شفاء الصّدور في شرح زيارة العاشور الجزء ١

شفاء الصّدور في شرح زيارة العاشور13%

شفاء الصّدور في شرح زيارة العاشور مؤلف:
المحقق: محمد شعاع فاخر
الناشر: انتشارات المكتبة الحيدرية
تصنيف: متون الأدعية والزيارات
ISBN: 964-503-000-5
الصفحات: 439

الجزء ١
  • البداية
  • السابق
  • 439 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 34229 / تحميل: 4864
الحجم الحجم الحجم
شفاء الصّدور في شرح زيارة العاشور

شفاء الصّدور في شرح زيارة العاشور الجزء ١

مؤلف:
الناشر: انتشارات المكتبة الحيدرية
ISBN: ٩٦٤-٥٠٣-٠٠٠-٥
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

والأخبار حول المعنى لا تُعدّ ولا تحصى ولكنّنا نضع بين يدي هذا البحث حديثاً مباركاً جاء في أمالي الصدوقرضي‌الله‌عنه عن الحسن بن زياد العطّار وهو كما يلي ، يقول :

قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام : قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : فاطمة سيّدة نساء أهل الجنّة ، أسيّدة نساء عالمها ؟ قال : تيك مريم وفاطمة سيّدة نساء أهل الجنّة من الأوّلين والآخرين ( فقال : فقول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة ؟ قال : هما والله سيّدا شباب أهل الجنّة من الأوّلين والآخرين )(١) وروى نفس الحديث في البحار عن المناقب ولكنّه رواه مرسلاً(٢)

والانصاف أنّ كلّ مسلم يجب عليه أن يمعن التفكير في مريم وفاطمةعليهما‌السلام فهل لمريم أب كالمصطفى وبعل كالمرتضى وشبل كالحسن المجتبى والحسين سيّد الشهداء ؟

وممّا لا شكّ فيه أنّ فاطمة أحبّ إلى رسول الله من مريم ومأة مثل مريم ، وإذا أمعنت النظر في فضائلها وعلمت أنّ النبيّ كان يكثر من شمّها وتقبيلها وكان إذا أراد سفراً فإنّ آخر من يودّعه فاطمة ، وفي كلّ ليلة لا يغمض له جفن إذا لم يقبّل وجهها وكان يقوم لمقدمها ويجلس أعلى المجلس حتّى اعترضت عائشة على ذلك مراراً ، وقالت : لم تفعل هذا ؟! فيقول لها : إنّي أشمّ رائحة الجنّة وكثيراً ما كان يقول : فاطمة بضعة منّي ، وفاطمة روحي التي بين جنبي ، وفاطمة فؤادي وقلبي ، وغيرها من الفضائل التي لا تنفد بمرور السنين والأعوام ، فإذا راجعت ما تقدّم بتمعّن وتدبّر علمت أنّ فاطمةعليها‌السلام أفضل خلق الله حتّى لأنبياء والمرسلين ، لأنّ

_________________

(١) بحار الأنوار ٤٣ : ٢١ ح ١٠ ( هامش الأصل والمترجم ، والزيادة بين قوسين من المترجم )

(٢) بحار الأنوار ٤٣ : ٣٧ رقم ٤٠ ( هامش الأصل )

٢٢١

النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أفضلهم جميعاً وللجزء حكم الكلّ(١)

أُمّ من بنت من حليلة من

ويل من سنّ ظلمها وأذاها

õ õ õ

_________________

(١) كفى في سموّ شأن الزهراء سلام الله عليها كلام خالقها : « لولا فاطمة لما خلقتكما » روي عن الشيخ إبراهيم بن الحسن الذرّاق عن الشيخ علي بن هلال الجزائري ، عن الشيخ أحمد بن فهد الحلّي ، عن الشيخ زين العبادين عليّ بن الحسن الخازن الحائري ، عن الشيخ أبي عبد الله محمّد بن كّي الشهيد بطرقه المتصلة إلى أبي جعفر محمّد بن عليّ بن موسى بن بابويه القمّي بطريقه إلى جابر بن يزيد الجعفي عن جابر بن عبد الله الأنصاري عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عن الله تبارك وتعالى أنّه قال : يا أحمد ، لولاك لما خلقت الأفلاك ، ولولا عليّ لما خلقتك ، ولولا فاطمة لما خلقتكما ثمّ قال جابر : هذا من الأسرار التي أمرنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بكتمانه إلّا من أهله الجنّة العاصمة لميرجهاني : ١٤٩ نقلاً عن كشف اللئالي لصالح بن عبدالوهّاب بن العرندس ومؤلّف كتاب كشف اللئالي من علماء القرن التاسع من علماء الشيعة كان عالماً ناسكاً زاهداً ورعاً أديباً شاعراً ، توفّي سنة ٨٤٠ ودفن في الحلّة الفيحاء ومدفنه مزار يتبرّك به ورجال الحديث من كبار الشيعة ، راجع : جنّة العاصمة : ١٤٩

٢٢٢

السَّلامُ عَلَيْكَ يَا ثارَ اللهِ وَابْنَ ثارِهِ(١)

_________________

(١) « السلام عليك يا ثار الله وابن ثاره » ينحصر توجّه الإنسان إلى أولياء الحقّ ومظاهره ومحاله التامّة بوجهين :

الأوّل : النظر إليهم بعين الاستقلال وإنّهم كمحمّد وعليّ ، هم الله سبحانه وما إلى ذلك وهذه الطريقة هي الكفر والإلحاد ، وجرت الإشارة إلى ذلك من النبيّ إلى ذلك كقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أنا عبد الله مرزوق ومخلوق

ويقول أمير المؤمنين : أنا عبد من عبيد محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله (١)

ويقول الإمام الصادقعليه‌السلام : لو عرفت الله بمحمّد ما عبدته ، وإنّ الله أجلّ من أن يعرف بخلقه(٢)

الوجه الثاني : التوجّه إلى مقام نورانيّة الأولياء لا بنحو استقلالهم بل لأنّهم مظاهر نور الله ، ولا يبدو لهم ذات للناظر مستقلّة عن هذا اللحاظ ، لذلك نحن حين نخاطبهم ، نقول : من عرفكم فقد عرف الله ، وجاء في أقوالهمعليهم‌السلام : بنا عُرف الله ، وبنا عُبِد الله ، وبنا وُحِّد الله(٣) وأبى الله أن يعرف إلّا بالرجال

ومن هنا يقول الله تعالى :( اللَّـهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي
زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا
يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَىٰ نُورٍ يَهْدِي اللَّـهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ
) (٤) لا سيّما إذا اُخذ تفسير الآية من المأثور عن أهل البيتعليهم‌السلام فإنّ المراد من المصباح والزجاجة محمّد وآل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، لأنّه عندما يلمح النور منعتقاً من حجاب الزجاجة لا يعيرها الناظر إليها اهتماماً بل ينحصر همّه في مشاهدة النور ، كما يقول أمير المؤمنينعليه‌السلام : « يا سلمان يا جندب ، معرفتي بالنورانيّة هي معرفة الله ومعرفة الله هي معرفتي »(٥) وكذلك يقولعليه‌السلام : « من رآني فقد رأى الحقّ »(٦) ومن عرفكم فقد عرف الله ، ومعرفة الله هي معرفة كلّ أهل زمانٍ إمامهم وقول أمير المؤمنينعليه‌السلام : « أنا الأوّل وأنا الآخر وأنا الظاهر وأنا الباطن ، وأنا يد

_____________

(١) « إنّما أنا عبد من عبيد محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله » بحار الأنوار ٣ : ٢٨٣ ( المترجم )

(٢) تجد هذه العبارة من كلام السيّد نعمة الله الجزائري في كتاب « نور البراهين » ٢ : ١١٣ ( المترجم )

(٣) بحار الأنوار ٢٦ : ٢٦٠ ، وعُبِد الله مكان وُحِّد ( المترجم )

(٤) النور : ٣٥

(٥) حديث طويل في الجزء السادس والعشرين من بحار الأنوار ص ١ ( المترجم )

(٦) بحار الأنوار ٥٨ : ٢٣٥ وتمامه : « فإنّ الشيطان لا يترائى بي » فليس الغرض من هذا القول حيث ذهب الكاتب ( المترجم )

٢٢٣

اعلم بأنّ الثأر في لغة العرب كما ورد في ( اساس اللغة ) والصحاح ومختار الصاح والألفاظ الكتابيّة معناه : الضغن ، وطلب الضغن ، وبهذه الملاحظة استعمل بمعنى الثأر للدم وبمعنى الدم ، وفسّره في القاموس بهذا المعنى ، والأصحّ ما ذكرناه في الاستعمال لأنّ القاموس لا يوثق به ولا يعتمد عليه في مثل هذه الأُمور وعلى كلّ حال فالاستعمال جارٍ بمعنى الدم وطلب الدم

والمعنى الثاني هو المعنى المصدري ، يقولون : ثأرت حميمي وثأرت فلاناً بحميمي يعني طلبت بدمه أو بواسطته كما ورد ذلك في أساس البلاغة وغيرها

إذاً ، فالمطالب « ثائر » والقتيل مثئور ومثئور به وكذلك المطلوب وهو القاتل يسمّى المثأور والعبارة الثانية ثأرت فلاناً بحميمي

وأحياناً يدعىٰ الثار بالطالب وهذا المعنى حمله في النهاية على حذف المضاف وانتقال حركته إلى المضاف إليه وفي المثل « يا لثارات الحسين » وبناءاً على ما ذهب إليه صاحب النهاية ، تقديره : يا أهل ثارات الحسين يعني الطالبون بدم الحسينعليه‌السلام

وأحياناً يطلق الثأر على القاتل ، وفي النهاية أوّل هذا المعنى على وجه « موضع الثأر » أو بحذف المضاف أو على المجاز بمعنى الملابسة والحلول ، وعلى هذا

_________________

الله واُذن الله وعين الله» يمكن أن تطبّق على مثل هذه المعاني ، ومع ملاحظتها نقرأ في زيارة عاشوراء : « السلام عليك يا ثار الله وابن ثاره »

