ليالي بيشاور

ليالي بيشاور0%

ليالي بيشاور مؤلف:
تصنيف: مفاهيم عقائدية
الصفحات: 1205

ليالي بيشاور

مؤلف: السيّد محمّد الموسوي الشيرازي
تصنيف:

الصفحات: 1205
المشاهدات: 211860
تحميل: 3120

توضيحات:

ليالي بيشاور
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 1205 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 211860 / تحميل: 3120
الحجم الحجم الحجم
ليالي بيشاور

ليالي بيشاور

مؤلف:
العربية

بالتعصّب ضدّ الشيعة ، قال : الإمامة عند الأشاعرة هي : خلافة الرسول في إقامة الدين وحفظ حوزة الملّة بحيث يجب اتّباعه على كافة الامّة.

ثمّ إذا كانت الإمامة من فروع الدين لما كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يؤكّد على أهميّتها بقوله المروي في كتبكم المعتبرة ، مثل : «الجمع بين الصحيحين» للحميدي و «شرح العقائد النسفية» لسعد التفتازاني.

قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من مات ولم يعرف إمام زمانه ، مات ميتة جاهلية».

من الواضح أنّ عدم المعرفة بفرع من فروع الدين لا يوجب التزلزل في أصل الدين حتّى يخرج صاحبه من الدنيا بالجاهلية قبل الإسلام ولذا صرّح البيضاوي : بأنّ مخالفة الإمامة توجب الكفر والبدعة.

فالإمامة في معتقدنا ، مرتبة عظيمة هامّة ، نازلة منزلة النبوّة ، والإمام قائم مقام النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وبهذا يظهر الفرق بين أئمّتنا الاثني عشر من أهل البيتعليهم‌السلام وبين الأئمّة عندكم ، فأنتم تطلقون كلمة الإمام على علمائكم ، كالإمام الأعظم ، والإمام مالك ، والإمام الشافعي ، والإمام أحمد ، والإمام الفخر الرازي ، والإمام الغزالي ، وغيرهم ، وهو عندكم كإمام الجمعة والجماعة ، والإمام بهذا المعنى يخرج عن الحدّ والحصر.

ولكن الإمام بالمعنى الذي نقوله نحن فهو في كلّ زمان واحد لا أكثر ، وهو أفضل أهل زمانه في جميع الصفات الحميدة ، فهو الأعلم والأتقى والأشجع والأورع والمعصوم بفضل الله ولطفه من الخطأ والسهو ، فيكون حجّة الله في الأرض ، ولا تخلو الأرض من حجّة لله

٢٤١

عزّ وجلّ ، يعيّن بالنصّ ، كما وردت نصوص من النبيّ الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في إمامة الاثني عشر من أهل البيتعليهم‌السلام ، وأمر أمّته بطاعتهم والأخذ منهم.

والأئمّة الاثنا عشرعليهم‌السلام بعد جدّهم خاتم النبيّين وسيّد الخلق أجمعين يكونون أعلى رتبة وأرفع درجة من جميع الخلق حتّى الأنبياء العظام عليهم تحيات وصلوات الملك العلاّم.

الحافظ : الله أكبر! قبل هذا كنت تذمّ الغلاة وتطردهم من مذهب الشيعة ، والآن ثبت أنّكم أيضا مغالون في حقّ أئمّتكم إذ تجعلونهم أعلى وأرفع من الأنبياء العظام ، والقرآن يصرّح بأنّ مقام النبوّة أعلى المراتب التي يمنحها الله سبحانه لأحد من عباده المكرّمين ، فكلامكم مخالف للقرآن الحكيم والعقل السليم!

قلت : مهلا لا تتسرّع في ردّنا ، ولا تعجل في تخطئة كلامنا ، ولا تقل بأنّ كلامنا يخالف القرآن الحكيم ، بل لنا دليل على صحّة كلامنا واعتقادنا من القرآن الكريم ، واعلم بأنّنا أبناء الدليل ، حيثما مال نميل.

الحافظ : بيّنوا دليلكم حتّى نعرفه! فإنّ كلامكم غريب جدّا!

قلت : إنّ الله سبحانه بعد أن يذكر امتحان أبي الأنبياء إبراهيم الخليلعليه‌السلام وابتلاءه في نفسه وأمواله وولده ، وبعد نجاحه وفوزه في كلّ تلك الامتحانات ، أراد الله تعالى أن يمنحه مقاما أعلى من النبوّة والرسالة والخلّة والعزم ، لأنّه كان آنذاك نبيّا رسولا من اولي العزم وصاحب الخلّة ، فرفعه إلى مقام الإمامة وجعله إماما للناس ، فقال سبحانه :( وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّي جاعِلُكَ

٢٤٢

لِلنَّاسِ إِماماً قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) (١) . فظهر أنّ الإمامة أعلى مرتبة من النبوّة والرسالة والعزم والخلّة.

