ليالي بيشاور

ليالي بيشاور0%

ليالي بيشاور مؤلف:
تصنيف: مفاهيم عقائدية
الصفحات: 1205

ليالي بيشاور

مؤلف: السيّد محمّد الموسوي الشيرازي
تصنيف:

الصفحات: 1205
المشاهدات: 211280
تحميل: 3102

توضيحات:

ليالي بيشاور
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 1205 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 211280 / تحميل: 3102
الحجم الحجم الحجم
ليالي بيشاور

ليالي بيشاور

مؤلف:
العربية

وسجّل النصر للمسلمين(١) .

ونقل ابن الصبّاغ في «الفصول المهمّة» عن صحيح مسلم ، وكذلك روى الإمام النسائي في خصائص الإمام عليّ : ٧ ط مطبعة التقدّم بالقاهرة ، قال عمر بن الخطّاب : ما أحببت الإمارة إلاّ يومئذ إلى آخره.

وأخرج السيوطي في «تاريخ الخلفاء» وابن حجر في «الصواعق» والديلمي في «فردوس الأخبار» بإسنادهم عن عمر بن الخطّاب أنّه قال : لقد اعطي عليّ بن أبي طالب ثلاث خصال ، لأن تكون لي واحدة منهنّ أحبّ إليّ من أن أعطى حمر النّعم ؛ فسئل : ما هي؟

قال : تزويجه فاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وسكناه المسجد مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يحلّ له فيه ما يحلّ له ، وإعطاؤه الراية يوم خيبر(٢) .

__________________

(١) لمّا رأى اليهود قتل مرحب وهو قائدهم وصاحب رايتهم ، انهزموا ودخلوا الحصن وأغلقوا الباب ، وبدءوا يرمون المسلمين بالنبال من سطح الحصن ، فهجم عليّعليه‌السلام على باب الحصن وقلعه من مكانه وجعله ترسا يصدّ به سهام القوم ونبالهم. وكان الباب عظيما منحوتا من الصخر ؛ يقول ابن أبي الحديد في قصائده العلوية مشيرا إلى ذلك الموقف المشرّف :

يا قالع الباب الذي عن هزّه

عجزت أكفّ أربعون وأربع

أأقول فيك سميدع كلاّ ولا

حاشا لمثلك أن يقال سميدع

إلى آخر أبياته «المترجم»

(٢) لقد اشتهر هذا الخبر عن عمر وذكره كثير من أعلام السنّة ، وإضافة إلى من ذكرهم المؤلّف فإنّي أذكر بعض من أعرف من العلماء الّذين رووا الخبر عن عمر ، منهم عبيد الله الحنفي في «أرجح المطالب» والحاكم في المستدرك ٣ / ١٢٥ ، وابن حجر الهيثمي في الصواعق : ٧٨ ، والإمام أحمد في «المسند» عن ابن عمر ، وابن كثير الدمشقي في البداية والنهاية ٧ / ٣٤١ ، والمتّقي الحنفي في كنز العمّال ٦ / ٣٣٩

٤٢١

فالخبر ثابت لا ينكره إلا المعاندون الجاهلون الّذين ليس لهم اطّلاع على تاريخ الاسلام وغزوات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . والآن فقد ثبت للحاضرين ، وخاصة العلماء والمشايخ ، بأنّي لا أتكلّم من غير دليل ، ولم أقصد إهانة الصحابة ، بل مقصدي بيان الواقع وكشف الحقائق ، التي منها الاستدلال بالتاريخ والحديث والعقل والنقل ، بأنّ جملة( أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ ) في الآية الكريمة تنطبق على الإمام عليّعليه‌السلام قبل أن تنطبق على غيره كائنا من كان.

وهذا لم يكن قولي أنا فحسب ، بل كثير من أعلامكم صرّحوا به ، منهم العلاّمة الكنجي في «كفاية الطالب» في الباب الثالث والعشرين ، فإنّه يروي حديثا عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يشبّه فيه عليّاعليه‌السلام بالأنبياء ، وفي تشبيهه بنوحعليه‌السلام يقول العلاّمة الكنجي : وشبّه بنوح لأنّ علياعليه‌السلام كان شديدا على الكافرين ، رءوفا بالمؤمنين كما وصفه الله تعالى في القرآن بقوله :( ... وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ ) (١) وأخبر الله عزّ وجلّ عن شدّة نوح على الكافرين بقوله :( ... رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً ) (٢) انتهى.

فعليّعليه‌السلام هو المصداق الأجلى والأظهر لجملة( أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ ) (٣) .

__________________

ح ٦٠١٣ ـ ٦٠١٥ ، والموفّق بن أحمد الخطيب الخوارزمي في المناقب : ٢٣٢. «المترجم».

(١) سورة الفتح ، الآية ٢٩.

(٢) سورة نوح ، الآية ٢٦.

