شفاء الصّدور في شرح زيارة العاشور الجزء ١

شفاء الصّدور في شرح زيارة العاشور13%

شفاء الصّدور في شرح زيارة العاشور مؤلف:
المحقق: محمد شعاع فاخر
الناشر: انتشارات المكتبة الحيدرية
تصنيف: متون الأدعية والزيارات
ISBN: 964-503-000-5
الصفحات: 439

الجزء ١
  • البداية
  • السابق
  • 439 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 34241 / تحميل: 4867
الحجم الحجم الحجم
شفاء الصّدور في شرح زيارة العاشور

شفاء الصّدور في شرح زيارة العاشور الجزء ١

مؤلف:
الناشر: انتشارات المكتبة الحيدرية
ISBN: ٩٦٤-٥٠٣-٠٠٠-٥
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

بمنى دون مكة(١) ، فإن لم يتمكن منها صام ثمانية عشر يوما بمكة أو في الطريق أو عند أهله(٢) ، والأحوط الاولى أن تكون متواليات(٣) .

ويجري هذا الحكم في من أفاض من عرفات نسياناً أو جهلا منه بالحكم، فيجب عليه الرجوع بعد العلم أوالتذكر، فإن لم يرجع حينئذ فعليه الكفارة على الاحوط(٤) .

مسألة ٢٧٦: إن جملة من مناسك الحج كالوقوف في عرفات وفي المزدلفة ورمي الجمار والمبيت بمنى، بما أن لها أياما وليالي خاصة من شهر ذي الحجة الحرام، فوظيفة المكلف أن يتحرى رؤية هلال هذا الشهر ليتسنى له الإتيان بمناسك حجه في أوقاتها.

وإذا ثبت الهلال عند قاضي الديار المقدسة، وحكم على طبقه،

____________________

رجل أفاض من عرفات قبل أن تغيب الشمس، قال: عليه بدنة ينحرها يوم النحر، فان لم يقدر صام ثمانية عشر يوما بمكة أو في الطريق أو في أهله.

(١) كما هو ظاهر صحيحة ضريس، اذ قولهعليه‌السلام «ينحرها يوم النحر» كناية عن النحر في منى والقرينة واضحة فتدبر.

(٢) للصحيحة المتقدمة.

(٣) خروجا عن خلاف المحقق في الشرائع وصاحب الجواهر.

(٤) وجه الاحتياط أن موضوع الكفارة في النصوص الافاضة العمدية، وبإطلاقها قد تكون شاملة للمقام وهو لايخلو من قوة.

٢٤١

وفرض مخالفته للموازين الشرعية، فقد يقال بحجيته حكمه في حق من يحتمل مطابقته مع الواقع، فيلزمه متابعته وترتيب آثار ثبوت الهلال فيما يرتبط بمناسك حجه من الوقوفين وغيرهما، فإذا فعل ذلك حكم بصحة حجه وإلا كان محكوما بالفساد.

بل قد يقال بالاجتزاء بمتابعة حكمه حتى فيما لم يحتمل مطابقته مع الواقع في خصوص ماتقتضي التقية الجري على وفقه.

ولكن كلا القولين في غاية الإشكال(١) ، وعلى هذا فإن تيسر للمكلف أداء أعمال الحج في أوقاتها الخاصة حسبما تقتضيه الطرق المقررة لثبوت الهلال وأتى بها صح حجه مطلقا على الأظهر.

وإن لم يأت بها كذلك - ولو لعذر - فإن ترك أيضا اتباع رأي القاضي في الوقوفين فلا شك في فساد حجه، وأما مع اتباعه ففي صحة حجه إشكال.

____________________

(١) للقصور في دلالة النصوص، وجزم السيد الخوئي وبعض اعاظم تلامذته بالاجزاء في صورة احتمال المخالفة، وفصل بعض الاساتذة في صورة العلم بالخلاف بين كون التقية مستوعبة للوقت او لا، فيجزي في الاول دون الثاني وله شواهد في باب الصلاة، ويمكن استشعار الصحة مطلقا من معتبرة ابي الجارود عن ابي جعفرعليه‌السلام قال: الفطر يوم يفطر الناس والأضحى يوم يضحي الناس والصوم يوم يصوم الناس.

٢٤٢

الوقوف في المزدلفة

وهو الثالث من واجبات حجّ التمتع.

والمزدلفة اسم لمكان يقال له: المشعر الحرام، وحدّ الموقف من المأزمين إلى الحياض إلى وادي محسر، وهذه كلها حدود المشعر وليست بموقف إلا عند الزحام وضيق الموقف، فإنه يجوز حينئذ الارتفاع الى المأزمين(١) .

مسألة ٢٧٧: يجب على الحاجّ - بعد الإفاضة من عرفات - أن يبيت شطرا من ليلة العيد بمزدلفة حتى يصبح بها، والاحوط أن يبقى فيها إلى طلوع الشمس(٢) ، وإن كان الاظهر جواز الإفاضة منها إلى وادي

____________________

(١) ففي موثقة سماعة قال: قلت لابي عبداللهعليه‌السلام : إذا كثر الناس بمنى وضاقت عليهم كيف يصنعون ؟ فقال: يرتفعون إلى وادي محسر، قلت: فإذا كثر الناس بجمع وضاقت عليهم كيف يصنعون ؟ قال: يرتفعون إلى المأزمين، قلت: فإذا كانوا بالموقف وكثروا وضاق عليهم كيف يصنعون ؟ فقال: يرتفعون إلى الجبل.

(٢) تبعا للاكثر.

٢٤٣

محسر قبل الطلوع بقليل(١) .

نعم لايجوز تجاوز الوادي إلى منى قبل أن تطلع الشمس(٢) .

مسألة ٢٧٨: الوقوف في تمام الوقت المذكور وإن كان واجباً في حال الاختيار إلا أن الركن منه هو الوقوف في الجملة.

فإذا وقف بالمزدلفة مقدارا من ليلة العيد ثم أفاض قبل طلوع الفجر صح حجه على الاظهر وعليه كفارة شاة إن كان عالماً، وإن كان جاهلا فلا شيء عليه(٣) .

____________________

(١) تشهد له صحيحة هشام عنهعليه‌السلام قال: لاتجاوز وادي محسر حتى تطلع الشمس »، وفي موثقة اسحاق قال: سألت أبا ابراهيمعليه‌السلام أي ساعة أحب إليك أن أفيض من جمع ؟ قال: قبل أن تطلع الشمس بقليل فهو أحب الساعات إليّ، قلت: فان مكثنا حتى تطلع الشمس ؟ قال: لابأس »، ومثلها صحيحة معاوية بن حكيم، وعن ابن مهزيار عمن حدثه عن حماد عن جميل عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: ينبغي للإمام أن يقف بجمع حتى تطلع الشمس وسائر الناس إن شاءوا عجلوا وإن شاءوا أخروا »، وفي صحيحة معاوية عنهعليه‌السلام قال: ثم أفض حيث يشرق لك ثبير وترى الابل مواضع أخفافها.

(٢) كما هو مقتضي صحيحة هشام.

(٣) تدل عليه صحيحة مسمع عن ابي ابراهيمعليه‌السلام في رجل

=

٢٤٤

وإذا وقف مقدارا مما بين الطلوعين ولم يقف الباقي ولو متعمداً صح حجه أيضا ولاكفارة عليه وإن كان آثما(١) .

مسألة ٢٧٩: يستثنى من وجوب الوقوف بالمزدلفة بالمقدار المتقدم الخائف والصبيان والنساء والضعفاء - كالشيوخ والمرضى - ومن يتولى شؤونهم، فإنه يجوز لهؤلاء الاكتفاء بالوقوف فيها ليلة العيد والإفاضة منها إلى منى قبل طلوع الفجر(٢) .

مسألة ٢٨٠: يعتبر في الوقوف بالمزدلفة نية القربة والخلوص(٣) ، كما يعتبر فيه أن يكون عن قصد نظير مامر في الوقوف بعرفات.

مسألة ٢٨١: من لم يدرك الوقوف الاختياري - الوقوف في الليل والوقوف فيما بين الطلوعين - في المزدلفة لنسيان أولعذر آخر أجزأه

____________________

=

وقف مع الناس بجمع، ثم أفاض قبل أن يفيض الناس، قال: إن كان جاهلا فلا شيء عليه، وإن كان أفاض قبل طلوع الفجر فعليه دم شاة» وهي كما ترى ظاهر في وجوب الكفارة على من أفاض قبل الفجر مطلقا حتى الجاهل، لوجه المقابلة فتدبر.

(١) اما عدم الكفارة فلعدم الدليل، واما الاثم فلترك الواجب.

(٢) بلا خلاف في ذلك لجملة من النصوص.

(٣) لكونها عبادة متقومة بذلك.

٢٤٥

الوقوف الاضطراري(١) - الوقوف قليلا فيما بين طلوع الشمس الى زوالها يوم العيد - ولو تركه عمداً فسد حجه(٢) .

إدراك الوقوفين أو أحدهما

تقدم أن كلاً من الوقوفين - الوقوف في عرفات والوقوف في المزدلفة - ينقسم الى قسمين: اختياري واضطراري، فإذا أدرك المكلف الاختياري من الوقوفين كليهما فلا إشكال، وإن فاته ذلك لعذر فله صور:

الاولى: أن لايدرك شيئا من الوقوفين - الاختياري منهما والاضطراري - أصلا، ففي هذه الصورة يبطل حجه ويجب عليه الإتيان بعمرة مفردة بنفس إحرام الحج(٣) .

وإذا كان حجه حجة الإسلام وجب عليه اداء الحج بعد ذلك

____________________

(١) بلا خلاف في ذلك للنصوص.

(٢) لتركه الركن بترك بدله الاضطراري.

(٣) نصاً واجماعاً.