الحافظ : فعلى هذا ، إنّ الإمام عليّ (كرّم الله وجهه) يكون مقامه عندكم أعلى من مقام سيّدنا محمّد (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) ، وأيّ غلوّ أعظم من هذا؟!

قلت : ليس كذلك! وإنّما بين النبوّة العامّة والنبوّة الخاصة فرق كبير ، والإمامة أعلى رتبة من النبوّة العامة ودون النبوّة الخاصة ، والأخيرة هي درجة خاتم الأنبياء وسيّد الخلق أجمعين ، محمّد المصطفى ، حبيبنا وحبيب إله العالمينصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

النوّاب : أرجو المعذرة من التدخّل في البحث ، فإنّي حريص على اكتساب المعلومات وفهم هذه المسائل ، ولذا حينما تخطر مسألة في بالى أطرحها فورا لأنّي أخاف أن أنساها ، فسؤالي عن الآية الكريمة التي تقول :( لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ ) (٢) ـ أي : الرسل ـ فالأنبياء كلّهم في رتبة واحدة ومقام الجميع عند الله تعالى على حدّ سواء ، فكيف قسّمتم النبوّة إلى قسمين عامّة وخاصّة؟! أرجو التوضيح.

قلت : هذه الآية صحيحة في محلّها ، أي : لا نفرّق بين أحد من الرسل بأنّهم مبعوثون من عند الله عزّ وجلّ إلى الناس ، وكلّهم يدعون إلى الله سبحانه وحده لا شريك له ، وإلى المعاد والقيامة ، ويدعون إلى المعروف والحسنات ، وينهون عن المنكرات والسيّئات.

__________________

(١) سورة البقرة ، الآية ١٢٤.

(٢) سورة البقرة ، الآية ١٣٦ وسورة آل عمران ، الآية ٨٤.

٢٤٣

مراتب الأنبياء

ولكن هل إنّ النبيّ المبعوث إلى ألف نفر يساوي مقامه مقام النبيّ الذي أرسل الى مائة ألف؟! وهل هذا يساوي مقامه مقام النبي الذي بعثه الله وأرسله إلى الناس كافّة؟!

وكذلك هل إنّ معلّم الدورة الابتدائية يساوي مقامه العلمي مقام استاذ الكلّيّة أو الجامعة؟! لا

والحال إنّه يصحّ أن نقول لاستاذ الجامعة معلّم أيضا ، وكلاهما يعملان في وزارة واحدة وهي : وزارة التربية والتعليم ومسئوليتهما أن يأخذا بيد الطلاب ويصعدا بهم سلّم العلم والثقافة ، ولكن أين هذا من ذاك!

وكذلك الأنبياء والرسل متساوون من جهة أنّهم مبعوثون ومرسلون من عند الله عزّ وجلّ إلى خلقه ، لا نفرّق بين أحد منهم

ولكن من حيث العلم والفضل غير متساوين ، فقد قال تعالى :( تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ ) (١) .

قال الزمخشري في الكشّاف في تفسيرها : إنّ المراد من :( وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ ) هو نبيّنا محمّد الّذي فضّله الله على جميع الأنبياء بخصائص كثيرة ، أهمّها أنّه خاتم النبيّين.

النوّاب : أشكركم على هذا التوضيح التامّ ، ورفع الشبهة والوهم ، وقد بقي عندي سؤال آخر ، أستأذنكم وأستأذن الحاضرين

__________________

(١) سورة البقرة ، الآية ٢٥٣.

٢٤٤

لأطرحه ، وهو : أرجوكم أن توضّحوا معنى : النبوّة الخاصة وميزتها ولو باختصار ، والرجاء أن يكون بيانكم على حدّ فهمنا ومستوانا.

قلت : إنّ ميزات النبوّة الخاصة كثيرة والمجلس لم ينعقد لبيان هذا الموضوع ، فإذا ادخل هذا البحث ضمن بحوثنا انشغلنا عن مبحث الإمامة الذي هو محور النقاش والحوار. ولكن من باب : «ما لا يدرك كلّه لا يترك كلّه» ابيّن لكم باختصار :

النبوّة الخاصّة

الإنسان الكامل هو صاحب النفس المتكاملة بالتزكية ، لقوله تعالى :( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها ) (١) وتزكية النفس إنّما تحصل عن طريق التعقّل ، والعقل يدعو إلى العلم والعمل ، فهما الجناحان اللذان يحلّق بهما الإنسان ويسمو بهما إلى قمّة الكمال الممكن.

كما روي عن الإمام عليعليه‌السلام أنّه قال : «خلق الإنسان ذا نفس ناطقة ، إن زكّاها بالعلم والعمل فقد شابهت جواهر أوائل عللها ، وإذا اعتدل مزاجها وفارقت الأضداد فقد شارك بها السبع الشداد وصار موجودا بما هو إنسان دون أن يكون موجودا بما هو حيوان».

