شرح زيارة عاشوراء

شرح زيارة عاشوراء20%

شرح زيارة عاشوراء مؤلف:
المحقق: الشيخ يوسف أحمد الأحسائي
الناشر: منشورات دار الصديقة الشهيدة عليها السلام
تصنيف: متون الأدعية والزيارات
ISBN: 978-964-8438-50-5
الصفحات: 290

شرح زيارة عاشوراء
  • البداية
  • السابق
  • 290 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 28993 / تحميل: 5014
الحجم الحجم الحجم
شرح زيارة عاشوراء

شرح زيارة عاشوراء

مؤلف:
الناشر: منشورات دار الصديقة الشهيدة عليها السلام
ISBN: ٩٧٨-٩٦٤-٨٤٣٨-٥٠-٥
العربية

شرح زيارة عاشوراء

١

شرح زيارة عاشوراء

المؤلف: الشيخ أبي المعالي الكلباسي

المحقق: الشيخ يوسف أحمد الأحسائي

٢

٣
٤

بسم الله الرحمن الرحيم

٥
٦

السَّلامُ عَلَى الْحُسَيْنِ ،

السَّلَامُ عَلَى الْحُسَيْنِ

وَعَلىٰ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ ،

وَعَلىٰ أَوْلادِ الْحُسَيْنِ ،

وَعَلىٰ أَصْحابِ الْحُسَيْنِ ،

٧
٨

مقدّمة

موسوعة شروح زيارة عاشوراء

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

وصلى الله على محمّد وآله الطاهرين

واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين

منذ أن بزغ نور هذا الدين وهو مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالحسين عليه السلام ، حيث كان رسول الله صلى الله عليه وآله يشيد به عليه السلام في كثير من المواقف منذ أن كان الحسين عليه السلام وليداً إلى يوم رحيل الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله عن هذه الدنيا ، فتراه يرثيه باكياً في يوم ولادته أمام جمع من المسلمين ، ويرثيه في يوم رحيله وهو على فراش المرض.

وما بين هاتين المرحلتين الكثير من المواقف التي صدرت منه صلى الله عليه وآله في شأن الحسين عليه السلام ، والتي لسنا بصدد تتبعها في هذه المقدمة ، وكان من أهمها مقولة رسول الله صلى الله عليه وآله المشهورة «حُسَينٌ مِنِّي وَأَنَا مِن حُسَينٍ ، أَحَبَّ اللهُ مَنْ أَحَبَّ حُسَيناً » هذه المقولة التي تكشف بجلاء ما للحسين عليه السلام من مقام شامخ مرتبط بهذا الدين كما هو مقام رسول الله صلى الله عليه وآله.

فكيف لنا في هذه العجالة أن نحيط بمقامات الحسين عليه السلام الذي هو من رسول الله ورسول الله منه؟ كيف لنا أن نحيط بأسرار الحسين وأبعاده وهو بهذه المنزلة العظيمة الشامخة؟

٩

إلّا أنّه هناك بُعد ومقام خاصّ يربطنا بالحسين عليه السلام ألا وهو بعد الزيارة ، هذا البعد الذي أكّدت عليه النصوص الكثيرة الواردة عن أهل بيت العصمة والطهارة عليهم السلام ، بل قد لا تجد أحداً من المعصومين تمّ التأكيد على زيارته كما حصل لزيارة الحسين عليه السلام ، فدونك ما دون في شأن زيارته عليه السلام في كتب الأدعية والزيارات وفي الكتب المطولات ، فإنّه ممّا لا يحصى كثرة ولا يسع المجال تتبعاً ، ولا نظن أن يخفى هذا البعد على طالب صغير فضلاً عن غيره.

فلا تكاد ترى مناسبة مهمة إلّا وتجد لزيارته عليه السلام موقعاً أساسياً في أعمال تلك المناسبة ، فها هي مناسبة ليالي القدر وليالي العيدين وقد احتلت زيارته عليه السلام فيها الموقع المهم ، ومثلها زيارته عليه السلام في يوم عرفة ، وكذلك زيارته عليه السلام في النصف من شهر شعبان ، وزيارته عليه السلام في النصف من شهر رجب ، وكذلك زيارته عليه السلام في يوم الأربعين ، وغيرها الكثير فضلاً عن الزيارات المطلقة.

والأهم من بين هذه الزيارات زيارته في يوم شهادته عليه السلام ، يوم قارع الظلم وفدى هذا الدين بأغلى ما يملك وهو نفسه الزكيّة الطاهرة ، حيث جاد بنفسه وأهل بيته وأصحابه قتلاً ونسائه وعائلته سبياً وتشريداً يُطافُ بهنّ من بلد إلى بلد وهن حرائر بيت الوحي وذرية رسول الله صلى الله عليه وآله ، كل ذلك كان بعين الله ومشيئته سبحانه تقدّست آلاؤه ، وقد أفصح عليه السلام عن ذلك عندما سئل عن السبب في أخذه لعائلته ونسائه فقال : «شاء الله أن يراني قتيلاً ، وأن يرى النساء سباياً » ، هذا اليوم الذي تجسدت فيه روح الفداء لهذا الدين بأسمى معانيها وفي المقابل تجسدت فيه روح الظلم والعدوان بأبشع صورها ، فكان حق الحسين عليه السلام أن يزار في هذا اليوم بزيارة تتناسب مع هذه المعاني المتجسدة في ذلك اليوم ، وهذا عينه ما حصل من أئمّة الهدى عليهم السلام ، حيث رويت زيارته عليه السلام في يوم عاشوراء بطرق متعدّدة عن الإمامين الباقر والصادق عليهما السلام ، هذه الزيارة التي جسّدت الولاء الحقيقي للحسين عليه السلام ، والذي هو بدوره جسّد روح الولاء والتضحية لهذا الدين ، كما أكّدت هذه الزيارة على البراءة

١٠

الحقيقيّة من أعدائه وأعداء أهل البيت عليهم السلام ، أعداؤهم الذين جسّدوا روح العداء والظلم بأبشع الصور وأشنعها.

هذه الزيارة التي ما فتئ علماؤنا رضوان الله عليهم من الترنّم بها وجعلها ورداً خاصاً يلتزمون به في أيام حياتهم ، ولم يكن ذلك الالتزام منهم إلّا تمسّكاً بكلام الأئمّة عليهم السلام ، فإنّ هذا عينه ما نصّ عليه الإمام عليه السلام لعلقمة بن محمّد ، حيث قال له : «وإن استطعت أن تزوره في كلّ يوم بهذه الزيارة في دارك فافعل ، فلك ثواب ذلك ...».

كما أنه قلّما تجد كتاباً مدوّناً لجمع الأدعية والزيارات إلّا وتجد هذه الزيارة في صدارة زياراته عليه السلام ، فدونك ما سطّره أعلام الطائفة من القرن الثالث والرابع الهجري إلى يومنا هذا ، حيث إنّ أوّل مصدر لهذه الزيارة من بين الكتب الواصلة إلينا هو كتاب (كامل الزيارة) للشيخ جعفر بن محمّد ابن قولويه قدس سره (ت ٣٦٨ هـ ق) وكتاب (مصباح المتهجد وسلاح المتعبد) لشيخ الطائفة الشيخ محمّد بن الحسن الطوسي قدس سره (ت ٤٦٠ هـ. ق) ، فإن ظاهر من جاء بعدهما أخذ رواية الزيارة منهما.

