شفاء الصّدور في شرح زيارة العاشور الجزء ١

شفاء الصّدور في شرح زيارة العاشور0%

شفاء الصّدور في شرح زيارة العاشور مؤلف:
المحقق: محمد شعاع فاخر
الناشر: انتشارات المكتبة الحيدرية
تصنيف: متون الأدعية والزيارات
ISBN: 964-503-000-5
الصفحات: 439

شفاء الصّدور في شرح زيارة العاشور

مؤلف: ميرزا أبي الفضل الطهراني
المحقق: محمد شعاع فاخر
الناشر: انتشارات المكتبة الحيدرية
تصنيف:

ISBN: 964-503-000-5
الصفحات: 439
المشاهدات: 31328
تحميل: 3871

توضيحات:

الجزء 1
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 439 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 31328 / تحميل: 3871
الحجم الحجم الحجم
شفاء الصّدور في شرح زيارة العاشور

شفاء الصّدور في شرح زيارة العاشور الجزء 1

مؤلف:
الناشر: انتشارات المكتبة الحيدرية
ISBN: 964-503-000-5
العربية

أعائش خلّي عن عليّ وعيبه

بما ليس فيه إنّما أنت والده

وصيّ رسول الله من دون أهله

وأنت على ما كان من ذاك شاهده

ويقول عبد الله بن بديل الورقاء :

يا قوم للحظة العظمى التي حدثت

حرب الوصي وما للحرب من آسي

ويقول عمر بن أحيحة يذكر ابن الزبير ويمدح المجتبىعليه‌السلام :

لست كابن الزبير لجلج في القول

وطأطأ عنان فسل(١) مريب

وأبى الله أن يقول بما قام

به ابن الوصيّ وابن النجيب

ويقول زحر بن قيس الجعفي :

أضربكم حتّى تقرّوا لعلي

خير قريش كلّها بعد النبي

من زانه الله وسمّاه الوصي

إنّ الوليّ حافظ ظهر الولي

وكذلك يقول :

فصلّى الإله على أحمد

رسول المليك تمام النعم

رسول المليك ومن بعده

خليفتنا القائم المدّعم

عليّاً عنيت وصيّ النبي

تجالد عنه غواة الأُمم

ويقول الأشعث بن قيس :

أتانا الرسول رسول الوصي

عليّ المهذّب من هاشم

وزير النبيّ وذي صهره

وخير البريّة والعالم

ونسب نصر بن مزاحم الأشعار التالية للإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام في كتاب صفّين :

يا عجباً لقد رأيت منكرا

كذباً من القول يشيب الشَّعَرا

ما كان يرضى أحمد لو أُخبرا

أن يقرنوا وصيّه والأبترا

_________________

(١) الفسل : الضعيف الذي لا مروءة له ولا جلد ( هامش الأصل )

٢٠١

شاني الرسول واللعين الأخزرا

إنّي إذا الموت دنى وحضرا

إلى آخر الأشعار وقول جرير بن عبد الله البجلي :

وصيّ رسول الله من دون أهله

وفارسه الحامي به يضرب المثل

ويقول نعمان بن العجلان الأنصاري :

كيف التفرّق والوصيّ إمامنا

وذروا معاوية الغويّ وتابعوا

دين الوصيّ لتحمدوه آجلا

         

ويقول المغيرة بن الحارث بن عبد المطّلب :

فيكم وصيّ رسول الله قائدكم

وصهره وكتاب الله قد نشرا

وقول عبد الله بن عبّاس بن عبد المطّلب رضي الله عنهم :

وصيّ رسول الله من دون أهله

وفارسه إن قيل هل من مُنازِل

ومن خلال تأمّل هذه الأشعار التي قالها كثير من الصحابة الذين يرى أهل السنّة والجماعة قول كلّ واحد منهم حجّة ، يقطع كلّ منصف صاحب دين أنّ الإمام يعرف في ذلك الزمان بصفة الوصاية عند كلّ أحد ، وسمعت قول ذلك المخذول الضبي القائل :

نحن بني ضبّة أعداء علي

ذاك الذي يُعرَف قدماً بالوصي

ونكتفي بهذا المقدار من أشعار العدو والولي المسلمّة التي ذكرتها في الكتاب

المطلب الثاني : في إثبات كون الإمام أمير المؤمنين سيّد الأوصياء

وهذا المعنى ثابت بعد إثبات الوصيّة لأنّ كلّ وصيّ يقتبس من نور موصيه ، ويستمدّ من روحانيّته الفيض الذي يحويه ، والقاعدة تقضي بأنّ المفيض إن كان أشرف كان المستفيض تبعاً له في أشرفيّته ، وكلّما كان المتبوع أعظم كان التابع أعظم أيضاً ، ولمّا كان فضل نبيّنا على الأنبياء ثابتاً كان وصيّه الذي يترسّم خطى

٢٠٢

النبي بقدم الولاية أفضل الأوصياء كما يجب أن تعلم أنّ الوصيّ تارة يكون وصيّاً بلا واسطة وأُخرى مع الواسطة فإذا اعتبرناه وصيّاً بلا واسطة ومعنى ذلك أنّه المبلّغ عن النبيّ وحامل أسراره ومتبّع آثاره ومفيض أنواره وناشر أحكام شريعته المفروض على الآخرين الرجوع إليه والأخذ منه كما هو الظاهر في قيد عدم الواسطة وبهذه النظرة يكون أمير المؤمنين خاتم الأوصياء كما ثبت هذا اللقب له وفقاً للأخبار الكثيرة المرويّة من طرق الخاصّة والعامّة

وإذا اعتبرنا الوصي أعمّ من ذي الواسطة وعدمها يكون الحجّة المنتظر عجّل الله تعالى فرجه هو خاتم الأوصياء ولكنّ الاستعمال الأوّل أكثر شيوعاً في جدّه المرتضىعليه‌السلام ومن هذه الجهة كان جابر بن عبد الله الأنصاري إذا ذكر الإمام الباقرعليه‌السلام قال : حدّثني وصيّ الأوصياء(١)

وبالنظر إلى الاستعمال الثاني « سيّد الوصيّين » بمعنى أنّ على أوصياء النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله الأخذ من جنابهعليه‌السلام