فكما أنّ الطائر يرتفع في الفضاء ويحلّق في الجوّ على قدر قوّة جناحيه بالنسبة إلى جثّته ، كذلك الإنسان يرتفع في سماء المعنوية والكمالات الروحية بمقدار علمه وعمله الصالح المبتني على أساس العقل السليم.

فكلّ إنسان إذا بلغ مرتبة الكمال فقد بلغ مرتبة النبوّة ، وإذا

__________________

(١) سورة الشمس ، الآية ٩.

٢٤٥

اختاره الله سبحانه وبعثه إلى الناس ، صار نبيّا رسولا.

وللنبوّة والكمال مراتب ، كما هو ثابت في أبحاث النبوّة في الكتب الكلامية ، وأعلى تلك المراتب هي المرتبة التي حين وصل إليها حبيب الله محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ختمت به النبوّة ، وليس فوق الخاتمية مرتبة ممكنة للإنسان ، وأعلى منها مرتبة الربّ جلّ جلاله وعمّ نواله.

فمقام خاتم النبيّينصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فوق جميع المراتب المتصوّرة والمقرّرة لممكن الوجود ، ودون مرتبة واجب الوجود.

ومرتبة الإمام فوق مراتب النبوّة ودون مرتبة الخاتمية بدرجة ، ولمّا كان الإمام عليعليه‌السلام واصلا إلى مرتبة النبوّة واتّحدت نفسه مع نفس خاتم النبيّينصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتّى صار كنفس واحدة ، منحه الله تعالى مرتبة الإمامة وجعله أفضل من الأنبياء الماضين.

وصلنا إلى هنا فارتفع صوت المؤذّن يدعو إلى صلاة العشاء ، وبعد إقامة الصلاة ، عاد الجميع إلى المجلس وتناولوا الشاي والحلوى.

فقال الحافظ : إنّك تصعّب الموضوع أكثر فأكثر ، وقبل أن تجيب على الإشكال الأوّل ، نجد في كلامك إشكالا آخر!

قلت : الموضوع واضح وسهل ، فلا أدري ما هو الصعب في نظركم؟! وما هو الإشكال في كلامي؟! اطرحوه حتّى أجيب عنه!!

الحافظ : في كلامكم الأخير أجد بعض الكلمات التي لا تخلو من إشكال :

١ ـ قولكم : إنّ عليّا كرّم الله وجهه وصل مرتبة النبوّة.

٢ ـ قولكم : إنّ عليّا اتّحدت نفسه مع نفس النبيّ حتّى صارا كنفس واحدة.

٢٤٦

٣ ـ قولكم : إنّ عليّا أفضل من جميع الأنبياء غير خاتم النبيّين (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم).

فهذه الجمل غريبة جدّا ، ولا أدري ما هو دليلكم عليها؟!

قلت : ربّما يكون كلامي غريبا ومشكلا وصعبا بالنسبة لكم! لأنّكم لا تريدون أن تتعمّقوا في الحقائق ولا تريدون أن تدرسوا القضايا هذه دراسة تحقيق وتفهّم.

وأمّا بالنسبة للعلماء المحقّقين والمنصفين ، فإنّ كلامي ليس بغريب ولا مشكل ، بل هو واضح ومقبول.

وإليك الجواب عن الإشكالات التي طرحتها :

إثبات مرتبة النبوّة لعليّعليه‌السلام

إنّ الدليل على أنّ الإمام عليّعليه‌السلام وصل مرتبة النبوّة وكان أهلا لهذا المقام العظيم ، هو حديث المنزلة المرويّ عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في كتبكم المعتبرة أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :

«يا عليّ! أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي».

وتارة كانصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يخاطب الناس فيقول : «عليّ منّي بمنزلة هارون من موسى» إلى آخره.

الحافظ : لا نعلم صحّة هذا الحديث ، وعلى فرض صحّته فهو خبر واحد لا يعتدّ به ولا يعتمد عليه.

قلت : يظهر أنّك قليل الاطّلاع حتّى على كتبكم والأخبار والأحاديث المرويّة فيها ، أو أنّك تتجاهل الحقائق وتتناسى الأحاديث

٢٤٧

المرويّة عن طرقكم حتّى وصل بعضها حدّ التواتر ، مثل هذا الحديث ، وأتعجّب من قولك : إنّه خبر واحد فكلامك هذا إمّا عن سهو أو عناد!

