شرح زيارة عاشوراء

شرح زيارة عاشوراء20%

شرح زيارة عاشوراء مؤلف:
المحقق: الشيخ يوسف أحمد الأحسائي
الناشر: منشورات دار الصديقة الشهيدة عليها السلام
تصنيف: متون الأدعية والزيارات
ISBN: 978-964-8438-50-5
الصفحات: 290

شرح زيارة عاشوراء
  • البداية
  • السابق
  • 290 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 28894 / تحميل: 4986
الحجم الحجم الحجم
شرح زيارة عاشوراء

شرح زيارة عاشوراء

مؤلف:
الناشر: منشورات دار الصديقة الشهيدة عليها السلام
ISBN: ٩٧٨-٩٦٤-٨٤٣٨-٥٠-٥
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

عن ابن أبي عمير ، عمّن رواه ، قال : «قال أبو عبد الله عليه السلام الخ» ، والمروي فيه خال عن العبارة المذكورة.

وكذا رواه في «كامل الزيارة» عن أبيه ، عن سعد ومحمّد بن يحيي ، عن ابن عيسى عن ابن أبي عمير ، عمّن رواه ، قال : «قال أبو عبد الله عليه السلام» ، والمروي فيه خال أيضاً عن العبارة المذكورة(١) .

إلّا أن يقال : إن خلو رواية «الكافي» و «كامل الزيارة» عن العبارة المذكورة لا ينافي اشتمال ما رواه في «التهذيب» ، لعدم رواية الشيخ عن «الكافي» ولا عن «كامل الزيارة» وعدم دخول ابن قولويه وهو مقدم على الشيخ في مشيخته في هذا الحديث ، حيث إنّ ما رواه عن أحمد بن محمّد بن عيسى فقد رواه على ما ذكره في المشيخة عن الحسين بن عبيد الله ، عن أحمد بن محمّد بن يحيى العطار ، عن أبيه محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن علي بن محبوب ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، بل ابن قولويه غير داخل في مشيخة الشيخ رأساً.

لكنّه مدفوع : بكفاية اتّحاد السند من أحمد بن محمّد بن عيسى ، حيث إنّ أحمد بن محمّد في رواية «الكافي» هو أحمد بن محمّد بن عيسى لرواية أحمد بن محمّد بن عيسى عن ابن أبي عمير كتب مائة رجل من رجال الصادق عليه السلام ، على ما في «الفهرست» ، وفي سند «كامل الزيارة» تصريح بابن عيسى ، مضافاً إلى شهادة نفس تلك العبارة من جهة التعبير فيها بالأئمة عليهم السلام والتسليم عليهم بخروجها عن الرواية.

فقد بان صحة المؤاخذة على الكفعمي في بعض حواشي كتابه(٢) ، وكذا على

__________________

(١) وقد تقدّم ذكر هذه الرواية في التنبيه السادس.

(٢) الظاهر أنّه في حواشي كتابه المصباح المعروف بجنّة الأمان الواقية وجنّة الإيمان الباقية.

٢٠١

المحدّث الحرّ في «الوسائل»(١) ، حيث إنه روى كل منهما العبارة المذكورة تتمّة للرواية

وبالجملة : لا ينبغي الارتياب في لزوم تبديل الإشارة الأولى ، أعني الإشارة في «اللّهمّ إنّ هذا يوم» بـ «يوم قتل الحسين» ، ولا خفاء في أولوية التبديل المذكور في الإشارة الثانية ، أعني الإشارة في «وهذا يوم» ، ولا ينبغي الارتياب أيضاً في لزوم تبديل «أتيتكما» بـ «توجّهت إليكما».

وإن قلت : إنّه لا إشكال في جواز الإتيان بالإشارة الأولى في يوم عاشوراء في أمثال هذه الأعصار ، مع أن يوم عاشوراء في أمثال هذه الأعصار ليس ممّا تبرك به بنو اُميّة ، بل المُتبرّكُ به إنّما هو اليوم الأوّل ، أعني اليوم الذي قتل فيه سيّد الشهداء عليه السلام رُوحي وروح العالمين له الفداء ، أو الأيّام التي وقعت في أعصار بني أميّة من يوم عاشوراء ، فلا يخرج الأمر عن التعبّد ، فلا بأس بالإتيان بالإشارة الأولى في غير يوم عاشوراء أيضاً ، وبما ذكر يظهر حال الإشارة الثانية.

قلت : إن المقصود بالإشارة الأولى لو كان الزيادة في أمثال هذه الأعصار هو شبيه اليوم ، أعني اليوم الذي وقع فيه بالخصوص قتل سيّد الشهداء روحي ورُوح العالمين له الفداء ، غاية الأمر لزوم التجوّز ، بناء على كون هذا موضوعاً للإشارة إلى ما يصحّ الإشارة الحسّية إليه وجواز التجوّز لما ادّعيت من أنّه لا إشكال في جواز الإتيان بتلك الإشارة في أمثال هذه الأعصار ، وليس الأمر في الباب من باب التعبّد بلا ارتياب ، وبما ذكر يظهر حال الإشارة الثانية.

وإن قلت : إنّ مقتضى تجويز تلك الزيارة في كل يوم هو جواز البناء في الإشارة وغيرها على حالهما.

__________________

(١) فراجع وسائل الشيعة : ١٤: ٥٧٧ ، الباب ٩٥ من أبواب المزار وما يناسبه ، الحديث ٣.

٢٠٢

قلت : إنّه لابدّ من تقييد التجويز بحكم العقل والتقييد أمر سهل.

وبعد هذا أقول : أنّه يمكن أن يكون هذا لو كانت الزيارة في غير يوم عاشوراء إشارة إلى يوم عاشوراء المعهود في الذّهن الذي وقع فيه بالخصوص قتل سيّد الشهداء روحي وروح العالمين له الفداء ، كما سمعت فيما لو كان الزيارة في يوم عاشوراء ، غاية الأمر لزوم التجوّز اللاّزم فيما لو كان الزيارة في يوم عاشوراء أيضاً.

ونظير التبديل المتعيّن في المقام أنّه يتعيّن تبديل : «وإلى جدّكم بعث الروح الأمين» في الزيارة الجامعة الكبيرة ، بأن يقال : «وإلى أخيك» ، كما ذكره في «التهذيب» و «الفقيه» و «تحفة الزائر» و «زاد المعاد».

ويمكن أن يقال : إنّ المناسب بل اللاّزم الاقتصار في دعاء الوداع في : «يا أمير المؤمنين ، ويا أبا عبد الله ، عليكما منّي سلام الله» إلى : «يا أبا عبد الله» ، وتبدل : «عليكما» بـ«عليك» ؛ إذ الوداع لما كان من الصادق عليه السلام عند رأس أمير المؤمنين عليه السلام ، فكان ما ذكر من دعاء الوداع مناسباً ، وأما الزائر من البعيد فلا يناسب منه ذلك ، والمناسب بل اللاّزم في حقه ما ذكرنا من الإقتصار والتبديل.

وبما ذكرنا يظهر الحال في : «من زيارتكما» و: «بينكما» ، وكذا الحال في : «يا أمير المؤمنين ، ويا أبا عبد الله ، أتيتكما» ، حيث إنّ المناسب الاقتصار على : «يا أبا عبد الله» ، وتبديل : «أتيتكما» بـ«توجّهت إليكما» كما مرّ.

وكذا الحال في : «ربّكما» و «متوجّهاً إليه بكما ومستشفعاً بكما» ، وكذا الحال في : «بشفاعتكما» ، وكذا الحال في : «أستودعكما الله» ، وكذا الحال في : «انصرفت يا سيّدي يا أمير المؤمنين ومولاي ، وأنت يا أبا عبد الله» ، وكذا الحال في : «يا سيديَّ وسلامي عليكما» ، وكذا الحال في : «بحقّكما» ، وكذا الحال في : «يا سادتي ، رغبت إليكما وإلى زيارتكما بعد أن زهد فيكما وفي زيارتكما» ، وكذا الحال في : «وما أمّلت في زيارتكما».

٢٠٣

في أنّ دعاء الوداع مشتمل على أمور ثلاثة :

وبالجملة دعاء الوداع بيَّنَ أموراً :

أوّلها : التضرّع والدّعاء ، وهو من الصدر المصدّر بألفاظ الجلالة(١) إلي قوله : «يا أمير المؤمنين ، ويا أبا عبد الله ، عليكما منّي سلام الله».

وربّما قيل : إنه الذي ورد الحث عليه في رواية صفوان ، بحيث يؤتى به في كلّ زمان ومكان.

ثانيها : السّلام على الإمامين مع الدّعاء ، وهو ممّا بعد قوله المختتم به الأوّل أعني قوله عليه السلام : «يا أمير المؤمنين ، ويا أبا عبد الله ، عليكما منّي سلام الله» إلى قوله عليه السلام : «يا أمير المؤمنين ، ويا أبا عبد الله ، أتيتكما زائراً ومتوسّلاً إلى الله ربّي وربّكما ، ومتوجّهاً إليه بكما ، ومستشفعاً بكما إلى الله في حاجتي هذه».

ثالثها : الاستشفاع من الإمامين في قضاء الحوائج ، وهو ممّا بعد قوله المختتم به الثاني إلى قوله : «انصرفت يا سيدي يا أمير المؤمنين ومولاي ، وأنت يا أبا عبد الله» ، ولا يخفى عليك أنّ المناسب للوداع لمن لم يكن عند رأس أمير المؤمنين عليه السلام هو الاقتصار على الأمر الأوّل ويشهد شهادة كاملة على ابتناء الوداع على كونه من عند رأس أمير المؤمنين عليه السلام ما تقدّم من رواية محمّد بن المشهدي ، حيث قال الصادق عليه السلام : «ثمّ أوم إلى الحسين عليه السلام ، وقل : السّلام عليك يا أبا عبد الله ، السّلام عليك يابن رسول الله ».

ثمّ قال عليه السلام : «ثم تلتفت إلى أمير المؤمنين عليه السلام وتقول : السّلام عليك يا أمير المؤمنين ، والسّلام على أبي عبد الله الحسين ».

__________________

(١) مراده بذلك قوله : «يا الله ، يا الله ، يا الله».

