العبّاس ابوالفضل ابن أمير المؤمنين عليه السلام سماته وسيرته

العبّاس ابوالفضل ابن أمير المؤمنين عليه السلام سماته وسيرته0%

العبّاس ابوالفضل ابن أمير المؤمنين عليه السلام سماته وسيرته مؤلف:
تصنيف: النفوس الفاخرة
الصفحات: 603

العبّاس ابوالفضل ابن أمير المؤمنين عليه السلام سماته وسيرته

مؤلف: السيد محمد رضا الحسيني الجلالي
تصنيف:

الصفحات: 603
المشاهدات: 36048
تحميل: 3885

توضيحات:

العبّاس ابوالفضل ابن أمير المؤمنين عليه السلام سماته وسيرته
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 603 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 36048 / تحميل: 3885
الحجم الحجم الحجم
العبّاس ابوالفضل ابن أمير المؤمنين عليه السلام سماته وسيرته

العبّاس ابوالفضل ابن أمير المؤمنين عليه السلام سماته وسيرته

مؤلف:
العربية

وأمّا النَبِيُّ صلى الله عليه وآله :

فقد حضر بمَنْ أشبهَهُ ، وهو عليّ بنُ الحسين الأكبر. وقد أعلنَ والدُهُ الإمامُ عن ذلك عندَ شُخوص الأكبر إلى المعركة ، فلمّا استأذَنَ أَباهُ ؛ أَرخى الإمامُ عينيه بِالدُموع وأَطْرَقَ ، ثُمّ قال :

«اللّهمّ اشهدْ أنّه قد بَرَزَ إليهم غُلامٌ أَشْبَهُ الناس خَلقاً وخُلقاً ومنطقاً بِرَسُولك ، وكُنّا إذا اشْتَقْنا إلى نبيّكَ نَظَرْنا إليه ». ثمّ صاحَ الإمامُ :يابن سعدٍ! قَطَعَ اللهُ رَحِمَكَ كَما قَطَعْتَ رَحِمِي ولم تَحْفَظْني في رسول الله ».

مع أنّ الرسول كان شاهداً بوجود بعض الأوفياء من الصحابة في ساحة المعركة ، وفازوا بالشهادة هُناك ، وهم خمسةٌ(١) :

عابسُ بنُ الحارث الکاهلیّ.

حبيبُ بنُ مُظاهر الأسديّ.

مُسلمُ بنُ عَوسَجَة الأسديّ.

هانئُ بنُ عُروَة المُراديّ.

عَبْد الله بنُ يَقْطُر الحِمْيَريّ.

ومن الصحابيّات الّلاتي أسرهنّ الجيشُ الأمَوِيّ :

فِضّةُ النوبيّة خادم الزهراء فاطمة عليها السلام.

زينب العقيلة أخت الحسين عليهما السلام(٢) .

__________________

(١) راجع إبصار العين للسماوي (١٢٨).

(٢) راجع إبصار العين للسماوي (١٢٨).

١٦١

وأمّا الزَهراءُ فاطمة عليها السلام :

فقد حضرت بمَنْ وَرِثَتْ مصائِبَها وتعلّمتْ منها الصبرَ والجهادَ في سبيل الولاية ، تلك زينبُ عليها السلام عقيلةُ بني هاشم.

وحضرت بفاطمة بنت الحسين ؛ فقد كانتْ تُشبّه بجدّتها.

وأمّا الحسنُ المجتبى عليه السلام :

فقد مثله أولاده الثلاثة ، وهم : القاسم ، وعَبْد الله ، وأبو بكرٍ.

ومثّلَ العَبّاسُ أباهُ :

فقد كان يمثله بأكثر من دور وفي أكثر من موقع :

قام بحمل لواء الحسين عليه السلام كما كان أبوهُ حامل لواء الرسول في المغازي كلّها ، وهو حاملُ لواء الحمد يوم القيامة.

وقام العَبّاسُ عليه السلام في كربلاء بِمُهمّة السقي فهو الساقي لِعطاشى ذلك الموقف الحَرِج ، كما أنّ أباهُ عليّ هو الساقي على حوض الكوثر في غدٍ ، يسقي أولياءَهُ ، ويذودُ عنه أعداءه :

أبوهُ هُو الساقي على الحوضِ في غَدٍ وساقي عطاشى كربلاءَ أبُو الفَضْلِ مضافاً إلى الإخاء والوفاء والنصيحة والفداء بشجاعة ذكّرتْ شجاعة أبيه.

١٦٢

ثانياً : في ظلّ أخيه الحسن السِبط المُجتبى عليه السلام :

وإذا كان العَبّاسُ عليه السلام في عصر والده أَمِيْر المُؤْمِنِيْنَ عليه السلام على ما عرفَ من الشأن والمقام ، فهو أنْ يكونَ له دورٌ أكبرُ في عصر أخيه الإمام السِبط المُجتبى عليه السلام أجدرُ ؛ إذْ كان له من العمر (٢٤) سنةً.

لكنّ التاريخ يَضَنُّ بأخباره في ذلك العصر من سنة (٤٠) إلى (٥٠) مدّة إمامة الحَسَن عليه السلام.

