لواعج الاشجان في مقتل الحسين عليه السلام

لواعج الاشجان في مقتل الحسين عليه السلام0%

لواعج الاشجان في مقتل الحسين عليه السلام مؤلف:
المحقق: السيد حسن الأمين
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 198

لواعج الاشجان في مقتل الحسين عليه السلام

مؤلف: السيّد محسن الأمين العاملي
المحقق: السيد حسن الأمين
تصنيف:

الصفحات: 198
المشاهدات: 12643
تحميل: 3278

توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 198 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 12643 / تحميل: 3278
الحجم الحجم الحجم
لواعج الاشجان في مقتل الحسين عليه السلام

لواعج الاشجان في مقتل الحسين عليه السلام

مؤلف:
العربية

للمرأة والسجاعة ان لي عن السجاعة لشغلا ولكن صدري نفث بما قلت ، ولنعم ما قال الشاعر :

تصان بنت الدعي في كلل المل

ك وبنت الرسول تبتذل

يرجى رضى المصطفى فواعجبا

تقتل أولاده ويحتمل

وعرض عليه علي بن الحسينعليهما‌السلام ، فقال : من أنت؟ فقال : أنا علي بن الحسين ، فقال : أليس قد قتل الله عليا بن الحسين. فقال له علي : قد كان لي أخ يسمى عليا قتله الناس ، فقال : بل الله قتله ، فقال علي بن الحسين : الله يتوفى الأنفس حين موتها ، فغضب ابن زياد وقال : وبك جرأة لجوابي وفيك بقية للرد علي اذهبوا به فاضربوا عنقه ، فتعلقت به عمته زينب وقالت : يا ابن زياد حسبك من دمائنا واعتنقته وقالت : لا والله لا أفارقه فان قتلته فاقتلني معه ، فنظر ابن زياد اليها وإليه ساعة ثم قال : عجبا للرحم والله اني لأظنها ودت أني قتلتها قتلها معه دعوه فاني أراه لما به(١) .

وفي رواية ان عليا بن الحسينعليهما‌السلام قال لعمته : اسكتي يا عمه حتى أكلمه ، ثم اقبل عليه فقال : أبا لقتل تهددني يا ابن زياد أما علمت ان القتل لنا عادة وكرامتنا الشهادة ، ثم امر ابن زياد بعلي بن الحسينعليه‌السلام وأهل بيته فحملوا الى دار بجنب المسجد الأعظم ، فقالت زينب بنت عليعليهما‌السلام : لا تدخلن علينا عربية الا أم ولد أو مملوكة فانهن سبين كما سبينا.

قال ابن الأثير : قال بعض حجاب ابن زياد : دخلت معه القصر حين قتل الحسينعليه‌السلام فاضطرم في وجهه نارا ، فقال بكمه هكذا على وجهه وقال : لا تحدثن بهذا أحدا. ثم ان ابن زياد قام من مجلسه ودخل المسجد فصعد المنبر فقال : الحمد لله الذي أظهر الحق وأهله ونصر أمير المؤمنين يزيد وحزبه وقتل الكذاب ابن الكذاب وشيعته ، فما زاد على هذا الكلام شيئا

__________________

(١) أي هو شديد المرض (منه).

١٦١

حتى قام اليه عبد الله بن عفيف الأزدي وكان من خيار الشيعة وزهادها ، وكانت عينه اليسرى ذهبت في يوم الجمل والأخرى في يوم صفين ، وكان يلازم المسجد الأعظم يصلي فيه الى الليل ثم ينصرف ، فقال : يا ابن مرجانة ان الكذب ابن الكذاب أنت وأبوك ومن استعملك وأبوه يا عدو الله ، اتقتلون أبناء النبيين وتتكلمون بهذا الكلام على منابر المسلمين ، فغضب ابن زياد وقال : من هذا المتكلم فقال : أنا المتكلم يا عدو الله أتقتل الذرية الطاهرة التي قد اذهب الله عنها الرجس وطهرهم تطهيرا وتزعم انك على دين الاسلام ، وا غوثاه أين أولاد المهاجرين والأنصار ينتقمون منك ومن طاغيتك اللعين ابن اللعين على لسان محمد رسول رب العالمين ، فازداد غضب ابن زياد حتى انتفخت أوداجه وقال : عليّ به ، فتبادرت اليه الجلاوزة من كل ناحية ليأخذوه ، فنادى بشعار الأزد يا مبرور وفي الكوفة يومئذ من الأزد سبعمائة مقاتل فاجتمعوا وانتزعوه من الجلاوزة ، وقيل وثب اليه فتيان منهم ، وقيل قامت الأشراف من الأزد من بني عمه فخلصوه منهم وأخرجوه من باب المسجد وانطلقوا به الى منزله ، فقال ابن زياد : اذهبوا الى هذا الأعمى أعمى الأزد أعمى الله قلبه كما أعمى عينيه فأتوني به ، فلما بلغ ذلك الأزد اجتمعوا واجتمعت معهم قبائل اليمن ليمنعوا صاحبهم ، وبلغ ذلك ابن زياد فجمع قبائل مضر وضمهم الى محمد بن الأشعث وأمره بقتال القوم ، فاقتتلوا قتالا شديدا حتى قتل بينهم جماعة من العرب ووصل أصحاب ابن زياد الى دار عبد الله بن عفيف فكسروا الباب واقتحموا عليه ، فصاحت ابنته أتاك القوم من حيث تحذر ، فقال : لا عليك ناوليني سيفي فناولته إياه فجعل يذب عن نفسه ويقول :

أنا ابن ذي الفضل عفيف الطاهر

عفيف شيخي وابن أم عامر

كم دارع من قومكم وحاسر

وبطل جدلته مغاور

١٦٢

وجعلت ابنته تقول : يا أبت ليتني كنت رجلا أخاصم بين يديك اليوم هؤلاء الفجرة قاتلي العترة البررة ، وجعل القوم يدورون عليه من كل جهة وهو يذب عن نفسه فليس يقدم عليه أحد ، وكلما جاؤوه من جهة قالت ابنته : يا أبه جاؤوك من جهة كذا حتى تكاثروا عليه وأحاطوا به ، فقالت ابنته : وا ذلاه يحاط بأبي وليس له ناصر يستعين به ، فجعل يدير سيفه ويقول :

أقسم لو يفسح لي عن بصري

ضاق عليكم موردي ومصدري

قال : فما زالوا به حتى أخذوه ثم حمل فأدخل على ابن زياد ، فلما رآه قال : الحمد لله الذي أخزاك ، فقال له عبد الله : يا عدو الله وبماذا أخزاني.