إسناد حديث المنزلة

ولكي تعرف ويعرف الحاضرون صحّة حديث المنزلة عندنا وعندكم ، فإنّي أذكر بعض أسانيده الحاضرة في ذهني وحافظتي بمقدار ما يسمح لي المقام ، حتّى يعترف الكلّ أنّ هذا الحديث الشريف لم ينقل عن طريق واحد ، بل من طرق متعدّدة ، رواه كبار علمائكم ومحدّثيكم ، وهو من الأحاديث المتواترة :

١ ـ البخاري في الصحيح / ٣ من كتاب المغازي في باب غزوة تبوك ، ومن كتاب بدء الخلق في باب مناقب عليعليه‌السلام .

٢ ـ مسلم بن الحجّاج في صحيحه ٢ / ٢٣٦ / ٢٣٧ / ط. مصر ١٢٩٠ ، وفي كتاب فضل الصحابة / باب فضائل عليعليه‌السلام .

٣ ـ الإمام أحمد بن حنبل في المسند ١ / ٩٨ و ١١٨ و ١١٩ في وجه تسمية الحسنين عليهما السّلام.

فبعد ذكر هذه الأسانيد والمدارك المعتبرة من أعلام علمائكم ، وهي قليل من كثير ، هل أذعنت بصحّة حديث المنزلة؟ وهل تعترف بأنّك كنت مشتبها في قولك : إنّه خبر واحد لا يعتدّ به!

الحافظ : لم يثبت التواتر بثلاثة مصادر ، بل يحتاج إلى ذكر مصادر أكثر حتّى نقول وصل حدّ التواتر.

٢٤٨

قلت :

أوّلا : كلّ مصدر من هذه المصادر التي ذكرتها يعادل عندكم بألف.

ثانيا صرّح بعض المحقّقين من علمائكم بتواتر حديث المنزلة ، مثل : العلاّمة جلال الدين السيوطي في كتبه : «الأزهار المتناثرة في الأحاديث المتواترة» و «إزالة الخفاء» و «قرّة العينين» ففي هذه الكتب عدّ حديث المنزلة من الأحاديث المتواترة.

وإذا لم يزل في قلبك شكّ وتريد أن تطمئنّ فراجع كتاب : «كفاية الطالب» تأليف محمد بن يوسف الكنجي الشافعي ، وهو من أعلام علمائكم ، في الباب السبعين منه ، فإنّه بعد ما يروي الحديث عن عدّة طرق ، يقول : هذا حديث متّفق على صحّته ، رواه الأئمّة الأعلام إلى آخره.

فأكتفي بهذا المقدار ، وأظنّ أنّ الإبهام ارتفع والحافظ اقتنع.

الحافظ : أنا لست بلجوج ولا معاند ، ولكن أدعوك إلى مطالعة كلام العالم الفقيه أبي الحسن الآمدي ، الذي هو من المتكلّمين المتبحّرين ، فإنّه يردّ حديث المنزلة ويضعّفه.

قلت : أتعجّب منك! إذ إنّك عالم وتدّعي التحقيق والإنصاف ، ثمّ تعدل عن كبار علمائكم الموثّقين بما فيهم أئمّة أهل الحديث المجمع على صحّة ما رووا كالبخاري ومسلم ، ثمّ تأخذ بقول الآمدي سيّئ العقيدة والتارك الصلاة!!

الشيخ عبد السّلام : الإنسان حرّ في بيان عقيدته ، فلا يجوز لأحد أن يتّهم أحدا أظهر عقيدته في شيء يخالف المشهور ، ثمّ يقبح من

٢٤٩

مثلكم أن تتهجّموا بسوء الكلام على فقيه ، بل يجب أن تردّوه بالمنطق والدليل ، وخاصة جنابك ، حيث تجسّد أخلاق أهل البيت رضي الله عنهم.

قلت :

أوّلا : إن كنتم تلتزمون بحرّيّة العقيدة ، فلما ذا ترمون الشيعة بالكفر والشرك وتجوّزون قتلهم ونهب أموالهم؟!

لذا فهم يخفون عقائدهم الحقة إذا عاشوا في بلادكم وبين أظهركم خشية القتل!

أم إنّكم تقصدون حرّيّة الآمدي فحسب ، وذلك في نصبه العداء ومخالفته لأهل البيتعليهم‌السلام ؟!!

ثانيا أنا لم أتهجّم على الآمدي بسوء الكلام ، بل نقلت قول علمائكم الأعلام فيه.

الشيخ عبد السّلام : أين ذكر علماؤنا الآمديّ بسوء العقيدة وترك الصلاة؟!

شرح أحوال الآمدي

ذكر ابن حجر في كتاب «لسان الميزان» : السيف الآمدي ، المتكلّم عليّ بن أبي عليّ ، صاحب التصانيف ، وقد نفي من دمشق لسوء اعتقاده ، وصحّ أنّه كان يترك الصلاة!!

وذكر الذهبي ـ وهو من أعلامكم ـ في كتاب «ميزان الاعتدال» نفس الترجمة للآمدي وزاد : «أنه كان من المبتدعة».