ومن المُحرَزِ المُتيقّن أنْ يكونَ المؤمن مُطيعاً لأمر إمامه ، يسيرُ في رِكابه ، مُخلصاً في طاعته وولائه ، كما هو شأنُ كلّ مؤمنٍ ، فكيفَ بالعَبّاس عليه السلام العارف بدخيلة أخيه والواقف من كَثَبٍ على أخباره وأسراره ، والناظر المطّلع عليها لكونه يعيشها؟

وقد جاء في الحديث الّذي أسنده المحدّث الدولابيّ ، ورواه المحدّث ابن الأخضر الجنابذيّ ، في تاريخ الإمام الحَسَن عليه السلام عند ذكر صفته :

توفّي وهو ابن خمس وأربعين سنةً ، وولي غسلَهُ الحسينُ ، ومحمّدٌ ، والعَبّاسُ ، إخوتُه من عليّ بن أبي طالب(١) .

__________________

(١) الذرّية الطاهرة للدولابي (ص ١١٨ رقم ١٣٤) ط الأعلمي ، ونقله الإربلي في كشف الغمّة (٢ / ٤١٦) عن ابن الأخضر الجنابذي في (معالم العترة النبوية) ورواه الطبري المحبّ في ذخائر العقبى (ص ٢٤٢ والديار بكري في تاريخ الخميس (٢ / ٢٩٣).

١٦٣

ولم نجد مزيداً من الحديث عن العَبّاس في عصر أخيه المجتبى عليه السلام ولعلّ البحث يُوقفنا على ما يُفيدُ ، بعون الله العزيز المجيد.

١٦٤

ثالثاً : في ظلّ الإمام الحُسين السِبط الشهيد عليه السلام :

ويدخل العَبّاس عليه السلام (الرابعة والعشرين) من سنيّ عمره في بداية إمامة أخيه السِبط أبي عَبْدالله الحسين عليه السلام ويعيش في ظلّه (عشر) سنوات.

وهُنا أيضاً يَضَنّ التاريخُ بِالحديث عنه ، وعن دورِهِ وأثرِهِ طيلةَ هذه المدّة ، ولا بدَّ أن يكونَ كما كان في عهد الإمام الحسن عليه السلام مُطيعاً لإمامه ، مُخلصاً له ، كما هو شأن كلّ مؤمنٍ ؛ بلهَ العارف الواقف على الأُمور عن كَثَبٍ ، كما كان العباس.

لكن الأحداثَ الّتي جرتْ في آخر أيّام الإمامة الحُسينية من (رجب سنة ٦٠ ـ حتّى عاشوراء سنة ٦١ هـ) احتوتْ على مجرياتٍ مهمّةٍ كانَ للعبّاس فيها الدورُ الكبير ، ممّا يكشفُ عن أبعادٍ واسعةٍ من سيرة العَبّاس عليه السلام ومواقفه الإيمانيّة والعمليّة وما كان عليه من إيمانٍ صلبٍ ، وبصيرةٍ نافذةٍ ، وعملٍ صالحٍ مُستميتٍ ، وإخلاصٍ ووفاءٍ وشجاعةٍ.

ونستعرض هُنا أهمّ العناصر الّتي رصدناها التي تكشفُ عن مدى ما أدّاهُ عليه السلام في ظلّ الإمام عليه السلام وهو معهُ في مسيره العسير ، وفي الزمن القصير ، على أثر الحضور في مدرسة الإمام واستلهام المعرفة منه ، فقد اتّفق الرجاليّون على أنّه عليه السلام روى الحديث الشريف عن أخيه الإمام عليه السلام :

١٦٥

رواية العبّاس عن الإمام الحسين عليه السلام :

قال الشيخ الطوسيّ في (تسمية من روى عن النبيّ والأئمّة عليهم السلام) في «باب أصحاب الإمام أبي عَبْد الله الحُسين بن عليّ عليهما السلام» ما نصّه :

العَبّاسُ بنُ عليّ بن أبي طالب عليه السلام قُتِلَ معهُ عليه السلام وهو السقّاء. قتله حُكيم ابن الطُفيل. أُمّهُ أُمُّ البَنِيْنَ بنت حرام (١) بن خالد بن ربيعة بن الوحيد ، من بني عامر (٢) .

وقد كرّر هذا النصّ كلُّ من تأخّر عن الشيخ الطوسيّ من علماء رجال الحديث في كتبهم الكثيرة.

والكلام عن نصوص رواية العَبّاس عليه السلام عن أخيه الإمام الحُسين عليه السلام هو بعينه كما مرّ في روايته عن أبيه أَمِيْر المُؤْمِنِيْنَ عليه السلام يحمل على ذمّة البحث والتنقيب في كتب التراث ، والحديثيّ منه خاصّة.

مع أنّ كثيراً من الحوار الواقع في النهضة الحسينية ، والحديث عن المواقف الواقعة في السيرة الحسينيّة الّتي تناقلتها كُتُبُ المقاتل والتواريخ عن الإمام الحسين ، يُمكن اعتبارُهُ من رواية العَبّاس عليه السلام نفسه لكونه من أقرب الناس إلى صاحبها الإمام الحسين عليه السلام.