وإنّما بلغتهم ودايع النبوّة وبدايع الولاية بواسطة ذاته المقدّسة ومن وراثتهم مقامه المحمود بلغوا درجة الرئاسة الكلّيّة على ماسوى الله من هنا جاء في بعض الزيارات مخاطبة ( الإمام الحسين ) بقول القائل : « يا وصيّ أمير المؤمنين »(٢)

_________________

(١) ارشاد المفيد ٢ : ١٦٠ ونسخة المؤلّف : ٢٨٠ ، بحار الأنوار ٤٦ : ٢٨٦ ط بيروت ، مناقب ابن شهرآشوب ٢ : ٢٧٣ في إمامة أبي جعفر ، بحار الأنوار ٤٦ : ٢٨٦ ط بيروت

(٢) في زيارة الإمام الحسينعليه‌السلام : « السلام عليك يا وصيّ أمير المؤمنين » وفي زيارة العسكري : « السلام عليك يا بن الأولياء الراشدين » وفي زيارة صاحب الأمر : « السلام عليك يا وصيّ الأوصياء » وفي فرائد السمطين ١ : ٥٥ قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : وأبوهما سيّد الوصيّين

يزيد بن ساباط قال : دخلت على أبي عبد اللهعليه‌السلام في مرضه الذي مات فيه ثمّ دعا موسى وعبد الله وإسحاق ومحمّداً وقال لهم : هذا وصيّ الأوصياء وعالم علم العلماء

٢٠٣

ومجمل القول وردت روايات كثيرة عن أمير المؤمنينعليه‌السلام من طرق العامّة بتلقيبه بلقب سيّد الوصيّين وخير الوصيّين من هذه الحديث ما رأيته في اليقين من الروايات السبعة التي ذكرت الإمام بلقب خير الوصيّين وفيه خمس روايات ذكرت الإمامعليه‌السلام بلقب سيّد الوصيّين

وعندنا أخبار كثيرة وروايات وفيرة مبثوثة في تضاعيف كتب هذه الطائفة ومطاوي مؤلّفاتها يوجب ذكرها الخروج عن سياسة الاختصار(١) ومن أجل التيمّن بها نذكر الحديث أدناه من كتاب « مودّة القربى » تأليف السيّد مير علي الهمداني الذي يوصف بأنّه جامع الأنساب الثلاثة ، عن ابن عبّاس قال : دعاني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال لي : أُبشّرك إنّ الله تعالى أيّدني بسيّد الأوّلين والآخرين والوصيّين علي ، فجعله كفو ابنتي فإن أردت أن تنتفع به فاتّبعه

اللهمّ نقسم عليك بحقّ هذا الوجود المبارك السعيد أن توفّقنا لمتابعته وتنفعنا ببركته في الدنيا والآخرة

تنبيه :

اعلم أنّ عارفي أهل السنّة زوّروا كلاماً في المسألة يخدع العوام وفحواه أنّ وصاية عليّعليه‌السلام باطنيّة ولم يُعهد إليه الرياسة الظاهريّة لأنّ مقامه أرفع من أن يلي

_________________

الكافي : بالإسناد عن يونس بن يعقوب عن أبي عبد الله في حديث الشامي : إنّ الإسلام قبل الإيمان صدقت وأنا أشهد أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّداً رسول الله وأنّك وصيّ الأوصياء ورواه الطبرسي في الاحتجاج والطبرسي في إعلام الورى والمفيد في الإرشاد ( اثبات الهداة ٣ : ٧٨ الرقم ٧ ) ( هامش الأصل ) وجابر هو بن يزيد الجعفي لا الأنصاري ( المترجم ـ راجع الإرشاد ٢ : ١٦٠ )

(١) تجد تفصيلها في كتاب إحقاق الحقّ ٤ : ١٠٠ فراجعه إن شئت

٢٠٤

ذلك ، وبهذا التقريب الباطل وهو من شبهات الشياطين صحّحوا خلافة خلفائهم(١)

نقل الميبدي عن الشيخ علاء الدين السمناني أنّه قال : الولاية علم الباطن والوراثة علم الظاهر ، والإمامة علم الباطن والظاهر ، والوصاية حفظ سلسلة الباطن ، والخلافة حفظ سلسلة الظاهر ، وكان عليّ بعد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وليّاً ووارثاً وإماماً ووصيّاً ولم يكن خليفة ولكنّه استخلف بعد عثمان ، تمّ كلامه

والحقّ يقال : إنّ على كلّ عاقل أن يشتدّ عجبه من استيلاء سلطان الضلالة على هؤلاء وغرز مخالب الشيطان فيهم ، وأن تبلغ به الحيرة كلّ مبلغ ، وإنّ من أعجب العجايب ان يظلّ امرئ حائز على علم الظاهر والباطن جليس داره وحلس بيته ثمّ يختار بضعة أفراد ممّن لا علم لهم ولا فهم ولا يعرفون موطئ قدمهم عن الشريعة والطريقة ولا يعلمون من ظواهر القرآن بمقدار ذرّة للرياسة الكلّيّة والخلافة الالهيّة ، سبحان الله !

وكيف يتسنّى لمن لا علم له الرياسة الظاهرة وهي حكومة على الأموال والنفوس والأعراض لعامّة الخلق ويكون مرجعاً لجميع الأحكام ومبنيّاً لتمام الوقائع لجميع الطبقات المختلفة والفرق المتفاوتة من أصناف البشر وأخلاط الزمر وهو فاقد للعلم والمعرفة وغير مُلِمّ بمراتب الأُمّة جميعها أقول : بأيّ وجه يتيسّر له ذلك ؟ ذلك هو الضلال المبين

وما قالوه من أنّ الرياسة الظاهريّة لا تناسب مقامه حيلة من وحي إبليس

_________________

(١) أقول : ما عثرت على هذا القول منسوباً إلى هؤلاء في كتاب غير شفاء الصدور وهم لا يرون الباطن من الإسلام فكيف يقولون به ، نعم ممّن اعترف بالوصيّة منهم قال : إنّما وصّاه على أهل بيته وليس على أُمّته ومن لم يعترف بالوصيّة منهم فلا يحتاج إلى أحد القولين بل فزع إلى الجحود والإنكار ورآه أقرب الطرق إلى السلامة من مقارعة حجج الشيعة وصدمات براهينهم ( المترجم )

