شفاء الصّدور في شرح زيارة العاشور الجزء ١

شفاء الصّدور في شرح زيارة العاشور9%

شفاء الصّدور في شرح زيارة العاشور مؤلف:
المحقق: محمد شعاع فاخر
الناشر: انتشارات المكتبة الحيدرية
تصنيف: متون الأدعية والزيارات
ISBN: 964-503-000-5
الصفحات: 439

الجزء ١
  • البداية
  • السابق
  • 439 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 34240 / تحميل: 4867
الحجم الحجم الحجم
شفاء الصّدور في شرح زيارة العاشور

شفاء الصّدور في شرح زيارة العاشور الجزء ١

مؤلف:
الناشر: انتشارات المكتبة الحيدرية
ISBN: ٩٦٤-٥٠٣-٠٠٠-٥
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

علماء أهل السنّة وعظمائهم وسنشير إلى مناقبه إجمالاً بعد نقل هذا الحديث إن شاء الله ـ ساق السند إلى ابن عبّاس ، قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أعطاني ربّي ذا الفقار ، قال : يا محمّد ، خُذه وأعطه خير أهل الأرض فقلت : من ذلك يا ربّ ؟ قال : خليفتي في الأرض عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، وإنّ ذا الفقار كان ينطق مع عليّعليه‌السلام ويحدّثه حتّى أنّه همّ يوماً بكسره ، فقال : مه يا أمير المؤمنين إنّي مأمور وقد بقي في أجل المشرك تأخير(١)

ويقول السيّدرضي‌الله‌عنه بعد نقل الحديث : أقول أنا : يمكن أن يكون سقط بعد قوله « همّ يوماً يكسره » : « وقد ضرب به مشركاً فلم يقتله »(٢) وهو كما قال وذيل الحديث شاهد على ذلك

تنبيه :

أبو جعفر محمّد بن جرير الطبري : هذا الاسم مشترك بين اثنين وكلاهما من بلاد طبرستان ، ولكن الشيعي منهما من جدّه رستم وهو من أجلّة علماء الشيعة وله كتاب « المسترشد » و « الدلائل » وقد أثنى عليه النجاشي والعلّامة وسائر شيوخ الرجال من المتأخّرين وصرّحوا بوثاقته وجلالة قدره وكثرة علمه ، ويروي عنه النجاشي بواسطة السيّد الجليل العظيم الحسن بن حمزة الطبري الذي قدم بغداد في السنة السادسة بعد الخمسين والثلاثمائة ، والظاهر أنّه من علماء المائة الرابعة

والآخر هو محمّد بن جرير بن كثير بن غالب كما نقل ذلك السيّد الشهيد السعيدرضي‌الله‌عنه في كتاب المجالس عن التهذيب للنووي ، وسمّاه الأُستاذ الأعظم البهبهانيقدس‌سره في التعليقة : محمّد بن جرير بن غلاب ، وهذا الاختلاف في الجدّ

_________________

(١) إثبات الهداة ٢ : ٢٨٣ رقم ٥٠١ ( هامش الأصل )

(٢) اليقين : ٢١٧ ( المترجم )

١٨١

والأب كثير في الكتب الرجالية فاق حدّ الإحصاء ولكن ابن شهرآشوب في ( معالم العلماء ) سمّاه محمّد بن جرير بن يزيد ، ولا يخلو هذا الاسم من غرابة ولكنّه يقدّم على قول النووي عند التعارض ، لأنّ جلالة ابن شهرآشوب في العلم تفوق النووي مأة مرّة ، وما يحتمل من كون النووي أعلم به لاتحاد المذهب مدفوع بقرب زمن ابن شهرآشوب من زمنه ، وكلاهما من طبرستان ، وعلى هذا تكون معرفة ابن شهرآشوب على كلّ حال به أكثر فيقدّم قوله لزوماً

وبعد تحرير هذا الكلام وقفت على كلام ابن خلِّكان فرأيته سمّى جدّه « يزيد » أيضاً ولكنّه ذكر « خالداً »(١) بعده وقال : « وقيل : يزيد بن كثير بن غالب » وعلى هذا لا جرم أن تكون كلمة يزيد سقطت من نسخة التهذيب ويمكن أن تكون من باب النسبة إلى الجدّ

وعلى كلّ حال فهو من أكابر علماء أهل السنّة والجماعة وصاحب التفسير والتاريخ ، وينسب إلى أبي حامد الإسفراييني قوله : لو ذهب إنسان إلى الصين لطلب تفسير محمّد بن جرير الطبري لم يكن مبعداً

ونقل عن محمّد بن خزيمة الذي أطلقوا عليه إمام الأئمّة قوله : ما أعلم على أديم الأرض أعلم منه

ونقل السيّد الجليل المعاصر المولوي مير حامد حسين الهنديقدس‌سره في كتاب « عبقات الأنوار » عن الذهبي واليافعي أنّهما نعتاه بالإمامة وشهدا على أنّ التفسير والتاريخ من تأليفه

وصرّح ابن خلِّكان في الوفيات وابن الأثير في الكامل الذي هو مختصر تاريخ

_________________

(١) غالب ظ ( هامش الأصل )

١٨٢

الطبري(١) وابن خلدون في العبر ، أنّ التاريخ منه ، وإصرارهم على نفي كتابه التاريخ عنه ونسبته إلى الطبري الثاني ذلك لأنّه فيه صدق مدّعى الشيعة ومنه ينقل علمائهم ولمّا عجزوا عن إنكار فضله عمدوا عناداً منهم إلى إنكار كتابه وهذا من فرط غبائهم وجهلهم أو ضحالة دينهم ، نعوذ بالله من ذلك(٢)

وبالجملة فإنّ محمّد بن جرير صاحب كتاب الفضائل وصاحب كتاب إسناد حديث الغدير كما نقل السيّد المذكور في كتاب « العبقات » في الهامش من أصل كتاب « تذكرة الحفّاظ » للذهبي أنّه قال في ترجمة الطبري : ولمّا رأى الطبري ابن أبي داوود تكلّم في حديث غدير خم كتب كتاب الفضائل وتحدّث فيه عن تصحيح حديث الغدير

الحديث السادس : شهادة المنادي من بطنان العرش : الشيخ المحدّث صدر الحفّاظ محمّد بن يوسف القرشي الكنجي الشافعي في كتاب كفاية الطالب وأوصل السند إلى ابن عبّاس بن عبد المطّلب قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يأتي على الناس يوم ما فيه راكب إلّا نحن أربعة فقال له العبّاس بن عبد المطّلب عمّه : فداك أبي وأُمّي ، من هؤلاء الأربعة ؟ فقال : أنا على البراق ، وأخي صالح على ناقة الله التي عقرها قومه ، وعمّي حمزة أسد الله وأسد رسوله على ناقتي العضباء ، وأخي عليّ بن أبي طالب على ناقة من نوق الجنّة مدبّجة الجنبين ؛ عليه حلّتان خضراوان من كسوة الرحمان ، على رأسه تاج من نور ، لذلك التاج سبعون ركناً ، على كلّ ركن ياقوتة حمراء تضيء للراكب من مسيرة ثلاثة أيّام ، وبيده لواء الحمد ينادي :

_________________

(١) سامح الله شيخنا الطهراني لقد ظلم صاحب الكامل ، إذ كيف يكون مختصر التاريخ الطبري وهو يؤرّخ لحقبة طويلة مات الطبري قبل بلوغها ؟! ( المترجم )

(٢) من اعتقد أنّ لعلماء أهل السنّة والجماعة ديناً فهو على خطأ لأنّهم مرقوا من الدين بالقواعد التي كبّلوا بها الدين ( المترجم )

١٨٣

« لا إله إلّا الله محمّد رسول الله » فيقول الخلائق : من هذا ؟ ملك مقرّب أو نبيّ مرسل أو حامل عرش ؟ فينادي منادي من بطنان العرش : ليس بملك مقرّب ولا نبيّ مرسل ولا حامل عرش ، هذا عليّ بن أبي طالب وصيّ رسول ربّ العالمين وأمير المؤمنين وقائد الغرّ المحجّلين إلى جنّات النعيم(١)

الحديث السابع : شهادة أبي ذر : روى ابن مردويه عن داود بن أبي عوف قال : حدّثني معاوية بن ثعلبة الليثي قال : ألا أُحدّثك بحديث لم يختلط ؟ قلت : بلى قال : مرض أبوذر فأوصى إلى عليّعليه‌السلام ، فقال بعض من يعوده : لو أوصيت إلى أمير المؤمنين عمر كان أجمل لوصيّتك من عليّعليه‌السلام ! قال : والله لقد أوصيت إلى أمير المؤمنين حقّ أمير المؤمنين ، والله إنّه للربيع الذي يسكن إليه ولو قد فارقكم لقد أنكرتم الناس وأنكرتم الأرض

قال : قلت : يا أباذر ، إنّا لنعلم أنّ أحبّهم إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أحبّهم إليك قال : أجل قلت : فأيّهم أحبّ إليك ؟ قال : هذا الشيخ المضطهد حقّه ـ يعني أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ـ(٢) وهذا الحديث مرويّ بطرق عدّة

الحديث الثامن : شهادة الأسد : أبو جعفر محمّد بن أبي مسلم ابن أبي الفوارس الرازي الملقّب بمنتجب الدين في كتاب « الأربعين » وساق السند إلى منقض(٣) بن الأبقع الأسدي أحد خواصّ أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام قال : كنت مع أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام في النصف من شعبان وهو يريد موضعاً له

_________________

(١) كفاية الطالب : ١٨٤ ط الحيدريّة النجف الأشرف ، تاريخ بغداد ١٣ : ١٢٢ ط السعادة بمصر ، مناقب الخوارزمي : ٢٠٩ ط طهران و ٢٥٠ ط تبريز ، وإحقاق الحق ٤ : ٤٩٨ و ٥٠٠ ( هامش الأصل ) واليقين : ٤٣٤ ( المترجم )

(٢) اليقين : ١٤٣ ( المترجم )

(٣) منقذ بن الأنقع ـ توضيح الدلائل للسيّد شهاب الدين أحمد ، إحقاق الحقّ ١٨ : ٢٢٢

١٨٤

كان يأوي فيه بالليل وأنا معه حتّى أتى الموضع فنزل عن بغلته حمحمت البغلة ورفعت أُذنيها وجذبتني فحسّ بذلك أمير المؤمنين ، فقال : ما وراك ؟ فقلت : بأبي أنت وأُمّي ، البغلة تنظر شيئاً وقد شخصت فلا أدري ماذا دهاها ؟

فنظر أمير المؤمنينعليه‌السلام سواداً قال : سبع وربّ الكعبة ، فقام من محرابه متقلّداً بسيفه فجعل يخطو نحو السبع ثمّ قال صائحاً له : قف ! فخفّ السبع ووقف فعندها استقرّت البغلة ، فقال أمير المؤمنين : يا ليث ، أما علمت أنّي ليث وأنّي الضرغام الهصور والقسور والحيدر ـ وهذه كلّها أسماء للأسد ـ ؟ ثمّ قال : ما جاء بك أيّها الليث ؟ فقال السبع : يا أمير المؤمنين ، ويا خير الوصيّين ، ويا وارث علم النبيّين ، ويا مفرّقاً بين الحقّ والباطل ، ما افترست منذ سبع شيئاً وقد أضرّ بي الجوع ورأيتكم من مسافة فرسخين فدنوت منكم وقلت : أذهب وأنظر هؤلاء القوم ومن هم ؛ فإن كان لي بهم مقدرة يكون لي فريسة

فقال أمير المؤمنينعليه‌السلام : أيّها الليث ، أما علمت أنّي علي أبو الأشبال [ الأشباح ] الأحد عشر ، ثمّ امتدّ السبع بين يديه وجعل يمسح يده على هامته ويقول : ما جاء بك أيّها الليث ؟ أنت كلب الله في أرضه قال : يا أمير المؤمنين ، الجوع الجوع فقال : اللهمّ ارزقه بقدر محمّد وأهل بيته قال : فالتفت فإذا الأسد يأكل شيئاً كهيئة الجمل حتّى أتى عليه ، ثمّ قال : يا أمير المؤمنين ، والله ما نأكل نحن معاشر السباع رجلاً يحبّك ويحبّ عترتك ، ونحن أهل بيت ننتحل حبّ الهاشمي وعترته(١)