وإذا نظرتم في حال الآمدي بنظر التحقيق لعرفتم أنّه لو لم يكن

٢٥٠

عديم الإيمان ومبتدعا لما خالف جميع الصحابة حتّى عمر بن الخطّاب ـ الذي هو أحد رواة حديث المنزلة ـ ولما خالف كلّ المحدّثين الثقات وأعلام الرواة.

وأتعجّب من أنّكم تطعنون في الشيعة ، لأنّهم لا يقبلون بعض الأحاديث المرويّة في الصحيحين عندكم ، وهي عندنا غير صحيحة السند!

ولكنّ الآمدي حينما يردّ حديثا أجمع عليه علماء الفريقين ، وصحّحه ورواه جميع أصحاب الصحاح الستّة! كيف تقبلون كلامه وتأخذون برأيه؟! وهو واحد خارج عن الإجماع ، وعلى الأصل الذي عندكم!

ولو لم يكن للآمدي أيّ عيب ونقص سوى إنّه ردّ حديثا جاء في الصحيحين ، وبردّه كذّب الفاروق وكذّب البخاري ومسلم وسائر أصحاب الصحاح ، لكفى في طعنه وفسقه عندكم.

الحافظ : قلتم إنّ أحد رواة حديث المنزلة ، الخليفة عمر بن الخطّاب (رض) فهل يمكن أن تبيّنوا سندكم على هذا النقل؟

قلت : روى جماعة من علمائكم ومحدّثيكم حديث المنزلة عن عمر بن الخطّاب ، منهم :

١ ـ نصر بن محمّد السمرقندي الحنفي ، في كتاب «المجالس».

٢ ـ محمد بن عبد الرحمن الذهبي ، في «الرياض النضرة».

٣ ـ المولى علي المتّقي الهندي ، في «كنز العمّال».

٤ ـ العلاّمة ابن الصبّاغ المالكي ، في «الفصول المهمّة».

٥ ـ محبّ الدين الطبري ، في «ذخائر العقبى».

٦ ـ الشيخ سليمان الحنفي ، في «ينابيع المودّة».

٢٥١

٧ ـ موفّق ابن أحمد الخوارزمي ، في «المناقب».

هؤلاء كلّهم رووا عن ابن عبّاس حبر الأمّة ـ واللفظ للأخير ـ بسنده المتّصل ـ بحذف سلسلة السند للاختصار ـ قال :

حدّثني أمير المؤمنين الرشيد ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن عبد الله بن عبّاس ، قال : سمعت عمر بن الخطّاب وعنده جماعة فتذاكروا السابقين إلى الإسلام

فقال عمر : أمّا عليّ فسمعت رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) يقول فيه ثلاث خصال وددت لو أنّ لي واحدة منهنّ ، كان أحبّ إليّ ممّا طلعت عليه الشمس.

كنت أنا وأبو عبيدة وأبو بكر وجماعة من الصحابة إذ ضرب النبي (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) بيده على منكب عليّ فقال : يا عليّ! أنت أوّل المؤمنين إيمانا ، وأوّل المسلمين إسلاما ، وأنت منّي بمنزلة هارون من موسى.

أخرجه ابن عساكر في تاريخه عن عمر مع تغيير يسير في اللّفظ.

وأخرجه المتّقي الهندي الحنفي في كنز العمّال : ٦ / ٣٩٥ وفيه زيادة لم تكن في غيره ، وهذا نصّه :

مسند عمر ، عن ابن عبّاس [قال :] قال عمر بن الخطّاب : كفّوا عن ذكر عليّ بن أبي طالب! فإنّي سمعت رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) يقول في عليّ ثلاث خصال ، لئن يكون لي واحدة منهنّ أحبّ إليّ ممّا طلعت عليه الشمس :

كنت أنا وأبو بكر وأبو عبيدة بن الجرّاح ونفر من أصحاب رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) والنبيّ متّكئ على عليّ بن

٢٥٢

أبي طالب ، حتّى ضرب بيده على منكبه ثمّ قال : أنت يا عليّ أوّل المؤمنين إيمانا ، وأوّلهم إسلاما ، وأنت منّي بمنزلة هارون من موسى ، وكذب من زعم أنّه يحبّني ويبغضك.

وأخرجه الإسكافي في كتابه «نقض الرسالة العثمانية» للجاحظ : ص ٢١ / ط مصر وفيه زيادات نافعة ، فليراجع.

وبعد هذا هل يجوز في مذهبكم الردّ على الخليفة عمر وهو الفاروق عندكم؟! وإذا لا يجوز ذلك فكيف تأخذون بقول الآمدي المعلوم الحال؟!

حكم الخبر الواحد عند العامة

وبقيت جملة اخرى من كلامكم ، لا بدّ لي من جوابها ، زعمتم : أنّ حديث المنزلة خبر واحد ، ثمّ قلتم : إنّ الخبر الواحد لا اعتبار به ولا اعتماد عليه.