٢٠٥

شيطانيّة ، لأنّ غرض الأنبياء لم يكن الرياسة الظاهريّة لكن لمّا توقّف عليها هداية الخلق كافّة ونشر أحكام الدين وإجراء الحدود وإغاثة الملهوف وإعانة المظلوم والاقتصاص من الظالم وحفظ رتب الخلق وطبقاتهم ، وتوسعة أرزاق الفقراء وأخذ الوجوه الشرعيّة وأخيراً إقامة نظام معاش بني آدم الموجب لصلاح أهل العالم جميعاً لا يتمّ أبداً إلّا بهذه الرياسة الظاهريّة على الوجه الصحيح المطلوب للشرع مِن ثَمّ جعلها الله خاصّة بالأولياء والأنبياء

وإن عُدِم ذلك فإنّ المفاسد التي ما تزال من أوّل الدنيا إلى يومنا هذا تشاهد ويبلغ عنها تنشر في الأرض وتعمّ الفوضى ويستشري الظلم ، وهذا القدر كاف في توجيه عقول أهل الإنصاف

٢٠٦

السَّلامُ عَلَيْكَ يا بن فاطِمَةَ الزَّهْرَاءِ سَيِّدَةِ نِساءِ الْعالَمِينَ

الشرح : ينبغي على مذهب البصريّين أن يكون لفظ الزهراء مجروراً ، لأنّ الاسم واللقب كليهما مفردان وهو مختار ابن مالك ، والتحقيق في ذلك أنّ اللقب يجوز فيه الاتباع والقطع ، فقد روى الفرّاء أنّه سمع من العرب : « هذا يحيى عينان وقيس قفه » وقال الفصحاء : « عبد الله بن قيسٍ الرقيات » بتنوين قيس ، ونجم الأئمّة الرضيرضي‌الله‌عنه اختار هذا ، ونحن سلكنا هذا المسلك في منظومتنا الممزوجة بالألفيّة ، وبناءاً على هذا فإن لم يثبت الجرّ جازت الوجوه الثلاثة وشواهد ذلك في أخبار آل محمّد وهم الحجّة في ذلك كثيرة

وهذه العبارة تشتمل على ثلاثة أسماء من أسماء البتول المقدّسة :

الأوّل : « فاطمة » وقد رويت علّة تسميتها بهذا الاسم في العلل ومعاني الأخبار والعيون والأمالي وغيرها عن الأئمّة الأطهارعليهم‌السلام بأسانيد مختلفة وألفاظ متفاوتة ، ففي بعض هذه الروايات « لأنّها فُطِمت هي وشيعتها من النار(١)

وفي بعضها : لأنّ الله فطم من أحبّها من النار(٢)

وفي بعضها : أتدري أيّ شيء تفسير فاطمة ؟ قلت : أخبرني يا سيّدي قال : فطمت من الشرّ(٣)

وفي بعضها : إنّي فطمتك بالعلم وفطمتك عن الطمث(٤)

_________________

(١) بحار الأنوار ٤٣ : ١٢ رقم ٣ ط طهران

(٢) نفسه ٤٣ : ١٢ ط طهران ( هامش الأصل )

(٣) بحار الأنوار ٤٣ : ١٠ ( المترجم )

(٤) نفسه ٤٣ : ١٣ ( المترجم )

٢٠٧

وفي بعضها : سمّيتني فاطمة وفطمت بي من تولّاني وتولّى ذرّيّتي من النار(١)

ويذكر هذا في وجه المناسبة وجميع هذه الأخبار مذكورة في العلل ، الأوّل في العيون ، والثاني في المعاني ، والثالث في البحار عن الأمالي(٢)

وتوجد هذه الرواية في كتب أهل السنّة أيضاً بعبارة قريبة من الروايات المذكورة ، ففي ذخائر العقبى لمحبّ الدين الطبري رواها بثلاثة طرق ، وفي مودّة القربى والينابيع مرويّة أيضاً ، وفي سائر كتبهم وليس مقامنا مقام الاستقصاء هنا

وورد في هذه الأخبار إشكال ذكره العلماء وملخّصه : إنّ لفظ فاطمة اسم فاعل ومعناه فعل الفطام من اللبان ومقتضى الأخبار الآنفة أن يكون اسمها « مفطومة » لا فاطمة وأُجيب على هذا السؤال بعدّة أجوبة :

الأوّل : إنّه اسم فاعل بمعنى المفعول ، مثل ماء دافق و( عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ ) (٣) وهذا غاية في البعد ، لأنّ في الأمثلة المذكورة يحمل على المجاز الإسنادي كما ذكره علماء البيان وغالباً ما يتبادر إلى أذهان النحاة السطحيّين الذين لم يدركوا لباب لطايف العربيّة وصفو بدايع الكلام هذا المعنى

الثاني : أنّ فعل « فطم » لازم ومتعدّي وهذا الاحتمال ذكره الفاضل المجلسيقدس‌سره مع ذكره الاحتمال الأوّل ، وهذا الاحتمال استظهره من عبارة القاموس حيث قال : أفطم السخلة حان أن تفطم فإذا فطمت فهي فاطم ومفطومة وفطيم(٤) ، انتهى

ودلالة هذه العبارة على الاستعمال على وجه اللزوم ممنوعة بل يدلّ ظاهره ـ إن صحّ النقل ـ على صحّة الاحتمال الأوّل مثل « سرّ كاتم » و « مكان عامر » الذي

_________________

(١) بحار الأنوار ٨ : ٥٠ ( المترجم )

(٢) بحار الأنوار ٤٣ : ١٢ ط طهران ، وإحقاق الحق ١٠ : ١٦ ـ ٢٤ نقل هذه الأحاديث بالتفصيل

(٣) الحاقّة : ٢١

(٤) القاموس ١ : ١٤٧٨ نشر المكتبة العلميّة بيروت ( المترجم )

