوراء في

__________________

(١) النحل ١٦: ٥٨.

١٩٤

ترتب الثواب على الزيارة التي تتحصّل في قليل من الزمان مقطوع العدم ، بل استغراق اليوم بالبكاء غير ممكن ، كيف واستغراق تمام الزيارة بالبكاء نادر ، بل نظير الاشتراط المذكور مفقود الأثر في الشريعة.

ثمّ إنّ العلّامة المجلسي قدس سره قال في «زاد المعاد» ترجمة لقوله عليه السلام : «حتى يظل باكياً» (يا كريان شود) بالمثناة التحتانية وهو من سهو القلم ، والصّواب (تا كريان شود) بالمثناة الفوقانية ، كما في «تحفة الزائر».

١٩٥

[التنبيه] العشرون :

في استحباب زيارة عاشوراء في غير يوم عاشوراء

أنه لا إشكال في اطّراد استحباب الزيارة المتقدّمة في غير يوم عاشوراء من سائر الأّيام ، لقول أبي جعفر عليه السلام في آخر ما رواه علقمة على مارواه في «كامل الزيارة » : «يا علقمة ، إن استطعت أن تزوره في كلّ يوم بهذه الزيارة من دهرك فافعل ، فلك ثواب جميع ذلك إن شاء الله » ، ويرشد إليه قول الصادق عليه السلام لصفوان على مارواه في «المصباح» ، وكذا محمّد بن المشهدي : «يا صفوان ، إذا حدث لك إلى الله حاجة ، فزر بهذه الزيارة من حيث كنت ».

إلّا أن يقال : إنّ العموم فيه من حيث المكان لا الزمان ، والعموم من جهة لا يستلزم العموم من جهة أخرى.

إلّا أن يقال : إنّ مقتضى أمثال تلك القضية الشرطية تكرّر الجزاء بتكرّر الشرط ، ومتقضاه اطّراد الاستحباب في عموم الأزمان فضلاً عن الأيّام ، ويظهر الحال بملاحظة ما حرّرناه في منطوق القضية الشرطية في باب مفهوم الشرط في الأصول ، ويرشد إليه أيضاً قول الصادق عليه السلام لصفوان : «يا صفوان ، تعاهد هذه الزيارة » ؛ إذ الظاهر كون الغرض من التعاهد(١) المداومة ، نظير قوله ـ نقلاً ـ : «إذا رأيتم الرجل »

__________________

(١) قال في المصباح : «تعهّدته : حفظته. قال ابن فارس : ولا يقال : تعاهدته ؛ لأنّ التفاعل لا يكون إلّا من اثنين. وقال الفارابي : تعهّدته أصلح من تعاهدته» ، انتهى. وفي بعض الأخبار : «تعاهدوا عباد الله نعمه بإصلاح أنفسكم تزدادوا يقيناً » ، وقد وقع التعاهد أيضاً في طائفة من كلمات الفقهاء في باب استحباب تعاهد النعال في المساجد ، وفرّع الشهيد الثاني الإيراد بأنّ التعهّد أفصح ، إلّا أنّ التعهّد في الطائفة المشار إليها من باب المتابعة للرواية. منه رحمه الله.

١٩٦

يتعاهد صلاته ».

وكذا قول الصادق عليه السلام في صحيحة عبد الله بن أبي يعفور المعروفة(١) : «ويكون منه التعاهد للصّلوات الخمس إذا واظب عليهنّ وحفظ مواقيتهنّ بحضور جماعة من المسلمين ».

وكذا قوله عليه السلام في تلك الصحيحة : «مواظباً على الصّلوات ، متعاهداً لأوقاتها في مُصلاّه » ، بل مقتضى هاتين الفقرتين مرادفة التعاهد والمداومة.

أمّا الثانية فالأمر فيها ظاهر ، وأمّا الأولى فلأن الظاهر أنّ قوله عليه السلام : «إذا واظب عليهن » من باب التفسير ، بمعنى أن التعاهد إنما يتحقّق في صورة المواظبة لا من باب تقييد التعاهد بالمواظبة ، ويلزمه كون التعاهد أعم من المواظبة.

إلّا أن يقال : إنّ غاية الأمر كون الغرض المداومة على الزيارة في جميع أيّام عاشوراء لا المداومة في جميع الأيّام ، بل نقول هذا هو الظاهر ، إذ الظاهر من بيان الثواب والجزاء بعد ذلك هو كونه لأصل الزيارة في يوم عاشوراء ، وأما لو كان الغرض المداومة في جميع الأيّام فالثواب إمّا لنفس المداومة أو كلّ يوم على تقدير ، وعلى هذا يلزم الإغماض عن الثواب على الأصل وهو الزيارة في يوم عاشوراء والتعرض للثواب على الفرع وهو المداومة على الزيارة.

