شفاء الصّدور في شرح زيارة العاشور الجزء ١

شفاء الصّدور في شرح زيارة العاشور0%

شفاء الصّدور في شرح زيارة العاشور مؤلف:
المحقق: محمد شعاع فاخر
الناشر: انتشارات المكتبة الحيدرية
تصنيف: متون الأدعية والزيارات
ISBN: 964-503-000-5
الصفحات: 439

شفاء الصّدور في شرح زيارة العاشور

مؤلف: ميرزا أبي الفضل الطهراني
المحقق: محمد شعاع فاخر
الناشر: انتشارات المكتبة الحيدرية
تصنيف:

ISBN: 964-503-000-5
الصفحات: 439
المشاهدات: 31346
تحميل: 3872

توضيحات:

الجزء 1
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 439 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 31346 / تحميل: 3872
الحجم الحجم الحجم
شفاء الصّدور في شرح زيارة العاشور

شفاء الصّدور في شرح زيارة العاشور الجزء 1

مؤلف:
الناشر: انتشارات المكتبة الحيدرية
ISBN: 964-503-000-5
العربية

يَا أَبَا عَبْدِ الله لَقَدْ عَظُمَ مُصابِي بِكَ

الشرح : اللام جواب لقسم مقدّر والتأكيد بالقسم و « قد » التي هي حرف تحقيق للإشارة إلى عظم المصيبة ويجوز في لفظ مصاب احتمالان :

الأوّل : اعتبار مصاب اسم مفعول مع حذف صلته وهي الباء حيث حذف حرف الجرّ وناب عنه الضمير المجرور فكان هو العامل ويسمّى هذا النوع من الحذف في علم البيان الحذف والإيصال ، مثل لفظ « مشكوك ومولود » فإنّ معناه فيه ومولود فيه ، وبناءاً على هذا يكون معنى المصاب والمصيبة واحداً فيقال : اُصيب زيد بمرض كذا وزيد مصاب ، والمرض مصاب به

وباعتبار آخر يلحظ المرضى على أنّه فاعل وزيد مفعول به ، لأنّ المرض وقع عليه ، وحينئذٍ لا غرو أن يدعى المرض مصيبة ، وأنّث بالتأويل(١) والفرق بين أصاب الله زيداً بكذا وأصاب زيداً كذا لا يدخل في لبّ المعنى ولا روح المطلب الذي نحرّره فلا نعرض له ، وإنّما الاختلاف يحدث بناءاً على وجوه الاعتبارات المقصودة للمتكلّم ، وبناءاً على هذا تكون الباء في « بك » للسببيّة ، وأطلق عليها المتأدّبون من الاُدباء هذا الاسم وسمّاها القدماء باء الاستعانة ، ولمّا كانت هذه الباء تدخل على الأفعال الربّانيّة كقولنا « خلق بكذا » و « أنشأ بكذا » لزم من ذلك نسبة الاستعانة إلى الواحد المتعالي سبحانه ، وهو خارج عن حدود التأدّب وقانون التعبّد

الاحتمال الثاني : أن يكون « المصاب » مصدراً ميميّاً من الإصابة ؛ لأنّ القاعدة في العربيّة أن يصاغ المصدر الميمي واسم الزمان واسم المكان من الأفعال

_________________

(١) هو تأنيث مجازي ، وتاء التأنيث لا تختصّ بالمؤنّث فقط بل تدخل على الأسماء المذكّرة مثل طلحة وشيبة وعتبة وغير ذلك ( المترجم )

٤٠١

المزيد ، على صيغة اسم المفعول ، وهي مسألة قياسيّة ، وتكون هيئة اسم المفعول للمعاني الأربعة في هذا الباب المشترك ، وهذه المسألة وإن كانت من الواضحات التي لا تحتاج إلى الشرح والإبانة إلّا أنّ ابن أبي الحديد اختلط عليه الأمر فجاء بكلام عجيب نأتي به من باب الاستطراف والاستطراد ، قال في شرح هذه الكلمة : « الآن إذ رجع الحقّ إلى أهله وانتقل إلى منتقله »(١) : ومنتقل مصدر بمعنى الانتقال ، نظير قولك : « ما معتقدك » أي اعتقادك

وهنا غفل الشارح غفلة شديدة لأنّ منتقل نفسه اسم مكان ولا حاجة به إلى المضاف بل إذا ذكر لفظ الموضع واُضيف إليه فسد الكلام وصار غاية في الضعف والركاكة بخلاف موضع انتقاله وكذلك مالوا بدل لفظ منتقل بلفظ انتقال ، فإنّ العبارة تنحطّ عن رتبة الفصاحة وتنزل عن الدرجة المتعارفة ، وهذه الجملة لمجرّد الإشعار وإلّا فإنّ المدّعى كالشمس في رائعة النهار ، وما استشهد به من الشعر مع عدم الحاجة إليه فإنّه خطأ ؛ لأنّ المعتقد يراد بظاهره وهو المفعول ، يقال : اعتقده واعتقد به

وعلى كلّ حال ، فالسؤال عن متعلّق الاعتقاد من قبيل العدل والتوحيد والتشيّع ، وهذه هي تعلّقات الاعتقاد المسئول عنها وغيرها ، لا عن الاعتقاد الذي هو من مقولة الكيفيّات الحاصلة في النفس ، وما يقولونه من قولهم : ما اعتقادك مجاز فيه والمراد ما معتقدك بعكس ما تخيّله الشارح وهذا الخطأ من مثله الذي قضى عمره في تطلّب علوم العربيّة وقواعد لغتها ونحوها وصرفها ، وكان يدّعي بلوغ الغاية القصوى ولم يتنازل عن عرشها قيد أنملة خطأ لا يحتمل وهو غاية في

_________________

(١) شرح ابن أبي الحديد ١ : ١٣٩ ( المترجم ) خطبه ٢ ابن أبي الحديد ١ : ١٤٠ ط بيروت ( هامش الأصل )

٤٠٢

الغرابة ، والله العاصم(١)

وجملة القول : إنّ لفظ « مصاب » يأتي بمعنى الإصابة كما جاء في البيت التالي :

أظليم إنّ مصابكم رجلاً

أهدى السلام تحيّة ظلم

بنصب « رجلاً » روي أنّ أنّ إحدى القيان غنّت في مجلس الواثق بهذا البيت ونصبت رجلاً ، فجرى خلاف بين العلماء الحضور في النصب والرفع ، وكانت الجارية تصرّ على النصب وتزعم أنّ أبا عثمان المازنيرحمه‌الله نصب وسمعت ذلك منه ، فأمر الواثق بإحضاره من البصرة