أقول : إذا يصدر هذا الكلام من أحد الشيعة فإنّه يقبل منه ، لأنّه على الأصل والمبنى المقبول عندنا.

ولكن صدور هذا الكلام من مثلكم يثير التعجّب والتساؤل ، لأنّ في مذهبكم خبر الواحد مقبول وحجّيّته ثابتة ، حتّى أنّ بعض علمائكم حكم بتكفير وفسق المنكر له ، فقد قال ملك العلماء شهاب الدين في كتابه «هداية السعداء» في فصل المضمرات من كتب الشهادات :

ومن أنكر الخبر الواحد والقياس ، وقال : إنّه ليس بحجّة ، فإنّه يصير كافرا! ولو قال : هذا الخبر الواحد غير صحيح ، وهذا القياس غير ثابت ؛ لا يصير كافرا ولكن يصير فاسقا!

٢٥٣

الحافظ : لقد سررت جدّا من حسن بيانكم وسعة اطّلاعكم عن كتبنا ، وقد وجدتكم على خلاف ما كنت أسمع من قبل بأنّ علماء الشيعة لا يلمسون كتبنا ويعتقدون بنجاستها ، فكيف بمطالعتها؟!

قلت : هذه أقاويل وأباطيل أعداء الإسلام ، فإنّهم يريدون أن يفرّقوا بين المسلمين ، وفي المثل : «يصطادون بماء عكر» وهو من باب : «فرّق تسد».

يريدون فرض سيادتهم وهيمنتهم علينا ، ولكنا يجب أن نكون واعين في هذه الامور ويجب أن نعرف خطط أعدائنا المستعمرين فنبيّنها لعامّة الناس حتّى لا يقعوا في شباكهم ، ويتبصّروا في تشخيص مصالحهم ومضارّهم ، فيخيّبوا آمال الأعداء بمخالفتهم.

يجب أن نوجّه أتباعنا المسلمين إلى مفاهيم القرآن الحكيم حيث يقول :( إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ ) (١) .

على أثر غفلتنا عن القرآن ، وابتعادنا عن تعاليمه الحقّة ، يتمكّن عدوّ المسلمين أن يتصرّف في أفكارنا ، فنصدّق أكاذيبه ونعتقد بأباطيله! منها ما كنت تسمعه ، كما قلت : بأنّ علماء الشيعة لا يلمسون كتبكم إلى آخره.

نحن نأخذ كتب المرتدّين والكفار والمشركين بكلتي يدينا ونطالعها حتّى نعرف ما يقولون ، فنأخذ صحيحها ونطرح سقيمها ، ونردّ شبهاتها الموجّهة إلينا ، فكيف بكتبكم وأنتم إخواننا في الدين؟!

فاعلموا أنّنا على خلاف ما قيل لكم ، بل نحترم كتبكم

__________________

(١) سورة الحجرات ، الآية ٦.

٢٥٤

ونطالعها بدقّة وإمعان ، ونستفيد من آراء علمائكم وأقوال محقّقيكم ، ونستفيد من الأحاديث والروايات الصحيحة المرويّة في مسانيدكم وصحاحكم ، وإنّ كثيرا من الكتب التي تدرّس في حوزاتنا العلمية تكون من تأليف وتصنيف علمائكم.

منتهى الأمر بعض رواتكم المقبولين عندكم ، غير موثّقين ولا معتبرين عندنا ، مثل : أنس وأبي هريرة وسمرة وغيرهم ، وهذا لا يخصّنا الآن ، فإنّ بعض علمائكم أيضا لا يقبلونهم ، منهم : أبو حنيفة ، فإنّه لا يقبل هؤلاء الثلاثة ونظراءهم!

وكتبكم عندنا معتبرة ونستفيد منها ، وأنا ـ شخصيا ـ أكثر مطالعاتي حول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسيرته المباركة وتاريخ الأئمّة من آله صلوات الله عليهم تكون من كتبكم ، وأستند إليها في خطبي ومحاضراتي ، وأنقل منها أكثر ممّا أنقل من كتبنا.

وإنّ مكتبتي الخاصة تحتوي على أكثر من مائتي مجلّد مطبوع ومخطوط من كتبكم المشهورة في التفسير والتاريخ والفقه والحديث والكلام والرجال و...

ولكنّنا نطالع كتبكم مطالعة تحقيق وتمحيص فكما أنّ النّقّاد والصّرافين يميزون بين الدراهم والدنانير ، الصحيحة من المغشوشة ، فكذلك نحن حينما نطالع أيّ كتاب لا نحسب محتوياته ومضامينه من المسلّمات ، بل نتفكّر فيها ونميّز بين الأحاديث والروايات والمواضيع ، فنأخذ الصحيحة ونترك السقيمة ، ولا تؤثّر فينا شبهات وتشكيكات الفخر الرازي ، ولا مغالطات ابن حجر ، أو إشكالات روزبهان ، أو تكذيبات الآمدي وأمثالهم.