والله لو فرج لي عن بصري

ضاق عليكم موردي ومصدري

فقال له ابن زياد : يا عدو الله ما تقول في عثمان بن عفان؟ قال : يا عبد بني علاج يا ابن مرجانة وشتمه ما أنت وعثمان اساء أم أحسن وأصلح أم أفسد والله تبارك وتعالى ولي خلقه يقضي بينهم وبين عثمان بالعدل والحق ، ولكن سلني عن أبيك وعنك وعن يزيد وأبيه ، فقال ابن زياد : والله لا أسألك عن شيء أو تذوق الموت غصة بعد غصة ، فقال عبد الله بن عفيف : الحمد لله رب العالمين أما اني قد كنت أسأل الله ربي ان يرزقني الشهادة من قبل ان تلدك أمك ، وسألت الله ان يجعل ذلك على يد ألعن خلقه وابغضهم اليه ، فلما كف بصري يئست من الشهادة الى الآن ، فالحمد لله الذي رزقنيها بعد اليأس منها وعرفني الإجابة منه في قديم دعائي ، فقال ابن زياد : اضربوا عنقه فضربت عنقه وصلب في السبخة.

ثم دعا ابن زياد بجندب بن عبد الله الأزدي وكان شيخا فقال : يا عدو الله ألست صاحب أبي تراب؟ قال : بلى لا أعتذر منه ، قال : ما أراني الا

١٦٣

متقربا الى الله بدمك ، قال : إذن لا يقربك الله منه بل يباعدك ، قال : شيخ قد ذهب عقله وخلى سبيله.

ولما أصبح ابن زياد أمر برأس الحسينعليه‌السلام فطيف به في سكك الكوفة كلها وقبائلها ، فروي عن زيد بن أرقم انه قال : مر به علي وهو على رمح وأنا في غرفة لي ، فلما حاذاني سمعته يقرأ :( أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً ) (١) فوقف والله شعري وناديت رأسك والله يا ابن رسول الله أعجب وأعجب. ولما فرغ القوم من التطواف به في الكوفة ردوه الى باب القصر ويحق التمثل هنا بقول بعض الشعراء يرثي قتيلا من آل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

رأس ابن بنت محمد ووصيه

للناظرين على قناة يرفع

والمسلمون بمنظر وبمسمع

لا منكر منهم ولا متفجع

كحلت بمنظرك العيون عماية

واصم رزؤك كل اذن تسمع

ايقظت أجفانا وكنت لها كرى

وأنمت عينا لم تكن بك تهجع

ما روضة الا تمنت انها

لك حفرة ولخط قبرك مضجع

ثم ان ابن زياد نصب الرؤوس كلها بالكوفة على الخشب وهي أول رؤوس نصبت في الاسلام بعد رأس مسلم بن عقيل بالكوفة. (وكتب) ابن زياد الى يزيد يخبره بقتل الحسينعليه‌السلام وخبر أهل بيته ، وتقدم الى عبد الملك بن الحارث السلمي فقال : انطلق حتى تأتي عمرو بن سعيد بن العاص بالمدينة (وكان أميرا عليها وهو من بني أمية) فتبشره بقتل الحسينعليه‌السلام ، وقال : لا يسبقنك الخبر اليه ، قال عبد الملك : فركبت راحلتي وسرت نحو المدينة فلقيني رجل من قريش ، فقال : ما الخبر؟ قلت : الخبر عند الأمير تسمعه ، قال : انا لله وانا إليه راجعون قتل والله

__________________

(١) سورة الكهف ، الآية : ٦.

١٦٤

الحسين ، ولما دخلت على عمرو بن سعيد قال : ما وراءك؟ فقلت : ما يسر الأمير قتل الحسين بن علي ، فقال : اخرج فناد بقتله ، فناديت فلم اسمع واعية قط مثل واعية بني هاشم في دورهم على الحسين بن علي حين سمعوا النداء بقتله ، فدخلت على عمرو بن سعيد فلما رآني تبسم الي ضاحكا ثم تمثل بقول عمرو بن معد يكرب الزبيدي ، وقيل انه لما سمع أصوات نساء بني هاشم ضحك وتمثل بذلك فقال :

عجّت نساء بني زياد عجة

كعجيج نسوتنا غداة الأرنب(١)

ثم قال عمرو هذه واعية بواعية عثمان ، ثم صعد المنبر وخطب الناس واعلمهم قتل الحسينعليه‌السلام ، وقال في خطبته : انها لدمة بلدمة وصدمة بصدمة كم خطبة بعد خطبة وموعظة بعد موعظة حكمة بالغة فما تغني النذر ، والله لوددت ان رأسه في بدنه وروحه في جسده ، أحيانا كان يسبنا ونمدحه ويقطعنا ونصله كعادتنا وعادته ولم يكن من أمره ما كان ، ولكن كيف نصنع بمن سلّ سيفه يريد قتلنا إلا ان ندفعه عن أنفسنا فقام عبد الله بن السائب فقال : لو كانت فاطمة حية فزأت رأس الحسينعليه‌السلام لبكت عليه ، فجبهه عمرو بن سعيد وقال : نحن أحق بفاطمة منك أبوها عمنا وزوجها أخونا وابنها ابننا ، لو كانت فاطمة حية لبكت عينها وحرت كبدها وما لامت من قتله ودفعه عن نفسه.