ومن غرائب الاتفاق أنّ رجلاً من أهل الذمّة تقدّم إليه في ذلك الوقت بحضور درسه في كتاب سيبويه فأبى عليه المازني ذلك وأغراه بدفع مأة دينار لقاء ذلك فامتنع أشدّ الامتناع وقال له المبرّد : مالك رددته مع الحاجة وشدّة الفاقة ؟ فقال له : إنّ في كتاب سيبويه ثلاثمائة آية من كتاب الله تعالى ولم أستسغ تسليط هذا العلج عليه

وخلاصة القول أنّ المازني قدم على الواثق وسأله عن إعراب البيت ، فقال : النصب متعيّن ، فأخذ أحد الجالسين يحاوره ، فقال له المنزلة : هذه العبارة بمنزلة قولك : « ضربك زيداً ظلم » وأفلج الحاضرين بحجّته فأمر له الواثق بألف دينار وظهرت بهذه الواقعة كرامة للقرآن

وعند التأمّل يدرك الإنسان رغبة القوم في العلم والأدب حيث تحمّلوا المشاق من أجل إعراب جملة واحدة وكان ثمنها ألف دينار ذهباً ، ولكن في زماننا هذا

_________________

(١) يقول الشارح : وانتقل إلى منتقله ففيه مضاف محذوف تقديره إلى موضع منتقله ، والمنتقل بفتح القاف مصدر بمعنى الانتقال كقولك : لي في هذا الأمر مضطرب أي اضطراب قال :

قد كان لي مضطرب واسع

في الأرض ذات الطول والعرض

وتقول : ما معتقدك ، أي اعتقادكغ الخ [ شرح ابن أبي الحديد ١ : ١٣٩ ]

٤٠٣

أعرض الناس عن العلم فلا يشترون ألف مسألة معضلة من علوم متفرّقة بدينارٍ واحدٍ ، والله المستعان

لي أهل عصر كأنّ الله صوّرهم

من طينة الجهل فيها ماء إنكار

فالمستجير بهم إذ جلّ حادثه

كالمستجير من الرمضاء بالنار(١)

واحتمل الخفاجي أن يكون ابن السكّيت هو الذي عارض المازني وهو احتمال بعيد جدّاً لأنّ المازني وابن السكّيت كلاهما من عدول أصحابنا ومع غلبة التقيّة في ذلك الزمان وقلّة الشيعة لا يكون الخلاف بينهما متوجّهاً في مجلس الخليفة

وارتكب الحريري في حكاية هذه القصّة عدّة أخطاء :

الأوّل : ذكر ظلوماً والصحيح أنّها ظليم ، كما رويناه ، لأنّ هذا الغزل تشبيب بظليمة المكنّاة باُمّ عمران زوجة عبد الله بن مطيع ، وذكر اسمها الشاعر مرخّماً ، وثقات أهل العرب يوافقونا على ما قلناه

الثاني : نسبته الشعر إلى العرجي وهو عبد الله بن عمرو الأموي بينما نسبه ابوالفرج وهو قدوة جميع العلماء في هذه الفنون إلى الحارث بن خالد المخزومي

الثالث : إنّه اعتبر المعارض للمازني اليزيدي النحوي ، واليزيدي كان في زمن هارون وتوفّي سنة اثنتين وستّين بعد المأة ومات الواثق سنة سبعة عشر بعد المأتين ، إلّا أن يريد باليزيدي بعض أولاده ويعرف باليزيدي أيضاً ، وهذا خلاف الظاهر

وحاصل المطلب ـ وإن بعدنا عن القصد ـ أنّ مصاباً الوارد في فقرة الزيارة إن اعتبرناه مصدراً فينبغي أن يكون مأخوذاً من المبني للمفعول فتكون العبارة هكذا : « لقد عظم مصيبتي فيك »(٢) والأظهر في الباء على هذا الوجه أن تكون صلة للفعل وليست سببيّة

_________________

(١) ديوان المؤلّف : ١٦٩

(٢) وردت في المتن « مصايبتي وأصلحها المحقّق « مصيبتي » ( المترجم )

٤٠٤

فَأَسْأَلُ اللهَ الَّذِي أَكْرَمَ مَقامَكَ وَأَكْرَمَنِي بِكَ

الشرح : يأتي السؤال في لغة العرب على نحوين : فتارة يتعدّى بنفسه إلى مفعولين واُخرى يتعدّى إلى المفعول الثاني بالمجاوزة أي بحرف « عن » ويكون معناه في الصورة الاُولى الطلب ، يقولون : سألته الدرهم ، وعلى الفرض الثاني يكون السؤال استعلاماً عن الحال أو المكان أو الكيفيّة كما يقولون : سألته عن الدرهم ، عن حاله أو كيفيّته أو جنسه ، وما جاء في القاموس وغيره من أن سألته الشيء وعن الشيء معناهما واحد خطأ محض في ظاهره لأنّ الناظر في مجاري استعمالات العرب يقطع باختلاف هذين الاستعمالين في كلام العرب مِنْ ثَمّ جاء في سورة الأنفال وهي قرائة أهل البيت وغيرهم : « يسألونك الأنفال » وقرأ غيرهم : « يسألونك عن الأنفال »(١)

قال ابن جنّيرحمه‌الله : القرائة المعروفة هي الأولى لأنّ سؤالهم عن حال الأنفال التي يطلبونها ويريدون حيازتها

وفي تاج المصادر : إنّ السؤال والمسألة بمعنى الطلب ، وإرادة الجواب على أمرٍ مّا أجلّ لنا أن نقول كلاهما شريكان في الطلب ، والفرق بين الأمرين أنّ أحدهما طلب ذات الشيء والآخر طلب العلم لشيء

وهذا التوجيه ـ إن صحّ في عبارة بعض اللغويّين الذين فسّروا السؤال بالطلب المطلب ـ فإنّه غير متمشٍّ في كلام الفيروزآبادي ، ولا يبعد أن يكون مخدوعاً بعبارة الجوهري حيث قال : وسألته الشيء وسألته عن الشيء ولم يذكر المعنى فتوهّم أنّ معناهما واحد ، وكانت عادة الجوهري عدم النصّ على المعنى الواضح