_________________

(١) ورد في كتاب اليقين « ارزقه بقدر محمّد وأهل بيته » وعند المؤلّف « بحقّ فذ محمّد وأهل بيته » وجاء في الهامش تفسير لها : فذ : قد فذ الرجل عن أصحابه إذا شذّ عنهم وبقي فرداً وهي كناية عن سيّد الشهداء وهو الذي فذّ عن رسول الله وفاطمة الزهراء وأمير المؤمنين والإمام الحسن وعن أصحابه يوم العاشور ووقع وحيداً فريداً وقال سيّد الشهداء : قد استرحت من همّ الدنيا وغمّها وبقي أبوك وحيداً ( هامش الأصل ) وأحسب المحقّق صحّف الكلمة وخطرت له هذه الخاطرة ( المترجم )

١٨٥

ثمّ قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : أيّها السبع ، أين تأوي وأين تكون ؟ فقال : يا أمير المؤمنين ، إنّي مسلّط على كلاب أهل الشام وكذلك أهل بيتي وهم فريستنا ونحن نأوي النيل

قال : فما جاء بك الى الكوفة ؟ قال : يا أمير المؤمنين ، أتيت الحجاز فلم أُصادف شيئاً وأنا في هذه البرية والفيافي التي لا ماء فيها ولا خير وإنّي لمنصرف من ليلتي هذه إلى رجل يقال له سنان بن وائل ممّن أفلت من حرب صفّين ينزل القادسيّة وهو رزقي في ليلتي هذه وإنّه من أهل الشام وأنا متوجّه إليه ، ثمّ قام بين يدي أمير المؤمنينعليه‌السلام

فقالعليه‌السلام لي : ممّ تعجّبت ؟ هذا أعجب أم الشمس أم العين أم الكواكب أم ساير ذلك ؟ فوالذي فلق الحبّة وبرأ النسمة لو أحببت أن أُري الناس ممّا علّمني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من الآيات والعجائب لكانوا يرجعون كفّاراً ثمّ رجع أمير المؤمنينعليه‌السلام إلى مستقرّه ووجّهني إلى القادسيّة ، فركبت ووافيت القادسيّة قبل أن يقيم المؤذّن الإقامة ، فسمعت الناس يقولون : افترس سناناً السبع ، فأتيت فيمن أتاه ننظر إليه فما ترك السبع إلّا رأسه وبعض أعضائه مثل أطراف الأصابع وأتى على باقيه ، فحمل رأسه إلى الكوفة إلى أمير المؤمنين ، فبقيت متعجّباً فحدّثت الناس بما كان من حديث أمير المؤمنين والسبع ، فجعل الناس يتبرّكون بتراب تحت قدم أمير المؤمنين ويستشفون به ، فقام فحمد الله وأثنى عليه فقال : معاشر الناس ، ما أحبّنا رجل فدخل النار ، وما أبغضنا رجل فدخل الجنّة وأنا قسيم الجنّة والنار ، أقسم بين الجنّة هذا إلى الجنّة يميناً وهذا إلى النار شمالاً ، أقول لجهنّم يوم القيامة : هذه لي وهذه لك ، حتّى تجوز شيعتي على الصراط كالبرق الخاطب ، وكالرعد القاصف وكالطير المسرع وكالجواد السابق

فقام إليه الناس بأجمعهم عنقاً واحداً وهم يقولون : الحمد لله الذي فضّلك

١٨٦

على كثير من خلقه ، ثمّ تلا أمير المؤمنينعليه‌السلام هذه الآية :( الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّـهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ õ فَانقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّـهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّـهِ وَاللَّـهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ ) (١) تمّ الحديث المبارك

وهناك روايات أُخرى عن شهادة الذئب ، وشهادة الدرّاج ، وشهادة الجمل ، وشهادة سبعين بالسلام على قبره وهي مذكورة في كتاب اليقين ، وإنّي ذكرت هذا الحديث لما فيه من غرابة وامتياز وليكون سبباً لتسديد قلوب أهل الإيمان مع طوله ، والعجب من القوم الذين يسطرون مثل هذه الآيات البيّنات في كتبهم ثمّ يرتابون في أمير المؤمنين ، نعوذ بالله من الخذلان وسوء التوفيق

الحديث التاسع : شهادة اليهود من كتبهم السماويّة : الشيخ منتجب الدين ، مذكور في كتاب « الأربعين » عن عبد الله بن خالد بن سعيد بن العاص قال : كنت مع أمير المؤمنينعليه‌السلام وقد خرج من الكوفة إذ عبر بالصعيد التي يقال لها النخلة على فرسخين من الكوفة ، فخرج منها خمسون رجلاً من اليهود وقالوا : إنّك عليّ بن أبي طالب الإمام ؟ فقال : أنا ذا ؟ فقالوا : لنا صخرة مذكورة في كتبنا عليها اسم ستّة من الأنبياء وهو ذا نطلب الصخرة فلا نجدها فإن كنت إماماً وجدنا الصخرة فقال عليّعليه‌السلام : اتبعوني

قال عبد الله بن خالد : فسار القوم خلف أمير المؤمنين إلى أن استبطن فيهم البر ، وإذا بجبل من رمل عظيم ، فقالعليه‌السلام : أيّها الريح انسفي الرمل عن الصخرة بحقّ اسم الله الأعظم ، فما كان إلّا ساعة حتّى نسفت الرمل وظهرت الصخرة فقال عليّعليه‌السلام : هذه صخرتكم فقالوا : عليها اسم ستّة من الأنبياء على ما سمعنا وقرأنا

_________________

(١) آل عمران : ١٧٣ و ١٧٤

١٨٧

في كتبنا ولسنا نرى عليها الأسماء ! فقال عليّعليه‌السلام : الأسماء التي عليها فهي في وجهها الذي على الأرض فاقلبوها فاعصوصب عليها ألف رجل حضروا في هذا المكان فما قدروا على قلبها ، فقال عليّعليه‌السلام : تنحّوا عنها ، فمدّ يده إليها فقلّبها ، فوجدوا عليها اسم ستّة من الأنبياء أصحاب الشرايع : آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمّد عليهم الصلاة والسلام ، فقال النفر اليهود : نشهد أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّد رسول الله وأنّك أمير المؤمنين وسيّد الوصيّين وحجّة الله في أرضه ؛ من عرفك سعد ونجى ومن خالفك ضلّ وغوى وإلى الحميم هوى ، جلّت مناقبك عن التحديد وكثرت آثار نعتك عن التعديد(١)

الحديث العاشر : شهادة أبي بكر وعمر : نقل الحافظ ابن مردويه عن سالم المنتوف [ المشوق بدون ذكر سالم ـ المؤلف ] مولى عليّعليه‌السلام قال : كنت مع عليّعليه‌السلام في أرض له وهو يحرثها حتّى جاء أبو بكر وعمر فقالا : سلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته فقيل : كنتم تقولون في حياة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ فقال عمر : هو أمرنا بذلك(٢)

وشهادة أُخر لعمرٍ في رواية أُخرى رويت أنّه قال : والله أنت أمير المؤمنين حقّاً فقال أمير المؤمنين : عندك أم عند الله ؟ فقال : عندي وعند الله(٣)

وهذه رواية عثمان بن أحمد السمّاك ، والآن يجمل بهذه الطائفة التي تنسب إلى السنّة بزعمها أن تصغى إلى الحقّ وتفتح عيونها فإذا كانوا غير واثقين بشهادة الله والرسول ـ كما فعلوا مراراً من ردّ هذه الشهادة مثلاً قال الله تعالى :( شَهِدَ اللَّـهُ أَنَّهُلَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ ) (٤) ومعناه أنّه شهد بعدالة نفسه

_________________

(١) الأربعين ، مخطوط : ٤١ ، إحقاق الحق ٨ : ٧٣٤ ( هامش الأصل ) اليقين : ٢٥٢ ( المترجم )

(٢) اليقين : ١٣٣ ( المترجم )

(٣) اليقين : ٤٢ بحار الأنوار ٣٧ : ٣٠٧ رقم ٣٠ باب ٥٤ ط بيروت ( هامش الأصل )

(٤) آل عمران : ١٨

١٨٨

ولكنّهم أنكروه ونسبوه إلى الظلم والجبر ، وجوّزوا على الله ارتكاب القبايح ، تعالى الله عن ذلك وشهد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في أهل بيته بقوله : « ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا بعدي أبداً » ولكنّهم قدّموا أبا حنيفة والشافعي على الصادقعليه‌السلام والباقرعليه‌السلام اللَّذَين هما خزّان العلم الإلهي ومعدن الوحي والتنزيل وتمسّكوا بمذهب أبي حنيفة وصاحبه

ومن الراجح أن نشير إلى أنّ القوم من أجل تصحيح خلافة الرجلين جوّزوا على العقل أن يقدّم المفضول على الفاضل وهي من القبايح العقليّة ، وأحياناً نفوا العصمة عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ـ العياذ بالله ـ وجوّزوا عليه قول « الهذيان » وقيّدوا الآية( وَمَا
يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ
) (١) وقلّد القوم الرجلين اللَّذَين مرّ ذكرهما ، فلماذا لا يتبعونهما بما قالا من أنّ هذا اللقب الشريف أُطلق على الإمام من عهد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ولم يتلبّس به أحد من الناس وهو حقّ خاصّ ولقب ثابت الاختصاص لعليّعليه‌السلام (٢)

تنبيه :

علمت من الأخبار المذكورة اختصاص الإمامعليه‌السلام بهذا اللقب وجاء في الأخبار أنّ هذا اللقب لا يجوز أن يخاطب به أحد من الناس حتّى الإمام صاحب الزمان عجّل الله تعالى فرجه في عصر الظهور كما روى الحرّ العاملي في كتاب « الوسائل » عن العيّاشي قال : دخل رجل على أبي عبد اللهعليه‌السلام فقال : السلام عليك يا

_________________

(١) النجم : ٣

(٢) لا استعجاب من أبي حنيفة والشافعي وأضرابهم ممّن استأجرتهم السياسة في سبيل تنفيذ أغراضها والوصول إلى مقاصدها ومأربها فباعوا ضمائرهم لأطماع المغرضين وآخرتهم بدنيا المفسدين ، إنّما العجب من مثل ابن أبي الحديد مع اطّلاعه على الأحاديث الكثيرة المرويّة في كتبهم كيف أنكرها وقال : وتزعم الشيعة أنّه خوطب في حياة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بأمير المؤمنين خاطبه بذلك جملة المهاجرين والأنصار ولم يثبت في أخبار المتحدّثين شرح نهج البلاغة ١ : ٥ ، وبحار الأنوار ٣٥ : ٦٧ ط طهران عنه ( هامش الأصل )

١٨٩

أمير المؤمنين ، فقام على قدميه فقال : مه ، هذا الاسم لا يصلح إلّا لأمير المؤمنينعليه‌السلام سمّاه الله به ولم يسمّ به أحد غيره فرضي به إلّا كان منكوحاً ، وإن لم يكن ابتلي به ( ابتلى به ) وهو قول الله في كتابه :( إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا وَإِن يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا
مَّرِيدًا
) (١) قال قلت : فماذا يُدعى به قائمكم ؟ قال : السلام عليك يا بقيّة الله ، السلام عليك يا بن رسول الله(٢)

وروى في الكافي عن أبي عبد الله الصادقعليه‌السلام قال : سأله رجل عن القائم يسلّم عليه بإمرة المؤمنين ؟ قال : لا ، ذاك اسم سمّى الله به أمير المؤمنينعليه‌السلام لم يسمّ به أحد قبله ولا يتسمّى به بعده إلّا كافر(٣)