٢٠٤

فيما يدلّ على عدم جواز التغيير في الدعاء

وبعد ما مرّ أقول : أنّه قد روى الكليني في أواخر «أصول الكافي» في باب القول عند الإصباح والإمساء بسنده عن العلاء بن كامل ، قال : «سمعت أبا عبد الله عليه السلام بقول :( وّاذْكُر رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ ) (١) ،عند المساء لا إلـٰه إلّا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، يحيى ويميت ويميت ويحيى ، وهو على كلّ شيء قدير.

قال : قلت بيده الخير.

قال :إنّ بيده الخير ، ولكن قل : كما أقول لك ...»(٢) .

وروى الصدوق في «كمال الدين» في باب ما روى عن الصادق عليه السلام من النصّ على القائم عليه السلام ، وذكر غيبته ، وأنه الثاني عشر ، بسنده عن عبد الله بن سنان ، قال : «قال أبو عبد الله صلوات الله عليه :ستصيبكم شبهة فتبقون بلا علم يرى ، ولا إمام هدى ، ولا ينجو منها إلّا من دعا بدعاء الغريق.

قلت : وكيف دعاء الغريق؟

قال :تقول : يا الله ، يا رحمن ، يا رحيم ، يا مقلّب القلوب ، ثبّت قلبي على دينك

فقلت : يا الله ، يا مقلّب القلوب والأبصار ، ثبّت قلبي على دينك.

فقال :إنّ الله عزّ وجلّ مُقلّب القلوب والأبصار ، لكن قل كما أقول : يا مُقلّب القلوب ، ثبّت قلبي على دينك »(٣) .

__________________

(١) الأعراف ٧: ٢٠٥.

(٢) اُصول الكافي :٢: ٣٨٣/١٧.

(٣) كمال الدين وتمام النعمة : ٣٥١ ، الباب ٣٣ ما أخبر به الصادق عليه السلام من وقوع الغيبة ، الحديث ٤٩.

٢٠٥

ومقتضى الخبرين تطرّق النّقص بالزيادة ، وعدم جواز التعدّي عما ورد فمقتضاهما عدم جواز التعدّي عن الوارد في عموم الموارد ، فلا يتّجه التبديلات المتقدّمة ، وعلى هذا المنوال الحال فيما كان يختلج بالبال من أنّ المناسب أن يقال في دعاء كميل بعد قوله عليه السلام : «إِلهي وَربِّي مَنْ لي غَيْرُكَ أَسْأَلُهُ كَشْفَ ضُرِّي ، وَالنَّظَرَ في أَمْرِي » (ومن يكشف ضرّاً ، أو ينظر في أمرٍ غيرك) ، وكذا ما اختلج بالبال من أنّ المناسب أن يقال بعد قوله عليه السلام : في بعض المواضع : «كلما كبر سنّي زاد معصيتي» ، (بل كلّما تنفّست نفساً زادت معصيتي).

وكذا ما ذكره بعض الأعلام من أنّ المناسب أن يقال في دعاء أبي حمزة المعروف في طيّ قوله عليه السلام : «ما لي كُلَّمَا قُلْتُ قَدْ صَلُحَتْ سَرِيرَتي ، وَقَرُبَ مِنْ مَجالِسِ التَّوّابِينَ مَجْلِسي ، عَرَضَتْ لي بَلِيَّةٌ أَزالَتْ قَدَمَيَّ وَحالَتْ بَيْني وَبَيْنَ خِدْمَتِكَ الخ» ، (أو لعلّك رأيتني غير قابل لخدمتك فبعدتني؟) ، وكذا ما كان قوي في النظر من جواز أن يقرأ دعاء كميل في يوم جمعة مثلاً مع تبدل الليلة في قوله عليه السلام : «أَنْ تَهَبَ لي في هٰذِهِ اللَّيْلَةِ » باليوم.

وربّما يقال : إنّ المنع عن الزيادة في الخبرين المتقدّمين من جهة قصد التوظيف ، فلايمانع عن الزيادة والتغيير بدون قصد التوظيف.

وفيه : إنّه لو أمضى الإمام الزيادة لما تطرق هذا المحذور ، فمقتضى المنع أنه ليس من جهة قصد التوظيف ، مع أنّ الحمل على قصد التوظيف خلاف الظاهر.

لكن نقول : إنه لا خلاص ولا مناص عن التغييرات المتقدّمة ، وأما التغيير الغير اللازم أو الزيادة الغير اللازمة فالكلام فيه غير مربوط بالمقام ولا حاجة فيه إلى الكلام.

ثم إنّ تبديل الإشارة الأولى بـ (يوم قتل الحسين) إنّما يتعيّن في رواية «المصباح» ، وأما ما في «كامل الزيارة» وهو : «اللّهُمَّ اِنَّ هٰذا يَوْمٌ تَنْزِلُ فيهِ اللَّعْنَةُ

٢٠٦

عَلىٰ آلِ زِيادٍ ، وَآلِ اُمَيَّةَ الخ».

فمقتضى صريح كلام العلّامة المجلسي قدس سره في «البحار» عدم الحاجة فيه إلى التبديل ، لكن الأولى والأحوط التبديل ، كيف ونزول اللعنة في كل يوم خال عن الدليل

بقي أنّ العلّامة المجلسي قدس سره ذكر في «زاد المعاد» بعد الفراغ عن زيارة أمير المؤمنين عليه السلام في اليوم السابع عشر من شهر ربيع الأوّل ، أعني يوم مولد النبيّ صلى الله عليه وآله أنّه يقصد البعيد بهذا الحرم وهذا الضّريح روضة أمير المؤمنين عليه السلام وضريحه ، ومقتضاه جواز أن يقصد بهذا اليوم هنا يوم عاشوراء لو كان الزيارة في غير يوم عاشوراء.

لكن الظاهر بل بلا إشكال أن المدار فيما ذكره على استعمال مجموع هذا الحرم وهذا الضّريح في روضة أمير المؤمنين عليه السلام وضريحه ، وهو ظاهر الفساد.

وذكر العلّامة المشار إليه في «زاد المعاد» أيضاً بعد ذكر حديث حنان بن سدير الوارد في زيارة سيّد الشهداء عليه السلام ، والمشتمل على فقرات صريحة في الوراثة المقصود بها الإمامة ، أعني : «السَّلَامُ يا وارِثَ آدَمَ صِفْوَةِ اللهِ ، وَوارِثَ نُوحٍ نَبِيِّ اللهِ ، وَوارِثَ إِبْراهيمَ خَليلِ اللهِ ، وَوارِثَ موسىٰ كَليمِ اللهِ ، وَوارِثَ عيسىٰ رُوحِ اللهِ وَكَلِمَتِهِ ، وَوارِثَ مُحَمَّدٍ حَبيبِ اللهِ وَنَبيِّهِ وَرَسولِهِ ، وَوارِثَ عَلِيٍّ أميرِ الْمُؤْمِنينَ » ، وبعد ترجمة ما في الحديث المذكور من أنّه يزار علي بن الحسين بمثل الزيارة المذكورة أنّه عند زيارة عليّ بن الحسين يقول الزائر بعدُ بدل : «يا وارث» في جميع موارده : «يابن وارث» أو يقصد من الوراثة غير الخلافة ، لعدم إمامة علي بن الحسين ، ولعلّ مقتضاه التخيير في المقام بين تبدل هذا اليوم بيوم قتل الحسين وقصد يوم قتل الحسين من هذا اليوم.

ويظهر الحال فيه بما مر ، ومع هذا ما تكرر في الزيارة المذكورة هو : «وارث»

٢٠٧

لا «يا وارث» ، ومقتضى كلامه تكرّر «يا وارث» ، حيث إنّه ذكر تبديل «يا وارث» في موارده ، فكان الصواب أن يذكر تبديل «وارث» في موارده لا تبدل «يا وارث» في موارده.

[التذييل الثاني] ثانيهما : في استحباب زيارة عاشوراء في جميع أجزاء

سائر الأيّام غير يوم عاشوراء والليالي

أنّه ربّما قيل باطّراد استحباب الزيارة في جميع أجزاء سائر الأيام غير يوم عاشوراء ، بملاحظة قول أبي جعفر عليه السلام لعلقمة ، كما مرّ : «إن استطعت أن تزوره في كل يوم بهذه الزيارة من دهرك فافعل فلك ثواب جميع ذلك » ، بل باطراد الاستحباب في الليالي بملاحظة أنّ اليوم يطلق غالباً على المعنى الشامل للنهار والليل ، والمقصود به عموم اليوم في الأقوال المشار إليها للّيل بواسطة غلبة إطلاق اليوم على مجموع الليل والنهار.

أقول : إنّ مقتضى ما تقدّم من اشتراط الزيارة بكونها قرب الزوال عدم عموم التشريع لغير قرب الزوال من يوم عاشوراء سابقاً أو لاحقاً فضلاً عن غير يوم عاشوراء فضلاً عن الليل.

نعم ، لا بأس بايقاعها في غير قرب الزوال سابقاً أو لاحقاً في يوم عاشوراء أو غير يوم عاشوراء من سائر الأيام أو الليل بعد الاطّلاع على الاشتراط ، لعدم ما في البدعة والتشريع وليس مانع آخر في البين ، لكن لو قصد التشريع جهلاً من دون اجتهاد ولاتقليد بل من خيال من عند النفس أو قصده من باب اجتهاد فاسد أو تقليد غير معتبر ، يتأتّى الحرمة لتطرق البدعة.

وأمّا الاستدلال المذكور على اطّراد الاستحباب في الليل.

فهو مدفوع : بأن الظاهر من اليوم هو ما يقابل الليل وليس غلبة استعماله في

٢٠٨

الأعمّ بعد تسليم الغلبة إلى حدٍ يوجب الإجمال فضلاً عن الظهور في الأعمّ ، مضافاً إلى ما تقدم من اشتراط الايقاع بقرب الزوال.