لأنّ النظر إلى ذلك الدم وآثاره وبركاته العجيبة لم يكن في الأصل إليه ولا المعوّل في الحقيقة عليه وإنّما يجتازه البصر إلى الحقّ فيراه من خلاله ، وما المقصود بهذه الرؤية رؤية البصر بل البصيرة والوجدان ، لأنّه لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار

وفي مقابل ذلك يمكن أن نخاطب البرابرة الذين قذفت بهم الصحراء ، والعفاريت الأرجاس كمعاوية ونغله يزيد ، فنقول : يا دم الشيطان وابن دم الشيطان ، ويا يد الشيطان ولسان الشيطان ، ويا بعيداً عن الإنسانيّة لأنّهما ما لا يملكان من الصفات غير الشيطنة والدنس والكبرياء الفارغة ( المحقّق )

٢٢٤

يراد من المثال المذور استنهاض القبيلة من أجل بيان فداحة الأمر وتقريعها لتنفصل بذلك عن الأنصار ويعرف حالها

ونقل الزمخشري أنّ استعمال الثأر هنا بمعنى الطالب من قبيل استعمال المصدر في اسم الفاعل مثل عدل ، وفي الثاني من قبيل استعمال المصدر في اسم المفعول مثل « صيد » وفي « يا لثارات الحسين » الثار معناه نفس الذحل والدم وصيحتهم بهذا الشعار كأنّهم يقولون : يا دماء الحسين تجمّعي اليوم فإنّه وقت الطلب ، وهذا الكلام من رأسه إلى قدمه غاية في المتانة ونهاية في القوّة وما هو بحاجة إلى تكلّف ابن الأثير

واحتمال آخر في معنى الثار أنّه بمعنى الطالب وهو مخفّف من ثائر نظير شاكٍ مخفّف من شائك ، وبناءاً على هذا تحذف الهمزة منه وتبقى ألف الفاعل واللازم نطقها بالألف غير المهموزة بخلاف الوجوه السابقة حيث أنّ الكلمة المهموزة لأنّ الأصل فيها الهمزة ويؤتى بالألف تخفيفاً وإن كان الغالب في استعمالها بالألف ، ومن هذه الجهة ضبطت في جميع كتب المزار بالألف الليّنة ، ولا إشكال في ذلك ، وهذا الاحتمال وإن كان بعيداً إلّا أنّه أولى من احتمال ابن الأثير

فإذا عرفت هذه المقدّمة فاعلم أنّ في المسألة وجوهاً محتملة :

الأوّل : يستفاد من كلام الفاضل المتبحّر المحدّث المجلسيقدس‌سره في مزار البحار أنّ « ثار » بمعناه المصدري ولفظ أهل محذوف مقدّر وإضافته إلى لفظ الجلالة إضافة المصدر إلى الفاعل يعني يا من هو أهل لأن يطلب الله بدمه ، وهذا خلاف الظاهر وتقديره خلاف الأصل

الثاني : ما احتمله الشيخ الجليل فخرالدين الطريحي في مجمع البحرين أنّه مصحّف من « ثاير » وهذا مذكور في البحار أيضاً ولم يذكر أحد لهذا الوجه تقريباً ويمكن أن تكون إضافة « ثائر » إلى الله بتقدير اللام أي في سبيل الله وفي سبيل الله

٢٢٥

طالب بالدم ويمكن أن يكون طلبه بالدم نظراً لمن قتل قبله من أصحابه وأولاده أو بالنظر إلى الدماء البريئة التي أُريقت في زمن معاوية ويزيد

وعلى هذا تقرير « وابن ثاره » يوجّه وهناك وجوه واعتبارات يمكن تمشّيها في الإضافة ولكنّها بعيدة جدّاً ، وهذا الوجه مختلّ لفظاً ومعنىً

أمّا لفظاً فالالتزام بالتصحيف مع اتفاق النسخ الصحيحة على عبارة واحدة غريب مع كونه لا حاجة ماسّة تدعو إلى هذا الاعتبار لأنّك علمت ما ذهب إليه الزمخشري وابن الأثير من جواز استعمال « ثار » بمعنى ثائر ، وكان في كلام الزمخشري وجهان ، وأنّ هذين المحدّثين العليمين لم يطّلعا على عبارة الأساس والنهاية وإن لم يكونا اطّلعا فمن المستبعد الالتزام بالتصحيف

وأمّا بحسب المعنى فظاهر فإنّ هذا اللقب ليس بهذا الاعتبار لا سيّما وجود قرائن في بعض الزيارات على خلاف هذا المعنى نظير قوله : « في السماوات والأرض » وهذه الجملة تأتي بعد قوله : « الوتر الموتور » والظاهر رجوع اللفظ إلى الاثنين معاً حيث لا يتفق مع هذا الاحتمال

ووجه آخر مذكور في مشكلات العلوم للفاضل النراقي وليس فيه شيء زائد على هذا المعنى وإن كان لم يشرح بيان الدلالة كما ينبغي ، ونحن طلباً للاختصار نعرض عن ذكره ونقده

الوجه الثالث : أنّ الثأر بمعنى الدم والكلام مبنيٌّ على التنزيل والتقدير يعني لو كان لله دمٌ لكنت ، وهذا من قبيل عين الله وجنب الله ويد الله ، وهذا الوجه لا أرى أنّي عثرت عليه عند أحدٍ ولكنّه لا يبعد لأنّه ليس معنى الثأر مطلق الدم بل الدم المراق الذي يطلب له القصاص كما هو ظاهر بيّن للمتتبّع(١)

_________________

(١) الظاهر لا وجه لكلام المصنّف هنا إذ الثأر بمعنى الدم ويمكن أن نأتي بموارد حول ذلك :

٢٢٦

_________________

قال الحسن بن عليّعليهما‌السلام : نعم ، اجتمعتم على جهل ، وخرق منكم فزعمتم أنّ محمّداً صنبور ـ أي أبتر لا عقب له ـ والعرب قاطبة تبغضه ولا طالب له بثأره(١)

وفي هذا استعمل الثار في مطلق الدم فإنّه بعد لم يهرق حتّى يقال الدم المهراق ، وعلى هذا فالمعنى أنّه ليس لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله طالب لدمه لو اُريق ، وهذه المعاني مستفادة بتعدّد الدال

٢ ـ قال الحسن بن عليّ أيضاً مخاطباً لعتبة بن أبي سفيان : وأمّا وعيدك إيّاي بقتلي فهلّا قتلت الذي وجدته على فراشك مع حليلتك وقد غلبك على فرجها وشركك في ولدها حتّى ألصق بك ولداً ليس لك لو شغلت نفسك بطلب ثأرك منه كنت جديراً وبذلك حريّاً ، إذ تسومني القتل وتوعّدني(٢)

وفي هذا الحديث يقول : « طلب ثأرك منه » أي طلب الدم الذي له صلة بك ، ولك أن تقتصّ من أجله ، ولو كان المراد من الثأر الدم المهراق فما من حاجة لكلمة طلب ولا إلى كاف الخطاب بل يكفي أن يقول له : لو شغلت بالثأر

٣ ـ وقال ابن عبّاس مخاطباً لابن الزبير : فلا شيء أعجب عندي من طلبتك ودّي وقد قتلت ولد أبي وسيفك يقطر من دمي وأنت أحد ثأري فإن شاء الله لا يبطل لديك دمي ولا تسبقني بثأري وإن سبقتني في الدنيا فقيل ذلك ما قتل النبيّون وآل النبيّين فيطلب الله بدمائهم فكفى بالله للمظلومين ناصراً ومن المظلومين منتقماً فلا يعجبك إن ظفرت بنا اليوم فنظفر بك يوماً(٣)

والظاهر من الثأر هنا الدم وبتعدّد الدوال نعرف أنّه الدم الذي يتّصل بي ولي أن أقتصّ منك به وشاهده قوله : « لا يبطل لديك دمي » و « فيبطل الله دمائهم » حيث جاء بالدم بدلاً من الثأر

٤ ـ قال رسول المختار : المختار يقرء عليك السلام ويقول لك : يا بن رسول الله قد بلغك الله ثأرك ، ففعل الرسول ذلك ، وقال : الحمد لله الذي أجاب دعوتي وبلّغني ثأري من قتلة أبي ، ودعا للمختار(٤)

٥ ـ قالت فاطمة الصغيرة بلسان الحال :

_____________

(١) بحار الأنوار ٤٣ : ٣٣٥ ط طهران ( هامش الأصل ) ٤٣ : ٣٣٥ ط بيروت ( المترجم )

(٢) بحار الأنوار ٤٤ : ٨٢ ( هامش الأصل ) صحّ التطبيق ( المترجم )

(٣) بحار الأنوار ٤٥ : ٣٢٤ ( هامش الأصل ) والظاهر أنّ الخطاب مع يزيد لعنه الله ووقع ابن الزبير لعنه الله هنا خطأً

(٤) بحار الأنوار ٤٥ : ٥٣ ( هامش الأصل )

٢٢٧

الوجه الرابع : اعتبار « ثار » بمعنى منثور كما ورد في كلام الزمخشري ولكن ليس بمعنى القاتل بل المقتول بل القتيل كما ورد نظير قول القائل ثأرت حميمي ، ويكون المعنى هكذا : أيّها القتيل الذي يطالب الله بدمه يؤيّد هذا المعنى عبارة الزيارة الواردة في كامل الزيارة عن يونس بن ظبيان عن صادق آل محمّدعليه‌السلام أنّه قال : السلام عليك يا قتيل الله ، أي القتيل الذي يطلب الله بدمه

ومجمل القول : أنّ المبعد لهذا الاحتمال هو عدم استعمال اللغويّين له ، ولم يصرّح أحد منهم بجواز استعماله وإن لم يمنع من القياس اللغوي ، وله أشباه ونظائر موفورة في اللغة

الوجه الخامس : أنّ « ثار » بمعنى الدم المطلوب وإضافته إلى الله لأنّه المخصوص بالطلب به وهو وليّه الحقيقي ، وهذا أوجه المعاني وتكون الإضافة هنا بمعنى اللام على الوجه المتعارف ، والعجيب أنّي لم أعثر على من ذكر هذا الوجه مع استقامة معناه بصفة تامّة وانطباقه على القواعد ، وجريانه مع الأذواق السليمة

