شفاء الصّدور في شرح زيارة العاشور الجزء ١

شفاء الصّدور في شرح زيارة العاشور13%

شفاء الصّدور في شرح زيارة العاشور مؤلف:
المحقق: محمد شعاع فاخر
الناشر: انتشارات المكتبة الحيدرية
تصنيف: متون الأدعية والزيارات
ISBN: 964-503-000-5
الصفحات: 439

الجزء ١
  • البداية
  • السابق
  • 439 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 34246 / تحميل: 4869
الحجم الحجم الحجم
شفاء الصّدور في شرح زيارة العاشور

شفاء الصّدور في شرح زيارة العاشور الجزء ١

مؤلف:
الناشر: انتشارات المكتبة الحيدرية
ISBN: ٩٦٤-٥٠٣-٠٠٠-٥
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

وسوف تسمع رأي أبناء العامّة في ابن الزنا بأنّه أكثر نجابة(١) ، والحقّ يقال : إنّه لا أحد بعد الثاني أنجب من ابن زياد

ولد ابن زياد ظاهراً في سنة ثمانٍ وعشرين أو تسع وعشرين بعد الهجرة ، وجمع له العراقان وهو ابن الثانية والثلاثين أي في سنة ستّين من الهجرة ، وكان أوّل وال يحوز في ولايته خراسان وآذربيجان والبحرين وعمّان والهند وغالب الممالك الإيرانيّة ، ويقال : إنّ والده زياداً سبقه إلى ذلك وفي عام واحد وستّين شرع في قتل الحسين أرواحنا له الفداء

وفي كتاب العقد الفريد أنّ عدد جيش الكوفة في عهد زياد كان ستّين ألف مقاتل ، ومن هنا يمكن العلم بما ورد في الأخبار المعتبرة من أنّ عدد الخارجين على الحسين كانوا ثلاثين ألفاً ولا غرابة في ذلك ؛ لأنّ الجيش الذي قوامه ستّون ألفاً يمكن تعبئة ثلاثين ألفاً منه في مدّة وجيزة علاوة على ما يقال من أنّ ابن زياد يومها كان يستعدّ لقتال أهل الديلم ولكن طرأت وقعة كربلاء أثناء ذلك فحوّلت وجهه إليها دون بلاد الديلم ، وبناءاً على هذا لا استبعاد في كثرة الجنود وتتابعها ، فلعنة الله عليه وعلى جنوده

_________________

(١) إنّ الأحاديث الواردة في خبث ولد الزنا كثيرة ، وفيها عناوين :

منها : إنّ لولد الزنا علامات أحدها بغضنا أهل البيت راجع سفينة البحار ، ذيل زنىٰ

ومنها : ولد الزنا شرّ الثلاثة راجع جامع الاُصول لابن الأثير عن أبي هريرة ٨ : ٧٩ الحديث ٥٩٢٤ ولكنّ بعض العامّة يكذّبون ذلك ويقولون :

كذب الروافض ويلهم فيما ادّعوا

في قولهم ابن الزنا لا ينجب

هذا ابن خطّا الأمير وإنّه

أزكى البريّة والأنام وأطيب

تجارب السلف ، تصنيف هندوشاه صاحب نخجواني : ٢٠ طبع بهمّة مير سيّد حسن روضاتي ابن العلّامة السيّد محمّد علي الروضاتي

وقال ميرزا حسن ابن الحكيم الصمداني في كتاب ( الشمع واليقين ) في معرفة الحقّ واليقين [ بما يرجع إلى ] قال القطب الشيرازي الشافعي في كتاب نزهة القلوب ، نسب معاوية . ( المحقّق )

٣٨١

وفي سنة سبع وستّين هجريّة ـ وكان عمره تسعاً وثلاثين عاماً ـ وصل إلى دركات الجحيم بيد واسطة الرحمة الإلۤهيّة والنعمة اللامتناهيّة إبراهيم بن الأشتر رضي الله عنهما ، وتوجد في المقتل المنسوب إلى أبي مخنف واقعة عجيبة عن كيفيّة قتله ، ولمّا كانت الحكاية مستبعدة أعرضت عنها مع أنّه لا غرض معتدّ به في هذه التفاصيل

ومن العجايب أنّ قتله صادف يوم عاشوراء ، ولمّا حملوا رأسه إلى الإمام السجّاد فاُدخل عليه وهو يتغدّى ، فقال عليّ بن الحسينعليهما‌السلام : اُدخلت على ابن زياد لعنه الله وهو يتغدّى ورأس أبي بين يديه ، فقلت : اللهمّ لا تمتني حتّى تريني رأس ابن زياد وأنا أتغدّى ، فالحمد لله الذي أجاب دعوتي(١) كما فعل المخذول برأس الإمام المظلوم المبارك عليه وعلى جدّه وأبيه واُمّه وأبنائه أفضل الصلاة والتحيّة والسلام ما هدر حمام وهمر ركام .

_________________

(١) بحار الأنوار ٤٥ : ٣٣٦ ( هامش الأصل ) و ٤٥ : ٣٣٥ ( المترجم )

٣٨٢

وَلَعَنَ اللهُ عُمَرَ بْنَ سَعْدٍ

الشرح : عمر بن سعد بن أبي وقّاص من الصحابة وأصحاب الشورى المتخلّفين عن أمير المؤمنين ، وكان من كبار رجال عصره ، وكان يرمى بالدعوة ـ بكسر الدال ـ وقد تعرّض علماء النسب لذكر نسبه وجاء في مروج الذهب حديث حول المقام ننقله استطرافاً واستطراداً وهو كما يلي :

روى المسعودي عن محمّد بن جرير الطبري قال : لمّا حجّ معاوية طاف في البيت ومعه سعد ، فلمّا فرغ انصرف معاوية إلى دار الندوة فأجلسه معه على سريره ، ووقع معاوية لعنه الله في عليّعليه‌السلام وشرع في سبّه

فزحف سعد ثمّ قال : أجلستني معك على سريرك ثمّ شرعت في سبّ عليّ ، والله لئن يكون فيّ خصلة واحدة من خصال كانت لعليّ أحبّ إليّ من أن يكون لي ما طلعت عليه الشمس ، والله لئن أكون صهراً لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وإنّ لي من الولد ما لعليّ أحبّ إليّ من أن يكون لي ما طلعت عليه الشمس والله لئن يكون قال لي ما قاله يوم خيبر : لاُعطينّ الراية غداً رجلاً يحبّه الله ورسوله ويحبّ الله ورسوله ليس بفرّار ، يفتح الله على يديه أحبّ إليّ من أن يكون لي ما طلعت عليه الشمس والله لئن يكون رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لي ما قال له في غزوة تبوك : ألا ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبيّ بعدي أحبّ إليّ من أن يكون لي ما طلعت عليه الشمس ، وأيم الله لا دخلت لك داراً ما بقيت ، ثمّ نهض

ثمّ يقول المسعوديرحمه‌الله : ووجدت في وجه آخر من الروايات وذلك في كتاب عليّ بن محمّد بن سليمان النوفلي في الأخبار عن ابن عائشة وغيره : إنّ سعداً لمّا

٣٨٣

قال هذه المقالة لمعاوية ونهض ليقوم ضرط له معاوية(١) وقال له : اقعد حتّى تسمع جواب ما قلت : ما كنت عندي قطّ ألأم منك الآن ، فهلّا نصرته وقد قعدت عن بيعته ؟ فإنّي لو سمعت من النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله مثل الذي سمعت فيه لكنت خادماً لعليّ ما عشئت

فقال سعد : والله إنّي لأحقّ بموضعك منك

فقال معاوية : يأبى عليك ذلك بنو عذرة ، وكان سعد فيما يقال لرجل من بني عذرة

قال النوفلي : وفي ذلك يقول السيّد بن محمّد الحميري :

سائل قريشاً بها إن كنت زاعمه

من كان أثبتها في الدين أوتاداً

من كان أقدمها سلماً وأكثرها

حلماً وأطهرها أهلاً وأولادا

من وحّد الله إذ كانت مكذّبة

تدعو مع الله أوثاناً وأندادا

من كان يقدم في الهيجاء إن نكلوا

عنها وإن بخلوا في أزمة جادا

من كان أعدلها حكماً وأقسطها

حلماً وأصدقها وعداً وإيعادا

إن يصدقوك فلم(٢) بعدوا أبا حسن

إن أنت لم تلق للأبرار حسّادا

إن أنت لم تلق من تيم أخا صلف

ومن عديّ لحق الله حجّادا

أو من بني عامر أو من بني أسد

رهط العبيد ذوي جهل وأوغادا

أو رهط سعد وسعد كان قد علموا

عن مستقيم صراط الله صدّادا

قوم تداعوا زنيماً ثمّ سادهم

لولا خمول بني زهر لما سادا(٣)

_________________

(١) ضرط له : عمل بفيه ما يشبه الضراط والمؤلّف فهم المعنى على الحقيقة ولذا قال : بادى از خود رها كرد براى او ، أي أطلق له الريح من تحته ، وهذا ينافي ما هم عليه لعن الله معاوية ( المترجم )

(٢) فلن

(٣) مروج الذهب ٣ : ١٥ ط دار الهجرة ـ ايران ( هامش الأصل ) ٣ : ٢٤ و ٢٥ ط مؤسسة الأعلمي تحقيق عبد الأمير مهنّا ( المترجم )

٣٨٤

ومن هنا يعرف نسب عمر بن سعد وسلامة فطرته عليهما اللعنة ، فقد ورث الولادة المشبوهة من والده المنافق

وحكي عن تقريب ابن حجر قيل إنّه من الصحابة وهذا خطأ لأنّ يحيى بن معين جزم بولادته يوم وفاة عمر بن الخطّاب(١) ولا ينافي هذا الجزم ما ورد في الكامل بأنّه سعى لنيل أبيه الخلافة بعد هلاك عثمان(٢) لأنّه يعلم منه أنّه لم يكن في ذلك الوقت طفلاً

وفي الكامل أيضاً : عن ابن سيرين : قال عليّ لعمر بن سعد : كيف وأنت إذا قمت مقاماً تخيّر فيه بين الجنّة والنار فتختار النار(٣)

وفي أمالي الشيخ الصدوق رواية يرويها عن أبيه المعظّم عن الكميداني [ الكمنداني ـ المؤلّف ] عن ابن عيسى ، عن ابن أبي نجران ، عن جعفر بن محمّد الكوفي ، عن عبد الله السمين ، عن سعد بن طريف ، عن الأصبغ بن نباتة قال : بينا أمير المؤمنينعليه‌السلام يخطب وهو يقول : سلوني قبل أن تفقدوني ، فوالله لا تسألوني عن شيء يكون إلّا نبّأتكم به