ويوافق هذه الأحاديث التي نقلها أخطب خوارزم كما جاء في كتاب اليقين : قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : لمّا أُسري بي إلى السماء ثمّ من السماء إلى سدرة المنتهى ووقفت بين يدي ربّي عزّ وجلّ فقال لي : يا محمّد ، قلت : لبّيك وسعديك قال : قد بلوت خلقي فأيّهم رأيت أطوع لك ؟ قلت : ربّ عليّاً قال : صدقت يا محمّد ، فهل اتخذت لنفسك خليفة يؤدّي عنك ويعلّم عبادي من كتابي ما لا يعلمون ؟ قال : قلت : اختر لي فإنّ خيرتك خيرتي [ فإنّ جبرئيل خبّرني ـ المؤلف ] قال : قد اخترت لك عليّاً فاتخذه لنفسك خليفة ووصيّاً ونحلته علمي وحلمي وهو أمير المؤمنين حقّاً لم ينلها أحد قبله وليست لأحد بعده يا محمّد ، عليّ راية الهدى وإمام من أطاعني ونور أوليائي وهي الكلمة التي ألزمتها المتقين ؛ من أحبّه فقد أحبّني ومن أبغضه فقد أبغضني فبشّره بذلك يا محمّد قلت : ربّي فقد

_________________

(١) النساء : ١١٧

(٢) وسائل الشيعة ١٤ : ٦٠٠ ط آل البيت ( المترجم ) العيّاشي ١ : ٢٧٦ ، تفسير البرهان ١ : ٤١٥ ذيل الآية ، بحار الأنوار ٩ : ٦٣٦ و ٥٢ : ٣٧٣ رقم ١٦٥ أحوال صاحب الأمر ( هامش الأصل )

(٣) الكافي ١ : ٤١١ باب ١٠٧ ح ٩ ( هامش الأصل ) والكافي ١ : ٤١١ ط دار الكتاب الإسلاميّة الثالثة ١٣٨٨

١٩٠

بشّرته ، فقال عليّعليه‌السلام : أنا عبد الله وفي قبضته ؛ إن يعاقبني فبذنوبي لم يظلمني شيئاً ، وإن تمّم لي وعدي فالله مولاي قال [ اللهمّ ] اجلُ قلبه واجعل ربيعه الإيمان به قال : قد فعلت ذلك به يا محمّد ، غير أنّي مخصّه بشيء من البلاء لم أخصّ به أحداً من أوليائي قال : قلت : ربّ ، أخي وصاحبي ! قال : قد سبق في علمي أنّه مبتلىٰ ، لولا عليّ لم يعرف حزبي ولا أوليائي ولا أولياء رسلي(١)

وأحاديث من هذا النوع في كتاب اليقين وغيره من طرق أهل السنّة كثيرة وإذا تأمّلت هذه الأخبار التي اتفق الفريقان على نقلها تأمّلاً دقيقاً فستعرف ماذا يجري لمن انتحل هذا اللقب وأطلقه على نفسه من دون استحقاق في الدنيا والآخرة

كذلك ما جاء في كتاب اليقين عن ابن عقدة ـ وهو من كبار الحفّاظ ويساوي العسقلاني في الثقة والاعتماد وقد بالغ الخطيب البغدادي في الثناء عليه كما في اليقين ـ فروى وساق السند إلى الإمام الصادقعليه‌السلام في قوله تعالى :( فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً
سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَقِيلَ هَـٰذَا الَّذِي كُنتُم بِهِ تَدَّعُونَ
) (٢) قال : فلمّا رأى فلان وفلان منزلة عليّعليه‌السلام يوم القيامة إذا دفع الله تبارك وتعالى لواء الحمد إلى محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله تحته كلّ ملك مقرّب وكلّ نبيّ مرسل فدفعه إلى عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، سيئت وجوه الذين كفروا وقيل هذا الذي كنتم به تدّعون أي باسمه تسمّون أمير المؤمنين(٣)

نكتة :

ممّا قلناه في معنى الإمارة يكن الإلمام بسبب صيرورة هذا اللقب من الخصائص ولا يجوز استعماله حتّى للأئمّة لأنّ الأئمّة أفضل المؤمنين ولهم الإمارة على كلّ أحد لكثرة سوابقهم ووفور فضائلهم في زمن النبوّة ولاتحادهم مع

_________________

(١) اليقين : ١٥٩ ( المترجم ) مناقب الخوارزمي باب فضائل شتّى : ٢١٥ ط طهران

(٢) الملك : ٢٧

(٣) اليقين : ١٨٢ ( المترجم )

١٩١

الرتبة المحمّديّة فيما عدا النبوّة(١) وهم الواسطة في وصول الأحكام والأسرار التي حملوها عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ودرجة الأُبوّة التي تستدعي وجوب الطاعة لأمير المؤمنين عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، ولا توجد هذه الصفات في واحد من الأئمّة وإن كان كلّ واحد منهم جامعاً جميع الكمالات وحائزاً تمام المقامات ، سلام الله عليهم أجمعين

وإنّك حين تنظر في الأخبار وتلاحظ آداب سلوك الأئمّة عند الزيارة وتدفّق في أُسلوب مخاطبتهم لصاحب الولاية الكبرى تدقيقاً تامّاً فإنّهم في موضع يرون الإيمان به مقارناً الإيمان بالله ورسوله ، وفي موضع يرتفع أصواتهم بواسيّداه ، وفي موضع ينادون أمام قبره بقولهم : عبدك وابن عبدك ، وفي موضع يتضرّعون إلى الله لقضاء حوائجهم بولايته ، وفي موضع يتباهون بمحبّته ، وغير هذه الأُمور من الموارد التي لا محلّ لذكرها الآن ، وبالطبع لا ينبغي أن تطعن بالشكّ في صدرك ، وينبغي أن يكون اعتقادك ثابتاً جازماً بأنّ لقب أمير المؤمنين مختصّ بعليّ وحده على سبيل الحقيقة ، ولا يستحقّ هذا المقام أحد من الخلق في الأوّلين

_________________

(١) إنّ أمير المؤمنين عليّاً بن أبي طالب كرّم الله وجهه كان صورة تحقيق حال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله حيث قال : « لي مع الله وقت لا يسعني فيه ملك مقرّب ولا نبيّ مرسل » ألا ترى أنّ عين اسمه كرّمه الله وجهه إلى عين معيّته مع الإلهيّة ، واللام والياء اللتان هما حرفا إضافة ونسبة وتمليك وتخصيص ينتظم منهما كلمة « لي » يعني في قوله : « لي مع الله وقت » كما كرّم الله وجهه المبارك بجميع أجزاء روح الكشف فيه وصار روح الكشف ملكاً له وصار مخصوصاً من الله بهذه الكرامة وضع لام التمليك والتخصيص في اسمه وانضمّ في حضائر القدس ومشاهد الأُنس إلى محبوبه ومطلوبه وبهذا السرّ حصلت له المعيّة مع الالهيّة لا جرم لمّا حصل له هذا الاتصال الشريف صار مضافاً منسوباً ربّانيّاً صمدانيّاً أُمّيّاً مضافاً إلى أُمّ الكتاب وأُمّ اللباب في تحصيل المناسبة وحصول حال المعاينة والمشاهدة ، ووضع الله تعالى ياء الإضافة والنسبة في آخر اسمه المبارك وهذه الياء كرسيّ ولايته وينبوع سعادته وهدايته فرائد السمطين ١ : ٤٢٨ ط بيروت ( هامش الأصل )

أقول : يريد القوم أن يجعلوا الشريعة السمحة السهلة بمنزلة ثالوث النصارى لا يفهمه حتّى حبرهم الأعظم ، نحن في غنىً عن قول والد الحمويني هذا بأحاديث أهل البيت السمحة وكلّ ما خالفها سواءاً كان قولاً أو فعلاً لا حاجة لنا فيه ( المترجم )

١٩٢

والآخرين ، لأنّ كلّ أحد وفي أيّ مقام أو رتبة كان وكلّ موجود على ظهر الأرض في أيّ درجة كان ، كلّ ما ناله من الفيض من المبدأ الفيّاض إنّما كان بتوسّط « المقام المحمّدي » وكان واسطة فيضه المقام العلوي كما قال : « لا يؤدّي عنّي إلّا علي »(١) وفي خبر المعراج « لا يؤدّي عنك إلّا عليّ(٢) ، والفعل في قوّة النكرة والنكرة في سياق النفي يفيد العموم كما أنّ حذف المتعلّق يفيد العموم(٣) فتبيّن من هذا أنّ كلّ ما يحصل من فيض وجود النبي لا يمكن أن يؤدّی إلّا بواسطة عليّعليه‌السلام

تو به تاريكى على را ديده‌اى

زين سبب غيرى بر او بگزيده‌اى(٤)

لقد أظلمت عيناك حين رأيته

لذا اخترت قوماً لا يساوون نعله

_________________

(١) إشارة إلى قصّه إبلاغ سورة برائة إلى أهل مكّة حيث أرسل أبا بكر ثمّ ردّه وأرسل عليّاً بعده وقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : لا يؤدّي عنّي إلّا عليّ بن أبي طالب أمير المؤمنين ( المناقب للخوارزمي : ١٠١ و ٢٢٣ ط طهران )

(٢) أمالي الصدوق : أمير المؤمنين عن رسول الله فهل اتخذت لنفسك من يؤدّي عنك ويعلّم عبادي . ( بحار الأنوار ١٨ : ٣٧١ رقم ١٨ ، وفي البداية والنهاية ٥ : ٢١٢ ط القاهرة في حديث الإسراء : هذا وليّي والمؤدّي عنّي وإحقاق الحقّ ٤ : ١٣٤ عنه ) ( هامش الأصل )

(٣) الفعل « يؤدّي » هو في حكم النكرة ووقع في سياق النفي وحذف متعلّقة وهو الذي يؤدّيه مِن ثمّ أفاد العموم ( المترجم )

(٤) من المناسب لإكمال البحث نقل حديث يتضمّن العلّة في عدم خطاب الإمام عليّ بأمير المؤمنين

قال ابن شهرآشوب : استفاض بين الخاصّ والعامّ أنّ أهل الكوفة فزعوا إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام من الغرق لمّا زاد الفرات ، فأتىعليه‌السلام شاطئ الفرات وأسبغ الوضوء وصلّى منفرداً ثمّ دعا الله ثمّ تقدّم إلى الفرات متوكّئاً على قضيب بيده حتّى ضرب به صفحة الماء وقال : انقص بإذن الله ومشيئته ، فغاض الماء حتّى بدت الحيتان ، فنطق كثير منها بالسلام عليه بإمرة المؤمنين ، ولم ينطق منها أصناف من السموك وهي الجرّي والمار ماهي والزمّار ، فتعجّب الناس لذلك وسئلوه عن علّة ما نطق وصمت ما صمت ، فقالعليه‌السلام : أنطق الله ما طهر من السموك وأصمت عنّي ما حرّمه ونجّسه وبعده [ مدينة المعاجز ٢ : ١٠٦ ( المترجم ) ونفسه : ١١١ الرقم ٢٩٩ ( هامش الأصل ) ]

والمفيد في الإرشاد مثله ثمّ قال : وهذا خبر مستفيض شهرته بالنقل والرواية كشهرة كلام الذئب وتسبيح الحصى بكفّه وحنين الجذع إليه وإطعامه الخلق من الطعام القليل ونحوه ، وذكره الطبرسي في إعلام الورى [ مدينة المعاجز : ١١١ ( هامش الأصل ) الإرشاد ١ : ٢٤٨ ( المترجم ) ] ( المحقّق )

١٩٣

وَابْنَ سَيِّدِ الْوَصِيِّينَ

لإيضاح هذه الكلمة وبيان شرحها ينبغي الكلام في مطلبين :

المطلب الأوّل : في إثبات وصيّتهعليه‌السلام

اعلم أنّ الوصي هو الذي يخوّله الموصي أن يتصرّف بعد مماته فيما كان يتصرّف به في حياته ، كما يظهر ذلك من كتب اللغة وموارد الاستعمال ولمّا كانت الأُمور التي تختصّ بالأنبياء هي نشر الأحكام وهداية الأنام وإقامة النظام كانت وصايتهم عبارة عن النيابة على هذه الأُمور