_________________

تنادي جدّها يا جدّانا

طلبنا بعد فقدك بالذحول(١)

والذحول جمع الذحل يقال طلب بذحله أي بثأره فيعلم أنّ الذحل والثأر بمعنىً وأمّا قوله : إنّ الثأر بمعنى الدم المهراق فغير صحيح لاستعمال الذحل بدل الثأر أيضاً فتأمّل ( المحقّق )

_____________

(١) نفسه ٤٥ : ٢٤٩ ( هامش الأصل )

٢٢٨

وَالْوِتْرَ الْمَوْتُورَ

الشرح : الوتر معطوف على الثار المنادى المضاف المنصوب فهو منصوب أيضاً بالتبع ، في الأصل بمعنى وجاء بمعنى الذحل أيضاً وهو الضغينة والدم وجاء بمعنى النقص والجناية وقتل الأقارب

ويقول في الصحاح : الوتر بالكسر : الفرد ، والوتر بالفتح الذحل ، هذه لغة أهل العالية ، فأمّا لغة أهل الحجاز فبالضدّ منهم ، وأمّا تميم فبالكسر فيهما(١)

وفي المصباح عن الأزهري عكس كلام الصحاح في لغة الحجاز والعالية(٢) والأصل في جميع المعاني المذكورة هو الوتر بمعنى الفرد حيث أنّ كلّ زوج إذا أصبح فرداً يكون ناقصاً ومثله من يقتل منه قتيل يصير فرداً ، والجناية عائدة إلى هذا النقص ، والذحل وهو العداوة والنقص والدم يرجع إلى قتل الأقرباء وبالإمكان استفادة هذا المعنى من عبارة أساس البالغة

والموتور معناه من بقي فرداً ومن أُصيب بقتل واحد من أقربائه

وفي الصحاح : الموتور : الذي قُتل له قتيل فلم يدرك بدمه(٣)

ومن هذا الباب قولهم : فلان طلّاب أوتار وترات ، ومنه الحديث : « بكم يدرك الله ترة كلّ مؤمن(٤)

_________________

(١) صحاح الجوهري ٢ : ٨٤٢ مادة وتر

(٢) هذا ما قاله صاحب المصباح المنير : الوتر الفرد ، والوتر الذحل بالكسر فيهما لتميم ، وبفتح العدد وكسر الذحل لأهل العالية ، وبالعكس وهو فتح الذحل وكسر الفرد لأهل الحجاز ( المصباح المنير ٢ : ٦٤٧ ) ( المترجم )

(٣) صحاح الجوهري ٢ : ٨٤٣

(٤) مجمع البحرين في لغة ثار ، وكامل الزيارات ، وبحار الأنوار ١٠١ : ١٥٣ ط طهران ، ومفاتيح الجنان باب

٢٢٩

وفي مجمع البحرين وقع تصحيف سوف نتكلّم عنه تفصيلاً إن شاء الله في ذيل شرح هذه العبارة ، ويمكن استخراج ثلاث احتمالات من لفظ الزيارة :

الأوّل : الوتر بمعنى الفرد والموتور من معناه ويكون تأكيداً لسابقه مثل حجر محجور ، و « برد بارد » و « يوم أيوم » و « موت مائت » و « ليل أليل » و « شعر شاعر » وهذا المعنى وإن ذكره في البحار ومشكلات العلوم ولكنّه في نظر هذا العبد لله بعيد عن الصواب كثيراً لأنّه ليس بينه وبين الكلمة السابقة أيّة مناسبة وهو وارد في الزيارات المشار إليها أيضاً « السلام عليك يا وتر الله » وتوجيهه بالمتفرّد بالكمالات والمتميّز من نوع البشر في عصره مع إضافته إلى لفظ الجلالة لا يتلائم جدّاً وإن ورد في البحار

الثاني : لمّا كان الوتر بمعنى الفرد والموتور من قتل منه قتيل ، فيكون المعنى : يا أيّها الفرد الذي قُتل أقربائك ، وهذا المعنى مذكور في الكتابين السابقين وهو أقرب من المعنى الأوّل ولكنّه ينافي فقرة الزيارة المذكورة ثمّ هو غريب بحدّ ذاته

الثالث : ما تبادر إلى ذهني من معنى الوتر بأنّه الدم المسفوك(١) وفحوى هذه العبارة هي : يا أيّها القتيل الذين أقربائه وأصحابه ـ كما أقمنا الترجمة على هذا المعنى ، والإضافة إلى الله بهذا المعنى مناسب جدّاً لأنّه قتيلٌ في سبيل الله كما قيل له : قتيل الله

_________________

الزيارات المطلقة للإمام الحسينعليه‌السلام وفي البيان والتبيين ٢ : ٥٠ ط الاستقامة بمصر قال : في رواية جعفر ابن محمّد عن آبائه : ألا إنّ أبرار عترتي وأطاليب أُرومتي أحلم الناس وإنّ بنا تدرك ترة كلّ مؤمن ، وبنا تقطع ربقة الذلّ عن أعناقكم ، وبنا غنم وبنا فتح الله وبنا يختم لا بكم

(١) ورد معنى الوتر بمعنى الدم كما جاء في كامل الزيارة الباب ١٠٨ نوادر الزيارات حديث ١٤ ص ٢٣٤ : لمّا قتل الحسينعليه‌السلام سمع أهلنا قائلاً يقول بالمدينة : اليوم نزل البلاء على هذه الأُمّة فلا ترون فرحاً حتّى يقوم قائمكم فيشفي صدوركم ، ويقتل عدوّكم ، وينال بالوتر أوتاراً ؛ ففزعوا منه

٢٣٠

فائدة استطراديّة :

في مجمع البحرين في مادّة ثار يقول : إنّ في الحديث : « إذا خرج القائم يطلب بدم الحسين ويقول : نحن أولياء الدم طلّاب الترة »(١) ومثله حديث وصف الأئمّة : « بكم يدرك الله ترة كلّ مؤمن »(٢) ولم ينقل في أيّ كتاب من كتب اللغة ثرة ـ بالثاء ـ ، وما من قياس يبيح لنا تبديل ثأر المهموز بـ « الثرة » وهذا المحدّث المتبحّر نفسه ذكر الحديث الثاني في مادة وتر ، وهذا تصحيف غريب جدّاً ، وضرره على اللغة أكثر من أيّ مكان آخر لأنّ كتب اللغة إنّما وضعت ليحتجّ بها وتكون مرجعاً للجميع وأكثر أهل العلم غفل عن مثل هذه التصحيفات ، فأقام قواعده العلميّة على كلمات من هذا الطراز ، وربّما ترتّب عليه خطأ أكبر في الدين والدنيا ، ولم أجد كتاباً في اللغة لحدّ الآن أكثر أخطاء من القاموس وكتاب مجمع البحرين ، ففيهما كثير من الأخطاء والتصحيفات لا سيّما القاموس ، حيث كتبت في إصلاح عيوبه كتب كثيرة ويكفيه ما كان يدّعيه من أنّه استوعب اللغة كلّها ومع هذا الادّعاء الضخم فقد أحصى عليه في « تاج العروس » عشرين ألف كلمة لم يذكرها ومع ذلك ففي الزوايا خبايا ، وما أقلّ كتب الصحاح التي ليس فيها زيادة فائدة على القاموس

ومجمل القول نأتي ببعض التصحيفات الواردة في القاموس والمجمع نموذجاً لما قلناه آنفاً عنهما ليكون الأُدباء وأصحاب الكمال العلمي على معرفة من ذلك

_________________

(١) تفسير القمّي : أبي عن ابن أبي عمير ، عن ابن مسكان ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قوله :( أُذِنَ لِلَّذِينَ
يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا
) إنّما هو القائم إذا خرج يطلب بدم الحسين وهو قوله : نحن أولياء الدم وطلّاب الترة ( بحار الأنوار ٥١ : ٤٧ رقم ٧ ) ( هامش الأصل )

(٢) مجمع البحرين ١ : ٣٠٥

٢٣١

في القاموس مادة « خور » يقول : « الخور وادٍ وراء برجيل »(١) وأصل العبارة كما يلي : « خور » وزان « غور » موضع في أرض نجد من ديار بني كلاب وذكره حميد بن ثور في شعره فقال :

سقى السروة المحلال ما بين زاين

إلى الخور وسمّي البقول المديم

ونقل الفاضل الأديب المتبحّر المحدّث السيّد علي خانرحمه‌الله في الطراز عن الأودي أنّه قال : خور وادٍ وزابن جبل فجاء صاحب القاموس فصحّف الكلمة حين جعل لفظ « وزابن » « وراءبر » ولفظ جبل جعله « جبل » فصارت الكلمة « وراء برجيل » والعجيب إذ لم يدخل في خلده برجيل ومعناه فهل هو حيوان أو جماد أو ملك ، ونعم ما قال السيّد : إنّ هذا التصحيف يضحك الثكلى ويلهيها عن مصيبتها(٢)

وقال في مادة قوقس : قاقيس بن صعصعة بن أبي الخريف ، محدّث

وهذا التصحيف لا يقلّ عن ذاك شناعةً ، لأنّ العبارة المنقولة عن الذهبي في مشتبه الأنساب كالتالي : ذكر في « حريف » أوّلاً « عبد الله بن ربيعة السوالي تابعيّ يكنى أبا الحريف ـ بفتح الحاء المهملة ضبطه الدولابي وخالفه ابن الجارود فأعجمها وبمعجمه وفاقاً أي وقع الخلاف في الحاء هل هي مهملة أو معجمة ولكن في الزاي أنّها معجمة وفاقاً ثمّ قال : قيس بن صعصعة بن الخريف فجاء هذا الفاضل وألقى نظرة على لفظ « وفاقاً » ففصل وفا عن باقيها وقرأها « وفاء » وبقيت « قا » أي القاف والألف فاحتار صاحبنا كيف يقرأها وأين يضعها بقي في

_________________

(١) هذا ما قاله صاحب القاموس عن الخور : المنخفض من الأرض والخليج من البحر ومصبّ الماء في البحر وع بأرض نجد أو وادٍ وراء برجيل ( القاموس المحيط ٢ : ٢٥ مادة خور ) ( المترجم )