فقام إليه سعد بن أبي وقّاص ، فقال : يا أمير المؤمنين ، أخبرني كم في رأسي ولحيتي من شعرة

فقال له : أما والله لئن سألتني عن مسألة حدّثني خليلي رسول الله إنّك ستسألني عنها وما في رأسك ولحيتك من شعرة إلّا وفي أصلها شيطان جالس ، وإنّ في بيتك لسخلاً يقتل الحسين ابني ، وعمر بن سعد يومئذٍ يدرج بين يديه(٤)

_________________

(١) يقال : إنّ المولود في تلك الليلة هو عمر بن أبي ربيعة ولذا سمّي باسم عمر ( المترجم )

(٢) كامل ابن الأثير ٣ : ٣٣ بيروت ـ دار صادر ( هامش الأصل )

(٣) الكامل لابن الأثير ٣ : ٣٣ بيروت ـ دار صادر ( هامش الأصل ) ٤ : ٤٧ ( المترجم )

(٤) أمالي الشيخ الصدوق : ١٣٣

٣٨٥

وهذا الخبر غاية في الضعف لضعف الكمنداني ، وجعفر بن محمّد الكوفي ، وعبيد بن سمين مجهول بل ابن عيسى أيضاً ، وإن كان المناسب في تدرّج الطبقات أن يكون الواسطة بين الكمنداني وابن أبي نجران أحمد بن محمّد بن عيسى ، ولكن كان التعبير بابن عيسى خلاف المعهود

وزبدة القول أنّ السند معلول والقرائن الدالّة على خلافه واحد أو اثنان ، وأوضحها أنّ سعداً كان من المتخلّفين عن بيعة الإمامعليه‌السلام ولم يطأ أرض الكوفة يومئذٍ ولم يضمّه مجلس تحت منبر الإمامعليه‌السلام مضافاً إلى أنّ سعداً يحظى بشيء من الاحترام لهجرته ولكونه أحد الذين رشّحهم عمر للخلافة ، ولمّا كان عصر الإمام يتّسم باضطراب الاُمور وعدم الانتظام فلا يستدعي الحال هذا الجواب الشديد من جانب الإمامعليه‌السلام ، بل كان الإمام نفسه على طرف التقيّة وتأليف القلوب على أنّ سمة الصلاح الظاهري على سعد يردعه عن سؤال الجهّال والحمقى

ويؤيّده ما ورد في الاحتجاج نظير هذه الرواية مع اختلاف يسير وفيها مكان سعد : وقام رجل وصرّح بطفولة وصغر تلك السخلة التي ما زالت تحبو على يديها ورجليها ويمكن أن يراد منه يزيد أبو خولّى أو أنس أبو سنان ، أمّا ذوالجوشن أبو الشمر فلم يكن أسلم بعد(١) وكان الشمر في زمن أمير المؤمنين يعدّ من الرجال الأبطال كما سنذكره قريباً

وخلاصة القول : كان لعمر بن سعد يوم عاشوراء من العمر سبع وثلاثون عاماً ، وقتل في سنة ستّ وستّين هجريّة بيد كيسان أبي عمرة بأمرٍ من المختار ، وأقبلوا

_________________

(١) ترجم له ابن حجر في الإصابة وقال : اسمه ذوالجوشن الضبابي ـ إلى أن يقول : ـ وقيل له ذلك « ذو الجوشن » لأنّ صدره كان ناتئاً وكان فارساً شاعراً ـ إلى أن يقول : ـ وله حديث عند أبي داود من طريق أبي إسحاق عنه وقال إنّه لم يسمع منه وإنّما سمعه من ولد شمر ، والله أعلم [ ٢ : ٤١٠ ] وهذا يدلّ على أنّه أسلم ولا يشكّ أحد بذلك ولكنّه سرق من صدقات رسول الله عندما استعمله عليها ( المترجم )

٣٨٦

بالرأس إلى مجلسه ووضع بين يدي ولده حفص ، وقال له المختار : هل تعرف هذا ؟ فقال : نعم ولا خير في الحياة بعده ، فأمر المختار بقطع رأسه وقال : عمر بالحسين وحفص بعليّ بن الحسين ، لا والله ولو قتلت ثلاثة أرباع قريش لا تعدل أنملة من أنامل الحسينعليه‌السلام ، واستجيب للحسين دعائه عليه حيث قال : « سلّط الله عليك من يذبحك على فراشك » لأنّه وصل إلى دركات الجحيم من بيته وهو آمن في غاية الذلّ والمهانة

نادرة

في تقريب ابن حجر ـ كما نقل الرواة ذلك ـ أنّ عمر بن سعد بن أبي وقّاص المدني نزيل الكوفة صدوق لكن مقته الناس لكونه أميراً على الجيش الذين قتلوا الحسين من الثانية ، قتله المختار سنة خمس وستّين أو بعدها ووهم من ذكره في الصحابة فقد جزم ابن معين بأنّه ولد يوم مات عمر بن الخطّاب(١) انتهى

وهنا يملك الإنسان العجب من اعتبار ابن سعد من طبقة التابعين بإحسان ويُعدّ له ويريد بحيلة أن يبرئه من قتل ريحانة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حيث يقول : كان أميراً ولا يقول : قتل الحسينعليه‌السلام

والحقّ يقال : إنّ الدين الذي يرى يزيد إماماً مفترض الطاعة لا بدع إذا رأى ابن سعد عادلاً صادق اللهجة ، ومنه يأخذون أحكام الدين وسوف نشير إلى ذلك فيما يأتي(٢) من أنّ قواعد دين أهل السنّة توجب أن لا يكون هؤلاء خارجين على الدين ، أنعم بهذه الشريعة والملّة ، وأنعم بهذه الطريقة والمذهب(٣)

_________________

(١) تقريب التهذيب ١ : ٧١٧ طبعة ثانية ١٤١٥ ، بيروت ـ دار الكتب العلميّة ( المترجم )

(٢) في شرح « اُمّة أسرجت وألجمت وتنقّبت » وشرح حال يزيد بن معاوية لعنهما الله ( هامش الأصل )

(٣) يقول ذلك على طريقة الهزء بهم ، أنعم وأنعم ( المترجم )

٣٨٧

وَلَعَنَ اللهُ شِمْراً

الشرح : شمر هو ابن ذي الجوشن لعنه الله ، وقيل اسمه أوس ، وقيل اسمه شرحبيل بن الأعور الضبابي

وجاء في اُسد الغابة لابن الأثير في باب الذال : وإنّما قيل له ذوالجوشن لأنّ صدره كان ناتئاً

يقول : أتيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بابن فرس لي يقال لها القرحاء ، فقلت : يا محمّد ، أتيتك يا بن القرحاء للتخذه ، قال : لا حاجة لي فيه ، إن أحببت أن اُقيّضك به المختارة من دروع بدر فعلت قال : قلت : ما كنت لاُقيّضه ، قال : فلا حاجة لي فيه

ثمّ قال : يا ذا الجوشن ، ألا تسلم فتكون من أوّل هذه الاُمّة ؟ قال : قلت : لا ، قال : ولم ؟ قال : قلت : لأنّي رأيت قومك قد ولعوا بك ، قال : وكيف قد بلغك مصارعهم ؟ قال : قلت : بلغني قال : فأنّى يهدى بك ؟ قلت : أن تغلب على الكعبة وتقطنها ، قال : لعلّ إن عشت أن ترى ذلك ، ثمّ قال : يا بلال ، خذ حقيبة الرجل فزوّده من العجوة ( اغلى التمر ـ المؤلّف ) فلمّا أدبرت قال : إنّه من خير فرسان بني عامر

قال : فوالله إنّي بأهلي بالعودة إذ أقبل راكب ، فقلت : من أين ؟ قال : من مكّة ، فقلت : ما الخبر ؟ قال : غلب عليها محمّد وقطنها ، قال : قلت : هبلتني اُمّي لو أسلمت يومئذٍ ثمّ سألته الحيرة لأقطعنيها(١) وهذا مختصر الكلام المنقول عن ابن الأثير

ثمّ يقول ابن الأثير بعد ذلك : وقيل : إنّ ابن إسحاق لم يسمع منه وإنّما سمع

_________________

(١) ابن الأثير ، اُسد الغابة ٢ : ١٣٨ ( المترجم )

٣٨٨

حديثه من ابنه شمر بن ذي الجوشن(١) لعنه الله

واُمّ الشمر كما يظهر ذلك من خطاب الإمام الحسين له ( يا بن راعية المعزى )(٢) يظهر من حاله أنّها معروفة بدنائة الفطرة وخبث الذات ، لأنّ هذه الكلمة سواء اُجريت على الحقيقة أو المجاز فإنّها دالّة على القصد ولا شبهة في خباثة مولد الشمر وسوء نسبه وأنّه لغير رشده مطلقاً

وكان الشمر لعنه الله يُعَدّ من شجعان الكوفة أصحاب الصيت ، وكان في أوّل أمره مع أمير المؤمنينعليه‌السلام في عسكره

وفي كتاب « نصر بن مزاحم » وذكر ذلك غير واحد من المؤرّخين العامّة والخاصّة وروا عنه أنّه قد كان خرج أدهم بن محرز من أصحاب معاوية إلى شمر بن ذي الجوشن في هذا اليوم ، فاختلفا ضربتين فضربه أدهم على جبينه فأسرع فيه السيف حتّى خالط العظم وضربه شمر فلم يصنع شيئاً فرجع إلى عسكره فشرب ماءاً وأخذ رمحاً ثمّ أقبل وهو يقول :

إنّي زعيم لأخي باهله

بطعنة إن لم أمت عاجله(٣)

وضربة تحت الوغى فاصله

شبيهة بالقتل أو قاتله

ثمّ حمل على أدهم وهو يعرف وجهه ، وأدهم ثابت له لم ينصرف ، فطعنه فوقع عن فرسه(٤)

ورأيت في بعض الكتب وأنا أتذكّرها الآن أنّه انتمى إلى الخوارج وفعل فعلته الشنعاء يوم عاشوراء وهو منهم

_________________

(١) نفسه ٢ : ١٣٨ ( المترجم )

(٢) بحار الأنوار ٤٥ : ٥ ط لبنان ( هامش الأصل ) جرت مطابقته ، ويوجد في لواعج الأشجان للسيّد الأمينرحمه‌الله : ١٢٣ ( المترجم )

(٣) ( ان لم تكن عاجله ـ المؤلّف ) ولا معنى لها ( المترجم )

(٤) ابن أبي الحديد ، شرح النهج ٥ : ٢١٣ ( المترجم )