إلّا أنه ولما تشتمل عليه هذه الزيارة المباركة من إظهار للبراءة تصريحاً وتلويحاً ممن تجب البراءة منه مرت بظروف قاسية ، كان من أبرزها اختلاف النسخ وبرز ذلك بالخصوص في مصدرها الثاني أعني (مصباح المتهجد وسلاح المتعبد) فتجد بعض نسخه مشتملة على بعض الفقرات وبعضها الآخر غير مشتمل! ومن لاحظ وتتبّع الظروف التي مرّ بها الشيعة وبالخصوص شيخ الطائفة قدس سره وما لاقاه من الويلات وفتن ظهرت في زمانه وفي بغداد بالخصوص يدرك ما حصل في كتبه قدس سره من اختلاف النسخ وبالخصوص فيما يرتبط بزيارة عاشوراء ، ولا نريد أن نخوض هنا بحثاً تأريخياً حول تلك الظروف المشوبة بالخوف والحذر والتقية ، فهي بدرجة من الوضوح لمن له أدنى تتبع للتأريخ.

ولكن مع ذلك كلّه إذا رجعنا إلى نسخ الكتاب (مصباح المتهجد وسلاح المتعبد)

١١

يتضح لنا جلياً أنّ هذه الزيارة المباركة حصل فيها حذف أو طمس لبعض مقاطعها في بعض النسخ وهي الأقل وذلك للظرف الخاص الذي عاشه الشيعة في تلك الأزمنة أعني ظرف التقية والخوف حيث إن كثيراً من نسخ الكتاب ممّا وقع في حوزتنا مشتمل على فقرات لم تكن موجودة في بعض النسخ أو هي مطموسة ، فإذا لاحظنا الظرف المتقدم ذكره ولاحظنا الفقرات التي وقع لها الحذف أو الطمس ولاحظنا النسخ المشتملة على تلك الفقرات يتضح جلياً أن ذلك وقع لظرف خاص ، وهو مما لا يكاد يخفى على من له أدنى تتبع وتدقيق.

أما ما يرتبط بنسخ كتاب (مصباح المتهجد وسلاح المتعبد) فهناك عدد كبير من النسخ لهذا الكتاب المبارك منتشرة في المكتبات العامة والخاصة ، والذي يميز بعض هذه النسخ وجود مقابلة لها مع نسخ متقدّمة عليها ، بل قد تصل المقابلة في بعض النسخ إلى نسخة المصنف ، وهذا في حد ذاته يعطي النسخة التي تمّت مقابلتها قيمة تراثية كبيرة ، ويتعامل معها كما لو كانت بخط المصنف ، وخصوصاً إذا كان المقابل لها أحد علمائنا المعروفين.

ولا يخفى أن الكلام عن نسخ «المصباح» يرتبط بالمصباح الكبير و «المصباح» الصغير وهو (مختصر «المصباح») وكلاهما من تأليف شيخ الطائفة محمّد بن الحسن الطوسي قدس سره ، لفرض أن الشيخ ذكر الزيارة في كلا الكتابين واختلاف النسخ وقع في كليهما ، ويوجد عندنا نسخ لكلا الكتابين ، فعندنا عشر نسخ للمصباح الكبير وخمس نسخ للمصباح الصغير ، وتم التعرض باختصار لبحث اختلاف نسخ «المصباح» في الكتاب الذي صدر تحت إشراف مكتب آية الله العظمى الميرزا التبريزي حفظه الله تعالى (زيارة عاشوراء فوق الشبهات).

١٢

عود على بدء

هذه الزيارة المباركة واجهت مزايدات كبيرة ممن ينتسبون لهذا المذهب الحق وحصل في الآونة الأخيرة هجوم عنيف من البعض على هذه الزيارة المباركة ، وكل ذلك كان بسبب اشتمالها على أمور مرتبطة بالعقيدة الحقة وفي خصوص مسألة الولاية والبراءة لمن وممن تجب الولاية له والبراءة منه ، حيث إن هذا الأمر يثير حفائظ الطرف الآخر ولا ينسجم مع التقارب المطروح والذي يروج له نفرٌ حتى لو كان على حساب عقائدنا الثابتة ، وهذا مما يؤسف له كثيراً

وهذا ما دفعنا للبحث والمتابعة لهذه الزيارة المباركة دفاعاً وتوضيحاً لعقائدنا وثوابتنا التي لا نقبل المزايدة عليها بأي وجه من الوجوه. فبدأنا بعون الله وتوفيقه في البحث عن نسخ مصباح المتهجد وكتب أخرى ترتبط بالزيارة المباركة فحصلنا في هذه الصدد على عدد كبير من النسخ ، وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك فلا نعيد.

وفي الضمن وقع في حوزتنا شرح للزيارة المباركة بطبعة قديمة حجرية(١) ليس فيها أي تصحيح ولا تحقيق وهو هذا الشرح المبارك (رسالة في بيان كيفية زيارة عاشوراء ، لعلّامة عصره وأوانه المحقّق والمدقّق الكبير أبي المعالي الكلباسي قدس سره) وهو أوّل شرح للزيارة المباركة وقع في حوزتنا ، لذلك به بدأنا موسوعتنا هذا ، وهذا ما ألفت نظرنا إلى المتابعة للشروح لهذه الزيارة وبدأنا فعلاً البحث في فهارس المكتبات العامة والخاصة وبتوفيق من الله تقدست آلاؤه حصلنا على شروح كثيرة للزيارة المباركة كتبت من قبل أعلام هذه الطائفة الحقة وفيها ما هو مبسوط المقال وفيها ما هو مختصره ، وما ألفت نظرنا أن جلَّ هذه الشروح مخطوطات محفوظة في

____________________

(١) نشكر الشيخ إسماعيل ﮔﻠﺪاري على تزويدنا بصورة من هذه النسخة المحفوظة في مكتبته الخاصّة.

١٣

مكتبات عامة أو خاصة لم يطلع عليها الكثير من القراء ، وهذا ما زاد من عزمنا وتصميمنا على الشروع في هذه الموسوعة المباركة لإخراج شروح هذه الزيارة المباركة وإيصالها إلى القراء ، ليتبين للمنصفين أن هذه الزيارة كانت محط أنظار كبار علماء الطائفة ومحققيهم ، وسوف نبدأ بعون من الله وتوفيق في إخراج للشروح المبسوطة بشكل واسع واحداً تلو الآخر ثم بعد ذلك نجمع الشروح المختصرة في قسم واحد ، ثم بعد الانتهاء من ذلك كله عزمنا بعون الله وتسديده على إخراج الموسوعة في ثوب واحد وإصدار يجمع الجميع بعنوان (موسوعة زيارة عاشوراء).

وفي الختام نتقدم بالشكر الجزيل لكل من مدَّ يد العون وساهم في إنجاح هذا المشروع ، ونخصّ بالذكر مكتب آية الله العظمى الميرزا جواد التبريزي (دام ظلّه الوارف) على ما قدّمه ويقدّمه لإنجاح هذا المشروع.

وكذلك الإخوة الذين بذلوا جهوداً تحقيقية في إخراج وتحقيق هذا الشرح ، ونخص بالذكر من بينهم الأخ العزيز سماحة الشيخ إسماعيل اﻟﮕﻠﺪاري البحراني والشيخ أحمد العبيدان حفظهما الله تعالى.

نسأل الله سبحانه وتعالى بحقِّ الحُسينِ عليه السلام أن يعيننا ويسدّد خطانا لإكمال هذا المشروع الحسيني المبارك ، وأن يجعل نيّاتنا خالصة لوجهه الكريم.