٢٤٦

فيما اذا كانت استطاعته باقية أو كان الحج مستقراً في ذمته(١) .

الثانية: أن يدرك الوقوف الاختياري في عرفات والاضطراري في المزدلفة.

الثالثة: أن يدرك الوقوف الاضطراري في عرفات والاختياري في المزدلفة.

ففي هاتين الصورتين يصحّ حجه بلا إشكال(٢) .

الرابعة: أن يدرك الوقوف الاضطراري في كل من عرفات والمزدلفة، والاظهر في هذه الصورة صحة حجه(٣) ، وإن كان الاحوط إعادته(٤) بعد ذلك كما في الحالة المتقدمة في الصورة الاولى(٥) .

____________________

(١) ووجهه ظاهر.

(٢) للنص والاجماع.

(٣) لقولهعليه‌السلام في صحيحة العطار: إذا أدرك الحاج عرفات قبل طلوع الفجر، فأقبل من عرفات ولم يدرك الناس بجمع ووجدهم قد أفاضوا، فليقف قليلا بالمشعر الحرام وليلحق الناس بمنى ولاشيء عليه.

(٤) والظاهر أنه لاوجه لهذا الاحتياط، إلا أن يكون خروجا عن خلاف من تردد او حكم بالبطلان.

(٥) اذا كانت استطاعته باقية او كان الحج مستقرا عليه.

٢٤٧

الخامسة: أن يدرك الوقوف الاختياري في المزدلفة فقط، ففي هذه الصورةيصح حجه أيضا(١) .

السادسة: أن يدرك الوقوف الاضطراري في المزدلفة فقط والاظهر في هذه الصورة بطلان الحج(٢) وانقلابه الى عمرة مفردة.

____________________

(١) بلا خلاف في ذلك وتدل عليه جملة من النصوص منها صحيحة معاوية المتقدمة.

(٢) كما هو المشهور، لجملة من النصوص الصريحة الصحيحة، وفي قبالها طائفة اخرى تدل على الصحة بالاطلاق، فيرفع اليد عنها تقديما للنص على الظاهر، اذ لسان الثانية «من ادرك المشعر يوم النحر قبل زوال الشمس فقد أدرك الحج» فبإطلاقها تشمل من لم يدرك عرفات اصلا، اما لسان الاولى ففي صحيحة الحلبي قال: سألت أبا عبداللهعليه‌السلام عن الرجل يأتي بعدما يفيض الناس من عرفات، فقال: ان كان في مهل حتى يأتي عرفات من ليلته فيقف بها، ثم يفيض فيدرك الناس في المشعر قبل أن يفيضوا، فلايتم حجه حتى يأتي عرفات، وإن قدم رجل وقد فاتته عرفات فليقف بالمشعر الحرام فإن الله تعالى أعذر لعبده فقد تم حجه اذا ادرك المشعر الحرام قبل طلوع الشمس وقبل أن يفيض الناس، فان لم يدرك المشعر الحرام، فقد فاته الحج فليجعلها عمرة مفردة وعليه الحج من قابل » وهى ناصة على بطلان من أدرك المشعر الاضطراري كما لايخفي.

وذهب بعض الاساتذة الى التفصيل بين حج التمتع والافراد، فذهب الى

=

٢٤٨

السابعة: أن يدرك الوقوف الاختياري في عرفات فقط، والأظهر في هذه الصورة أيضا بطلان الحج(١) فينقلب حجه الى

____________________

=

الصحة في الاول والبطلان في الثاني، لكون أدلة الصحة بعضها صريح في التمتع والاخر مطلق، وأدلة البطلان بعضها مقيد بالافراد والاخر مطلق من حيث نوعية الحج، ففي صحيحة حريز قال: سألت أبا عبداللهعليه‌السلام عن رجل مفرد للحج فاته الموقفان جميعا، فقال له الى طلوع الشمس يوم النحر فان طلعت الشمس من يوم النحر فليس له حج ويجعلها عمرة وعليه الحج من قابل » ومثلها رواية اسحاق.

وفي صحيحة جميل: من أدرك المشعر يوم النحر قبل زوال الشمس فقد أدرك الحج، ومن ادرك يوم عرفة قبل زوال الشمس فقد أدرك المتعة.

(١) خلافا للمشهور والمعروف بين الاصحاب، وفي الجواهر نفى الخلاف المحقق في صحة الاجتزاء به بل في المنتهى أنه موضع وفاق، تبعا لعدة من النصوص.

ففي صحيحة الخثعمي عن ابي عبداللهعليه‌السلام أنه قال في رجل لم يقف بالمزدلفة ولم يبت بها حتى أتي منى، قال: ألم ير الناس؟ ألم ينكر منى حين دخلها ؟ قلت: فإنه جهل ذلك، قال: يرجع، قلت: إن ذلك قد فاته، قال: لابأس.

وفي صحيحة معاوية قال: قلت لابي عبداللهعليه‌السلام : مملوك اعتق يوم عرفة ؟ قال: إذا أدرك أحد الموقفين فقد أدرك الحج»، وفي صحيحته

=

٢٤٩

العمرة المفردة، ويستثنى من ذلك ما إذا مر بمزدلفة في الوقت الاختياري في طريقه الى منى، ولكن لم يقصد الوقوف بها جهلا منه بالحكم، فإنه لايبعد صحة حجه حينئذ إذا كان قد ذكر الله تعالى عند مروره بها(١) .

____________________

=

الاخرى عنهعليه‌السلام في مملوك اعتق يوم عرفة، قال: اذا أدرك أحد الموقفين فقد أدرك الحج، وإن فاته الموقفان فقد فاته الحج، ويتم حجه ويستأنف حجة الإسلام فيما بعد » فدلالتها صريحة بل نص في اجزاء أحد الموقفين ولاخصوصية قطعا للعبد اذ قولهعليه‌السلام «اذا أدرك أحد الموقفين فقد أدرك الحج » حكم كلي أحد موارده العبد المعتوق ليلة عرفة.

أما قولهعليه‌السلام في حسنة الحلبي « اذا فاتتك المزدلفة فقد فاتك الحج » فهو قابل للتقييد، أو الحمل على أن الانسان اذ قدم وقد فاتته المزدلفة فقد فاته الحج بخلاف ما اذا قدم وقد فاته عرفات فإن الحج لايفوت بفواته، فهي في مقام تحديد آخر مايمكن أن يدرك به الحج، فما عليه المشهور هو المعتمد خلافا للعلامة وغيره من المعاصرين، والله العالم.

(١) ففي صحيحة ابن حكيم قال: قلت لابي عبداللهعليه‌السلام : أصلحك الله الرجل الاعجمي والمرأة الضعيفة تكونان مع الجمال الاعرابي، فإذا أفاض بهم من عرفات مر بهم كما هو إلى منى لم ينزل بهم جمعا، قال: أليس قد صلوا بها، فقد أجزأهم، قلت: فإن لم يصلوا بها ؟ قال: فذكروا الله فيها، فإن كانوا ذكروا الله فيها فقد أجزأهم.

٢٥٠

الثامنة: أن يدرك الوقوف الاضطراري في عرفات فقط، ففي هذه الصورة يبطل حجه(١) وينقلب الى العمرة المفردة.

منى وواجباتها

يجب على الحاج بعد الوقوف في المزدلفة الإفاضة الى منى، لاداء الأعمال الواجبة هناك، وهي كما نذكرها تفصيلا ثلاثة:

١ - رمي جمرة العقبة

الرابع - من واجبات الحج -: رمي جمرة العقبة يوم النحر ويعتبر فيه أمور:

١ - نية القربة والخلوص.

٢ - أن يكون الرمي بسبع حصيات، ولايجزىء الأقل من ذلك، كما لايجزىء رمي غيرها من الأجسام.

٣ - أن يكون رمي الحصيات واحد بعد واحدة، فلا يجزىء

____________________

(١) لعدم الدليل على الصحة.

٢٥١

رمي اثنتين أو أكثر مرة واحدة.

٤ - أن تصل الحصيات إلى الجمرة فلا يحسب مالا يصل(١) .

٥ - أن يكون وصولها الى الجمرة بسبب الرمي، فلا يجزىء وضعها عليها(٢) .

٦ - أن يكون كل من الاصابة والرمي بفعله(٣) ، فلو كانت الحصاة بيده فصدمه حيوان أو انسان وألقيت إلى الجمرة لم يكف، وكذا لو ألقاها فوقعت على حيوان أو انسان فتحرك فحصلت الإصابة بحركته(٤) .

نعم، إذا لاقت الحصاة في طريقها شيئا ثم أصابت الجمرة - ولو بصدمته كما لو وقعت على أرض صلبة فطفرت فأصابتها - فالظاهر الإجزاء(٥) .

____________________

(١) نصاً واجماعاً وسيرةً في كل مامر.

(٢) لعدم تحقق الرمي.

(٣) ووجه واضح.

(٤) ففي صحيحة معاوية: اذا رميت بحصاة فوقعت في محمل فأعد مكانها.

(٥) تشهد له صحيحة معاوية وفيها: وإن اصابت انساناً أو جملاً ثم وقعت على الجمار أجزأك.

٢٥٢

٧ - أن يكون الرمي بيده(١) ، فلو رمى الحصيات بفمه أو رجله لم يجزئه، وكذا لو رماها بآلة - كالمقلاع - على الاحوط(٢) .

٨ - أن يكون الرمي بين طلوع الشمس وغروبها(٣) ، ويجزىء للنساء وسائر من رخص لهم الإفاضة من المشعر في الليل أن يرموا بالليل (ليلة العيد).

* مسألة ٢٨٢: من يتولى شؤون المعذورين والنساء اذا استغني عن مرافقته لهم في نهار يوم العيد بمقدار الرمي لم يجزئه الرمي ليلا(٤) .