(٣) الّذي يعرف من الأخبار والتواريخ أنّ عمر بن الخطّاب كان شديدا على المسلمين ،

٤٢٢

__________________

ولكي تعرف الحقيقة والواقع أنقل لك بعضها :

قال ابن قتيبة في كتابه الإمامة والسياسة : ١٩ ط مطبعة الامّة بمصر سنة ١٣٢٨ ه‍ : فدخل عليه المهاجرون والأنصار حين بلغهم أنّه استخلف عمر ، فقالوا : نراك استخلفت علينا عمر ، وقد عرفته وعلمت بوائقه فينا ، وأنت بين أظهرنا ، فكيف إذا ولّيت عنّا؟!

بوائقه ، غوائل وشروره. النهاية.

وروى السيوطي في تاريخ الخلفاء ٨٢ :

عن أسماء بنت عميس ، أنّها قالت : دخل طلحة بن عبيد الله على أبي بكر فقال : استخلفت على الناس عمر! وقد رأيت ما يلقى الناس منه وأنت معه ، فكيف إذا خلا بهم وأنت لاق ربّك؟!

ونقل الديار بكري في تاريخ الخميس ٢ / ٢٤١ :

قال طلحة لأبي بكر : أتولّي علينا فظّا غليظا؟! ما تقول لربّك إذا لقيته؟!

وروى الديار بكري في نفس الصفحة ، عن جامع بن شدّاد ، عن أبيه ، أنّه قال :

كان أوّل كلام تكلّم به عمر حين صعد المنبر أن قال : اللهمّ إنّي شديد فليّنّي ، وإنّي ضعيف فقوّني ، وإنّي بخيل فسخّني.

ونقل ابن الأثير في تاريخه الكامل ٣ / ٥٥ ، والطبري في تاريخه ٥ / ١٧ ، أنّ عمر خطب أمّ أبان بنت عتبة بن ربيعة فكرهته وقالت : يغلق بابه ، ويمنع خيره ، ويدخل عابسا ، ويخرج عابسا!!

وقال ابن أبي الحديد في شرح النهج ١ / ١٨٣ ط دار إحياء التراث العربي.

وكان في أخلاق عمر وألفاظه جفاء وعنجهيّة ظاهرة.

وقال في ج ١٠ / ١٨١ ط دار إحياء التراث العربي :

وإنّما الرجل [عمر] كان مطبوعا على الشدّة والشراسة والخشونة!

أقول : أظهر شراسته وخشونته وشدّته على آل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفي هجومه على بيت فاطمة البتول وقرّة عين الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أكثر من أيّ مكان آخر!!

٤٢٣

__________________

قال ابن عبد ربّه الأندلسي في العقد الفريد ٢ / ٢٠٥ ط المطبعة الأزهرية :

الّذين تخلّفوا عن بيعة أبي بكر : عليّ والعبّاس والزبير وسعد بن عبادة. فأما عليّ والعبّاس والزبير فقعدوا في بيت فاطمة حتّى بعث إليهم أبو بكر عمر بن الخطّاب ليخرجهم من بيت فاطمة وقال له : إن أبوا فقاتلهم.

فأقبل بقبس من نار ، على أن يضرم عليهم الدار!

فلقيته فاطمة ، فقالت : يا ابن الخطاب! أجئت لتحرق دارنا؟!

قال : نعم!

ونقل الشهرستاني في الملل والنحل ١ / ٥٧ عن النظّام ، قال :

إنّ عمر ضرب بطن فاطمةعليها‌السلام يوم البيعة حتّى ألقت الجنين من بطنها ، وكان يصيح : أحرقوا دارها بمن فيها! وما كان في الدار غير عليّ وفاطمة والحسن والحسين.

وقال الصفدي في الوافي بالوفيات ٦ / ١٧ :

إنّ عمر ضرب بطن فاطمة يوم البيعة حتّى ألقت المحسّن من بطنها!

وأخرج البلاذري في أنساب الأشراف ١ / ٥٨٦ ، عن سليمان التيمي وعن ابن عون : إنّ أبا بكر أرسل إلى عليّ يريد البيعة ، فلم يبايع ، فجاء عمر ومعه فتيلة ؛ فتلقّته فاطمة على الباب فقالت : يا ابن الخطّاب! أتراك محرّقا عليّ بابي؟!

قال : نعم ، وذلك أقوى فيما جاء به أبوك!!

أقول : وهل بعد الجملة الأخيرة يقال : إنّ عمر كان مؤمنا؟!!

وقال الأستاذ عبد الفتّاح عبد المقصود في كتابه السقيفة والخلافة : ١٤ :

أتى عمر بن الخطّاب منزل عليّ وفيه طلحة والزبير ورجال من المهاجرين فقال : والله لأحرقنّ عليكم أو لتخرجن إلى البيعة.