إنّه خير ناصر ومعين

كتبه : يوسف أحمد الأحسائي

النصف من شعبان سنة ١٤٢٧

١٤

نبذه مختصرة

في حياة المصنّف(١)

اسمه ونسبه

العالم الرباني ، والمحقّق المتبحر ، والمتتبع الدقيق ، أسوة الورع والتقوى ، الملازم لشدة الاحتياط ، الشيخ أبو المعالي محمّد ابن محمّد إبراهيم بن محمّد حسن بن محمّد قاسم الكلباسي (الكرباسي). وينتهي نسبه الشريف إلى مالك الأشتر النخعي صاحب أمير المؤمنين عليه السلام. والكلباسي أصلها الكرباسي نسبة إلى «حوض كرباس» هرات موطن جده الحاج محمّد حسن ، وتبديل حرف الراء في الفارسية إلى اللام شائع. ولذا اختلف التعبير عن لقبه في كتب التراجم ، فمرة يسمى «الكرباسي» ومرة يسمى «الكلباسي» ، والكلّ صحيح على ما بّيّنا ، والأصحّ «الكلباسي».

مولده

ولد في مدينة أصفهان قبل طلوع الفجر بساعة ، ليلة الأربعا سابع شهر شعبان المعظم من سنة ١٢٧٤. هـ. ق ، على ما كتبه بخطه الشريف على ظهر كتاب الكشاف.

____________________

(١) سوف يأتي في خاتمة الكتاب نبذة مختصرة عن حياة المصنّف ومصنّفاته بقلمه المبارك.

١٥

نشوؤه ومعاناته

رباه العالم الرباني السيّد الممجّد الشهشهاني قدس سره ، وهو من تلاميذ والده الشيخ محمّد إبراهيم الكلباسي ، وكان عنده حتى بلغ إلى حد الإشتغال ، وتمكن من تحصيل الكمال ، فاشتغل بتعليمه حتى توفي والده العلّامة ولم يكمل له خمس عشرة سنة ، ورأى حينئذ شدائد الأمور ، ومن جملتها الإبتلاء بضيق المعيشة ، واشتغل حينها عند السيّد الجليل السيّد حسن المدرس وكان يَصِفُ حسن أخلاقه ورشاقة مذاقه من كثرة التأمل ، وأنه كان يأمر بكثرة الفكر في المسائل والتدقيق ، وأنه سمع نصيحته في ذلك فابتلى بضعف القلب ووحشة في البال على وجه لا يوصف بالمقال.

قال في خاتمة البشارات يصف تلك الحال : «ولو وصفت لك انقطاع أسباب التحصيل عني واختلال أمري في أزمنة التحصيل ، وبلغت في الوصف ما بلغت ، لكان الموصوف به أزيد وأشد بمراتب شتى ، وقد أغمضت العين عما انتقل [إلي] من الوالد الماجد من جهة الاشتغال بالتحصيل إلى أن دَرَجَ دَرْجَ الرياح ، لكن الله سبحانه قد تفضل وتصدق علي من فضله وكرمه بعد ذلك سعة في المعيشة بأسباب خارقة للعادة»(١) .

كثرة تفكره واهتمامه

كان أبو المعالي دائباً مفكراً في المطالب العلمية حتى عند الإشتغال بالأكل أو حتى في الحمام ، وكثيراً ما كان يأمر ولده بكتابة عبارة من موضع مطالعته ، سواء من عبارات نفسه أو سائر العلماء ويستصبحها في الحمام ، ويظل يفكر فيها(٢) .

____________________

(١) و (٢) وقد ذكر رحمه الله في خاتمة هذا الكتاب كلاماً مفصّلاً في ذلك.

١٦

عبادته

نقل بعض الثقات على ما في البدر التمام فقال : «كنت ليلة في منزله في خارج البلد ، فسمعت في نصف الليل صوتا غريبا تحيرت فيه ، فلما تفحصت عن حقيقة الحال وجدته صوت ولي الله غريقا في التضرع والإبتهال ، حتى إنه كرر لفظ كذلك ثلاث مرات لأدائه صحيحاً».

زهده

كان قدس سره معرضاً عن الملاذ الدنيوية بأسرها من أكلها وشربها وعزها وجاهها ، بل كان يشمئز من الجلوس في غير المواضع الدانية فضلاً عن العالية ، وكان يحب الجلوس على الأرض ، وكان يكثر الجلوس عليها خصوصاً في أيام مرضه الذي توفي فيه ، حتى كان يعوده الأعيان وهو نائم على التراب لا يرضى بالتحول عنه ، ويذكر هذا الشعر

من لم يطأ وجه التراب برجله

وطئ التراب بصفحة الخد

وكان جلوسه في حال دعائه ليالي الجمعة وغيرها على الأرض ، قال في بعض تحقيقاته : «المتعارف بين أفراد الإنسان الجلوس على الفرش عند التضرع إلى الله الملك المنان ، مع أن المناسب لمقام التضرع إلى رب الأرباب طريق التواضع بالجلوس على التراب».

وكان يباشر بنفسه في ليلة العاشوراء ويومها وليلة الثماني والعشرين من شهر صفر ويومها الخدمة في مجالس العزاء بنفسه.

شدة احتياطه

ينقل أنه قد وقعت أمور اضطر فيها إلى التصرف في حمام موقوف من قبل جده

١٧

العالم المؤتمن الحاج محمّد حسن ، وهو قد قرر أن يصرف وجه الإجارة في دهن السراج لطلاب بعض المدارس المخصوصة ، ولما تداول في ذلك الزمان الاستضاءة بالنفط ، فاستدعى غير واحد من الطلاب تغيير المقرر بالنفط مصراً عليه ، فما أذن بالتغيير وما رضي بالتبديل خوفا من أن يقع تغيير فيما قرره الواقف. وكذا فقد استدعى بعض أبناء السلاطين إذن التصرف في بعض الأملاك منه ، وأهدى له المبلغ الخطير ، فما أذن له في التصرف في القرى ، ولا قبل منه الهدية الكبرى ؛ نظراً إلى ما جرى من الإشكال في ثبوت الولاية العامة ، وقال : «لو أرسل إلي جميع ما في العالم لما خالفت الله سبحانه». وعلى هذا استقرت طريقته حتى انقضت مدته. وكان كثير التحرز عن الأموال المشتبهة ، ومتجنباً كل الإجتناب عن استعمال شيء من أموال أرباب الديوان في أكله وشربه ، فضلاً عما يتعلق بصلاته ووضوئه ، كما اتفق أنه أخذ لقمة يوماً ووضعها في فيه ، فظهر له أنها من تلك الأموال ، فأخرجها من فمه وألقاها وقال : «ما دخل في حلقي شيء من الأموال المشتبهة إلى الآن».

وفاته ومدفنه

توفى قدس سره في أصفهان في السابع والعشرين من صفر ١٣١٥ هـ. ق ، ودفن في بقعة مخصوصة في «تخت فولاد» وقال ولده أبو الهدى في وفاته : «وكان مرضه بلسان أهل الطب ذو سنطار الكبدي وبلسان المتعارف اسهال الدموي ، ولم يكن من زمان حدوثه إلى انتهاء مدته إلّا خمسة أيام ، ولم يظهر له في تلك الأيام القليلة أثر الموت مطلقا ، بل كان مشتغلا بالمطالعة والتصنيف في ثلاثة من تلك الأيام ، كما أنه يذكر المطالب العلمية والعملية على سبيل التفصيل مع الطبيب وغيره في يوم الآخر. ولكن ظهر في هذا اليوم من أول الصبح برودة في يديه وزاد حتى اشتد قبيل المغرب وبعده ، واجتمع عنده الأطباء في هذه الساعة ، وانقلبت حالته الشريفة من هذه الساعة ومتدرجاً ما بعدها إلى طلوع الفجر. فلمّا رأيته اشتداد الأمر ذهبت للأمر

١٨

باحضار الطبيب ، فلمّا رجعت أخبرت بما أخبرت ، واشتعل النيران في القلب بما سمعت وكان وقت وقوع هذه الداهية بعد طلوع الفجر بدقائق من يوم الأربعاء السابع والعشرين من شهر صفر المظفر سنة خمسة عشر وثلاثمائة بعد الألف».