٢٠٨

اعتبره قصار النظر من النحاة فاعلاً بمعنى المفعول ، وبناءاً على مذهب التحقيق أنّ كلّ واحد من الأمثلة المتقدّمة باقٍ على معناه من اسم الفاعليّة ، مثلاً قول القائل « سرّ كاتم » لم يتغيّر من اسم الفاعل لأنّ معناه السرّ الذي يحمل في ذاته قوّة كتمانه كأنّما هو الكاتم ، وكذلك « السخلة فاطم » لأنّها ببعدها عن أُمّها كانت تبعد نفسها عن الرضاع بنفسها فسمّيت فاطماً لهذا الغرض

ويبعد هذا الاحتمال أنّ أحداً من النحاة لم يعتبر التعدّي واللزوم ضربة لازم للفعل ، وطريقة صاحب القاموس أن يقول عنه « لازم متعدٍ » أو « يتعدّى ويلزم » ولم يقل بلزوم هذه القاعدة له

مضافاً إلى أنّ من الأحاديث ما يخالف هذا الاحتمال وما قبله تنصيصاً وتصريحاً ، كما ورد في عل الشرايع عن عبد الله المحض(١) قال : قال لي أبوالحسن(٢) : لم سمّيت فاطمة فاطمة ؟ قلت : فرقاً بينه وبين الأسماء قال : إنّ ذلك لمن الأسماء ولكنّ الاسم الذي سمّيت به أنّ الله تبارك وتعالى علم ما كان قبل كونه فعلم أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يتزوّج في الأحياء وأنّهم يطمعون في وراثة هذا الأمر فيهم من قبله فلمّا ولدت فاطمة سمّاها الله تبارك وتعالى فاطمة لما أخرج منها وجعل في ولدها فقطعه عمّا طمعوا ، فبهذا سمّيت فاطمة ، لأنّها فطمت طمعهم ، ومعنى فطمت قطعت(٣)

وهذا الحديث ينصّ على أنّ لفظ فاطمة اسم فاعل متعدّ وهو وإن اختلفت وجوه حمله إلّا أنّ الجمع بينها ممكن فيكون بمعنى انقطاع الطمث ، وبمعنى منع

_________________

(١) عبد الله المحض : عبد الله بن الحسن بن الحسن راجع العلل والبحار ( هامش الأصل )

(٢) الظاهر إنّه الإمام زين العابدينعليه‌السلام

(٣) علل الشرايع : ١٧٨ باب ١٤٢ مكتبة الحيدريّة في النجف ، بحار الأنوار ٤٣ : ١٣ رقم ٧ ( هامش الأصل ) وجرى تطبيقه ( المترجم )

٢٠٩

الشيعة من النار ، ومنع ذرّيّتها ، وبمعنى قطع طمع من يطمع بوراثة النبي وخلافته أمّا إذا حملنا اللفظ على اسم المفعول أو جعلناه لازماً لا متعدّ فينبغي استبعاد هذا الخبر وطرحه

تنبيه :

عبارة هذا الحديث كما رأيتها مشتملة على سؤال وجواب ، المجيب هو أبوالحسن ، وبيان هذا الوجه للتسمية منه ولكن المؤرّخ المعاصر صاحب « ناسخ التواريخ » نسب السؤال والجواب كليهما إلى عبد الله المحض ولكن سياق الحديث ونظمه يدلّان على تعدّد السائل والمجيب ، لأنّه أخطأ أوّلاً في فهم الجواب وزعم أنّ هذا الاسم لم يسبق إليه من قبل ولكن الإمام قال : إنّه من الأسماء ثمّ أخذ في تبيين علّة هذه التسمية ، وسياق كتاب العلل والبحار كما نقلناه نحن إلّا أنّ في ناسخ التواريخ جاء مكان « قال » لفظ « قلت » والظاهر أنّ خطأ الناسخ وقلّة التدبّر جرّ إلى هذا الخلط وهذا هيّن في جنب ما لهذا الكتاب من جلالة وعظمة ومنفعة كبرى ، شكر الله سعيه وأحسن سقيه ورعيه

الوجه الثالث : هو أنّ الله تعالى لمّا رفع العذاب في جهنّم عن الشيعة ببركة هذا الوجود الشريف فكانت الصدّيقة سبباً لهذه النعمة العظيمة لذلك سمّيت فاطمة من قبيل نسبة الفعل إلى السبب ، فسمّيت فاطمةعليها‌السلام ، ومؤيّد هذا المعنى الحديث المارّ « فطمت من تولّاني » حيث صرّحت بسببيّتها في نجواها مع الخالق سبحانه ، بل بيّنت الظاهر من وجه التسمية حيث سبقها قولها « سمّيتني فاطمة » حيث يدرك ذلك المتأمّل الذي من دأبه استفادة المعاني من الألفاظ ويصدّق به

الاسم الثاني : الزهراء

ذكر في العلل لهذه التسمية جهتين :

٢١٠

الأُولى : عن الإمام الصادقعليها‌السلام : عن جابر عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : قلت له : لم سمّيت فاطمة الزهراء زهراء ؟ فقال : لأنّ الله عزّ وجلّ خلقها من نور عظمته فلمّا أشرقت أضاءت السماوات والأرض بنورها وغشيت أبصار الملائكة وخرّت الملائكة ساجدين ، قالوا : الهنا وسيّدنا ما لهذا النور ؟ فأوحى الله إليهم : هذا نور من نوري أسكنته في سمائي خلقته من عظمتي أخرجه من صلب أنبيائي أُفضّله على جميع الأنبياء وأُخرج من ذلك النور أئمّة يقومون بأمري ، يهدون إلى حقّي وأجعلهم خلفائي في أرضي بعد انقضاء وحيي(١)

والثاني : برواية أبان بن تغلب قال : قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام : يا بن رسول الله ، لم سمّيت الزهراءعليها‌السلام زهراء ؟ فقال : لأنّها تزهر لأمير المؤمنينعليه‌السلام في النهار ثلاث مرّات بالنور : كان يزهر نور وجهها صلاة الغداة والناس في فرشهم فيدخل بياض ذلك النور إلى حجراتهم بالمدينة فتبيّض حيطانهم فيعجبون من ذلك فيأتون النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فيسألونه عمّا رأوا فيرسلهم إلى منزل فاطمةعليها‌السلام فيأتون منزلها فيرونها قاعدة في محرابها تصلّي والنور يسطع من محرابها من وجهها فيعلمون أنّ الذي رأوه كان من نور فاطمة