ولابدّ لمن يتولّى منصب الوصيّة أن يكون أعلم الأُمّة بما تحتاج إليه الأُمّة ، وأن يتميّز عنها بمحاسن الأخلاق ومكارم الآداب التي هي لازمة الرئاسة العامّة من قبيل شرف النسب والزهد والجود والشجاعة والفضيلة ، وأن يفضل جميع الخلق بهذه الملكات لكي يتسنّى له أداء العمل النبوي ، ويتمّ الغرض من البعثة على يديه ، وتبقى آثار الشريعة ماثلة لديه ، لأنّ وجود النقص في هذه الأُمور ينعكس سلباً على الخلق فيبدو النقص في جانب من جوانب الحياة

ونحن حين نكون على الحياد ، ونلقي نظرة محايدة على الواقع ونفحص الأخبار فحصاً مستوعباً ندرك حتماً ونعلم علماً قطعيّاً بأنّه ليس في الأُمّة من هو نظير لأمير المؤمنينعليه‌السلام في هذه الصفات وجميع الكمالات أو يبلغ درجته

أمّا من جهة الشرف فإنّه أوّل هاشميّ أبواه هاشميّان ، أبوه أبو طالب عمّ رسول الله وناصره ومعينه الذي ملأت خدماته للإسلام وجه البسيطة وعجز العدوّ والصديق حتّى النواصب والخوارج عن إنكار فضله ونصرته للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله متواترة كتواتر وجوده ، والذي ينكرها فلا مانع لديه من إنكار وجوده من رأس وأُمّه

١٩٤

فاطمة بنت أسد التي كان النبيّ يسمّيها أُمّي ، وكفّنها يوم ماتت ببرده ، واضطجع في قبرها كما ورد ذلك في ذخائر العقبى وأُسد الغابة وغيرها من كتب العامّة ، وكان ابن عمّ رسول الله وصهره زوج فاطمة وأبا الحسنين وجدّ الأئمّة التسعة المعصومين وهم أفضل خلق الله في كلّ عصر

أمّا من ناحية العلم فيكفي الحديث المتفق عليه وهو قول النبي : أنا مدينة العلم وعليّ بابها ؛ فمن أراد المدينة فليأت الباب ، وما أحسن ما قاله فردوسي لله درّه وعلى الله برّه :

چه گفت آن خدواند تنزيل ووحى

خداوند امر وخداوند نهى

كه من شهر علمم عليّم در است

درست اين سخن قول پيغمبر است

گواهى دهم كاين سخن را ز اوست

تو گوئى دو گوشم بر آواز اوست

ما الذي قاله الإله مشيّداً

بعليّ ربّ المقام العلي

إنّما المصطفى مدينة علم

وعليّ باب لعلم النبي

من أراد الدخول لا بدّ أن

يدخل من باب فضله المأتي

قسماً إنّه لسرٌّ عليٌّ

ما قريب مثل البعيد القصي

وأمّا من حيث الزهد فيكفيه حديث طلاق الدنيا

وأمّا من جهة الجود فإنّ سورة هل أتى شاهد عدل على ذلك

وأمّا من جهة الشجاعة فإنّها لا تحتاج إلى دليل وشاهد

ولمّا كانت هذه الصفات هي شرايط ثبوت وصاية الأنبياء لم تجتمع في غيره قطّ ، وإنّ العقل السليم يحكم بالضرورة بأنّ عليّاً وصيّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله

فإن قيل : من أين لكم هذا القول بأنّ لكلّ نبيّ وصيّاً ليكون عليّ وصيّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله

١٩٥

فإنّنا نقول في الجواب :

أوّلاً : من استقراء سيرة الأنبياء

وثانياً : البرهان العقلي الذي أوجب بعث الرسل وتنزيل الكتب فقد أثبت أنّه ما من نبيّ إلّا وله وصيّ ، ولقد أجاد القائل وهو الأُزريرحمه‌الله :

أنبيٌّ بلا وصيّ تعالىٰ

الله عمّا يقوله سفهاها

وهذا الدليل الذي سقناه هنا وإن كان كافياً للذكي طالب الحقيقة والمجاهد طالب الهداية ولكنّنا من أجل إتمام الحجّة ننقل نماذج عدّة من أخبار أهل السنّة والجماعة في إثبات وصيّته من كتبهم المعتبرة ونطلب التوفيق من الله سبحانه لأنّ المنازع في مسألة الوصيّة هذه الفرقة وحدها ، وقد عمدت إلى السعي لإبطالها تصريحاً وتلويحاً منها ما قاله أحمد بن عبد ربّه القرطبي الأندلسي في كتاب « العقد » : قال رسول الله في حقّ عليّ : « أنت منّي بمنزلة هارون من موسى »(١) من هنا ادّعى الشيعة أنّه وصيّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وبهذا أراد أن ينقض قول الشيعة في الوصيّة( وَيَأْبَى اللَّـهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ) (٢) وهذا الحديد من الأحاديث المتواترة التي أثبتناها في محلّها(٣)

ومن هؤلاء الخوارزمي في المناقب عن أبي الطفيل وهو آخر الصحابة موتاً ، فقد روى عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : يا علي ، أنت وصيّي ، حربك حربي وسلمك سلمي(٤)

_________________

(١) العقد الفريد ٢ : ١٩٤ ط مصر الشرقيّة ( هامش الأصل ) والعقد الفريد ٥ : ١٠٠ تحقيق أحمد أمين ( المترجم )

(٢) التوبة : ٣٢

(٣) راجع عقبات الأنوار قسم حديث المنزلة ، وإحقاق الحقّ ٥ : ١٣٢

(٤) الحديث في المناقب وليس فيه أنت وصيّي بل أنت على الحوض خليفتي : ١٢٩ ط مؤسسة النشر الإسلامي ثانية ١٤١١

١٩٦

وفي المناقب بسنده عن الصادقعليه‌السلام عن آبائهعليهم‌السلام رفعه إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : إنّ الله لم يقبض روح نبيّ حتّى يأمره بالوصيّة إلى أفضل عشيرته وعصبته ، وأمرني أن أُوصي إلى عليّ فإنّي أثبته في كتب السلف بأنّه وصيّك وأخذت على هذا الميثاق من الخلايق والأنبياء والرسل ، أخذت ميثاقهم على الربوبيّة لي وعلى النبوّة لك وعلى وصاية عليّ وولايته لك(١)

وفي المناقب بهذا السند أيضاً أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لأُمّ سلمة : اسمعي وكوني شاهدة على أنّ عليّاً أخي في الدنيا والآخرة وحامل لوائي في الدنيا وحامل لواء الحمد يوم القيامة ، وهذا عليّ وصيّي وقاضي عداتي والذائد عن حوضي المنافقين

وفي المناقب وفرائد السمطين للحمويني عن أبي أيّوب الأنصاري أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لفاطمةعليها‌السلام : إنّ الله اطّلع على الأرض واختار زوجك وأمرني أن أُزوّجه منك وأتّخذه وصيّاً

وفي المناقب بالسند المارّ ذكره أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لعليّ : إن لم تكن نبيّاً فأنت وصيّ نبيّ ووارثه بل أنت سيّد الأوصياء وإمام الأتقياء .

وروى أبو نعيم في حلية الأولياء عن أبي برزة السلمي أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لربّه ليلة المعراج : عليّ وصيّي وأخي

وفي المناقب بالسند المذكور أنّ جبرئيل هبط على النبيّ فرحاً مستبشراً وقال : سررت بإكرام الله أخاك عليّاً فقد جعله وصيّك وإماماً لأُمّتك

وروى الحمويني أيضاً في فرائد السمطين عن أبي ذررضي‌الله‌عنه عن النبي أنّه قال :

_________________

(١) الحديث مترجم

١٩٧

« أنا خاتم النبيّين وأنت يا علي خاتم الوصيّين إلى يوم الدين »(١)

وروى الحمويني والخوارزمي عن الرضا عن أُمّ سلمة أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : لكلّ نبيّ وصيّ وعليّ وصيّي في عترتي وأهل بيتي وأُمّتي من بعدي(٢)

وروى الموفّق بن أحمد عن بريدة أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : لكلّ نبيّ وصيّ ووارث وعليّ وصيّي ووارثي

وروى ابن المغازلي حديث الوصيّة بأسانيد عدّة عن جابر وابن عبّاس وبريدة(٣)

وروى الثعلبي في تفسير الآية الكريمة :( وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ) (٤) عن البراء ابن عازب

وأحمد بن حنبل وهو أحد الأئمّة الأربعة في المسند عن أنس بن مالك أنّه قال : سألت سلمان أن يسأل رسول الله عن وصيّه ، فسأله سلمان ، فقال النبيّ له : من وصيّ موسى ؟ قال : يوشع بن نون فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ وصيّي ووارثي ، يقضي ديني وينجز عداتي عليّ بن أبي طالب(٥)

ونقل الخوارزمي في حديث القيامة الذي سمعته آنفاً عن ابن عبّاس أنّه كان يقول : هذا عليّ وصيّ محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله (٦)

_________________

(١) هذه الأحاديث مترجمة إلّا ما وضع بين الأقواس الصغيرة

(٢) مناقب الخوارزمي : ٩٠ ط طهران عن أُمّ سلمة ( هامش الأصل )

(٣) مناقب الخوارزمي : ٦٣ ط طهران بالإسناد عن أبي أيّوب الأنصاري فأوحى الله إليّ أن أُزوّجك وأتّخذك وصيّاً ( هامش الأصل )

(٤) الشعراء : ٢١٤

(٥) بحثنا عن الحديث في المسند وفي تفسير الثعالبي فلم أعثر عليه فعلمت أنّ يد التحريف حذفته من الكتابين

(٦) مناقب الخوارزمي : ٢٥٩ ط طهران ( هامش الأصل )

١٩٨

إذن نقل هذه الرواية عشرة من أصحاب أمير المؤمنين وأمّ سلمة وابن عبّاس وبرّاء وأبو برزة وأنس وأبو أيّوب وبريدة وجابر وأبوالطفيل ، ومع وجود هذا الجمّ الغفير من الثقاة لا أدري ما وجه الجحود والإنكار ؟!

وما كتبته جملة يسيرة وغيض من فيض من الروايات المتعلّقة في هذا الباب ، إذ ليس الموضع موضع استقصائها

وهذه الجملة اخترتها من فصل أو فصلين من كتاب ( ينابيع المودّة ) للعارف القندوزي وهو أحد العلماء المعاصرين من أهل السنّة والجماعة ، مع الاختصار والاقتصار على موضع الحاجة علماً بأنّ البيت إن كان به ديّار فقول واحد أو قولين يكفي في الاعتبار ، ومن تتبّع أخبار الماضين وألمّ بأشعار الغابرين واطّلع على أحاديث الأصحاب والتابعين يصل إلى مرتبة اليقين من أنّ ظهور هذا الأمر كان من الوضوح بمكان إلى الحدّ الذي اعترف به من لم يؤمن بخلافة عليّ وولايته ، كما نقل نصر بن مزاحم في كتابه ولوط بن يحيى الأزدي في كتابه وهما من العلماء الثقاة الذين أثنى عليهما علماء العامّة ، فقد نقلا في كتابيهما من الأشعار الكثيرة والأراجيز الوفيرة في حربي الجمل وصفّين حيث صرّح أصحابها من العدوّ والوليّ بوصاية أمير المؤمنين وشهرته بالوصي

وذكر ابن أبي الحديد جملة وافرة منها في كتابه شرح نهج البلاغة ونحن نورد لك موضع الشاهد منها :

يقول عبد الله بن أبي سفيان بن الحرث بن عبد المطّلب في مدح أمير المؤمنينعليه‌السلام :

ومنّا عليّ ذاك صاحب حيدر

وصاحب بدر يوم شالت كتائبه(١)

_________________

(١) شال الشيء ارتفع والكتيبة ، القطعة من الجيش أو الجماعة وفي المصدر وشفاء الصدور سالت كتائبه ( هامش الأصل )

١٩٩

وصيّ النبيّ المصطفى وابن عمّه

فمن ذا يدانيه ومن ذا يقاربه

ويقول أبو الهيثم بن التيهان البدريرضي‌الله‌عنه :

إنّ الوصيّ إمامنا ووليّنا

برح الخفاء وباحت الأسرار

ويقول عمرو بن حارثة الأنصاري في مدح محمّد بن الحنفيّة :

سميّ النبيّ وشبل الوصي

ورايته لونها العندم(١)