____________________

(١) لانصراف الرمي إليه وهو القدر المتيقن، مؤيدا ببعض النصوص، ففي مصححة أبي بصير قال: قال ابو عبداللهعليه‌السلام : خذ حصى الجمار بيدك اليسرى وارم باليمنى »، وفي صحيحة البزنطي عن ابي الحسنعليه‌السلام قال: حصى الجمار تكون مثل الأنملة - الى ان قال - تخذفهن خذفا وتضعها على الإبهام وتدفعها بظفر السبابة.

(٢) وجه التوقف صدق الرمي باليد، مع مخالفتها للسيرة الجارية والعادة المتبعة من زمان المعصومين الى الان.

(٣) نصاً واجماعاً.

(٤) لعدم العذر الموجب لجواز الرمي ليلا.

٢٥٣

مسألة ٢٨٣: إذا شك في الاصابة وعدمها بنى على العدم(١) إلا مع التجاوز عن المحل، كما إذا كان الشك بعد الذبح أو الحلق أو بعد دخول الليل(٢) .

مسألة ٢٨٤: يعتبر في الحصيات أمران:

١ - أن تكون من الحرم سوى المسجد الحرام ومسجد الخيف(٣) ، والافضل أخذها من المشعر(٤) .

٢ - أن تكون أبكاراً على الاحوط(٥) ، بمعنى أن لاتكون

____________________

(١) اذ الاصل عدم الاصابة.

(٢) لقاعدة الفراغ وكذا التجاوز.

(٣) لقولهعليه‌السلام في معتبرة حنان: يجزيك أن تأخذ حصى الجمار من الحرم كله، إلا من المسجد الحرام ومسجد الخيف.

(٤) لقولهعليه‌السلام في صحيحة معاوية: خذ حصى الجمار من جمع، وإن أخذته من رحلك بمنى أجزأك.

(٥) بلاخلاف وقد ادعي عليه الاجماع، وتدل عليه عدة من النصوص:

ففي مرسلة حريز عمن أخبره عن ابي عبداللهعليه‌السلام قال: سألته من أين ينبغي أخذ حصى الجمار ؟ قال: لاتأخذ من موضعين: من خارج الحرم ومن حصى الجمار، ولابأس بأخذه من سائر الحرم.

وفي حسنة عبد الاعلى عنهعليه‌السلام في حديث: لاتأخذ من حصى

=

٢٥٤

مستعملة في الرمي قبل ذلك، ويستحب فيها أن تكون ملوّنة ومنقّطة ورخوة، وإن يكون حجمها بمقدار أنملة، وإن يكون الرامي راجلا، وعلى طهارة(١) .

مسألة ٢٨٥: إذا زيد على الجمرة في ارتفاعها ففي الاجتزاء برمي المقدار الزائد اشكال(٢) ، فالاحوط أن يرمي المقدار الذي كان سابقا، فإن لم يتمكن من ذلك رمى المقدار الزائد بنفسه واستناب شخصا آخر لرمي المقدار المزيد عليه، ولافرق في ذلك بين العالم

____________________

=

الجمار » وزاد عليه الصدوق «الذي قد رمي».

وحيث ان هذه النصوص على مذاق الاعلام ضعيفة السند وعدم انجبار الرواية بعمل المشهور فالمقام يقتضي الاحتياط.

(١) كل ذلك تبعاً لجملة من النصوص فراجع.

(٢) الظاهر من جملة من الروايات ان الواجب هو رمي موضع الجمرة الذي تمثل فيه الشيطان لابراهيمعليه‌السلام ، فرمي المقدار الزائد على ماكان يصدق عليه أنه رمي لموضع الجمرة، إذ البناء ماهو إلا رمز لهذا الشعار وإنه في هذا الموضع لافي آخر، مضافا الى تجدد البناء مرات عديدة طوال التاريخ - بل في عصر الائمةعليهم‌السلام - وهذا امر لايمكن ان ينكر، إذ استمرار عملية الرمي يستلزم منه تهشم الجمرة في السنة الواحدة فضلا عن السنوات المتعاقبة، ولم نر في اسئلة الرواة مايثير الشك في ذلك.

٢٥٥

والجاهل والناسي.

* مسألة ٢٨٦: الجدار الخلفي لجمرةالعقبة الذي أزيل أخيراً لايجتزى به على الاحوط إن لم يكن أقوى(١) .

* مسألة ٢٨٧: لايعتبر الكون في منى عند القيام برمي جمرة العقبة، فلا مانع من الوقوف حال الرمي بعيداً عنها من جهة وجهها(٢) ، بل يستحب أن يقف الرامي بعيداً بمقدار عشرة أذرع أو خمسة عشر ذراعاً.

مسألة ٢٨٨: إذا لم يرم يوم العيد لعارض من نسيان أو جهل بالحكم أو غيرهما لزمه التدارك متى ارتفع العارض(٣) ، ولو كان

____________________

(١) وذهب السيد الخوئي وبعض اعاظم تلامذته الى الاجتزاء.

(٢) لعدم إشتراطه في النصوص.

(٣) تشهد له صحيحة معاوية قال: سألت ابا عبداللهعليه‌السلام ماقولك في امرأة جهلت أن ترمي الجمار حتى نفرت الى مكة ؟ قال: فلترجع ولترم الجمار، كما كانت ترمي والرجل كذلك » ومقتضى اطلاق وجوب الرجوع للرمي وإن كان بعد ايام التشريق، وذهب المشهور بل لم ينقل الخلاف من وجوب الرجوع مادامت لم تنقضي ايام التشريق، تمسكاً بحسنة عمر بن يزيد عن ابي عبداللهعليه‌السلام قال: من أغفل رمي الجمار أو بعضها حتى تمضي أيام التشريق فعليه أن يرميها من قابل، فان لم يحج رمى عنه

=

٢٥٦

ارتفاعه في الليل أخر التدارك الى النهار، إذا لم يكن ممن رخص له الرمي ليلا كماسيأتي في رمي الجمار.

والظاهر وجوب التدارك عند ارتفاع العارض مادام الحاج بمنى، بل وفي مكة، حتى ولو كان ذلك بعد اليوم الثالث عشر، وإن كان الأحوط في هذه الصورة أن يعيد الرمي في السنة القادمة بنفسه إن حج أوبنائبه إن لم يحج(١) .

وإذا ارتفع العارض بعد خروجه من مكة فلا يجب عليه الرجوع(٢) ، بل يرمي في السنة القادمة بنفسه أو بنائبه على الاحوط

____________________

=

وليه، فإن لم يكن له ولي استعان برجل من المسلمين يرمي عنه، فانه لايكون رمي الجمار إلا في أيام التشريق » وتوقف بعض الاعلام فيها لضعف سندها لوجود محمد بن عمر بن يزيد وهو لم يوثق، لكن يمكن اعتبار حاله لانه من اصحابنا المصنفين وقد ذكره الشيخ والنجاشي مع عدم طعن الاخير فيه وهو من أمارات الحسن اذ من دأبه الطعن او المدح.

(١) خروجا عن خلاف المشهور، وعملا بإطلاق صحيحة معاوية.

(٢) تشهد له صحيحة معاوية وفيها: فان نسيها حتى اتى مكة، قال: يرجع فيرمي متفرقا يفصل بين كل رميتين بساعة، قلت: فانه نسي أو جهل حتى فاته وخرج، قال: ليس عليه أن يعيد.

٢٥٧

الاولى(١) .

مسألة ٢٨٩: إذا لم يرم يوم العيد نسياناً أو جهلاً، فعلم أو تذكر بعد الطواف فتداركه لم تجب عليه إعادة الطواف(٢) ، وإن كانت الإعادة أحوط(٣) .

وأما اذا كان الترك لعارض آخر - سوى الجهل او النسيان - فالظاهر بطلان طوافه، فيجب عليه أن يعيده بعد تدارك الرمي(٤) .

٢ - الذبح أو النحر في منى

وهو الخامس من واجبات حج التمتع.

ويعتبر فيه قصد القربة والخلوص، وعدم تقديمه على نهار يوم العيد إلا للخائف ن فإنه يجوز له الذبح والنحر في ليلته(٥) ، ويجب

____________________

(١) لحسنة ابن يزيد وإطلاق صحيحه معاوية المتقدمة.

(٢) لعدم الامر به في النصوص.

(٣) رعاية للترتيب.

(٤) لاخلاله بالترتيب الواجب.

(٥) لقولهعليه‌السلام في صحيحة ابن سنان: لا بأس أن يرمي الخائف بالليل ويضحي ويفيض بالليل.

٢٥٨

الإتيان به بعد الرمي على الاحوط(١) ، ولكن لو قدمه عليه جهلا أو نسيانا صح ولم يحتج إلى الاعادة(٢) .

ويجب أن يكون الذبح أو النحر بمنى(٣) ، وإن لم يمكن ذلك لكثرة الحجاج وضيق منى عن استيعاب جميعهم، فلا يبعد جواز الذبح أو النحر بوادي محسر(٤) ، وإن كان الاحوط تركه مالم يحرز

____________________

(١) ذهب الشيخ في الخلاف وابو الصلاح في الكافي وابن ابي عقيل وابن ادريس الى استحباب الترتيب بين اعمال منى الثلاثة، وقرّبه العلامة في المختلف، تمسكا بصحيحة ابن سنان قال: سألته عن رجل حلق رأسه قبل أن يضحي، قال: لابأس وليس عليه شيء ولايعودن.

وذهب الاكثر الى وجوب الترتيب للروايات البيانية التي ظاهرها ذلك وسيأتي بيانه في الحلق والتقصير فراجع.

(٢) نصاً واجماعاً.

(٣) نصاً واجماعاً.