لكن نقول : إنّ ما ذكرناه من حد الاشتراط إنّما يتمّ بناء على التقييد في المندوبات ، كما هو الأظهر ، وإلّا فيطّرد الاستحباب ، كما أنّه لو قلنا بالتسامح في المندوبات حتى في الاحتمال الغير المعتدّ به المخالف للظاهر ، يتأتى اطّراد الاستحباب على القول بالتقييد أيضاً ، كما لو قلنا بعدم التّسامح في المندوبات ، كما هو الأظهر أو بعدم التسامح في الاحتمال المخالف للظاهر ، فلا مجال للاستحباب بعد التقييد ، وبما ذكر يظهر كفاية احتمال استعمال اليوم في الأعم بناء على التسامح في المندوبات حتى في الاحتمال المخالف للظاهر ، لكن الاظهر كما سمعت عدم التسامح في المندوبات فضلاً عن صورة مخالفة الاحتمال للظاهر ، وبما سمعت يظهر حال الايقاع في اليوم واللّيل بالايقاع في آخر اليوم وأول الليل أو آخر الليل وأوّل اليوم بالايقاع فيما قبل طلوع الفجر وما بعده بناء على كون ما بين الطّلوعين من اليوم أو فيما بين الطّلوعين وما بعد طلوع الشمس بناء على كون ما بين الطلوعين من الليل ، ثم إنّه على تقدير جواز الايقاع في الليل لابد من تبدل ما تقدم لزوم تبديله في صورة الايقاع في غير يوم عاشوراء ، وكذا تبدل : «هذا اليوم» في : «اللّهُمَّ إِنّي أَتَقَرَّبُ إِلَيْكَ في هذَا الْيَوْمِ » في آخر الزيارة : «هذه الليلة» أو «بهذا الوقت» مثلاً.

٢٠٩

[التنبيه] الحادي والعشرون :

في اختلاف رواية «كامل الزيارة» و «المصباح»

في متن زيارة عاشوراء في ثلاثة وثلاثين وجهاً

أن رواية «كامل الزيارة» و «المصباح» تختلفان في متن الزيارة المبحوث عنها في أمور :

[الوجه] الأوّل : أنّ في «كامل الزيارة» : «السَّلَامُ عَلَيْكَ يا خِيَرَةَ اللهِ وَابْنَ خِيرَتِهِ » بعد : «السَّلَامُ عَلَيْكَ يَابْنَ رَسُولِ اللهِ » وليس ذلك في «المصباح» ، وعلى هذا حال «تحفة الزائر» و «زاد المعاد».

[الوجه] الثاني : أنّ في «كامل الزيارة» : «السَّلَامُ عَلَيْكَ يَابْنَ فاطِمَةَ سَيِّدَةِ النِّساءِ ». وفي «المصباح» : «يَابْنَ فاطِمَةَ الزَّهْراءِ سَيِّدَةِ نِساءِ الْعالَمينَ ». وعن بعض النسخ : «سَيِّدَةِ نِساءِ الْعالَمينَ ». وفي «تحفة الزائر»:«يَابْنَ فاطِمَةَ سَيِّدَةِ نِساءِ الْعالَمينَ ». وفي «زاد المعاد» : «يَابْنَ فاطِمَةَ الزَّهْراءِ سَيِّدَةِ النِّساء ».

[الوجه] الثالث : أنّ في «كامل الزيارة» : «لَقَدْ عَظُمَتِ الْمُصيبَةُ بِكَ عَلَيْنا وَعَلىٰٰ جَميعِ أَهْلِ السَّمٰواتِ ». وفي «المصباح» : «لَقَدْ عَظُمَتِ الرَّزِيَّةُ ، وَجَلَّتْ وعَظُمَتْ الْمصيبَةُ بِكَ عَلَيْنا وَعَلىٰ جَميعِ أَهْلِ الْإِسْلامِ ، وَجَلَّتْ وَعَظُمَتْ مُصيبَتُكَ في السَّمٰواتِ عَلىٰ جَميعِ أَهلِ السَّمٰواتِ ». وفي «زاد المعاد» : «لَقَدْ عَظُمَتِ الرَّزِيَّةُ ، وَجَلَّتِ الْمُصيبَةُ » إلى آخر ما في «المصباح». لكن عن بعض نسخ «تحفة الزائر» : «عَظُمَتِ » مكان «جَلَّتِ ».

٢١٠

[الوجه] الرابع : أنّ في «المصباح» قبل : «يا أَبا عَبْدِاللهِ ، بَرِئْتُ إِلى اللهِ وَإِلَيْكُمْ مِنْهُمْ وَمِنْ أَشْياعِهِمْ وَأَتْباعِهِمْ وَأَوْلِيائِهِمْ ». وليس هذا في «كامل الزيارة». وعلى هذا حال «تحفة الزائر» و «زاد المعاد».

[الوجه] الخامس : أنّ في «كامل الزيارة» : «فَلَعَنَ اللهُ آلَ زِيادٍ » بالفاء. وفي «المصباح» بالواو. وعلى هذا حال «تحفة الزائر» وكذا «زاد المعاد» نقلاً ، لكن ما عندي من نسخة «زاد المعاد» بإسقاط : «فَلَعَنَ اللهُ آلَ زِيادٍ وَآلَ مَرْوانَ » ، لكنّ الظاهر أنّه من باب سقط الكتاب.

[الوجه] السادس : أنّ في «كامل الزيارة» : «وَتَهَيَّأَتْ لِقِتالِكَ ». وفي «المصباح» الموجود عندي : «تَهَيَّأَتْ وَتَنَقَّبَتْ ». وعن بعض نسخه تقديم الثاني على الأوّل ، وعن بعض آخر من نسخه : «تَنَقَّبَتْ » مكان «تَهَيَّأَتْ ». وفي «تحفة الزائر» و «زاد المعاد» :تَنَقَّبَتْ وَتَهَيَّأَتْ.

[الوجه] السابع : أنّ في «كامل الزيارة» قبل : «بِأَبي أَنْتَ يا أَبا عَبْدِاللهِ ». وليس هذا في «المصباح». وعلى هذا حال «تحفة الزائر» و «زاد المعاد».

[الوجه] الثامن : أنّ في «كامل الزيارة» : «أَنْ يُكْرِمَني وَيَرْزُقَني ». وفي «المصباح»(١) : «وَأَكْرَمَني بِكَ أَنْ يَرْزُقَني ». وعلى هذا حال «تحفة الزائر» و «زاد المعاد».

[الوجه] التاسع : أنّ في «كامل الزيارة» : «مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ ». وفي «المصباح» : «مِنْ أَهْلِ بَيْتِ مُحَمَّدٍ ». وعلى هذا حال «تحفة الزائر» و «زاد المعاد».

__________________

(١) قوله : «وفي المصباح» وعن بعض نسخ المصباح : «وأكرمني أن يرزقني». منه رحمه الله.

٢١١

[الوجه] العاشر : أنّ في «كامل الزيارة» ـ على ما حكى ـ: «اللّهُمَّ الجْعَلْني وَجيهاً بِالْحُسَيْنِ عَلَيْهِ السَّلامُ عِنْدَكَ ». وفي «المصباح» : «اللّهُمَّ اجْعَلْني عِنْدَكَ وَجيهاً » ، أي بتأخير «وَجيهاً ». وعلى هذا حال «تحفة الزائر» و «زاد المعاد». لكن نسخة عندي من «كامل الزيارة» ليس فيها «عِنْدَكَ ».

[الوجه] الحادي عشر : أنّ في «كامل الزيارة»(١) : «وَبِالْبَراءةِ مِمَّنْ أَسَّسَ أَساسَ الْجَورِ وَبَنَىٰ عَلَيْهِ بُنْيانَهُ ، وَأَجْرى ظُلْمَهُ وَجَوْرَهُ عَلَيْكُمْ ». وفي «المصباح» : «وَبِالْبَراءَةِ مِمَّنْ أَسَّسَ ذلِكَ وَبَنىٰ عَلَيْهِ بُنْيانَهُ ، وَجَرىٰ في ظُلْمِهِ وَجَوْرِهِ عَلَيْكُمْ ».

وفي «تحفة الزائر» و «وزاد المعاد» : «وَبِالْبَراءَةِ مِمَّنْ أَسَّسَ أَساسَ ذلِكَ وَبَنىٰ عَلَيْهِ بُنْيانَهُ ، وَجَرىٰ في ظُلْمِهِ وَجَوْرِهِ عَلَيْكُمْ ». وقد أجاد من قال(٢) : «وما أدرى من أين له ذلك».

[الوجه] الثاني عشر : أنّ في «كامل الزيارة» : «وَمِنَ النّاصِبينَ لَكُمُ الْحَرْبَ ». في «المصباح» : «وَالنّاصِبينَ » بإسقاط حرف الجرّ. وعلى هذا حال «تحفة الزائر» و «زاد المعاد».

[الوجه] الثالث عشر : أنّ في «المصباح» : «وَبِالْبَراءَةِ مِنْ أَشْياعِهِمْ ». وعلى هذا حال «تحفة الزائر» و «زاد المعاد» ، وفي «كامل الزيارة» : «وَالْبَراءَةِ » بإسقاط

__________________

(١) قوله : «في كامل الزيارة وبالبراءة» على ما نقله في بحار الأنوار ، ولكنّه في نسخة عندي من كامل الزيارة : «بموالاتك والبراءة ممّن قاتلك» ، وفي المصباح : «وبالبراءة» ، وعلى هذا حال تحفة الزائر وزاد المعاد. منه رحمه الله.

(٢) قوله : «وقد أجاد من قال : الظاهر أنّ ما في تحفة الزائر وزاد المعاد مأخوذ من المصباح ، كما هو الحال في سائر أجزاء المتن ، وإنّما زيد لفظ «أساس» سهواً. منه رحمه الله.

٢١٢

حرف الجر.

[الوجه] الرابع عشر : أنّ في «كامل الزيارة» : «وَأَن يَرْزُقَني طَلَبَ ثارِكُمْ ». وفي «المصباح» : «طَلَبَ ثاري» ، وعلى هذا حال «تحفة الزائر» و «زاد المعاد»

[الوجه] الخامس عشر : أنّ في «كامل الزيارة» : «مَعَ إِمامٍ مَهْديٍّ ناطِقٍ لَكُمْ ». وفي «المصباح»(١) : «مَعَ إِمامٍ مَهْديٍّ ظاهِرٍ ناطِقٍ بِالْحَقِّ مِنْكُمْ ».

وفي «تحفة الزائر» و «زاد المعاد» : «مَعَ إِمامٍ مَهْديٍّ ظاهِرٍ ناطِقٍ مِنْكُمْ ».