٣٨٩

كان الشمر رجلاً أبرص وروي في كتب العامّة والخاصّة مثل حياة الحيوان والبحار وغيرهما عن صادق آل محمّد ، قيل له : كم تتأخّر الرؤيا ؟ ( فذكر منام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فكان التأويل بعد ستّين سنة )(١) أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله رأى كلباً أبقع ـ أسود وأبيض ـ يلغ في دمه فعبّرت الرؤيا بالشمر لعنه الله(٢)

وكذلك جاء في بحار الأنوار عن سيّد الشهداء إنّه قال للشمر : رأيت كلاباً تنهشني ، أشدّها عليّ كلب أبقع(٣) ، فلعنة الله عليه لعناً يملأ أقطار السماوات وآفاق الأرضين

وقد أطرف الحسين بن الحجّاج البغدادي في قوله ـ ولعلّه يهجو به ابن سكرة الناصبي خذله الله ـ :

وأبرص من بني الزواني

ملمّع أبلق اليدين

قلت وقد لجّ في أذاه

وزاد ما بينه وبيني

يا معشر الشيعة أدركوني

قد ظفر الشمر بالحسين

وأخيراً قبض عليه المختار بن أبي عبيد سنة ستّ وستّين للهجرة وأناله جزائه كما ورد في الكامل(٤)

أن إنّه قُتل بيد أبي عمرة في قرية قريبة من الكوفة كما جاء ذلك في رسالة الشيخ الأجل ابن نما(٥) سقى الله قبره

_________________

(١) هذا ما ذكره صاحب البحار ولكن المؤلّف أورد قول النبي : رأيت كلباً أبقع يلغ في دماء أهل بيتي [ بحار الأنوار ٤٥ : ٣١ ] ( المترجم )

(٢) بحار الأنوار ٤٥ : ٣١ ( هامش الأصل )

(٣) نفسه ٤٥ : ٥٦ ( هامش الأصل ) ص ٨٨ ( المترجم )

(٤) بحار الأنوار ٤٥ : ٣٣٦ ، كامل ابن الأثير ٤ : ٢٣٧ ط بيروت ( هامش الأصل )

(٥) بحار الأنوار ٤٥ : ٣٣٨ ( هامش الأصل )

٣٩٠

وعن أبي الحسن عليّ بن سيف المدائني المؤرّخ المعروف ، وفي أمالي ( ابن ) الشيخ رضي الله عنهما أنّ شمراً طلبه المختار فهرب إلى البادية ، فسعي به إلى أبي عمرة فخرج إليه مع نفر من أصحابه فقاتلهم قتالاً شديداً فأثخنته الجراحة فأخذه أبو عمرة أسيراً وبعث به إلى المختار فضرب عنقه وأغلى له دهناً في قدر وقذفه فيها فتفسّخ ووطئ مولیً لآل حارثة بن مضروب وجهه ورأسه(١)

ولكن ذكر في نفح الطيب تأليف أحمد بن محمّد المقري المالكي المغربي في تاريخ الأندلس أنّ الشمر قد فرّ من المختار بولده من الكوفة إلى الشام ( فلمّا خرج كلثوم بن عياض للمغرب كان الصميل فيمن خرج معه ودخل الأندلس في طالعة بلج وكان شجاعاً جسوراً على قلب الدول فبلغ ما بلغ(٢)

وإمارة الصميل وإن ذكرت في عبر ابن خلدون وغيره إلّا أنّ هروب الشمر من الشام لا يلائم الواقع لأنّ مؤرّخي المشرق اتفقت كلمتهم على قتله ، ويمكن أن يكون في هروبه الأوّل الذي نقلناه عن ابن نما ، لم يمكّن الله من أولاده الخبيث فتواروا في بلاد الشام التي هي معدن النواصب واستقرّوا هناك ، ومن الشام انتقلوا إلى الأندلس التي تعرف اليوم بأسبانيول ، وكانت تشتهر قديماً باسم اسبانيا ، فلعنة الله عليه وعلى من انتسب بعمله إليه

_________________

(١) الأمالي ١ : ٢٥٠ الجزء التاسع ط النجف ( هامش الأصل ) ونقلنا العبارة كلّها من أمالي الطوسي : ٢٤٤ المجلس التاسع ( المترجم )

(٢) هذا ما ذكره المقري ٣ : ٢٦ ، وليس فيه ما ذكره المؤلّف من أنّ الصميل بن حاتم بن شمر بن ذي الجوشن تأمّر هناك وإنّما قال : وإنّما ذكر ابن حيّان أنّ القائم بدولة يوسف والمستولي عليها الصميل بن حاتم بن شمر بن ذي الجوشن الكلابي وجدّه شمر قاتل الحسين ٣ : ٢٧ ( المترجم )

٣٩١

وَلَعَنَ اللهُ أُمَّةً أَسْرَجَتْ وَأَلْجَمَتْ وَتَنَقَّبَتْ وَتَهَيَّأَتْ لِقِتالِكَ

الشرح : الإسراج اشتقاق جعلي من لفظ سرج وهو جامد لأنّ كلّ لفظ يتوقّف جريان الحدث في معناه فهو جامد ، ويكون الاشتقاق منه خلافاً للأصل ، لأنّ معنى الجريان والتحوّل الذي هو من لوازم المصادر لا يوجد فيه ، مِن ثَمّ يسمّى هذا النوع من الاشتقاق الاشتقاق الجعلي ، وقولهم في تعرّف التعدية بـ « جعل الشيء ذا مصدره » مبنى على التغليب أو أنّ القصد هو المصدر المطلق الذي هو المبدٔ ومعنى أسرج جعله ذا سرج كما لا يخفى

الإلجام : نظير الإسراج وهو مأخوذ من اللجام وهو معرب لكام تحقيقاً كما جزم بذلك الجوهري ولا وجه لترديد الفيّومي والخفاجي

تنقّبت : يحتمل لهذا اللفظ وجوه منها ما ذكرها العلماء ومنها ما اختصصت باستنباطه

منها : أنّه مأخوذٌ من النقاب الذي تضعه المرأة على وجهها حقيقةً وذلك إشارة إلی ما كان يفعله القوم في الحروب حين ينتقبون ، وهذا الوجه ذكره في البحار(١) (٢)

الوجه الثاني : أن يكون من ذلك المعنى على وجه الاستعارة فإنّ النساء ينتقبن حين الخروج من منازلهنّ ومثلهنّ الرجال حين يخرجون إلى الحرب يحملون

_________________

(١) بحار الأنوار ١٠١ : ٣٠١ ط طهران ( هامش الأصل ) و ٩٨ : ٣٠٢ : قال الكفعمي : يمكن أن يكون المعنى مأخوذاً من النقاب الذي للمرأة ، أي اشتملت بآلات الحرب كاشتمال المرأة بنقابها فيكون النقاب هنا استعارة

(٢) ( يشهد له ما في البحار ٣٥ : ٦٠ ط طهران ابن عبّاس قال : لمّا نكل المسلمون عن مقارعة ( قارع القوم : ضارب بعضهم بعضا ) طلحة العبدوي تقدّم إليه أمير المؤمنينعليه‌السلام ، فقال طلحة : من أنت ؟ فحسر لثامه ) ( ما كان على الأنف وما حوله من ثوب أو نقاب ) فقال : أنا القضم : ( السيف ) عليّ بن أبي طالب

٣٩٢

السلاح ويشتملون عليه شبّه لامة الهيجاء بنقاب النساء ، وهذا الوجه ذكره الكفعمي في حاشية المصباح(١)

وكلا الأمرين بعيد غاية البعد لا سيّما الثاني وهو ينافي الأذواق السليم إذ لا وجه بين نقاب المرأة واستعداد الرجال للحرب ، اللهمّ إلّا علاقة التضاد وإن لم يذكره

الوجه الثالث : مأخوذ من التنقيب بمعنى السير في الطريق مثل :( فَنَقَّبُوا فِي
الْبِلَادِ
) (٢) وهذا المعنى قريب معناه بعيد لفظه وهو من الكفعمي أيضاً(٣) عليه الرحمة

الوجه الرابع : يكون مأخوذاً من النقبة وهو ثوب يشتمل به كالإزار(٤) وهو شبيه بالسروال ، وتجعل له حجزة أي الموضع الذي يعقد منه ويمرّ الحزام منه من دون خصر ويظهر من بعض موارد الاستعمال أنّه لباس يلتجأ إليه الفارس أحياناً بسهولته أو لأسباب غيرها إذن ، هو كناية عن ذلك التهيّؤ والإعداد ومن موارد استعماله العبارة المنسوبة إلى عمر التي تعرّض العلماء لشرحها مفرقة وقد وردت بتمامها في شرح نهج البلاغة قال يذكر حال صباه في الجاهليّة : لقد رأيتني مرّة واُختاً لي نرعى على أبوينا ناضحاً لنا قد ألبستنا أمناً نقبتها وزودتنا يمنتيها من

_________________

(١) مصباح الكفعمي : ٤٨٣ ، بحار الأنوار ١٠١ : ٣٠٢ ( هامش الأصل )

(٢) ق : ٣٦

(٣) أو يكون معنى تنقّبت سارت في نقوب الأرض وهي طرقها الواحد نقب ، ومنه قوله تعالى :( فَنَقَّبُوا فِي
الْبِلَادِ
) أي طوفوا وساروا في نقوبها أي طرقها ، قال :

لقد نقّبت في الآفاق حتّى

رضيت من الغنيمة بالإياب

راجع مصباح الكفعمي : ٤٨٣ ، والبحار ٩٨ : ٣٠٢ ( المترجم )

(٤) بحار الأنوار ٩٨ : ٣٠٢

٣٩٣

الهبيد فنخرج بناضحنا ، فإذا طلعت الشمس ألقيت النقبة إلى اُختي وخرجت أسعى عرياناً فنرجع إلى اُمّنا وقد جعلت لنا لفيتة من ذلك الهبيد فيا خصباه(١)

ومنه يعلم حاله مع اُخته في البادية وحال الناس معه عرياناً فتذكر حديث الإمارة التي سبق إلى ذكرها الإشارة(٢) وتأمّل حقّ التأمّل في هذه العبارة

وبناءاً على هذا تكون العبارة كقول القائل : ارتدى ثوبه أو لبس سرواله ، وهذا المعنى عرض لي أوّلاً ثمّ عثرت عليه في إشارة وردت في كلام الكفعمي(٣)

الوجه الخامس : لا يبعد أن يكون المعنى كما ترائىٰ لي أنّه مأخوذ من نقب خفّ البعير إذا رقّ كما جاء في الشعر :