قال : ثمّ تطالعنا صحائف ما أورد المؤرّخون بالكثير من أشباه هذه الأخبار المضطربة التي لانعدم أن نجد من بينها من عنف عمر ما يصل به إلى الشروع في قتل

٤٢٤

وأمّا قولكم بأنّ جملة( رُحَماءُ بَيْنَهُمْ ) تنطبق على عثمان بن عفّان ، وهي إشارة إلى مقام الخلافة في المرتبة الثالثة ، وأنّ عثمان كان رقيق القلب ، بالمؤمنين رءوفا رحيما

فنحن لا نرى ذلك من صفات عثمان ، بل التاريخ يحدّثنا على عكس ذلك ، وأرجو أن لا تسألوني توضيح الموضوع أكثر من هذا ؛ لأنّي أخاف أن تحملوا حديثي على الإساءة والإهانة بمقام الخليفة الثالث. ولا احبّ أن أزعجكم.

الحافظ : نحن لا نضجر إذا لم يكن حديثك فحشا ، وكان مدعما بالدليل ومطابقا للواقع مع ذكر الأسناد والمصادر.

قلت : أوّلا : إنّي ما كنت ولم أكن فحّاشا ، بل سمعت الفحش وأجبت بالمنطق والبرهان!

__________________

عليّ أو إحراق بيته على من فيه! فلقد ذكر أنّ أبا بكر أرسل عمر بن الخطّاب ومعه جماعة بالنار والحطب إلى دار عليّ وفاطمة والحسن والحسين ليحرقوه بسبب الامتناع عن بيعته ، فلمّا راجع عمر بعض الناس قائلين : إنّ في البيت فاطمة! قال : وإن!!

وقال عمر رضا كحّالة : فدعا بالحطب وقال : والذي نفس عمر بيده ، لتخرجنّ أو لأحرقنّها على من فيها. فقيل له : يا أبا حفص! إنّ فيها فاطمة! قال : وإن.

أقول : لقد نظم هذه الواقعة شاعر النيل حافظ إبراهيم في قصيدة تحت عنوان : عمر وعليّ ، مطبوعة في ديوانه ١ / ٧٥ ط دار الكتب المصرية :

وقولة لعليّ قالها عمر

أكرم بسامعها أعظم بملقيها

حرّقت دارك لا ابقي بها أحدا

إن لم تبايع وبنت المصطفى فيها

ما كان غير أبي حفص يفوه بها

أمام فارس عدنان وحاميها

«المترجم»

٤٢٥

ثانيا : هناك أدلّة كثيرة على خلاف ما ذهبتم في شأن عثمان ، فإنّ جملة( رُحَماءُ بَيْنَهُمْ ) لا تنطبق عليه أبدا ، ولإثبات قولي اشير إلى بعض الدلائل ، وأترك التحكيم والقضاء للحاضرين الأعزّاء.

سيرة عثمان

لقد أجمع المؤرّخون والأعلام ، مثل : ابن خلدون ، وابن خلّكان ، وابن أعثم الكوفي ، وأصحاب الصحاح كلّهم ، والمسعودي في مروج الذهب ١ / ٤٣٥ ، وابن أبي الحديد في شرح النهج ، والطبري في تاريخه ، وغيرهم من علمائكم ، قالوا : إنّ عثمان بن عفّان حينما ولي الخلافة سار على خلاف سنّة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسيرة الشيخين ، ونقض العهد الذي عاهده عليه عبد الرحمن بن عوف في مجلس الشورى حين بايعه على كتاب الله وسنّة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسيرة الشيخين ، وأن لا يسلّط بني أميّة على رقاب المسلمين.

ولكن حينما استتبّ له الأمر خالف العهد ، وتعلمون بأنّ نقض العهد من كبائر الذنوب ، والقرآن الحكيم يصرّح بذلك.

قال تعالى :( ... وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلاً ) (١) .

وقال تعالى :( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ* كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ ) (٢) .

الحافظ : نحن لا نعلم لذي النورين خلافا ، وإنّما هذا قولكم ومن مزاعم الشيعة ، ولا دليل عليه!

__________________

(١) سورة الإسراء ، الآية ٣٤.

(٢) سورة الصفّ ، الآية ٢ و ٣.

٤٢٦

قلت : راجعوا شرح النهج ـ لابن أبي الحديد ـ ١ / ١٩٨ ط دار إحياء التراث العربي ، فإنّه قال : وثالث القوم هو عثمان بن عفّان بايعه الناس بعد انقضاء الشورى واستقرار الأمر له ، وصحّت فيه فراسة عمر ، فإنّه أوطأ بني اميّة رقاب الناس ، وولاّهم الولايات ، وأقطعهم القطائع ، وافتتحت إفريقية في أيّامه فأخذ الخمس كلّه فوهبه لمروان.

وأعطى عبد الله بن خالد أربعمائة ألف درهم.