وخرجت أم لقمان بنت عقيل بن أبي طالب حين سمعت نعي الحسينعليه‌السلام حاسرة ومعها اخواتها أم هاني واسماء ورملة وزينب بنات عقيل بن أبي طالب تبكي قتلاها بالطف وهي تقول :

ماذا تقولون ان قال النبي لكم

ماذا فعلتم وأنتم آخر الأمم

بعترتي وبأهلي بعد مفتقدي

منهم أسارى وقتلى ضرجوا بدم

__________________

(١) الأرنب : وقعة كانت لبني زبيدة على بني زياد من بني الحارث بن كعب (منه).

١٦٥

ما كان هذا جزائي إذ نصحت لكم

ان تخلفوني بسوء في ذوي رحمي

فلما كان الليل من ذلك اليوم الذي خطب فيه عمرو بن سعيد سمع أهل المدينة في جوف الليل مناديا ينادي يسمعون صوته ولا يرون شخصه :

ايها القاتلون جهلا حسينا

ابشروا بالعذاب والتنكيل

كل أهل السماء يدعو عليكم

من نبي وملائك وقبيل

قد لعنتم على لسان ابن داو

د وموسى وصاحب الإنجيل

رواه الطبري وغيره.

ودخل بعض موالي عبد الله بن جعفر فنعى اليه ابنيه عونا وجعفرا فاسترجع ، وجعل الناس يعزونه فقال مولى له يسمى أبو السلاسل : هذا ما لقينا من الحسين ، فحذفه عبد الله بن جعفر بنعله ثم قال : يا ابن اللخناء اللحسين تقول هذا ، والله لو شهدته لا حببت ان لا أفارقه حتى اقتل معه ، والله انه لمما يسخي نفسي عنهما ويهون عليّ المصاب بهما انهما أصيبا مع أخي وابن عمي مواسيين له صابرين معه. ثم اقبل على جلسائه فقال : الحمد الله عز علي مصرع الحسين ان لا أكن آسيت حسينا بيدي فقد آساه ولداي (ولدي خ ل).

وقال شهر بن حوشب : بينما أنا عند أم سلمة إذ دخلت صارخة تصرخ وقالت : قتل الحسينعليه‌السلام ، قالت أم سلمة : فعلوها ملأ الله قبورهم نارا ووقعت مغشيا عليها.

وأما يزيد فانه لما وصله كتاب ابن زياد اجابه عليه يأمره بحمل رأس الحسينعليه‌السلام ورؤوس من قتل معه وحمل أثقاله ونسائه وعياله فأرسل ابن زياد الرؤوس مع زجر بن قيس وانفذ معه ابا بردة بن عوف الأزدي وطارق بن أبي ظبيان في جماعة من أهل الكوفة الى يزيد ، ثم أمر ابن زياد بنساء

١٦٦

الحسينعليه‌السلام وصبيانه فجهزوا ، وأمر بعلي بن الحسينعليهما‌السلام فغل بغلّ الى عنقه ، وفي رواية في يديه ورقبته ، ثم سرح بهم في أثر الرؤوس مع محفر(١) بن ثعلبة العائذي وشمر بن ذي الجوشن وحملهم على الأقتاب ، وساروا بهم كما يسار بسبايا الكفار فانطلقوا بهم حتى لحقوا بالقوم الذين معهم الرؤوس ، فلم يكلم علي بن الحسينعليه‌السلام أحدا منهم في الطريق بكلمة حتى بلغوا الشام ، فلما انتهوا الى باب يزيد رفع محفر بن ثعلبة صوته فقال : هذا محفر بن ثعلبة أتى أمير المؤمنين باللئام الفجرة ، فأجابه علي بن الحسينعليهما‌السلام ما ولدت أم محفر أشر والأم وعن الزهري انه لما جاءت الرؤوس كان يزيد في منظرة على جيرون فأنشد لنفسه :

لما بدت تلك الحمول وأشرقت

تلك الشموس على ربى جيرون

نعب الغراب فقلت صح أو لا تصح(٢)

فلقد قضيت من الغريم ديوني

ولما قربوا من دمشق دنت أم كلثوم من شمر فقالت له : لي إليك حاجة ، فقال : ما حاجتك؟ قالت : إذا دخلت بنا البلد فاحملنا في درب قليل النظارة وتقدم اليهم ان يخرجوا هذه الرؤوس من بين المحامل وينحونا عنها فقد خزينا من كثرة النظر الينا ونحن في هذه الحال ، فأمر في جواب سؤالها ان تجعل الرؤوس على الرماح في أوساط المحامل بغيا منه وكفرا ، وسلك بهم بين النظارة على تلك الصفة حتى أتى بهم باب دمشق ، فوفقوا على درج باب المسجد الجامع حيث يقام السبي ، وجاء شيخ فدنا من نساء الحسينعليه‌السلام وعياله وقال : الحمد لله الذي أهلككم وقتلكم وأراح البلاد من رجالكم وأمكن أمير المؤمنين منكم ، فقال له علي بن الحسين : يا شيخ هل قرأت القرآن؟ قال : نعم ، قال : فهل عرفت هذه الآية :( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ

__________________

(١) بضم الميم وفتح الحاء المهملة وتشديد الفاء المكسورة وآخره راء ، كذا في الكامل لابن الأثير (منه).

(٢) نح أو لا تنح (منه).