فإذا نصف النهار وترتّبت للصلاة زهر وجههاعليها‌السلام بالصفرة فتدخل الصفرة حجرات الناس فتصفرّ ثيابهم وألوانهم فيأتون النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فيسألونه عمّا رأوا فيرسلهم إلى منزل فاطمةعليها‌السلام فيرونها قائمة في محرابها وقد زهر نور وجههاعليها‌السلام بالصلاة فيعلون أنّ الذي رأوه كان من نور وجهها

فإذا كان آخر النهار وغربت الشمس احمرّ وجه فاطمةعليها‌السلام فأشرق وجهها بالحمرة فرحاً وشكراً لله عزّ وجلّ فكان يدخل حمرة وجهها حجرات القوم

_________________

(١) الصدوق ، علل الشرايع ١ : ١٧٩ ( المترجم ) بحار الأنوار ٤٣ : ١٢ ( هامش الأصل )

٢١١

وتحمرّ حيطانهم فيعجبون من ذلك ويأتون النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ويسألونه عن ذلك فيرسلهم إلى منزل فاطمة فيرونها جالسة تسبّح الله وتمجّده ونور وجهها يزهر بالحمرة فيعلمون أنّ الذي رأوا كان من نور وجه فاطمةعليها‌السلام ، فلم يزل ذلك النور في وجهها حتّى ولد الحسينعليه‌السلام فهو يتقلّب في وجوهنا إلى يوم القيامة في الأئمّة منّا أهل البيت ، إمام بعد إمام(١)

وهذا مختصر مضمون الحديث المروي في علل الشرايع(٢)

وقريب من هذه الرواية ما رواه البحار عن المناقب عن أبي هاشم العسكري إنّه قال : سألت صاحب العسكرعليه‌السلام : لم سمّيت فاطمة الزهراءعليها‌السلام ؟ فقال : كان وجهها يزهر لأمير المؤمنينعليه‌السلام من أوّل النهار كالشمس الضاحية وعند الزوال كالقمر المنير وعند غروب الشمس كالكوكب الدرّيّ(٣)

ونقل هذه العبارة في المناقب بعد العبارة ( غريبين ) التي ذكرها في وجه تسمية البتول ، واشتبهت الحال على المؤرّخ المعاصر فأسقط اسم « أبو هاشم » راوي الحديث وروى الحديث عن الغريبين بلا واسطة وقال : حكى عبيد الهروي في الغريبين قال : سألت « صاحب العسكر » وهذا الخطأ غاية في الغرابة من عدّة جهات ، وأهل هذه الصناعة يعرفون ذلك وما من حاجة إلى البيان(٤)

_________________

(١) علل الشرايع ١ : ١٧٩ ( المترجم ) علل الشرايع : ١٨٠ باب ١٤٣ ، بحار الأنوار ٤٣ : ١١ رقم ٢ ( هامش الأصل )

(٢) اختصره المؤلّف ورويناه بطوله ( المترجم )

(٣) بحار الأنوار ٤٢ : ١٣٥ باب ١٢٢ أحوال رشيد الهجري وميثم ( المترجم ) بحار الأنوار ٤٣ : ١٦ ( هامش الأصل )

(٤) أوّلاً : اسم الهروي أحمد بن محمّد وكنيته أبو عبيد وليس اسمه عبيداً ثانياً : توفّي الهروي عام عشر بعد الأربعمائة من الهجرة النبويّة وبين وفاته ووفات الإمام العسكريعليه‌السلام مائة وخمسون عاماً فكيف يروي

٢١٢

الاسم الثالث : سيّدة نساء العالمين

وفي الأخبار المتواترة عن أهل بيت العصمة والطهارة أنّ هذا اللقب الشريف ثابت لها بل صار ذلك من ضروريّات مذهب الشيعة واعترف بثبوت هذا اللقب لها كثير من علماء أهل السنّة والجماعة مثل الفخر الرازي والسعد التفتازاني في ( المقاصد ) و ( شرح المقاصد ) و ( شرح العقائد ) والشريف الجرجاني في شرح المواقف وعمر النسفي في العقائد ، ومحمّد بن يعقوب الفيروزآبادي ، ومحبّ الدين الطبري ، والفضل بن روزبهان الاصفهاني وشمس الدين يوسف ابن الجوزي ، وكمال الدين محمّد بن طلحة وابن أبي الحديد وغيرهم

ولمّا نشب الخلاف بين علماء السنّة مع وجود هذه التصريحات حول من هي الأفضل ؟ وجاء في رسالة الشيخ محمّد الصبّان أنّ الأقرب عند الكثير تفضيل مريم على نساء العالمين ثمّ خديجة ثمّ فاطمة ثمّ عائشة ، وجماعة على تفضيل عائشة(١)

وحكي عن الأشعري التوقّف(٢) ونقل عن شيخ إسلامهم ابن حجر المتقدّم العسقلاني في شرح البهجة التفضيل من جهات فعايشة من جهة العلم أفضل وخديجة من جهة السبق إلى الإسلام وإعانة الرسول ، وفاطمة من جهة القرابة وكونها بضعة النبي ، ومريم من جهة الاختلاف في نبوّتها وهذا القول باطل جملة

_________________

عنه ؟ ثالثاً : لم يعدّه أحد من أهل الشيعة ولا أهل السنّة من أصحاب الإمام العسكري رابعاً : أسقط لفظ أبو هاشم وهو كنية داود بن القاسم الجعفري وهو من أجلّة أصحاب الجواد والهادي والعسكري والمنتظرعليهم‌السلام الثقات خامساً : لم يعزُ الرواية إلى ابن شهرآشوب ورواها بنحو الاستقلال والظاهر أنّها بنحو الوجادة ( منهرحمه‌الله )