_________________

(١) الأنفال : ١

٤٠٥

غالباً ، ويكتفي بذكر مورد الاستعمال والأكثر أنّه ينقل عبارة خاله إبراهيم الفارابي في ديوان الأدب وهذه الالتفاتة الدقيقة لم يدركها الفيروزآبادي ، ومِن ثَمّ توهّم اتحاد المعنى في العبارتين

وجملة القول إنّ وضوح المسألة يغني عن كثرة التعرّض لها

الإكرام : الإعظام والتنزيه بحسب الواقع أو السلوك ، ويستعمل التكريم في الاعتبارين

واستوفينا معنى « المقام » في الفقرات السالفة

ويحضرني في شرح هذه الفقرة الشريفة مطلبان :

المطلب الأوّل : في إكرام سيّد الشهداءعليه‌السلام وهو عبارة عن ألطاف إلهيّة جرت في حقّه وهي على ثلاثة أقسام : جنسيّة ونوعيّة وشخصيّة

القسم الأوّل : من هذه الكرامات ، المقامات المعطاة للأنبياء والأولياء لقربهم من الواحد الأحد من حيث تمكّنهم من التصرّف في هيولات الأشياء من تغيير صورهم وإنشائهم خلقاً آخر بإذن الله تعالى ـ كسائر المعاجز التي جرت على أيديهم ـ المترجم ـ ومثل ذلك يقال في الكمالات النفسانيّة واللذائذ الروحانيّة التي جعلت من نصيبهم ، وللحسينعليه‌السلام منها الحظّ الأوفى والسهم الأوفر ، وقد ذكرتها كتب العلماء تفصيلاً وهي موجودة هناك

القسم الثاني : الخصائص التي منحها الله للأئمّة الإثني عشرعليهم‌السلام من السلطان على سائر البشر والحكومة على عامّة الموجودات والإمامة على ما سوى الله تعالى ببركة انتسابهم إلى خاتم الأنبياءصلى‌الله‌عليه‌وآله ومن هذا اللحاظ تكون خصائصهم وشرفهم الثابتة عندنا سبباً لتفضيلهم على الأنبياء وأوصياء السلف

وجملة القول أنّ هذه الفضائل عمد علماء الإماميّة بالقدر الممكن إلى جمعها بجدّ وجهد كامل مستقاة من مشكاة ولاية أهل البيتعليهم‌السلام واستمدّوا من عون الله

٤٠٦

وهمم أولئك السادة المطهّرين فحرّروها في الكتب والطروس والمطوّلات ، وكان الحسينعليه‌السلام بعد أبيه وأخيه بإجماع الإماميّة بل الاُمّة أفضل من جميع الأئمّة

القسم الثالث : ما امتاز به الحسينعليه‌السلام من جلالة القدر ورفعة الشأن وعلوّ المنزلة عن سائر الأئمّة

وهذه اُمور عدّة عوّضه الله بها عمّا لاقاه من القتل ، وأعطاه في قبال الشهادة التي نالها ، وقد ذكر العلماء أربعة منها بعد التتبّع في الأخبار المأثورة عن معدن الوحي والتنزيل

الأوّل : اُبوّة الأئمّة التسعة حيث أعطاه الله هذا الشرف الرفيع والجاه العريض ، وحباه بهذه الفضيلة وخصّه بها كما اُشير إلى ذلك في الأخبار الكثيرة ، ونوّهت هذه الأخبار بالشرف الخاصّ والمزيّة المخصوصة بجنابهعليه‌السلام

وروى الشيخ الأجلّ الأقدم عروة الإسلام رئيس المحدّثينرضي‌الله‌عنه في كتابه المبارك « علل الشرايع » بسنده عن الإمام الصادقعليه‌السلام : (عن عبد الرحمان بن كثير الهاشمي قال : قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام : جعلت فداك ، من أين جاء لولد الحسينعليه‌السلام الفضل على ولد الحسن وهما يجريان في شرع واحد ؟ فقال لا أراكم تأخذون به )(١) إنّ جبرئيل نزل على محمّد وما ولد الحسين بعد ، فقال له : يولد لك غلام تقتله اُمّتك من بعدك

فقال : يا جبرئيل ، لا حاجة لي فيه ، فخاطبه ثلاثاً ثمّ دعا عليّاً فقال له : إنّ جبرئيلعليه‌السلام يخبرني عن الله عزّ وجلّ أنّه يولد لك غلام تقتله اُمّتك من بعدك

فقال : لا حاجة لي فيه يا رسول الله ، فخاطب عليّاً ثلاثاً ثمّ قال : إنّه يكون فيه وفي ولده الإمامة والوراثة والخزانة

_________________

(١) ترك المؤلّف العبارات التي جعلناها بين قوسين فلم يذكرها ( المترجم )

٤٠٧

فأرسل إلى فاطمة أنّ الله يبشّرك بغلام تقتله اُمّتي من بعدي ، فقالت فاطمة : ليس لي حاجة فيه يا أبة ، فخاطبها ثلاثاً ثمّ أرسل إليها : لا بدّ أن يكون فيه الإمامة والوراثة والخزانة ، فقالت له : رضيت عن الله عزّ وجلّ ، فعلقت وحملت بالحسين فحملت ستّة أشهر ثمّ وضعته(١)

وفي تفسير الشيخ الأقدم الأعظم عليّ بن إبراهيم بن هاشم رضي الله عنهما أيضاً في تفسير الآية الكريمة :( وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا ) (٢) جاء أنّ الإحسان رسول الله ، وقوله : « بوالديه » إنّما عنى الحسن والحسين ، ثمّ عطف على الحسين فقال :( حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا ) وذلك أنّ الله أخبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وبشّره بالحسينعليه‌السلام قبل حمله ، وأنّ الإمامة تكون في ولده إلى يوم القيامة ، ثمّ أخبره بما يصيبه من القتل والمصيبة في نفسه وولده ، ثمّ عوّضه بأن جعل الإمامة في عقبه وأعلمه أنّه يُقتل ثمّ يُردّ إلى الدنيا وينصره حتّى يقتل أعدائه(٣) والخبر طويل ونقلنا منه محلّ الحاجة