اُقسم بالله أبو حفص عمر

ما مسّها من نقب ولا دبر

وصرّح في الأساس أنّ تنقّب بمعنى نقب ، وهو كناية عن التعب والعنت في هذا العمل

الوجه السادس : واحتمل احتمالاً أن يكون مأخوذاً من النقابة بمعنى الرياسة ومعنى ذلك أنّهم جمعوا العساكر وجيّشوا الجيوش

الوجه السابع : مأخوذ من النقاب بمعنى العريف أو بمعنى البصيرة ، وانطباقه على ما نحن فيه أنّه إشارة إلى أنّهم علموا بالحرب وتأكّدت لديهم أسباب القتال وتعرّف وجوه الجدال ، وتنقّب بمعنى تجسّس وتتبّع(٤)

_________________

(١) شرح ابن أبي الحديد ١٢ : ٢٠ مع اختلاف بسيط في بعض الكلمات ( المترجم ) ابن أبي الحديد ١٢ : ١٣٠ ط بيروت ( هامش الأصل )

(٢) تجدها في شرح « لعن الله عمر بن سعد » تحت عنوان « نادرة » ( هامش الأصل ) أورد المؤلّف العبارة بالعربيّة

(٣) المصباح للكفعمي : ٤٨٣ ، بحار الأنوار ١٠١ : ٣٠٢ ط طهران ( هامش الأصل )

(٤) لسان العرب ، مادة نقب والنقاب العالم بالاُمور ، والنقاب المنقّب ـ بالكسر والتخفيف ـ الرجل العالم بالأشياء الكثير البحث عنها والتنقيب عليها

٣٩٤

الوجه الثامن : أنّه مشتقّ من النقيبة بمعنى المشاورة

وهذان الوجهان الأخيران لم أجدهما في كتاب أحد والذي ثبت في كتب اللغة من هذه الوجوه هو تنقّب المرأة وتنقّب خفّ البعير ، ولم أعثر على باقي الوجوه لحدّ الآن في كتب اللغة ، ولكن بما أنّ هذا الاستعمال ثابت وأنّ الإختلال بوجوه المشتقّات من المجرّد والمزيد أكثر من النجوم وخارجة عن حدّ الإحصاء والحصر ، وكلّ واحدة من هذه المحتملات من الوجوه لا تخلو من مناسبة فلا مانع من ذكرها ، وإن كان ـ والحقّ يقال ـ لا يخلو وجه منها من وجود الخلل ، ولعلّ الله يحدث بعد ذلك أمراً

التهيّؤ : مشتقّ من الهيئة وهو بمعنى الكيفيّة الحاصلة من اكتناف أعراض مختلفة مثل الوضع واللون والمقدار على الجسم والفرق مابينها وبين الصورة يظهر باختلاف العرضيّة والجوهريّة اصطلاحاً وإن استعملت الصورة عرفاً بالمعنى الأعمّ ، والظاهر أنّ الأيئة والهيئة من أصل واحد ، وحصل هذا الاختلاف من الإبدال وباب الإبدال واللثغ باب واسع في لغة العرب ، وعمد جماعة إلى استيفاء هذين البابين ومع ذلك بقيت عليهم مستدركات ، وفي الزوايا خبايا ، وهذا المعنى اشتبه على صاحب القاموس في غالب ما كتب عنه ، وعزى موارد الإبدال إلى تعدّد اللغة ، ومن المواضع المنصوصة :

إبدال الهمزة والهاء : « هيم الله وأيم الله » في القسم

و « هنا وأنا » في ضمير المتكلّم

و « هيا وأيا » في النداء

و « لهنّك ولأنّك » في التأكيد

و « هيه وايه » في الاستزادة

و « هال وآل » و « هداه وأداه » و « هروت وأروت » و « هراق وأراق » في الإراقة

٣٩٥

و « هسد وأسد » و « هجيج وأجيج » و « هيّاك وأيّاك » في الخطاب

و « هوقه وأوقه » بمعنى الجماعة

و « باه وباء » بمعنى الجماع

و « أرجاه وأرجاء » بمعنى التأخير

و « بده وبدأ » و « دلره ودرأ » بمعنى طلع ودفع

إلى غير ذلك من المواضيع ويؤيّد قول النافين إصالة عدم الوضع والذي له اُنس ومعرفة بوجوه لغة العرب واختلاف ألسنتهم في الزيادة والنقصان التغيير والتبديل يجزم بصحّة دعوى النفي

وجملة القول : معنى التهيّؤ اتخاذ هيئة أمرٍ مّا والاستعداد لأدائه ، والتهيئة إعطاء الهيئة وإعداد العدة للأمر ، والله العالم

٣٩٦

بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي

الشرح : وضع هذه الجملة في الأصل للدعاء بالفداء ، ويكون المعنى هكذا : إذا داهمك بلاء أو آفة يجعل الله روح أبي واُمّي فداء ووقاءاً لك ، ويقع بهما البلاء دونك ، ويدلّ هذا الكلام على تقديم المفدّى في المحبّة والإعزاز على الوالدين ، وتتوقّف صحّة الاستعمال على حياة المخاطب وحياة الوالدين ، لأنّ الميّت لا يفدىٰ ولا يُفدّىٰ ، وهذا المعنى غير خاف على أهل الفهم والإدراك ومن هذا المعنى قول الكميت بن يزيد الأسديرضي‌الله‌عنه في إحدى هاشميّاته السبع يذكر فيها النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فيقول :

أنقذ الله شلونا من شفا النار

به نعمة من المنعام

لو فدى الحيّ ميّتاً قلت نفسي

وبنيّ الفدا لتلك العظام

وفيه نقد يعرفه من ذاق طعم الأدب ونسل إليه ولو من حدب(١)

وجملة القول : أنّ هذه الجملة التي نُقلت بلغت أعلى حدّ للظهور ؛ إمّا لغلبة الاستعمال أو للشهرة في مطلق التعظيم والإكبار لأحد من الناس ، وهذا القول لازم

_________________

(١) لعلّه يشير إلى قوله : « أنقذ الله شلونا » لأنّ الشلو الجلد والجسد من كلّ شيء وكلّ مسلوخة أكل منها شيء فبقيتها شلو ولكن الشلو مأثور عن غيره من الشعراء كما قال الراعي :

فادفع مظالم عيّلت أبناءنا

عنّا وأنقذ شلونا المأكولا

فليس على الكميت نقد في استعمال هذا اللفظ على سنن إخوانه الشعراء ، وأغلب الظنّ أنّ المؤلّف انتقده على لفظ العظام التي أطلقها على النبيّ وهي لفظة مستكرهة في نعتهصلى‌الله‌عليه‌وآله ( المترجم )

٣٩٧

المعنى الأوّل وغالباً ما يؤتىٰ بها ، ولا يراد منها إلّا تجليل المخاطب وتعظيمه(١) ،

_________________

(١) الغرض من ذلك تجليل وتعظيم المخاطب ليس إلّا لأنّ في كثير من الموارد لا توجد شرائط الفداء وبيان هذا المطلب كما يلي :

أربعة شروط لازمة في الفداء الحقيقي :

١ ـ أن يكون المفتدي ـ اسم فاعل ـ حيّاً

٢ ـ أن يكون المفتدى ـ اسم مفعول ـ حيّاً أيضاً

٣ ـ من يفدي أدنى قدراً ممّن يفدىٰ ـ بالبناء للمجهول

٤ ـ لا يجوز أن يكون الفادي أسمى قدراً

فإذا فقدت هذه اللوازم الأربعة كان الفداء صوريّاً لا واقعيّاً ، ونحن نشاهد عدم رعاية هذه اللوازم الأربعة في كثير من الحالات في الأحاديث المرويّة عنهم ، ومن أجل إثبات ذلك نأتي بشاهد من الروايات لكلّ لازم من هذه اللوازم الأربعة

أمّا الأوّل : عن عليّ بن الحسينعليه‌السلام وأقبل أمير المؤمنين ونزل جبرئيل على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال له : يا محمّد ، اقرأ( وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَىٰ õ وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّىٰ õ وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنثَىٰ ) [ سورة الليل ] إلى آخر السورة ، فقام النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وقبّل بين عينيه ثمّ قال : بأبي أنت ، قد أنزل الله فيك هذه السورة كاملة [ بحار الأنوار ٤١ : ٣٧ الرقم ١٥ ، وراجع : بحار الأنوار ٤١ : ٢٧٠ طبع طهران ]

أمّا الثاني : سويد بن غفلة قال : دخلت على عليّ بن أبي طالب ويحك يا فضّة ، ألا تتقين الله في هذا الشيخ ؟ ألا تتخلون له طعاماً ممّا أرى فيه من النخالة ؟ فقالت : لقد تقدّم إلينا أن لا ينخل له طعام ، قال : ما قلت لها فأخبرته [ أي عليّاً ] فقال : [ عليّعليه‌السلام ] بأبي من لم ينخل له طعام ولم يشبع من خبز البرّ ثلاثة أيّام حتّى قبضه الله عزّ وجلّ [ بحار الأنوار ٤٠ : ٣٣١ ، ومثله بحار الأنوار ٤١ : ١٣٨ ]

أمّا الثالث : بالإسناد عن جابر بن عبد الله أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أقام أيّاماً لم يطعم طعاماً حتّى شقّ ذلك عليه وطاف في منازل أزواجه فلم يصب عند واحدة منها شيئاً فأتى فاطمة فقال : يا بنيّة ، هل عندك شيء آكله فإنّي جائع ؟ فقالت : لا والله بأبي أنت واُمّي ، فلمّا خرج فرجع إليها ، فقالت : بأبي أنت واُمّي قد أتانا الله بشيء [ بحار الأنوار ٤٣ : ٦٨ ]

وهذه التفدية من العجايب فإنّ فاطمة أفدت ( كذا ) أباها لأبيها ، ولا تعدّد في ذلك وأفدت ( كذا ) اُمّها الميّت ( كذا ) للحي

أمّا الرابع : روى المجلسي بالإسناد عن ابن عبّاس : لمّا كنّا في حرب صفّين دعا عليّاً ابنه محمّداً بن

٣٩٨

وصارت من الألفاظ المتداولة للتعارف كالألفاظ التي تصدر بها المكاتيب ومبادئ المراسلات في هذا الزمان من قبيل : فداك ما عداك ، وروحي فداك ، وغيرها ، وليس غرض القائل أو الكاتب الفداء الواقعي منها وإنّما تذكر لبيان رعاية عظمة المكتوب إليه وملاحظة قدره