[الوجه] السادس عشر : أنّ في كامل الزيارة : «أَقُولُ إِنّا لِلّهِ وَإِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ ،يا لَها مِنْ مُصيبَةٍ » ، وليس هذا في «المصباح» ، وفيه : «مُصاباً بِمُصيبَتِهِ ». وعلى هذا حال «تحفة الزائر» و «زاد المعاد» ، وعن بعض نسخ «تحفة الزائر» : «يا لَها» بين لفظي «المصيبة».

[الوجه] السابع عشر : أنّ في كامل الزيارة : «وَفي جَميعِ السَّماواتِ وَالْأَرَضين ». وفي «المصباح» : «وَفي جَميعِ أَهْلِ السَّمٰواتِ وَالْأَرْضِ ». وعلى هذا حال «تحفة الزائر» و «زاد المعاد» ، وعن بعض نسخ «المصباح» : إسقاط الأهل.

[الوجه] الثامن عشر : أنّ في «كامل الزيارة» :«اللّهُمَّ اِنَّ هٰذا يَوْمٌ تَنْزِلُ فيهِ اللَّعْنَةُ عَلىٰ آلِ زِيادٍ ، وَآلِ اُمَيَّةَ ». وفي «المصباح» : «اللّهُمَّ إِنَّ هٰذا يَوْمٌ تَبَرَّكَتْ بِهِ بَنُو اُمَيَّةَ ». وعلى هذا حال «تحفة الزائر» و «زاد المعاد».

__________________

(١) قوله : «وفي المصباح مع إمام مهديّ» هذا على ما نقله في بحار الأنوار ، ولكن ما في نسخة عندي من المصباح على منوال تحفة الزائر وزاد المعاد. منه رحمه الله.

٢١٣

[الوجه] التاسع عشر : أنّ في كامل الزيارة : «عَلىٰ لِسانِ نَبِيِّكَ » ، وعلى هذا حال «تحفة الزائر» و «زاد المعاد». وفي «المصباح» : «عَلىٰ لِسانِكَ وَلِسانِ نَبِيِّكَ » ، وهو المحكي عن بعض نسخ «تحفة الزائر».

[الوجه] العشرون : أنّ في «كامل الزيارة» : «وَعَلىٰ يَزيدَ بْنَ مُعاوِيَةَ اللَّعْنَةُ أَبَدَ الْاَبِدينَ » وفي «المصباح» : «وَيَزيدَ بْنَ مُعاوِيَةَ ، عَلَيْهِمْ مِنْكَ اللَّعْنَةُ أَبَدَ الْاَبِدينَ ». وعلى هذا حال «تحفة الزائر» و «زاد المعاد».

[الوجه] الحادي والعشرون : أنّ في «كامل الزيارة» : «فَضاعِفْ عَلَيْهِمُ اللَّعْنَةَ أَبَداً ». وفي «المصباح» : «اللّهُمَّ فَضاعِفْ عَلَيْهِمُ اللَّعْنَ مِنْكَ وَالْعَذابَ ». وعلى هذا حال «تحفة الزائر» و «زاد المعاد».

[الوجه] الثاني والعشرون : أنّ في «كامل الزيارة» : «وَبِاللَّعْنِ عَلَيْهِمْ ». وفي «المصباح» : «وَاللَّعْنَةِ عَلَيْهِمْ ». وعلى هذا حال «تحفة الزائر» و «زاد المعاد».

[الوجه] الثالث والعشرون : أنّ في كامل الزيارة : «وَأَهْلِ بَيْتِ نَبِيِّكَ ». وفي «المصباح» : «وَآلِ بَيْتِكَ ». وعلى هذا حال «تحفة الزائر» و «زاد المعاد».

[الوجه] الرابع والعشرون : أنّ في كامل الزيارة : «حارَبَتِ الْحُسَيْنَ ». وفي «المصباح» : «جاهَدَتِ الْحُسَيْنَ ». وعلى هذا حال «تحفة الزائر» و «زاد المعاد».

هذا وربّما يتوهّم : أنّ جاهدت من غلط الراوي أو الشيخ ، بملاحظة أنّ الجهاد هو المقاتلة مع الكفّار.

ويندفع : بأنّ الظاهر من الجهاد في لسان الفقهاء وإن كان هو المقاتلة مع الكفّار لو لم يكن هذا حقيقة في اصطلاحهم ، لكن بعد ثبوت الحقيقة الثانوية في لسان

٢١٤

الأئمّة ، فالمراد بالجهاد هنا هو المعنى اللغوي ، حيث إنّه لغة بمعنى مطلق المقاتلة مع العدوّ ، كما يرشد إليه ما ذكر في «القاموس» : من أنّ من «الجهاد بالكسر القتال مع العدوّ»(١) .

وإن قلت : إنّه على فرض ثبوت الحقيقة المتشرّعية لا مجال للحمل على المعني اللغوي.

قلت : لا بأس بذلك ، كيف ولا يتجاوز الأمر عن التجوز بالنسبة إلى المعنى اللغوي ، مع أنّ الصّلاة قد استعملت في الدّعاء في قوله سبحانه في سورة التوبة؟
( وَصَلَّ عَلَيْهِمْ ) (٢) ولم يقل أحد بمنافاته مع ثبوت الحقيقة الشرعية في الصّلاة.

ومع هذا أقول : إنّ غاية الأمر ثبوت الحقيقة الثانوية في لسان الأئمّة في لفظ الجهاد ، وأما قوله عليه السلام : «جاهدت» يمكن أن يكون من المجاهدة وهي بمعنى مطلق المقاتلة مع العدوّ ، كما هو مقتضى كلام صاحب القاموس ، ومنه مجاهدة النفس ، وإن كان هذا من باب المجاز ، بل لا محل ولا مجال لدعوى اختصاصها بالمقاتلة مع الكفار.

[الوجه] الخامس والعشرون : أنّ في كامل الزيارة : «وَبايَعَتْ » بالباء الموحّدة ، وعلى هذا حال «زاد المعاد». وفي «تحفة الزائر» : «وَبايَعَتْ وَتابَعَتْ » بالموحدّة والمثناة.

وفي «المصباح» : «وَتابَعَتْ » بالتاء المثنّاة من فوق.

[الوجه] السادس والعشرون : أنّ في «كامل الزيارة» : «عَلىٰ قَتْلِهِ وَقَتْلِ أَنْصارِهِ »

__________________

(١) القاموس المحيط : ١: ٥٨٨ ، مادة «جهد».

(٢) التوبة ٩ : ١٠٣.

٢١٥

وليس في «المصباح» : «وَقَتْلِ أَنْصارِهِ ». وعلى هذا حال «تحفة الزائر» و «زاد المعاد».

[الوجه] السابع والعشرون : أنّ في «كامل الزيارة» بعد : «حَلَّتْ بِفِنائِكَ وَأَناخَتْ بِرَحْلِكَ » ، وليس هذا في «المصباح». وعلى هذا حال «تحفة الزائر» و «زاد المعاد» ، وعن بعض نسخ «المصباح» : «وَأَناخَتْ بِحَرَمِكَ ».

[الوجه] الثامن والعشرون : أنّ في كامل الزيارة : «وَلَا يَجْعَلَهُ اللهُ آخِرَ الْعَهْدِ مِن زِيارَتِكُمْ » على غيبة الفعل. وفي «المصباح» : «وَلَا جَعَلَهُ اللهُ ».

[الوجه] التاسع والعشرون : أنّ في «كامل الزيارة» : «وَأَصْحابِ الْحُسَينِ »

وفي «المصباح» : «وَعَلىٰ أَصْحابِ الْحُسَينِ » بزيادة حرف الجر. وعلى هذا حال «تحفة الزائر» و «زاد المعاد».

[الوجه] الثلاثون : أنّ في «كامل الزيارة» ـ بعد : «وَأَصْحابِ الْحُسَينِ » ـ : «صَلَواتُ اللهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعينَ » ، وليس هذا في «المصباح». وعلى هذا حال «تحفة الزائر» و «زاد المعاد».

[الوجه] الحادي والثلاثون : أنّ في «كامل الزيارة» : «اللّهُمَّ خُصَّ أَنْتَ أَوَّلَ ظالِم ظَلَمَ آلَ نَبِيِّكَ بِاللَّعْنِ ، ثُمَّ الْعَنْ أَعْداءَ آلِ مُحَمَّدٍ مِنَ الْأَوَّلينَ وَالْآخِرينَ ، اللّهُمَّ الْعَنْ يَزيدَ وَأَباهُ ، وَالْعَنْ عُبَيْدَ اللهِ بْنَ زِيادٍ وَآلَ مَرْوانَ وَبَني اُمَيَّةَ قاطِبَةً إِلىٰ يَوْمِ الْقِيامَةِ ». وفي «الصباح» : «اللّهُمَّ خُصَّ أَنْتَ أَوَّلَ ظالِمٍ بِاللَّعْنِ مِنّي ، وَابْدَأْ بِهِ أَوَّلاً ، ثُمَّ الْعَنِ الثّاني وَالثّالِثَ وَالرّابِعَ. اللّهُمَّ الْعَنْ يَزيدَ خامِساً ، وَالْعَنْ عُبَيْدَ اللهِ بْنَ زِيادٍ وَابْنَ مَرْجانَةَ وَعُمَرَ بْنَ سَعْدٍ وَشِمْراً وَآلَ أَبي سُفْيانَ وَآلَ زِيادٍ وَآلَ مَرْوانَ إِلىٰ يَوْمِ

٢١٦

الْقِيامَةِ ». وعلى هذا حال «تحفة الزائر» و «زاد المعاد» ، لكن فيهما : «ثُمَّ الثّاني ، ثُمَّ الثّالث ثُمَّ الرّابع ».

[الوجه] الثاني والثلاثون : أنّ في «المصباح» : «لَكَ عَلىٰ مُصابِهِمْ ». وعلى هذا حال «تحفة الزائر» و «زاد المعاد» ، وفي «كامل الزيارة» إسقاط ذلك.

[الوجه] الثالث والثلاثون : أنّ في «كامل الزيارة» : «عَلىٰ عَظيمِ رَزِيَّتي فِيهِمْ » ، وليس في «المصباح» كلمة : «فِيهِمْ ». وعلى هذا حال «تحفة الزائر» و «زاد المعاد».

٢١٧

[التنبيه] الثاني والعشرون :

في شرح طائفة تحتاج إلى الشرح

من فقرات زيارة عاشوراء وكذا دعاء الوداع

في شرح طائفة تحتاج إلى الشرح من فقرات الزيارة المتقدّمة وكذا الدعاء المتقدّم.