ومهما يكن ، فإنّ أهمّ ما يمكن عرضه من سيرة العَبّاس عليه السلام في عهد

__________________

(١) التزمنا في ضبط هذه الكلمة على ما اختاره الحجّة السيّد الشبيري الزنجاني في تعليقه على رجال الطوسي ، كما ذكرنا ذلك في عنوان والدة العَبّاس عليه السلام في هذا الكتاب.

(٢) رجال الطوسي (بعد الرقم ٥٩٨) من النسخة المخطوطة الّتي كتبها الحجّة المحقّق الشبيري الزنجانيّ دام ظلّه.

١٦٦

أخيه الإمام الحسين عليه السلام ممّا يدخل في عنوان (آثار المعرفة) هو ما يلي :

١ ـ خروجه مع الإمام عليه السلام :

كان العَبّاس عليه السلام في مَنْ رافق الإمام الحسين عليه السلام عند خروجه من المدينة ، وقد نصّ على ذلك خصوصاً ، وعموماً في ذكر مَنْ خرجَ مَعَهُ من أهل البيت عليهم السلام.

قال الدينوري : فلمّا أمسوا واظلمَّ الليل مضى الحسين رضي الله عنه ـ أيضاً ـ نحو مكّة ومعه أُختاه أُمّ كلثوم وزينب ، وولد أخيه ، وإخوته أبو بكر ، وجعفر ، والعَبّاس ، وعامّة من كان بالمدينة من أهل بيته عليهم السلام إلاّ أخاه محمّد ابن الحنفيّة فإنّه أقام(١) .

وذكر الصدوق في من خرج مع الحسين عليه السلام فقال : ثمّ سارَ في أحد وعشرين رجلاً من أصحابه وأهل بيته ، منهم أبو بكر بن عليّ ، ومحمّد بن عليّ ، وعثمان بن عليّ ، والعَبّاس بن عليّ ، وعَبْد الله بن مسلم بن عقيل ، وعليّ بن الحسين الأكبر ، وعليّ بن الحسين الأصغر(٢) .

وقال الشيخ المفيد : فخرج عليه السلام من تحت ليلته ـ وهي ليلة الأحد ليومين بقيتا من رجب ـ متوجّهين نحو مكّة ، ومعه بنوه وإخوته وبنو أخيه ، وجلّ أهل بيته ، إلاّ محمّد ابن الحنفية(٣) .

__________________

(١) الأخبار الطوال (ص ٢٢٨).

(٢) أمالي الصدوق (ص ٢١٧) المجلس الثلاثون / الحديث رقم (٢٣٩) وعنه البحار (٤٤ / ٢ ـ ٣١٣).

(٣) الإرشاد للمفيد (٢ / ٣٢).

١٦٧

إنّ الخروج مع الإمام الحسين عليه السلام والتزام ركبه المقدّس في مثل هذه السفرة الّتي هي هجرة مقدّسة ، في ظلّ إمام عصره ، يعتبر من مفاخر العَبّاس عليه السلام ، ولا بُدّ أن يكون عمله نابعاً عن عزمٍ وإرادة بعيدة عن مجرّد العواطف البشرية أو الرغبات والنزوات الدنيوية ، ويشهد لكلّ هذا ما صدر منه من المواقف المشرّفة على أرض المعركة في كربلاء.

فهذا الخروج مع الحسين عليه السلام شارة مجدٍ وكرامةٍ للعبّاس عليه السلام في سيرته المُثْلى.

٢ ـ الانقياد والطاعة :

إنّ العَبّاس عليه السلام وهو في ركب الحسين عليه السلام من المدينة إلى مكّة ، ثمّ من مكّة إلى كربلاء ، ثمّ يقوم في كربلاء ذلك المقام المشرِّف ، لم يسمع عنه ما يدلّ على التقاعد عن طاعة إمامه ، على طول المسير ، ولا التقاعس عن تلبية ندائه واستجابة طلباته.

ثمّ حضوره في المعركة وأيّامها الحرجة إلى جانب الحسين ، وقائماً برسم أوامره وخدمته ، حتّى الشهادة في سبيله ، فكلّ ذلك دليلٌ على الانقياد المُطلق ، والطاعة المُطلقة له.

ثمّ المشاهد المنقولة في سيرته أيّام كربلاء كلّها تُنادي بهذه الحقيقة ، حيث اختاره الإمامُ عليه السلام للقيام بأصعب المُهمّات وأخطرها ، وقد أدّاها العبّاسُ أفضل أداءٍ.

١٦٨

٣ ـ الوفاء :

إذا كان الوفاء هو : ملازمة طريق المواساة ومعاهدة عهود الخلطاء(١) فإنّ العَبّاس عليه السلام قد طبّق ذلك حرفيّاً ، وبأفضل ما يمكن من التطبيق.

وسنعرفُ على عدد الفُرَص الّتي أُتيحتْ لهُ للخُروج من المعركة ، ولكنّه عليه السلام وقف منها موقفَ الرفض ، بل كان فيها يعلنُ عن التزامه بواجب الحفاظ على الحسين سيّده وإمامه قبل وبعد أن يكون أخاه وابن أبيه.