أسرته

أبوه : هو الشيخ الجليل والعالم النبيل الحاج محمّد إبراهيم الكلباسي الأصفهاني ١٢٦١ ـ ١١٨٠ هـ. ق من أعاظم علماء عصره المشاهير ، ولد في شهر ربيع الآخر عام ١١٨٠ هـ. ق في أصفهان ، وهاجر إلى العراق فأدرك الوحيد البهبهاني ، والسيّد مهدي بحر العلوم ، والشيخ كاشف الغطاء ، والسيّد على الطباطبائي صاحب الرياض ، والمقدّس الكاظمي فاشتغل عندهم ، وحضر عليهم مدة طويلة.

ثم رجع إلى إيران فحل في بلدة قم ، واشتغل بها على المحقّق الميرزا القمّي صاحب القوانين.

ثمّ سافر إلى كاشان فحضر على عالمها الشهير المولى محمّد مهدي النراقي صاحب جامع السعادات ، ثمّ عاد إلى إصفهان ، فحفّت به طبقاتها ، وألقت إليه الرئاسة أزمتها ، فإذا به مرجعها الجليل ، وزعيمها الروحي ، ورئيسها المطاع ، وقائدها الديني ، وقد نهض بأعباء العلم مع شدة الاحتياط والورع ، والتقى والصلاح ، وشغل منصة التدريس طيلة حياته وكان يؤم الناس في مسجد الحكيم ، ويرقى المنبر بعد الصلاة ، ويعظ الحضور. وكان في غاية التواضع وحسن الخلق وسلامة النفس. وكانت بينه وبين الحجة الكبير ـ معاصره ـ السيّد محمّد باقر حجة الإسلام صلة وثيقة لم تخل بها زعامة كل منهما ومرجعيته. وتوفي في اليوم الثامن من جمادى الأولى عام ١٢٦١ هـ ، وقبره بمقبرة «تخت فولاد» مزار معروف. وله تصانيف نافعة هامة في الفقه والأصول ، منها الإيقاضات أولاً ، والإشارات ثانياً ، وله أيضا رسالة الصحيح والأعم ، ورسالة تقليد الميت ، وشوارع الهداية إلى شرح

١٩

الكفاية للسبزواري ، ومنهاج الهداية ، وإرشاد المسترشدين ، والإرشاد ، والنخبة في العبادات انتخبها من الإرشاد باللغة الفارسية ، ومناسك الحج باللغة الفارسية ، ورسالة في تفطير شرب التتن كتبها لبعض أبناء السلطان فتح علي شاه القاجاري ، وقد سأله عن حكم استعمال الصائم للدخان ، وذكر فيها من أخذ عنهم العلم وعد من ذكرناهم وغيرهم. وقد تخرج على يده الكثير من العلماء والمجتهدين منهم.

أولاده : المصنف ، وولده الأكبر المجاز منه في الإجتهاد الشيخ محمّد مهدي صهر السيّد حجة الإسلام ، والآخر الشيخ جعفر. وكذا غيرهم كالميرزا الشيرازي ، والميرزا محمّد التنكابني صاحب قصص العلماء ، وصاحب الروضات ، والسيّد حسن المدرّس ، والسيّد محمّد الشهشهاني وغيرهم.

وترجم له تلميذاه في الروضات وقصص العلماء ، والسيّد حسن الصدر في التكملة ، وولده الشيخ جعفر في رسالة مستقلّة في أحوال والده ، وألّف حفيده الشيخ أبو الهدى بن أبي المعالي ابن المترجم كتابه «البدر التمام في ترجمة الوالد القمقام والجد العلام» ، وترجم له أيضا الطهراني في «الكرام البررة» ، والسيّد محسن الأمين في «أعيان الشيعة».

جدّه : وهو العالم الزاهد الحاج محمّد حسن بن محمّد قاسم الكاخكي الخراساني ، ولد في خراسان ، ومسكنه في محلة منه تعرف بحوض كرباس ، وينتهي نسبه الشريف إلى مالك الأشتر النخعي. وكان من الزاهدين في الدنيا ، والراغبين في الآخرة ، وأقام مدة في «كاخك» الذي هو من توابع «ﮔﻨﺎباد» ، وبنى فيها مدرسة ؛ وانتقل منها إلى مشهد المقدس عمَّرَ فيها المدرسة المخروبة التي في الخيابان ، وبنى خاناً في جنب المقبرة المدعوة «ﺑﻘﺘﻠﮕﺎه» ، ووقفها لصرف منافعها في المدرسة المذكورة.

وسافر منه إلى بلدة يزد ، وبنى المسجد المعروف فيها بمسجد «ريكي شبستانا».

٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

الفصل الثاني

ضوابط الحوار وآدابه

١ ـ شروط الحوار

٢ ـ آداب الحوار

١٦١
١٦٢

لما كان الحوار في الواقع الإنساني من الوسائل التي تستخدم لنشر الأفكار والإقتناع بها ؛ كان الهدف منه تعاون أطراف الحوار على معرفة الحقيقة والتوصل إليها ، تبصير كل منهما صاحبه بالأمور التي خفيت عنه حينما أخذ بنظر باحثاً عن الحقيقة ، وذلك باستخدام الحوار البريء من التعصب ؛ الخالي من العنف والإنفصال ، المتمشي وفق الأصول العامة للحوار الهادف البنّاء.

ولا يتحقق هذا الحوار إلا بعد تطبيق ما ذكره العلماء من الضوابط والآداب كما يلي :

١ ـ شروط الحوار :

ذكر العلماء والباحثون أنّ للحوار المّذون به شروطاً ينبغي إتباعها ، خشية أن يتحول إلى مماراة بعيدة عن الوصول إلى الحقيقة ، أو إلى مشاحنات أنانية ، ونحو ذلك مما يفسد القلوب ، ويهيج النفوس ، ويورث التعصب ولا يوصل إلى الحق ، نذكر منها التالي :

١ ـ أن يكون أطراف الحوار على معرفة بقوانين وقواعد الحوار ، متبعين المعايير العقلية والمنطقية ، باسلوب علمي رصين.

٢ ـ أن يكونوا على معرفة بالموضوع الذي يراد التحاور فيه ، بحيث يمكن التكلم بما يتناسب مع طبية المضوع المتحاور فيه ، بحيث لو تكلم أحد الأطراف لم يخبط خبط عشواء ، ولم يناقش في البديهيات بغير علم ، وإذا لُزم بالحق إلتزم به دون مكابرة.

٣ ـ أن يكون الموضوع مهماً ، أو مما يجوز أن تجري فيه المحاورة ضمن قواعد هذا الفن وضوابطه ، فالمفردات والبديهيات الجلية مثلاً ، لا تجري فيها المحاورة أصلا.

١٦٣

٤ ـ أن يكون المحاور متمكناً من الحوار ، بحيث يتمتع بوجهة علمية ومقدرة بيانية ، ومطلعاً على أفكار وآراء خصمه ، مستخدماً الألفاظ المناسبة الجزلة الفخمة ، متجنباً العبارات والألفاظ الركيكة.

وإلى هذا يشير إمامنا الصادق عليه السلام في الحديث التالي :

عن أبي خالد الكابلي ، قال : (رأيت أبا جعفر ـ صاحب الطاق ـ وهو قاعد في الروضة قد قطع أهل المدينة أزراره ، وهو دائب يجيبهم ويسألونه ، فدنوت منه فقلت : إنّ أبا عبد الله نهانا عن الكلام فقال : أمرك أن تقول لي؟ فقلت : لا ، ولكنه أمرني ألا أكَلِّم أحداً.