(٤) تشهد له موثقة سماعة قال: قلت لابي عبداللهعليه‌السلام : إذا كثر الناس بمنى وضاقت عليهم كيف يصنعون ؟ فقال: يرتفعون إلى وادي محسر، قلت: فإذا كثر الناس بجمع وضاقت عليهم كيف يصنعون ؟ قال: يرتفعون إلى المأزمين، قلت: فإذا كانوا بالموقف وكثروا وضاق عليهم كيف يصنعون ؟ فقال: يرتفعون إلى الجبل.

فإذا جاز الوقوف والمبيت بوادي محسر بدلا عن منى في ظرف الضيق

=

٢٥٩

عدم التمكن من الذبح أو النحر بمنى الى آخر أيام التشريق(١) .

مسألة ٢٩٠: الأحوط أن يكون الذبح أو النحر يوم العيد، وإن كان الاقوى جواز تأخيره إلى آخر أيام التشريق(٢) ، والأحوط عدم الذبح في الليل مطلقا(٣) حتى الليالي المتوسطات بين أيام التشريق إلا

____________________

=

جاز ترتيب بقية الاحكام من الذبح والحلق، إذ الضيق كما يتحقق من الوقوف والمبيت بها يتحقق أيضا من الذبح فيها كما لايخفي، بل لعله اكثر مصداقية من المبيت لكثرة ماكان يضحى من الانعام الثلاثة في يوم العيد وهذه الكثرة تتطلب مساحات كبيرة من أرض منى.

(١) لعله لجواز تأخير الذبح الى اخر ايام التشريق اختيارا.

(٢) وذهب الشيخ في النهاية والمبسوط والمصباح الى ان وقت النحر او الذبح طول ذي الحجة، ومثله في الغنية والسرائر وهو ظاهر المهذب، لاطلاقات الادلة ومفهوم الشرط في حسنة الكرخي عن أبي عبداللهعليه‌السلام في رجل قدم بهديه مكة في العشر، فقال: إن كان هديا واجبا فلا ينحره إلا بمنى، وإن كان ليس بواجب فلينحره بمكة إن شاء، وإن كان قد أشعره أو قلده فلا ينحره إلا يوم الاضحى »، وصريح صحيحة ابي بصير عن أحدهماعليهما‌السلام قال: سألته عن رجل تمتع فلم يجد مايهدي، حتى إذا كان يوم النفر وجد ثمن شاة، أيذبح أو يصوم، قال: بل يصوم، فإن أيام الذبح قد مضت»، مضافا إلى القصور في ادلة التعيين.

(٣) بل الظاهر ذلك، لقولهعليه‌السلام في صحيحة ابن سنان: لابأس

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

وفي زيادٍ وإخوته يقول خالد النجّاري :

إنّ زياداً ونافعاً وأبا بكرة

عندي من أعجب العجب

إنّ رجالاً ثلاثة خلقوا

من رحم انثى وكلّهم لأب

ذا قرشيّ فيما يقول وذا

مولىً وهذا ابن عمّه عربي(١)

وأشعار يزيد بن مفرغ جدّ السيّد الحميري في هجاء عبّاد بن زياد معروفة وقال ابن زياد : ما آلمني شيء كما آلمني قول يزيد بن مفرّغ :

فكّر ففي ذاك إن فكّرت معتبر

هل نلت مكرمة إلّا بتأمير

عاشت سميّة ما عشت وما علمت

أنّ ابنها من قريش في الجماهير

وكان لزياد عدد من الأولاد منهم عبّاد هذا ، وكانت لحيته طويلة جدّاً ، فقال يزيد بن المفرغ يهجوه :

ألا ليت اللحى كانت حشيشاً

فنعلفها خيول المسلمينا

ومنهم عبيد الله لعنه الله وفي هجائهما يقول يزيد :

أعبّاد ما للؤم عنك محوّل

ولا لك اُمّ من قريش ولا أب

وقل لعبيد الله مالك والد

بحقّ ولا يدري امرئ كيف ينسب

وأشعار يزيد بن المفرّغ في هذا الباب كثيرة وهي مذكورة في مطاوي كتب الأدب والتاريخ

وابن زياد لعنهما الله هو الذي قتل شيعة أمير المؤمنين في البصرة والكوفة

_________________

(١) مروج الذهب ٣ : ٧ وفيه بدل « وكلّهم لأب » « مخالفي النسب » وبدل « ابن عمّه » « بزعمه » ( المترجم ) مروج الذهب ٣ : ٦ ط دار الهجرة ( هامش الأصل )

في مروج الذهب أيضاً مفلفلة الخ ٣ : ١٧ ، وراجع وفيات الأعيان ٦ : ٣٥٩ ط دار الثقافة بيروت ١٩٦٨ الدكتور إحسان عبّاس ، وفي شرح النهج : مفلفلة من الرجل اليماني ، وقال قبل ذلك : إنّ الأبيات النونيّة المنسوبة إلى عبد الرحمان بن اُمّ الحكم ليزيد بن المفرغ وإنّ أوّلها الخ ، ١٦ : ١٩٢ ( المترجم )

٣٢١

وسمل أعينهم وقطّع أيديهم وأرجلهم ، وأدخل حديدة محميّة في عيونهم ، لأنّه كان يُعَدّ منهم فهو يعرفهم على أحسن وجه(١) وهو أوّل من قتل المسلمين صبراً ، ودفن عبد الرحمان بن حسّان حيّاً في حبّ أمير المؤمنينعليه‌السلام ، كما روى ذلك ابن خلدون وابن الأثير ، وأوّل من نال حكومة العراقين ، وأوّل من روّج سبّ أمير المؤمنين في العراقين

وظنّ البعض أنّ قول الإمام الوارد في النهج : « سيظهر عليكم رجل رحب البلعوم ، مندحق البطن ، يأكل ما يجد وما لا يجد فاقتلوه ، ولن تقتلوه ، وإنّه سيدعوكم إلى سبّي والبرائة منّي »(٢) إشارة إليه والأظهر الإشارة إلى معاوية

وقالوا : دهاة العرب أربع : زياد والمغيرة بن شعبة ومعاوية وعمرو بن العاص ، كما ذكر الصلاح الصفدي في شرح لامية العجم بيتين من الشعر وفيه يذكر الشاعر أسمائهم :

من العرب العرباء قد عُدّ أربع

ذهاة فما يؤتىٰ لهم بشبيه

معاوية عمرو بن عاص مغيرة

زياد هو المعروف بابن أبيه

عليهم اللعنة ، وهؤلاء الأربعة هم أولاد زناً ، ومجتمعون على عداوة أمير المؤمنينعليه‌السلام وبدع زياد وفتنه في الإسلام أكثر من أن تحصى

قال ابن أبي الحديد : وأراد زياد أن يعرض أهل الكوفة أجمعين على البرائة

_________________

(١) أحسب المؤلّف يتحدّث عن زياد ووقع ابن زياد خطأً من الناسخ في أوّل الفقرة ( المترجم )

(٢) الإشارة إلى معاوية لا إلى زياد وتمامه : فأمّا السبّ فسبّوني فإنّه لي زكاة ولكم نجاة ، وأمّا البرائة فلا تتبرّأوا منّي فإنّي ولدت على الفطرة وسبقت إلى الإيمان والهجرة [ نهج البلاغة ١ : ١٠٥ ]

قال ابن أبي الحديد : وكثير من الناس يذهب إلى أنّهعليه‌السلام عنى زياداً ، وكثير منهم يقول : إنّه عنى الحجّاج ، وقال قوم : إنّه عنى المغيرة بن شعبة ، والأشبه عندي إنّه عنى معاوية لأنّه كان موصوفاً بالنهم وكثرة الأكل وكان بطيئاً ، يقعد بطنه إذا جلس على فخذيه [ الشرح ٤ : ٥٤ ] ( المترجم )

٣٢٢

من عليّعليه‌السلام ولعنه ، وأن يقتل كلّ من امتنع من ذلك ، ويخرّب منزله ، فضربه الله ذلك اليوم بالطاعون فمات لا رحمه الله بعد ثلاثة أيّام وذلك في خلافة معاوية(١)

ويؤيّد ما قاله ابن أبي الحديد الخبر المروي في أمالي ( ابن )(٢) الشيخ بسند معتبر عن كثير بن الصلت قال : جمع زياد الناس برحبة الكوفة ليعرضهم على البرائة من أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام والناس من ذلك في كرب عظيم ، فأغفيت فإذا أنا بشخص قد سدّ مابين السماء والأرض ، فقلت له : من أنت ؟ فقال : أنا النقّاد ذو الرقبة ، اُرسلت إلى صاحب القصر(٣) فانتبهت مذعوراً وإذا غلام لزياد قد خرج إلى الناس فقال : انصرفوا ، فإنّ الأمير عنكم مشغول ، وسمعنا الصياح من داخل القصر ، فقلت في ذلك :

ما كان منتهياً عمّا أراد بنا

حتّى تناوله النقّاد ذوالرقبه

فأسقط الشقّ منه ضربة ثبتت

كما تناول ظلماً صاحب الرحبه(٤)

والظاهر أنّ الشطر الأوّل من البيت الثاني فيه إشارة إلى الطاعون ، والقصد من صاحب الرحبة أمير المؤمنينعليه‌السلام

تنبيه

عدّ ابن الأثير في اُسد الغابة متبعاً أثر ابن عبد البرّ وابن مندة وأبي نعيم وأبي موسى زياداً لعنه الله من الصحابة مع أنّه لم تكن له صحبة مع النبيّ ولم يرو عنه ، لأنّه كان ابن عشر عند وفاة النبيّ وما كان في مكّة و(٥) لم يأت المدينة ، ولو حدث

_________________

(١) شرح ابن أبي الحديد ٤ : ٥٨ ( المترجم )