ومن هذا النمط عبارات الزيارة ، وإن كان الإمام المخاطب باعتقادنا حيّاً وسميعاً بصيراً ، ولكن ذلك لا يؤثّر في المعنى ، لأنّ صحّة استعمال هذا الكلام مبنيّ على الحياة الصوريّة الدنيويّة ، مضافاً إلى أنّ الفداء وهو الأبوان غالباً ما يكونان في عداد الموتى ، ولم يحتمل أحدٌ التفصيل في صحّة الخطاب ، فيصحّ إن كانا حيّين ويبطل عند موتهما ، وإن كان بالإمكان رفع هذا الإشكال بالتنزيل والفرض ، فيقال : إنّ مراد القائل للمخاطب إنّك أصبحت عندي بمنزلة لو كان والدايّ حيّين لفديتهما لك ولكن هذا الفرض لا يطرد في جميع الأمثلة

ولا يصحّ استعمال هذه العبارة في كثير من الموارد كالرواية المنقولة عن الإمام الباقر في خطابه لأصحاب سيّد الشهدا : بأبي أنت واُمّي(١) ولو احتُمل كون الإمام قال ذلك للتعليم ولم يقصد أباه بل تعليم السامع كيفيّة الزيارة مع كونه بعيداً

ويمكن دفع الإشكال بقولنا إنّ الأئمّة داخلون في عموم الحكم ، وحينئذٍ

_________________

الحنفيّة ، وقال له : يا بني ، شدّ على عسكر معاوية فحمل على الميمنة ثمّ رجع وبه جراحات وهو يقول : الماء الماء يا أبتاه فسقاه جرعة من الماء وصبّ باقيه بين درعه وجلده ، ثمّ قال : يا بني ، شدّ على القلب فحمل عليهم وقتل منهم فرساناً ثمّ رجع إلى أبيه وهو يبكي وقد أثقلته الجراح ، فقام إليه أبوه وقبّل مابين عينيه ( ممّا بين عينيه ـ خ ) وقال له : فداك أبوك فقد سررتني والله يا بني بجهادك هذا بين يدي فما يبكيك أفرحاً أم جزعاً [ بحار الأنوار ٤٢ : ١٠٦ ط طهران ، وراجع أيضاً ٤٢ : ١١٧ و ٤٣ : ١٤٢ و ١٥٣ الرقم ١١ ط طهران ] ( المحقق )

(١) كامل الزيارات : ١٧٦ ـ ١٧٩ ، بحار الأنوار ١٠١ : ٢٩٢ ط طهران ( هامش الأصل )

٣٩٩

يستحبّ لهم تلاوة هذه الزيارة والقول للأصحاب « بأبي أنت واُمّي » ، ووالد الإمام إمام وبالطبع لا يصحّ فدائه لأيّ واحد من صحابة الحسينعليه‌السلام بالضرورة

ومن هذا القبيل كلمات عقيلة الرسالة سلام الله عليها : « بأبي المهموم حتّى مضى » إلى آخر ما قالته في نياحتها على الإمام المظلوم(١) ذلك اليوم ، لأنّ الإمام أمير المؤمنين أجلّ قدراً من الإمام الحسينعليه‌السلام

وذكرها النبيّ وفاطمة وخديجة في النياحة إمّا لأنّ فقد الحسين سيّد الشهداء فقد لهم جميعاً كما قالت ليلة العاشوراء : « اليوم مات جدّي رسول الله »(٢) فناحت عليهم جميعاً ، أو أنّ العرف جرى بذكر النائح المعزّىٰ كبار أهله وإشرافهم من الموتى ويبكي على كلّ واحد منهم على حدة كما عليه الحال اليوم وعلى كلّ حال ما من وسيلة لدفع الإشكال في قوله : « بأبي خديجة الكبرى » إلّا ما قلناه من الإشارة التي سلفت والمنصف المتتبّع لا يغفل من رشاقة هذا التحقيق

_________________

(١) « بأبي المهموم حتّى قضى ، بأبي العطشان حتّى مضى ، بأبي من شيبته تقطر بالدماء ، بأبي من جدّه رسول إله السماء ، بأبي من هو سبط نبيّ الهدى ، بأبي محمّد المصطفى ، بأبي خديجة الكبرى ، بأبي عليّ المرتضى ، بأبي فاطمة الزهراء سيّدة النساء ، بأبي من رُدّت عليه الشمس حتّى صلّى » [ بحار الأنوار ٤٥ : ٥٩ ، ط بيروت ] ( هامش الأصل )

(٢) « يا حزناه ، يا كرباه ، اليوم مات جدّي رسول الله » [ بحار الأنوار ٤٥ : ٥٩ ط لبنان ] « اليوم ماتت اُمّي فاطمة وأبي عليّ وأخي الحسن » [ بحار الأنوار ٤٥ : ٢ ط لبنان ] ( هامش الأصل )

٤٠٠

٥٠

يحل لعليعليه‌السلام في المسجد ما يحل لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله

سليم عن جابر بن عبد الله الأنصاري، قال: خرج علينا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وفي يده عسيب(١) رَطب ونحن في مسجده، فجعل يضربنا ويقول: لا ترقدوا في المسجد.

قال جابر: فخرجنا وأراد عليعليه‌السلام أن يخرج معنا، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أين تخرج يا أخي؟! إنه يحل لك في المسجد ما يحل لي. أنت مني بمنزلة هارون من موسى، إن الله أمر موسى أن يبني مسجداً طاهراً طيباً لا يسكنه معه إلا هو وابناه شبر وشبير.

عليعليه‌السلام الذائد عن الحوض يوم القيامة

يا أخي، والذي نفسي بيده إنك لَلذائد عن حوضي بيدك كما يذود الرجل عن إبله الإبل الجربة، كأني أنظر إلى مقامك من حوضي معك عصى من عوسج.(٢)

____________________

١. العسيب: جريدة من النخل كُشِط خوصها.

٢. العوسج: شجيرة من فصيلة الباذنجانيات، أغصانه شائكة وأزهاره مختلفة الألوان.

٤٠١

٥١

يحل مسجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لأهل بيته فقط

سليم بن قيس قال: سمعت أمير المؤمنينعليه‌السلام يقول: كأني أنظر إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بصحن مسجده يقول:

«ألا إنه لا يحل مسجدي لجنب ولا لحائض غيري وغير أخي وغير ابنتي ونسائي وخدمي وحشمي. ألا هل سمعتم؟ ألا هل بيَّنت لكم؟ ألا لا تضلوا»، ينادي بذلك نداءً.

٤٠٢

٥٢

عليعليه‌السلام صديق الأمة وفاروقها

وذكر سليم بن قيس أنه جلس إلى سلمان وأبي ذر والمقداد في إمارة عمر بن الخطاب، فجاء رجل من أهل الكوفة فجلس إليهم مسترشداً. فقالوا له: عليك بكتاب الله فألزِمه، وعلي بن أبي طالب فإنه مع الكتاب لا يفارقه.

وإنا نشهد أنا سمعنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: «إن علياً مع القرآن والحق، حيثما دارَ دارَ.(١) إنه أول من آمن بالله وأول من يُصافحني يوم القيامة من أمتي،وهو الصديق الأكبر والفاروق بين الحق والباطل ، وهو وصيي ووزيري وخليفتي في أمتي ويقاتل على سنتي».

أبو بكر وعمر انتحلا اسم غيرهما!

فقال لهم الرجل: فما بال الناس يسمون أبا بكر الصديق وعمر الفاروق؟

فقالوا له(٢) :نحلهما الناس اسم غيرهما (٣) كما نحلوهما خلافة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وإمرة المؤمنين ،

____________________

١. هكذا في النسخ بصيغة المفرد.

٢. من هنا إلى آخر الحديث في «الفضائل» هكذا:

فقالوا له: الناس تجهل حق عليعليه‌السلام . كما جهل خلافة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله جهلا حق أمير المؤمنينعليه‌السلام . وما هما لهما باسم لأنهما اسم غيرهما. والله إن علياً هو الصديق الأكبر والفاروق الأزهر، والله إن علياً لخليفة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وإنه أمير المؤمنين أمرنا وأمرهم به رسول الله فسلمنا إليه - جميعاً وهما معاً - بإمرة المؤمنين والفاروق الأزهر وأنه الصديق الأكبر.

٣. أورد الكاندهلوي في حياة الصحابة: ج ٢ ص ٢٢ عن ابن شهاب قال: بلغنا أن أول من قال لعمر «الفاروق» أهل الكتاب.

٤٠٣

وما هو لهما باسم لأنه اسم غيرهما. إن علياً لخليفة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأمير المؤمنين. لقد أمرنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأمرهما معنا فسلَّمنا على عليعليه‌السلام بإمرة المؤمنين.(١)

____________________

١. ورد هذا الحديث في الإحتجاج للطبرسي بتفاوت كثير. ولذا نورد ما في الإحتجاج هيهنا:

قال سليم بن قيس: جلست إلى سلمان وأبي ذر والمقداد، فجاء رجل من أهل الكوفة فجلس إليهم مسترشداً، فقال له سلمان: عليك بكتاب الله فألزمه وعلي بن أبي طالبعليه‌السلام فإنه مع القرآن لا يفارقه، فإنا نشهد أنا سمعنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: إن علياً يدور مع الحق حيث دار، وإن علياً هو الصديق والفاروق، يفرق بين الحق والباطل.

قال: فما بال القوم يسمون أبا بكر الصديق وعمر الفاروق؟

قال: نحلهما الناس اسم غيرهما كما نحلوهما خلافة رسول الله وإمرة المؤمنين. لقد أمرنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأمرهما معنا فسلمنا جميعاً على علي بن أبي طالبعليه‌السلام بإمرة المؤمنين.

٤٠٤

٥٣

الدافع لحرب الجمل وصفين عند عليعليه‌السلام

سليم قال: سمعت علياًعليه‌السلام يقول يوم الجمل ويوم الصفين:

إني نظرت فلم أجد إلا الكفر بالله والجحود بما أنزل الله تعالى، أو الجهاد في سبيل الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. فاخترت الجهاد في سبيل الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، على الكفر بالله والجحود بما أنزل الله ومعالجة الأغلال في نار جهنم، إذا وجدت أعواناً على ذلك.

إني لم أزل مظلوماً منذ قبض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلو وجدت قبل اليوم أعواناً على إحياء الكتاب والسنةكما وجدتهم اليوم لقاتلت ولم يسعني الجلوس.

٤٠٥

٥٤

أهل البيتعليهم‌السلام الشهداء على الناس

يحذر على الدين من ثلاثة رجال

سليم بن قيس قال: سمعت علي بن أبي طالبعليه‌السلام يقول: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله :

احذروا على دينكمثلاثة رجال : رجل قرأ القرآن حتى إذا رآى عليه بهجته كأنَّ رداء للإيمان غيَّره إلى ما شاء الله، اخترط سيفه على أخيه المسلم ورماه بالشرك.