قال : فاذهب فأطعه فيما أمرك. فدخلت على أبي عبد الله عليه السلام فأخبرته بقصة صاحب الطاق ، وما قلت له ، وقوله لي : إذهب وأطعه فيما أمرك ، فتبسم أبو عبد الله عليه السلام وقال : يا أبا خالد ، إّ صاحب الطاق يكلّم الناس فيطير وينقض ، وأنت إو قصوك لن تطير)(٢١٢) .

٢ ـ آداب الحوار :

وضع العلماء لفَن آداب البحث والمحاورة جملة من الآداب ، وألزموا المتحاورين بها ، محافظة على سلامة المحاورة ، وتحقيقاً للغرض منها ، نذكر فيما يلي أهمها :

١ ـ أن يجتنب المحاور محاورة ذي هيبة يخشاه ، لئلا يؤثر ذلك عليه ، فيضعفه عن القيام بحجته كما ينبغي.

٢ ـ ألا يظن خصمه أقوى منه بكثير ، حتى لا يتخاذل ويضعف عن تقديم حجته على الوجه المطلوب.

__________________

(٢١٢) ـ الطوسي ، الشيخ محمد بن الحسن : رجال الكشي ، ج ٢ / ٤٢٤.

١٦٤

٣ ـ ألا يظن خصمه حقيراً ضعيفاً قليل الشأن ، فذلك يقلل من إهتمامه ، فيمكن خصمه الضعيف منه.

٤ ـ ألا يكون في حالة قلق نفسي وإضطراب ؛ أو في حالة نفسد عليه مزاجه الفكري والنفسي ، كأن يكون جائعاً ، أو ظامئاً ، أو نحو ذلك.

٥ ـ أن يتقابل المتحاوران في المجلس ، ويبصر أحدهما الآخر إن أمكن ، ويكونا متماثلين أو متقاربين علماً ومقداراً.

٦ ـ أن يجتنب كلا المتحاورين الهزء والسخرية ، وكل ما يشعر بإحتقار وإزدراء لصاحبه ، أو وسمه بالجهل أو قلة الفهم ، كالتبسم والضحك والغمز واللمز ونحو ذلك ، مما يثير عواطف الغير ، ويؤدي إلى إفساد المحاورة التي ينبغي أن تكون بالتي أحسن.

٧ ـ ألا يرفع صوته فوق المتعارف المألوف ، فإنّ هذا يدل على الشعور بالضعف والشعور بالمغلوبية ، بل ينبغي إلقاء الكلام قوي الأداء ، وإن كان بصوت منخفض هادئ ، فإنّ تأثيره أقوى بكثير من اسلوب الصياح والصراخ.

٨ ـ أن يتجنب ـ حد الإمكان ـ مجادلة طلب الرياء والسمعة ومُؤثر الغلبة والعناد ، فإنّ هذا من جهة يُعديه بمرضه فينساق بالأخير مقهوراً إلى أن يكون شبيهاً به في هذا المرض ، ومن جهة أخرى لا يستطيع الوصول مع مثل هذا الشخص إلى نتيجة مرْضِيّة.

٩ ـ ألا يكون المحاور متسرعاً يقصد إسكات خصمه في زمن يسير ؛ لأنّ ذلك يفسد عليه رويته الفكرية ، ويبعده عن منهج المنطق السديد ، والتفكير في الوصول إلى الحق.

١٦٥

١٠ ـ أن يحترز المحاور عن الإختصار المخل في الكلام ، وعن إطالة الكلام بلا فائدة ترجى من ذلك.

١١ ـ أن يأتي كل من المتحاورين بالكلام الملائم للموضوع ؛ فلا يخرج عما هما بصدده.

١٢ ـ ألا يتعرض أحدهما لكلام خصمه قبل أن يفهم مراده تماماً.

١٣ ـ أن ينتظر كل واحد منهما صاحبه حتى يفرغ من كلامه ، ولا يقطع عليه كلامه قبل أن يتمه.

١٤ ـ الإستعانة بالله عَزّ وجَلّ ، للتوفيق والوصول إلى الحقيقة ، فقد ورد عن إمامنا زين العابدين عليه السلام في الصحيفة السجادية ، من دعائه في مكارم الأخلاق : (اللهُمّ صل على محمد وآله ، واجعل لي يداً على من ظلمني ، ولساناً على من خاصمني ، وظفراً بمن عاندني)(٢١٣) .

وعنه عليه السلام ـ كما في المناجاة (المعروفة بالإنجيلية الطويلة) ـ : وأعوذ بك من دعاءٍ محجوبٍ ، ورجاء مكذوب ، وحياء مسلوب ، وإخاء مَعْبُوب ، وإحتجاج مغلوب ، ورأي غير مصيب)(٢١٤) .

__________________

(٢١٣) ـ زين العابدين ، الإمام علي بن الحسين : الصحيفة السجادية / ١١١ (جمع السيد محمد باقر الأبطحي).

(٢١٤) ـ نفس المصدر / ٤٣٩ ـ ٤٤٠.

١٦٦

الفصل الثالث

الحوار المتعلق بتربة الحسين (عليه السلام)

بحوث تمهيدية :

١ ـ الوحدة الإسلامية.

٢ ـ التقريب بين المذاهب الإسلامية.

٣ ـ دعوة إلى الحوار.

١٦٧
١٦٨

تلعب الشائعات وحجب الحقائق دوراً كبيراً في محاربة الأفكار والمعتقدات ، ولعل مرجع هذه الشائعات ، هي عوامل سياسية ومصلحة نفعية ، ومن بين تلك المعتقدات التي حوربت بهذه الطريقة عقيدة الشيعة الإمامية ، الذين يمثلون فئة كبيرة من المسلمين ، فقد بالغ المغرضون والوضاعون النفعيون ، في تصوير معتقداتهم ، وتحريفها عن واقعها ومدلولها الصحيح. وقد أشار إلى هذه الحقيقة الناصعة ، الدكتور حامد حنفي داود(٢١٥) بقوله : «يخطئ كثيراً من يدّعي أنّه يستطيع أن يقف على عقائد الشيعة الإمامية وعلومهم وآدابهم مما كتبه عنهم الخصوم من العلم والإحاطة ، ومهما أحرزوا من الأمانة العلمية في نقل النصوص والتعليق عليها بأسلوب نزيه بعيد عن التعصب الأعمى. أقول ذلك جازماً بصحة ما أدعي بعد أن قضيت ردحاً طويلاً من الزمن ، أدرس فيه عقائد الأئمة الإثني عشرة بخاصة وعقائد الشيعة بعامة. فما خرجت من هذه الدراسة الطويلة التي قضيتها متصفحاً في كتب المؤرخين والنقاد من علماء أهل السنة بشيء ذي بال. وما زادني إشتياقي إلى هذه الدراسة وميلي الشديد في الوقوف على دقائقها إلا بعداً عنها وخروجاً عما أردت من الوصول إلى حقائقها ذلك لأنّها كانت دراسة بتراء أحلت نفسي فيها على كتب الخصوم لهذا المذهب وهو المذهب الذي يمثل شطر المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها ، ومن ثم اضطررت بحكم ميلي الشديد إلى طلب الحقيقة حيث كانت ، والحكمة حيث وجدت ، والحكمة ضالة المؤمن ، أن أدير دفة دراستي العلمية لمذهب الأئمة الإثني عشر إلى الناحية الأخرى ، تلك هي دراسة المذهب

__________________

(٢١٥) ـ أستاذ الأدب العربي بكلية الألسن العليا ، ورئيس قسم الأدب العربي بجامعة عين شمس ، من رواد الإصلاح ، ودعاة التقريب بين المذاهب الإسلامية.