١٦٧

عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) (١) قال : قد قرأت ذلك ، فقال له علي : فنحن القربى يا شيخ ، فهل قرأت في بني اسرائيل( وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ ) (٢) فقال : قد قرأت ذلك ، فقال علي : فنحن القربى يا شيخ ، فهل قرأت هذه الآية( وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى ) (٣) قال نعم ، فقال له علي : فنحن القربى يا شيخ ، ولكن هل قرأت( إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (٤) قال: قد قرأت ذلك ، فقال علي : فنحن أهل البيت الذين اختصنا الله بآية الطهارة يا شيخ ، قال : فبقي الشيخ ساكتا نادما على ما تكلم به وقال : بالله إنكم هم؟ فقال علي بن الحسينعليهما‌السلام : تالله انا لنحن هم من غير شك وحق جدنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انا لنحن هم ، فبكى الشيخ ورمى عمامته ثم رفع رأسه الى السماء وقال : اللهم اني ابرأ اليك من عدو آل محمد من جن وانس ، ثم قال : هل لي من توبة؟ فقال له : نعم ان تبت تاب الله عليك وأنت معنا ، فقال : أنا تائب ، فبلغ يزيد بن معاوية حديث الشيخ فأمر به فقتل.

وعن سهل بن سعد انه قال : خرجت الى بيت المقدس حتى توسطت الشام فإذا أنا بمدينة مطردة الأنهار كثيرة الأشجار وقد علقوا الستور والحجب والديباج ، وهم فرحون مستبشرون وعندهم نساء يلعبن بالدفوف والطبول ، فقلت في نفسي : ترى لأهل الشام عيدا لا نعرفه نحن ، فرأيت قوما يتحدثون فقلت : يا قوم لكم بالشام عيدا لا نعرفه نحن ، قالوا : يا شيخ نراك غريبا ظ فقلت : أنا سهل بن سعد قد رأيت محمداصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قالوا : يا سهل ما أعجبك السماء لا تمطر دما والأرض لا تخسف بأهلها ، قلت : ولم

__________________

(١) سورة الشورى ، الآية : ٢٣.

(٢) سورة الإسراء ، الآية : ٢٦.

(٣) سورة الأنفال ، الآية : ٤١.

(٤) سورة الأحزاب ، الآية : ٣٣.

١٦٨

ذاك؟ قالوا : هذا رأس الحسين عترة محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأهله يهدى من أرض العراق ، فقلت : وا عجبا يهدى رأس الحسينعليه‌السلام والناس يفرحون ، قلت : من أي باب يدخل ، فأشاروا الى باب يقال له باب الساعات ، فبينا أنا كذلك حتى رأيت الرايات يتلو بعضها بعضا ، فإذا نحن بفارس بيده لواء منزوع السنان عليه رأس من أشبه الناس وجها برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فإذا من ورائه نسوة على جمال بغير وطاء ، فدنوت من أولهن فقلت : يا جارية من أنت؟ فقالت : أنا سكينة بنت الحسين ، فقلت لها : ألك حاجة الي فأنا سهل بن سعد ممن رأى جدك وسمعت حديثه ، قالت : يا سهل قل لصاحب هذا الرأس ان يقدم الرأس امامنا حتى يشتغل الناس بالنظر اليه ولا ينظروا الى حرم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال سهل : فدنوت من صاحب الرأس فقلت له : هل لك ان تقضي حاجتي وتأخذ مني أربعمائة دينار ، قال : ما هي؟ قلت : تقدم الرأس أمام الحرم ففعل ذلك ودفعت اليه ما وعدته.

وروي ان بعض فضلاء التابعين وهو خالد بن معدان لما شاهد رأس الحسينعليه‌السلام بالشام أخفى نفسه شهرا من جميع أصحابه ، فلما وجدوه بعد إذ فقدوه سألوه عن سبب ذلك فقال : ألا ترون ما نزل بنا ، ثم أنشأ يقول :

جاؤوا برأسك يا ابن بنت محمد

مترملا بدمائه ترميلا

وكأنما بك يا ابن بنت محمد

قتلوا جهارا عامدين رسولا

قتلوك عطشانا ولما يرقبوا

في قتلك التأويل والتنزيلا

ويكبرون بان قتلت وإنما

قتلوا بك التكبير والتهليلا

ثم ادخل ثقل الحسينعليه‌السلام ونساؤه ومن تخلف من أهله على يزيد وهم مقرنون في الحبال وزين العابدينعليه‌السلام مغلول ، فلما وقفوا بين يديه وهم على تلك الحال قال له علي بن الحسينعليه‌السلام : أنشدك الله يا يزيد ما ظنك برسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لو رآنا على هذه الصفة ، فلم يبق في القوم أحد إلا

١٦٩

وبكى ، فأمر يزيد بالحبال فقطعت وأمر بفك الغل عن زين العابدينعليه‌السلام .

ثم وضع رأس الحسينعليه‌السلام بين يديه وأجلس النساء خلفه لئلا ينظرن فاليه. وفي رواية انه لما ادخل نساء الحسينعليه‌السلام على يزيد والرأس بين يديه جعلت فاطمة وسكينة يتطاولان لينظران الى الرأس وجعل يزيد يتطاول ليستر عنهما الرأس ، فلما رأين الرأس صحن فصاح نساء يزيد وولولت بنات معاوية ، فقالت فاطمة بنت الحسينعليه‌السلام : أبنات رسول الله سبايا يا يزيد ، فبكى الناس وبكى أهل داره حتى علت الأصوات ورآه علي بن الحسينعليهما‌السلام فلم يأكل الرؤوس بعد ذلك أبدا.

واما زينبعليها‌السلام فانها لما رأته أهوت الى جيبها فشقته ، ثم نادت بصوت حزين يقرح القلوب يا حسيناه يا حبيب رسول الله ، يا ابن مكة ومنى يا ابن فاطمة الزهراء سيدة النساء يا ابن بنت المصطفى ، فأبكت والله كل من كان حاضرا في المجلس ويزيد ساكت. ثم جعلت امرأة من بني هاشم كانت في دار يزيد تندب الحسينعليه‌السلام وتنادي يا حبيباه يا سيد أهل بيتاه يا ابن محمداه يا ربيع الأرامل واليتامى يا قتيل أولاد الأدعياء ، فأبكت كل من سمعها ، وكان في السبايا الرباب بنت امرىء القيس زوجة الحسينعليه‌السلام وهي أم سكينة بنت الحسينعليه‌السلام وهي التي يقول فيها الحسينعليه‌السلام :

لعمرك انني لأحب دارا

تحل بها سكينة والرباب

احبهما وابذل فوق جهدي

وليس لعاذل عندي عتاب

ولست لهم وان عتبوا مطيعا

حياتي أو يغيبني التراب

فقيل ان الرباب أخذت الرأس ووضعته في حجرها وفبلته وقالت :

وا حسينا فلا نسيت حسينا

اقصدته أسنة الأعداء

غادروه بكربلاء صريعا

لا سقى الله جانبي كربلاء

١٧٠

والرباب هذه بعد رجوعها الى المدينة خطبها الأشراف من قريش فقالت : والله لا كان لي حمو بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وعاشت بعد الحسينعليه‌السلام سنة ثم ماتت كمدا على الحسينعليه‌السلام ولم تستظل بعده بسقف.