قلت: يا رسول الله، أيهما أولى بالشرك؟ قال: الرامي به منهما.

ورجل استخفَّته الأحاديث، كلما انقطعت أحدوثة كَذِب مثلها أطول منها. إن يدرك الدجال يتبعه.

ورجل آتاه الله عز وجل سلطاناً فزعم أن طاعته طاعة الله ومعصيته معصية الله، وكذب، لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، لا طاعة لمن عصى الله.

العصمة هي المناط في طاعة النبي والأئمةعليهم‌السلام

إنما الطاعة لله ولرسوله ولولاة الأمر الذين قرنهم الله بنفسه ونبيه فقال:( أَطِيعُوا اللَّـهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ) (١) ، لأن الله إنما أمر بطاعة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لأنهمعصوم مطهرٌ لا يأمر بمعصية الله، وإنما أمر بطاعة أولي الأمر لأنهممعصومون مطهرون لا يأمرون بمعصية الله.

____________________

١. سورة النساء: الآية ٥٩.

٤٠٦

طريق أهل البيتعليهم‌السلام ينجي من الضلال

قال: ثم أقبل عليَّ علي بن أبي طالبعليه‌السلام - حين فرغ من حديث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله - فقال: لا بد من رحى ضلالة، فإذا قامت طحنت وإن لطحنها روقاً وإن روقها حدَّتها وعلى الله فلُّها.

إن أبرار عترتي وطيِّب أُرومتي أحلم الناس صغاراً وأعلمهم كباراً. ألا وبنا يفرِّج الله الضيِّق والزمان الكلب، وعلى أيدينا يغيِّر الكذب.

ألا وإنا أهل بيت من حكم الله حكمنا وقول صادق سمعنا، فإن تتبعوا سبيلنا وتسلكوا طريقنا وآثارنا تهتدوا ببصائرنا، وإن تخالفونا تهلكوا، وإن تقتدوا بنا تجدونا على الكتاب أمامكم،وإن تخالفونا لم تضروا بذلك إلا أنفسكم .

إن الله يسأل الشهداء من أهل البيتعليهم‌السلام عن أهل زمانهم

إن الله سائل أهل كل زمان ويُدعى الشهداء عليهم في زمانهم منا،فمن صدق صدقناه ومن كذب كذبناه .(١) إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله هو المنذر الهادي الرسول إلى الجن والأنس إلى يوم القيامة، لا نبي بعده ولا رسول، ولا ينزل بعد القرآن كتاباً.

ولكل أهل زمان هاد ودليل وإمام يهديهم ويدلُّهم ويرشدهم إلى كتاب ربهم وسنة نبيهم؛ كلما مضى هاد خلَّف آخر مثله. هم مع الكتاب والكتاب معهم لا يفارقونه ولا يفارقهم حتى يردوا على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حوضه.

____________________

١. يمكن قراءة هذه الفقرة بالتشديد هكذا: فمن صدَّق صدَّقناه ومن كذَّب كذَّبناه.

٤٠٧

إنا أهل بيت دعا الله لنا أبونا إبراهيمعليه‌السلام فقال: «فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم»(١) ، فإيانا عنى الله بذلك خاصة.

ونحن الذين عنى الله: «يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون» إلى آخر السورة(٢) ، فرسول الله الشاهد علينا ونحن شهداء الله على خلقه وحججه في أرضه.

ونحن الذين عنى الله بقوله: «وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس» إلى آخر الآية.(٣) فلكل زمان منا إمام شاهد على أهل زمانه.(٤)

____________________

١. سورة إبراهيم: الآية ٣٧.

٢. سورة الحج: الآيتان ٧٧ و ٧٨. والآية الثانية هكذا: «وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير».

٣. سورة البقرة: الآية ١٤٣، وتمام الآية هكذا: «... ويكون الرسول عليكم شهيدا وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله وما كان الله ليضيع إيمانكم إن الله بالناس لرؤوف رحيم».

٤. ورد الحديث في خصال الصدوق بصورة أخصر وبتفاوت، وهذا نص ما في الخصال:

سليم بن قيس قال: سمعت علي بن أبي طالبعليه‌السلام يقول: احذروا على دينكم ثلاثة رجال: رجلاً قرأ القرآن حتى إذا رأيت عليه بهجته اخترط سيفه على جاره ورماه بالشرك. قلت: يا أمير المؤمنين، أيهما أولى بالشرك؟ قال: الرامي.

ورجلاً استخفَّته الأحاديث، كلما حدث أحدوثةَ كذبٍ مدها بأطول منها.

ورجلاً آتاه الله عز وجل سلطاناً فزعم أن طاعته طاعة الله ومعصيته معصية الله، وكذب لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. لا ينبغي للمخلوق أن يكون حبه لمعصية الله، فلا طاعة في معصيته ولا طاعة لمن عصى الله، إنما الطاعة لله ولرسوله ولولاة الأمر. إنما أمر الله عز وجل بطاعة الرسول لأنه معصوم مطهر لا يأمر بمعصيته وإنما أمر بطاعة أولي الأمر لأنهم معصومون مطهرون لا يأمرون بمعصيته.

٤٠٨

٥٥

اعترافات سعد بن أبي وقاص بشأن أمير المؤمنينعليه‌السلام

قال سليم بن قيس: لقيت سعد بن أبي وقاص وقلت له: إني سمعت علياًعليه‌السلام يقول: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: «اتقوا فتنة الأُخَيْنِس (١) ،اتقوا فتنة سعد ، فإنه يدعو إلى خذلان الحق وأهله». فقال سعد: اللهمَّ إني أعوذ بك أن أبغض علياً أو يبغضني، أو أقاتل علياً أو يقاتلني، أو أعادي علياً أو يعاديني.

فضائل أمير المؤمنينعليه‌السلام على لسان سعد

إن علياً كانت له خصال لم تكن لأحد من الناس مثلها:

إنه صاحب براءة حين قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «إنه لا يبلغ عني إلا رجل مني».

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله له يوم غزاة تبوك: «أنت مني بمنزلة هارون من موسى غير النبوة، فإنه لا نبي بعدي».

وأمرصلى‌الله‌عليه‌وآله بسد كل باب شارع إلى المسجد غير بابه؛ فجهد عمر أن يرخص له في كوة صغيرة قدر عينه فأبى ذلك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقال عند ذلك حمزة والعباس وجعفر: «سددت أبوابنا وتركت باب علي»؟ فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : «ما أنا سددتها ولا فتحت بابه، ولكن الله سدها وفتح بابه ».

وآخى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بين كل رجلين من أصحابه، فقالعليه‌السلام له: آخيت بين كل رجلين من أصحابك وتركتني؟ فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «أنت أخي وأنا أخوك في الدنيا والآخرة».

____________________

١. «ج» خ ل: الأخنس، بمعنى المتأخر والمتنحي.

٤٠٩

غزوة خيبر على لسان سعد

وقال في يوم خيبر حين انهزم أبو بكر وعمر فغضب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وقال: «ما بال أقوام يلقون المشركين ثم يفرون؟ لأدفعنَّ الراية غداً إلى رجل يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، ليس بجبان ولا فرار ولا يرجع حتى يفتح الله على يديه خيبراً».

فلما أصبحنا اجتمعنا إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأريت رسول الله وجهي(١) فقال: «أين أخي، ادعوا لي علياً». فأتوه به، فإذا هو رَمِدٌ يقاد من رَمَده وعليه إزار وغبار الدقيق عليه وكان يطحن لأهله. فأمره رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فوضع رأسه في حجره وتفل في عينيه. ثم عقد له ودعا له، فما انثنى حتى فتح الله له وأتاه بصفية بنت حُيي بن أخطب، فأعتقها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ثم تزوجها وجعل عتقها صداقها.

واقعة الغدير على لسان سعد

وأعظم من ذلك - يا أخا بني هلال(٢) -يوم غدير خم ، أخذ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بيده- وأنا أنظر إليه - رافعاً عضديه فقال: «ألست أولى بكم من أنفسكم»؟ فقالوا: بلى. قال: «فمن كنت مولاه فعلي مولاه، اللهمَّ وال من والاه وعاد من عاداه. ليبلغ الشاهد الغائب».

محاولة سعد بن أبي وقاص تبرير نفاقه

قال سليم: وأقبل عليَّ سعد فقال: إنما شككت ولست بقاتل نفسي! إن كان سبقني إلى فضل غبت عنه إني لم أزعم أني مخطئ ولا مسىء، بل هو على الحق.

____________________

١. قائل هذا الكلام سعد بن أبي وقاص.

٢. المخاطَب به سليم بن قيس الهلالي.

٤١٠

٥٦

المهاجرون والأنصار لم يواجهوا علياًعليه‌السلام في حروبه

قال: وذكر سليم: أنه لم يكن معطلحة والزبير رجل واحد من المهاجرين والأنصار، ولا معمعاوية رجل من المهاجرين والأنصار، ولا معالخوارج يوم النهروان أحد من المهاجرين والأنصار.

سعد يخبر عن رئيس الخوارج

قال: وسمعت سعداً وذكرالمخدج ، قال: فقال عليعليه‌السلام : قُتل شيطان الوهدة. قال: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: «أُمُّه أمَةٌ لبني سليم وأبوه شيطان»!

٤١١

٥٧

ندامة الثلاثة المتخلفين عن عليعليه‌السلام

قال سليم بن قيس: وجلست يوماً إلى محمد بن مسلمة وسعد بن مالك وعبد الله بن عمر(١) ، فسمعتهم يقولون:لقد تخوَّفنا أن نكون قد هلكنا بتخلفنا عن نصرة علي وعن قتالنا معه الفئة الباغية.

فقلت: اللهمَّ إني قد سمعت علياًعليه‌السلام يقول: «أمرني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين».

قال: فبكوا، ثم قالوا: صدق عليعليه‌السلام وبرَّ، ما قال على الله ولا على رسوله قط إلا الحق.فنستغفر الله من تخلفنا عنه وخذلاننا إياه .

____________________

١. هؤلاء الثلاثة هم الذين تخلفوا عن بيعة أمير المؤمنينعليه‌السلام والمسير معه إلى القتال. روى نصر بن مزاحم في كتاب صفين: ص ٦٥ عن خفاف بن عبد الله قال: ثم تهيأ عليعليه‌السلام للمسير إلى البصرة وخفَّ معه المهاجرون والأنصار؛ وكره القتال معه ثلاثة نفر: سعد بن مالك (وهو ابن أبي وقاص) وعبد الله بن عمر ومحمد بن مسلمة.