(٢) ولم يستدرك عليه ذلك صاحب تاج العروس بل لم يزد على قوله برجيل كقنديل ، ولم يذكر المصنّف برجيل في اللام ٣ : ١٩٢ ولم أعثر عليها عند أحمد شدياق في الجاسوس على القاموس ( المترجم )

٢٣٢

حيرة إلى أن انتشله ، فكره الثاقب منها فألقاها على رأس قيس المسكين وخلع عليه هذه الخلعة القاقيسيّة الشريفة(١) والتصحيف من هذا النمط كثير في كتاب القاموس فإنّه فاق حدود الإحصاء(٢)

وقال في ( المجمع ) في مادة حنف بحاء مهملة ونون : أولاد الأحناف وهم الإخوة من أُمّ واحدة وآباء متعدّدة ، وضبط العلماء بأجمعهم هذه اللفظة في مادة ( خيف ) بخاء معجمة وياء مثنّاة تحتانيّة آخر الحروف الهجائيّة ، وقالوا : إذا كان الأولاد من أب واحد وأُمّهات عدّة فهم أبناء علات ، وإذا كانوا من أُمّ واحدة وتعدّدت آبائهم فهم أبناء أخياف ، وإذا اتحد أبواهم فهم أبناء أعيان ، وأصل الخيف وزان حول اختلاف لون العين كأن تكون إحداهما سوداء والأُخرى زرقاء ، ومن هذا الباب ما جاء في البديع من صنعة الخيفاء وهي الالتزام ، بالمجيء بكلمة معجمة من بعدها كلمة مهملة نظير عبارة الحريري في المقامة المراغية الكرم :



ثبت الله جيس سعودك يزين



واللؤم غض الدهر جفن حسودك يشين



وكذلك ورد في المجمع في كتاب القاف باب ما أوّله النون في الخبز : نهى عن

_________________

(١) على شيخنا المؤلّف أن يضع في الحسبان تلاعب النسّاخ بمؤلّفات العلماء فليس من الحقّ في شيء أن نلقي التبعة على صاحب الكتاب لأنّي لا أستبعد أن يكون هذا الجهل الفاضح من الناسخ وهو في أكثر الأحيان كذلك إلّا أن تكون النسخة مخطوطة بيد المؤلّف ( المترجم )

(٢) قال الزبيدي : ( وقيس ) هكذا في النسخ والصواب على ما سبق له في ق ق س قاقيس ( بن صعصعة بن أبي الخريف المحدّث ) روى عن أبيه ، الخ فيرى قيس خطأ وقاقيس هو الصواب ( تاج العروس ٦ : ٨٣ ) ( المترجم )

٢٣٣

النجقاء في الأضاحي قال ابن الأعرابي : النجق أن يذهب البصر والعين مفتوحة(١) وليس في لغة العرب مثل هذه الصيغة بل اجتماع الجيم والقاف من علامات الدخيل كما نصّ على ذلك السيوطي في المزهر والشهاب الخفاجي صاحب الريحانة في شفاء الغليل نظير جوزق ومنجنيق وهذا اللفظ نخق ونخقاء بباء موحّدة وخاء معجمة كما صرّخ بذلك أساس البلاغة والنهاية وتاج المصادر للبيهقي والصحاح ومختار الصحاح والقاموس ومطابقه للنسخ المعتمدة للسامي الميداني ( وفقه اللغة للثعالبي ) وغيرها ، وهذان التصحيفان وإن لم يكونا في غرابة القاموس ولكنّ مفسدتهما لا تقلّ عن ذلك

ومن غرايب المجمع العبارة التي أوردها في ذكر الزبير حيث خلط بين ابن العوّام وابن عبد المطّلب ومن هذا الخلط العجيب حصلنا على عجينة غريبة ، كما فعل صاحب كشف الظنون في لفظ تفسير الطوسي حيث خلط بين ترجمة الشيخ الطوسي والشيخ الطبرسي ، واخترع لنا مركّباً غريباً من هذا الخلط

وهذا صدّيق حسنخاني البهوپالي في ( ابجد العلوم ) خلط بين أحوال نجم الدين الرضي وأحوال السيّد الرضي وخرج من بين هذين بخلطة عجيبة ، والإسهاب بذكر مثل هذه الأخطاء خارج من إطار هذا المختصر وخارج عن التناسب مع الموضوع المُعدّ له الكتاب

وبهذا القدر ممّا ذكرناه يمكن أن يحدث ابتهاج وتلذّذ في الأذهان المتوقّدة والطباع الرقيقة المحبّة بالاستطراطات اللطيفة الأدبيّة والافتتانات الغريبة العلميّة فيحصل فيها توثّب وقدح

_________________

(١) مجمع البحرين ٤ : ٢٧٤ تحقيق السيّد أحمد الحسيني ط ثانية ١٤٠٨ مكتبة نشر الثقافة الإسلاميّة ، ولم يلتفت المحقّق إلى ذلك ( المترجم )

٢٣٤

السَّلامُ عَلَيْكَ وَعَلَىٰ الْأَرْواحِ الَّتِي حَلَّتْ بِفِنائِكَ وَأَنَاخَتْ بِرَحْلِك

الشرح : الأرواح جمع روح وأصل الروح كما نقل ذلك عن أبي عبيدة بمعنى الطيب والطهارة ومن هنا سمّيت روح الإنسان روحاً وسمّي الملائكة المطهّرون أرواحاً ، وجبرئيل روح القدس ، وسمّي الملك الأعظم في الآية الكريمة :( يَوْمَ
يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ
) (١) روحاً ، ولقّب عيسى بروح الله ، ويُدعى الملائكة والجنّ بالعالم الروحاني ـ بالضمّ ـ كما يقال لكلّ ذي روح روحاني

والروح ـ بفتح الراء ـ شريك في هذا المعنى ، فيقال : مكان روحاني يعني طيّب ، وزيادة النون جاءت على خلاف القياس في النسب وذلك من التغييرات فيه ، مثل ربّي ودهري وربّاني ورحوي ـ بفتح الراء ـ

والريح : بمعنى الهواء مأخوذ منه ، لهذا يجمع على أرواح لأنّ معناه يلتئم مع الطيب والانشراح كما أنّ الروح معناه النسيم كما أنّ الروح والرياح ـ بالفتح ـ بمعنى الخمر مأخوذة من هذا ، والريحان بمعنى الورد من وجوه اشتقاقات هذا المعنى وإنّما سمّيت روح الإنسان روحاً بلحاظ الطهر والطيب الذي كان لها في بدو التكوين وأصل الوجود قبل تلوّثها بالعلايق الجسمانيّة وتدنّسها باللوازم الهيولانيّة

ومجمل القول أنّ استعمال الروح في الإنسان له وجوه عدّة ، والظاهر أنّ المراد منه هنا هي النفس الناطقة الإنسانيّة وهي جوهر لطيف ملكوتي ، تبقى بعد فناء البدن ، وهي من أمر الله تعالى ، واختلفوا في تجرّدها ومادّيتها

ونسب صاحب المقاصد القول بالتجرّد إلى محقّقي الإسلام ، والفاضل المقداد

_________________

(١) النبأ : ٣٨

٢٣٥

إلى محقّقي المتكلّمين ، كما نقل ذلك عن طائفة كبيرة من علماء الإماميّة مثل الصحابي المتكلّم عظيم الشأن رفيع المنزلة الثقة المسلّم هشام بن الحكمرضي‌الله‌عنه كذلك نسب القول بالتجرّد إلى الشيخ المفيد ، والشيخ المفيد وعامّة بني نوبخت من متكلّمي الشيعة الإماميّة

وقال بتجرّد النفس الناطقة أُستاذ البشر خواجه نصيرالدين الطوسي والفاضل المحقّق كمال الدين بن ميثمرحمه‌الله في شرح المأة كلمة ، صرّح بذلك وإن نسبه بعضهم إلى الخلاف وذلك ناشئ عن الغفلة

والشيخ البهائي وسيّد الحكماء والمجتهدين ميرداماد والفقيه الحكيم المحدّث المتوحّد المتبحّر الكاشاني وتلميذه العارف المحقّق المحدّث القاضي سعيد القمّي والفاضل المحقّق النراقي الأوّل وابنه المحقّق العلّامة النراقي الثاني والسيّد الأجل الأعظم رئيس الفرقة في عصره الحاج السيّد محمّد باقر الرشتي الاصفهاني ، ومربّي مشايخ عصره حجّة الطائفة رئيس الفرقة زعيم الشيعة ، شيخ الدنيا ، أُستاد العالم شيخنا المرتضى كما نقل ذلك عنه والدنا المحقّق الفحل الذي كان لسانه الناطق ، وهذا العلّامة المتبحّر ارتضى هذا المذهب واختاره قدّس الله أسرارهم ، وغيرهم من أعاظم الفقهاء وجمهور الحكماء المتشرّعين الإماميّة مثل صدر المتألّهين والمحقّق اللاهيجي والمحقّق المقدّس الورع النوري ، والحكيم الفقيه الفاضل الزنوزيرحمهم‌الله وغيرهم من أساطين أهل الديانة والصيانة ، هؤلاء جميعاً قالوا بتجرّد النفس ، ولهم على ذلك ظواهر آيات عدّة وأخبار كثيرة توافقهم على هذا المذهب وأقاموا عليه البراهين العقليّة

وطائفة أُخرى وهم أكثر متكلّمي الشيعة والمحدّثين من العلماء رجّحوا الجانب المادّي ، ولهذه الطائفة أيضاً ظواهر من الأخبار والآيات تمسّكوا بها ، وأقاموا أدلّتهم العقليّة عليه

٢٣٦

والعلّامة المجلسي أظهر التردّد في ( السماء والعالم ) وقال : فما يحكم به بعضهم من تكفير القائل بالتجرّد إفراط وتحكّم كيف وقد قال به جماعة من علماء الإماميّة ونحاريرهم(١) ، انتهى

وجملة القول أنّ المسألة نظريّة وهي مشكلة للغاية وإن كان حلّ هذا الإشكال عن طريق النظر والاستدلال لقليل البضاعة مثلي ممكن ولكنّ الخوض في تحقيق مثل هذا النوع من المباحث ليس محلّ الاهتمام أوّلاً ، وثانياً هو خارج عن إطار هذا الشرح