والظاهر أنّ تحريفاً جرى في الكتاب فوضع « الإحسان » مكان « الإنسان » وفي قرائة أهل البيت « الولدين » بدل « الوالدين » لأنّه بغير هذا التأويل لا تلتئم العبارة ، كما أشار إلى ذلك العلّامة المجلسي قدّس الله سرّه(٤)

وفي الكافي أيضاً روى قريباً من هذه الأخبار(٥) عن أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام

_________________

(١) علل الشرايع ١ : ٢٠٥ ( المترجم ) و ١ : ١٩٦ ، وبحار الأنوار ٤٣ : ٢٤٥ ( هامش الأصل )

(٢) الأحقاف : ١٥

(٣) تفسير القمّي ٢ : ٢٩٦ ( المترجم ) وبحار الأنوار ٤٣ : ٢٤٦ ط طهران ( هامش الأصل )

(٤) بحار الأنوار ٤٣ : ٢٤٧ ط طهران ، كامل الزيارة مثله بحار الأنوار ٤٤ : ٢٣٣ ( هامش الأصل )

(٥) الكافي ١ : ٤٦٤ باب ١١٦ ، وكامل الزيارة : ٥٧ ، بحار الأنوار ٤٤ : ٢٣٢ ( هامش الأصل ) وطابقنا بالكافي وأخذنا الرواية منه ، ١ : ٤٦٤ ( المترجم )

٤٠٨

قال : إنّ جبرئيلعليه‌السلام نزل على محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال له : يا محمّد ، إنّ الله يبشّرك بمولود يولد من فاطمة تقتله اُمّتك من بعدك ، فقال : يا جبرئيل ، وعلى ربّي السلام ، لا حاجة لي في مولود يولد من فاطمة تقتله اُمّتي من بعدي

فعرج ثمّ هبطعليه‌السلام فقال له مثل ذلك ، فقال : يا جبرئيل ، وعلى ربّي السلام ، لا حاجة لي في مولود تقتله اُمّتي من بعدي فعرج جبرئيلعليه‌السلام

وفي الكافي أيضاً بطريق آخر نقل هذه البشارة تعقيباً على قضيّة فطرس(١)

ولا يخفى أنّ هذا الاختصاص للحسينعليه‌السلام دون الحسنعليه‌السلام وإن كان هذان السيّدان أنجب خلق الله وأشرف الناس نفساً ونسباً ، فلا جدّ أعظم من جدّهما ، كما ثبت ذلك بالضرورة ، ويمكن أن نقول على ضوء هذه الملاحظة أنّ سيّد الشهداء من حيث المجد وهو شرف مكتسب من الغير خير من جميع البرايا ، لأنّهما شريكان من جهة الآباء والسماء خير ما بها قمراها ، إلّا أنّ شرف الأبناء تفرّد به الإمام الحسينعليه‌السلام فلا يدانيه أحد من العالمين من هذه الناحية

منزّه عن شريك في محاسنه

فجوهر الحسن فيه غير منقسم

الخصيصة الثانية : الشفاء بتربته المقدّسة ، وما أحسن ما قاله شاعر معاصر :

بر جلاى بَصَر از كحل جواهر چه اثر

وإن كنت تكحل بالجوهر

وهل يذهب العمش الاكتحال

وإن كنت تكحل بالجوهر

بلى بغبارٍ بباب الحبيب

عيونك إن كحلت تبصر

_________________

(١) فهبط جبرئيل على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فهنّأه كما أمره الله عزّ وجلّ ، فقال له النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : تقتله اُمّتي ؟ فقال له : نعم يا محمّد ، فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : ما هؤلاء باُمّتي ، أنا بريء منهم ، والله عزّ وجلّ بريء منهم ، قال جبرئيل : وأنا بريء منهم الحديث [ الشيخ الصدوق ، كمال الدين وتمام النعمة : ٢٨٣ ] ( المترجم ) كمال الدين ١ : ٣٩٨ ، بحار الأنوار ٤٣ : ٢٤٨ ، وهذا الحديث أخذه المؤلّف من بحار الأنوار وسمّى الكافي خطأً بدلاً من كمال الدين للصدوق ( هامش الأصل )

٤٠٩

روى ثقة الإسلامقدس‌سره بسند صحيح في الكافي عن أبي يحيى الواسطي عن رجل قال : قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : الطين حرام كلّه كلحم الخنزير ، ومن أكله ثمّ مات فيه لم اُصلّ عليه ، إلّا طين القبر فإنّ فيه شفاءاً من كلّ داء ، ومن أكله لشهوة لم يكن له فيه شفاء(١)

وروى ابن قولويه في كامل الزيارة والصدوق في العلل ذات الحديث(٢)

وروى ثقة الإسلام أيضاً عن سعد بن سعد قال : سألت أباالحسنعليه‌السلام عن الطين ، فقال : أكل الطين حرام مثل الميتة والدم ولحم الخنزير إلّا طين قبر الحسينعليه‌السلام فإنّ فيه شفاءاً من كلّ داء ، وأمناً من كلّ خوف(٣)

ورواه الشيخ في التهذيب(٤)

ورواه ابن الشيخ المفيد الثاني في الأمالي ، والراوندي في الخرايج بسنده عن الشيخ بطريق الأمالي وفيه اختلاف في الجملة مع طريق الكافي(٥)

وفي كامل الزيارة أيضاً عن سماعة بن مهران عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : كلّ طين حرام على بني آدم ما خلا طين قبر الحسينعليه‌السلام من أكله من وجع شفاه الله تعالى(٦)

وفي عيون أخبار الرضاعليه‌السلام حدّث عن المسيّب بن زهير أنّ الإمام موسى بن جعفر بعد أن سُمّ قال : لا تأخذوا من تربتي شيئاً لتتبرّكوا به فإنّ كلّ تربة لنا محرّمة

_________________

(١) الكافي ٦ : ٢٦٥ ( المترجم ) الكافي ٦ : ٢٦٥ باب ١٨ حديث ١ ( هامش الأصل )

(٢) كامل الزيارة : ٢٨٥ باب ٩٥ ، علل الشرايع : ٥٣٢ ط النجف ، بحار الأنوار ١٠١ : ١٢٩ ( هامش الأصل )

(٣) الكافي ٦ : ٢٦٦ باب ١٨ و ٣٧٨ كتاب ٢٤ باب ١٤٣ ذيل حديث ٢

(٤) تهذيب الأحكام ٩ : ٨٩ باب ٢ حديث ١١٢

(٥) الأمالي ١ : ٣٢٦ ، بحار الأنوار ١٠١ : ١٢٠ رقم ٧

(٦) كامل الزيارة : ٢٨٦ باب ٩٦ ( هامش الأصل ) وص ٤٧٩ ( المترجم )