وأعاد الحكم بن أبي العاص إلى المدينة ، بعد أن كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد سيّره ـ أي : نفاه من المدينة ـ ثمّ لم يردّه أبو بكر ولا عمر! وأعطاه مائة ألف درهم.

وتصدّق رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بموضع سوق بالمدينة ـ يعرف بمهزوز ـ على المسلمين ، فأقطعه عثمان الحارث بن الحكم أخا مروان.

وأقطع مروان فدك ، وقد كانت فاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طلبتها بعد وفاة أبيهاصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تارة بالميراث ، وتارة بالنحلة ، فدفعت عنها.

وحمى المراعي حول المدينة كلها من مواشي المسلمين كلّهم إلاّ عن بني اميّة.

وأعطى عبد الله بن أبي السّرح جميع ما أفاء الله عليه من فتح إفريقية بالمغرب ، وهي من طرابلس الغرب إلى طنجة ، من غير أن يشركه فيه أحد من المسلمين.

وأعطى أبا سفيان بن حرب(١) مائتي ألف من بيت المال ، في اليوم

__________________

(١) ربّما يتساءل القارئ : من كان أبو سفيان؟ ولما ذا يمنحه عثمان هذا المبلغ من بيت مال المسلمين؟ أكان هذا العطاء من أجل خدمة قدّمها للدين؟!

٤٢٧

الذي أمر فيه لمروان بن الحكم بمائة ألف من بيت المال ، وقد كان زوّجه ابنته أمّ أبان. فجاء زيد بن أرقم صاحب بيت المال بالمفاتيح ، فوضعها بين يدي عثمان وبكى وقال : والله لو أعطيت مروان مائة درهم لكان كثيرا!

فقال : ألق المفاتيح يا ابن أرقم ، فإنّا سنجد غيرك!

وأتاه أبو موسى بأموال من العراق جليلة ، فقسّمها كلّها في بني اميّة.

وأنكح الحارث بن الحكم ـ أخا مروان ـ ابنته عائشة ، فأعطاه مائة ألف من بيت المال ، بعد طرده زيد بن أرقم عن خزانته.

وانضمّ إلى هذه الأمور ، امور اخرى نقمها عليه المسلمون ، كتسيير أبي ذرّرحمه‌الله تعالى إلى الرّبذة ، وضرب عبد الله بن مسعود حتّى كسر أضلاعه ، وما أظهر من الحجّاب. والعدول عن طريقة عمر في إقامة الحدود وردّ المظالم وكفّ الأيدي العادية والانتصاب لسياسة الرعية!

__________________

فأنا أنقل قضيّة تاريخية حتّى يعرف القارئ الكريم جواب ما تساءل عنه :

روى ابن أبي الحديد في شرح النهج ٩ / ٥٣ ط دار إحياء التراث العربي ، عن الشعبي ، أنّه قال :

فلمّا دخل عثمان رحله ـ بعد ما بويع له بالخلافة ـ دخل إليه بنو اميّة حتى امتلأت بهم الدار ، ثم أغلقوها عليهم ، فقال أبو سفيان بن حرب : أعندكم أحد من غيركم؟

قالوا : لا.

قال : يا بني اميّة! تلقّفوها تلقّف الكرة ، فوالذي يحلف به أبو سفيان ، ما من عذاب ولا حساب ، ولا جنّة ولا نار ، ولا بعث ولا قيامة!! «المترجم»

٤٢٨

وختم ذلك ما وجدوه من كتابه إلى معاوية يأمره فيه بقتل قوم من المسلمين إلى آخره.

هذا كلام ابن أبي الحديد في عثمان بن عفّان.

وذكر المسعودي في مروج الذهب ٢ / ٣٤١ ـ ٣٤٣ :

فقد بلغت ثروة الزبير خمسين ألف دينار وألف فرس وألف عبد وضياعا وخططا في البصرة والكوفة ومصر والإسكندرية ، وكانت غلّة طلحة بن عبيد الله(١) من العراق كلّ يوم ألف دينار ، وقيل أكثر.

وكان على مربط عبد الرحمن بن عوف مائة فرس ، وله ألف بعير ، وعشرة آلاف شاة ، وبلغ ربع ثمن ماله بعد وفاته أربعة وثمانين ألفا.

وحين مات زيد بن ثابت خلّف من الذهب والفضة ما كان يكسر بالفئوس غير ما خلّف من الأموال والضياع بقيمة مائة ألف دينار.

ومات يعلى بن منية وخلّف خمسمائة ألف دينار وديونا وعقارات وغير ذلك ما قيمته ثلاثمائة ألف دينار.