وتارة تستعمل الروح بمعنى الجسم والروح كليهما بعلاقة الحالّ والمحلّ ، أو الملابسة كما يقول العرب فعلاً : « شال روحه » أو يقولون « جرح روحه » õ وهذا الاستعمال رائج في العراق والحجاز ، وأنا سمعته منهم ، ونظيره في لسان الفرس لسان عموم الشعب متداول معروف حيث يقولون : ألبس روحه أو جرح روحه ، وهذه علاقة صحيحة واستعمال فصيح ، وتنزل على هذا العبارة الواردة في دعاء الندبة : « وعرجت بروحه إلى السماء »(٢) لأنّ الضرورة قائمة على حدوث المعراج الجسماني والبرهان يدلّ عليه ، كما بيّنّا ذلك في موضعه

_________________

(١) بحار الأنوار ٥٨ : ١٠٤ وقال عقب ذلك : وجزم القائلين بالتجرّد أيضاً بمحض الشبهات ضعيفة مع أنّ ظواهر الآيات والأخبار تنفيه أيضاً جرأة وتفريط . ( المترجم )

(٢) الظاهر أنّ تصحيفاً وقع في نسخة مصباحي التي نقل منها المرحوم المجلسي ، وأمّا نسخة العالم الربّاني الحاج ميرزا حسين النوري في كتابه [ تحيّة الزائر ] من ( المزار القديم ) و ( مزار الشيخ محمّد بن المشهدي ) و ( مصباح الزائر ) للسيّد : « عرجت به » هذا هو المنقول والدليل على تصحيف النسخة التي وردت فيها عبارة « عرجت بروحه » الجملتان « وسخّرت له البراق » و « عرجت به إلى سماءك » لأنّ عروج الروح لا يحتاج إلى البراق ، فالجملة الأُولى إشارة إلى هذا ، والثانية فيها عرجت به والضمير المجرور يتناول الروح والجسم كليهما ولو أراد الروح وحدها لما جاء به واكتفى بذكرها ( هامش الأصل )

٢٣٧

وللروح إطلاقات أُخرى في لسان الأخبار وعرف العرفاء واصطلاح الأطبّاء ، وما من حاجة تدعو إلى سردها

والحلول وحلّ والمحلّ : النزول كما جاء في منتهى الإرب وتاج المصادر

الفناء : بكسر الفاء وزان كساء ما امتدّ من جوانب الدار(١) حيث ينيخ الناس مراكبهم وابلهم وينزلون هناك

وأناخه : من باب الإفعال أجوف واوي ( يقال : نوخ : أنخت البعير فاستناخ ونوّخته فتنوّخ ، وأناخ الإبل أبركها فبركت )(٢)

رحل : الرحل : منزل الرجل ومسكنه وبيته(٣)

وفي هذه الفقرة تحتمل وجوهٌ :

الأوّل : المراد بهذه الأرواح خصوص أرواح الملائكة والأنبياء والأولياء الذين حضروا واقعة الطفّ لأنّ المستفاد من بعض الأخبار أنّ أرواح الملائكة المقرّبين والأنبياء المرسلين والشهداء والصدّيقين حضروا يوم الطفّ ، ليشاهدوا الفداء والتضحية الخارقة للعادة ، ليشاهدوا في اليوم المشهود ذلك اليوم المحمود ، وهذا المعنى بعيد جدّاً لأنّ ظاهر الحال رجوع السلام على الأصحاب الشهداء بل هذه الزيارة مختصّة بالقتلى مطلقاً لهذا لم يحتمل أحد دخول عليّ بن الحسين فيها ـ وهو الإمام الرابععليه‌السلام ـ والقرينة الدالّة على ذلك هي زيارة جابر الأربعينيّة حيث وجّه خطابه إلى الأصحاب فقال : السلام على الأرواح المنيخة بقبر أبي عبد الله

والظاهر من لفظ الحلول والإناخة نوع الاستقرار والإقامة وهذا لا يناسب

_________________

(١) لسان العرب ١٤ : ٣٤٢

(٢) نفسه ٣ : ٦٥

(٣) لسان العرب : مادة رحل

٢٣٨

حضور الأنبياء والأولياء الذين حضروا ساعة الشهادة وأوضح من هذه العبارة زيارة عاشوراء المذكورة في إقبال السيّد الأجل طاب ضريحه من كتاب ( مختصر المنتخب ) : « السلام عليك وعلى الأرواح التي حلّت بفنائك وأناخت بساحتك وجاهدت في الله معك وشرت نفسها ابتغاء مرضات الله فيك »(١)

على أنّ أصل المسألة في حضور الأنبياء وغيرهم لم تثبت بطريق صحيح أو معتمد من هنا لا وجه للجزم بتنزيل العبارة عليهم ، كما سمع ذلك عن البعض

الوجه الآخر : المراد عموم الأرواح والنفوس المقدّسة الدائرة في فلك الحسين والمتجحفلة في حيّه وبقاعه ولها اتصال حقيقي بدون تكيّف أو قياس بذلك الجوهر الطاهر والعنصر المنير وبناءاً على هذا يكون الرحل والفناء بمعنى اللبّ الواقعي لا الرحل والفناء الجسماني الظاهري ( والمعنى المتصوّر من هذه العبارة أنّ من أناخوا برحله وأقاموا بفنائه لا يقصد بذلك حقيقة الرحل والفناء بل توجّه القلوب والأفئدة إليه ) وهذا الوجه أبعد من الوجه السابق من جهة وأقرب إليه من جهة أُخرى وعلى كلّ حال فهو خلاف الظاهر وغاية في البعد

الوجه الثالث : المعنى المراد منه هم أصحابه الأوفياء لا فرق بين الأقرباء والبعداء في الظاهر الذين هم أقرب إليه من كثير من أهله وأرحامه ، وهذا الوجه هو المعيّن بحسب نظري القاصر ، لكن نسبة الحلول والإناخة إليهم بعدّة اعتبارات جائزة وصحيحة :

الأوّل : المراد بالأرواح هي الأجسام المقدّسة الطاهرة وقد مرّ آنفاء أنّ الروح تطلق هذا الإطلاق أحياناً ، ولمّا كان أصحابه عليه وعليهم السلام كتب الله لهم حياة الخلود فهم القدر المتيقّن والمصداق الحقيقي لمن قتل في سبيل الله ، والله

_________________

(١) الإقبال : باب ذكر الزيارات في يوم عاشوراء : ٤٢

٢٣٩

تعالى يقول :( وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ) (١) لهذا أُطلقت الروح وأُريد بها الأجسام المطهّرة المكرّمة ولا مانع من ذلك ، ويدلّ على هذه الوجه الجملة الآتية من زيارة جابر : « المنيخة بقبر أبي عبد الله »(٢)

وبناءاً على هذا يكون الرحل والفناء معناه القبر والحائر فقد قال الشيخ المفيد : فأمّا أصحاب الحسين رحمة الله عليهم الذين قتلوا معه فإنّهم دفنوا حوله ولسنا نحصل لهم أجداثاً على التحقيق والتفصيل إلّا أنّا لا نشكّ أنّ الحائر محيط بهم رضي الله عنهم وأرضاهم وأسكنهم جنّات النعيم(٣)

وقبر أبي الفضل وإن بعد شيئاً عن قبر الحسينعليه‌السلام ولكنّه داخل في فناء سيّد الشهداء ورحله ولا جرم يكون المعنى ذلك الحلول الجسماني الذي تمّ منهم وهم على قيد الحياة حيث نزلوا برحله وأقاموا في ساحته وهذا المعنى متفق مع ظاهر المعنى للرحل والفناء وهو به أنسب وأقرب ، وتشهد بذلك عبارة الزيارة في إقبال السيّد لأنّ ظاهر عطف الجهاد والشراء تأخّر وقوعه عن الحلول والإناخة

الثاني : أن يراد بها نفس الأرواح المقدّسة وإن كان وصفها بالحلول والإناخة بناءاً على هذا المعنى لا يخلو من بعد لأنّ هذه الأوصاف لها ظهور في الحالات الجسميّة إلّا أنّ ذلك ليس مختصّاً بها بحسب الوضع اللغوي

الثالث : المراد من الفناء والرحل ، حضيرة القدس ومحلّ القرب ومحفل الملكوت حيث مجلس أُنس ذلك الكائن المقدّس ( الحسين ) إذ من المقطوع الذي لا شكّ به أنّ أصحابهعليهم‌السلام في درجته وبالقرب من مقامه وهم جيرانه

_________________

(١) آل عمران : ١٦٩

(٢) زيارة الأربعين من بحار الأنوار ١٠١ : ٣٣٠ ( هامش الأصل )

(٣) الإرشاد ٢ : ١٢٦

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

التي يحرم منهالعمرة التمتع - ومر بيانها - نعم، إذا كان المكلف في مكة وأراد الإتيان بالعمرة المفردة جاز له أن يحرم من أدنى الحلّ، كالحديبية والجعرانة والتنعيم، ولا يجب عليه الرجوع الى المواقيت والإحرام منها(١) ، ويستثنى من ذلك من أفسد عمرته المفردة بالجماع قبل السعي، فإنه يجب عليه الاحرام للعمرة المعادة من أحد المواقيت، ولايجزيه الاحرام من أدنى الحل على الاحوط، كما مر توضيحه في المسألة ٩٠.

مسألة ٣٩٩: لايجوز دخول مكة بل ولادخول الحرم إلا محرما(٢) ، فمن أراد الدخول فيهما في غير أشهر الحج وجب عليه

____________________

(١) فقد أحرم الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله بعد رجوعه من الطائف من الجعرانة.