٤١٠

إلّا تربة جدّي الحسين بن عليّعليهما‌السلام فإنّه تعالى جعلها شفاءاً لشيعتنا وأوليائنا(١) (٢)

وفي كامل الزيارة أيضاً مسنداً عن أحدهماعليهما‌السلام ـ وفي اصطلاح المحدّثين أنّ الترديد بين الإمامين المروي عنهما يستعمل بين الإمامين الباقر والصادقعليهما‌السلام ـ أنّ الله تبارك وتعالى خلق آدم من الطين فحرّم الطين على ولده

قال : فقلت : فما تقول في طين قبر الحسينعليه‌السلام ؟

( قال : يحرم على الناس أكل لحومهم ويحلّ لهم أكل لحومنا ، ولكن الشيء

_________________

(١) عيون أخبار الرضاعليه‌السلام ٢ : ٩٦ ( المترجم ) ١ : ١٠٤ حديث ٦ وبحار الأنوار ١٠١ : ١١٨ ( هامش الأصل )

(٢)

شبى در يك عبادتگاه مُهرى

ز يارى باصفا آمد بدستم

چو گل بوئيدم وبوسيدم او را

هنوز از عطر روح افزاش مستم

بگفتم از كدامين خاك پاكى

كه دل اى مُهر بر مهر تو بستم

بگفت از تربت پاك حسينم

كه در دامان احسانش نشستم

كمال همنشين در من اثر كرد

وگرنه من همان خاكم كه هستم

( المحقّق )

والأبيات المنظومة بالفارسيّة تكرّر معناها كثيراً ولكن رأيت أن أنقل صورة منها بالعربيّة تقرب من معناها وإن لم تستوعبه :

تناولت من كفّ الحبيب بمسجدِ

تراباً عليه الخلق لله تسجدِ وقبّلته

لمّا شممت عبيره

عبيراً يغار الورد منه ويحسد

فأسكر روحي العطر حتّى سمّىٰ بها

إلى دارة الأفلاك يعلو وتصعد

فقلت له من أيّ ترب مطهّر

إلى عطره الأكباد تهفو وتعقد فقال

أنا من تربة الطفّ بضعة

وإنّي لعين الدهر كحل وأثمد

تراب حسين طهّر الله قدسه

تراب به باهى النبيّ محمّد حضنت

حسيناً فامتزجت بطيبه

فأيّ وجود من وجودي أسعد

ولولا كمال نلته بجواره

فما أنا إلّا رملة تتبدّد

( المترجم )

٤١١

اليسير منه مثل الحمّصة )

واشتملت الرواية على جواز حاصله تجويز أكل القليل قدر الحمّصة(١) ، وصريع الأخبار دالّ على اختصاص الحكم بالحسينعليه‌السلام كما أنّ ظاهر الفتاوى الاقتصار على طين تربته وإن دلّت بعض الأخبار على سريان الحكم بقبور النبي وسائر الأئمّةعليهم‌السلام كالخبر الذي رواه في كامل الزيارة مسنداً عن أبي حمزة الثماليرضي‌الله‌عنه إنّه سأل الإمام الصادقعليه‌السلام ، قال : قلت : جعلت فداك ، إنّي رأيت أصحابنا يأخذون من طين الحائر يستشفون به ، هل في ذلك شيء ممّا يقولون من الشفاء ؟ قال : يستشفى بما بينه وبين القبر على رأس أربعة أميال وكذلك قبر جدّي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وكذلك طين قبر الحسن وعليّ ومحمّد ، إلى آخر الحديث(٢)

والظاهر أنّ قبر أمير المؤمنينعليه‌السلام سقط من الرواية ؛ لأنّ البحار والوسائل نقلا من كامل الزيارة بهذا السياق والمراد بعليّ زين العابدينعليه‌السلام ومن محمّد الباقرعليه‌السلام ولم يذكر قبره إمّا لكونه ما يزال على قيد الحياة أو لاُمور اُخرى

إذاً ، ظاهر الخبر عموم الحكم الشامل لجميع الأئمّة ؛ لأنّ الحكم إذا سرى إلى الإمام الباقر فإنّ القطع بسريانه ممكن حينئذٍ ولا فرق بينهمعليهم‌السلام

وفي كشكول الشيخ البهائي نضّر الله وجهه ، أنّ هذا الحديث نقله جدّه الشيخ محمّد الجبعي من خطّ السيّد الجليل ذي المناقب والمفاخر السيّد رضي الدين عليّ بن طاووسقدس‌سره ، وأنّ السيّد المعظّم نقل الحديث من الجزء الثاني من كتاب زيارات محمّد بن أحمد بن داود القمّيرضي‌الله‌عنه عن أبي حمزة وسياق الكشكول متفق مع هذا السياق

_________________

(١) مابين القوسين عبارة الرواية وأعرض عنها المؤلّف فذكرنا بعدها عبارته : ص ٤٧٩

(٢) كامل الزيارة : ٤٦٧ ( المترجم ) وص ٢٨٠ و ٩٣ وبحار الأنوار ١٠١ : ١٢٦ ( هامش الأصل )

٤١٢

وفي كامل الزيارة أيضاً ورجال الكشّي مذيّلاً على حديث مفصّل أنّ الإمام الصادقعليه‌السلام أعطى محمّداً بن مسلم شراباً لغرض علاجه ، وقال : في هذا الشراب تراب قبور آبائيعليهم‌السلام

وهذان الخبران كلاهما غاية في الضعف ؛ لأنّ عدداً من رواته مجهول لا يعرف أو مجروح ، ولو لم يكن فيه إلّا عبد الله الأصمّ الذي قال في حقّه النجاشي : عبد الله ابن عبد الرحمان المسمعي البصري ضعيف غالٍ ليس بشيء ، له كتاب ( المزار ) سمعت ممّن رآه فقال : هو تخليط وقال العلّامة في حقّه : ضعيف غالٍ ليس بشيء ، له كتاب في الزيارات يدلّ على خبث عظيم ، ومذهب متهافت ، وكان من كذابة أهل البصرة ، لكفى ، وكلا الروايتين مشترك بين الراويين ومن هنا يعلم أنّهما لا يحتجّ بهما