١٦٩

في كتب أربابه ، وأن أتعرف عقائد القوم مما كتبه شيوخهم والباحثون المحققون من علمائهم وجهابذتهم. ومن البديهي أنّ رجال ال مذهب أشدّ معرفة لمذهبهم من معرفة الخصوم به ، مهما بلغ أولئك الخصوم من الفصاحة والبلاغة ، أو أوتوا حظاً من اللسن والإبانة عما في الشمس»(٢١٦) .

وقال الدكتور مصطفى الرافعي(٢١٧) : «... أجل ، عن مثل هؤلاء المستشرقين أو أولئك الجهلة والمغرضين أخذ خصوم الشيعة معلوماتهم عن الشيعة ، وأثاروا الكثير من الشبهات حول بعض المعتقدات التي يدينون بها ؛ أو الأحكام الفرعية التي يمارسونها ، فشوهوها وألبسوها لباس العداوة للإسلام حتى ظن معها قصار النظر ومن ليس لديه معلومات واسعة عن فقه الشيعة أنّ أتباع هذا المذهب بسبب إيمانهم بتلك المعتقدات أو ممارستهم لهذه الأحكام ، قد نؤوا عن الحق وجانبوا الصواب وربما بالغوا في التشنيع عليهم فقالوا : أنهم فرقة مرقت من الدين وخرججت من ربقة الإسلام»(٢١٨) .

هذه بعض كلمات الكتاب والباحثين من السنة ، الذين أنصفوا الشيعة الإمامية ، فيما حصل لهم من مظلومية وتشويه لسمعتهم أمام المسلم وغيره؟! والسؤال الذي ينبغي طرحه : ما هو الحل لعلاج هذه المشكلة الخطيرة؟

__________________

(٢١٦) ـ المظفر ، الشيخ محمد رضا : عقائد الإمامية / ٤١ ـ ٤٢ (تقديم).

(٢١٧) ـ كاتب وباحث لبناني ، ولد في طرابلس عام ١٩٢٣ م ، جمع بين الدراسة في الأزهر ـ حيث نال إجازة تخصص في القضاء عام ١٩٤٧ م ـ ، والدراسة في جامعة السوربون بفرنسا ، حيث نال شهادة الدكتوراه في الحقوق عام ١٩٤٨ م ، مثّل لبنان في كثير من المؤتمرات الإسلامية والثقافية ، وله مجموعة من المؤلفات.

(٢١٨) ـ الرافعي ، الدكتور مصطفى : إسلامنا / ١٣١.

١٧٠

لعلّ أهم الحلول التي طرحت لحلّ هذه المشكلة ، هي كالتالي :

١ ـ الوحدة الإسلامية :

والمراد بها إدماج مذهب في مذهب ، أو تغليب مذهب على مذهب ، وممن يرى هذه الفكرة الأستاذ أمين خولي(٢١٩) ، حيث قال : «أنا في العام الماضي تكلمت مع الشيخ محمد تقي الحكيم(٢٢٠) ، وقلت : فلنتنازل نحن السنة وأنتم الشيعة عن بعض الأشياء ، ونتفق على أشياء ونكون يداً واحدة»(٢٢١) .

وهذه الفكرة يصعب تطبيقها ، وقد أجاب عنها السيد مرتضى الرضوي بقوله ـ مخاطباً الأستاذ أمين الخولي ـ : «يا أستاذ ؛ لا يمكن التفاهم والإتفاق على شيء قبل أن نضع رجال الصدر الأول في ميزان الحساب ؛ لأنّهم خَلّفُوا أموراً خلافية كثيرة لا يمكن التغاضي عنها ، وتركها من دون علاج ، وبعد ذلك ، فمن السهل أن نتحد ونتفق على كل شيء. فسكت الأستاذ الخولي»(٢٢٢) .

٢ ـ التقريب بين المذاهب الإسلامية :

قامت مجموعة من أعلام المسلمين ـ ويأتي في طليعتهم الشيخ عبد المجيد سليم ، والشيخ محمود شلتوت ، والشيخ محمد تقي القمي ، والشيخ محمد محمد المدني ـ ، بتأسيس (دار التقريب بين المذاهب الإسلامية) وذلك سنة (١٣٦٦ هـ

__________________

(٢١٩) ـ من كبار الأساتذة وعمالقة الفكر في مصر ، ولد عام ١٩٠٤ م ، من أوائل أساتذة كلية الآداب بجامعة القاهرة ، وصل إلى منصب كرسي الأدب العربي بكلية الآداب بجامعة القاهرة ، كان من أبرز أعضاء المجلس الأعلى لدار الكتب المصرية ، الذي يضم جهابذة رجال الفكر والقلم في مصر.

(٢٢٠) ـ المراد به ، هو سماحة السيد محمد تقي الحكيم ، أحد علماء النجف ، عميد كلية الفقه في النجف الأشرف ، وأستاذ الفقه المقارن في جامعة بغداد ، وعضو المجمع العلمي في العراق ، وعضو مراسل المجمع اللغوي بمصر ، له بعض المؤلفات القيمة. ولد عام ١٣٤١ هـ ، وتوفي عام ١٤٢٣ هـ.

(٢٢١) ـ الرضوي ، السيد مرتضى : مع رجال الفكر في القاهرة / ٥١.

(٢٢٢) ـ نفس المصدر.

١٧١

ـ ١٩٤٧ م) ، في القاهرة ، وكان هدف هذه المجموعة ، عدم إستغلال الفوارق المذهبية ، وما يترتب على ذلك من شق صف المسلمين ، وإضعاف وحدتهم. كما كانت دعوتهم إلى تقريب وجهات النظر ، من خلال إلقاء الضوء على المشتركات بينهم ، وعدم السعي إلى إلغاء بعضها على حساب بعض ، وبعبارة أخرى ، تسعى إلى بقاء المسلمين كل على مذهبه ، وعدم دمجهم في مذهب واحد. وكان من ثمارها ، إصدار مجلة (رسالة الإسلام) صدر العدد الأول منها سنة ١٣٦٨ هـ ، وتوقفت في شهر رمضان سنة ١٣٩٢ هـ ، بعد ما صدر منها ستون عدداً ، إهتمت بأدب التقريب بين المذاهب. وإدخال الفقه الشيعي إلى مواد التدريس في الأزهر الشريف ، كما أصدر شيخ الأزهر محمود شلتوت فتواه بجواز التعبد بالمذهب الجعفري ، ونشرتها مجلة (رسالة الإسلام ـ في العدد الثالث ، من السنة الحادية عشر ، ص ٢٢٨ ـ عام ١٩٥٩).