أما فقرات الزيارة فنقول :

قوله : «تَنَقَّبَتْ ».

أقول : إنّه قد احتمل الكفعمي أن يكون مأخوذاً من النقاب الذي للمرأة ، أي اشتملت بالآت الحرب ، كاشتمال المرأة بنقابها ، فيكون النقاب هنا استعاره ، وأن يكون مأخوذاً من النقبة وهو ثوب يشتمل به كالإزار ، وأن يكون المعني سارت في نقوب الأرض ، وهي طرقها الواحد نقب وهي المناقب أيضاً ، ومنه قوله تعالى :( فَنَقَّبوا فِي الْبِلَادِ ) (١) ، أي طافوا وساروا في نقوبها أي طرقها ، قال :

لقدْ نقّبتُ في الآفاقِ حتى

رضيتُ من الغنيمةِ بالايابِ(٢)

واحتمل العلّامة المجلسي قدس سره في «البحار» : أنّه كان النقاب بينهم متعارفاًً عند الذّهاب إلى الحرب بل إلى مطلق الأسفار حذراً من أعدائهم لئلّا يعرفوهم ، فهذا إشارة إلى ذلك(٣) .

__________________

(١) ق ٥٠ : ٣٦.

(٢) مصباح الكفعمي : ٢: ٥٦٥ ، ذكر ذلك في الحاشية.

(٣) بحار الأنوار : ٩٨: ٣٠١ ، الباب الرابع والعشرون.

٢١٨

قوله : «يا ثارَ اللهِ وَابْنَ ثارِهِ ».

أقول : أنّ مقتضى صريح «المصباح»(١) أنّ الثأر بالهمزة ، وهو ظاهر «الصّحاح»(٢) و «القاموس»(٣) و «المجمع»(٤) ، لكنّه غير مأنوس ، والظاهر أنّ ما وقع في موارد الدّعاء(٥) بالألف لعله من باب التخفيف في الاستعمال ، وفي «القاموس» : «الثار : الدم ، والطلب به ، وقاتل حميمك»(٦) ، ومقتضى صريح الصحاح أن الثار يطلق على قاتل الحميم أيضاً ، كما في قول حرير :

قَتلوا أباكَ وثارُهُ لم يُقَتلِ

وكذا يطلق علي القاتل أيضاً ، كما يقال : «يا ثارات فلان» أي قتلة فلان(٧) ، وقال المطرزي نقلاً : وَأَدْرَكَ فُلانٌ ثارَهُ إذا قَتلتَ قاتَل حميمِهِ.

وأمتن كلام وقع في التفسير في المقام ما ذكره بعض الأعلام من أنّ الثار الدّم وطلب الدم ، والمراد هنا هو الأخير.

__________________

(١) المصباح المنير : ٨٨ ، مادة «ثور».

(٢) صحاح الجوهري : ٢: ٦٠٣ ، مادة «ثأر».

(٣) القاموس المحيط : ١: ٧١٢ ، مادّة «ثأر».

(٤) مجمع البحرين : ١: ٣٠٥ ، مادّة «ثأر».

(٥) وفي بعض الزيارات : «وَأَنَّكَ ثارُ اللهِ في أَرْضِهِ حَتّىٰ يَسْتثيرُ لَكَ مِنْ جَميعِ خَلْقِهِ » ، وفي بعض آخر : «إِنَّكَ ثارُ اللهِ في الْأَرْضِ وَابْنَ ثاره » ، وفي بعض ثالث : «وَإِنَّكَ ثارُ اللهِ في الْأَرْضِ ». منه رحمه الله.

(٦) القاموس المحيط : ١: ٧١٢ ، مادّة «ثأر».

(٧) صحاح الجوهري : ٢: ٦٠٣ ، مادّة «ثأر» ، وما نقله المصنّف هنا عنه بتصرّف غير مخلّ ، حيث إنّ الجوهري قال : «والثأر : الذي لا يبقى على شيء حتّى يدرك ثأره ، ويقال أيضاً : هو ثأره ، أي قاتل حميمه. قال جرير : قتلوا أباك وثأره لم يقتل ، وقولهم : يا ثارات فلان ، أي يا قتلة فلان.

٢١٩

وفي المقام يحتمل معنيين :

أحدهما : إنّك الذي يطلب الله بدمه من أعدائه ، وحينئذٍ يُقدّر مضاف للثار ، أي أهل ثار الله ، ويكون إضافة الثار إلى الله بمعنى «من» أي إنك أهل طلب الدّم من الله ، أي طلب الدّم الذي يكون الطلب ناشئاً منه سُبحانه وأنت أهلٌ لذلك الطلب الناشئ منه

وثانيهما : إنّك أهل طلب الدم بأمر الله سبحانه أو في سبيل الله ، وحينئذٍ أيضاً يقدّر «الأهل» ، ويكون إضافة الثار أما بمعنى «في» أي إنك أهل طلب الدم ، أي دم الشهداء في الله ، أي في سبيله حين الرجعة ، أو يكون بتقدير مضاف آخر ، أي إنّك أهل الثار بأمر الله في الرجعة(١) .

ولا يذهب عليك إنّ ما ذكره بأجمعه في إصلاح الحال بناء على كون المقصود بالثار هو طلب الدّم خلاف الظاهر ، ويرشد قوله : «أَنْ يَرْزُقَني طَلَبَ ثارِكَ » إلى كون الثار هنا بمعنى الدّم.

وإن استشهد المحقّق القمّي في جواب السؤال عن تلك الفقرة على كون الثار هنا بمعنى طلب الدّم وغرضه دلالة إظهار الطلب في قوله : «وَأَنْ يَرْزُقَني طَلَبَ ثارِكَ » على إضمار الطلب هاهنا ، وليس بشيء ، لكن لاينافي إرشاد المرشد المذكور وقوله : «وَأَنْ يَرْزُقَني طَلَبَ ثارِي » حيث إنه لا مجال لإضافة الثار إلى ياء المتكلم ، إلّا أن يكون الإضافة من باب المسامحة والغرض انتساب الطلب إلى المتكلّم.

ثم إنّ الظاهر أنّ المقصود بطلب الدّم هو القصاص ، وإلّا فتفسير المطرزي إدراك

__________________

(١) وهذا المعنى ذكره العلّامة المجلسي في بحار الأنوار بشكل مختصر ، بقوله : «الثأر ـ بالهمزة ـ الدم وطلب الدم ـ أي أنّك أهل ثار الله والذي يطلب الله بدمه من أعدائه ، أو هو الطالب بدمه ودماء أهل بيته بأمر الله في الرجعة» ـ بحار الأنوار : ٩٨: ١٥١.

٢٢٠

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

الموت والشهادة. بل إنّهم يستلهمون من قول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه أفضل الصلاة والسلام) «والله لابن أبي طالب آنس بالموت من الطفل بثدي أمّه»(١) ويستقبلون الموت في سبيل الهدف برحابة صدر. ولهذا فإنّ أمير المؤمنين حينما تلقّى الضربة السامّة من اللعين الخاسر «عبد الرحمن بن ملجم» لم يقل سوى «فزت وربّ الكعبة».

خلاصة القول : فإنّ الإيمان بالمعاد يجعل من الإنسان الخائف الضائع ، إنسانا شجاعا شهما هادفا ، تمتلئ حياته بالحماسة والتضحية والصدق والتقوى.

٣ ـ الدلائل العقليّة على المعاد :

فضلا عن الدلائل النقلية الكثيرة على المعاد سواء الواردة في القرآن المجيد ، والتي تشمل مئات الآيات بهذا الخصوص ، فإنّ هناك أدلّة عقليّة واضحة أيضا على هذه المسألة ، والتي نحاول ذكرها هنا بشكل مختصر :

أ ـ برهان الحكمة :

إذا نظرنا إلى هذا العالم بدون العالم الآخر ، فسيكون فارغا وبلا معنى تماما ، كما لو افترضنا بوجود الحياة في الأطوار الجنينية بدون الحياة في هذه الدنيا.

فلو كان قانون الخلق يقضي بأنّ جميع المواليد الجدد يختنقون بمجرّد نزولهم من بطون امّهاتهم ويموتون ، فإنّ الدور الجنيني سيكون بلا معنى؟ كذلك لو كانت الحياة في هذا العالم مبتورة عن الحياة في العالم الآخر ، فسنواجه نفس الاضطراب والحيرة ، فما ضرورة أن نعيش سبعين عاما أو أكثر أو أقل في هذه الدنيا وسط كلّ هذه المشكلات؟ فنبدأ الحياة ونحن لا نملك تجربة معيّنة ، وحين بلوغ تلك المرتبة يهجم الموت وينتهي العمر نسعى مدّة لتحصيل العلم والمعرفة ،

__________________

(١) نهج البلاغة ، الخطبة ٥ صفحة ٥٢.

٢٦١

وحينما نبلغ درجة منه بعد اشتعال الرأس شيبا يستقبلنا الموت.

ثمّ لأجل ماذا نعيش؟ الأكل واللبس والنوم والاستيقاظ المتكرّر يوميا ، واستمرار هذا البرنامج المتعب لعشرات السنين ، لماذا؟

فهل حقّا إنّ هذه السماء المترامية الأطراف وهذه الأرض الواسعة ، وكلّ هذه المقدّمات والمؤخّرات وكلّ هؤلاء الأساتذة والمعلّمين والمربّين وكلّ هذه المكتبات الضخمة وكلّ هذه الأمور الدقيقة والأعمال التي تداخلت في خلقنا وخلق باقي الموجودات ، كلّ ذلك لمجرّد الأكل والشرب واللبس والحياة المادية هذه؟

هنا يعترف الذين لا يعتقدون بالمعاد بتفاهة هذه الحياة ، ويقدم بعضهم على الانتحار للتخلّص من هذه الحياة الخاوية ، بل قد يفتخر به.

وكيف يمكن لمن يؤمن بالله وبحكمته المتعالية أن يعتبر هذه الحياة الدنيا وحدها بدون ارتباطها بحياة اخرى ذات قيمة وذات شأن؟

يقول تعالى :( أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ ) (١) . أيّ أنّه لو لم يكن رجوع بعد هذه الدنيا إلى الله ، فإنّ الحياة في هذه الدنيا ليست سوى عبث في عبث.