أمّا عثمان نفسه فكان له يوم قتل عند خازنه مائة وخمسون

__________________

(١) قال ابن أبي الحديد في شرح النهج ٢ / ١٦١ ط دار إحياء التراث العربي :

قال أبو جعفر ـ الطبري ، صاحب التاريخ ـ : وكان لعثمان على طلحة بن عبيد الله خمسون ألفا ، فقال طلحة له يوما : قد تهيّأ مالك فاقبضه ، فقال : هو لك معونة على مروءتك.

وقال ابن أبي الحديد في ج ٩ / ٣٥ : روي أن عثمان قال : ويلي على ابن الحضرمية ـ يعني : طلحة ـ أعطيته كذا وكذا بهارا ذهبا. وهو يروم دمي يحرّض على نفسي.

قال : والبهار : الحمل ؛ قيل : هو ثلاثمائة رطل بالقبطية.

«المترجم»

٤٢٩

ألف دينار وألف ألف [أي : مليون] درهم ، وقيمة ضياعه بوادي القرى وحنين وغيرهما مائة ألف دينار ، وخلّف خيلا كثيرا وإبلا.

ثمّ قال المسعودي بعد ذلك : وهذا باب يتّسع ذكره ، ويكثر وصفه فيمن تملّك الأموال في أيّامه.

انتهى كلام المسعودي.

هكذا كان عثمان وحاشيته يتسابقون في كنز الذهب والفضة ، وجمع الخيل والإبل والمواشي ، وامتلاك الاراضي والعقار ، في حين كان كثير من المسلمين المؤمنين لا يملكون ما يسدّون به جوعهم ويكسون به أجسامهم.

أكان هذا السلوك يليق بمن يدّعي خلافة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهل كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كذلك؟!

كلاّ وحاشا ، ولا شكّ أنّ عثمان خالف طريقة أبي بكر وناقض سيرة عمر أيضا ، وكان هو قد عاهد على أن يسلك سبيلهما.

ذكر المسعودي في مروج الذهب ، ج ١ ، في ذكره سيرة عثمان وأخباره ، فقال بالمناسبة : إنّ الخليفة عمر مع ولده عبد الله ذهبا إلى حجّ بيت الله الحرام ، فلما رجع إلى المدينة كان ما صرفه في سفره ستّة عشر دينارا ، فقال لابنه : ولدي لقد أسرفنا في سفرنا هذا.

فاستدلّوا على تبذير عثمان لأموال المسلمين بكلام عمر بن الخطّاب ، وشاهدوا كم الفرق بينهما؟!

توليته بني اميّة

إنّ عثمان مكّن فسّاق بني اميّة وفجّارهم من بلاد المسلمين ،

٤٣٠

وسلّطهم على رقاب المؤمنين وأموالهم(١) ، فاتّخذوا أموال الله دولا ، وعباده خولا ، وسعوا في الأرض فسادا ، منهم : عمّه الحكم بن أبي العاص وابنه مروان ، وهما ـ كما نجد في التاريخ ـ طريدا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد لعنهما ونفاهما من المدينة إلى الطائف.

الحافظ : ما هو دليلكم على لعن هذين بالخصوص؟

قلت : دليلنا على لعنهما من جهتين ، جهة عامة ، وجهة خاصّة.

أمّا الجهة العامّة : فهما غصنان من الشجرة الملعونة في القرآن ، بقوله تعالى :( ... وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ ) (٢) .

وقد فسّرها أعلام المفسّرين وكبار المحدّثين ، ببني اميّة ، منهم : الطبري والقرطبي والنيسابوري والسيوطي والشوكاني والآلوسي ، وابن أبي حاتم والخطيب البغدادي وابن مردويه والحاكم المقريزي والبيهقي وغيرهم ، فقد رووا في تفسير الآية الكريمة عن ابن عبّاس أنّه

__________________

(١) قال ابن أبي الحديد في شرح النهج ٩ / ٢٤ ط دار إحياء التراث العربي :

وروى شيخنا أبو عثمان الجاحظ ، عن زيد بن أرقم ، قال :

سمعت عثمان وهو يقول لعليّعليه‌السلام : أنكرت عليّ استعمال معاوية ، وأنت تعلم أن عمر استعمله!

قال عليّعليه‌السلام : نشدتك الله! ألا تعلم أنّ معاوية كان أطوع لعمر من يرفأ غلامه! إنّ عمر كان إذا استعمل عاملا وطئ على صماخه ، وإنّ القوم ركبوك وغلبوك واستبدّوا بالأمر دونك.

فسكت عثمان! «المترجم»

(٢) سورة الإسراء ، الآية ٦٠.

٤٣١

قال : الشجرة الملعونة في القرآن هم بنو أميّة ، فإنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رأى فيما يراه النائم أنّ عددا من القردة تنزو على منبره وتدخل محرابه ، فلمّا استيقظ من نومه نزل عليه جبرئيل وأخبره : أنّ القردة التي رأيتها في رؤياك إنّما هي بنو اميّة ، وهم يغصبون الخلافة والمحراب والمنبر طيلة ألف شهر(١) .