٢٥٥

واعلم أنّ مطالعتي لكتبكم ، والنظر في الأحاديث المرويّة والمقبولة عندكم ، كانت السبب في معرفتي لأئمّة أهل البيتعليهم‌السلام أكثر ، ويقيني بعلوّ مقامهم وعظم شأنهم.

الحافظ : لقد ابتعدنا عن موضوع البحث ، فالرجاء بيّنوا وجه الاستدلال بحديث المنزلة ، على أنّ عليّا كرّم الله وجهه كان في رتبة النبوّة؟!

قلت : يثبت بهذا الحديث الشريف ثلاث خصائص للإمام عليّعليه‌السلام :

١ ـ مقام النبوّة بأنه لو كان نبيّ بعده لكان عليّا ولكنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خاتم النبيين.

٢ ـ مقام وزارة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وخلافته.

٣ ـ أفضليّة الإمام عليعليه‌السلام على جميع الصحابة.

ودليل ذلك أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جعل الإمام عليّاعليه‌السلام منه بمنزلة هارون من موسى ، وكان هارون نبيّا ، وكان وزير موسى وخليفته في قومه ، وكان أفضل بني إسرائيل بعد أخيه موسى.

النوّاب : هل كان هارون نبيّا؟!

قلت : نعم.

النواب : عجبا! إنّي ما سمعت بهذا من قبل! فهل ذكر الله نبوّته في القرآن الحكيم؟!

قلت : نعم ، في سورة النساء ، الآية ١٦٣ ، قوله تعالى :( إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَعِيسى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهارُونَ وَسُلَيْمانَ وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً ) .

٢٥٦

وفي سورة مريم ، الآية ٥٣ قوله تعالى :( وَوَهَبْنا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنا أَخاهُ هارُونَ نَبِيًّا ) .

الحافظ : إذا على هذا فمحمد وعليّ كلاهما نبيّان مبعوثان من عند الله إلى الخلق!

قلت : أنا لا أقول هكذا ، وأنت تعلم أنّ عدد الأنبياء كثير جدّا ، وهو محل اختلاف بين العلماء ، حتّى قال بعضهم : إنّ عددهم مائة وعشرون ألفا أو أكثر ، لكن كان أكثرهم يتّبعون الأنبياء أولي العزم من الرسل. وهم : نوح وإبراهيم وموسى وعيسى وخاتمهم سيّدنا ونبيّنا محمّد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ، وهارون كان نبيّا غير مستقلّ ، وإنّما كان تابعا لأخيه موسى ويعمل على شريعة أخيه.

كذلك الإمام عليّعليه‌السلام ، كان تاليا لرتبة أخيه وابن عمّه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، واصلا مقام النبوّة ولكن غير مستقلّ بالأمر ، بل كان تابعا لشريعة سيّد المرسلين وخاتم النبيّين محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وكان غرض النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من هذا الحديث الشريف أن يعرّف عليّاعليه‌السلام لامته في هذا المقام ، ويثبت له تلك الرتبة الرفيعة والدرجة العليّة ، وهذه خصيصة عالية من خصائص الإمام عليّعليه‌السلام .

وذكر ابن أبي الحديد في «شرح نهج البلاغة» حديث المنزلة وعلّق عليه قائلا :

ويدلّ على أنّه وزير رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من نصّ الكتاب والسنّة ، قول الله تعالى :( وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي* هارُونَ أَخِي* اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي* وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي ) (١) .

__________________

(١) سورة طه ، الآية ٢٩ ـ ٣٢.

٢٥٧

وقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الخبر المجمع على روايته بين سائر فرق الإسلام : «أنت منّي بمنزلة هارون بن موسى إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي».

فأثبت له جميع مراتب هارون من موسى.

فإذا هو وزير رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وشادّ أزره ، ولو لا أنّه خاتم النبيّين لكان شريكا في أمره(١) .

وذكر العلاّمة محمد بن طلحة الشافعي حديث المنزلة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في كتابه مطالب السئول : ١ / ٥٤ ط دار الكتاب ، وعلّق عليه فقال : فتلخيص منزلة هارون من موسى أنّه كان أخاه ووزيره ، وعضده ، وشريكه في النبوّة ، وخليفته على قومه عند سفره ، وقد جعل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليّا منه بهذه المنزلة ، وأثبتها له ، إلاّ النبوّة ، فإنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم استثناها في آخر الحديث بقوله : «لا نبيّ بعدي» فبقي ما عدا النبوّة المستثناة ثابتا لعليّعليه‌السلام من كونه أخاه ووزيره وعضده وخليفته على أهله عند سفره إلى تبوك.