(١) إنّما فضّلوها لشديد بغضها لعليّ وأهل بيته وأنا اليوم على استعداد لإثبات كفر عائشة بالأرقام أمّا نفاقها فثابت لا شكّ فيه لقول النبيّ لعليّعليهما‌السلام : لا يبغضك مؤمن ولا يحبّك منافق ، وكانت عائشة تبغضه في حياة النبيّ وبعد وفاته فكيف صارت أفضل وصدّيقة ؟ ( المترجم )

(٢) لعنه الله ولعن دينه

٢١٣

لمخالفته للنصوص الثابتة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وعترته الأطهار(١)

لأنّ اتفاق علماء الشيعة حاصل بأنّه ما من امرأة عند الله أقرب منزلة من فاطمةعليها‌السلام بل يستفاد من الأخبار أنّهاعليها‌السلام أفضل من جميع الأنبياء والمرسلين حتّى أُولي العزم(٢) بل فضّلها بعض العلماء على الحسن والحسين وسائر الأئمّةعليهم‌السلام ولمّا كان قانون المناظرة يقتضي أن تحتجّ على الخصم بكتبه لذلك نحن نستمدّ العون من سيّدتناعليها‌السلام ونورد قسماً من الأخبار الصحيحة الموثّقة من كتب أهل السنّة والجماعة بعون الله تعالى الدالّة على أنّ فاطمة سيّدة نساء العالمين وأنّ جميع نساء العالمين دونها بالرتبة

الخبر الأوّل : محمّد بن إسماعيل البخاري في الجامع الصحيح يقول : قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : فاطمة سيّدة نساء أهل الجنّة(٣)

وهذه الرواية وإن كانت مرسلة ولكن لورودها في كتاب البخاري تعتبر صحيحة عند أهل السنّة لأنّه أجمعوا على تصحيح ما رواه البخاري في جامعه وإن رواه الضعفاء أو كان مرسلاً كما صرّح ابن خلدون بذلك في مقدّمته

وهذا الحديث مرويّ في البحار عن مناقب ابن شهرآشوب ورواه مسلم في الصحيح وأبو السعادات في فضائل العشرة وأبو بكر بن شيبة في الأمالي والديلمي في الفردوس(٤)

_________________

(١) ينبغي ألَّا يوثق بكلّ نقل فقد ثبت ابن حجر العسقلاني قوله : فاطمة أفضل من خديجة وعائشة بالإجماع ثمّ خديجة ثمّ عائشة راجع القاضي عبدالنبي الأحمدنگري (جامع العلوم ١ : ٩ ) ( المترجم )

(٢) وهذا ما ذهب إليه مولانا الأميني في محاضراته التي ترجمناها إلى العربيّة بعنوان ( فاطمة أُمّ أبيها ) وينبغي للمؤلّف أن يستثني من أُولي العزم والدهاصلى‌الله‌عليه‌وآله ويستثني من بقيّة الناس بعلهاعليها‌السلام ( المترجم )

(٣) صحيح البخاري ٥ : ٢٠ ـ ٢١ ط المنيريّة سيّدة نساء المؤمنين أو نساء هذه الأُمّة ، رقم ٦٠٤٩ ( المترجم )

(٤) بحار الأنوار ٤٣ : ٣٧ وإحقاق الحق ١٠ : ٦٩ ـ ٩٩ ( هامش الأصل )

٢١٤

الخبر الثاني : رواه مسلم بن الحجّاج القشيري النيسابوري في صحيحه بسندين وأحمد بن شعيب النسائي في الخصائص عن عائشة أنّ فاطمةعليها‌السلام قالت : قال لها النبيّ : أما ترضين أن تكوني سيّدة نساء المؤمنين أو سيّدة نساء الأُمّة(١)

والظاهر أنّ الترديد من الراوي ومهما كانت ألفاظ الرواية فإنّها تدلّ على فضل الزهراء على مريمعليها‌السلام فإن كان اللفظ « المؤمنين » فمريم داخلة في هذا المفهوم ويشملها بنفسه إلّا أن يدّعىٰ أنّ اللفظ ينصرف إلى مؤمني هذه الأُمّة وهنا يمنع من دخول مريم فيهم ، وإن قصد بالنساء نساء هذه الأُمّة فإنّها بمعونة الروايات المرويّة في هذا الجامع يكون بالإمكان إثبات مطلوبنا وعلى كلا الحالتين فقد روي في باب فضائل الخديجة عن أمير المؤمنين أنّه قال : سمعت رسول الله قال : خير نساءها مريم ابنة عمران وخير نسائها خديجة بنت خويلد وهذه الرواية رواها بأربعة أسانيد بمعنى أنّه كرّر « حا » الذي هو في اصطلاح المحدّثين علامة على التحويل ( ويسمّونه حاء التحويل ) ثلاث مرّات وفي إحدى الطرق رواية أبي كريب عن وكيع ، ولهذا يقول بعد نقل الحديث : إنّ وكيع أشار وهو يروي الرواية إلى السماء والأرض أي : إنّ مرجع الضمير « ها » في « نسائها » عيّنه وكيع وهو الدنيا كلّها وهذا اللون من الإشارات رائج عند العرب

ويفهم من هذا الحديث المروي في صحيح مسلم المتكرّر الإسناد مرتبة مريم وخديجة من طريق أهل السنّة ، ولا شكّ بأنّ سيّدتنا خديجةعليها‌السلام من نساء هذه الأُمّة وفاطمة بحكم الحديث المذكور سيّدة نساء هذه الأُمّة ولازمه أن تكون أفضل من مريم أيضاً لأنّ من فضل أحد المتساويين فضل الآخر بالملازمة وعلى

_________________

(١) صحيح مسلم ٧ : ١٤٢ ط محمّد صبيحي بمصر ، وإحقاق الحقّ ١٠ : ١٠٦ أحاديث ( هامش الأصل ) وجرى تطبيقه في صحيح مسلم رقم ٦٢٦٠ ( المترجم )

٢١٥

هذا ففاطمةعليها‌السلام سيّدة نساء العالمين بمقتضى الحديث الذي رواه مسلم وهو صحيح متفق عليه عند أهل السنّة والجماعة وهذا البيان من غنائم هذا الشرح ، والحمد لله على وضوح الحجّة