(٢) أمالي الشيخ صحيح ( المترجم )

(٣) يعني زياد لعنه الله ( المؤلّف )

(٤) أمالي الشيخ الطوسي : ٢٣٣

(٥) العجيب أنّ ابن الأثير على عدم صحبته ، فقال : وليست له صحبة ولا رواية [ اُسد الغابة ٢ : ٢١٥ ]

٣٢٣

ذلك فإنّه بالمقدار الذي رأى فيه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وتعريف الصحابي بناءاً على القول المشهور عند أهل السنّة وهو مختار الحاجبي والعضدي والتفتازاني وابن السبكي في (جمع الجوامع ) والجلال المحلّي في الشرح والبناني في الحاشية وغيرهم ، يصدق عليه بزعمهم ، والأكثر كما في الكتب التي ذكرناه على عدالة الصحابة المطلقة بلا فحص وبناءاً على هذا فينبغي أن يكون زياد عادلاً سبّ أمير المؤمنين أو قتل خيار الصحابة من دون جرم ولا ذنب ، وقد روى البخاري : « من آذى لي وليّاً فقد آذنته بالحرب »(١)

والآن لا بديل عن واحد من اثنين : فإمّا أن لا يكون السبّ إيذاءاً ، وإمّا أن لا يكون عليّ وأولاده وكبار الصحابة من الشيعة أولياءاً لله وتسمية سائر الصحابة المعادين لعليّعليه‌السلام وأهل بيته أولياء ، لأنّهم يستدلّون بهذه الرواية في كتب اُصولهم وكلامهم على حرمة سبّ الصحابة

مضافاً إلى ما تقدّم فإنّ الإيمان شرط في اللقاء على صدق اسم الصحابي ، أنّهم يعتبرون وهو في التاسعة مؤمناً وفي مقام إثبات سبق إسلام أمير المؤمنين على أبي بكر يقولون : لا يقبل إسلام الصبي وإنّما قبل إسلام عليّ عند ما بلغ أشدّه وكان ذلك بعد إسلام أبي بكر ، نعوذ بالله من الضلال والخذلان

فائدة

في لعن آل زياد يدخل زياد قطعاً وذلك إمّا من باب تنقيح المناط(٢) فإنّ لعن

_________________

(١) من عادى لي وليّاً فقد آذنته بالحرب [ صحيح البخاري ٨ : ١٣ باب ٣٧ الواضع ] ( هامش الأصل ) رقم الحديث ٦٢٦١ وفيه : إنّ الله قال : من عادى لي وليّاً الخ ( المترجم )

(٢) وهو تعيين العلّة من بين أوصاف مذكورة أو إلحاق الفرع بالأصل بالفاء الفارق بأن يقال : لا فرق بين الأصل والفرع إلّا كذا وذلك لا مدخل له في الحكم فيلزم اشتراكهما في الحكم لاشتراكهما في الموجب [ القاموس القويم : ١٥٦ و ١٥٧ ] ( المترجم )

٣٢٤

آل زياد لانتسابهم إليه ورضاهم بفعله وفعل عبيد الله فيكون زياد داخلاً في اللعن بطريق أولى أو من جهة القول بشمول لفظ « الآل » له كما ادّعاه بعض العلماء ، وسوف نشير إلى ذلك في شرح الصلوات على النبيّ وآلهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والله الموفّق

وأولاد زياد كما ذكرهم ابن قتيبة في المعارف هم : عبد الرحمان والمغيرة وأبوسفيان ، وعبيد الله وعبد الله ، واُمّهما مرجانة ، وسلم وعثمان وعبّاد وربيع وأبوعبيدة ويزيد وعنبسة واُمّ معاوية وعمر وغصن وعتبة وأبان وجعفر وسعيد وإبراهيم ، وهؤلاء واحد وعشرون ما بين ذكر واُنثى لعنهم الله جميعاً ، آمين

٣٢٥

وَآلَ مَرْوانَ

الشرح : هم آل مروان بن الحكم بن أبي العاص بن اُميّة وهو المعروف بابن الطريد ، والملقّب بالوزغ ، والمشهور بخيط باطل ، وهو أشدّ الناس عداوة لله ورسوله وآل رسول الله لا سيّما أمير المؤمنينعليه‌السلام ، واجتهد غاية الجهد ـ طيلة حكم عثمان إلى أن هلك بعده بسنين ـ في ستر مناقب أمير المؤمنين وإيجاد مؤاخذات عليه كما كان يزعم لعنه الله

وأبوه الحكم عمّ عثمان بن عفّان وكان عدوّ النبيّ ، شديد العداوة له ، مجاهراً بها ، لا يتخفّى ويصرّح بشنآن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو طريد رسول الله بالاتفاق ، نفاه النبيّ مع جماعة من أهل بيته ، وذكروا لذلك أسباباً مختلفة وأشهرها أنّه كان يمشي وراء النبيّ ويتخالج في مشيه مستهزءاً بمشية النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ويتمايل ذات اليمين وذات الشمال ، فلمّا رآه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « فكذلك » فلتكن ، ودعا عليه فصار يتخالج في مشيه على أثر دعاء النبيّ عليه ، وبقي على حاله إلى أن هلك ، ومن هذه الجهة طرده النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى الطائف كما ذكر ذلك المؤرّخون(١)

وفي أصل أبي سعيد العصفري ـ وأنا بحمد الله أخذت من نفس ذلك الأصل ـ : عن حمّاد بن عيسى ، عن بلال بن يحيى ، عن حذيفة بن اليمان ، عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : إذا رأيتم معاوية بن أبي سفيان على المنبر فاضربوه بالسيف ، وإذا رأيتم الحكم بن أبي العاص فاقتلوه ولو تحت أستار الكعبة

قال : ونفاه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى الدهلك أرض من أرض الحبشة ، قال : فلمّا ولي أبوبكر كلّموه فيه ، قال : فأبى أن يأذن له الحديث(٢)

_________________

(١) كامل ابن الأثير ٤ : ١٩٣ ط بيروت ( هامش الأصل )

(٢) أصل أبي سعيد ، الثاني من ستّة عشر أصلاً ، ص ١٩ ، ط انتشارات شبستري ( هامش الأصل )

٣٢٦

وفي رواية : إنّ مروان ولد في الطائف ، وقيل في مكّة ، وقيل : كان مع أبيه الحكم طفلاً يوم نفي ، وظاهر بعض الروايات لعنه حين ولد بالمدينة ، كما سوف اُشير إليه إن شاء الله تعالى فيما يأتي من الحديث

واُمّ الحكم الزرقاء بنت موهب ، وكما ذكر ابن الأثير في كامل التاريخ كانت من ذوات الأعلام مشهورة بالزنا(١)

وكان تعيير مروان بها في الأخبار والأشعار وعلى ألسنة الناس لنسبته إليها ، منها ما نقله السيّد في اللهوف عندما طلب من الإمام الحسين البيعة في المدينة في أوّل خلافة يزيد لعنه الله عندما قال مروان للوليد : لا تقبل أيّها الأمير عذره ومتى لم يبايع فاضرب عنقه ، فغضب الحسينعليه‌السلام ثمّ قال : ويل لك يا بن الزرقاء ، أنت تأمر بضرب عنقي(٢)

وفي الكافي في ذيل الحديث الذي قاله الحسينعليه‌السلام في مروان : ويلي على ابن الزرقاء دبّاغة الأدم(٣)

وفي البحار عن تفسير فرات الكوفي : إنّ مروان خطب يوماً فذكر عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام فنال منه فبلغ ذلك الحسين فجاء إلى مروان ، فقال : يا بن الزرقاء ،

_________________

(١) كامل ابن الأثير ٤ : ١٩٤ ط بيروت ( هامش الأصل ) قال ابن الأثير : وكانت من ذوات الرايات التي يستدلّ بها على ثبوت البغاء ، فلهذا كانوا يذمون بها ولعلّ هذا كان منها قبل أن يتزوّجها أبوالعاص بن اُميّة والد الحكم فإنّه كان من أشراف قريش ولا يكون هذا من امرأةٍ وهي عنده [ الكامل ٤ : ١٥ ]

يقول المترجم : هذا التقدير كلّه إنّما هو من أجل عثمان ومعاوية وتقديرهما من أجل عمر لأنّهما صنيعته ، من هنا تدرك أنّه أهل السنّة اُمّة بني اُميّة وليسوا اُمّة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ( المترجم )

(٢) ملهوف ( كذا ) : ١٧ ـ ١٨ ، بحار الأنوار ٤٤ : ٢١١ ( هامش الأصل ) اللهوف : ١٧ ( المترجم )

(٣) الكافي ٦ : ١٩ باب الأسماء والكنى الرقم ٧ ، بحار الأنوار ٤٤ : ٢١١ ( هامش الأصل ) جرى تطبيقه ( المترجم )

٣٢٧

ويابن آكلة القُمّل ، أنت الواقع في عليّ(١) ؟!