وأمّا الفخر الرازي فيروي في تفسيره عن ابن عبّاس : أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يسمّي من بني اميّة الحكم بن أبي العاص ويخصّه باللعن.

وأمّا الجهة الخاصّة في لعنهما ، فالروايات من الفريقين كثيرة :

أمّا روايات الشيعة فلا أذكرها ، وأكتفي بذكر ما نقله كبار علمائكم ومحدّثيكم ، منهم : الحاكم النيسابوري في المستدرك ٤ / ٤٨٧ ، وابن حجر الهيتمي المكّي في «الصواعق» قال : وصحّحه الحاكم ، قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّ أهل بيتي سيلقون بعدي من أمّتي قتلا وتشريدا ، وإنّ أشدّ

__________________

(١) قال ابن أبي الحديد فى شرح النهج ٩ / ٢٢٠ ط دار إحياء التراث العربي ، قال في تفسير قوله تعالى :( وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ ) فإنّ المفسّرين قالوا : رأى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الرؤيا بني أميّة ينزون على منبره نزو القردة ـ هذا لفظ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الّذي فسّر لهم الآية ـ فساءه ذلك ، ثمّ قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «الشجرة الملعونة ، بنو اميّة وبنو المغيرة».

ونحوه قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «إذا بلغ بنو أبي العاص ثلاثين رجلا اتّخذوا مال الله دولا ، وعباده خولا».

وورد عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من ذمّهم الكثير المشهور ، نحو قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «أبغض الأسماء إلى الله : الحكم وهشام والوليد».

وفي خبر آخر : «اسمان يبغضهما الله : مروان والمغيرة ...»

هذا ما أردنا نقله من ابن أبي الحديد.

«المترجم»

٤٣٢

قومنا لنا بغضا بنو اميّة وبنو المغيرة وبنو مخزوم.

قال : ومروان بن الحكم كان طفلا ، قال له النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : وهو الوزغ بن الوزغ ، والملعون بن الملعون.

وروى ابن حجر أيضا ، والحلبي في السيرة الحلبيّة ١ / ٣٣٧ ، والبلاذري في أنساب الأشراف ٥ / ١٢٦ ، والحافظ سليمان الحنفي في «ينابيع المودّة» والحاكم في المستدرك ٤ / ٤٨١ ، والدميري في حياة الحيوان ٢ / ٢٩٩ ، وابن عساكر في تاريخه ، ومحبّ الدين الطبري في «ذخائر العقبى» وغير هؤلاء ، كلهم رووا عن عمر بن مرّة الجهني : أنّ الحكم بن أبي العاص استأذن على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فعرف صوته. فقال : «ائذنوا له ، عليه لعنة الله وعلى من يخرج من صلبه ، إلاّ المؤمن منهم وقليل ما هم».

ونقل الإمام الفخر الرازي في تفسيره الكبير ، في ذيل الآية :( وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ ) أنّ عائشة كانت تقول لمروان : لعن الله أباك وأنت في صلبه. فأنت بعض من لعنه الله!

والمسعودي في مروج الذهب ١ / ٤٣٥ يقول : مروان بن الحكم طريد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذي أخرجه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ونفاه من المدينة.

إنّ أبا بكر وعمر لم يأذنا له بالرجوع إلى المدينة ، ولكنّ عثمان خالف النبيّ والشيخين ، فأجاز مروان بالإقامة في المدينة ، وزوّجه ابنته أمّ أبان ، ومنحه الأموال ، وفسح له المجال حتّى أصبح صاحب الكلمة النافذة في الدولة(١) .

__________________

(١) قال ابن أبي الحديد في شرح النهج ٣ / ١٢ نقلا عن قاضي القضاة عبد الجبّار : حتّى

٤٣٣

وقال ابن أبي الحديد ـ نقلا عن بعض أعلام عصره ـ : إنّ عثمان سلّم عنانه إلى مروان يصرفه كيف شاء ، الخلافة له في المعنى ولعثمان في الاسم.

النوّاب : من كان الحكم بن أبي العاص؟ ولما ذا لعنه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ونفاه من المدينة؟

قلت : هو عمّ الخليفة عثمان ؛ وقد ذكر الطبري وابن الأثير في التاريخ والبلاذري في أنساب الأشراف ٥ / ١٧ : أنّ الحكم بن أبي العاص كان في الجاهلية جارا لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكان كثيرا ما يؤذي النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مكّة ، ثمّ جاء إلى المدينة بعد عام الفتح ، وأسلم في الظاهر ، ولكنّه كان يسعى لأن يحقّر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويحاول أن يحطّ من شأنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بين الناس. وكان يمشي خلف النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويبدي من نفسه

__________________

كان من أمر مروان وتسلّطه عليه [عثمان] وعلى أموره ما قتل بسببه ، وذلك ظاهر لا يمكن دفعه.