ولما وضعت الرؤوس بين يدي يزيد وفيها رأس الحسينعليه‌السلام جعل يتمثل بقول الحصين بن الحمام المري.

صبرنا وكان الصبر منا سجية

بأسيافنا تفريق هاما ومعصما

أبى قومنا ان ينصفونا فانصفت

قواضب في ايماننا تقطر الدما

نفلق(١) هاما من رجال اعزة

علينا(٢) وهم كانوا اعق وأظلما

ودعا بقضيب خيزران ، وجعل ينكت به ثنايا الحسينعليه‌السلام ، ثم قال : يوم بيوم بدر ، وكان عنده أبو برزة الأسلمي فقال : ويحك يا يزيد اتنكت بقضيبك ثغر الحسين ابن فاطمة ، أشهد لقد رأيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يرشف ثناياه وثنايا أخيه الحسن ويقول : أنتما سيدا شباب أهل الجنة فقتل الله قاتلكما ولعنه وأعد له جهنم وساءت مصيرا ، فغضب يزيد وأمر باخراجه فاخرج سحبا وفي رواية انه قال : أما انك يا يزيد تجيء يوم القيامة وابن زياد شفعيك ويجيء هذا ومحمد شفيعه ، ثم قام فولى.

وقال : يحيى بن الحكم أخو مروان بن الحكم وكان جالسا مع يزيد :

لهام بجنب(٣) الطف أدنى قرابة

من ابن زياد العبد ذي الحسب الوغل(٤)

سمية أضحى نسلها عدد الحصى

وبنت رسول الله ليس لها نسل

__________________

(١) يفلقن خ ل.

(٢) أحبة الينا خ ل.

(٣) بأدنى خ ل.

(٤) الرذل.

١٧١

فضرب يزيد في صدره وقال : اسكت وفي رواية ، انه اسرّ اليه وقال : سبحان الله أفي هذا الموضع ما يسعك السكوت.

وكان يحيى قد سأل أهل الكوفة الذين جاؤوا بالسبايا والرؤوس ما صنعتم فأخبروه ، فقال : حجبتم عن محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم القيامة لن أجامعكم على أمر أبدا.

وفي رواية ان يزيد دعا أشراف أهل الشام فأجلسهم حوله ، ثم دعا بعلي بن الحسين وصبيان الحسين ونسائه فادخلوا عليه والناس ينظرون ، ثم قال يزيد لعلي بن الحسينعليهما‌السلام : يا ابن الحسين أبوك قطع رحمي وجهل حقي ونازعني سلطاني فصنع الله به ما قد رأيت ، فقال علي بن الحسينعليهما‌السلام :( ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ* لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ ) (١) فقال يزيد لابنه خالد : أردد عليه فلم يدر خالد ما يرد عليه ، فقال له يزيد :( ما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ ) (٢) فقال علي بن الحسينعليه‌السلام يا ابن معاوية وهند وصخر لم تزل النبوة والأمرة لآبائي وأجدادي من قبل ان تولد ، ولقد كان جدي علي بن أبي طالب في يوم بدر وأحد والأحزاب في يده راية رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبوك وجدك في أيديهما رايات الكفار. ثم قال علي بن الحسينعليه‌السلام : ويلك يا يزيد انك لو تدري ماذا صنعت وما الذي ارتكبت من أبي وأهل بيتي وأخي وعمومتي ، إذا لهربت في الجبال وافترشت الرماد ودعوت بالويل والثبور ان يكون رأس أبي الحسين ابن فاطمة وعلي منصوبا على باب مدينتكم وهو وديعة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيكم ، فابشر بالخزي

__________________

(١) سورة الحديد ، الآية : ٢٢ ـ ٢٣.

(٢) سورة الشورى ، الآية : ٣٠.

١٧٢

والندامة إذا اجتمع الناس ليوم القيامة.

وفي رواية انه لما أنشد يزيد الأبيات السابقة قال له علي بن الحسينعليهما‌السلام : بل ما قال الله أولى( ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها ) (١) فقال يزيد :( ما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ ) وجعل يزيد يتمثل بأبيات ابن الزبعري وزاد يزيد فيها البيتين الأخيرين(٢) .

ليت أشياخي ببدر شهدوا

جزع الخزرج من وقع الأسل

فأهلوا واستهلوا فرحا

ثم قالوا يا يزيد لا تشل

قد قتلنا القرم من ساداتهم

وعدلناه(٣) ببدر فاعتدل

(فجزيناهم ببدر مثلها

واقمنا ميل بدر فاعتدل خ ل)

لعبت هاشم بالملك فلا

خبر جاء ولا وحي نزل

لست من خندف(٤) ان لم انتقم

من بني أحمد ما كان فعل

«فقامت» زينب بنت عليعليه‌السلام فقالت(٥) :

خطبة زينبعليها‌السلام بالشام

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على رسوله وآله أجمعين(٦) صدق الله (سبحانه خ ل) كذلك حيث يقول :( ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا السُّواى أَنْ

__________________

(١) سورة الحديد ، الآية : ٢٢.

(٢) كذا رواه سبط بن الجوزي عن الشعبي وينبغي ان يكون زاد فيها البيت الثاني أيضا ولكنه غير مذكور في رواية الجوزي (منه).