ونقل أبو مخنف في حديث أخذ البيعة أنّ سيّد الشهداء قال : يا بن الزرقاء ، أنت تقتلني ؟! كذبت يا بن اللخناء(٢)

ومن هذه العبارات يظهر لنا أنّ اُمّ الحكم لها صفات اُخرى من قبيل : دبّاغة الأديم ، وأكل القمّل ، ولخناء وهو بمعنى الجارية القذرة ، كريهة الرائحة ويحتمل أن تكون هذه الصفات تعود لاُمّ مروان أيضاً وهو ما يظهره العطف في رواية ( فرات بن إبراهيم ) ومن هذا وذاك تظهر « نجابة » !! مروان لعنه الله واضحة زائدة عن الحدّ

ويزعم بعضهم أنّ لفظ « الزرقاء » وصف وما هو باسم علم على أحد ، وهذا خطأ لأنّ من له اطّلاع على التاريخ لا شكّ بذلك ، ولا يصحّ أن يكون شاهداً على ذلك عدم شرح المجلسي للفظ الزرقاء في بيانات البحار ، لأنّ لفظ العلم لا يحتاج إلى شرح فلا يعتبر إهمالاً منه او إشكالاً عليه

وخلاصة القول أنّ مروان وأباه مكثا في الطائف إلى أن انتقل النبيّ إلى الرفيق الأعلى ، فشفّع فيه عثمان إلى أبي بكر بناءاً على لحمة النسب بينهما فلم يقبل

_________________

(١) تفسير فرات : ٩٠ ، بحار الأنوار ٤٤ : ٢١١ ( هامش الأصل ) البحار ٤٣ : ٣٤٤ باختلاف يسير وعزاها إلى المناقب ، وكنت أبحث عن تفسير لقول الإمام « آكلة القُمّل » فلا أجده حتّى قرأت رحلة ابن فضلان فرأيته يذكر عن جماعة من الأتراك ، فقال يصفهم : ووقفنا في بلد قوم من الأتراك يقال لهم الباشغرة ، فحذرناهم أشدّ الحذر وذلك أنّهم شرّ الأتراك وأقذرهم وأشدّهم إقداماً على القتل ، يلقى الرجل الرجل فيفرز هامته ويأخذها ويتركه وهم يحلقون لحاقهم يأكلون القمّل ! يتتبع الواحد منهم درز قرطقة فيقرض القمّل بأسنانه ، ولقد كان معنا واحد قد أسلم وكان يخدمنا وجد قمّلة في ثوبه فقصعها بظفره ثمّ لحسها وقال لمّا رآني : جيّد [ رحلة ابن فضلان ١ : ١٣٩ ط دمشق ١٩٧٩ مديريّة إحياء التراث العربي ] فليس بعيداً أن تكون جدّة مروان الزرقاء منهم ( المترجم )

(٢) أنت تأمر بقتلي [ أبو مخنف : ١٢ طبع انتشارات أعلمي ـ طهران ] ( هامش الأصل )

٣٢٨

بردّه ، وحين استخلف عمر تشفّع إليه بعمّه فلم يقبل ، ولمّا أسند الحكم إليه عمد إلى مروان والحكم ومن معهما من اهلهما فخالف بذلك صريح أمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فكانت هذه من أعظم مطاعنه

فصعب على الصحابة رؤية مروان والحكم وأراد عثمان أن ينتقم للحكم فعمد إلى نفي أبي ذررضي‌الله‌عنه وأعطى الحكم مأة ألف درهم من فيء المسلمين ، وفعل بمروان فأعطاه في مجلس واحد خمس أفريقيا وقيمته ـ في قول جماعة ـ مأة ألف دينار وكان المسلمون جميعاً فيه شركاء وصادر فدكاً ونحلها إلى أقربائه ، وأعطى خراج سوق المدينة وقد تصدّق به النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله على المسلمين ـ برواية ابن قتيبة في المعارف ـ للحارث بن الحكم ، واختار مروان لوزارته وكتابة أسراره ، فجرت منه وعثمان على قيد الحياة أحداث عظيمة وفتن موحشة وبدع غريبة طبقاً لميوله السافلة وأهوائه الباطلة ، حتّى أدّى ذلك إلى مقتل عثمان لعنه الله

ويعتقد أهل السنّة أنّ كتابة الكتاب وفيه قتل محمّد بن أبي بكر وموقّع بخاتم عثمان لعنه الله ويحمله غلام عثمان وهو على راحلته موجّه إلى عبد الله بن أبي سرح والي مصر هو من فعل مروان بن الحكم ، وبرئوا عثمان من هذا الفعل الباطل كما هو مذكور في موضعه

وكان مروان في حرب الجمل مع عائشة لعنة الله عليها ، وفي هذه الحرب رمى طلحة بن عبيد الله بسهم فأودى بحياته ، فأسره أمير المؤمنين بعد الهزيمة فتشفّع فيه الحسنان إلى أبيهماعليهما‌السلام فخلّى أمير المؤمنينعليه‌السلام سبيله وقالوا له : فليبايعك يا أمير المؤمنين ، فقالعليه‌السلام : أولم يبايعني بعد قتل عثمان لا حاجة لي في بيعته ، إنّها كفّ يهوديّة ، لو بايعني بكفّه لغدر بسبّته(١) ، أما إنّ له إمرة كلعقة الكلب أنفه وهو

_________________

(١) السبّة ، الاست ، ومنه السبّ أي ذكر السبّة فاستعمل في كلّ أمر قبيح توسّعاً ( منه )

٣٢٩

أبو الأكبش الأربعة ، وستلقى الاُمّة منه ومن ولده يوماً أحمراً(١)

ثمّ فرّ إلى معاوية بعد ذلك وقد جدّ واجتهاد بحكم خبث عنصره ومولده وسوء عقيدته في بغض أمير المؤمنينعليه‌السلام وولّي على المدينة مرّتين بعد شهادة أمير المؤمنين

وقال جماعة من المؤرّخين : إنّ عبد الرحمان بن الحكم قال في ولايته على المدينة هذين البيتين :

فوالله ما أدري وإنّي لسائل

حليلة مضروب القفا كيف يصنع

لحى الله قوماً أمّروا خيط باطل

على الناس يعطي ما يشاء ويمنع

قال بعضهم : إنّ هذا الشعر قيل في خلافته ، ومن يومئذٍ سمّي مروان : خيط باطل ، لأنّه طويل مضطرب القامة ، وخيط باطل في اللغة هو الهباء المنتشر في ضوء الشمس ، وهو لسان الشمس شعاع ممتدّ فيها على شكل خطّ ، ومن نسيج العنكبوت المسمّى مخاط الشيطان

وأينما ولّي الخبيث يبذل الجدّ والجهد في سبّ أمير المؤمنينعليه‌السلام كما ذكر ابن الأثير أنّه في كلّ جمعة يرقى منبر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ويبالغ في سبّ أمير المؤمنينعليه‌السلام بحضرة المهاجرين والأنصار

واستخلف في الشام بعد هلاك يزيد لعنه الله تسعة أشهر ، وفي سنة ستّ وخمسين للهجرة التحق بالأسلاف الأجلاف في جهنّم ، والأخبار في لعنه ممّا رواه الفريقان كثيرة ، ونحن نذكر ثلاثة من هذه الأخبار من كتب أهل السنّة والجماعة المعتبرة لتكون حجّة عليهم

_________________

(١) نهج البلاغة ، صبحي الصالح ، ص ١٠٧ الرقم ٣٣ ( هامش الأصل ) شرح ابن أبي الحديد ٦ : ١٤٧ ( المترجم )

٣٣٠

ذكر ابن الأثير في اُسد الغابة وابن أبي الحديد عن الاستيعاب لابن عبدالبرّ تعقيباً على الشعر التالي الذي نظمه عبد الرحمان بن حسّان بن ثابت في هجاء مروان وأشار إلى جنون أبيه وارتعاشه ، فقال :

إنّ اللعين أبوك فارم عظامه

إن ترم ترم مخلّجاً مجنونا

يمشي خميص البطن من عمل التقىٰ

ويظلّ من عمل الخبيث بطينا(١)

وروى الرواة بأنّ عائشة قالت لمروان لعنه الله : أشهد أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لعن أباك وأنت في صلبه

وفي تاريخ الخلفاء للسيوطي عن البخاري والنسائي وابن أبي حاتم في تفسيره وتفسير الفخر الرازي نقل هذا الحديث وبعده أنّ عائشة قالت لمروان : « وأنت بعض من لعنه الله ـ المؤلّف » ولكن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لعن أبا مروان ومروان في صلبه ، فمروان بعض من لعنه الله(٢)

وفي الدرّ المنثور للسيوطي ذكر أنّ عبيد بن حميد والنسائي وابن منذر والحاكم وابن مردويه وصحّحه ابن مردويه عن محمّد بن زياد أنّ عائشة قالت : ولكن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لعن أبا مروان ومروان في صلبه ، فمروان فضض من لعنة الله(٣)

ويقول ابن الأثير في النهاية : ومنه حديث عائشة لمروان أنّ النبيّ لعن أباك وأنت فضض من لعنة الله ، أي قطعة وطائفة منها ، ورواه بعضهم فظاظة بظائين من الفظيظ ماء الكرش ، وأنكره الخطّابي ، وقال الزمخشري : افتظظت الكرش إذا_________________

(١) شرح ابن أبي الحديد ٦ : ١٥٠ ، اُسد الغابة ٢ : ٣٤ ( المترجم )

(٢) تاريخ الخلفاء ١ : ٢٠٣ ط مصر ـ السعادة اُولى ١٣٧١ ـ ١٩٥٢ م

(٣) الدرّ المنثور ٦ : ٤١ ( المترجم )

٣٣١

اعتصرت مائها كأنّه عصارة من اللعنة أو فعالة من الفظيظ : ماء الفحل : أي نطفة من اللعنة(١)

ويقول الفيروزآبادي في القاموس : الفضض محرّكة كلّ متفرّق منتشر ، ومنه قول عائشة لمروان : فأنت فضض من لعنة الله ، وروي فضض كعنق وغراب أي قطعة منها(٢)

وفي حياة الحيوان وتاريخ الخميس عن الحاكم في المستدرك عن عبدالرحمان بن عوفرضي‌الله‌عنه !!(٣) قال : كان لا يولد لأحد مولود إلّا اُتي به النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فدعا له ، فاُدخل عليه مروان بن الحكم ، فقال : هو الوزغ بن الوزغ الملعون بن الملعون هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه(٤)