وقال في ج ١٠ / ٢٢٢ نقلا عن أبي جعفر النقيب أنه كان يقول في عثمان : إنّ الدولة في أيّامه كانت على إقبالها وعلوّ جدّها ، بل كانت الفتوح في أيّامه أكثر ، والغنائم أعظم ، لو لا أنّه لم يراع ناموس الشيخين ، ولم يستطع أن يسلك مسلكهما ، وكان مضعّفا في أصل القاعدة ، مغلوبا عليه ، وكثير الحبّ لأهله ، وأتيح له من مروان وزير سوء أفسد القلوب عليه ، وحمل الناس على خلعه وقتله.

وقال ابن أبي الحديد أيضا في شرح النهج ٩ / ٢٥ و ٢٦ ط دار إحياء التراث العربي ، نقلا عن جعفر بن مكّي الحاجب ، عن محمّد بن سليمان حاجب الحجّاب : وكان عثمان مستضعفا في نفسه ، رخوا ، قليل الحزم ، واهي العقيدة ، وسلّم عنانه إلى مروان يصرفه كيف شاء ، الخلافة له في المعنى ولعثمان في الاسم

«المترجم»

٤٣٤

حركات وإشارات يتسهزئ بها برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويجرّئ على السخرية منهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم !!

فدعا عليه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يبقى على الحالة التي كان عليها ، فبقي على حالة غريبة تشبه الجنون ، وصار الناس يستهزءون به ويسخرون منه.

فذهب يوما إلى بيت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولا أعلم ما صدر منه ، إلاّ أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خرج وقال «لا يشفّع أحد للحكم!».

ثمّ أمرصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بنفيه مع أولاده وعياله ، فأخرجه المسلمون من المدينة ، فأقام في الطائف.

ولمّا ولي أبو بكر الخلافة شفع له عثمان عند الخليفة ليأذن له بالرجوع إلى المدينة ، ولكنّه رفض ، وبعده شفع له عثمان عند عمر ، فرفض ، وقالا : هو طريد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلا نعيده ولا نأذن له أن يقيم في المدينة.

فلمّا آل الأمر إليه وأصبح هو الخليفة بعد عمر ، أعاد الحكم مع أولاده الى المدينة وأحسن إليهم كثيرا ولم يعبأ بمخالفة الصحابة واعتراض المؤمنين ، بل منحهم أموال بيت المال ، ونصب مروان بن الحكم وزيرا واتخذه مشيرا ، فجمع حوله أشرار بني أميّة وأسند إليهم الأمور والولايات.

فجور وإليه في الكوفة

فولّى على الكوفة الوليد بن عقبة بن أبي معيط ، وهو أخو عثمان لأمّه ، واسمها أروى ، وقد صرّح النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه من أهل النار! كما في

٤٣٥

رواية المسعودي في مروج الذهب ، ج ١ ، في أخبار عثمان ، وكان فاسقا متجاهرا بالشرور ، ومتظاهرا بالفجور.

وذكر أبو الفداء في تاريخه ، والمسعودي في مروج الذهب وأبو الفرج في الأغاني ٤ / ١٧٨ ، والسيوطي في تاريخ الخلفاء : ١٠٤ ، والإمام أحمد في المسند ١ / ١٤٤ ، والطبري في تاريخه ٥ / ٦٠ ، والبيهقي في سننه ٨ / ٣١٨ ، وابن الأثير في اسد الغابة ٥ / ٩١ ، وابن أبي الحديد في شرح النهج ٣ / ١٨ ط دار إحياء التراث العربي.

هؤلاء وغيرهم من أعلام السّنة ذكروا : أنّ الوليد بن عقبة ـ والي الكوفة من قبل عثمان ـ شرب الخمر ودخل المحراب سكرانا وصلّى الصبح بالناس أربع ركعات وقال لهم : إن شئتم أزيدكم!!

وبعضهم ذكر بأنّه تقيّأ في المحراب ، فشمّ الناس منه رائحة الخمر ، فأخرجوا من إصبعه خاتمه ولم يشعر بذلك ، فشكوه إلى عثمان ، فهدّد الشهود وأبى أن يجري الحدّ عليه ، فضغط عليه الإمام عليّعليه‌السلام والزبير وعائشة وغيرهم من الصحابة ، حتّى اضطرّ إلى ذلك ، فعزله وأرسل سعيد بن العاص مكانه ، وهو لا يقلّ عن ذاك في الخمر والمجون والفسق والفجور.

وولى على البصرة ابن خاله عبد الله بن عامر وعمره خمس وعشرون سنة ، وكان معاوية عاملا لعمر علي دمشق والأردن ، فضمّ إليه عثمان ولاية حمص وفلسطين والجزيرة(١) .