وبذلك كانت الأُسرة الحسينيّة من رجال ونساء وأطفال تستقرّ وتركن إلى الطمأنينة ما دام العَبّاسُ لا زال على العهد ، والوفاء والمواساة. وهكذا كان «الوفاءُ» من الأوصاف الّتي لهجتْ به نصوصُ زياراته الّتي سنتلوها في الملاحق.

٤ ـ اعتماد الحسين عليه السلام عليه في المهمّات :

تقرأ في السيرة الحسينية ، وفي ساحة كربلاء بالخصوص ـ منذ ورود الإمام عليه السلام وحتّى مقتل جميع الشهداء ، وانفراد العَبّاس بالمثول بين يديه ـ مواقع حسّاسة كان الإمام عليه السلام يدعو العّبّاس فيها بالقيام بالمهمّات اللازمة والخاصّة ، فشأنه في ذلك هو شأن الوزير المعتمَد.

ولا ريب أنّ مثل ذلك الإمام عليه السلام على خصوص العَبّاس دون من حولَه من أبنائه وأصحابه الكثيرين ، والكبار عُمراً ، لهوَ الدليلُ على تقدّم العَبّاس عنده عليه السلام واللياقة لهذا المقام الرفيع.

__________________

(١) التعريفات للجرجاني (ص ١٧٤).

١٦٩

٥ ـ اصطحابه في الجلسات الخاصّة :

ومن تلك المواقف : أنّ الإمام عليه السلام إتماماً للحجّة على الأعداء ، وعلى أمير جيش الكوفة ، صمّم قبل احتدام المعركة وشدّة الأزمة على اللقاء بعمر بن سعد ، فاصطحب إلى محلّ الاجتماع أخاه العَبّاسَ وابنَه عليّاً الشهيد(١) ولمّا التقيا أمر الحُسين أصحابه ، فتنحُوا عنه وبقي معه أخوه العَبّاس وابنُه عليّ الأكبر(٢) .

وقد حدّد المؤرّخون ذلك قبل اليوم السابع من المحرّم ، أي قبل منع الماء عن الحسين عليه السلام وأصحابه. وفي تنحية الأصحاب وبقاء العَبّاس معه دلالةٌ واضحةٌ على العناية الخاصّة الّتي عنونّاها هُنا.

٦ ـ القيام بِشُؤون الأسرة :

إنّ من أهمّ جوانب السيرة الحسينيّة هو وجود الأُسرة الشريفة العلويّة الحسينيّة الفاطميّة ، مع الحسين عليه السلام في ساحة الوغى ، فمن أصعب الأثقال على قلب البطل المقدام الغيور ، وجود مجموعةٍ من النساء والأطفال في مثل موقف كربلاء ، وفي ساحة الحرب بحيث تتطلّع الأسرةُ إلى ما يُقال ، وتنظر إلى ما يقعُ من مشاهد صغيرةٍ وكبيرةٍ ، فذلك أثقلُ على قلب صاحب المعركة الّذي يُواجه العدوّ ، وهو ممّا يكبّل يديه ، ويزيد من تقيُّده ، ويمنعُه من الانطلاق نحو عدوّه ، وهذا أمرٌ واضحٌ لمن يتأمّل مثل

__________________

(١) الفتوح لابن أعثم الكوفي (٥ / ٤ ـ ١٦٦) ومقتل الخوارزمي (١ / ٢٤٧).

(٢) الخوارزمي مقتل الحسين عليه السلام (١ / ٢٤٥).

١٧٠

ذلك الموقف.

وكان هذا أمراً واقعاً على قلب الحسين عليه السلام ويستقطب مساحة كبيرة من اهتمامه ، وهو القائدُ لمعركةٍ مصيريّة إلهيّة كانت على عاتقه ، لأنّ الإسلام ـ بكلّه ـ ينتظر نتائجها. فنقرأ في السيرة : لمّا دنا القومُ من الحسين عليه السلام يوم عاشوراء ؛ خطبَ خطبته الأُولى ـ ذلك اليوم ـ وقال فيها :

«أيّها الناسُ ، اسمعوا قولي ، ولا تعجلوني ، حتّى أعظكم بما يحقّ لكم عليَّ ، وحتّى أعتذرَ إليكم من مقدمي إليكم ، فإنْ قبلتُم عُذري وصدّقتُم قولي وأعطيتُموني النَصَفَ كُنتُم بذلك أسْعَدَ ، ولم يكن لكم عليَّ سبيلٌ ، وإنْ لم تقبلُوا منّي العُذرَ ، ولم تُعطوا النَصَفَ من أنفسكم :( فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلَا تُنظِرُونِ ) يونس ٨١( إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ ) الأعراف : ١٩٦».