وقال شابّ من بني ضبّة من النواصب في معسكر عائشة :

نحن بني ضبّة أعداء علي

ذاك الذي يُعرَف قدماً بالوصي

ويقول سعيد بن قيس الهمداني من معسكر الإمامعليه‌السلام :

قل للوصي أقبلت قحطانها

فادع بها تكفيكها همدانها

ويقول زياد بن لبيد الأنصاري من جند الإمام وأصحابه :

كيف ترى الأنصار في يوم الكلب

إنّا أُناس لا نبالي من عطب

ولا نبالي في الوصيّ من غضب

وإنّما الأنصار جدّ لا لعب

ويقول حجر بن عدي الكنديرضي‌الله‌عنه :

يا ربّنا سلّم لنا عليّا

سلّم لنا المبارك المضيّا

المؤمن الموحّد التقيّا

لا خطل الرأي ولا غويّا

بل هادياً موفّقاً مهديّا

واحفظه ربّي واحفظ النبيّا

فيه فقد كان لنا وليّاً

ثمّ ارتضاه بعده وصيّا

ويقول خزيمة بن ثابت ذوالشهادتين :

يا وصيّ النبيّ قد أجلت الحرب

الأعادي وسارت الأظعان

وكذلك يقول خزيمة في يوم الجمل :

_________________

(١) العندم : خشب أو نبات يصبغ به ( هامش الأصل ) العندم : دم الأخوين وقيل هو الأيدع ( لسان العرب )

٢٠٠

أعائش خلّي عن عليّ وعيبه

بما ليس فيه إنّما أنت والده

وصيّ رسول الله من دون أهله

وأنت على ما كان من ذاك شاهده

ويقول عبد الله بن بديل الورقاء :

يا قوم للحظة العظمى التي حدثت

حرب الوصي وما للحرب من آسي

ويقول عمر بن أحيحة يذكر ابن الزبير ويمدح المجتبىعليه‌السلام :

لست كابن الزبير لجلج في القول

وطأطأ عنان فسل(١) مريب

وأبى الله أن يقول بما قام

به ابن الوصيّ وابن النجيب

ويقول زحر بن قيس الجعفي :

أضربكم حتّى تقرّوا لعلي

خير قريش كلّها بعد النبي

من زانه الله وسمّاه الوصي

إنّ الوليّ حافظ ظهر الولي

وكذلك يقول :

فصلّى الإله على أحمد

رسول المليك تمام النعم

رسول المليك ومن بعده

خليفتنا القائم المدّعم

عليّاً عنيت وصيّ النبي

تجالد عنه غواة الأُمم

ويقول الأشعث بن قيس :

أتانا الرسول رسول الوصي

عليّ المهذّب من هاشم

وزير النبيّ وذي صهره

وخير البريّة والعالم

ونسب نصر بن مزاحم الأشعار التالية للإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام في كتاب صفّين :

يا عجباً لقد رأيت منكرا

كذباً من القول يشيب الشَّعَرا

ما كان يرضى أحمد لو أُخبرا

أن يقرنوا وصيّه والأبترا

_________________

(١) الفسل : الضعيف الذي لا مروءة له ولا جلد ( هامش الأصل )

٢٠١

شاني الرسول واللعين الأخزرا

إنّي إذا الموت دنى وحضرا

إلى آخر الأشعار وقول جرير بن عبد الله البجلي :

وصيّ رسول الله من دون أهله

وفارسه الحامي به يضرب المثل

ويقول نعمان بن العجلان الأنصاري :

كيف التفرّق والوصيّ إمامنا

وذروا معاوية الغويّ وتابعوا

دين الوصيّ لتحمدوه آجلا

         

ويقول المغيرة بن الحارث بن عبد المطّلب :

فيكم وصيّ رسول الله قائدكم

وصهره وكتاب الله قد نشرا

وقول عبد الله بن عبّاس بن عبد المطّلب رضي الله عنهم :

وصيّ رسول الله من دون أهله

وفارسه إن قيل هل من مُنازِل

ومن خلال تأمّل هذه الأشعار التي قالها كثير من الصحابة الذين يرى أهل السنّة والجماعة قول كلّ واحد منهم حجّة ، يقطع كلّ منصف صاحب دين أنّ الإمام يعرف في ذلك الزمان بصفة الوصاية عند كلّ أحد ، وسمعت قول ذلك المخذول الضبي القائل :

نحن بني ضبّة أعداء علي

ذاك الذي يُعرَف قدماً بالوصي

ونكتفي بهذا المقدار من أشعار العدو والولي المسلمّة التي ذكرتها في الكتاب

المطلب الثاني : في إثبات كون الإمام أمير المؤمنين سيّد الأوصياء

وهذا المعنى ثابت بعد إثبات الوصيّة لأنّ كلّ وصيّ يقتبس من نور موصيه ، ويستمدّ من روحانيّته الفيض الذي يحويه ، والقاعدة تقضي بأنّ المفيض إن كان أشرف كان المستفيض تبعاً له في أشرفيّته ، وكلّما كان المتبوع أعظم كان التابع أعظم أيضاً ، ولمّا كان فضل نبيّنا على الأنبياء ثابتاً كان وصيّه الذي يترسّم خطى

٢٠٢

النبي بقدم الولاية أفضل الأوصياء كما يجب أن تعلم أنّ الوصيّ تارة يكون وصيّاً بلا واسطة وأُخرى مع الواسطة فإذا اعتبرناه وصيّاً بلا واسطة ومعنى ذلك أنّه المبلّغ عن النبيّ وحامل أسراره ومتبّع آثاره ومفيض أنواره وناشر أحكام شريعته المفروض على الآخرين الرجوع إليه والأخذ منه كما هو الظاهر في قيد عدم الواسطة وبهذه النظرة يكون أمير المؤمنين خاتم الأوصياء كما ثبت هذا اللقب له وفقاً للأخبار الكثيرة المرويّة من طرق الخاصّة والعامّة

وإذا اعتبرنا الوصي أعمّ من ذي الواسطة وعدمها يكون الحجّة المنتظر عجّل الله تعالى فرجه هو خاتم الأوصياء ولكنّ الاستعمال الأوّل أكثر شيوعاً في جدّه المرتضىعليه‌السلام ومن هذه الجهة كان جابر بن عبد الله الأنصاري إذا ذكر الإمام الباقرعليه‌السلام قال : حدّثني وصيّ الأوصياء(١)

وبالنظر إلى الاستعمال الثاني « سيّد الوصيّين » بمعنى أنّ على أوصياء النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله الأخذ من جنابهعليه‌السلام

وإنّما بلغتهم ودايع النبوّة وبدايع الولاية بواسطة ذاته المقدّسة ومن وراثتهم مقامه المحمود بلغوا درجة الرئاسة الكلّيّة على ماسوى الله من هنا جاء في بعض الزيارات مخاطبة ( الإمام الحسين ) بقول القائل : « يا وصيّ أمير المؤمنين »(٢)

_________________

(١) ارشاد المفيد ٢ : ١٦٠ ونسخة المؤلّف : ٢٨٠ ، بحار الأنوار ٤٦ : ٢٨٦ ط بيروت ، مناقب ابن شهرآشوب ٢ : ٢٧٣ في إمامة أبي جعفر ، بحار الأنوار ٤٦ : ٢٨٦ ط بيروت

(٢) في زيارة الإمام الحسينعليه‌السلام : « السلام عليك يا وصيّ أمير المؤمنين » وفي زيارة العسكري : « السلام عليك يا بن الأولياء الراشدين » وفي زيارة صاحب الأمر : « السلام عليك يا وصيّ الأوصياء » وفي فرائد السمطين ١ : ٥٥ قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : وأبوهما سيّد الوصيّين

يزيد بن ساباط قال : دخلت على أبي عبد اللهعليه‌السلام في مرضه الذي مات فيه ثمّ دعا موسى وعبد الله وإسحاق ومحمّداً وقال لهم : هذا وصيّ الأوصياء وعالم علم العلماء

٢٠٣

ومجمل القول وردت روايات كثيرة عن أمير المؤمنينعليه‌السلام من طرق العامّة بتلقيبه بلقب سيّد الوصيّين وخير الوصيّين من هذه الحديث ما رأيته في اليقين من الروايات السبعة التي ذكرت الإمام بلقب خير الوصيّين وفيه خمس روايات ذكرت الإمامعليه‌السلام بلقب سيّد الوصيّين

وعندنا أخبار كثيرة وروايات وفيرة مبثوثة في تضاعيف كتب هذه الطائفة ومطاوي مؤلّفاتها يوجب ذكرها الخروج عن سياسة الاختصار(١) ومن أجل التيمّن بها نذكر الحديث أدناه من كتاب « مودّة القربى » تأليف السيّد مير علي الهمداني الذي يوصف بأنّه جامع الأنساب الثلاثة ، عن ابن عبّاس قال : دعاني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال لي : أُبشّرك إنّ الله تعالى أيّدني بسيّد الأوّلين والآخرين والوصيّين علي ، فجعله كفو ابنتي فإن أردت أن تنتفع به فاتّبعه

اللهمّ نقسم عليك بحقّ هذا الوجود المبارك السعيد أن توفّقنا لمتابعته وتنفعنا ببركته في الدنيا والآخرة

تنبيه :

اعلم أنّ عارفي أهل السنّة زوّروا كلاماً في المسألة يخدع العوام وفحواه أنّ وصاية عليّعليه‌السلام باطنيّة ولم يُعهد إليه الرياسة الظاهريّة لأنّ مقامه أرفع من أن يلي

_________________

الكافي : بالإسناد عن يونس بن يعقوب عن أبي عبد الله في حديث الشامي : إنّ الإسلام قبل الإيمان صدقت وأنا أشهد أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّداً رسول الله وأنّك وصيّ الأوصياء ورواه الطبرسي في الاحتجاج والطبرسي في إعلام الورى والمفيد في الإرشاد ( اثبات الهداة ٣ : ٧٨ الرقم ٧ ) ( هامش الأصل ) وجابر هو بن يزيد الجعفي لا الأنصاري ( المترجم ـ راجع الإرشاد ٢ : ١٦٠ )

(١) تجد تفصيلها في كتاب إحقاق الحقّ ٤ : ١٠٠ فراجعه إن شئت

٢٠٤

ذلك ، وبهذا التقريب الباطل وهو من شبهات الشياطين صحّحوا خلافة خلفائهم(١)

نقل الميبدي عن الشيخ علاء الدين السمناني أنّه قال : الولاية علم الباطن والوراثة علم الظاهر ، والإمامة علم الباطن والظاهر ، والوصاية حفظ سلسلة الباطن ، والخلافة حفظ سلسلة الظاهر ، وكان عليّ بعد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وليّاً ووارثاً وإماماً ووصيّاً ولم يكن خليفة ولكنّه استخلف بعد عثمان ، تمّ كلامه

والحقّ يقال : إنّ على كلّ عاقل أن يشتدّ عجبه من استيلاء سلطان الضلالة على هؤلاء وغرز مخالب الشيطان فيهم ، وأن تبلغ به الحيرة كلّ مبلغ ، وإنّ من أعجب العجايب ان يظلّ امرئ حائز على علم الظاهر والباطن جليس داره وحلس بيته ثمّ يختار بضعة أفراد ممّن لا علم لهم ولا فهم ولا يعرفون موطئ قدمهم عن الشريعة والطريقة ولا يعلمون من ظواهر القرآن بمقدار ذرّة للرياسة الكلّيّة والخلافة الالهيّة ، سبحان الله !