(٣) وعدلنا ميل بدر خ ل.

(٤) عتبة خ ل.

(٥) هذه رواية السيد ابن طاوس ، ورواها الطبرسي في الاحتجاج بتفاوت كثير أشرنا إليه في الهامش (منه).

(٦) على جدي رسول الله سيد المرسلين خ ل.

١٧٣

كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ وَكانُوا بِها يَسْتَهْزِؤُنَ ) (١) أظننت يا يزيد حيث (حين خ ل) أخذت علينا أقطار الأرض وآفاق(٢) السماء فأصبحنا نساق كما يساق الاماء(٣) ان بنا هوانا على الله وبك عليه كرامة(٤) وان ذلك لعظم خطرك(٥) عنده ، فشمخت بأنفك ونظرت في عطفك(٦) جذلان مسرورا حيث رأيت الدنيا لك مستوسقة والأمور(٧) متسقة وحين صفا لك ملكنا وسلطاننا(٨) ، فمهلا مهلا (لا تطش جهلا خ) أنسيت قول الله تعالى :( وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ ) (٩) أمن العدل يا ابن الطلقاء تخديرك حرائرك واماءك وسوقك بنات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سبايا قد هتكت ستورهن وأبديت وجوههن تحدو بهن الأعداء من بلد إلى بلد ويستشرفهن أهل المناهل والمناقل(١٠) ويتصفح وجوههن القريب والبعيد(١١) والدني والشريف ، ليس معهن من حماتهن حمي ولا من رجالهن ولي(١٢) ، وكيف ترتجي مراقبة ابن من لفظ(١٣) فوه

__________________

(١) سورة الروم ، الآية : ١٠.

(٢) وضيقت علينا آفاق خ ل.

(٣) فأصبحنا لك في أسار نساق إليك سوقا في قطار وانت علينا ذو اقتدار خ ل.

(٤) ان بنا من الله هوانا وعليك منه كرامة وامتنانا خ ل.

(٥) وجلالة قدرك خ.

(٦) تضرب اصدريك فرحا وتنفض مذرويك مرحا حين رأيت خ ل.

(٧) لديك خ ل.

(٨) وخلص لك سلطاننا خ ل.

(٩) سورة آل عمران ، الآية : ١٧٨.

(١٠) ويستشرفهن أهل المناقل ويبرزن لأهل المناهل خ ل.

(١١) والغائب والشهيد والشريف والوضيع والدني والرفيع خ ل.

(١٢) وليس معهن من رجالهن ولي ولا من حماتهن حميم عتوا منك على الله وجحودا لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ودفعا لما جاء به من عند الله ، ولا غرو منك ولا عجب من فعلك خ ل.

(١٣) وانى يرتجى من لفظ خ ل.

١٧٤

أكباد الأزكياء(١) ونبت لحمه بدماء الشهداء(٢) ، وكيف يستبطىء(٣) في بغضنا أهل البيت من نظر إلينا بالشنف والشنآن والاحن والأضغان(٤) ، ثم تقول غير متأثم(٥) ولا مستعظم :

لأهلوا واستهلوا فرحا

ثم قالوا يا يزيد لا تشل

منحنيا على ثنابا أبي عبد الله(٦) سيد شباب أهل الجنة تنكتها بمخصرتك(٧) ، وكيف لا تقول ذلك وقد(٨) نكأت القرحة واستأصلت الشأفة باراقتك دماء ذرية محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ونجوم الأرض من آل عبد المطلب(٩) ، وتهتف بأشيخاك زعمت انك تناديهم فلتردن وشيكا موردهم ولتودن انك شللت وبكمت ولم تكن قلت ما قلت وفعلت ما فعلت(١٠) ، اللهم خذ لنا

__________________

(١) الشهداء خ ل.

(٢) السعداء خ ل ونصب الحرب لسيد الأنبياء وجمع الأحزاب وشهر الحراب وهز السيوف في وجه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أشد العرب لله جحودا وانكرهم له رسولا وأظهرهم له عدوانا واعتاهم على الرب كفرا وطغيانا ، الا انها نتيجة خلال الكفر وضب يجرجر في الصدر لقتلى يوم بدر (خ). الضب : الحقد الكامن في الصدر (منه).

(٣) فلا يستبطىء خ ل.

(٤) من كان نظره الينا شنفا وشنآنا واحنا وأضغانا يظهر كفره برسوله ويفصح ذلك بلسانه وهو يقول فرحا بقتل ولده وسبي ذريته خ ل.

(٥) متحوب خ ل.

(٦) ومكان مقبل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خ ل.

(٧) ينكتها بمخصرته قد التمع السرور بوجهه خ ل.

(٨) لعمري لقد خ ل.

(٩) باراقتك دم سيد شباب أهل الجنة وابن يعسوب العرب وشمس آل عبد المطلب خ ل.

(١٠) وهتفت بأشياخك وتقربت بدمه الى الكفرة من أسلافك ثم صرحت بذلك ، ولعمري لقد ناديتهم لو شهدوك ووشيكا تشهدهم ولن يشهدوك ، ولتودن يمينك كما زعمت شلت بك عن مرفقها وجذت وأحببت أمك لم تحملك وأباك لم يلدك حين تصير الى سخط الله ويخاصمك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خ ل.

١٧٥

بحقنا وانتقم ممن ظلمنا واحلل غضبك بمن(١) سفك دماءنا(٢) وقتل حماتنا(٣) ، فو الله ما فريت(٤) الا جلدك ولا حززت الا لحمك ، ولتردن(٥) على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بما تحملت من سفك دماء ذريته(٦) وانتهكت من حرمته في عترته ولحمته(٧) ، حيث يجمع الله شملهم ويلم شعثهم ويأخذ بحقهم(٨) ( وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ) (٩) (١٠) وحسبك بالله حاكما(١١) وبمحمد(١٢) خصيما وبجبرائيل ظهيرا ، وسيعلم من سول لك(١٣) ومكنك من رقاب المسلمين بئس(١٤) للظالمين بدلا وايكم شر مكانا وأضعف جندا(١٥) ولئن جرت علي الوادهي مخاطبتك ، اني لا ستصغر قدرك واستعظم تقريعك واستكبر توبيخك لكن العيون عبرى والصدور حرى(١٦) ، الا فالعجب كل العجب لقتل حزب الله

__________________

(١) على من خ ل.