فلمّا سمعنَ أخواتُه كلامه هذا ـ وهو لم يُتمّ بعدُ خطبته ـ صِحْنَ وبكينَ ، وبكتْ بناتُه ، فارتفعت أصواتهنّ! فلمّا بلغهُ بُكاؤهنَّ وأصواتُهنَّ : أرسلَ إليهنّ أخاهُ العَبّاسَ بن عليّ ، وعليّاً ابنه ، وقال لهما : أَسْكِتاهُنَّ ، فلَعَمْري لَيَكْثُرنَّ بُكاؤُهنَّ(١) .

إنّه لمن أصعب المواقف وأكثرها حساسيّةً ، أنْ يقع مثل هذا لشخصٍ عظيمٍ مثل الإمام عليه السلام وفي موقفٍ خطيرٍ مثل هذا ، حيثُ هو في خطابٍ

__________________

(١) تاريخ الطبري : (٥ / ٤٢٤).

١٧١

مهمٍّ ، يُتمّ فيه الحُجّة على الأعداء ، وإنّه لممّا يُوهن عزمَ صاحب الموقف ويفُتّ في عضد الخطيب!

ولكنَّ الحسين عليه السلام وقيامه ومجريات عاشوراء كلّها أُمورٌ خارقةٌ للعادة ، وقد تمكّن الإمام عليه السلام أن يُحقّقَ أهدافه ، ويُعلنَ مظلوميّته حتّى في هذا الجانب الفريدِ في نوعه في تاريخ الإسلام وبعد انتشار الرسالة ، بل هذا الأمر إنّما هو جزءٌ من مكوّنات عظمة الحركة الحسينيّة وركائزها العميقة لإحياء الإسلام الّذي أماته الخلفاء بتدابيرهم المُعادية ، وقد بلغ تنفيذه على يد معاوية أبلغ مداه ، وانتهى بمثل هذا الموقف الرهيب الفجيع على يد ابنه يزيد.

والحسين عليه السلام لم يخضع للضغوط العسكريّة ولا النفسيّة وإنّما استمرَّ على ما أُمرَ به ، فأخذ أسرتَه معه ، ولمّا التَمَسَهُ ابن عبّاس أن لا يُخرجهنَّ معه ، قال الإمام في جوابه : «شاءَ اللهُ أن يراهُنَّ سبايا».

إنّه الإمام عليه السلام الّذي يسير وفق المشيئة الإلهيّة ، فلا يمنعه شيءٌ عن الاستمرار في تحقيق أهدافه.

لكنّ الإمام عليه السلام استعان بالعَبّاس وابنه عليّ ، ليُسْكتا الأُسرةَ ، فإنّ الرسالة الّتي أخذهنَّ معه لأجلها ، يتوقّف تبليغها ، وستُبَلَّغُ بعد عاشوراء ، بإعلانِهِنَّ عن ظُلامة أهل البيت ومظلوميّة الحُسين بخاصّة.

وهذه المهمّةُ الداخليّة لم يكن ليؤدِّيَ وظيفَتَها غيرُ من هو من محارم الأُسرة ، فلم يكن غير العَبّاس وعليّ.

١٧٢

وأمّا الحُسين عليه السلام فكانت عليه المهمّة الاكبر ، وهي إتمام الحجّة في خطبته ، فلمّا سكتن ، استمرّ في خطبته العظيمة تلك(١) .

ويعرف الملاحظُ ما في مثل هذه المهمّة الّتي قام بها العَبّاس من الصعوبة ، كما فيها من الحرج والقلق ما هو معلوم.

٧ ـ رسولُ الإمام عليه السلام إلى القوم :

قال الشيخُ المُفيدُ : ونهضَ عمرُ بن سعد إلى الحُسين عشيّة الخميس لِتسعٍ مضينَ من المُحرّم ، ، ثمّ نادى : يا خيلَ الله اركبي ، وأبشري ...!.

فركبَ الناسُ ، ثمّ زحف نحوَهم بعدَ العصر ، وحسينٌ جالسٌ أمامَ بيته ، مُحْتَبٍ بسيفِهِ ، إذْ خفقَ برأسهِ ، وسمعتْ أُختُه الصَيحَةَ ، فَدَنَتْ من أخيها فقالتْ : يا أخي ، أما تسمع الأصوات قد اقتربت!؟

وقال لهُ العَبّاسُ بن علي رحمة الله عليه : يا أخي ، أتاك القومُ!

فنهضَ وقال َ :

«يا عبّاسُ ، اركبْ ـ بِنَفسي أَنْتَ يا أخي ـ حتّى تلقاهُم ، وتقول لهم : ما لَكُمْ؟ وما بدا لكم؟ وتسألهم عمّا جاء بهم؟ ».

فأتاهُمُ العَبّاسُ في نحوٍ من عشرين فارساً ، منهم زُهير بن القَيْن ، وحبيبُ بن مُظاهِر. فقال لهم العَبّاسُ : ما بدا لكم؟ وما تُريدون!؟

قالوا :جاءَ أمرُ الأمير أنْ نعرضَ عليكم أنْ تنزِلُوا على حُكمه ، أو نُناجِزكم !

__________________

(١) تاريخ الطبري (٥ / ٤٢٤ ـ ٤٢٦) وانظر الكامل لابن الأثير (٤ / ٦١).