وكيف يتسنّى لمن لا علم له الرياسة الظاهرة وهي حكومة على الأموال والنفوس والأعراض لعامّة الخلق ويكون مرجعاً لجميع الأحكام ومبنيّاً لتمام الوقائع لجميع الطبقات المختلفة والفرق المتفاوتة من أصناف البشر وأخلاط الزمر وهو فاقد للعلم والمعرفة وغير مُلِمّ بمراتب الأُمّة جميعها أقول : بأيّ وجه يتيسّر له ذلك ؟ ذلك هو الضلال المبين

وما قالوه من أنّ الرياسة الظاهريّة لا تناسب مقامه حيلة من وحي إبليس

_________________

(١) أقول : ما عثرت على هذا القول منسوباً إلى هؤلاء في كتاب غير شفاء الصدور وهم لا يرون الباطن من الإسلام فكيف يقولون به ، نعم ممّن اعترف بالوصيّة منهم قال : إنّما وصّاه على أهل بيته وليس على أُمّته ومن لم يعترف بالوصيّة منهم فلا يحتاج إلى أحد القولين بل فزع إلى الجحود والإنكار ورآه أقرب الطرق إلى السلامة من مقارعة حجج الشيعة وصدمات براهينهم ( المترجم )

٢٠٥

شيطانيّة ، لأنّ غرض الأنبياء لم يكن الرياسة الظاهريّة لكن لمّا توقّف عليها هداية الخلق كافّة ونشر أحكام الدين وإجراء الحدود وإغاثة الملهوف وإعانة المظلوم والاقتصاص من الظالم وحفظ رتب الخلق وطبقاتهم ، وتوسعة أرزاق الفقراء وأخذ الوجوه الشرعيّة وأخيراً إقامة نظام معاش بني آدم الموجب لصلاح أهل العالم جميعاً لا يتمّ أبداً إلّا بهذه الرياسة الظاهريّة على الوجه الصحيح المطلوب للشرع مِن ثَمّ جعلها الله خاصّة بالأولياء والأنبياء

وإن عُدِم ذلك فإنّ المفاسد التي ما تزال من أوّل الدنيا إلى يومنا هذا تشاهد ويبلغ عنها تنشر في الأرض وتعمّ الفوضى ويستشري الظلم ، وهذا القدر كاف في توجيه عقول أهل الإنصاف

٢٠٦

السَّلامُ عَلَيْكَ يا بن فاطِمَةَ الزَّهْرَاءِ سَيِّدَةِ نِساءِ الْعالَمِينَ

الشرح : ينبغي على مذهب البصريّين أن يكون لفظ الزهراء مجروراً ، لأنّ الاسم واللقب كليهما مفردان وهو مختار ابن مالك ، والتحقيق في ذلك أنّ اللقب يجوز فيه الاتباع والقطع ، فقد روى الفرّاء أنّه سمع من العرب : « هذا يحيى عينان وقيس قفه » وقال الفصحاء : « عبد الله بن قيسٍ الرقيات » بتنوين قيس ، ونجم الأئمّة الرضيرضي‌الله‌عنه اختار هذا ، ونحن سلكنا هذا المسلك في منظومتنا الممزوجة بالألفيّة ، وبناءاً على هذا فإن لم يثبت الجرّ جازت الوجوه الثلاثة وشواهد ذلك في أخبار آل محمّد وهم الحجّة في ذلك كثيرة

وهذه العبارة تشتمل على ثلاثة أسماء من أسماء البتول المقدّسة :

الأوّل : « فاطمة » وقد رويت علّة تسميتها بهذا الاسم في العلل ومعاني الأخبار والعيون والأمالي وغيرها عن الأئمّة الأطهارعليهم‌السلام بأسانيد مختلفة وألفاظ متفاوتة ، ففي بعض هذه الروايات « لأنّها فُطِمت هي وشيعتها من النار(١)

وفي بعضها : لأنّ الله فطم من أحبّها من النار(٢)

وفي بعضها : أتدري أيّ شيء تفسير فاطمة ؟ قلت : أخبرني يا سيّدي قال : فطمت من الشرّ(٣)

وفي بعضها : إنّي فطمتك بالعلم وفطمتك عن الطمث(٤)

_________________

(١) بحار الأنوار ٤٣ : ١٢ رقم ٣ ط طهران

(٢) نفسه ٤٣ : ١٢ ط طهران ( هامش الأصل )

(٣) بحار الأنوار ٤٣ : ١٠ ( المترجم )

(٤) نفسه ٤٣ : ١٣ ( المترجم )

٢٠٧

وفي بعضها : سمّيتني فاطمة وفطمت بي من تولّاني وتولّى ذرّيّتي من النار(١)

ويذكر هذا في وجه المناسبة وجميع هذه الأخبار مذكورة في العلل ، الأوّل في العيون ، والثاني في المعاني ، والثالث في البحار عن الأمالي(٢)

وتوجد هذه الرواية في كتب أهل السنّة أيضاً بعبارة قريبة من الروايات المذكورة ، ففي ذخائر العقبى لمحبّ الدين الطبري رواها بثلاثة طرق ، وفي مودّة القربى والينابيع مرويّة أيضاً ، وفي سائر كتبهم وليس مقامنا مقام الاستقصاء هنا

وورد في هذه الأخبار إشكال ذكره العلماء وملخّصه : إنّ لفظ فاطمة اسم فاعل ومعناه فعل الفطام من اللبان ومقتضى الأخبار الآنفة أن يكون اسمها « مفطومة » لا فاطمة وأُجيب على هذا السؤال بعدّة أجوبة :

الأوّل : إنّه اسم فاعل بمعنى المفعول ، مثل ماء دافق و( عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ ) (٣) وهذا غاية في البعد ، لأنّ في الأمثلة المذكورة يحمل على المجاز الإسنادي كما ذكره علماء البيان وغالباً ما يتبادر إلى أذهان النحاة السطحيّين الذين لم يدركوا لباب لطايف العربيّة وصفو بدايع الكلام هذا المعنى

الثاني : أنّ فعل « فطم » لازم ومتعدّي وهذا الاحتمال ذكره الفاضل المجلسيقدس‌سره مع ذكره الاحتمال الأوّل ، وهذا الاحتمال استظهره من عبارة القاموس حيث قال : أفطم السخلة حان أن تفطم فإذا فطمت فهي فاطم ومفطومة وفطيم(٤) ، انتهى

ودلالة هذه العبارة على الاستعمال على وجه اللزوم ممنوعة بل يدلّ ظاهره ـ إن صحّ النقل ـ على صحّة الاحتمال الأوّل مثل « سرّ كاتم » و « مكان عامر » الذي

_________________

(١) بحار الأنوار ٨ : ٥٠ ( المترجم )

(٢) بحار الأنوار ٤٣ : ١٢ ط طهران ، وإحقاق الحق ١٠ : ١٦ ـ ٢٤ نقل هذه الأحاديث بالتفصيل

(٣) الحاقّة : ٢١

(٤) القاموس ١ : ١٤٧٨ نشر المكتبة العلميّة بيروت ( المترجم )

٢٠٨

اعتبره قصار النظر من النحاة فاعلاً بمعنى المفعول ، وبناءاً على مذهب التحقيق أنّ كلّ واحد من الأمثلة المتقدّمة باقٍ على معناه من اسم الفاعليّة ، مثلاً قول القائل « سرّ كاتم » لم يتغيّر من اسم الفاعل لأنّ معناه السرّ الذي يحمل في ذاته قوّة كتمانه كأنّما هو الكاتم ، وكذلك « السخلة فاطم » لأنّها ببعدها عن أُمّها كانت تبعد نفسها عن الرضاع بنفسها فسمّيت فاطماً لهذا الغرض

ويبعد هذا الاحتمال أنّ أحداً من النحاة لم يعتبر التعدّي واللزوم ضربة لازم للفعل ، وطريقة صاحب القاموس أن يقول عنه « لازم متعدٍ » أو « يتعدّى ويلزم » ولم يقل بلزوم هذه القاعدة له

مضافاً إلى أنّ من الأحاديث ما يخالف هذا الاحتمال وما قبله تنصيصاً وتصريحاً ، كما ورد في عل الشرايع عن عبد الله المحض(١) قال : قال لي أبوالحسن(٢) : لم سمّيت فاطمة فاطمة ؟ قلت : فرقاً بينه وبين الأسماء قال : إنّ ذلك لمن الأسماء ولكنّ الاسم الذي سمّيت به أنّ الله تبارك وتعالى علم ما كان قبل كونه فعلم أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يتزوّج في الأحياء وأنّهم يطمعون في وراثة هذا الأمر فيهم من قبله فلمّا ولدت فاطمة سمّاها الله تبارك وتعالى فاطمة لما أخرج منها وجعل في ولدها فقطعه عمّا طمعوا ، فبهذا سمّيت فاطمة ، لأنّها فطمت طمعهم ، ومعنى فطمت قطعت(٣)

وهذا الحديث ينصّ على أنّ لفظ فاطمة اسم فاعل متعدّ وهو وإن اختلفت وجوه حمله إلّا أنّ الجمع بينها ممكن فيكون بمعنى انقطاع الطمث ، وبمعنى منع

_________________

(١) عبد الله المحض : عبد الله بن الحسن بن الحسن راجع العلل والبحار ( هامش الأصل )

(٢) الظاهر إنّه الإمام زين العابدينعليه‌السلام

(٣) علل الشرايع : ١٧٨ باب ١٤٢ مكتبة الحيدريّة في النجف ، بحار الأنوار ٤٣ : ١٣ رقم ٧ ( هامش الأصل ) وجرى تطبيقه ( المترجم )

٢٠٩

الشيعة من النار ، ومنع ذرّيّتها ، وبمعنى قطع طمع من يطمع بوراثة النبي وخلافته أمّا إذا حملنا اللفظ على اسم المفعول أو جعلناه لازماً لا متعدّ فينبغي استبعاد هذا الخبر وطرحه

تنبيه :

عبارة هذا الحديث كما رأيتها مشتملة على سؤال وجواب ، المجيب هو أبوالحسن ، وبيان هذا الوجه للتسمية منه ولكن المؤرّخ المعاصر صاحب « ناسخ التواريخ » نسب السؤال والجواب كليهما إلى عبد الله المحض ولكن سياق الحديث ونظمه يدلّان على تعدّد السائل والمجيب ، لأنّه أخطأ أوّلاً في فهم الجواب وزعم أنّ هذا الاسم لم يسبق إليه من قبل ولكن الإمام قال : إنّه من الأسماء ثمّ أخذ في تبيين علّة هذه التسمية ، وسياق كتاب العلل والبحار كما نقلناه نحن إلّا أنّ في ناسخ التواريخ جاء مكان « قال » لفظ « قلت » والظاهر أنّ خطأ الناسخ وقلّة التدبّر جرّ إلى هذا الخلط وهذا هيّن في جنب ما لهذا الكتاب من جلالة وعظمة ومنفعة كبرى ، شكر الله سعيه وأحسن سقيه ورعيه

الوجه الثالث : هو أنّ الله تعالى لمّا رفع العذاب في جهنّم عن الشيعة ببركة هذا الوجود الشريف فكانت الصدّيقة سبباً لهذه النعمة العظيمة لذلك سمّيت فاطمة من قبيل نسبة الفعل إلى السبب ، فسمّيت فاطمةعليها‌السلام ، ومؤيّد هذا المعنى الحديث المارّ « فطمت من تولّاني » حيث صرّحت بسببيّتها في نجواها مع الخالق سبحانه ، بل بيّنت الظاهر من وجه التسمية حيث سبقها قولها « سمّيتني فاطمة » حيث يدرك ذلك المتأمّل الذي من دأبه استفادة المعاني من الألفاظ ويصدّق به

الاسم الثاني : الزهراء

ذكر في العلل لهذه التسمية جهتين :

٢١٠

الأُولى : عن الإمام الصادقعليها‌السلام : عن جابر عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : قلت له : لم سمّيت فاطمة الزهراء زهراء ؟ فقال : لأنّ الله عزّ وجلّ خلقها من نور عظمته فلمّا أشرقت أضاءت السماوات والأرض بنورها وغشيت أبصار الملائكة وخرّت الملائكة ساجدين ، قالوا : الهنا وسيّدنا ما لهذا النور ؟ فأوحى الله إليهم : هذا نور من نوري أسكنته في سمائي خلقته من عظمتي أخرجه من صلب أنبيائي أُفضّله على جميع الأنبياء وأُخرج من ذلك النور أئمّة يقومون بأمري ، يهدون إلى حقّي وأجعلهم خلفائي في أرضي بعد انقضاء وحيي(١)