نعم فإنّ الحياة في هذه الدنيا تجد معناها ويكون لها مفهوما ينسجم مع حكمة الله سبحانه وتعالى عند ما تعتبر هذه : «الدنيا مزرعة للآخرة» و «الدنيا قنطرة» ومكان تعلّم ، وجامعة للاستعداد للعالم الآخر ومتجر لذلك العالم ، تماما كما يقول أمير المؤمنين علي (عليه الصلاة والسلام) في كلماته العميقة المعنى «إنّ الدنيا دار صدق لمن صدقها ، ودار عاقبة لمن فهم عنها ، ودار غنى لمن تزوّد منها ، ودار موعظة لمن اتّعظ بها ، مسجد أحبّاء الله ، ومصلّى ملائكة الله ، ومهبط وحي الله ،

__________________

(١) المؤمنون ، ١١٥.

٢٦٢

ومتجر أولياء الله»(١) .

خلاصة القول ، إنّ الفحص والمطالعة في وضع هذا العالم يؤدّي إلى الاعتقاد بعالم آخر وراء هذا العالم( وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولى فَلَوْ لا تَذَكَّرُونَ ) (٢) .

ب ـ برهان العدالة :

التدقيق في نظام الوجود وقوانين الخلق ، يستنتج منه أنّ كلّ شيء منها محسوب بدقّة متناهية. ففي مؤسسة البدن البشري ، يحكم نظام عادل دقيق ، بحيث أنّه لو تعرّض لأدنى تغيير أو عارض ما لأدّى إلى إصابته بالمرض أو حتّى الموت ، حركات القلب ، دوران الدم ، أجفان العين ، وكلّ جزء من خلايا الجسم البشري مشمول بهذا النظام الدقيق ، الذي يحكم العالم بأسره «وبالعدل قامت السموات والأرض»(٣) فهل يستطيع الإنسان أن يكون وحده النغمة النشاز في هذا العالم الواسع؟!

صحيح أنّ الله سبحانه وتعالى أعطى للإنسان بعض الحرية في الإرادة والإختيار لكي يمتحنه ولكي يتكامل في ظلّ تلك الحرية ويطوي مسير تكامله بنفسه ، ولكن إذا أساء الإنسان الاستفادة من تلك الحرية فما ذا سيكون؟!

ولو أنّ الظالمين الضالّين المضلّين بسوء استفادتهم من هذه الموهبة الإلهية استمرّوا على مسيرهم الخاطئ فما ذا يقتضي العدل الإلهي؟! وصحيح أنّ بعضا من المسيئين يعاقبون في هذه الدنيا ويلقون مصير أعمالهم ـ على الأقل قسم منهم ـ ولكن المسلّم أنّ جميعهم لا ينال جميع ما يستحقّ. كما أنّ جميع المحسنين الأطياب لا يتلقّون جزاء أعمالهم الطيّبة في الدنيا ، فهل من

__________________

(١) نهج البلاغة ، الكلمات القصار كلمة ١٣١.

(٢) الواقعة ، ٦٢.

(٣) تفسير الصافي ، المجلّد الخامس ، صفحة ١٠٧.

٢٦٣

الممكن أن تكون كلا المجموعتين في كفّة عدالة الله سواء؟!

ويقول القرآن الكريم :( أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ) .(١) وفي موضع آخر يقول تعالى :( أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ ) .(٢)

على كلّ حال ، فلا شكّ في تفاوت الناس وإطاعة أوامر الله سبحانه وتعالى ، كما أنّ محاكم «القصاص والثواب الدنيوية» و «محكمة الوجدان» و «الآثار الوضعية للذنوب» كلّ ذلك لا يكفي لإقرار العدالة على ما يبدو ، وعليه يجب القبول بأنّه لأجل إجراء العدالة الإلهية يلزم وجود محكمة عدل عامّة تراعي بدقّة الخير أو الشرّ في حساباتها ، وإلّا فإنّ أصل العدالة لا يمكن تأمينه أبدا.

وبناء على ما تقدّم يجب الإقرار بأنّ قبول العدل الإلهي مساو بالضرورة لوجود المعاد والقيامة ، القرآن الكريم يقول :( وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ ) .(٣)

ويقول :( وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ ) .(٤)

ج ـ برهان الهدف :

على خلاف ما يتوهّمه المادّيون ، فإنّ الإلهيين يرون أنّ هناك هدفا من خلق الإنسان ، والذي يعبّر عنه الفلاسفة بـ «التكامل» وفي لسان القرآن والحديث فهو «القرب إلى الله» أو «العبادة»( وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ) .(٥)

فهل يمكن تحقيق هذا الهدف إذا كان الموت نهاية لكلّ شيء؟!

__________________

(١) القلم ، ٣٥ و ٣٦.

(٢) ص ، ٢٨.

(٣) الأنبياء ، ٤٧.

(٤) يونس ، ٥٤.

(٥) الذاريات ، ٥٦.

٢٦٤

يجب أن يكون عالم بعد هذا العالم ويستمرّ فيه سير الإنسان التكاملي ، وهناك يحصد ما زرع في هذا العالم ، وكما قلنا في موضع آخر فإنّه في ذلك العالم الآخر يستمرّ سير الإنسان التكاملي ليبلغ هدفه النهائي.

الخلاصة : أنّ تحقيق الهدف من الخلق لا يمكن بدون الإعتقاد بالمعاد ، وإذا قطعنا الارتباط بين هذا العالم وعالم ما بعد الموت ، فكلّ شيء سيتحوّل إلى ألغاز ، وسوف نفقد الجواب على الكثير من التساؤلات.

د ـ برهان نفي الاختلاف :

لا شكّ أنّنا جميعا نتعذّب كثيرا من الاختلافات بين المذاهب والعقائد في هذا العالم ، وكلّنا نتمنّى أن تحلّ هذه الاختلافات ، في حين أنّ جميع القرائن تدلّل على أنّ هذه الاختلافات هي من طبيعة الحياة. ويستفاد من عدّة دلائل بأنّه حتّى بعد قيام المهديعليه‌السلام ـ وهو المقيم لحكومة العدل العالمية والمزيل لكثير من الاختلافات ـ ستبقى بعض الاختلافات العقائدية بلا حلّ تامّ ، وكما يقول القرآن الكريم فإنّ اليهود والنصارى سيبقون على اختلافاتهم إلى قيام القيامة :( فَأَغْرَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ ) .(١)

ولكن الله سبحانه وتعالى الذي يقود كلّ شيء باتّجاه الوحدة سينهي تلك الاختلافات حتما ، ولوجود الحجب الكثيفة لعالم المادّة في الدنيا فإنّه لا يمكن حلّ هذا الأمر بشكل كامل فيها ، ونعلم أنّ العالم الآخر هو عالم الظهور والانكشاف ، إذن فنهاية هذه المسألة ستكون نهاية عملية ، وستكون الحقائق جلية واضحة إلى درجة أنّ الاختلافات العقائدية ستحلّ بشكل نهائي تامّ.

الجميل أنّه تمّ التأكيد في آيات متعدّدة من القرآن الكريم على هذه المسألة ، يقول تعالى في الآية (١١٣) من سورة البقرة :( فَاللهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما

__________________

(١) المائدة ، ١٤.

٢٦٥

كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ) وفي الآيات (٣٨) و (٣٩) من سورة النحل يقول تعالى :( وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللهُ مَنْ يَمُوتُ بَلى وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كانُوا كاذِبِينَ ) .

٤ ـ القرآن ومسألة المعاد :

تعتبر مسألة المعاد المسألة الثانية بعد مسألة التوحيد والتي تعتبر المسألة الأساس في تعليمات الأنبياء بخصائصها وآثارها التربوية ، لذا ففي بحوث القرآن الكريم نجد أنّ أكثر الآيات اختصّت ببحث مسألة المعاد ، بعد الكثرة الكاثرة التي اختصّت ببحث مسألة التوحيد.

والمباحث القرآنية حول المعاد تارة تكون بشكل استدلالات منطقية ، واخرى بشكل بحوث خطابية وتلقينية شديدة الوقع بحيث أنّ سماعها في بعض الأحيان يؤدّي إلى قشعريرة شديدة في البدن بأسره. والكلام الصادق ـ كالاستدلالات المنطقية ـ ينفذ إلى أعماق الروح الإنسانية.

في القسم الأوّل ، أي الاستدلالات المنطقية ، فإنّ القرآن الكريم يؤكّد كثيرا على موضوع إمكانية المعاد ، إذ أنّ منكري المعاد غالبا ما يتوهّمون استحالته ، ويعتقدون بعدم إمكانية المعاد بصورة معاد جسماني يستلزم عودة الأجسام المهترئة والتراب إلى الحياة مرّة اخرى.

ففي هذا القسم ، يلج القرآن الكريم طرقا متنوعة ومتفاوتة تلتقي كلّها في نقطة واحدة ، وهي مسألة «الإمكان العقلي للمعاد».

فتارة يجسّد للإنسان النشأة الاولى ، وبعبارة وجيزة ومعبّرة واضحة تقول الآية :( كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ ) .(١)

__________________

(١) الأعراف ، ٢٩.

٢٦٦

وتارة يجسّد حياة وموت النبات ، وبعثه الذي نراه بامّ أعيننا كلّ عام ، وفي الختام يقول إنّ بعثكم تماما كالنبات :( وَنَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً مُبارَكاً فَأَنْبَتْنا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ وَأَحْيَيْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذلِكَ الْخُرُوجُ ) .(١)

وفي موضع آخر يقول تعالى :( وَاللهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَسُقْناهُ إِلى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها كَذلِكَ النُّشُورُ ) .(٢)

وحينا يطرح مسألة قدرة الله سبحانه وتعالى على خلق السموات والأرض فيقول :( أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى بَلى إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) .(٣)

وحينا آخر يعرض عملية انبعاث الطاقة واشتعال الشجر الأخضر كنموذج على قدرته ، وجعل النار في قلب الماء فيقول :( الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً ) .(٤)

وتارة يجسّد أمام ناظري الإنسان الحياة الجنينية فيقول :( يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحامِ ما نَشاءُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ) .(٥)

وأخيرا فإنّ القرآن تارة يدلّل على البعث بالنوم الطويل ـ النوم الذي هو قرين الموت وأخوه ، بل إنّه الموت بعينه من بعض الجوانب ـ كنوم أصحاب الكهف الذي استمر ثلاثمائة وتسع سنين ، وبعد تفصيل جميل حول النوم واليقظة يقول :

__________________

(١) سورة ق ، ٩ ـ ١١.