(٢) لعدة من النصوص، ففي صحيحة ابن مسلم قال: سألت أبا جعفرعليه‌السلام هل يدخل الرجل الحرم (مكة) بغير إحرام ؟ قال: « لا، إلا مريضا او من به بطن » وفي صحيحة عاصم عنهعليه‌السلام : « يدخل الحرم احد إلا محرما ؟ قال: لا، إلا مريض أو مبطون » وفي مستطرفات السرائر نقلا عن كتاب جميل عن بعض اصحابه عن احدهماعليهما‌السلام في الرجل يخرج من الحرم الى بعض حاجته ثم يرجع من يومه، قال: « لابأس بأن يدخل بغير احرام» وفي مرسلة البختري وابان عن رجل عنهعليه‌السلام في الرجل يخرج

=

٣٦١

أن يحرم للعمرة المفردة، ويستثنى من ذلك من يتكرر منه الدخول والخروج لحاجة كالحطاب والحشاش ونحوهما(١) ، وكذلك من خرج من مكة بعد إتمامه أعمال عمرة التمتع والحج، أو بعد العمرة المفردة فإنه يجوز له العود إليها من دون إحرام قبل مضي الشهر الذي أدى فيه عمرته، وتقدم حكم الخارج من مكة بعد عمرة التمتع وقبل الحج في المسألة ١٠.

* مسألة ٤٠٠: إذا أتى بالعمرة المفردة نيابة عن الغير، وخرج من مكة ورجع قبل مضي الشهر الذي أدى فيه العمرة، فهل يجوز له

____________________

=

في الحاجة من الحرم، قال: « إن رجع في الشهر الذي خرج فيه دخل بغير إحرام، وإن دخل في غيره دخل بإحرام »، وما في المعتمد من أن المراد من دخول الحرم هو دخول مكة لعدم الريب في عدم وجوب الاحرام لمن كانت له حاجة في الحرم ولم يرد النسك، ودعوى أن القدسية والمزية والحرمة لمكة بخصوصها، خلاف ظاهر النصوص وإن القدسية والمزية لمكة أولا وبالذات وللحرم، وإلا ماوجه تسميته بذلك.

(١) كما هو مفاد بعض النصوص.

* اذا تكرر خروجه يوميا أو ثلاث او أربع مرات في الاسبوع لم يلزمه الاحرام للدخول.

٣٦٢

العود من دون إحرام، فيه إشكال والاحوط تجديد الاحرام(١) .

* مسألة ٤٠١: الظاهر أن دخول الحرم أو مكة بلا إحرام حرام حدوثا(٢) لابقاءً، فإذا دخلهما بغير إحرام عمداً او لعذر لايجب عليه الخروج فوراً.

مسألة ٤٠٢: من أتى بعمرة مفردة في أشهر الحج وبقي في مكة إلى يوم التروية وقصد الحج كانت عمرته متعة(٣) ، فيأتي بحج التمتع، ولافرق في ذلك بين الحج الواجب والمندوب.

* لكن كل ذلك بشرط عدم الخروج من مكة - ولو الى جدة - بعد الاتيان بالعمرة المفردة الى يوم التروية، فإذا خرج منها لاتكون متعة.

____________________

(١) اذ الفصل المعتبر بين العمرتين فيما اذا كان عن نفسه، مع امكان واحتمال شمول النصوص الدالة على عدم الحاجة الى الاحرام إذا رجع في نفس الشهر للمقام أيضا.

(٢) اذ هو غاية مايستفاد من النصوص فراجع.

(٣) كما هو مقتضى الروايات وقد مر بعضها.

٣٦٣

أحكام المصدود

مسألة ٤٠٣: المصدود: هو الذي منعه العدو أو نحوه من الوصول الى الاماكن المقدسة لأداء مناسك الحج أو العمرة بعد تلبسه بالإحرام.

مسألة ٤٠٤: المصدود في العمرة المفردة إذا كان سائقا للهدي جاز له التحلل من إحرامه بذبح هديه أو نحره في موضع الصد(١) .

وإذا لم يكن سائقا وأراد التحلل لزمه تحصيل الهدي وذبحه أونحره، ولايتحلل بدونه على الاحوط(٢) .

____________________

(١) ففي موثقة زرارة عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: المصدود يذبح حيث صد ويرجع صاحبه فيأتي النساء.

(٢) كما هو مذهب الاكثر كما في المدارك والمفاتيح والذخيرة والرياض، بل في الغنية والمنتهى إجماعنا عليه، لقوله تعالى ( وأتموا الحج والعمرة فان احصرتم فما استيسر من الهدي ) وموثقة زرارة المتقدمة، وفعل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لما صده المشركون يوم الحديبية، وذهب والصدوقان وابن إدريس الى التحلل بدونه، لاختصاص الآية بالاحصار وعدم دلالتها صراحة على الوجوب، ومع التنزل يختص ذلك بمن ساق الهدي، وأما

=

٣٦٤

والاحوط لزوما ضم الحلق أو التقصير إلى الذبح أو النحر في كلتا الصورتين(١) .

____________________

=

موثقة زرارة وغيرها فكذلك تقيّد بما اذا ساق الهدي وإلا فيتخير بين الحلق والتقصير، كما يشير إليه مارواه علي بن ابراهيم بسند صحيح من أمر الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله أصحابه بنحر ماساقوه معهم من الابل وحلق رؤوسهم وأما من لم يسق فخيره بين الحلق والتقصير، فعن الصادقعليه‌السلام قال - في حديث طويل -: فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله تعظيماً للبدن رحم الله المحلّقين، وقال قوم لم يسوقوا البدن: يارسول الله والمقصرين ؟ لان من لم يسق هدياً لم يجب عليه الحلق، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ثانياً رحم الله المحلقين الذين لم يسوقوا الهدي، فقالوا يارسول الله والمقصرين، فقال: رحم الله المقصرين»، ولعله منشأ الاحتياط والله العالم.

(١) تبعا للشهيدين في الدروس والروضة والمسالك جمعا بين الاخبار، ففي رواية حمران عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حين صدّ بالحديبية قصّر وأحلّ ونحر ثم انصرف منها ولم يجب عليه الحلق حتى يقضي النسك، فأما المحصور فإنما يكون عليه التقصير.

وفي صحيحة رفاعة عن ابي عبد اللهعليه‌السلام قال: خرج الحسينعليه‌السلام معتمرا وقد ساق بدنة حتى انتهى الى السفيا فبرسم فحلق شعر رأسه ونحرها مكانه.

=

٣٦٥

وأما المصدود في عمرة التمتع، فإن كان مصدودا عن الحج ايضا فحكمه ماتقدم، وإلا - كما لو منع من الوصول الى البيت الحرام قبل الوقوفين خاصة - فلا يبعد انقلاب وظيفته الى حج الافراد(١) .

مسألة ٤٠٥: المصدود في حج التمتع إن كان مصدوداً عن الموقفين او عن الموقف بالمشعر خاصة، فالأحوط أن يطوف ويسعى ويحلق رأسه ويذبح شاة فيتحلل من إحرامه(٢) .

____________________

=

وفي موثقة الفضل بن يونس قال: سألته عن رجل عرض له سلطان فأخذه ظالما له يوم عرفة قبل أن يعرف، فبعث به إلى مكة فحبسه، فلما كان يوم النحر خلى سبيله كيف يصنع ؟ فقال: يلحق فيقف بجمع، ثم ينصرف الى منى فيرمي ويذبح ويحلق ولاشيء عليه، قلت: فإن خلى عنه يوم النفر كيف يصنع ؟ قال: هذا مصدود عن الحج إن كان دخل متمتعا بالعمرة الى الحج فليطف بالبيت اسبوعا، ثم يسعى اسبوعا ويحلق رأسه ويذبح شاة، فإن كان مفردا للحج فليس عليه ذبح ولاشيء عليه.

وعن الشيخ في النهاية وظاهر الشرائع والنافع، بل المنسوب الى الاكثر كما في الرياض عدم توقف التحلّل عليهما أصلا قصورا في مقتضى الادلة.

(١) لشمول بعض أدلة الانقلاب له كما لايخفي فراجع.

(٢) كما هو مقتضى موثقة الفضل المتقدمة فانها ظاهرة على التبدل الى العمرة المفردة إذ الطواف والسعي والحلق من اعمالها، ووجوب الذبح لالكونه عمرة مفردة حتى يشكل بعدم القائل وإنما تطبيقا لقولهعليه‌السلام

=

٣٦٦

وإن كان مصدودا عن الطواف والسعي فقط - بأن منع من الذهاب الى المطاف والمسعى - فعندئذ ان لم يكن متمكنا من الاستنابة وأراد التحلل، فالاحوط أن يذبح أو ينحر هديا ويضم إليه الحلق او التقصير(١) .

وإن كان متمكنا من الاستنابة فلا يبعد جواز الاكتفاء بها(٢) ، فيستنيب لطوافه وسعيه ويأتي هو بصلاة الطواف بعد طواف النائب.

وإن كان مصدودا عن الوصول الى منى لأداء مناسكها فوقتئذ إن كان متمكنا من الاستنابة استناب للرمي والذبح او النحر(٣) ، ثم حلق أو قصر ويبعث بشعره الى منى مع الإمكان، ويأتي ببقية المناسك.

____________________

=

في صحيحة زرارة «المصدود يذبح حيث صد»، وحيث ادعي الاجماع واتفاق الاصحاب كما في الجواهر على انه بالخيار بين التحلل بالذبح او البقاء على الاحرام حتى يفوت الموقفان ويتحلل بعمرة مفردة فالاحتياط في محله والله العالم.

(١) لصدق الصد حينئذٍ.

(٢) لحكومة أدلة الاستنابة على الصد كما لايخفي، وذهب في المعتمد الى قصور أدلة النيابة عن الشمول للمقام، مؤكداً كلامه بعدم المورد لعنوان المصدود لو قيل بشمولها، ولعل في كلامه مواضع للنظر والله العالم.

(٣) لتحقق العذر ومعه فعليه الاستنابة.

٣٦٧

وإن لم يكن متمكنا من الاستنابة سقط عنه الذبح والنحر فيصوم بدلا عن الهدي(١) ، كما يسقط عنه الرمي أيضا - وإن كان الاحوط الإتيان به فى السنة القادمة بنفسه إن حج او بنائبه إن لم يحج - ثم يأتي بسائر المناسك من الحلق أو التقصير وأعمال مكة، فيتحلل بعد هذه كلها من جميع مايحرم عليه حتى النساء من دون حاجة الى شيء آخر.