١٧٣

قال :فلا تعجلُوا ، حتّى أرجعَ إلى أبي عَبْد الله ، فأعرضَ عليه ما ذكرتُم .

فوقفوا وقالوا :إلقَهْ وأَعْلِمْهُ ، ثُمَّ الْقِنا بِما يقولُ لك .

فانصرفَ العَبّاسُ راجعاً يركُضُ إلى الحُسين عليه السلام يُخبرُهُ الخَبَرَ ، ووقفَ أصحابُه يُخاطِبُون القومَ ويَعِظُونَهم ويَكُفّونَهُم عن قتال الحسين.

فجاء العَبّاسُ إلى الحسين عليه السلام فأخبره بما قال القوم. فقال :

«ارجعْ إليهم ، فإن استطعتَ أنْ تُؤخّرَهُم إلى الغُدْوة ، وتدفَعَهم عَنّا العشيّةَ ، لَعَلّنا نُصلّي لِربّنا الليلةَ وندعُوَه ونستغفِرَهُ ، فهوَ يعلمُ أنّي قد أُحبُّ الصلاةَ لهُ وتلاوَةَ كِتابه والدُعاءَ والاستغفارَ ».

فمضى العَبّاسُ إلى القوم(١) وقال الطبري : فعاد العَبّاس يُركض فرسه حتّى انتهى إليهم فقال لهم :

يا هؤلاء ، إنّ أبا عَبْد اللله يسألكم أن تنصرفوا هذه العشيّة حتّى ينظر في هذا الأمر ، فإنّ هذا أمر لم يجرِ بينكم وبينه فيه منطق (٢) .

ورجع من عندهم ومعه رسولٌ من عمر بن سعد يقول :

إنّا قد أجّلناكم إلى غدٍ ، فإن استسلمتم سرّحناكم إلى أميرنا عُبَيْد الله بن زياد ، وإنْ أبيتُم فَلَسنا بِتاركيكم .

وانصرفَ.

__________________

(١) الإرشاد للشيخ المفيد (٢ / ٨٩ ـ ٩١) وفيه : فركب العبّاس في إخوته رضي الله عنهم ومعه أيضاً عشرة فوارس حتّى دنا من القوم. ومقتل الخوارزمي (١ / ٤ ـ ٣٥٤) والفتوح لابن الأعثم (٥ / ١٧٦).

(٢) تاريخ الطبري (٥ / ٤١٧).

١٧٤

إنّ اختيار العَبّاس لهذه المهمّة الخطيرة ، فيه الدلالةُ الكبيرةُ على الاعتماد والركون ، لما هو معلومٌ من شأن الرسول أن يكون من أفاضل الأصحاب وأعقلهم وأوفاهم ، ومهما كان الرسولُ أقربَ نَسَباً إلى المُرْسِل كانَ لهُ ولرسالتهِ الوقعُ الأقوى والأتمّ في الثِقة ، وتحقيق المقصود.

وما نقل عن العَبّاس من الكلام مع جيش الكوفة ، حيثُ عبّر عن أخيه مهما ذكره بأبي عَبْد الله ، بالكُنية الّتي إنّما تستعمل في الثقافة العربيّة وعرف العرب للتعظيم والتكريم فيه ـ في ذلك الموقف ـ دلالةٌ على مُنتهى رعاية العَبّاس عليه السلام للآداب مع أخيه وسيّده وإمامه ، وهذا في تلك الظروف يكشفُ عن ثُبوت هذه الرعاية في ضمي العَبّاس لا يغفل عنها رغم الظروف تلك.

٨ ـ الاستنجادُ به لإنقاذ الأصحاب :

وفي يوم عاشوراء لمّا نَشَبَت الحربُ ، تقدّم أربعةٌ من أصحاب الحسين عليه السلام من الّذين التحقوا بركب الحسين من الكوفة ، لمّا كان محاصَراً من قبل الحرّ بن يزيد الرِياحي في كربلاء ، ففي وقت الحرب شدّ هؤلاء ـ وهم جابر بن الحارث السلمانيّ ، ومجمّع بن عَبْد الله العائذيّ ، وعمرو بن خالد الصيداويّ الأسديّ ، وسعد مولى عمرو ـ فشدّوا على عسكر ابن سعد بأسيافهم ، وأوغلُوا فيهم ، فعطفَ عليهم العسكرُ حتّى قطعوهم عن أصحاب الحسين(١) .

__________________

(١) تاريخ الطبري (٥ / ٤٤٦).

١٧٥

فَنَدَبَ الإمامُ عليه السلام لهم أخاهُ العَبّاسَ ، فحملَ على القوم وَحْدَهُ ، فضربَ فيهم بسيفه حتّى فرّقهم ، وخَلَصَ إليهم ، فسلّموا عليه ، (فاستنقذَهم وقد جُرِحُوا)(١) فأتى بهم لكنّهم عاوَدُوا القتالَ وهو يدفعُ عنهم ، حتّى قُتِلُوا في مكانٍ واحدٍ.

فعادَ العَبّاسُ إلى أخيه وأخبرهُ خَبَرَهم(٢) .