(٢) فاطر ، ٩.

(٣) الأحقاف ، ٣٣.

(٤) سورة يس ، ٨٠.

(٥) الحجّ ، ٥.

٢٦٧

( وَكَذلِكَ أَعْثَرْنا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لا رَيْبَ فِيها ) .(١)

تلك هي الأساليب الستّة المختلفة التي طرحتها آيات القرآن الكريم لبيان إمكانية المعاد. علاوة على قصّة إبراهيم عليه‌السلام والطيور الأربعة (البقرة ـ ٢٦٠) وقصّة عزير (البقرة ـ ٢٥٩) وقصّة الشهادة من بني إسرائيل (البقرة ـ ٧٣) ، والتي تشكّل كلّ واحدة منها نموذجا تأريخيا على هذه المسألة وهي من الشواهد والدلائل الاخرى التي ذكرها القرآن بهذا الخصوص.

خلاصة القول ، إنّ ما يعرضه القرآن الكريم عن المعاد ومظاهره المختلفة ومعلوماته ونتائجه ، والدلائل الرفيعة التي يطرحها بهذا الخصوص ، حيّة ومقنعة بحيث أنّ أيّ إنسان إذا كان لديه ذرّة من الوجدان فإنّه يتأثّر بعمق ما يطرحه القرآن الكريم.

وعلى قول البعض : فإنّ ألفا ومائتي آية من القرآن الكريم تبحث في مسألة المعاد ، لو جمعت وفسّرت لأصبحت وحدها كتابا ضخما.

٥ ـ المعاد الجسماني :

المقصود من المعاد الجسماني ليس إعادة الجسم وحده في العالم الآخر ، بل إنّ الهدف هو بعث الروح والجسم معا ، وبتعبير آخر فإنّ عودة الروح أمر مسلّم به ، والحديث حول عودة الجسم.

جمع من الفلاسفة القدماء كانوا يعتقدون بالمعاد الروحي فقط ، وينظرون إلى الجسد على أنّه مركّب ، يكون مع الإنسان في هذه الدنيا فقط ، وبعد الموت يصبح الإنسان غير محتاج إليه فينزل الجسد ويندفع نحو عالم الأرواح.

ولكن العلماء المسلمين الكبار يعتقدون بأنّ المعاد يشمل الروح والجسم ، وهنا لا يقيّد البعض بعودة الجسم السابق ، ويقولون بأنّ الله قيّض للروح جسدا ، ولكن

__________________

(١) الكهف ، ٢١.

٢٦٨

شخصيّة الإنسان بروحه فإنّ هذا الجسد يعدّ جسده.

في حال أنّ المحقّقين يعتقدون بأنّ هذا الجسد الذي يصبح ترابا ويتلاشى ، يتلبّس بالحياة مرّة اخرى بأمر الله الذي يجمعه ويكسوه بالحياة ، هذه العقيدة نابعة من متون الآيات القرآنية الكريمة.

إنّ الشواهد على المعاد الجسماني في الآيات القرآنية الكريمة كثيرة جدّا ، بحيث يمكن القول قطعا بأنّ الذين يعتقدون باقتصار المعاد على المعاد الروحي فقط لا يملكون أدنى اطّلاع على الآيات العديدة التي تبحث في موضوع المعاد ، وإلّا فإنّ جسمانية المعاد واضحة في الآيات القرآنية إلى درجة تنفي أدنى شكّ في هذه المسألة.

فهذه الآيات التي قرأناها في آخر سورة يس ، توضّح هذه الحقيقة حيث حينما تساءل الإنسان :( قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ ) أجابه القرآن بصراحة ووضوح :( قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ ) .

إنّ كلّ تعجّب المشركين والمخالفين لمسألة المعاد هو هذه القضيّة ، وهي كيف يمكن إحياؤنا بعد الموت وبعد أن نصبح ترابا متناثرا وضائعا في هذه الأرض؟( وَقالُوا أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ ) .(١)

إنّهم يقولون :( أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُراباً وَعِظاماً أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ ) (٢) . وتعجّبوا من هذه المسألة إلى درجة أنّهم اعتبروا إظهارها دليلا على الجنون أو الكذب على الله( قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ ) .(٣)

لهذا السبب فإنّ استدلالات القرآن الكريم حول إمكانية المعاد عموما تدور

__________________

(١) السجدة ، ١٠.

(٢) المؤمنون ، ٣٥.

(٣) سورة سبأ ، ٧.

٢٦٩

حول هذا المحور وهو «المعاد الجسماني» وما عرضناه في الفصل السابق في ستّة طرق كانت دليلا وشاهدا على هذا الادّعاء.

علاوة على أنّ القرآن الكريم يذكر مرارا وتكرارا بأنّكم ستخرجون يوم القيامة من قبوركم والقبور مرتبطة بالمعاد الجسماني.

والأوصاف التي يذكرها القرآن الكريم عن المواهب المادية والمعنوية للجنّة ، كلّها تدلّل على أنّ المعاد معاد جسمي ومعاد روحي أيضا ، وإلّا فلا معنى للحور والقصور وأنواع الأغذية والنعيم في الجنّة إلى جنب المواهب المعنوية.

على كلّ حال ، فلا يمكن أن يكون الإنسان على جانب يسير من المنطق والثقافة القرآنية وينكر المعاد الجسماني. وبتعبير آخر : فإنّ إنكار المعاد الجسماني بنظر القرآن الكريم مساو لإنكار أصل المعاد.

علاوة على هذه الأدلّة النقلية ، فإنّ هناك أدلّة عقلية بهذا الخصوص لو أردنا إيرادها لاتّسع البحث كثيرا ، لا شكّ أنّ الإعتقاد بالمعاد الجسماني سيثير أسئلة وإشكالات كثيرة ، منها شبهة الآكل والمأكول والتي ردّ عليها العلماء الإسلاميون والتي أوردنا تفصيلا عنها بشكل مختصر في المجلّد الثاني عند تفسير الآية (٢٦٠) من سورة البقرة.

٦ ـ الجنّة والنار

الكثيرون يتوهّمون بأنّ عالم ما بعد الموت يشبه هذا العالم تماما ولكنّه بشكل أكمل وأجمل ، غير أنّ لدينا قرائن عديدة تدلّل على الفروق الكبيرة بين العالمين من حيث الكيفية والكميّة ، لو أردنا تشبيهها بالفروق بين العالم الجنيني وهذه الدنيا لظلّت المقايسة أيضا غير كاملة.

فوفقا لصريح الروايات الواردة في هذا الشأن فإنّ في عالم ما بعد الموت ما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على فكر بشر ، القرآن الكريم يقول :( فَلا تَعْلَمُ

٢٧٠

نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ ) .(١)

الأنظمة الحاكمة في ذلك العالم أيضا تتفاوت تماما مع الأنظمة في هذا العالم ، ففي حين يستفاد في هذا العالم من أفراد يسمّون «الشهود» في المحاكمات ، نرى أنّ هناك تشهد الأيدي والأرجل وحتّى الجلد( الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ ) .(٢) ( وَقالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا قالُوا أَنْطَقَنَا اللهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ ) (٣) .

على كلّ حال ، فما قيل عن العالم الآخر لا يرسم أمامنا سوى صورة باهتة ، وعادة فإنّ اللغة التي نتحدّث بها والثقافة التي لدينا غير قادرة جميعها على الوصف الحقيقي لما هو موجود هناك ، ولكن لا يترك الميسور بالمعسور. فالمقدار المتيقّن هو أنّ الجنّة هي مركز كلّ النعم والمواهب الإلهية سواء المادية أو المعنوية ، وجهنّم هي مركز لكلّ أنواع العذاب الأليم المادّي والمعنوي أيضا.

أمّا بخصوص تفصيل ذلك فإنّ القرآن الكريم أورد جزئيات نحن نؤمن بها ، ولكن تفصيلها بدقّة غير ممكن بدون الرؤية والمعاينة. ولنا بحث حول هذا الخصوص في تفسير الآية (٣٣) من سورة آل عمران.

إلهي : آمنّا في الفزع الأكبر.

إلهي : لا تحاسبنا بعدلك ولكن حاسبنا بلطفك وعدلك ، فليس لدينا من الأعمال ما يوجب رضاك.

اللهم افعل بنا ما يرضيك عنّا ويجعلنا من الناجين آمين ربّ العالمين.

* * *

نهاية سورة يس

__________________

(١) السجدة ، ١٧.

(٢) سورة يس ـ ٦٥.

(٣) سورة فصلت ، ٢١.

٢٧١
٢٧٢

سورة

الصّافات

مكيّة

وعدد آياتها مائة واثنان وثمانون آية

٢٧٣
٢٧٤

سورة الصّافات

محتوى سورة الصّافات :

هذه السورة بحكم كونها من السور المكيّة ، فإنّها تمتلك كافّة خصائص السور المكيّة ، فهي تسلّط الأضواء على اصول المعارف والعقائد الإسلامية الخاصّة بالمبدأ والمعاد. وتتوعّد المشركين بأشدّ العقاب وذلك من خلال العبارات الحازمة والآيات القصيرة العنيفة الوقع ، وتوضّح ـ بالأدلّة القاطعة ـ بطلان عقائدهم.

بصورة عامّة يمكن تلخيص محتوى سورة الصافات في خمسة أقسام :

القسم الأوّل : يبحث حول مجاميع من ملائكة الرحمن ، ومجموعة من الشياطين المتمردين ومصيرهم.

القسم الثّاني : يتحدّث عن الكافرين ، وإنكارهم للنبوّة والمعاد ، والعقاب الذي ينتظرهم يوم القيامة ، كما يستعرض الحوار الذي يدور بينهم في ذلك اليوم ، ويحملهم جميعا الذنب ، والعذاب الإلهي الذي سيشملهم ، كما يشرح هذا القسم جوانب من النعم الموجودة في الجنّة إضافة إلى ملذّاتها وجمالها وسرور أهلها.