إلّّا أن يقال : إنّ الغرض الثواب على كل يوم ولو بدون المداومة فيتأتى ذكر الثواب على الأصل ، ولا يلزم الإغماض عن الأصل والتعرّض للفرع.

لكن نقول : إنّه على هذا يلزم ذكر الأصل بتبع ذكر الفرع وفي ضمن ذكر الفرع ، وهو بعيد.

__________________

(١) وسائل الشيعة ٢٧:٣٩١ ، الباب ٤١ من أبواب الشهادات ، الحديث ١.

١٩٧

تذييلان

أحدهما : في تبديل بعض الكلمات على تقدير إيقاع زيارة عاشوراء في غير عاشوراء

أنّ مقتضى كلام العلّامة المجلسي قدس سره في «تحفة الزائر» و «زاد المعاد» أنه على تقدير إيقاع الزيارة المتقدّمة في غير يوم عاشوراء يلزم أن يقال مكان «هذا» فيما يقال :اللّهُمَّ إِنّ هٰذا يَوْمٌ تَبَرَّكَتْ بِهِ بَنُو اُمَيَّةَ (يوم قتل الحسين عليه السلام) ، قال : «وﭼﻮﻥ در حيدث تجويز كردن اين زيارت در هر وقت وارد شده أست اﮔﺮ در غير روز عاشوراء كند بجاى : اللّهمّ إنّ هذا يوم تبرّكت به بنو أمية يوم قتل الحسين ﺑﮕﻮﻳﺪ.

وسبق إلى تلك المقالة في «البحار» ، قال : «قوله عليه السلام : «أن تزوره في كل يوم» ، يستلزم الرخصة في تغيير عبارة الزيارة كأن يقول: اللّهُمَّ إِنَّ يَوْمَ قَتْلِ الْحُسَيْنِ يَوْمٌ تَبَرَّكَتْ بِهِ.

ومقتضى ما ذكر أن يقال موضع «هذا» «في» هذا يوم فرحت به آل زياد (ويوم قتل الحسين) فكان على العلّامة المشار إليه الإشارة إليه.

اللّهمّ إلاّ أن يقال : إنّه بعد تبديل «هذا» بـ (يوم قتل الحسين) في : «اللّهمّ إنّ هذا يوم» بكون «هذا» في «وهذا يوم فرحت» إشارة إلى يوم قتل الحسين ، ولا حاجة إلى التبديل(١) ، ولعلّ هذا كان عذر العلّامة المشار إليه في عدم الإشارة

__________________

(١) وعن بعض المنع عن التبديل المذكور بملاحظة لزوم البدعة ، وليس بشيء ، وقد حكى السيّد السند شارح الصحيفة السجّاديّة في شرح قول مولانا سيّد السجّاد عليه آلاف التحيّة من ربّ العباد إلى يوم التناد في الدعاء عند ختم القرآن : «اللّهمّ إنّك أنزلته على نبيّك محمّد صلى الله عليه وآله مجملاً، وألهمته علم عجائبه مكملاً، وورثنا علمه مفسّراً، وفضّلتنا على مَن جهل علمه، وقوّيتنا عليه لترفعنا فوق مَن لم يطق حمله » ينبغي تبديل قوله عليه السلام :»

١٩٨

إلى ما ذكر.

إلّا أن يقال : إنّ «هذا» موضوع للإشارة إلى القريب و (يوم قتل الحسين) المبدل إليه بعيد بالإضافة إلى «هذا» في «وهذا يوم» فلايصحّ الإشارة به إليه ، فلابدّ من التبديل.

اللّهمّ إلاّ أن يقال : إنّ المصرّح به في النحو كثرة استعمال (ذا) و (ذاك) و (ذلك) في كل من القريب والبعيد والمتوسّط.

إلّا أن الكلام في كونه حقيقة أو مجازاً.

وعلى أيّ حال ، فلا بأس باستعمال «هذا» في البعيد ، ولا حاجة إلى التبديل بلا إشكال ، ومقتضى ما ذكر أيضاً تبديل «أتيتكما» في دعاء الوداع في : «يا أمير المؤمنين ، ويا أبا عبد الله ، أتيتكما زائراً» بـ: (توجّهت إليكما).