وإن اعتبر صاحب الجواهر وهنهما من عدم عمل العلماء بهما مع أنّ الأمر بعكس ذلك ، ولا يخلو بحكم المجلسي باعتبار سندهما من إشكال ، ونقلت الإجماعات المتواترة بل الإجماع المحصّل الاستشفاء بطين قبر سيّد الشهداء لكان مورداً لوقوع حكم العمومات من حرمة أكل الطين عليه ، ونحن على سبيل التنازل نجيب عن هذين الخبرين فنقول :

أمّا رواية محمّد بن مسلم فلا دلالة فيها على المدّعى ، لأنّه يحتمل أن يكون المراد من قول الإمام : « قبر آبائي » قبر سيّد الشهداءعليه‌السلام ، والذي كثر اُنسه بأساليب استعمالات اللغة العربيّة لا يدفع هذا الاستعمال ، مع تصريح هذه الرواية بمزجه بالماء وحينئذٍ لا مانع منه ، فتبيّن من هذا أنّ الاستشهاد به على تعميم المدّعى لا وجه له وإن ذكر ذلك في الوسائل والجواهر

وأمّا رواية أبي حمزة الثمالي فلم تتعرّض لخصوص الأكل ليس فيه إلّا ذكر الشفاء ، ولا جرم من جواز ذلك بحمله واستصحابه فيكون موجباً للشفاء والبركة

٤١٣

بل لا يبعد مزجه بالماء وشربه بحيث لا يصدق عليه أكل الطين إذا لا تزول آثاره الواقعيّة بزوال صدق الإسم العرفي عليه ، وهذا حمل قريب للغاية ووجيه جدّاً ، مِن ثمّ مال إليه المحقّق المجلسي واختاره ، ومثله فعل المحقّق النراقي

وقال في الجواهر : يمكن حمل هذا الخبر بناءاً على جواز أكل التراب مطلقاً على حلّ أكل تراب القبور المقدّسة لأجل الاستشفاء وليس الطين ، ولا يخلو هذا الكلام من وجود الخلل ، هذا وإن كان جواز أكل التراب والحجر لاختصاص الأدلّة ومعاقد الإجماع وظواهر الفتاوى به وأنّ المقصود به الطين وهو عبارة عن التراب الممزوج بالماء سواء كان رطباً أو جافّاً بدليل صحّة التقسيم

ولو قلنا بموافقة الحكم للاستعمال لكان لا يخلو من قوّة ، ومن هذه الجهة كانت فتوى الشيخقدس‌سره في الجواهر موافقاً للمحقّق الأردبيلي والفاضل النراقي بجواز أكلهما مع أنّ تعدّي الحكم من الطين إلى التراب بدعوى اتحاد المناط بل عدم الالتفات إلى خصوصيّة في الاستعمال قول وجيه ، ولكن مع فرض عدم التعدّي اقتصاراً على النصوص وعملاً بالاُصول كما هو الأقوى ، فلا وجه في حمل الطين على التراب في خبر أبي حمزة مع ردّ السياق لهذا التأويل ، والله أعلم

ومن خواصّ هذه التربة التي استنبطناها من تتبّع الأخبار وفتاوى الفقهاء اُمور :

أ ـ استحباب تحنيك المولود ، وهو تدليك باطن فمه بالتربة كما روى الشيخ في التهذيب عن الحسين بن أبي العلاء أنّه قال : سمعت الإمام الصادقعليه‌السلام يقول : حنّكوا أولادكم بتربة الحسينعليه‌السلام فإنّها أمان(١)

ب ـ استحباب حمل التربة دفعاً للخوف ، كما روى الشيخ في التهذيب وابن

_________________

(١) تهذيب الأحكام ٦ : ٧٤ ( المترجم ) كامل الزيارات : ٢٨٢ باب ٩٣ ، مصباح الطوسي : ٥١٢ ، بحار الأنوار ١٠١ : ١٣٩ ، التهذيب ٦ : ٧٤ باب ٢٢ ( هامش الأصل )

٤١٤

قولويه في كامل الزيارة عن الحسن بن عليّ بن المغيرة أنّه روى عن بعض أصحابنا ، وفي أمالي ابن الشيخ قدّس سرّهما بطريق آخر نصّ على الحارث بن المغيرة والسند غاية في الاعتبار للتكرار وغير ذلك بل الحكم بصحّته لاحتمال أخذه من الكتاب وتواتره مع وجود طرق صحيحة اُخرى لا تخلو من قوّة

ومجمل القول بأنّ الحارث يقول : قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام : إنّي رجل كثير العلل والأمراض وما تركت دواءاً إلّا تداويت به ، فقال لي : وأين أنت عن طين قبر الحسينعليه‌السلام فإنّ فيه شفاءاً من كلّ داء ، والأمن من كلّ خوف ، فقل إذا أخذته : « اللهمّ إنّي أسألك بحقّ هذه الطينة ، وبحقّ الملك الذي أخذها ، وبحقّ النبيّ الذي قبضها ، وبحقّ الوصيّ الذي حلّ فيها صلّ على محمّد وأهل بيته واجعل فيها شفاءاً من كلّ داء ، وأماناً من كلّ خوف »

ثمّ قال : أمّا الملك الذي أخذها فهو جبرئيلعليه‌السلام أراها النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : هذه تربة ابنك تقتله اُمّتك من بعدك والنبيّ الذي قبضها محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والوصيّ الذي حلّ فيها فهو الحسين سيّد شباب الشهداء

قلت : قد عرفت الشفاء من كلّ داء ، فكيف الأمان من كلّ خوف ؟

قال : إذا خفت سلطاناً أو غير ذلك فلا تخرج من منزلك إلّا ومعك من طين قبر الحسينعليه‌السلام ، وقل إذا أخذته : « اللهمّ إنّ هذه طينة قبر الحسين وليّك وابن وليّك أخذتها حرزاً لما أخاف وما لا أخاف » فإنّه يرد عليك ما لا تخاف

قال الرجل : فأخذتها كما قال لي ، فأصحّ الله بدني وكان لي أماناً من كلّ خوف ممّا خفت وما لم أخف كما قاله قال : فما رأيت بعدها مكروهاً(١)