إنّ انتخابَ العبّاس لهذِهِ المهمّةِ وقيامَه وحدَهُ بِها ، إنّما يَنُمُّ عن الاعتماد الكامل بهمّتِه وشجاعتِه وقدرتِه عليها.

٩ ـ حمل الراية :

إنّ للراية شأناً في الحروب ، لأنّها شارة الجيش ، وقيامها دليل على استقامته واستمرار نضاله ، ولذلك فإنّما تُوضع في يَدِ مَنْ ينوءُ بحملها من أُولي الأيْدِ والقُوّة والنجدة والشهامة والإقدام والحميّة.

ولم يجد الحُسين عليه السلام في مَن حوله أولى من أخيه العَبّاس مَنْ يستحِقُّ حملَها ؛ فلمّا قام عليه السلام بتعبئة جيشه «أعطى رايتَهُ العَبّاسَ بن عليّ أخاهُ»(٣) . ولذلك لُقِّبَ العَبّاسُ عليه السلام بـ «صاحب الراية» و«صاحب اللواء»(٤) .

١٠ ـ بعثه لطلب الماء :

لعلّ من أهمّ الحوادث وأمضّها أَلَمَاً وفجيعةً في وقعة الطفّ المؤلمة هو

__________________

(١) هذه الجملة وردت في رواية الكامل لابن الأثير (٤ / ٧٤).

(٢) تاريخ الطبري (٥ / ٤٤٦).

(٣) تاريخ الطبري (٥ / ٤٢٢) وأنساب الأشراف (٣ / ١٨٧).

(٤) وقد مضى في بحث (ألقابه عليه السلام) ما يتعلّق بذلك.

١٧٦

قضيّة العَطَش وقد منع جيش الكوفة الماءَ عن الحُسين وأهله وأصحابه عليهم السلام وبينهم الشيوخُ والنساء ، والصغار والرُضّع والمُرضِعات ، حتّى تلظّوا من العَطَش في لظى هجير ذلك الوادي ، وفي حرّ أيّام ذلك الفصل الحارق المُلتهبة ، وفي حصار الفزع والخوف ، وحيث كان الماء يُساوي الحياة الّتي جعلها الله في الماء لكلّ شيء حيّ.

فاختيار العَبّاس عليه السلام لِطَلَب الماء ، والجيش الأموي قد شدّد المنع من الورود ، دليل على مقامه الرفيع عند الحسين عليه السلام وقد قام العَبّاس عليه السلام بهذا الواجب الإنسانيّ والإلهيّ ، فسمّي «السقّاء» و«أبا قربة»(١) .

وأخيراً :

فإنّ قيام العَبّاس عليه السلام بأداء هذه المُهمّات الصعبة ، بأفضل ما حصل ، فيه الدلالةُ الواضحةُ على الكفاية الكاملة لديه ، مع ما تقتضيه من خاصيّات الشجاعة للإقدام على مخاطرها ، حيث لا يُقدمُ على مثلها سوى الأفذاذ من الرجال. وكذلك الطاعة المُطلقة الّتي لا توجد إلاّ عند الأوحدي من المخلصين بل كُمّليهم. والوفاء والنصيحة الّتي قلّ أن تحصل عند أحدٍ من غير المؤمنين الصُلْبي الإيمان ، والنافذي البصيرة.

ولاجتماع هذه كلّها عند العَبّاس عليه السلام كان الحقّ في أن يَختاره الإمام الحسين عليه السلام للاعتماد عليه والركون إليه.

__________________

(١) كما شرحنا في «ألقابه عليه السلام» وذكرنا مواقفه العديدة ، وفصّلناها في الباب الثالث من هذا الكتاب.

١٧٧

فهذه شارةٌ كبيرةٌ في سجلّ مكارم أبي الفَضْلِ العَبّاس عليه السلام.

كما ظلّ الأئمّة المعصومون عليهم السلام يكرّرون ذكرها ويُعلنونها ويتلونها في ما يَتْلُونَ من زيارات أبي الفَضْلِ العَبّاس عليه السلام.

ولقد انتشر الذكرُ الخالدُ للعبّاس عليه السلام في ضمير المسلمين كافّة ، وفي تراثهم ، ومنهم الطائفة الزيديّة ، فنجدُ عندهم ـ وعلى مدى القُرون من تاريخهم المجيد ـ للعبّاس عليه السلام وُجوداً مُستمرّاً بالأُسَر العلويّة الشريفة من ذرّيته العبّاسيّة الكريمة ، وفيهم من الأعلام عددٌ كبيرٌ ، سنذكرهم في الملحق الثاني الخاصّ بذريّته.

كما أنّ أئمّتهم قَدَّسوا العبّاسَ عليه السلام فهذا المنصور بالله ، عبد الله بن حمزة (ت ٦١٠ هـ) أنشأ للعبّاس عليه السلام زيارةً خاصّةً ملؤُها الثناءُ العاطر ، والإشادةُ بالأمجاد الأثيلة ، والمآثر العظيمة الّتي ازدانَ بها الشهيدُ أبو الفضل عليه السلام سنوردها في عنوان : «زياراته عليه السلام».