بل الشيخ قدس سره في «التهذيب» في باب من بعدت شقته وتعذّر عليه قصد المشاهد بعد أن روى عن أحمد بن عيسى ، عن ابن أبي عمير ، عمّن رواه ، قال : «قال أبو عبدالله عليه السلام : إذا بعدت بأحدكم الشقّة ، ونأت به الدار ، فليعلو أعلى منزله ، وليصلّ ركعتين ، وليومِ بالسلام إلى قبورنا ، فإنّ ذلك يصل إلينا ».

وقال قدس سره : «وتسلّم على الأئمّة عليهم السلام من بعيد كما تسلّم عليهم من قريب ، غير إنّك لا يصحّ أن نقول : أتيتك زائراً ، بل تقول في موضعه : قصدت بقلبي زائراً ؛ إذ عجزت من حضور مشهدك ووجّهت إليك سلامي لعلمي بأنّه يبلغك صلّى الله

__________________

«وورثنا علمه» وقوله عليه السلام : «وفضّلتنا» ونحو ذلك من الألفاظ بألفاظ تناسب حالة الداعي.

وحكى السيّد السند الشارح المشار إليه : بأنّ الأوْلى تبديل الضمير فقط ، فيقال في قوله : «إنّك أنزلته على نبيّك مجملاً» ثمّ إعادة سائر الضمائر إليه ، وأن يقال : «وفضّلتهم وقوّيتهم عليه لترفعهم»؛ لما في ذلك من إبقاء المعنى على أصله. منه رحمه الله.

١٩٩

عليك ، فاشفع لي عند ربّك عزّ وجلّ ، وتدعو بما أحببت»(١) .

ومقتضى صريحة القول بالتبديل ، بناء على كون العبارة المذكورة من الشيخ قدس سره ، كما جرى عليه في «البحار» و «تحفة الزائر» و «زاد المعاد»(٢) ، وهو الأظهر ، لأنه روى تلك الرواية في «الكافي» عن عدّة من الأصحاب ، عن أحمد بن محمّد ،

__________________

(١) تهذيب الأحكام ٦: ١٠٣ ، باب من بعدت شقته وتعذّر عليه قصد المشاهد ، الحديث ١.

(٢) ونظير ما صنعه الشيخ من تبديل بعض أجزاء الحديث بناءً على كون العبارة المذكورة من الشيخ ما صنعه الصدوق في كتاب الحجّ في باب القِران بين الأسابيع ، حيث قال : «وقال زرارة : ربّما طفت مع أبي جعفر عليه السلام وهو ممسك بيدي الطوافين والثلاثة ثمّ ينصرف ويصلّي الركعات ستّاً ، وكلّما قرن الرجل بين طواف النافلة صلّى لكلّ اسبوع ركعتين» ، فإنّ قوله : «وكلّما قرن ...» من الصدوق وليس من الرواية ، كما نصّ عليه المحدّث القاشاني في حاشية الوافي ، وفي حاشية الفقيه تعليقاً على الكلام المذكور (من كلام المصنّف).

وفي الأخبار ما يدلّ عليه.

وروي في التهذيب في باب الوكالات عن محمّد بن أبي عمير ، عن غير واحد من أصحابنا ، عن أبي عبدالله عليه السلام في رجل قبض صداق ابنته من زوجها ثمّ مات ، هل لها أن تطالب زوجها بصداقها أو قبض أبيها قبضها؟

قال عليه السلام :إنّ كانت وكّلته بقبض صداقها من زوجها فليس لها أن تطالبه، وإن لم تكن وكّلته فلها ذلك، ويرجع الزوج على ورثة أبيها بذلك، إلّا أن تكون حينئذٍ صبيّة في حجره، فيجوز لأبيها أن يقبض عنها، ومتى طلّقها قبل الدخول بها فلأبيها أن يعفو عن بعض الصداق ويأخذ بعضاً ، ليس له أن يدع كلّه، وذلك قول الله عزّ وجلّ: ( إِلَّا أَن يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ ) [البقرة ٢: ٢٣٧]» ، يعني الأب ، والذي توكّله المرأة وتولّيه أمرها من أخ أو قرابة أو غيرهما».

قال العلّامة المجلسي في بعض تعليقات التهذيب : «الظاهر أنّه يعني قوله : ومتى طلّقها قبل الدخول ، من كلام الصدوق ، وإن كان مضمون الروايات ، وظنّ الشيخ أنّه تتمّة الخبر ، ويحتمل أن يكون من كلام الشيخ على بعد. منه رحمه الله.

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290