مسألة ٤٠٦: المصدود من الحج أو العمرة إذا تحلل من إحرامه بذبح الهدي لم يجزئه ذلك عنهما(٢) ، فلو كان قاصداً أداء حجة الإسلام فصُد عنها وتحلّل بذبح الهدي، وجب عليه الإتيان بها لاحقا إذا بقيت استطاعته أو كان الحج مستقراً في ذمته.

مسألة ٤٠٧: إذا صُدّ عن الرجوع إلى منى للمبيت ورمي الجمار لم يضره ذلك بصحة حجه(٣) ، ولايجري عليه حكم المصدود، فيستنيب للرمي إن امكنه في سنته، وإلا قضاه في العام القابل بنفسه إن حج أو بنائبه إن لم يحج على الاحوط الاولى(٤) .

____________________

(١) لاشتراط الذبح في منى، فتنتقل وظيفته الى فاقد الهدي.

(٢) اذ مقتضى ادلة الصدّ هو التحلل لا الاجزاء والاكتفاء والبدلية.

(٣) بلا خلاف في ذلك.

(٤) وقد تقدم فراجع.

٣٦٨

مسألة ٤٠٨: لافرق في الهدي المذكور بين أن يكون بدنة أو بقرة أو شاة، ولو لم يتمكن منه فالاحوط أن يصوم بدلا عنه عشرة أيام(١) .

مسألة ٤٠٩: إذا جامع المحرم للحج امرأته قبل الوقوف بالمزدلفة فوجب عليه إتمامه وإعادته - كما سبق في تروك الإحرام - ثم صُدّ عن الإتمام جرى عليه حكم المصدود(٢) ، ولكن تلزمه كفارة الجماع زائدا على هدي التحلل(٣) .

أحكام المحصور

مسألة ٤١٠: المحصور: هو الذي يمنعه المرض أو نحوه عن

____________________

(١) ففي صحيحة معاوية عنهعليه‌السلام في المحصور ولم يسق الهدي، قال: ينسك ويرجع، قيل: فإن لم يجد هدياً ؟ قال: يصوم » ووجه التوقف أن الصحيحة واردة في المحصور لا المصدود والقول بإشتراكهما في الاحكام مطلقا بحاجة الى دليل، مضافا الى مامر من تقريب عدم وجوب الهدي على المصدود في العمرة المفردة اذا لم يسق الهدي.

(٢) لوجوب إتمام الحجة المرتكب فيها الجرم، سواء قلنا بفسادها او أن الثانية عقوبة عليه.

(٣) عقوبة له.

٣٦٩

الوصول إلى الاماكن المقدّسة لأداء أعمال العمرة أو الحج بعد تلبسه بالإحرام.

مسألة ٤١١: المحصور إذا كان محصوراً في العمرة المفردة أو عمرة التمتع وأراد التحلّل، فوظيفته أن يبعث هدياً أو ثمنه ويواعد أصحابه أن يذبحوه أو ينحره بمكة في وقت معين، فإذا جاء الوقت قصّر أو حلق وتحلل في مكانه(١) .

وإذا لم يكن متمكناً من بعث الهدي أو ثمنه لفقد من يبعثه معه، جاز أن يذبح أو ينحر في مكانه ويتحلل(٢) .

____________________

(١) ففي صحيحة معاوية قال: سألت ابا عبداللهعليه‌السلام عن رجل أحصر فبعث بالهدي، فقال: « يواعد أصحابه ميعاداً، فان كان في حج فمحل الهدي يوم النحر، وإذا كان يوم النحر فليقصر من رأسه، ولايجب عليه الحلق حتى يقضي مناسكه، وإن كان عمرة فلينتظر مقدار دخول أصحابه مكة والساعة التي يعدهم فيها فإذا كان تلك الساعة قصر وأحل » ومثلها دلالة موثقة زرعة.

(٢) لعدة من النصوص التي ظاهرها ذبح الهدي محل الاحصار المحمولة على صورة تعذر بعثه الى مكة او منى، ففي صحيحة رفاعة عن ابي عبداللهعليه‌السلام قال: « خرج الحسينعليه‌السلام معتمراً وقد ساق بدنة حتى انتهى إلى السقيا فبرسم فحلق شعر رأسه ونحرها مكانه » وفي صحيحة

=

٣٧٠

وإن كان محصوراً في الحج، فوظيفته ماتقدم، إلا أن مكان الذبح أو النحر لهديه منى، وزمانه يوم النحر(١) .

وتحلل المحصور في الموارد المتقدمة إنما هو من غير النساء، وأما منها فلا يتحلل إلا بعد الإتيان بالطواف والسعي بين الصفا والمروة في حج أو عمرة(٢) .

مسألة ٤١٢: إذا مرض المعتمر فبعث هدياً ثم خف مرضه وتمكن

____________________

=

معاوية عنهعليه‌السلام في المحصور ولم يسق الهدي، قال: ينسك ويرجع، فإن لم يجد ثمن هدي صام.

(١) كما هو مقتضى صحيحة وموثقة معاوية وزرعة المتقدمتان.

(٢) تشهد له صحيحة معاوية عنهعليه‌السلام قال: « المحصور غير المصدود، وقال: المحصور هو المريض والمصدود هو الذي يرده المشركون كما ردوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ليس من مرض، والمصدود تحل له النساء والمحصور لاتحل له النساء »، وفي صحيحته الاخرى في حصر الحسينعليه‌السلام قال: أرأيت حين برىء من وجعه قبل أن يخرج الى العمرة حلت له النساء ؟ قال: لاتحل له النساء حتى يطوف بالبيت وبالصفا والمروة، قلت فما بال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حين رجع من الحديبية حلّت له النساء ولم يطف بالبيت، قال: ليسا سواء، كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله مصدودا والحسين محصوراً.

٣٧١

من مواصلة السير والوصول إلى مكة قبل أن يذبح أو ينحر هديه لزمه ذلك، فإن كان عمرته مفردة فوظيفته إتمامها ولاشيء عليه.

وإن كانت عمرة التمتع، فإن تمكن من اتمام أعمالها قبل زوال الشمس من يوم عرفة فلا إشكال(١) ، وإلا فالظاهر انقلاب حجه إلى الإفرد(٢) .

وكذلك الحال - في كلا الصورتين - لو لم يبعث بالهدي وصبر حتى خفّ مرضه وتمكن من مواصلة السير.

مسألة ٤١٣: إذا مرض الحاج فبعث بهديه، وبعد ذلك خف المرض، فإن ظن إدراك الحج وجب عليه الالتحاق(٣) ، وحينئذ فإن

____________________

(١) تدل عليه صحيحة زرارة عن ابي جعفرعليه‌السلام قال: إن أحصر الرجل بعث بهديه، فإذا أفاق ووجد في نفسه خفة فليمض إن ظن أنه يدرك الناس، فإن قدم مكة قبل أن ينحر الهدي فليقم على إحرامه حتى يفرغ من جميع المناسك، ولينحر هديه، ولاشيء عليه وإن قدم مكة وقد نحر هديه فإن عليه الحج من قابل والعمرة.

(٢) لكون عمرة التمتع مغياة بزوال الشمس يوم عرفة، فإذا لم يتمكن من أدائها قبل ذلك شملته أدلة الانقلاب المتقدمة في المسألة ١٣.

(٣) لوجوب اتمام النسك، والفرض انه متمكن، مضافا الى ظهور صحيحة زرارة المتقدمة.

٣٧٢

أدرك الموقفين أو الوقوف بالمشعر خاصة - حسبما تقدم - فقد أدرك الحج، فيأتي بمناسكه وينحر أو يذبح هديه(١) .

وإلا فإن لم يذبح أو ينحر عنه قبل وصوله انقلب حجه إلى العمرة المفردة(٢) ، وإن ذبح أو نحر عنه، قصر أو حلق وتحلل من غير النساء، وأما منها فلا يتحلل إلا أن يأتي بالطواف والسعي في حج أو عمرة(٣) .

مسألة ٤١٤: إذا أحصر الحاج من الطواف والسعي، بأن منعه المرض أو نحوه من الوصول الى المطاف والمسعى، جاز له أن يستنيب لهما(٤) ويأتي هو بصلاة الطواف بعد طواف النائب.

وإذا أحصر عن الذهاب الى منى وأداء مناسكها استناب للرمي والذبح(٥) ،

____________________

(١) وليس عليه الحج من قابل.

(٢) لعدة من النصوص الدالة على انقلاب الوظيفة الى العمرة المفردة عند عدم ادراك الحج مطلقا.

(٣) وقد مر في المسألة الثانية من الباب فراجع.

(٤) لعدة من النصوص، منها صحيحة حريز عن ابي عبداللهعليه‌السلام قال: المريض المغلوب والمغمى عليه يرمى عنه ويطاف عنه.

(٥) اذ المباشرة في الرمي شرط في ظرف القدرة، أما الذبح فتجوز

=

٣٧٣

ثم حلق أو قصر ويبعث بشعره إلى منى مع إلامكان(١) ، ويأتي بسائر المناسك فيتم حجه.

مسألة ٤١٥: إذا أحصر الرجل فبعث بهديه، ثم آذاه رأسه قبل أن يبلغ الهدي محله، جاز له ان يحلق، فإذا حلق وجب عليه أن يذبح شاة في محله أو يصوم ثلاثة أيام أو يطعم ستة مساكين، لكل مسكين مُدّان(٢) .

مسألة ٤١٦: المحصور في الحج أو العمرة إذا بعث بالهدي وتحلل من إحرامه لم يجزئه ذلك عنهما، فلو كان قاصداً أداء حجة الاسلام فأحصر، فبعث بهديه وتحلل، وجب عليه الإتيان بها لاحقا إذا بقيت الاستطاعة أو كان الحج مستقراً في ذمته(٣) .

____________________

=

الاستنابة مطلقا.

(١) وقد تقدم بيانه فراجع.

(٢) تدل عليه صحيحة زرارة عن ابي عبداللهعليه‌السلام قال: إذا أحصر الرجل فبعث بهديه فآذاه رأسه قبل أن ينحر هديه فانه يذبح شاة في المكان الذي أحصر فيه أو يصوم أو يتصدق على ستة مساكين والصوم ثلاثة أيام والصدقة نصف صاع لكل مسكين.