(٢) ونقض ذمامنا خ ل.

(٣) وهتك عنا سدولنا خ ل.

(٤) وفعلت فعلتك التي فعلت وما فريت خ ل.

(٥) وسترد خ ل.

(٦) من ذريته خ ل.

(٧) وسفكت من دماء عترته ولحمته خ ل.

(٨) حيث يجمع به شملهم ويلم به شعثهم وينتقم من ظالمهم ويأخذ لهم بحقهم من اعدائهم ، فلا يستفزنك الفرح بقتله خ ل.

(٩) فرحين بما أتاهم الله من فضله خ ل.

(١٠) سورة آل عمران ، الآية : ١٦٩.

(١١) وليا وحاكما خ ل.

(١٢) وبرسول الله خ ل.

(١٣) بوأك خ ل.

(١٤) أن بئس خ ل.

(١٥) واضل سبيلا خ ل.

(١٦) وما استصغاري قدرك ولا استعظامي تقريعك توهما لانتجاع الخطاب فيك بعد ان تركت عيون المسلمين به عبرى وصدورهم عند ذكره حرى ، فتلك قلوب قاسية ونفوس طاغية وأجسام محشوة بسخط الله ولعنة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد عشش فيها ـ

١٧٦

النجباء بحزب الشيطان الطلقاء ، فهذه الأيدي تنطف من دمائنا والأفواه تتحلب من لحومنا ، وتلك الجثث الطواهر الزواكي تنتابها العواسل وتعفرها أمهات الفراعل(١) ولئن اتخذتنا مغنما لتجدننا وشيكا مغرما حين لا تجد إلا ما قدمت يداك وما ربك بظلام للعبيد ، فإلى الله المشتكى وعليه المعول(٢) ، فكد كيدك واسع سعيك وناصب جهدك ، فو الله لا تمحو ذكرنا ولا تميت وحينا ولا تدرك أمدنا(٣) ولا ترحض عنك عارها ، وهل رأيك إلا فند وإيامك إلا عدد وجمعك إلا بدد يوم ينادي المنادي الا لعنة الله على الظالمين(٤) فالحمد لله الذي ختم لأولنا بالسعادة والمغفرة ولآخرنا بالشهادة والرحمة ، ونسأل الله ان يكمل لهم الثواب ويوجب لهم المزيد ويحسن علينا الخلافة انه رحيم ودود وحسبنا الله ونعم الوكيل(٥) ، فقال يزيد مجيبا لها :

يا صيحة تحمد من صوائح

ما أهون النوح على النوائح

واستشار يزيد أهل الشام فيما يصنع بهم ، فقال له بعضهم : لا تتخذ

__________________

ـ الشيطان وفرخ ومن هناك مثلك ما درج ونهض خ ل.

(١) فالعجب كل العجب لقتل الأتقياء وأسباط الأنبياء وسليل الأوصياء بأيدي الطلقاء الخبيثة ونسل العهرة الفجرة ، تنطف أكفهم من دمائنا وتتحلب أفواههم من لحومنا ، وللجثث الزاكية على الجنوب الضاحية تنتابها العواسل وتعفرها الفراعل ، خ ل. العواسل : جمع عاسل وهو الذئب من عسل الذنب إذا اضطرب في عدوه. والفراعل : جمع فرعل بالضم وهو ولد الضبع ، وأم فرعل اسم للضبع والجمع أمهات فراعل (منه).

(٢) وإليه الملجأ والموئل خ.

(٣) ثم كد كيدك واجهد جهدك ، فو الذي شرفنا بالوحي والكتاب والنبوة والانتجاب لا تدرك أمدنا ولا تبلغ غايتنا ولا تمحو ذكرنا خ ل.

(٤) الا لعن الله الظالم خ ل.

(٥) فالحمد لله الذي حكم لأوليائه بالسعادة وختم لأصفيائه ببلوغ الارادة ونقلهم الى الرحمة والرأفة والرضوان والمغفرة ولم يشق بهم غيرك ولا ابتلى بهم سواك ، ونسأله ان يكمل لهم الأجر ويجزل لهم الثواب والذخر. ونسأله حسن الخلافة وجميل الإنابة انه رحيم ودود خ ل.

١٧٧

من كلب سوء جروا ، فقال له النعمان بن بشير : انظر ما كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يصنعه بهم فاصنعه بهم ونظر رجل من أهل الشام أحمر الى فاطمة بنت الحسينعليهما‌السلام ، فقال : يا أمير هب لي هذه الجارية ، قالت فاطمة : فارتعدت وظننت ان ذلك جائز عندهم ، فأخذت بثياب عمتي زينب وقلت : يا عمتاه أوتمت واستخدم ، وكانت عمتي تعلم ان ذلك لا يكون ، فقالت عمتي : لا حبا ولا كرامة لهذا الفاسق ، وقالت للشامي : كذبت والله ولؤمت والله ما ذاك لك ولا له ، فغضب يزيد وقال : كذبت ان ذلك لي ولو شئت ان أفعل لفعلت ، قالت زينب : كلا والله ما جعل الله لك ذلك إلا ان تخرج من ملتنا وتدين بغيرها ، فاستطار يزيد غضبا وقال : اياي تستقبلين بهذا إنما خرج من الدين أبوك وأخوك ، قالت زينب : بدين الله ودين أبي ودين أخي اهتديت أنت وجدك وأبوك ان كنت مسلما ، قال : كذبت يا عدوة الله ، قالت له : أنت أمير تشتم ظالما وتقهر بسلطانك فكأنه استحيا وسكت ، فعاد الشامي فقال : هب لي هذه الجارية ، فقال له يزيد : اعزب وهب الله لك حتفا قاضيا. وفي رواية فقال الشامي : من هذه الجارية فقال : هذه فاطمة بنت الحسينعليه‌السلام وتلك زينب بنت علي ، فقال الشامي : الحسين ابن فاطمة وعلي بن أبي طالب ، فقال : نعم ، فقال الشامي : لعنك الله يا يزيد تقتل عترة نبيك وتسبي ذريته ، والله ما توهمت الا انهم سبي الروم ، فقال يزيد : والله لا لحقنك بهم ثم أمر به فضربت عنقه.