١٧٨

رابعاً : في حديث سائر الأئمّة عليهم السلام

إنّ أبا الفَضْلِ العَبّاسَ عليه السلام بمآثره الجسيمة تلك ، وأمجاده وبُطولاته ومواقفه المجيدة الّتي سجّلها له التاريخُ ، قد خَلَدَ في خَلَدَ أهل البيت عليهم السلام.

فها هي النصوصُ المأثورةُ عن الأئمّة المعصومين عليهم السلام تزدهرُ بذكر فضل أبي الفضل ، وتزدهي بذكر مكانته السامية.

وقد تلونا ما ورد عن الإمام السجّاد زين العابدين عليه السلام وهو شاهَدَ مواقفَ عمّه العَبّاس عليه السلام وبطولاته عن كَثَبٍ ، حيث عاصرهُ ، وعاشرهُ في عاشوراء ، فكان أصدقَ شاهد عيانٍ على كلّ ذلك.

وما ورد عن الإمام الصادق جعفر بن محمّدٍ عليهما السلام وفيه الوصفُ البليغُ عن صلابة إيمان العَبّاس عليه السلام ونفاذ بصيرته ، ومواساته ، وفدائه.

وتلك نصوص الزيارات الواردة عنهم عليهم السلام المليئة بأبلغ الأوصاف وأزهى المحاسن وأشرف المآثر والمكارم.

حتّى قرأنا أنّ أهل البيت عليهم السلام خصّصوا للعبّاس وبنيه ، حصّةً من تراثهم في «فَدَكٍ» ذلك الميراثُ النبويُّ الفاطميُّ العلويُّ ، كي يُوثقوا روابط العُلقة بينهم وبين إخوتهم من فاطمة الزهراء وأولادها ، فأشركوهم في هذا الميراث الّذي ما زالت ظُلامتُه تُدوّي في أذن التاريخ ، والّذي يعتبرُ كلّ ذرّةٍ من تُرابه صَرخةً على الظالمين لبضعة رسول الله وأُمّ عترته وأهل بيته.

١٧٩

ونقرأ في أخبار المهدي عليه السلام ، وفي الإرهاصات الّتي تسبقُ ظهورهُ ، ما عن المحدّث محمّد بن سليمان الكوفي (عن محمّد بن عُبَيْد الله)(١) قال :

«وجدتُ في كُتُب جدّي عُبَيْد الله بن العَبّاس بن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام : أنّ القائمَ(٢) ـ من وُلد الحَسَن ـ يبدأُ بالمسير من (نَجْدٍ)(٣) فيمُرُّ ببطْنٍ من عقيلٍ يُقالُ لهم : «بنو معاوية بن حرب» فيسيرُ إلى اليمن ؛ فيسوقُ يَمَنَها إلى تهامَتِها إلى مَكّة ؛ كَسَوْقِ الراعي غَنَمَهُ إلى مَراحِها. يقدمُهُ بينَ يَدَيهِ رَجُلٌ من وُلد العبّاس بن عليّ»(٤) .

فوجود الرجل من ذريّة العبّاس مع الحَسَنيّ الَيمانيّ ، وفي مقدّمة جيشه ، فيه الدلالةُ الوافيةُ على تمثيل العبّاس في حركة المهديّ المُنْتَظَر عليه السلام.

فكلّ هذا يدلّ على أنّ للعبّاس عليه السلام وُجوداً مُستمرّاً في ضمير الأئمّة عليهم السلام وفي وجدان أهل البيت عليهم السلام وتاريخهم ؛ لا يمكن أن يُنسى.

هذا ، وقد ورد في الحديث الشريف ما رواه البرقيّ بسنده عن العبّاس ابن موسى بن جعفر عليه السلام قال : سألتُ ابي عن المأتَم؟ فقال : إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله

__________________

(١) ما بين القوسين من طبعة مؤسسة زيد.

(٢) هذا الاسم يُطلق على كلّ من يقومُ بطلب الحقّ والنضال في سبيله ، لكنّ ذلك عند الشيعة خاصٌّ بمن يكون من أهل البيت عليهم السلام والمُراد منهُ في العبارة المذكورة في الحديث هو خُصوص الحَسَنيّ الّذي يخرجُ في آخر الزمان يُمَهّدُ للمهديّ الّذي بشّرَ الرسولُ صلى الله عليه وآله بظهوره ، والمتّفق عليه بن المسلمين أنّه من وُلد فاطمة الزهراء بنت الرسول صلى الله عليه وآله. والمهمّ هُنا هو ذكرُ الرجل من وُلد العبّاس بن عليّ عليهما السلام في مقدّمة جيش هذا القائم الحَسَنيّ نصرهُ اللهُ.

(٣) المراد هنا : نجْدُ اليمن وهو في شرقي تهامة ، لاحظ معجم البلدان (٥ / ٢٦٥).

(٤) درر الأحاديث اليحيوية ، في الخاتمة التي ذكر فيها ترجمة الهادي صاحب الأحاديث (ص ١٧٣) من طبعة مؤسسة زيد ، و(ص ١٩٤) من طبعة الأعلمي.

١٨٠