يقول الشيخ الشعراوي ـ بعد هذه الفتوى : «الشيعة الإمامية الإثني عشرية ، وإمامهم جعفر الصادق ؛ بن محمد ، بن علي زين العابدين ، بن الحسين ، بن علي بن أبي طالب ، وهو أحد أساتذة الإمام ابي حنيفة ، رضي الله عنهم جميعاً ، وهؤلاء الإمامية الجعفرية ؛ الذين نوضح أنهم من أرباب ال مذاهب النقيّة ؛ هم الذين أصدر شيخنا المرحوم شيخ الأزهر محمود شلتوت ، فتواه المشهورة في صحة التعبد على مذهبهم ؛ معلّلاً ذلك بأنّه من المذاهب الإسلامية ، الثابتة الأصول المعروفة المصادر ، المتبعة لسبيل المؤمنين. نعم : لقد أخذنا في مصر طائفة من الأحكام في قوانين الأحوال الشخصية عن الشيعة الإمامية الإثني عشريّة ، ومنها بعض أحكام الطلاق ، والقول بالوصيّة الواجبة

١٧٢

في الميراث»(٢٢٣) . وخلاصة هذه الفكرة ـ على حد تعبير الشيخ كاشف الغطاء (قده)(٢٢٤) . «وليس معنى الوحدة في الأمة أن يهضم أحد الفريقين حقوق الآخر فيصمت ، ويتغلب عليه فيسكت ، ولا من العدل أن يقال للمهضوم إذا طالب بحق ، أو دعا إلى عدل إنك مفرق أو مشاغب ، بل ينظر الآخرون إلى طلبه ، فإن كان حقاً نصروه ، وإذا كان حيفاً أرشدوه وأقنعوه ، وإلا جادلوه بالتي هي أحسن مجادلة الحميم لحميه ، والشقيق لشقيقه ، لا بالشتائم والسباب ، والمنابزة بالألقاب ، فتحتدم نار البغضاء بينهما حتى يكونا لها معغاً حطباً ، ويصبحا معاً للأجنبي لقمة سائغة ، وغنيمة باردة»(٢٢٥) .

وبعد هذا البيان المستفاد من كلمات العلماء والباحثين ، نقول : أنّ الهدف من التقريب بين المذاهب الإسلامية هو الحد من تضييق شقة الخلاف ، وبعض الظروف في عهود غابرة ، ولو قدر لها أن تبحث بحثاً موضوعياً ؛ لوصل الفريقان إلى الوحدة والتعاون المشترك ، في المنافع والفوائد في النهاية.

٣ ـ الدعوة إلى الحوار :

إذا أراد المسلمون تشكيل قوة متحدة متماسكة ، تستطيع أن تفرض إرادتها وإحترامها ، وترفع راية الإسلام فوق ربوع الأرض ؛ فعليهم أن ينبذوا الخلاف بالحوار الهادف المخلص ، وهذه المهمة يتحمل عِبْأَها العلماء ورواد الفكر السلامي ، فقد قام جماعة منهم بالدعوة إلى الحوار ونبذ الخلاف ،

__________________

(٢٢٣) ـ الأهرام ـ السنة ١٠٣ ـ العدد ٣٢٩٣٢.

(٢٢٤) ـ الشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء (١٢٩٤ هـ ـ ١٣٧٣ هـ) ، من أعلام الشيعة الإمامية ، ومنابع العلم والأدب ودعاة الاصلاح والتقريب بين المذاهب الاسلامية ، من فقهاء العراق.

(٢٢٥) ـ كاشف الغطاء ، الشيخ محمد حسين : أصل الشيعة وأصولها / ٦٦.

١٧٣

وعلى رأسهم العلمان البارزان : السيد عبد الحسين شرف الدين(٢٢٦) ، والشيخ سليم البشري(٢٢٧) .

وقد طَبّق هذا الحوار العلمان المذكوران بروح إتصفت بالنزاهة والطهر ، عَبّر عنها السيد شرف الدين (قده) بقوله : «وما أحسن ما يتعارف به العلماء من الورح النقي ، والقول الرضي ، والخلق النبوي ، ومتى كان العالم بهذا اللباس الأنيق المترف ، كان على خير ونعمة ، وكان ال ناس منه في أمان ورحمة ، لا يأبى أحد أن يفضي إليه بدخيلة رأيه ، أو يبثه ذات نفسه ، ذلك كان علم مصر وإمامها ، وهكذا كانت مجالسنا التي شكرناها شكراً لا إنقضاء له ولا حد»(٢٢٨) .

وقد إستغرق هذا الحوار مائة وإثنتي عشر حلقة ، وكان ذلك في الفترة ما بين ذي القعدة عام ١٣٢٩ هـ ، وجمادي الأولى عام ١٣٣٣ هـ ، وكانت حصيلة هذا الحوار كتب (المراجعات) ، الذي دَوّنه العالم الشيعي السيد عبد الحسين شرف الدين (قده) ، مما جعل لهذا الحوار أثره في العصر الذي جرى فيه والعصور المتأخرة ، بل يعتبر نموذجاً لكل من أراد الحوار الهادف ، وصرخة مدوية في أذن كل سني وشيعي ، أراد الوصول إلى الحقيقة ، أو على الأقل يعرف المذهب الجعفري بحقيقته الناصعة ، ولا يأخذها من كتب وأفواه خصومهم ، الذين لَفّقَوا فيهم التهم والأكاذيب. ومن بين تلك الأكاذيب ، عبادة التربة الحسينية الشريفة ، التي هي موضوع بحثنا.

__________________

(٢٢٦) ـ الشيخ عبد الحسين شرف الدين (١٢٩٠ هـ ـ ١٣٧٧ هـ) من أعلام الشيعة الإمامية ، ومنابع العلم والأدب ودعاة الإصلاح ، والتقريب بين المذاهب الإسلامية ، من فقهاء جبل عامل في لبنان.

(٢٢٧) ـ الشيخ سليم البشري (المالكي) ، ولد في محلة بشر ، بمحافظة البحيرة عام (١٢٤٨ هـ وتوفي عام ١٣٣٥ هـ) تولى مشيخة الأزهر مرتين : الأولى ـ من عام ١٣١٧ هـ إلى عام ١٣٢٠ هـ ، والثانية ـ من عام ١٣٢٧ هـ إلى عام ١٣٣٥ هـ. وفي عهده طبق نظام إمتحان الراغبين في التدريس بالأزهر.

(٢٢٨) ـ شرف الدين ، السيد عبد السحين : المراجعات / ٣٢.

١٧٤

نماذج للحوار في التربة الحسينية

١ ـ السيد الشيرازي مع رجل دين مصري.

٢ ـ السيد سلطان الواعظين مع الشيخ عبد السلام الأفغاني.

٣ ـ الشيخ الأنطاكي مع بعض أعلام السنة.

٤ ـ الدكتور التيجاني مع الشهيد الصدر.

٥ ـ المستر رايلي مع سكرتير وزارة المعارف العراقية.

٦ ـ الأستاذ محمد خير مع خصوم الشيعة.

١٧٥
١٧٦

١ ـ السيد الشيرازي(٢٢٩) مع رجل علم مصري :

قال السيد عبد الله الشيرازي (قده) : «كنت يوماً جالساً في الروضة النبوية المطهرة بعد الفراغ من فريضة الصبح ، قرب المنبر مشغولاً بقراءة القرآن وكان المصحف بيدي ، فجاء رجل شيعي ووقف على يساري وكَبّر للصلاة ، وكان على يميني رجلان من أهل العلم مصريان ـ على الظاهر ـ متكئان على الإسطوانة ، فأدخل المصلي يده في جيبه بعد تكبير الإحرام لإخراج التربة أو الحجر للسجود عليه ، فقال أحدهما للآخر : إنظر إلى هذا العجمي يريد أن يسجد على الحجر. فلما هوى المصلي للسجود بعد ركوعه ، حمل عليه أحدها ليختطف ما في يده ، لكني أمسكت على يده قبل وصولها إلى المصلي ، وقلت : لماذا تبطل صلاة الرجل المسلم ، وهو يصلي مقابل قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم؟

قال : يريد أن يسجد على الحجر. قلت : وأيّ بأس في ذلك؟ وأنا أيضاً أسجد على الحجر.