القسم الثّالث : يشرح بصورة مختصرة تأريخ الأنبياء أمثال (نوح) و (إبراهيم) و (إسحاق) و (موسى) و (هارون) و (إلياس) و (لوط) و (يونس) وبصورة ذات تأثير قوي ، كما يتحدّث هذا القسم بشكل مفصّل عن إبراهيم محطّم الأصنام وعن جوانب مختلفة من حياته ، والهدف الرئيسي من وراء سرد قصص الأنبياء ـ مع ذكر بعض الشواهد العينية من تأريخهم ـ هو تجسيد حوادث تلك القصص

٢٧٥

وتصويرها بشكل محسوس وملموس.

القسم الرّابع : يعالج صورة معيّنة من صور الشرك والذي يمكن اعتباره من أسوأ صور الشرك ، وهو الإعتقاد بوجود رابطة القرابة بين الله سبحانه وتعالى والجنّ والملائكة ، ويبيّن بطلان مثل هذه العقائد التافهة بعبارات قصيرة.

أمّا القسم الخامس والأخير : فيتناول في عدّة آيات قصار انتصار جيوش الحقّ على جيوش الكفر والشرك والنفاق ، وابتلاءهم ـ أي الكافرين والمشركين والمنافقين ـ بالعذاب الإلهي ، وتنزّه آيات هذا القسم الله سبحانه وتعالى وتقدّسه عن الأشياء التي نسبها المشركون إليه ، ثمّ تنتهي السورة بالحمد والثناء على الباريعزوجل .

فضيلة تلاوة سورة الصافات :

في حديث عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، جاء فيه : «من قرأ سورة الصافات اعطي من الأجر عشر حسنات ، بعدد كلّ جنّ وشيطان ، وتباعدت عنه مردة الشياطين ، وبرىء من الشرك ، وشهد له حافظاه يوم القيامة أنّه كان مؤمنا بالمرسلين»(١) .

وفي حديث آخر عن الإمام الصادقعليه‌السلام جاء فيه : «من قرأ سورة الصافات في كلّ جمعة لم يزل محفوظا من كلّ آفة ، مدفوعا عنه كلّ بليّة في حياته الدنيا ، مرزوقا في الدنيا بأوسع ما يكون من الرزق ، ولم يصبه الله في ماله ولا ولده ولا بدنه بسوء من شيطان رجيم ، ولا جبّار عنيد ، وإن مات في يومه أو ليلته بعثه الله شهيدا ، وأماته شهيدا ، وأدخله الجنّة مع الشهداء في درجة من الجنّة»(٢) .

الثواب العظيم الذي يناله من يتلو سورة الصافات ، جاء نتيجة لما تحويه هذه

__________________

(١) مجمع البيان ، أوّل تفسير سورة الصافات.

(٢) تفسير مجمع البيان أوّل تفسير سورة الصافات ـ لقد ورد هذا الحديث في تفسير البرهان نقلا عن الشيخ الصدوق ، رحمة الله مع اختلاف بسيط.

٢٧٦

السورة المباركة ، فنحن ندرك أنّ الهدف من التلاوة هو التفكّر ، ومن ثمّ الإعتقاد ، ومن بعد العمل. ومن دون شكّ فإنّ الذي يتلو هذه السورة بتلك الصورة ، سيحفظ من شرّ الشياطين ، ويتطهّر من الشرك ، ويمتلك الإعتقاد الصحيح القوي ، ويمارس أعمالا صالحة ، ويتّعظ من القصص الواقعية للأنبياء والأقوام الماضية ، وإنّه سيحشر مع الشهداء.

وممّا يذكر فإنّ تسمية هذه السورة بالصافات جاءت نسبة إلى الآية الاولى فيها.

* * *

٢٧٧

الآيات

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

( وَالصَّافَّاتِ صَفًّا (١) فَالزَّاجِراتِ زَجْراً (٢) فَالتَّالِياتِ ذِكْراً (٣) إِنَّ إِلهَكُمْ لَواحِدٌ (٤ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَرَبُّ الْمَشارِقِ (٥) )

التّفسير

الملائكة المستعدّة لتنفيذ المهام :

هذه السورة هي أوّل سورة في القرآن الكريم تبدأ بالقسم ، القسم المليء بالمعاني والمثير للتفكّر ، القسم الذي يجوب بفكر الإنسان في جوانب مختلفة من هذا العالم ، ويجعله متهيّئا لتقبّل الحقائق.

من المسلّم به أنّ الله تبارك وتعالى هو أصدق الصادقين ، وليس بحاجة إلى القسم ، إضافة إلى أنّ قسمه إن كان للمؤمنين ، فإنّهم مؤمنون به من دون قسم ، وإن كان للناكرين ، فإنّ أولئك لا يعتقدون بالقسم الإلهي.

ونلفت الانتباه إلى نقطتين لحلّ مشكلة القسم في كلّ آيات القرآن التي سنتناولها من الآن فما بعد.

الاولى : أنّ القسم يأتي دائما بالنسبة إلى امور مهمّة وذات قيمة ، ولذلك فإنّ

٢٧٨

أقسام القرآن تشير إلى عظمة وأهميّة الأشياء المقسم بها. وهذا الأمر يدعو إلى التفكّر أكثر بالشيء المقسم به ، التفكّر الذي يكشف للإنسان عن حقائق جديدة.

الثانية : أنّ القسم يأتي للتأكيد ، وللدلالة على أنّ الأمور التي يقسم من أجلها هي امور جديّة ومؤكّدة.

وعلاوة على ذلك أنّ المتحدّث لو تحدّث بصورة حازمة ومؤكّدة ، فإنّ تأثير كلامه من الناحية النفسية سيكون أوقع على قلب المستمع ، كما أنّه يقوّي المؤمنين ويضعّف الكافرين.

على كلّ حال ، فإنّ بداية هذه السورة تذكر أسماء ثلاثة طوائف أقسم بها الله تعالى(١) .

الأولى :( وَالصَّافَّاتِ صَفًّا ) .

الثانية :( فَالزَّاجِراتِ زَجْراً ) .

الثالثة :( فَالتَّالِياتِ ذِكْراً ) .

فمن هي تلك الطوائف الثلاث؟ وعلى من أطلقت تلك الصفات؟ وما الهدف النهائي منها؟

المفسّرون قالوا الكثير بهذا الشأن ، إلّا أنّ المعروف والمشهور هو أنّ هذه الصفات تخصّ طوائف من الملائكة

طوائف اصطفّت في عالم الوجود بصفوف منظمة ، وهي مستعدّة لتنفيذ الأمر الإلهي.

وطوائف من الملائكة تزجر بني آدم عن ارتكاب المعاصي والذنوب ، وتحبط وساوس الشياطين في قلوبهم. أو الملائكة الموكّلة بتسيير السحاب في السماء وسوقها نحو الأرض اليابسة لإحيائها.

وأخيرا طوائف من الملائكة تتلو آيات الكتب السماوية حين نزول الوحي

__________________

(١) هذه العبارات الثلاث من جهة هي ثلاثة أقسام ، ومن جهة اخرى هي قسم واحد له ثلاث صفات.

٢٧٩

على الرسل(١) .

وممّا يلفت النظر أنّ «الصافات» هي جمع كلمة «صافّة» وهي بدورها تحمل صفة الجمع أيضا ، وتشير إلى مجموعة مصطفّة ، إذن فـ «الصافات» تعني الصفوف المتعدّدة(٢) .

وأمّا كلمة «الزاجرات» فإنّها مأخوذة من (الزجر) ويعني الصرف عن الشيء بالتخويف والصراخ ، وبمعنى أوسع فإنّها تشمل كلّ منع وطرد وزجر للآخرين.

إذن فالزاجرات تعني مجاميع مهمّتها نهي وصرف وزجر الآخرين.

و «التاليات» من (التلاوة) وهي جمع كلمة (تال) وتعني طوائف مهمّتها تلاوة شيء ما(٣) .

ونظرا لكثرة واتّساع مفاهيم هذه الألفاظ ، فليس من العجب أن يطرح المفسّرون تفاسير مختلفة لها دون أن يناقض بعضها الآخر ، بل من الممكن أيضا أن تجتمع لتوضيح مفهوم هذه الآيات ، فمثلا المقصود من كلمة «الصافات» هو صفوف الملائكة المستعدّة لتنفيذ الأوامر الإلهيّة ، في عالم الخلق ، أو الملائكة النازلون بالوحي إلى الأنبياء في عالم التشريع ، وكذلك صفوف المقاتلين

__________________

(١) بالطبع وردت احتمالات اخرى في تفسير الآيات المذكورة أعلاه ، «منها» ما يشير إلى صفوف جند الإسلام في ساحات الجهاد ، الذين يصرخون بالأعداء ويزجرونهم عن الاعتداء على حرمة الإسلام والقرآن ، والذين يتلون كتاب الله دائما ومن دون أي انقطاع ، وينوّرون قلوبهم وأرواحهم بنور تلاوته ، ومنها : أنّ بعض هذه الأوصاف الثلاثة هو إشارة إلى ملائكة اصطفّت بصفوف منظمة ، والقسم الآخر يشير إلى آيات القرآن التي تنهى الناس عن ارتكاب القبائح ، والقسم الثالث يشير إلى المؤمنين الذين يتلون القرآن في أوقات الصلاة وفي غيرها من الأوقات. ويستبعد الفصل بين هذه الأوصاف ، لأنّها معطوفة على بعضها البعض بحرف (الفاء) ، وهذا يوضّح أنّها أوصاف لطائفة واحدة. وقد ذكر العلّامة «الطباطبائي» في تفسيره الميزان هذا الاحتمال ، في أنّ الأوصاف الثلاثة هي تطلق على ملائكة مكلّفة بتبليغ الوحي الإلهي ، والاصطفاف في طريق الوحي لتوديعه ، وزجر الشياطين التي تقف في طريقه ، وفي النهاية تلاوة آيات الله على الأنبياء.

(٢) ولا ضير في التعبير عن الملائكة بلفظ الإناث «الصافات والزاجرات والتاليات» لأنّ موصوفها الجماعة ، وهي مؤنّث لفظي.

(٣) ممّا يذكر أنّ بعض اللغويين قالوا بأنّ جمع كلمة (تال) هو (تاليات) وجمع (تالية) (توال).

٢٨٠

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290