ثم دخل نساء الحسينعليه‌السلام وبناته على نساء يزيد فقمن إليهن وصحن وبكين واقمن المأتم على الحسينعليه‌السلام ، ثم أمر لهم يزيد بدار تتصل بداره وقيل أمر بهم الى منزل لا يكنهم من حر ولا برد ، فأقاموا فيه حتى تقشرت وجوههم ، وكانوا مدة مقامهم بالشام ينوحون على الحسينعليه‌السلام .

١٧٨

وأمر يزيد بمنبر وخطيب وأمر الخطيب ان يصعد المنبر فيذم الحسين وأباه صلوات الله عليهما ، فصعد الخطيب المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم بالغ في ذم أمير المؤمنين والحسين الشهيد وأطنب في مدح معاوية ويزيد فذكر هما بكل جميل ، ولقد أجاد ابن سنان الخفاجي حيث يقول :

يا أمة كفرت وفي أفواهها ال

قرآن فيه ضلالها ورشادها

أعلى المنابر تعلنون بسبه

وبسيفه نصبت لكم أعوادها

تلك الخلائق بينكم بدرية

قتل الحسين وما خبت أحقادها

فصاح به علي بن الحسينعليهما‌السلام ويلك ايها الخاطب اشتريت مرضاة المخلوق بسخط الخالق فتبوأ مقعدك من النار. ثم قال علي بن الحسينعليهما‌السلام : يا يزيد أتأذن لي حتى أصعد هذه الأعود فأتكلم بكلمات لله فيهن رضا ولهؤلاء الجلساء فيهن أجر وثواب ، فأبى يزيد عليه ذلك ، فقال الناس : يا أمير المؤمنين ائذن له فليصعد المنبر فلعلنا نسمع منه شيئا ، فقال : انه ان صعد لم ينزل الا بفضيحتي وبفضيحة آل أبي سفيان ، فقيل له وما قدر ما يحسن هذا؟ فقال : انه من أهل بيت زقوا العلم زقا ، فلم يزالوا به حتى أذن له ، فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ، ثم خطب خطبة أبكى فيها العيون وأوجل منها القلوب ، ثم قال :

من خطبة لزين العابدينعليه‌السلام بالشام

ايها الناس اعطينا ستا وفضلنا بسبع ، اعطينا العلم والحلم والسماحة والفصاحة والشجاعة والمحبة في قلوب المؤمنين ، وفضلنا بأن منا النبي المختار محمداصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومنا الصديق ، ومنا الطيار ، ومنا أسد الله وأسد رسوله ، ومنا سبطا هذه الأمة ، من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني أنبأته بحسبي ونسبي ، أيها الناس انا ابن مكة ومنى ، انا ابن زمزم والصفا ، انا ابن

١٧٩

من حمل الركن بأطراف الردا ، أنا ابن خير من ائتزر وارتدى ، أنا ابن خير من انتعل واحتفى ، وأنا ابن خير من طاف وسعى ، أنا ابن خير من حج ولبى ، أنا ابن من حمل على البراق في الهوا ، أنا ابن من أسري به من المسجد الحرام الى المسجد الأقصى ، أنا ابن من بلغ به جبرائيل الى سدرة المنتهى ، أنا ابن من دنى فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى ، وأنا ابن من صلى بملائكة السما ، أنا ابن من أوحى إليه الجليل ما أوحى ، أنا ابن محمد المصطفى ، أنا ابن علي المرتضى ، أنا ابن من ضرب خراطيم الخلق حتى قالوا : لا اله إلا الله أنا ابن من ضرب بين يدي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بسيفين ، وطعن برمحين ، وهاجر الهجرتين ، وبايع البيعتين وقاتل ببدر وحنين ، ولم يكفر بالله طرفة عين ، انا ابن صالح المؤمنين ، ووارث النبيين ، وقامع الملحدين ، ويعسوب المسلمين ، ونور المجاهدين وزين العابدين ، وتاج البكائين ، واصبر الصابرين ، وأفضل القائمين من آل يس رسول رب العالمين ، أنا ابن المؤيد بجبرائيل ، المنصور بميكائيل. أنا ابن المحامي عن حرم المسلمين ، وقاتل المارقين والناكثين والقاسطين ، والمجاهد اعداءه الناصبين ، وافخر من مشى من قريش أجمعين ، وأول من أجاب واستجاب لله ولرسوله من المؤمنين ، وأول السابقين ، وقاصم المعتدين ، ومبيد المشركين ، وسهم من مرامي الله على المنافقين ، ولسان حكمة العابدين ، وناصر دين الله ، وولي أمر الله ، ولسان حكمة الله وعيبة علمه ، سمح سخي ، بهي بهلول زكي ابطحي رضي ، مقدام همام ، صابر صوام ، مهذب قوام ، قاطع الأصلاب ومفرق الأحزاب ، اربطهم عنانا واثبتهم جنانا ، وامضاهم عزيمة وأشدهم شكيمة ، أسد باسل يطحنهم في الحروب إذا ازدلفت الأسنة وقربت الأعنة طحن الرحى ، ويذروهم ذرو الريح الهشيم ، ليث الحجاز وكبش العراق ، مكي مدني ، حنيفي عقبي ، بدري احدي ، شجري مهاجري ، من العرب

١٨٠