قال : كيف؟ قلت : هو جعفري ، وهذا هو الصحيح على مذهبنا ، ثم قلت : هل تعرف جعفر بن محمد عليهما السلام؟

قال : نعم. قلت : هو من أهل البيت؟ قال : نعم. قلت : هو رئيس مذهبنا ، ويقول لا يجوز السجود على الفراش أو السجاد ، ويقول : لابد أن يكون السجود على أجزاء الأرض. فسكت قليلاً ، ثم قال : الدين واحد ، والصلاة واحدة. قلت : إذا كان واحداً ، والصلاة واحدة ، فكيف تُصلون

__________________

(٢٢٩) ـ أحد الفقهاء الكبار ، والمراجع العظام ، ولد في شيراز عام ١٣٠٩ هـ ، وهاجر الى النجف الأشرف عام ١٣٣٣ هـ ، حتى أصبح أحد أعلامها ، وفي عام ١٣٩٥ هـ إستقر في مشهد المقدسة ، قائماً بأعباء المرجعية وإدارة حوزتها العلمية ، وتوفي بها عام ١٤٥ هـ ، ودفن بجوار الإمام الرضا (ع).

١٧٧

أنتم السنة في حال القيام على أربعة أشكال من جهة التكتف : فالمالكية يصلون مرسلين الأيدي ، والحنفية يتكتفون ، والشافعية نحو ثالثاً ، والحنبلية نحواً رابعاً ، مع أنّ الدين واحد ، والصلاة التي صلاها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كانت نحواً واحداً؟!

ولقنته الجواب ، وقلت : غير أنكم تقولون إنّ أبا حنفية هكذا قال : والشافعي هكذا ، والمالكي هكذا ، والحنبلي هكذا ، وصوّرت له بيدي صور الحالات الأربع. قال : نعم.

قلت : جعفر بن محمد الصادق عليه السلام رئيس مذهبنا الذي إعترفت بأنّه من أهل البيت أدرى بما في البيت ، لم يكن أقل من أبي حنفية ، ومن هؤلاء علمنا أنّه لابدّ أن يكون السجود على أجزاء الأرض ، ولا يجوز السجود على الصوف والقطن ، وهذا الإختلاف بيننا وبينكم لا يكون إلا مثل الإختلاف بين أنفسكم في كيفية الصلاة من جهة التكتف وغيرها من سائر الإختلاف بينكم في الفروع ولا يرتبط بالأصول ، ولا يكون مربوطاً بالشرك أصلاً. فصدقني الجالسون من أهل السنة ، حتى صاحب هذا الشخص الذي كان جالساً إلى جانبه ، ولما وجدت الجو مناسباً بعد تصديقه كلامي حملت عليه بالكلام الحاد ، وقلت : أما تستحي من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تبطل صلاة رجل مسلم يصلي عند قبره ـ صلوات الله عليه وآله ـ بمقتضى مذهبه ، وهو مذهب أهل البيت صاحب هذا القبر ، الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تهيراً ، ولا يكون قولهم ومذهبهم إلا قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومذهبه.

فحمل الجالسون عليه أيضاً بالكلام الخشن ، واعتذروا مني من إعتقادهم بأنّ السجود على التربة أو الحجر شرك من الشيعة. أقول : لا يكاد ينقضي تعجبي من أنّ علماءهم كيف أشربوا في قلوب عوامهم أنّ الجسود على التربة

١٧٨

الحسنية ، أو الحجر ، أو الخشب من سائر أجزاء الأرض شرك بالله ، مع أنّه في حال السجود يذكرون الله تعالى بالتحميد والعلو ، وكثيراً في حال السجود عليها ، يقولون : لا إله إلا الله ، أليس السجود على الحجر الذي هو جزء ـ من ـ الأرض مثل السجدة على نفس الأرض ، أو السجدة على الفراش ، أو الحصير أو السجاد؟ فإذا سجد على الأرض أو الحصير أو السجاد ، هل يكون ذلك بمعنى أنّه عبدها؟ فليكن السجود على الحجر مثل السجود عليها!

وأعجب من أصل الموضوع أنّ لسان أكثرهم عربي ، وهم أعرف بمعاني اللغة وخصوصيات معاني الألفاظ ، فكيف غفلوا أو تجاهلوا عن الفرق بين السجود عليه ، والسجود له؟ والسجدة على شيء سواء كان أرضاً أو حجراً أو فراشاً يحتاج تحقق العبادة معه إلى شيء آخر يكون هو المعبود ، ولا يكون نفس السجود عليه معبوداً وهل رأى أحد وثنياً أو صنمياً في مقام العبادة يضع الصنم على الأرض ويسجد عليه؟

لا والله ، بل يجعلون الأصنام في مقابلهم ويسجدون على الأرض ويخرّون عليها تخضعاً وتخشعاً لها ، فحينئذ المعبود هل الصنم أو ما سجد عليه من الأرض أو الحجر أو الشيء الذي سجد عليه ووقع تحت جبهته بلا إختيار ولا إلتفات أو معهما؟

فيا ليت كان في البين ثالث عارف باللغة يحكم بين الفريقين ، هل السجود لله على أجزاء الأرض عبادة لها وشرك بالله ، أو يكون مثل السجدة على نفس الأرض والمعبود في كليهما هو الله الواحد؟

وإن كان بحمد الله الحاكم موجوداً وهو اللغة. فنرجو ـ من الله ـ أن يتنبّه العلماء والفضلاء منهم إلى هذه النقطة ، وإن لم يكن تجااهلاً ، وينبّهوا عوامهم

١٧٩

إلى عدم نسبة الشرك إلى الشيعة ، لسجودهم على أجزاء الأرض من التربة الحسينية أو الحجر أو الخشب»(٢٣٠) .

٢ ـ السيد سلطان الواعظين(٢١٣) ، مع الشيخ عبد السلام الأفغاني :

قال السيد سلطان الواعظين (طاب ثراه) : «ولكنا إذا خالفنا العامة في صلاتنا ، بأن سجدنا على طينة يابسة فبدل أن يسألونا عن الدليل والسبب ، يتهمونا بعبادة الأصنام ويسمون تلك الطينة التي نسجد عليها بالصنم ، فلماذا هذا الجهل والجفاء؟! ولماذا هذا التفريق بين المسلمين؟!

قال الشيخ عبد السلام : كما قلتم بأنّ مجلسنا هذا إنما إنعقد للتعارف والتفاهم ، وأنا أشهد الله سبحانه بأنّي لم أقصد الإساءة إليكم والتجاسر عليكم ، فإذا صدر مني ما يسوء فسببه عدم إطلاعنا على مذهبكم وعدم مطالعتنا لكتبكم ، فما كنا نعرفكم حق المعرفة ، لأنّا ما عاشرناكم ولا جالسناكم ، وانما سمعنا وصفكم من لسان غيركم وتلقيناها بالقبول من دون تحقيق ، فإلتبست علينا كثير من الحقائق ، ومع تكرار الإعتذار أرجوكم أن تُبينوا لنا سبب سجودكم على الطينة اليابسة؟

قلت : أشكر شعوركم الطيب ، وبيانكم الحلو العذب ، وأشكركم على هذا الإستفهام ؛ لأنّ السؤال والإستفهام أجمل طريقة وأعقل وسيلة لإزاحة أي شبهة وابهام.

__________________

(٢٣٠) ـ الشيرازي ، السيد عبد الله : الإحتجاجات العشرة / ٥٥ ـ ٥٩.

(٢٣١) ـ السيد محمد الموسوي الشيرازي ، المعروف بسلطان الواعظين ، كان من العلماء العاملين ، والخطباء البارعين ، ولد في طهران عام ١٣١٤ هـ. وأخذ المقدمات والأوليات على أساتذتها ، وفي عام ١٣٢٦ هـ. هاجر إلى كربلاء مع والده وحضر على أعلام حوزتها ، حتى برع وكمل في كربلاء ، ثم إتصل بالزعيم الشيخ عبد الكريم الحائري في قم وحضر دروسه ، وتوفي يوم الإثنين ٢٠ شعبان عام ١٣٩١ هـ.

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290