وتناسب هذه الرواية ما ذكره ثقة الإسلام في الكافي مسنداً عن صادق آل محمّد أنّ عبد الله بن طلحة قال : سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن الوزغ ، فقال : رجس وهو مسخ كلّه فإذا قتلته فاغتسل

فقال : إنّ أبي كان قاعداً في الحجر ومعه رجل يحدّثه فإذا هو يوزغ يولول بلسانه ، فقال أبي للرجل : أتدري ما يقول هذا الوزغ ؟ قال : لا علم لي بما يقول ، قال : فإنّه يقول : والله لئن ذكرتم عثمان بشتيمة لأشتمنّ عليّاً حتّى يقوم من ها هنا

قال : وقال أبي : ليس يموت من بني اُميّة ميّت إلّا مسخ وزغاً(٥)

_________________

(١) نهاية ذيل لغة فضض ٣ : ٤٥٤ ، كامل ابن الأثير ٣ : ٥٠٧ ط بيروت ( هامش الأصل ) جرى تطبيقه المترجم إلّا في الكامل فهو في ص ٣٥٢ ط بيروت دار الكتب العلميّة ١٤١٥ ثانية تحقيق أبي الفداء

(٢) الفيروزآبادي ، القاموس المحيط ٢ : ٣٤٠

(٣) لا يجوز الترضّي عن هؤلاء ولكنّها أمانة النقل

(٤) الحاكم النيسابوري ، المستدرك ٤ : ٤٧٩ ( المترجم )

(٥) روضة الكافي ٨ : ٢٣٢ حديث ٣٠٥ ( هامش الأصل ) و ٨ : ٢٣٢ ط دار الكتب الإسلاميّة الثانية ١٣٨٩ ( المترجم )

٣٣٢

ويظهر من هذا أنّ بين بني اُميّة والوزغ اتحاداً وسنخيّة في ولاء عثمان وعداء أمير المؤمنينعليه‌السلام وهو موافقهم على ذلك فإذا مات الميّت منهم مسخ إليه ، من هنا سمّي النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله الحكم ومروان وزغاً ، وصرّح بهذا في الحديث المروي في الكافي عن عبد الرحمان بن أبي عبد الله أنّه قال : سمعت من أبي عبد اللهعليه‌السلام أنّه قال : خرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من حجرته ومروان وأبوه يستمعان إلى حديثه ، فقال له : الوزغ ابن الوزغ قال أبو عبد الله : فمن يومئذٍ يرون أنّ الوزغ يستمع الحديث(١)

ويظهر من هذا الخبر أنّ حقيقة مروان والوزغ واحدة إلّا في اختلاف الصورة ، وأخبر النبيّ عن ذلك وهو المطّلع على حقائق الأشياء والمشرف على ماهيّة الموجودات والشاهد على اتحاد مروان والوزغ في الصفة هو استراق السمع

ويظنّ بعضهم أنّ سبب طرد مروان لعنه الله الواقعة التالية يقول الفخر الرازي : رأى النبيّ في المنام أنّ أولاد مروان ينزون على منبره ، فقصّ رؤياه على أبي بكر وعمر لعنهما الله واختلىٰ بهما في بيته فلمّا انصرفا من عنده بلغه أنّ الحكم يروي خبر الرؤيا ، فاتهم النبيّ عمر في إفشاء سرّه ، ولمّا تجلّى له أنّ الحكم كان يسترق السمع طرده ، ومن هنا يظهر لنا إمّا أن يكون النبيّ يتّهم المؤمن الصادق العقيدة نعوذ بالله ويسيء فيه الظنّ ، وإمّا أن لا يكون عمر مؤمناً ولا أميناً بل من أهل النفاق وإفشاء سرّ رسول الله ، فإمّا أن يقبل الرازي الاحتمال الأوّل ويأبى الله ذلك والمؤمنون ، وأمّا الثاني فنعم الوفاق ، والحمد لله ربّ العالمين

وخلاصة القول كان الحكم يعرف بالوزغ كما ذكر ذلك أبو الفرج الأصفهاني ـ وهو مروانيّ ـ في كتابه الأغاني في ذيل حكاية وفود مروان على معاوية بعد عزله

_________________

(١) روضة الكافي ٨ : ٢٣٨ ح ٣٢٣ ( هامش الأصل ) وص ٢٣٨ نفس الجزء في ط دار الكتب الإسلاميّة ١٣٨٩ هجـ ( المترجم )

٣٣٣

عن ولاية المدينة ، والحوار الذي دار بينهما ، يقول : فغضب معاوية وقال : يا بن الوزغ ، لست هناك فقال مروان : هو ما قلت لك وأنا الآن أبو عشرة وأخو عشرة وعمّ عشرة واُوشك أن يتمّ العدد يعني الأربعين

ويقول أبو الفرج : وهذه إشارة منه إلى الحديث النبوي : « إذا بلغ بنو العاص أربعين رجلاً اتّخذوا مال الله دولاً ، وعباد الله خولاً » فهم ينتظرون هذه المدّة ويختم حديثه بقول الأحنف لمعاوية : لماذا تحمّلت من مروان هذا التطاول ؟ وما هي الإشارة بقول مروان ؟ فروى معاوية هذا الحديث وقال : فوالله لقد تلقّاها مروان من عين صافية

وفي النهاية مادّة « دخل » يقول : الدخل العيب والعناد والغشّ ، ومنه حديث أبي هريرة : إذا بلغ بنو العاص ثلاثين كان دين الله دخلاً وعباد الله خولاً ، وحقيقته أن يُدخلوا في الدين اُموراً لم تجريها السنّة(١)

ويقول في « خول » : الفحول حشم الرجل وأتباعه ومنه حديث أبي هريرة : إذا بلغ بنو العاص ثلاثين كان عباد الله خولاً أي خدماً وعبيداً يعني أنّهم يستخدمونهم ويستعبدونهم(٢)

وجملة القول : حدّث في حياة الحيوان عن مستدرك الحاكم عن عمرو بن مرّة الجهني وكانت له صحبة ، قال : إنّ الحكم بن أبي العاص استأذن على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فعرف النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله صوته وكلامه ، فقال : ايذنوا له عليه لعنة الله وعلى من يخرج من صلبه إلّا المؤمن منهم وقليل ما هم ، يشرفون في الدنيا ويضعون في الآخرة ، ذوو

_________________

(١) النهاية ٢ : ١٠٨ ( المترجم )

(٢) نفسه ٢ : ٨٨ ( المترجم )

٣٣٤

مكر وخديعة ، يعطون في الدنيا وما لهم في الآخرة من خلاق(١)

ويقول ابن الأثير في الكامل : رويت أخبار كثيرة في لعنه ولعن من في صلبه رواها الحفّاظ وفي أسانيدها كلام(٢)

وبعد تصحيح الحاكم ورواية جماعة ـ كما سمعت في كلام السيوطي ورواية ابن الأثير نفسه في اُسد الغابة مع تعدّد الطرق ـ لا يبقى مجال للمناقشة

ومن العجائب التي تسلب الفكر من عقل المرء أنّ مثل مروان الذي طرده النبيّ وأباه وسلخ عمره في عداوة أهل بيت الرسالة وأباح سبّ الحسنين وأبيهما وأشاعه وكان يدمن على ذلك في كلّ جمعة على المنبر ولعنه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وسمّاه الوزغ ، وقال أمير المؤمنينعليه‌السلام : إنّ يده يد يهوديّة ، وهو الذي قتل طلحة كما يعتقده أهل السنّة والجماعة ، وطلحة من الصحابة ومن العشرة المبشّرة بزعمهم ، فقد رماه وأقبل على أبان بن عثمان وقال له : قتلت واحداً من قتلة أبيك ، ومع كلّ هذه العيوب والمساوي بعدّونه عدلاً منه تؤخذ أحكام الدين ، وقد روى له البخاري ومسلم في كتابيهما وهما عند القوم أصحّ الكتب بعد القرآن

وفي كشف الظنون : إنّ الإجماع حاصل بتعديل جميع من روي لهما في الصحيحين ، ومن الأقوال المعروفة عند محدّثي أهل السنّة من روى له الشيخان فقد جاز القنطرة ، ومن هذه الجهة استدلّ ابن الأثير على عدالة مروان برواية البخاري عنه واخراجه له وبصلاة الحسنين خلفه دون أن يعيدا

فيا للعجب إلى أيّة درجة بلغ الصلف بهؤلاء حيث اعتبروا صلاة الحسنين

_________________

(١) المستدرك ٤ : ٤٨١ ( المترجم )

(٢) كامل ابن الأثير ٤ : ١٩٣ ط بيروت ( هامش الأصل ) وص ١٥ ط دار الكتب العلميّة ١٤١٥ تحقيق أبي الفداء عبد الله القاضي ( المترجم )

٣٣٥

خلفه دون إعادة دليل على عدالته ، وهذا استدلال واهٍ بناءاً على قواعدهم ، لأنّهم لا يرون العدالة شرطاً في إمام الجماعة بل استدلّ في العقايد النسفيّة على عدم اشتراط العدالة بهذا وقال : ودليلنا على المدّعىٰ صلاة أئمّة الدين وراء الخلفاء مع ظهور الجور منهم وانتشار الفجور عنهم

من هنا تعرف من أين أخذ هؤلاء دينهم وعندما أعرضوا عن أهل بيت نبيّهمصلى‌الله‌عليه‌وآله ثمّ إنّك تلم من هذا التخبّط بحال صحاحهم المزعومة وواقعها ، لأنّ رواتها ورجال أسنادها مثل مروان وعبدالملك والمغيرة بن شعبة ومعاوية وعمرو بن العاص وأقرانهم وهم بأجمعهم لغير رشدة لعنهم الله جميعاً ، وهم جميعاً كفّار منافقون ملاعين بشهادة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لأنّ محك ذلك أمير المؤمنينعليه‌السلام وقول النبيّ له ـ وهو من المتواترات ـ : يا علي ، لا يبغضك إلّا منافق ولا يحبّك إلّا مؤمن(١)