(٣) لصحيحة البزنطي قال: سألت أبا الحسنعليه‌السلام عن محرم انكسرت ساقه، أي شيء يكون لحاله ؟ وأي شيء عليه ؟ قال: هو حلال من

٣٧٤

مسألة ٤١٧: المحصور إذا لم يجد هديا ولاثمنه صام عشرة أيام بدلا منه(١) .

مسألة ٤١٨: إذا تعذّر على المحرم مواصلة السير إلى الأماكن المقدسة لأداء مناسك العمرة أو الحج لمانع آخر غير الصد والإحصار، فإن كان معتمراً بعمرة مفردة جاز له التحلل في مكانه بذبح هديه مع ضم الحلق أو التقصير إليه على الاحوط.

وكذلك إذا كان معتمراً بعمرة التمتع ولم يمكنه إدراك الحج أيضا، وإلا فالظاهر انقلاب وظيفته إلى حج الإفراد.

وإذا كان حاجا وقد تعذر عليه إدراك الموقفين أو الموقف في المشعر خاصة، فعليه أن يتحلل من إحرامه بعمرة مفردة.

____________________

=

كل شيء... قال: أصلحك الله ماتقول في الحج ؟ قال: لابد أن يحج من قابل » وفي صحيحة حمزة بن حمران أنه سألة أبا عبداللهعليه‌السلام عن الذي يقول: حلني حيث حبستني، فقال: هو حل حيث حبسه، قال أو لم يقل، ولايسقط الاشتراط عنه الحج من قابل » وفي صحيحة رفاعة عنهعليه‌السلام قال: سألته عن الرجل يشترط وهو ينوي المتعة فيحصر هل يجزيه أن لايحج من قابل ؟ قال: يحج من قابل » وغيرها من النصوص، مضافا الى أن أدلة الاحصار وكذا الصد هي للتحلل لا للاجزاء.

(١) لصحيحة معاوية المتقدمة والتي موردها المحصور فراجع.

٣٧٥

وإذا تعذر عليه الوصول الى المطاف والمسعى لأداء الطواف والسعي، أو لم يتمكن من الذهاب إلى منى للاتيان بمناسكها فحكمه ماتقدم في المسألة ٤١٤.

* مسألة ٤١٩: من أصابه عارض صحي اثناء ادائه لطواف العمرة المفردة فأرجع الى بلده، فإن كان بعد إتمام الشوط الرابع فلا يبعد الاجتزاء بالنيابة في بقية الاشواط وكذا في السعي ويأتي هو بصلاة الطواف بعد طواف النائب ويحلق أو يقصر بعد سعيه ويستنيب لطواف النساء ويأتي بصلاته، فيحل من إحرامه تماما، وأما إذا كان قبل ذلك ففي خروجه من الاحرام من دون العود الى مكة والاتيان باعمال عمرته تأمل وإشكال(١) .

* مسألة ٤٢٠: من اصابته سكتة قلبية أثناء ادائه طواف عمرة التمتع فان كان وضعه الصحي لايسمح له بالبقاء في مكة لتكميل مناسك عمرته ولو بالاستنابة ثم الاحرام للحج وادراك الوقوفين بالمقدار الذي يصح به الحج، فالظاهر جريان أحكام المحصور عليه، وإلا فان رجع الى بلده وكان ذلك باختياره فلا يبعد بطلان

____________________

(١) وقد تقدم في المسألة ٤٠ الجزم بوجوب الرجوع واكمال العمرة المفردة لمن تركها.

٣٧٦

إحرامه وإن كان آثما في ذلك(١) ، وأما اذا كان رجوعه من دون ارادته واختياره فالاقرب جريان حكم المصدود عليه.

* مسألة ٤٢١: إذا احرم لعمرة التمتع ثم اغمي عليه فان احتمل أن يفيق من غيبوبته ويدرك الحج - بأن يدرك اختياري المشعر أو اضطراريه مع اختياري عرفة أو اضطراريه - اتخذ الولي من ينوب عنه فى الطواف وصلاته والسعي(٢) ثم يقصر شيئا من شعره فيحل من احرام عمرته، وفي يوم التروية الاحوط أن يحرم عنه الولي - اي يلبي عنه - ويجنبه محرمات الاحرام، ويذهب الى الموقفين فإن افاق هناك فالاحوط أن يجدد الاحرام بنفسه ولو من موضعه ان لم يتمكن من الذهاب الى مكة(٣) ، فإن ادرك الحج - بإدراك ماتقدم - يأتي ببقية مناسكه، وإن عاد الى الغيبوبة قبل الاتيان بها استناب له الولي من

____________________

(١) راجع ماقلناه عند الشروع في كيفية الاحرام.

(٢) لدلالة جملة من النصوص على مشروعية الطواف عن المغمى عليه، وهو وفق مقتضى القاعدة، اذ الحكم الاولي أن يطوف الانسان بالبيت وبين الصفا والمروة بنفسه، فإن لم يقدر فبمعونة الاخرين إعانة ثم حملا، وإن لم يقدر طيف وسعي عنه.

(٣) وقد تقدم فيمن نسى او جهل الاحرام من مكة حتى خرج منها الى عرفات، فراجع.

٣٧٧

يأتي بها عنه، واما اذا لم يفق حتى فات عنه الوقوفان بطل حجه.

* مسألة ٤٢٢: إذا اتى بعمرة التمتع ثم عرض له مايوجب الخوف على نفسه من الاتيان بالحج أو خاف أن يصاب بضرر بليغ، فإن كان خوفه عقلائياً لم يجب عليه الاتمام(١) ، والاحوط ان يجعلها عمرة مفردة فيأتي بطواف النساء.

مسألة ٤٢٣: ذكر جماعة من الفقهاء: أن الحاج او المعتمر إذا لم يكن سائقا للهدي، واشترط في إحرامه على ربه تعالى أن يحله حيث حبسه، فعرض له عارض - من عدو أو مرض أو غيرهما - حبسه عن الوصول الى البيت الحرام أو الموقفين، كان أثر هذا الاشتراط أنه يحل بمجرد الحبس من جميع ما للتحلل من إحرامه، كما لايجب عليه الطواف والسعي للتحلل من النساء إذا كان محصوراً.

وهذا القول وإن كان لايخلو من قوة(٢) ، إلا أن الاحوط لزوما

____________________

(١) السلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى اولاد الحسين وعلى اصحاب الحسين.

(٢) بل لعله المتعيّن، وإليه ذهب المرتضى وابن ادريس مع دعوى الاجماع، تمسكاً بصحيحة ذريح عن ابي عبداللهعليه‌السلام قال: سألته عن رجل تمتع بالعمرة الى الحج، واحصر بعد ما أحرم، كيف يصنع ؟ قال: فقال:

=

٣٧٨

=

أو اشترط على ربه قبل أن يحرم أن يحله الله عند عارض عرض له من أمر الله؟ فقلت: بل قد اشترط ذلك، قال: فليرجع الى أهله حلالا لا احرام عليه، إن الله أحق من وفي بما اشترط عليه، قلت: افعليه الحج من قابل ؟ قال: لا » فهي دالة على التحلل بمجرد الاحصار بلا تعرض للهدي، إذ لو كان واجبا لذكرهعليه‌السلام لكونه في مقام البيان.

وصحيحة البزنطي قال: سألت ابا الحسنعليه‌السلام عن محرم انكسرت ساقه، أي شيء يكون حاله ؟ وأي شيء عله ؟ قال: هو حلال من كل شيء، فقلت: ومن النساء والثياب والطيب ؟ فقال: نعم من جميع ما يحرم على المحرم، قال: أما بلغك قول أبي عبداللهعليه‌السلام : حلني حيث حبستني لقدرك الذي قدرت عليّ، قلت: أصلحك الله ماتقول في الحج ؟ قال: لابد أن يحج من قابل.

ويويدهما ماورد في جملة من الصحاح في كتاب الاعتكاف من وجوب الاتمام اذا اعتكف يومين إلا اذا اشترط على ربه فله ان يفسخ، كصحيحة محمد بن مسلم وابي ولاد الحناط، وفي صحيحة ابي بصير عنهعليه‌السلام في حديث: وينبغي للمعتكف إذا اعتكف أن يشترط كما يشترط الذي يحرم» وفي صحيحة ابن يزيد عنهعليه‌السلام قال: واشترط على ربّك في اعتكافك كما تشترط في احرامك أن يحلك من اعتكافك عند عارض إن عرض لك من علة تنزل بك من أمر الله تعالى.

وقيل: أن فائدة الاشتراط جواز التحلل من غير تربص الى ان يبلغ الهدي محله، وهو ظاهر المحقق في الشرائح وصريحه في النافع، ويدفعه قوله عليه

=

٣٧٩

مراعاة ماسبق ذكره في المسائل المتقدمة في كيفية التحلل عند الحصر والصد، وعدم ترتيب الأثر المذكور على اشتراط التحلل.

***

إلى هنا فرغنا من واجبات الحج، فلنشرع الان في آدابه، وقد ذكر الفقهاء من الاداب مالاتسعه هذه الرسالة فنقتصر على يسير منها.

وليعلم أن استحباب جملة من المذكورات مبتنٍ على قاعدة

____________________

=

السلام « فليرجع الى أهله حلالا لا إحرام عليه ».

وقيل: أن فائدته سقوط الحج عنه فى العام القابل، وهو المحكي عن الشيخ في يالتهذيب، لذيل الصحيحة المتقدمة، وتقابلها عدة من الصحاح فلابد من رفع اليد عن ذيلها.

وقيل: أن الفائدة ادراك الثواب بذكره في عقد الاحرام، وهو الذي يظهر من الشهيد في المسالك قال: - بعد أن ذكر ان سقوط الهدي في غير السائق، وتعجيل التحلل فمخصوص بالمحصر دون المصدود، وسقوط القضاء فمخصوص بالمتمتع - ومن الجائز كونه تعبداً، أو دعاءً مأمورا به يترتب على فعله الثواب.

وذهب الشيخ وابن الجنيد والعلامة في المختلف والمنتهى الى عدم سقوط الهدي، تمسكا بإطلاق قوله تعالى ( فإن احصرتم فما استيسر من الهدي )، وفيه أنه مقيد بصحيحتي ذريح والبزنطي المتقدمين.

٣٨٠

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439