والثاني : برواية أبان بن تغلب قال : قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام : يا بن رسول الله ، لم سمّيت الزهراءعليها‌السلام زهراء ؟ فقال : لأنّها تزهر لأمير المؤمنينعليه‌السلام في النهار ثلاث مرّات بالنور : كان يزهر نور وجهها صلاة الغداة والناس في فرشهم فيدخل بياض ذلك النور إلى حجراتهم بالمدينة فتبيّض حيطانهم فيعجبون من ذلك فيأتون النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فيسألونه عمّا رأوا فيرسلهم إلى منزل فاطمةعليها‌السلام فيأتون منزلها فيرونها قاعدة في محرابها تصلّي والنور يسطع من محرابها من وجهها فيعلمون أنّ الذي رأوه كان من نور فاطمة

فإذا نصف النهار وترتّبت للصلاة زهر وجههاعليها‌السلام بالصفرة فتدخل الصفرة حجرات الناس فتصفرّ ثيابهم وألوانهم فيأتون النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فيسألونه عمّا رأوا فيرسلهم إلى منزل فاطمةعليها‌السلام فيرونها قائمة في محرابها وقد زهر نور وجههاعليها‌السلام بالصلاة فيعلون أنّ الذي رأوه كان من نور وجهها

فإذا كان آخر النهار وغربت الشمس احمرّ وجه فاطمةعليها‌السلام فأشرق وجهها بالحمرة فرحاً وشكراً لله عزّ وجلّ فكان يدخل حمرة وجهها حجرات القوم

_________________

(١) الصدوق ، علل الشرايع ١ : ١٧٩ ( المترجم ) بحار الأنوار ٤٣ : ١٢ ( هامش الأصل )

٢١١

وتحمرّ حيطانهم فيعجبون من ذلك ويأتون النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ويسألونه عن ذلك فيرسلهم إلى منزل فاطمة فيرونها جالسة تسبّح الله وتمجّده ونور وجهها يزهر بالحمرة فيعلمون أنّ الذي رأوا كان من نور وجه فاطمةعليها‌السلام ، فلم يزل ذلك النور في وجهها حتّى ولد الحسينعليه‌السلام فهو يتقلّب في وجوهنا إلى يوم القيامة في الأئمّة منّا أهل البيت ، إمام بعد إمام(١)

وهذا مختصر مضمون الحديث المروي في علل الشرايع(٢)

وقريب من هذه الرواية ما رواه البحار عن المناقب عن أبي هاشم العسكري إنّه قال : سألت صاحب العسكرعليه‌السلام : لم سمّيت فاطمة الزهراءعليها‌السلام ؟ فقال : كان وجهها يزهر لأمير المؤمنينعليه‌السلام من أوّل النهار كالشمس الضاحية وعند الزوال كالقمر المنير وعند غروب الشمس كالكوكب الدرّيّ(٣)

ونقل هذه العبارة في المناقب بعد العبارة ( غريبين ) التي ذكرها في وجه تسمية البتول ، واشتبهت الحال على المؤرّخ المعاصر فأسقط اسم « أبو هاشم » راوي الحديث وروى الحديث عن الغريبين بلا واسطة وقال : حكى عبيد الهروي في الغريبين قال : سألت « صاحب العسكر » وهذا الخطأ غاية في الغرابة من عدّة جهات ، وأهل هذه الصناعة يعرفون ذلك وما من حاجة إلى البيان(٤)

_________________

(١) علل الشرايع ١ : ١٧٩ ( المترجم ) علل الشرايع : ١٨٠ باب ١٤٣ ، بحار الأنوار ٤٣ : ١١ رقم ٢ ( هامش الأصل )

(٢) اختصره المؤلّف ورويناه بطوله ( المترجم )

(٣) بحار الأنوار ٤٢ : ١٣٥ باب ١٢٢ أحوال رشيد الهجري وميثم ( المترجم ) بحار الأنوار ٤٣ : ١٦ ( هامش الأصل )

(٤) أوّلاً : اسم الهروي أحمد بن محمّد وكنيته أبو عبيد وليس اسمه عبيداً ثانياً : توفّي الهروي عام عشر بعد الأربعمائة من الهجرة النبويّة وبين وفاته ووفات الإمام العسكريعليه‌السلام مائة وخمسون عاماً فكيف يروي

٢١٢

الاسم الثالث : سيّدة نساء العالمين

وفي الأخبار المتواترة عن أهل بيت العصمة والطهارة أنّ هذا اللقب الشريف ثابت لها بل صار ذلك من ضروريّات مذهب الشيعة واعترف بثبوت هذا اللقب لها كثير من علماء أهل السنّة والجماعة مثل الفخر الرازي والسعد التفتازاني في ( المقاصد ) و ( شرح المقاصد ) و ( شرح العقائد ) والشريف الجرجاني في شرح المواقف وعمر النسفي في العقائد ، ومحمّد بن يعقوب الفيروزآبادي ، ومحبّ الدين الطبري ، والفضل بن روزبهان الاصفهاني وشمس الدين يوسف ابن الجوزي ، وكمال الدين محمّد بن طلحة وابن أبي الحديد وغيرهم

ولمّا نشب الخلاف بين علماء السنّة مع وجود هذه التصريحات حول من هي الأفضل ؟ وجاء في رسالة الشيخ محمّد الصبّان أنّ الأقرب عند الكثير تفضيل مريم على نساء العالمين ثمّ خديجة ثمّ فاطمة ثمّ عائشة ، وجماعة على تفضيل عائشة(١)

وحكي عن الأشعري التوقّف(٢) ونقل عن شيخ إسلامهم ابن حجر المتقدّم العسقلاني في شرح البهجة التفضيل من جهات فعايشة من جهة العلم أفضل وخديجة من جهة السبق إلى الإسلام وإعانة الرسول ، وفاطمة من جهة القرابة وكونها بضعة النبي ، ومريم من جهة الاختلاف في نبوّتها وهذا القول باطل جملة

_________________

عنه ؟ ثالثاً : لم يعدّه أحد من أهل الشيعة ولا أهل السنّة من أصحاب الإمام العسكري رابعاً : أسقط لفظ أبو هاشم وهو كنية داود بن القاسم الجعفري وهو من أجلّة أصحاب الجواد والهادي والعسكري والمنتظرعليهم‌السلام الثقات خامساً : لم يعزُ الرواية إلى ابن شهرآشوب ورواها بنحو الاستقلال والظاهر أنّها بنحو الوجادة ( منهرحمه‌الله )

(١) إنّما فضّلوها لشديد بغضها لعليّ وأهل بيته وأنا اليوم على استعداد لإثبات كفر عائشة بالأرقام أمّا نفاقها فثابت لا شكّ فيه لقول النبيّ لعليّعليهما‌السلام : لا يبغضك مؤمن ولا يحبّك منافق ، وكانت عائشة تبغضه في حياة النبيّ وبعد وفاته فكيف صارت أفضل وصدّيقة ؟ ( المترجم )

(٢) لعنه الله ولعن دينه

٢١٣

لمخالفته للنصوص الثابتة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وعترته الأطهار(١)

لأنّ اتفاق علماء الشيعة حاصل بأنّه ما من امرأة عند الله أقرب منزلة من فاطمةعليها‌السلام بل يستفاد من الأخبار أنّهاعليها‌السلام أفضل من جميع الأنبياء والمرسلين حتّى أُولي العزم(٢) بل فضّلها بعض العلماء على الحسن والحسين وسائر الأئمّةعليهم‌السلام ولمّا كان قانون المناظرة يقتضي أن تحتجّ على الخصم بكتبه لذلك نحن نستمدّ العون من سيّدتناعليها‌السلام ونورد قسماً من الأخبار الصحيحة الموثّقة من كتب أهل السنّة والجماعة بعون الله تعالى الدالّة على أنّ فاطمة سيّدة نساء العالمين وأنّ جميع نساء العالمين دونها بالرتبة

الخبر الأوّل : محمّد بن إسماعيل البخاري في الجامع الصحيح يقول : قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : فاطمة سيّدة نساء أهل الجنّة(٣)

وهذه الرواية وإن كانت مرسلة ولكن لورودها في كتاب البخاري تعتبر صحيحة عند أهل السنّة لأنّه أجمعوا على تصحيح ما رواه البخاري في جامعه وإن رواه الضعفاء أو كان مرسلاً كما صرّح ابن خلدون بذلك في مقدّمته

وهذا الحديث مرويّ في البحار عن مناقب ابن شهرآشوب ورواه مسلم في الصحيح وأبو السعادات في فضائل العشرة وأبو بكر بن شيبة في الأمالي والديلمي في الفردوس(٤)

_________________

(١) ينبغي ألَّا يوثق بكلّ نقل فقد ثبت ابن حجر العسقلاني قوله : فاطمة أفضل من خديجة وعائشة بالإجماع ثمّ خديجة ثمّ عائشة راجع القاضي عبدالنبي الأحمدنگري (جامع العلوم ١ : ٩ ) ( المترجم )

(٢) وهذا ما ذهب إليه مولانا الأميني في محاضراته التي ترجمناها إلى العربيّة بعنوان ( فاطمة أُمّ أبيها ) وينبغي للمؤلّف أن يستثني من أُولي العزم والدهاصلى‌الله‌عليه‌وآله ويستثني من بقيّة الناس بعلهاعليها‌السلام ( المترجم )

(٣) صحيح البخاري ٥ : ٢٠ ـ ٢١ ط المنيريّة سيّدة نساء المؤمنين أو نساء هذه الأُمّة ، رقم ٦٠٤٩ ( المترجم )

(٤) بحار الأنوار ٤٣ : ٣٧ وإحقاق الحق ١٠ : ٦٩ ـ ٩٩ ( هامش الأصل )

٢١٤

الخبر الثاني : رواه مسلم بن الحجّاج القشيري النيسابوري في صحيحه بسندين وأحمد بن شعيب النسائي في الخصائص عن عائشة أنّ فاطمةعليها‌السلام قالت : قال لها النبيّ : أما ترضين أن تكوني سيّدة نساء المؤمنين أو سيّدة نساء الأُمّة(١)

والظاهر أنّ الترديد من الراوي ومهما كانت ألفاظ الرواية فإنّها تدلّ على فضل الزهراء على مريمعليها‌السلام فإن كان اللفظ « المؤمنين » فمريم داخلة في هذا المفهوم ويشملها بنفسه إلّا أن يدّعىٰ أنّ اللفظ ينصرف إلى مؤمني هذه الأُمّة وهنا يمنع من دخول مريم فيهم ، وإن قصد بالنساء نساء هذه الأُمّة فإنّها بمعونة الروايات المرويّة في هذا الجامع يكون بالإمكان إثبات مطلوبنا وعلى كلا الحالتين فقد روي في باب فضائل الخديجة عن أمير المؤمنين أنّه قال : سمعت رسول الله قال : خير نساءها مريم ابنة عمران وخير نسائها خديجة بنت خويلد وهذه الرواية رواها بأربعة أسانيد بمعنى أنّه كرّر « حا » الذي هو في اصطلاح المحدّثين علامة على التحويل ( ويسمّونه حاء التحويل ) ثلاث مرّات وفي إحدى الطرق رواية أبي كريب عن وكيع ، ولهذا يقول بعد نقل الحديث : إنّ وكيع أشار وهو يروي الرواية إلى السماء والأرض أي : إنّ مرجع الضمير « ها » في « نسائها » عيّنه وكيع وهو الدنيا كلّها وهذا اللون من الإشارات رائج عند العرب

ويفهم من هذا الحديث المروي في صحيح مسلم المتكرّر الإسناد مرتبة مريم وخديجة من طريق أهل السنّة ، ولا شكّ بأنّ سيّدتنا خديجةعليها‌السلام من نساء هذه الأُمّة وفاطمة بحكم الحديث المذكور سيّدة نساء هذه الأُمّة ولازمه أن تكون أفضل من مريم أيضاً لأنّ من فضل أحد المتساويين فضل الآخر بالملازمة وعلى

_________________

(١) صحيح مسلم ٧ : ١٤٢ ط محمّد صبيحي بمصر ، وإحقاق الحقّ ١٠ : ١٠٦ أحاديث ( هامش الأصل ) وجرى تطبيقه في صحيح مسلم رقم ٦٢٦٠ ( المترجم )