والعمدة فيما نقول : أنّنا نثبت ضعف دينهم وفساد مبناهم بتوفيق الله تعالى من كتبهم ، ويتّضح بذلك معنى قوله تعالى :( وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ ) و( إِنَّهُمْ لَهُمُ
الْمَنصُورُونَ
) (٢) ويتبيّن معناه ويثبت برهانه ويعلم بيانه والحمد لله على وضوح الحجّة

فائدة :

لا شكّ في شمول اللعن لمروان ودخوله ضمن اللعناء في هذا الدعاء يقيناً كأولاده أيضاً وأظهرهم أربعة : عبد الملك وبه كان يكنّى ، ونال الخلافة ، وعبدالعزيز وكان والياً على مصر ، ومحمّد ابنه وقد ولّي على الجزيرة ، وبشر وكان حاكماً على العراقين ، وهؤلاء هم الأكبش الأربعة في كلام الإمام عند ابن أبي

_________________

(١) تجد تفصيل هذه الأحاديث في إحقاق الحقّ ٧ : ١٨٧

(٢) الصافّات : ١٧٣ و ١٧٢

٣٣٦

الحديد وإن كان الأظهر والأشهر أنّها إشارة إلى أولاد عبد الملك الذين نالوا الخلافة فسوّدوا في عهدهم نهار الاُمّة وأوصلوها إلى الحضيض الأوهد وهم : الوليد وسليمان ويزيد وهشام(١) ولم يتفق لإخوة أربعة نيل الخلافة غيرهم

ويشمل قول أولاد مروان كلّ من خرج منه ونال الخلافة سواء من نالها في المشرق وأوّلهم عبد الملك وآخرهم مروان الحمار ، أو من نالها في الأندلس وناحية المغرب وأوّلهم عبد الرحمان بن معاوية بن هشام بن عبد الملك وآخرهم هشام بن محمّد الملقّب بالمعتمد بالله

وظاهر هؤلاء جميعاً الرضا بفعل أسلافهم وادّعاء الحقّ في الخلافة ، وهذا المقدار يكفي في جواز لعنهم والبرائة منهم(٢)

_________________

(١) ١ ـ الوليد بن عبد الملك ٢ ـ سليمان بن عبد الملك ٣ ـ يزيد بن عبد الملك ٤ ـ هشام بن عبد الملك ( هامش الأصل )

(٢) قال الحسن بن عليّعليهما‌السلام : أمّا أنت يا مروان فلست أنا سببتك ولا سببت أباك ولكن الله عزّ وجلّ لعنك ولعن أباك وأهل بيتك وذرّيّتك وما خرج من صلب أبيك إلى يوم القيامة على لسان نبيّه [ الاحتجاج : ١٥٠ ] ( هامش الأصل )

٣٣٧

وَلَعَنَ اللهُ بَنِي أُمَيَّةَ قاطِبَةً

الشرح : قاطبة حال كما مرّ القول في « جميعاً » ومعنى قاطبة جميعاً كما ورد في الصحاح(١) ويظهر من عبارة الأساس أنّه مجاز

واُميّة هو ابن عبد الشمس بن عبد مناف بناءاً على المشهور

وبنو اُميّة فرقتان : الأعياص وهم أبو العاص ، والعاص ، وأبو العيص ، والعيص وأولادهم والعنابس وهم أولاد حرب بن اُميّة لأنّ اسم حرب عنبسة

والأخبار في لعن بني اُميّة خارجة عن الحدّ ومرويّة عن طريق الفريقين ، وتعدادها يخرج هذا المختصر عمّا اُعدّ له ، ولكنّنا نورد عدداً منها شريطة كونها مرويّة في كتب العامّة لأنّهم أتباعهم وأشياعهم ، ويعتبرونهم خلفاء رسول الله واُمراءاً للمؤمنين وأئمّة الاُمّة وهم اُولوا الأمر وطاعتهم واجبة ، لكي تتمّ الحجّة عليهم ، ويفلجوا وتقطع عليهم منافذ العذر

ثمّ ندرج في أثناء ذلك تيمّناً وتبرّكاً أخباراً في نفس الموضوع عن طريق أهل البيتعليهم‌السلام لكي تكون سبباً لانشراح الصدور وانبساط القلوب ، وأولى من ذلك البدأة بالآيات من القرآن الكريم التي صرّحت بلعنهم وذمّهم ، ثمّ نبدأ بذكر أخبار الفريقين

ومن جملة الآيات قوله تعالى :( وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِّلنَّاسِ
وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا
) (٢)

يقول الفخر الرازي في تفسيره الكبير عن سعيد بن المسيّب ، قال : رأى

_________________

(١) قال الجوهري : وتقول : جاء القوم قاطبة أي جميعاً ؛ ١ : ٢٠٤ ( المترجم )

(٢) الإسراء : ٦٠

٣٣٨

رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بني اُميّة ينزون على منبره نزو القردة ، فسائه ذلك(١)

وفي هذا التفسير أيضاً عن ابن عبّاس رضي الله عنهما قال : الشجرة بنو اُميّة يعني الحكم بن أبي العاص(٢)

وكلامه في حديث هذه الرؤيا واتّهام عمر(٣) والإلزام الطريف الذي ألزمناه به بفضل الله وعونه وعون الأئمّة الأطهار قد مرّ في أحوال مروان

وروى النيسابوري عن ابن عبّاس أنّ الشجرة الملعونة بنو اُميّة

يقول البيضاوي : وقيل : رأى قوماً من بني اُميّة يرقون منبره وينزون عليه نزو القردة ، فقال : هذا حظّهم من الدنيا يعطونه بإسلامهم وعلى هذا كان المراد بقوله « إلّا فتنة للناس » ما حدث في أيّامهم(٤) كناية عن هلاكهم في الآخرة

وقريب من هذا الكلام في الكشّاف مع بيان الرواية

وفي البحار عن عمدة ابن البطريق عن تفسير الثعلبي نقل هذا الحديث بطريقين(٥)

وذكر ابن أبي الحديد عن أمالي أبي جعفر محمّد بن حبيب في حديث طويل أنّ عمر سأل كعب الأحبار فقال : فإلى من يفضى الأمر تجدونه عندكم ؟ قال : نجده ينتقل بعد صاحب الشريعة والإثنين من أصحابه إلى أعدائه الذين حاربهم_________________

(١) الرازي ، تفسير مفاتيح الغيب ، ج ٢٠ المجلّد العاشر ص ٢٣٦ و ٢٣٧ ( المترجم )

(٢) نفسه

(٣) نفسه : ٢٣٧ قال : ورأى رسول الله في المنام أنّ ولد مروان يتداولون منبره فقصّ رؤياه على أبي بكر وعمر وقد خلا في بيته معهما فلمّا تفرّقوا سمع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الحكم يخبر برؤيا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فاشتدّ ذلك عليه واتّهم عمر في إفشاء سرّه ثمّ ظهر أنّ الحكم كان يتسمّع إليهم فنفاه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ( المترجم )

(٤) البيضاوي ٣ : ٤٥٤ ط دار الفكر ـ بيروت ١٤١٦ تحقيق عبد القادر عرفات العشاحونة ( المترجم )

(٥) بحار الأنوار ٨ : ٣٥٩ ط اُفست ( هامش الأصل )

٣٣٩

وحاربوه وحاربهم على الدين ، فاسترجع عمر مراراً ، فقال : أتستمع يا بن عبّاس ، أما والله لقد سمعت من رسول الله ما يشبه هذا ، سمعته يقول : ليصعدنّ بنو اُميّة على منبري ، ولقد أريتهم في منامي ينزون عليه نزو القردة وفيهم اُنزل :( وَمَا
جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِّلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ
) الآية(١)

وفي المنشور الذي كتبه المعتضد بالله العبّاسي وأمر أن يُقرأ في البلاد كلّها ـ وسنذكره بطوله عند التعرّض لأحوال بني اُميّة إن شاء الله ـ يقول فيه : ثمّ أنزل الله في شأنهم قرآناً يُتلى وقال تعالى :( وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ ) ولا خلاف بين أحد أنّه تعالى يريد بني اُميّة

وفي رسالة الجاحظ المفاخرة بين بني هاشم وبين اُميّة ، أنّ بني هاشم يعتقدون أنّ الشجرة الملعونة هم بنو اُميّة ، وممّا لا ريب فيه أنّ بني هاشم لا يرون هذا الرأي ما لم يكن عندهم فيه خبر صحيح

وفي تلك الرسالة أيضاً إلّا أنّه ممزوج بكلام ابن أبي الحديد والأظهر أنّ هذه الفقرة أجدر بها أن تكون من كلام الجاحظ فإن لم تكن له فهي لابن أبي الحديد ، يقول : قال المفسّرون بأجمعهم بنزول الآية في بني اُميّة ورووا في هذا الباب أخباراً كثيرة ، وأنتم معاشر الاُمويّون لا تقدرون على إنكار ذلك ، ومن هنا تعلم أنّ ذكر البيضاوي لها بصيغة التمريض غاية في التعصّب

ومن الوضوح بمكان أنّ تأويل الشجرة الملعونة بشجرة الزقّوم لون من ألوان الانحراف وفقدان الأمانة ، وهذا التفسير قطعيّ الصدور في أخبار أهل البيت فقد جاء بطرق عدّة في تفسير عليّ بن إبراهيم وتفسير مجمع البيان وفي البحار

_________________

(١) شرح ابن أبي الحديد ١٢ : ٨١ تحقيق محمّد أبو الفضل إبراهيم ، نشر دار إحياء التراث العربي ( المترجم )

٣٤٠

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439