_________________

(١) تهذيب الأحكام ٦ : ٧٤ و ٧٥ واللفظ له ( المترجم ) كامل الزيارات : ٢٨٢ باب ٩٣ ، تهذيب الأحكام ٢ : ٢٦ ، أمالي ابن الشيخ : ٢٠١ ، الوسائل أبواب المزار : ٤١١ ، بحار الأنوار ١٠١ : ١١٨ ( هامش الأصل )

٤١٥

والأخبار من هذا النمط الدالّة على أنّ التربة أمان من الخوف كثيرة ولكنّ أكلها دفعاً للخوف غير جائز إلّا أن يكون الخوف نفسه مرضاً

ج ـ استحباب صنع مسبحة منه كما ورد ذلك في أخبار كثيرة منها مزار البحار ومن المزار الكبير أخذ ذلك بسنده عن إبراهيم الثقفي أنّ أباه روى عن الإمام الصادقعليه‌السلام أنّ فاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّها عقدت خيطاً من الصوف وجعلته سبحة تعدّ بها التكبير ، فلمّا استشهد الحمزة سيّد الشهداء اتخذت من تراب قبره مسبحة ، وكان الناس يستعملونها ، فلمّا استشهد الحسينعليه‌السلام عاد الأمر إليه واستعمل الناس تربته لفضلها على غيرها(١) (٢)

وفي التهذيب وساق السند إلى الإمام موسى بن جعفرعليه‌السلام قال ـ الراوي ـ دخلت عليه ، فقال : لا تستغني شيعتنا عن أربع : خمرة يصلّي عليها ، وخاتم يتختّم به ، وسواك يستاك به ، وسبحة من طين قبر أبي عبد اللهعليه‌السلام فيها ثلاث وثلاثون حبّة ، متى قلّبها ذاكراً لله كتب له بكلّ حبّة أربعون حسنة ، وإذا قلّبها ساهياً يعبث بها كتب له عشرون حسنة(٣)

وفي التهذيب أيضاً مسنداً أنّ الحميري سأل الفقيه(٤) تحريراً قال : كتبت إلى الفقيهعليه‌السلام أسأله : هل يجوز أن يسبّح الرجل بطين قبر الحسينعليه‌السلام ؟ وهل فيه فضل ؟ فأجاب وقرأت التوقيع ومنه نسخت : يسبّح به ، فما في شيء من التسبيح

_________________

(١) المزار الكبير : ١١٩ ، بحار الأنوار ١٠١ : ١٣٢ ط طهران ( هامش الأصل )

(٢) إنّ أوّل من صنع تربة للسجود عليها من قبر الحسينعليه‌السلام ومسبحة الإمام زين العابدين [ منتهى الآمال : ٢٩ باب شهادة عليّ بن الحسينعليه‌السلام ] ( المحقّق )

(٣) تهذيب الأحكام ٦ : ٧٥ ( المترجم ) نفسه وبحار الأنوار ١٠١ : ١٣٢ رقم ٦١ ( هامش الأصل )

(٤) كناية عن صاحب الزمان ( المؤلّف )

٤١٦

أفضل منه ، ومن فضله إنّ المسبّح ينسى التسبيح ويدير السبحة فيكتب له في ذلك التسبيح(١)

د ـ استحباب وضعه مع الميّت ومزجه بحنوطه كما جاء في ذيل هذا الخبر أنّ الحميري قال : كتبت إلى الفقيه أسأله عن طين القبر يوضع مع الميّت في قبره هل يجوز ذلك أم لا ؟ فأجاب وقرأت التوقيع ومنه نسخت : يوضع مع الميّت في قبره ويخلط بحنوطه إن شاء الله(٢)

ومن فحوى السؤال يعرف بأنّ هذا الفعل كان متداولاً بين الشيعة ومشتهراً عندهم وهو نفسه دليل آخر على المدّعى ، وكذلك يستحبّ كتابة الآيات والشهادة بالتوحيد على كفن الميّت من تراب قبر سيّد الشهداءعليه‌السلام

وفي المدارك منقولاً عن الذكرى أنّ امرأة قذفها القبر مراراً لفاحشة كانت تصنع ( فأمر بعض الأولياء بوضع تراب من قبر صالح معها ، فاستقرّت ونقل الفاضل ) أنّها كانت تزني وتحرق أولادها ، وإنّ اُمّها أخبرت الصادقعليه‌السلام ، فقال : إنّها كانت تعذّب خلق الله بعذاب الله ، اجعلوا معها شيئاً من تربة الحسينعليه‌السلام ، فاستقرّت(٣)

هـ ـ استحباب السجود عليه ، كما طابق النصوص ووافق الفتاوى ، بل هو شعار الإماميّة في هذه الأعصار ، بل كان في السابق هو الكاشفة القطعيّة عن هويّة التشيّع بناءاً على السيرة المحقّقة وعزى ابن بابويهرضي‌الله‌عنه في الفقيه على نحو الإرسال وهو لا يقلّ قبولاً عن غالب مسانيده أنّه قال : السجود على طين قبر الحسينعليه‌السلام ينوّر

_________________

(١) التهذيب ٦ : ٧٥ ( المترجم ) نفسه وبحار الأنوار ١٠١ : ١٣٣ رقم ٦٢ ( هامش الأصل )

(٢) التهذيب ٦ : ٧٦ ( المترجم ) نفسه وبحار الأنوار ١٠١ : ١٣٣ ( هامش الأصل )

(٣) الشهيد الأوّل ، الذكرى : ٦٦

٤١٧

إلى الأرض السابعة ، ومن كان معه سبحة من طين قبر الحسينعليه‌السلام كتب مسبّحاً وإن لم يسبّح بها(١)

ونقل الشيخ الثقة الأمين أحمد بن عليّ بن أبي طالب الطبرسيقدس‌سره عن الحميري في كتاب الاحتجاج وهو على التحقيق من مؤلّفاته كما عدّه من مصنّفاته ابن شهرآشوب في معالم العلماء وهو من تلامذته ، وهذا الأمر وإن كان بيّناً واضحاً اشتبه على الملّا محمّد أمين الاسترآبادي مع ما يدّعيه من معرفة الحديث ومع ما كان يثيره من الصخب والضجيج حول إحاطته بفنونه فنسبه إلى أمين الإسلام صاحب ( مجمع البيان )رضي‌الله‌عنه في الفوائد المدنيّة