الخبر الثالث : نقل عزّالدين أبو الحسن عليّ بن محمّد بن عبد الكريم بن الأثير الجزري في أسد الغابة في ذيل رواية مفصّلة ينتهي سندها بمسروق عن عائشة أنّ فاطمةعليها‌السلام أخبرتها عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال لها : « ألا ترضين أن تكوني سيّدة نساء العالمين ؟ »

ثمّ نقل ذلك عن أبي صالح أنّه قال : رواه البخاري في الصحيح عن أبي نعيم وهذا من غريب الصحيح فإنّ زكريّا روى عن الشعبي أحاديث في الصحيحين وهذا يرويه عن فراس عن الشعبي(١)

الحديث الرابع : روى الترمذي في صحيحه عن حذيفة أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : أما رأيت العارض عرض لي قبل ذلك ، هو ملك من الملائكة لم يهبط إلى الأرض قطّ قبل هذه الليلة استأذن ربّه أن يسلّم عليّ ويبشّرني أنّ الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة وأنّ فاطمة سيّدة نساء أهل الجنّة(٢) (٣)

الخبر الخامس : نقل أحمد بن شعيب النسائي في كتاب الخصائص عن عائشة بأنّها روت عن فاطمةعليها‌السلام أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لها : يا فاطمة ، أما ترضين أن تكوني سيّدة نساء هذه الأُمّة وسيّدة نساء العالمين(٤)

_________________

(١) أُسد الغابة ٥ : ٥٢٢ ط مصر ، وإحقاق الحقّ ١٠ : ٢٧ ( هامش الأصل )

(٢) صحيح الترمذي ٣ : ١٩٧ ط الصاوي بمصر ، وإحقاق الحقّ ١٠ : ٦٩ أحاديث ٢ ، الخصائص : ٤٣ ط التقدم بمصر ، إحقاق الحقّ ١٠ : ١٠٨ ( هامش الأصل )

(٣) الترمذي ٥ : ٣٢٦ بسياق يختلف عن سياق المؤلّف ( المترجم )

(٤) الخصائص : ٤٣ ط التقدّم بمصر ، إحقاق الحقّ ١٠ : ١٠٨ ( هامش الأصل )

٢١٦

قال في الصواعق : أخرجه أحمد والنسائي وابن حبّان

الخبر السادس : أحمد بن عبد الله بن محمّد أبوالعبّاس محبّ الدين الطبري المكّي إمام أهل السنّة روى في ذخائر العقبى عن أُمّ سلمة(١) أنّها روت عن فاطمة الزهراءعليها‌السلام أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لها : أما ترضين أن تأتي يوم القيامة سيّدة نساء العالمين أو نساء أهل الجنّة(٢)

ولمّا وردت هذه الأخبار بسياقات مختلفة من طريق البخاري ومسلم والترمذي والدولابي وغيرهم ممّا احتمل تعدّد الواقعة ليجمع بينها وهذا وجه وجيه كما عمل ابن حجر في باب أخبار الكساء فقد احتمل تعدّد الخبر عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وقال : إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله جمعهم مرّات تحت الكساء وقرأ عليهم آية

_________________

(١) وصفه السيوطي في طبقات الشافعيّة بالإمام المحدّثي فقيه الحرم شيخ الشافعيّة محدّث الحجاز وقال عنه الصفدي في الوافي بالوفيات : شيخ الحرم الفقيه الزاهد المحدّث ولقّبه عبدالوهّاب بن السبكي في طبقات الشافعيّة بشيخ الحرم وحافظ الحجاز بلا مدافع وقال الأسنوي في طبقات الشافعيّة : شيخ الحجاز ، كان عالماً عاملاً جليل القدر عالماً بالآثار والفقه وأورد الذهبي في كتاب العبر ودول الإسلام وتذكرة الحفّاظ والمعجم بأنّه الإمام المحدّث المفتي فقيه الحرم مصنّف الأحكام ، كان عالماً عاملاً جليل القدر عارفاً بالآثار ومن نظر في أحكامه عرف محلّه من العلم والفقه ، عاش ثمانين سنة ، مات سنة أربع وتسعين وستمائة ، وإذا أردت أن تحيط علماً بما قيل فيه من كلمات المدح فعليك بالرجوع إلى كتاب عبقات الأنوار تصنيف السيّد الجليل المحدّث العالم نادرة الفرك وحسنة الهند ومفخرة لكهنو وغرّة العصر خاتم المتكلّمين المولوي الأمير حامد حسين المعاصر الهندي الكهنوي قدّس سرّه وضوعف برّه ، وإنّي أُدين الله بأنّه منذ تأسيس علم الكلام إلى هذا اليوم حيث أكتب هذا المختصر ، لم يؤلّف كتاب في مذهب الشيعة مثل هذا الكتاب المبارك من حيث اتفاق النقل وكثرة الاطّلاع على كلمات الأعداء والإحاطة بالروايات الواردة من طرق الخصوم في باب الفضائل إلى آخر ما جاء فيها فجزاه الله عن آبائه خير جزاء ولد عن والده ووفّق خلفه الصالح لإتمام هذا الخبر الناجح وما نقلناه نحن في هذا المقام من التعريف بالمحبّ الطبري إنّما هو اختصار وجيز ممّا ورد في ذلك الكتاب

(٢) ذخائر العقبى : ٤٢ ط مكتبة القدسي بمصر ( هامش الأصل )

٢١٧

التطهير(١) كما فعل في حديث التمسّك بالثقلين فقد قال : رواه عن النبي عشرون ونيّف من الصحابة سمعوه منه في مواضع مختلفة