وروى ابن أبي الحديد أن محمد بن مسلمة كان معهم (يوم بيعة أبي بكر) وأنه هو الذي كسر سيف الزبير. راجع البحار: ج ٨ طبع قديم ص ٥٩.

٤١٢

٥٨

احتجاجات أبان على الحسن البصري

التبرك بتراب أقدام أمير المؤمنينعليه‌السلام

سليم بن قيس، قال: سمعت سلمان يقول: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لعليعليه‌السلام :

«لولا أن تقول طوائف من أمتي ما قالت النصارى في عيسى بن مريم لقلت فيك مقالة تتبع أمتي آثار قدميك في التراب فيقبلونه ».(١)

فضائل أمير المؤمنينعليه‌السلام على لسان الحسن البصري

قال أبان: فحدثت الحسن بن أبي الحسن - وهو في بيت أبي خليفة(٢) - بهذا الحديث عن سليم عن سلمان. فقال الحسن: «والله لقد سمعت في علي حديثين ما حدثت بهما

____________________

١. ورد هذا الحديث في «ج» خ ل هكذا: سليم قال: سمعت سلمان يقول: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول لعليعليه‌السلام : «لولا أن تقول أمتي فيك ما قالت النصارى في عيسى بن مريم لقلت فيك مقالة تتبع أمتي آثار قدميك في التراب فيقبلونه».

روي في البحار: ج ٦٨ ص ١٣٧ بإسناده عن جابر قال: لما قدم عليعليه‌السلام على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بفتح خيبر قال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «لولا أن يقول فيك طوائف من أمتي ما قالت النصارى للمسيح عيسى بن مريم لقلت اليوم فيك مقالاً لا تمر بملأ إلا أخذوا التراب من تحت رجليك ومن فضل طهورك يستشفون به...».

وقد قالصلى‌الله‌عليه‌وآله مثل ذلك بشأن عليعليه‌السلام في غزوة ذات السلاسل كما في البحار: ج ٢١ ص ٧٩.

٢. أبو خليفة الحجاج بن أبي عتاب الديلمي العبدي البصري هو الذي آوى إليه عدد ممن هرب من ظلم الحجاج الثقفي.

٤١٣

أحداً قط». فحدَّث بتسليم الملائكة عليه وحديث يوم أحُد.(١) فوجدتهما في صحيفة سليم بعد ذلك يرويهما عن عليعليه‌السلام أنه سمعهما منه.

أكاذيب الحسن البصري لتبرير نفاقه

قال أبان: فلما حدثنا بهذين الحديثين خلوت به وتفرق القوم غيري وغير أبي خليفة، وبتُّ ليلتي إذ ذاك عنده. فقال الحسن تلك الليلة: لولا رواية يرويها الناس عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لظننت أن الناس كلهم هلكوا منذ قبض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله غير عليعليه‌السلام وشيعته.

قلت: يا با سعيد،وأبو بكر وعمر ؟! قال: نعم.

____________________

١. روي في البحار: ج ٣٩ ص ٩ بإسناده عن ابن عباس أنه قال: انتدب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الناس ليلة بدر إلى الماء. فانتدب عليعليه‌السلام فخرج وكانت ليلة باردة ذات ريح وظلمة. فخرج بقِربته، فلما كان إلى القليب لم يجد دلواً. فنزل إلى الجب تلك الساعة فملأ قربته ثم أقبل. فاستقبلَته ريح شديدة، فجلس حتى مضت، ثم قام. ثم مرت به أخرى فجلس حتى مضت، ثم قام. ثم مرت به أخرى فجلس حتى مضت.

فلما جاء قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : ما حبسك يا أبا الحسن؟ قال: لقيت ريحاً ثم ريحاً ثم ريحاً شديدة، فأصابتني قشعريرة. فقال: أتدري ما كان ذلك يا علي؟ فقال: لا. فقال: ذاك جبرئيل في ألف من الملائكة وقد سلَّم عليك وسلَّموا. ثم مر ميكائيل في ألف من الملائكة فسلَّم عليك وسلَّموا. ثم مرَّ إسرافيل في ألف من الملائكة فسلَّم عليك وسلَّموا.

وروي في البحار: ج ٢٠ ص ٨٥ أنه أشار رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في يوم أحُد إلى قوم انحدروا من الجبل فحمل عليهم عليعليه‌السلام فهزمهم، ثم أشار إلى قوم آخر فحمل عليهم فهزمهم، ثم أشار إلى قوم آخر فحمل عليهم فهزمهم، ثم أشار إلى قوم آخر فحمل عليهم فهزمهم. فجاء جبرئيل: فقال: يا رسول الله، لقد عجبت الملائكة وعجبنا معها من حسن مواساة علي لك بنفسه. فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : وما يمنعه من هذا وهو مني وأنا منه. فقال جبرئيل: وأنا منكما.

وروي في البحار: ج ٢٠ ص ٧٢ عن ابن مسعود أنه قال: انهزم الناس يوم أحُد إلا علي وحده. فقلت: إن ثبوت عليعليه‌السلام في ذلك المقام لعجبٌ! قال: إن تعجَّبتَ منه فقد تعجَّبَت الملائكة. أما علمت أن جبرئيل قال في ذلك اليوم وهو يعرج إلى السماء: «لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي».

وروي في البحار: ج ٢٠ ص ٦٩ أن أمير المؤمنينعليه‌السلام قال يوم الشورى: نشدتكم بالله، هل فيكم أحد وقفت الملائكة معه يوم أحُد حين ذهب الناس غيري؟ قالوا: لا.

٤١٤

قلت: وما تلك الرواية يا با سعيد؟ قال: قول حذيفة «قوم ينجون ويهلك أتباعهم». قيل: وكيف ذلك يا حذيفة؟ قال: «قوم لهم سوابق أحدثوا أحداثاً فتبعهم على أحداثهم قوم ليست لهم سوابق. فنجا أولئك بسوابقهم وهلك الأتباع بأحداثهم».(١) وقول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لعمر - حين استأذنه في قتل حاطب بن أبي بلتعة(٢) - فقال: «وما يدريك يا عمر، لعل الله قد اطلع إلى عصبة أهل بدر فأشهد ملائكته: إني قد غفرت لهم فليعملوا ما شاءوا». وحديث جابر بن عبد الله الأنصاري: أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ذكر الموجبتين. قالوا: يا رسول الله، ما تعني بالموجبتين؟ قال: «من لقي الله لا يشرك به شيئاً دخل الجنة، ومن لقيه يشرك به دخل النار». فلست أرجو لأبي بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير النجاة إلا بهذه الروايات والسلامة.

قلت: أتجعل حدث أبي بكر وعمر مثل حدث عثمان وطلحة والزبير، إن كان الأمر لعليعليه‌السلام دونهم من الله ورسوله؟

فقال: يا أحمق، لا تقولنَّ «إن كان»!هو والله لعلي دونهم ، وكيف لا يكون له دونهم بعد الخصال الأربع؟ ولقد حدثني عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الثقات ما لا أحصي.

قلت: وما هذه الخصال الأربع؟

قال: قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ونصبه إياه يوم غدير خم.

وقوله في غزوة تبوك: «أنت مني بمنزلة هارون من موسى غير النبوة»، ولو كان غير النبوة لاستثناه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقد علمنا يقيناً أن الخلافة غير النبوة.

وخطب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله آخر خطبة خطبها للناس ثم دخل بيته فلم يخرج حتى قبضه الله إليه: «أيها الناس، إني قد تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما: كتاب الله وأهل بيتي، فإن اللطيف الخبير قد عهد إليَّ أنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض كهاتين - وجمع بين سبابتيه - لا كهاتين - وجمع بين سبابته والوسطى - لأن إحديهما

____________________

١. لا يخفى أن هذه الرواية من الموضوعات التي تمسَّك بها الحسن البصري لتوجيه نفاقه.

٢. حاطب بن أبي بلتعة الخالفي اللخمي المتوفى سنة ٣٠، قد مر قصته في الحديث ١٥ من هذا الكتاب.

٤١٥

قدام الأخرى فتمسكوا بهما لا تضلوا ولا تولوا. لا تقدِّموهم فتهلكوا؛ ولا تعلِّموهم فإنهم أعلم منكم.

ولقد أمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أبا بكر وعمر - وهما سابعا سبعة - أن يسلِّموا على عليعليه‌السلام بإمرة المؤمنين.

ولعمري لئن جاز لنا - يا أخا عبد القيس(١) - أن نستغفر لعثمان وطلحة والزبير - وقد بلغ من حدثهم ما قد ظهر لنا - إنه ليسعنا أن نستغفر لهما.

فأما طلحة والزبير، فإنهما بايعا علياًعليه‌السلام - وأنا شاهد - طائعين غير مكرهين. ثم نكثا بيعتهما وسفكا الدماء التي قد حرم الله رغبة في الدنيا وحرصاً على الملك، وليس ذنب بعد الشرك بالله أعظم من سفك الدماء التي حرم الله.

وأما عثمان فأدنى السفهاء وباعد الأتقياء وآوى طريد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وسيِّر أولياء الله أبا ذر وقوماً صالحين وجعل المال دولة بين الأغنياء وحكم بغير ما أنزل الله، وكانت أحداثه أكثر وأعظم من أن تحصى، وأعظمهماتحريق كتاب الله ؛وأفظعها صلاته بمنى أربعاً خلافاً على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .(٢)

____________________

١. المخاطَب به أبان بن أبي عياش الذي كان من موالي يني عبد القيس. راجع المقدمة.

٢. راجع عن تحريق عثمان المصاحف: الحديث ١١ من هذا الكتاب.

وروي في البحار: ج ٨ طبع قديم ص ٣١٢، والغدير: ج ٨ ص ١٠١ عن تاريخ الطبري وغيره: أنه حج عثمان بالناس في سنة ٢٩ فضرب بمنى فسطاطاً، فكان أول فسطاط ضربه عثمان بمنى وأتم الصلاة بها وبعرفة. فذكر الواقدي بالإسناد عن ابن عباس قال: إن أول ما تكلم الناس في عثمان ظاهراً أنه صلى بالناس بمنى في ولايته ركعتين حتى إذا كانت السادسة أتمها، فعاب على ذلك غير واحد من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وتكلم في ذلك من يريد أن يكثر عليه حتى جاءه عليعليه‌السلام فيمن جاءه فقال: والله ما حدث أمر ولا قدم عهد. أوَلا عهدت نبيك يصلي ركعتين ثم أبا بكر، ثم عمر، وأنت صدراً من ولايتك. فما أدري ما يرجع إليه؟ فقال: رأي رأيته!!