وجملة القول إنّه في الكتاب المزبور قال : سأل الحميري من إمام العصر روحنا له الفداء عن السجدة على لوح من طين القبر وهل فيه فضل ـ يقصد باللوح التربة المتّخذة في هذا العصر ـ فأجابعليه‌السلام : يجوز ذلك وفيه الفضل(٢)

والظاهر في تعريف الفضل أنّه دائر فيما بين التربة وما يصحّ السجود عليه

وفي التهذيب بسند صحيح عن معاوية بن عمّار قال : كان لأبي عبد الله ـ صادق آل محمّد ـ خريطة ديباج صفراء فيها تربة أبي عبد اللهعليه‌السلام ، فكان إذا حضرته الصلاة صبّه على سجّادته وسجد عليه ، ثمّ قال : السجود على تربة أبي عبد اللهعليه‌السلام يغرق الحجب السبع(٣)

_________________

(١) من لا يحضره الفقيه ١ : ٢٦٨ ( المترجم ) ١ : ٨٦ ، الوسائل ٢ : ٢٠٧ باب استحباب السجود على تربة الحسينعليه‌السلام

(٢) الاحتجاج ٢ : ٤٨٩ ( المترجم ) مصباح الطوسي : ٥١٤ ، بحار الأنوار ١٠١ : ١٣٥ ، الاحتجاج : ٢٧٤ ، الوسائل باب الصلاة ٢ : ٦٠٨ ( هامش الأصل )

(٣) مصباح المتهجّد : ٧٣٣ و ٧٣٤ ( المترجم ) نفسه : ٥١١ ، بحار الأنوار ١٠١ : ١٣٥ رقم ٧٤ ، الوسائل ،

٤١٨

وظاهر الحديث أنّ هذا كلام معاوية بن عمّار ولكنّه بعيد ولو كان كذلك فهو حجّة أيضاً ؛ لأنّ محدّثاً عظيم الشأن كهذا المحدّث يعزب عن كلام ـ وإن كان هذا الكلام بنفسه شاهداً على صدوره عن الإمام ـ بدون سماعه وتلقّيه عن الإمام

وفي الوسائل والإرشاد للديلمي : كان الصادقعليه‌السلام لا يسجد إلّا على تربة الحسين(١)

والمراد من الحجب السبعة في حديث معاوية بن عمّار السماوات السبع والمقصود عروج الصلاة إلى الملأ الأعلى وبلوغ القرب الحقيقي أو المعاصي السبع المانعة من قبول الأعمال وحجابها وتلك هي المعاصي التي رأى جماعة انحصار الكبائر بها كما ذكر ذلك في الكتب الفقهيّة : أ ـ الشرك ، ب ـ قتل النفس ، ج ـ قذف المحصنة ، د ـ أكل مال اليتيم ، هـ ـ الزنا ، و ـ الفرار من الزحف ، ز ـ عقوق الوالدين

ومعنى الخرق(٢) لهذه الحجب أنّه إن كان مقروناً بالتوبة الصادقة والعزم الثابت فإنّ الله تعالى يعفو عن الذنوب السالفة يمحوها ببركة هذه التربة المقدّسة

ويمكن أن يكون المراد بالحجب السبعة طبقاً لاصطلاح أهل الأخبار الأدناس وجنود الجهل ، بناءاً على ما ذهب إليه جماعة من أهل العلم بأنّ كلّيّات الرذائل منحصرة في سبعة أجناس وتتفرّع عنها سائر ملكات الرذائل ؛ لأنّ اُصول الملكات العادلة أربعة : العدالة والعفّة والشجاعة والحكمة ، ولكلّ واحد منها ضدّان ما عدا العدالة فإنّ لها ضدّاً واحداً ، فضدّ العفّة الشره والخمود ، وضدّ الشجاعة الجبن

_________________

الصلاة ، أبواب ما يسجد عليه ١ : ٦٠٨ ، والرواية في مصباح الطوسي وأخطأ المصنّف في نسبتها إلى التهذيب ( هامش الأصل )

(١) الإرشاد : ١٤١ ، الوسائل : باب استحباب السجود على تراب قبر الحسينعليه‌السلام ١١ : ٦٠٥ ( هامش الأصل )

(٢) مرّ عليك أنّ العبارة هي غرق لا خرق ، ولعلّ الحقّ مع المؤلّف ( المترجم )

٤١٩

والتهوّر ، وضدّ الحكمة البلاهة والجربزة ، وضدّ العدالة الظلم(١) وهذه الصفات السبعة هي في الحقيقة طرق جهنّم نعوذ بالله منها

وقال أحد أهل العلم :

همه اخلاق نيكو در ميانه

كه از افراط وتفريطش كرانه

ميانه چون صراط المستقيم است

كه هر دو جانبش قعر جحيم است

به باريكىّ وتيزى موى شمشير

نه روى كشتن وبدون بر او دير

عدالت چون يكى دارد ز اضداد

همين هفت آمد اين اضداد ز اعداد

به زير هر عدد سرّى نهفته است

از آن درهاى دوزخ نيز هفت است

چنان گر ظلم دوزخ شد مهيّا

بهشت آمد هميشه عدل را جا

ظهور نيكوئى از اعتدال است

عدالت جسمم را اقصى الكمال است

الترجمة(٢) :

وإنّما أوسط الأخلاق أكملها

فاحذر بفعلك إفراطاً وتفريطا

صراطها مستقيم في جوانبه

جهنّم تغتلي كالقدر مسيوطا

كأنّها شفرة الصمصام صفحته

كأنّها شفرة الصمصام صفحته

إن كان للعدل ضدّ واحد فلما

ذكرت ضدّان مشروحاً ومخطوطا

وتحتها تختفي الأسرار معلنة

عن اللظى سبعة أبوابها احتيطا

إن كان للظلم نار الله موصدة

كان النعيم لعدل المرء مشروطا

إنّ الجميل من العدل الذي هو في

ظلّ الكمالات ممدوداً ومبسوطا

مثل العدالة حيث الله جسّدها

في الخير لا في ضمير الحكم مغلوطا

_________________

(١) يقول الفلاسفة : الفضيلة وسط بين رذيلتين فلا مناص من وجود ضدّ آخر للعدالة وهو الغلوّ بها حتّى تخرج عن حدّ الاعتدال ( المترجم )

(٢) ألمّت الترجمة بمجمل المعنى وليست حرفيّة لأنّ ذلك صعب المنال إلّا على من يتفرّغ لها ويبذل وسعه في هذا السبيل ( المترجم )

٤٢٠