وهذه من المعارج الشراف ومدارج الإزلاف ، فقد دلّ الحديث بمنطوقه ومفهومه على ثبوت هذه المزيّة العليّة لعليّعليه‌السلام ، وهو حديث متّفق على صحّته.

انتهى كلامه.

وذكر مثل هذا الكلام العلاّمة ابن الصبّاغ المالكي في كتابه «الفصول المهمّة» وكذلك كثير من علمائكم الكبار قد ذكروا الحديث وعلّقوا عليه تعليقات مفيدة ، ولكنّ الوقت لا يسمح أن أذكر لكم كلّ مقالات علمائكم وتعليقاتهم المؤيّدة لكلامنا حول حديث المنزلة.

__________________

(١) شرح نهج البلاغة : ١٣ / ٢١١ / ط دار إحياء الكتب العربية.

٢٥٨

الحافظ : ولكنّي أظنّ أنّ الاستثناء في الحديث ينفي مرتبة نبوّة عليّ كرّم الله وجهه ، وإنّ قولكم : إنّ سيّدنا محمدا (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) لو لم يكن خاتم النبيّين وكان الله يبعث بعده نبيّا لكان ذلك عليّ بن أبي طالب! من غلوّكم ولم يقل به قائل.

قلت : إنّ الحقّ واضح ، ولكنّك يا للأسف تتبّع أسلافك في إنكار الحقّ بعد ظهوره ، نعوذ بالله من التعصّب والعناد!

ثمّ اعلم أنّ هذا القول لا يكون من الشيعة فحسب حتّى ترمينا بالغلوّ ، وإنّما كثير من علمائكم ذهب هذا المذهب أيضا.

الحافظ : لا أعرف أحدا من علمائنا ذهب هذا المذهب ، وإن كنتم تعرفون أحدا فاذكروا اسمه!

قلت : أحد علمائكم الذي أخذ بهذا القول هو : ملاّ علي بن سلطان محمد الهروي القاري ، صاحب التصانيف والتآليف الكثيرة. قال في كتابه «المرقاة في شرح المشكاة» عند ذكره حديث المنزلة قال : وفيه إيماء إلى أنّه لو كان بعدهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نبيّا لكان عليّا.

ومنهم : العلاّمة الشهير والعالم النحرير جلال الدين السيوطي ، في آخر كتابه «بغية الوعّاظ في طبقات الحفّاظ» ذكر مسندا عن جابر بن عبد الله الأنصاري : أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لعليّ بن أبي طالبعليه‌السلام : أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي ولو كان لكنته.

ومنهم : المير سيّد علي الهمداني ، الفقيه الشافعي ، ذكر في الحديث الثاني من المودّة السادسة في كتابه «مودّة القربى» عن أنس بن

٢٥٩

مالك ، أنّه روى أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : إنّ الله اصطفاني على الأنبياء فاختارني واختار لي وصيّا ، واخترت ابن عمّي وصيّي ، يشدّ عضدي كما يشدّ عضد موسى بأخيه هارون ، وهو خليفتي ، ووزيري ، ولو كان بعدي نبي لكان عليّ نبيّا ، ولكن لا نبوّة بعدي.

فثبت أنّ الشيعة لا تنفرد بهذا المقال ، بل هناك كثير من علمائكم قالوا به أيضا.

بل قال به النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أيضا كما يظهر من الأخبار المرويّة في كتبكم ، وقد مرّت.

فحديث المنزلة يضمن جميع مراتب هارون بالنسبة لموسى لعليّ ابن أبي طالب بالنسبة لمحمّد المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلاّ النبوّة بعدهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم التي استثناها فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إلاّ أنّه لا نبوّة بعدي».

وأجلى المراتب الثابتة لهارون هي خلافته لقوله تعالى :( وَقالَ مُوسى لِأَخِيهِ هارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ ) (١) ومنها تثبت خلافة عليّعليه‌السلام بعد خاتم النبيّينصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

الحافظ : لقد ذكرت الآيات القرآنية أنّ هارون شريك موسى في أمر النبوّة ، فكيف جعلوه خليفة له؟! والحال أنّ مرتبة الشريك أعلى من مرتبة الخليفة ، فإذا جعلوا الشريك خليفة فقد أنزلوه من مقامه ، لأنّ مقام النبوّة أعلى من مقام الخلافة.

قلت : لو تدبّرت في حديثنا السابق وفهمته ، ما طرحت هذا الإشكال! فقد بيّنا أنّ نبوّة موسى هي الأصل ونبوّة هارون تابعة لنبوّة أخيه ، كما يقال : إنّ فلانا عضو على البدل ، فكأنّه خليفته.

__________________

(١) سورة طه ، الآيات ٢٥ ـ ٣٤.

٢٦٠