٢١٥

هذا ففاطمةعليها‌السلام سيّدة نساء العالمين بمقتضى الحديث الذي رواه مسلم وهو صحيح متفق عليه عند أهل السنّة والجماعة وهذا البيان من غنائم هذا الشرح ، والحمد لله على وضوح الحجّة

الخبر الثالث : نقل عزّالدين أبو الحسن عليّ بن محمّد بن عبد الكريم بن الأثير الجزري في أسد الغابة في ذيل رواية مفصّلة ينتهي سندها بمسروق عن عائشة أنّ فاطمةعليها‌السلام أخبرتها عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال لها : « ألا ترضين أن تكوني سيّدة نساء العالمين ؟ »

ثمّ نقل ذلك عن أبي صالح أنّه قال : رواه البخاري في الصحيح عن أبي نعيم وهذا من غريب الصحيح فإنّ زكريّا روى عن الشعبي أحاديث في الصحيحين وهذا يرويه عن فراس عن الشعبي(١)

الحديث الرابع : روى الترمذي في صحيحه عن حذيفة أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : أما رأيت العارض عرض لي قبل ذلك ، هو ملك من الملائكة لم يهبط إلى الأرض قطّ قبل هذه الليلة استأذن ربّه أن يسلّم عليّ ويبشّرني أنّ الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة وأنّ فاطمة سيّدة نساء أهل الجنّة(٢) (٣)

الخبر الخامس : نقل أحمد بن شعيب النسائي في كتاب الخصائص عن عائشة بأنّها روت عن فاطمةعليها‌السلام أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لها : يا فاطمة ، أما ترضين أن تكوني سيّدة نساء هذه الأُمّة وسيّدة نساء العالمين(٤)

_________________

(١) أُسد الغابة ٥ : ٥٢٢ ط مصر ، وإحقاق الحقّ ١٠ : ٢٧ ( هامش الأصل )

(٢) صحيح الترمذي ٣ : ١٩٧ ط الصاوي بمصر ، وإحقاق الحقّ ١٠ : ٦٩ أحاديث ٢ ، الخصائص : ٤٣ ط التقدم بمصر ، إحقاق الحقّ ١٠ : ١٠٨ ( هامش الأصل )

(٣) الترمذي ٥ : ٣٢٦ بسياق يختلف عن سياق المؤلّف ( المترجم )

(٤) الخصائص : ٤٣ ط التقدّم بمصر ، إحقاق الحقّ ١٠ : ١٠٨ ( هامش الأصل )

٢١٦

قال في الصواعق : أخرجه أحمد والنسائي وابن حبّان

الخبر السادس : أحمد بن عبد الله بن محمّد أبوالعبّاس محبّ الدين الطبري المكّي إمام أهل السنّة روى في ذخائر العقبى عن أُمّ سلمة(١) أنّها روت عن فاطمة الزهراءعليها‌السلام أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لها : أما ترضين أن تأتي يوم القيامة سيّدة نساء العالمين أو نساء أهل الجنّة(٢)

ولمّا وردت هذه الأخبار بسياقات مختلفة من طريق البخاري ومسلم والترمذي والدولابي وغيرهم ممّا احتمل تعدّد الواقعة ليجمع بينها وهذا وجه وجيه كما عمل ابن حجر في باب أخبار الكساء فقد احتمل تعدّد الخبر عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وقال : إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله جمعهم مرّات تحت الكساء وقرأ عليهم آية

_________________

(١) وصفه السيوطي في طبقات الشافعيّة بالإمام المحدّثي فقيه الحرم شيخ الشافعيّة محدّث الحجاز وقال عنه الصفدي في الوافي بالوفيات : شيخ الحرم الفقيه الزاهد المحدّث ولقّبه عبدالوهّاب بن السبكي في طبقات الشافعيّة بشيخ الحرم وحافظ الحجاز بلا مدافع وقال الأسنوي في طبقات الشافعيّة : شيخ الحجاز ، كان عالماً عاملاً جليل القدر عالماً بالآثار والفقه وأورد الذهبي في كتاب العبر ودول الإسلام وتذكرة الحفّاظ والمعجم بأنّه الإمام المحدّث المفتي فقيه الحرم مصنّف الأحكام ، كان عالماً عاملاً جليل القدر عارفاً بالآثار ومن نظر في أحكامه عرف محلّه من العلم والفقه ، عاش ثمانين سنة ، مات سنة أربع وتسعين وستمائة ، وإذا أردت أن تحيط علماً بما قيل فيه من كلمات المدح فعليك بالرجوع إلى كتاب عبقات الأنوار تصنيف السيّد الجليل المحدّث العالم نادرة الفرك وحسنة الهند ومفخرة لكهنو وغرّة العصر خاتم المتكلّمين المولوي الأمير حامد حسين المعاصر الهندي الكهنوي قدّس سرّه وضوعف برّه ، وإنّي أُدين الله بأنّه منذ تأسيس علم الكلام إلى هذا اليوم حيث أكتب هذا المختصر ، لم يؤلّف كتاب في مذهب الشيعة مثل هذا الكتاب المبارك من حيث اتفاق النقل وكثرة الاطّلاع على كلمات الأعداء والإحاطة بالروايات الواردة من طرق الخصوم في باب الفضائل إلى آخر ما جاء فيها فجزاه الله عن آبائه خير جزاء ولد عن والده ووفّق خلفه الصالح لإتمام هذا الخبر الناجح وما نقلناه نحن في هذا المقام من التعريف بالمحبّ الطبري إنّما هو اختصار وجيز ممّا ورد في ذلك الكتاب

(٢) ذخائر العقبى : ٤٢ ط مكتبة القدسي بمصر ( هامش الأصل )

٢١٧

التطهير(١) كما فعل في حديث التمسّك بالثقلين فقد قال : رواه عن النبي عشرون ونيّف من الصحابة سمعوه منه في مواضع مختلفة

الخبر السابع : روى في البحار عن مناقب ابن شهرآشوب وهو من أجلّة علماء الإماميّة وقد أثنى عليه علماء أهل السنّة والجماعة ثناءاً بليغاً وقد اعترفوا بوثاقته وتقواه ، كما نقل السيّد الجليل المعاصر الهندي عن الوافي بالوفيات للصلاح الصفدي أنّه قال : محمّد بن علي بن شهرآشوب أحد شيوخ الشيعة ، حفظ أكثر القرآن وله ثماني سنين ، كان يرحل إليه من البلاد ، وكان صدوق اللهجة ، مليح المحاورة ، واسع العلم ، كثير الخشوع والعبادة والتهجّد ، لا يكون إلّا على وضوء ، أثنى عليه ابن أبي طي كثيراً ونقل عن صاحب القاموس في البلغة أنّه اعترف بسعة علمه وكثرة عبادته ودوام وضوئه ، وكذلك اعترف السيوطي بهذه الفضائل وأضاف إليها : كثرة الخشوع

وفي طبقات المفسّرين نقل شمس الدين محمّد بن علي المالكي تلميذ جلال الدين السيوطي : اشتغل بالحديث ولقي الرجال وتفقّه فبلغ النهاية حتّى صار رحلة وتقدّم في علم القرآن والتفسير النحو وكان إمام عصره وواحد دهره وهو عند الشيعة كالخطيب البغدادي ، واسع العلم كثير الفنون ، انتهت عبايرهم ملخّصة محذوفة الأكثر

والسرّ في إسهابنا في نعت ابن شهرآشوب من كتب أهل السنّة والجماعة لكي لا يتّهم في نقله وإن كنت أنقل من بحار الأنوار في هذا الكتاب ، ولكن المناقب كثيرة الصدور واسعة الانتشار والحمد لله والكتب التي ينقل منها موجودة أيضاً والمفقود منها قليل

_________________

(١)( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّـهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا )

٢١٨

ومجمل القول أنّ الشيخ في المناقب ينقل عن الخطيب البغدادي وقال : تاريخ بغداد عن الخطيب عن حميد الطويل عن أنس قال : قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : خير نساء العالمين مريم بنت عمران وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمّد وآسية امرأة فرعون ثمّ إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فضّلها على سائر نساء العالمين في الدنيا والآخرة(١)

وروت عائشة وغيرها عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : يا فاطمة ، إنّ الله اصطفاك على نساء العالمين وعلى نساء الإسلام وهو خير دين(٢)

أقول : يستفاد من هذا الحديث إذا كانت امرأة أفضل نساء هذه الأُمّة فلازم ذلك أن تكون أفضل نساء سائر الأُمم وبناءاً على هذا تشهد الأخبار المرويّة في صحيح مسلم وصحيح الترمذي وخصائص النسائي وغيرها من الكتب المعتمدة لأهل السنّة والجماعة التي أطلقت على سيّدتنا الصدّيقة لقب « سيّدة نساء الأُمّة » والآن لك أن تراجع وتتأمّل وتشكر النعمة عليك حيث حفظ فضل أهل البيت فلم يستطع أحد إهداره ، ولقد بذل العدوّ غاية الجهد لكي يكتم فضلهم فما استطاع ومع عظيم سعيه في ذلك فقد وصل إلينا من فضلهم ما يكفي لإقراره ونشره ، وحالفنا التوفيق في ذلك ، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون ، والحمد لله كلّما حمده الحامدون

الخبر الثامن : بحار الأنوار عن المناقب عن حلية أبي نعيم عن جابر بن سمرة عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال في حقّ فاطمةعليها‌السلام : أمّا إنّها سيّدة النساء يوم القيامة(٣)

_________________

(١) في تاريخ بغداد روايتان عن حميد الطويل وينتهي بالسند إلى أنس والثانية عن ثابت عن أنس وليس فيهما زيادة في الدنيا والآخرة راجع : ٧ : ١٩٤ و ٩ : ٤١١ ط بيروت دار الكتب العلميّة ، الأُولى ١٤١٧ ( المترجم )

(٢) بحار الأنوار ٤٣ : ٣٦ ( هامش الأصل )

(٣) بحار الأنوار ٤٣ : ٣٧ ( هامش الأصل )

٢١٩

الخبر التاسع : البحار عن المناقب عن تاريخ البلاذري وهو من أكابر مؤرّخي علماء السنّة والجماعة أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لها : أما ترضين أن تكوني سيّدة نساء أهل الجنّة(١)

الخبر العاشر : مير سيّد علي الهمداني الذي يدعوه السنيّون « عليّاً الثاني » قال في كتاب « مودّة القربى » : عن فاطمةعليها‌السلام قالت : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أما ترضين أن تكوني سيّدة نساء العالمين أو نساء أُمّتي(٢)

وهذا الحديث يختلف عن حديث الخصائص اختلافاً ظاهراً لأنّ في الأوّل ( سيّدة نساء هذه الأُمّة ) مقدّم على جملة ( سيّدة نساء العالمين ) وفي هذا الحديث وردت جملة ( او نساء أُمّتي ) بحذف سيّدة وإضافة لفظ « أُمّة » وحذف لفظ « هذه » وهذه الجملة متأخّرة وهي مشعرة بتعدد الحديث

وهذا مجموع الأخبار العشرة التي استخرجناها من صحاحهم المعتمدة لديهم وما كنّا ننوي الاستيفاء ولقد صرّح ابن أبي الحديد بتواتر خبر « فاطمة سيّدة نساء العالمين » والحمد لله على وضوح الحجّة

هذا وإن كانت هناك أخبار غيرها من طريق العامّة ولكنّها تستثني مريم بنت عمران ، ولمّا كانت الأخبار المتقدّمة تتفق مع أخبار الإماميّة المنقولة عن أهل بيت الرسالة صلّى الله عليهم وهم معادن العلم ومخازن الوحي مِن ثَمّ كانت لدينا أرجح وهي مقدّمة على ما سواها ، وينبغي أن يهمل من الأخبار ما يعارضها ونحن وإن ألمعنا من قبل إلى أنّ إجماع الإماميّة قائم على أنّ فاطمة سيّدة نساء العالمين

_________________

(١) نفسه ٤٣ : ٣٧ ( هامش الأصل )

(٢) مودّة القربى : ٢٦٠ ط بصيرتي ، وفرائد السمطين ١ : ٥٥ ط بيروت قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : وأُمّهما سيّدة نساء العالمين ( هامش الأصل )

٢٢٠

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439