الخبر السابع : روى في البحار عن مناقب ابن شهرآشوب وهو من أجلّة علماء الإماميّة وقد أثنى عليه علماء أهل السنّة والجماعة ثناءاً بليغاً وقد اعترفوا بوثاقته وتقواه ، كما نقل السيّد الجليل المعاصر الهندي عن الوافي بالوفيات للصلاح الصفدي أنّه قال : محمّد بن علي بن شهرآشوب أحد شيوخ الشيعة ، حفظ أكثر القرآن وله ثماني سنين ، كان يرحل إليه من البلاد ، وكان صدوق اللهجة ، مليح المحاورة ، واسع العلم ، كثير الخشوع والعبادة والتهجّد ، لا يكون إلّا على وضوء ، أثنى عليه ابن أبي طي كثيراً ونقل عن صاحب القاموس في البلغة أنّه اعترف بسعة علمه وكثرة عبادته ودوام وضوئه ، وكذلك اعترف السيوطي بهذه الفضائل وأضاف إليها : كثرة الخشوع

وفي طبقات المفسّرين نقل شمس الدين محمّد بن علي المالكي تلميذ جلال الدين السيوطي : اشتغل بالحديث ولقي الرجال وتفقّه فبلغ النهاية حتّى صار رحلة وتقدّم في علم القرآن والتفسير النحو وكان إمام عصره وواحد دهره وهو عند الشيعة كالخطيب البغدادي ، واسع العلم كثير الفنون ، انتهت عبايرهم ملخّصة محذوفة الأكثر

والسرّ في إسهابنا في نعت ابن شهرآشوب من كتب أهل السنّة والجماعة لكي لا يتّهم في نقله وإن كنت أنقل من بحار الأنوار في هذا الكتاب ، ولكن المناقب كثيرة الصدور واسعة الانتشار والحمد لله والكتب التي ينقل منها موجودة أيضاً والمفقود منها قليل

_________________

(١)( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّـهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا )

٢١٨

ومجمل القول أنّ الشيخ في المناقب ينقل عن الخطيب البغدادي وقال : تاريخ بغداد عن الخطيب عن حميد الطويل عن أنس قال : قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : خير نساء العالمين مريم بنت عمران وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمّد وآسية امرأة فرعون ثمّ إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فضّلها على سائر نساء العالمين في الدنيا والآخرة(١)

وروت عائشة وغيرها عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : يا فاطمة ، إنّ الله اصطفاك على نساء العالمين وعلى نساء الإسلام وهو خير دين(٢)

أقول : يستفاد من هذا الحديث إذا كانت امرأة أفضل نساء هذه الأُمّة فلازم ذلك أن تكون أفضل نساء سائر الأُمم وبناءاً على هذا تشهد الأخبار المرويّة في صحيح مسلم وصحيح الترمذي وخصائص النسائي وغيرها من الكتب المعتمدة لأهل السنّة والجماعة التي أطلقت على سيّدتنا الصدّيقة لقب « سيّدة نساء الأُمّة » والآن لك أن تراجع وتتأمّل وتشكر النعمة عليك حيث حفظ فضل أهل البيت فلم يستطع أحد إهداره ، ولقد بذل العدوّ غاية الجهد لكي يكتم فضلهم فما استطاع ومع عظيم سعيه في ذلك فقد وصل إلينا من فضلهم ما يكفي لإقراره ونشره ، وحالفنا التوفيق في ذلك ، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون ، والحمد لله كلّما حمده الحامدون

الخبر الثامن : بحار الأنوار عن المناقب عن حلية أبي نعيم عن جابر بن سمرة عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال في حقّ فاطمةعليها‌السلام : أمّا إنّها سيّدة النساء يوم القيامة(٣)

_________________

(١) في تاريخ بغداد روايتان عن حميد الطويل وينتهي بالسند إلى أنس والثانية عن ثابت عن أنس وليس فيهما زيادة في الدنيا والآخرة راجع : ٧ : ١٩٤ و ٩ : ٤١١ ط بيروت دار الكتب العلميّة ، الأُولى ١٤١٧ ( المترجم )

(٢) بحار الأنوار ٤٣ : ٣٦ ( هامش الأصل )

(٣) بحار الأنوار ٤٣ : ٣٧ ( هامش الأصل )

٢١٩

الخبر التاسع : البحار عن المناقب عن تاريخ البلاذري وهو من أكابر مؤرّخي علماء السنّة والجماعة أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لها : أما ترضين أن تكوني سيّدة نساء أهل الجنّة(١)

الخبر العاشر : مير سيّد علي الهمداني الذي يدعوه السنيّون « عليّاً الثاني » قال في كتاب « مودّة القربى » : عن فاطمةعليها‌السلام قالت : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أما ترضين أن تكوني سيّدة نساء العالمين أو نساء أُمّتي(٢)

وهذا الحديث يختلف عن حديث الخصائص اختلافاً ظاهراً لأنّ في الأوّل ( سيّدة نساء هذه الأُمّة ) مقدّم على جملة ( سيّدة نساء العالمين ) وفي هذا الحديث وردت جملة ( او نساء أُمّتي ) بحذف سيّدة وإضافة لفظ « أُمّة » وحذف لفظ « هذه » وهذه الجملة متأخّرة وهي مشعرة بتعدد الحديث

وهذا مجموع الأخبار العشرة التي استخرجناها من صحاحهم المعتمدة لديهم وما كنّا ننوي الاستيفاء ولقد صرّح ابن أبي الحديد بتواتر خبر « فاطمة سيّدة نساء العالمين » والحمد لله على وضوح الحجّة

هذا وإن كانت هناك أخبار غيرها من طريق العامّة ولكنّها تستثني مريم بنت عمران ، ولمّا كانت الأخبار المتقدّمة تتفق مع أخبار الإماميّة المنقولة عن أهل بيت الرسالة صلّى الله عليهم وهم معادن العلم ومخازن الوحي مِن ثَمّ كانت لدينا أرجح وهي مقدّمة على ما سواها ، وينبغي أن يهمل من الأخبار ما يعارضها ونحن وإن ألمعنا من قبل إلى أنّ إجماع الإماميّة قائم على أنّ فاطمة سيّدة نساء العالمين

_________________

(١) نفسه ٤٣ : ٣٧ ( هامش الأصل )

(٢) مودّة القربى : ٢٦٠ ط بصيرتي ، وفرائد السمطين ١ : ٥٥ ط بيروت قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : وأُمّهما سيّدة نساء العالمين ( هامش الأصل )

٢٢٠