راجع عن مثالب عثمان: بحار الأنوار: ج ٨ (طبع قديم) ص ٣٢٣ - ٣٠١، والغدير: ج ٨ ص ٣٨٧ - ٩ و ج ٩ ص ٦٩ - ٣.

٤١٦

قلت: أصلحك الله، فترحمك عليه وتفضيلك إياه؟

قال: إنما أصنع ذلك ليسمع بذلك أوليائه الطغاة العتاة الجبابرة الظلمة،الحجاج وابن زياد قبله وأبوه . أما علمت أنهم من اتهموه في بغض عثمان وحب عليعليه‌السلام وأهل بيته نفوه ومثلوا به وقتلوه؟ وقد قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «ليس للمؤمن أن يذل نفسه». قلت: وما إذلاله لنفسه؟ قال: يتعرَّض من البلاء لما لا يقوى عليه ولا يقوم به.

وقد سمعت علياًعليه‌السلام يروي عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يوم قتل عثمان وهو يقول: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «إن التقية من دين الله، ولا دين لمن لا تقية له.والله لولا التقية ما عبد الله في الأرض في دولة إبليس ». فقال له رجل: وما دولة إبليس؟ قالعليه‌السلام : «إذا ولّى الناس إمام ضلالة فهي دولة إبليس على آدم، وإذا ولّيهم إمام هدى فهي دولة آدم على إبليس ».

ثم همس إلى عمار ومحمد بن أبي بكر همسة وأنا أسمع، فقال: «ما زلتم منذ قبض نبيكم في دولة إبليس بترككم إياي واتباعكم غيري».

كيف بايع الناس علياًعليه‌السلام بعد قتل عثمان

ثم هرب من الناس ثلاثة أيام، فطلبوه فأتوه في خُصَّ(١) لبني النجار فقالوا: إنا قد تشاورنا في هذا الأمر ثلاثة أيام فما وجدنا أحداً من الناس أحق بها منك، فننشدك الله في أمة محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله أن تضيع وأن يلي أمرها غيرك. فبايعوه وكان أول من بايعه طلحة والزبير، ثم جاءا إلى البصرة يزعمان أنهما بايعا مكرهين، وكذبا.

ثم أتاه رجل من مَهْرَة(٢) - ومحمد بن أبي بكر بجنبه - فقال له عليعليه‌السلام - وأنا أسمع -: يا أخا مهرة، أجئت لتبايع؟ قال: نعم. قال: تبايعني على أنرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قبض والأمر لي، فانتزى علينا ابن أبي قحافة ظلماً وعدواناً. ثم انتزى علينا بعده عمر ؟ قال: نعم. فبايعه على ذلك طائعاً غير مكره.

____________________

١. الخُصَّ: البيت من قصب أو شجر.

٢. «مَهرة»: بلاد مقفرة في جزيرة العرب تقع بين حضرموت وعمان.

٤١٧

قال: فقلت للحسن: أفبايع الناس كلهم على هذا؟ قال: لا، إنما بايع من أمن ووثق به على هذا.

يا أخا عبد القيس، ولئن جاز لنا أن نستغفر لعثمان وقد ركب ما ركب من الكبائر والأمور القبيحة، إنه ليجوز لنا أن نستغفر لهما وقد عوفيا من الدماء وعفا في ولايتهما وكفا وأحسنا السيرة، ولم يعملا بمثل عمل عثمان من الجور والتخليط، ولا بمثل ما عمله طلحة والزبير من نكثهما البيعة وما سفكا من الدماء إرادة الدنيا والملك،وقد سمعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ينهى عما ركبا وعما أتيا فتركا أمر الله وأمر رسوله بعد الحجة والبينة استخفافاً بأمر الله وأمر رسوله.

ولئن قلت يا أخا عبد القيس: «إن أبا بكر وعمر قد سمعا ما قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في عليعليه‌السلام »، فلقد سمع ذلك عثمان وطلحة والزبير ثم ركبوا ما ركبوا من الحرب وسفك الدماء وعوفيا من ذلك!

أبو بكر وعمر أول من أسس الضلالة في الأمة

ولئن قلت: «إنهما أول من فتح ذلك وسنَّه وأدخلا الفتنة والبلاء على الأمة بانتزائهما على ما قد علما يقيناً أنه لا حق لهما فيه وأن الله جعله لغيرهما، وأنهما سلَّما على عليعليه‌السلام بإمرة المؤمنين، ثم قالا للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله حين أمرهما بالتسليم عليه: أمن الله ومن رسوله؟ قال: نعم، من الله ومن رسوله»،إن في ذلك لمقالاً .(١)

لقد قال لي أبو ذر - حين حدثني بتسليمهما على عليعليه‌السلام بإمرة المؤمنين، هو والمقداد وسلمان -: سمعنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: «ما ولَّت أمة قط أمرها رجلاً وفيهم من هو أعلم منه إلا لم يزل أمرهم يذهب سفالاً حتى يرجعوا إلى ما تركوا ».

____________________

١. جواب لقوله «لئن قلت:...» أي لئن قلت هكذا فهذا كلام في محله.

٤١٨

اعتراف جميع الصحابة بخلافة عليعليه‌السلام بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله

يا أخا عبد القيس، إن أبا بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير وجميع أصحاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يكونوا يشكُّون ولا يختلفون ولا يتنازعون بينهم أن علي بن أبي طالبعليه‌السلام كان أولهم إسلاماً وأكثرهم علماً وأعظمهم عناء في الجهاد في سبيل الله ومبارزة الأقران ووقايته لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بنفسه.

وأنه لم ينزل برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله شديدة ولا كربة ولا مبارزة قرن وفتح حصن إلا قدَّمه فيها ثقة به ومعرفة بفضله وأنه أعلمهم بكتاب الله وسنة نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأنه أحبهم إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأنه وصي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وأنه قد كان له كل يوم وكل ليلة من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله خلوة ودخلة إليه، إذا سأله أعطاه وإذا سكت ابتدأه. وأنه لم يحتج إلى أحد بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في علم ولا فقه، وأن جميعهم كانوا يحتاجون إليه وهو لا يحتاج إلى أحد.

وأن له من السوابق والمناقب وما أنزل فيه من القرآن ما ليس لأحد منهم، وأنه كان أجودهم كفاً وأسخاهم نفساً وأشجعهم لقاء. وما خصلة من خصال الخير له فيها نظير ولا شبيه ولا كفو، في زهده في الدنيا ولا في اجتهاده.

فمما خصه الله به أن أخذ على الناسبالفصل الأول (١) مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ،فلم يسبقه أحد منهم إلى خير ،ولم يؤمِّر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أحداً قط عليه ولم يتقدم أمامه أحد في صلاة قط .

____________________

١. إن الحسن البصري قسَّم حياة أمير المؤمنينعليه‌السلام على فصلين: الفصل الأول جهاده في حياة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والفصل الآخر صبره وجهاده بعد وفاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

٤١٩

الجواب عن قضية صلاة أبي بكر عند وفاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله

قال أبان: قلت: يا أبا سعيد، أليس أمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أبا بكر أن يصلي بالناس؟

فقال: أين يذهب بك يا أبان؟ إن علياًعليه‌السلام لم يكن مع الناس الذين أمر أبا بكر أن يصلي بهم، وإنما كان مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يمرضه ويوصي إليه ويصلي بصلاته. ثم لم يتم ذلك لأبي بكر، فخرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فأخَّر أبا بكر وصلى بالناس.(١)

____________________

١. في «ب» هكذا: والله لقد خرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فأخَّر أبا بكر عن المحراب فصلى بالناس.

روي في البحار: ج ٢٨ ص ١١٠ طبع قديم ص ٢٥ عن حذيفة بن اليمان أنه قال عند ذكر وقائع الأيام الأخيرة من عمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : كان بلال مؤذن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يؤذن بالصلاة في كل وقت صلاة، فإن قدر على الخروج تحامل وخرج وصلى بالناس وإن هو لم يقدر على الخروج أمر علي بن أبي طالبعليه‌السلام فصلى بالناس وكان علي بن أبي طالبعليه‌السلام والفضل بن العباس لا يزايلانه في مرضه ذلك.

فلما أصبح رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من ليلته تلك - التي قدم فيها القوم الذين كانوا تحت يد أسامة - أذَّن بلال ثم أتاه يخبره كعادته، فوجده قد ثقل، فمنع من الدخول إليه. فأمرت عائشة صهيباً أن يمضي إلى أبيها فيعلمه: «أنَّ رسول الله قد ثقل في مرضه وليس يطيق النهوض إلى المسجد وعلي بن أبي طالب قد شغل به وبمشاهدته عن الصلاة بالناس. فاخرج أنت إلى المسجد فصلِّ بالناس فإنها حال تهنئك وحجة لك بعد اليوم»!

قال: فلم تشعر الناس - وهم في المسجد ينتظرون رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أو علياًعليه‌السلام يصلي بهم كعادته التي عرفوها في مرضه - إذ دخل أبو بكر المسجد وقال: «إن رسول الله قد ثقل وقد أمرني أن أصلي بالناس»!! فقال له رجل من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : وأنى لك ذلك وأنت في جيش أسامة، ولا والله لا أعلم أحداً بعث إليك ولا أمرك بالصلاة.

ثم نادى الناس بلال، فقال: على رِسْلكم رحمكم الله لأستأذن رسول الله في ذلك. ثم أسرع حتى أتى الباب فدقَّه دقاً شديداً، فسمعه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال: ما هذا الدق العنيف؟ فانظروا ما هو؟ قال: فخرج الفضل بن العباس ففتح الباب فإذاً بلال. فقال: ما وراءك يا بلال؟ فقال: إن أبا بكر قد دخل المسجد وقد تقدم حتى وقف في مقام رسول الله وزعم أن رسول الله أمره بذلك. فقال: أوَليس أبو بكر مع جيش أسامة؟ هذا هو والله الشر العظيم، طرق البارحة المدينة لقد أخبرنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بذلك.

ودخل الفضل وأدخل بلالاً معه، فقال: ما وراءك يا بلال؟ فأخبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الخبر. فقال: «أقيموني، أقيموني، أخرجوا بي إلى المسجد. والذي نفسي بيده قد نزلت بالإسلام نازلة وفتنة عظيمة من الفتن». ثم خرج معصوب الرأس يتهادى بين عليعليه‌السلام والفضل بن العباس ورجلاه يجران في الأرض حتى دخل المسجد

٤٢٠

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439