__________________

(١) نقل ابن أبي الحديد في شرح النهج ٤ / ٧٩ ط دار إحياء التراث العربي ، قال :

وروى شيخنا أبو عبد الله البصري المتكلّم رحمه‌الله تعالى ، عن نصر بن عاصم

٤٣٦

هؤلاء وأمثالهم ما كانوا من ذوي السابقة في الدين والجهاد في الإسلام ، وإنّما كانوا متّهمين في دينهم ، بل كان فيهم مثل الوليد بن عقبة الذي أعلن القرآن فسقه كما يحدّثنا المفسّرون في ذيل الآية

__________________

الليثي ، عن أبيه ، قال : أتيت مسجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والناس يقولون : نعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله! فقلت : ما هذا؟! قالوا : معاوية قام الساعة ، فأخذ بيد أبي سفيان ، فخرجا من المسجد ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «لعن الله التابع والمتبوع : ربّ يوم لامّتي من معاوية ذي الاستاه ـ يعني الكبير العجز ـ».

وقال : روى العلاء بن حريز القشيري ، أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لمعاوية «لتتّخذنّ يا معاوية البدعة سنّة ، والقبح حسنا ، أكلك كثير ، وظلمك عظيم».

وفي صفحتي ٨٠ و ٨١ نقل ابن أبي الحديد عن شيخه ، قال :

قال شيخنا أبو القاسم البلخي : من المعلوم الذي لا ريب فيه ـ لاشتهار الخبر به ، وإطباق الناس عليه ـ أنّ الوليد بن عقبة بن أبي معيط كان يبغض عليّا ويشتمه ، وأنّه هو الذي لاحاه في حياة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ونابذه ، وقال له : أنا أثبت منك جنانا ، وأحدّ سنانا ، فقال له عليّ عليه‌السلام : اسكت يا فاسق ، فأنزل الله تعالى فيهما : ( أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ ) السجدة / ١٨.

وسمّي الوليد ـ بحسب ذلك ـ في حياة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالفاسق ؛ فكان لا يعرف إلا بالوليد الفاسق.

قال : وسمّاه الله تعالى فاسقا في آية اخرى وهو قوله تعالى : ( إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا ) سورة الحجرات : ٦ ، وسبب نزولها مشهور.

قال : وكان الوليد مذموما معيبا عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يشنؤه ويعرض عنه ، وكان ببغض رسول الله ويشنؤه أيضا ، وأبوه عقبة بن أبي معيط هو العدوّ الأزرق بمكّة ، والذي كان يؤذى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في نفسه وأهله ، فلمّا ظفر صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم به يوم بدر ضرب عنقه ، وورث ابنه الوليد الشنآن والبغضة لمحمّد وأهله ؛ فلم يزل عليهما إلى أن مات.

«المترجم»

٤٣٧

الكريمة :( أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ ) (١) .

فالمؤمن عليّعليه‌السلام والفاسق الوليد.

وقوله تعالى :( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ ) (٢) ، وقال المفسّرون في شأن نزولها : إنّ الوليد كذب على بني المصطلق عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وادّعى أنّهم منعوه الصدقة ، ولو قصصنا مخازيه ومساويه لطال بها الشرح.

وكان المسلمون ـ أعيانهم وعامّتهم ـ يراجعون عثمان في شأن هؤلاء الولاة من أقاربه ويطلبون منه عزلهم فلا يعزلهم ، ولا يسمع فيهم شكاية إلاّ كارها ، وربّما ضرب الشاكين وأخرجهم من المجلس بعنف!

أسباب الثورة على عثمان

إنّ من أهمّ أسباب الثورة على عثمان ، سيرته المخالفة لسيرة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسيرة الشيخين ، فلو كان يسعى ليغيّر سيرته الخاطئة ويصلح الامور ويعمل بنصيحة الناصحين ، أمثال الإمام عليّعليه‌السلام وابن عبّاس ، لكان الناس يهدءون والمياه ترجع إلى مجاريها الطبيعية(٣) ، ولكنّه اغترّ

__________________

(١) سورة السجدة ، الآية ١٨.

(٢) سورة الحجرات ، الآية ٦.

(٣) قال ابن أبي الحديد في شرح النهج ٢ / ١٥١ و ١٥٢ نقلا عن تاريخ الطبري :و

كان عثمان قد استشار نصحاءه في أمره فأشاروا أن يرسل إلى عليّعليه‌السلام يطلب إليه أن يردّ الناس ويعطيهم ما يرضيهم ليطاولهم حتّى تأتيه الأمداد.

فقال : إنّهم لا يقبلون التعليل ، وقد كان منّي في المرّة الأولى ما كان.

٤٣٨

بكلام حاشيته وحزبه من بني اميّة حتّى قتل ، وقد كان عمر بن الخطّاب تنبّأ بذلك ، لأنّه عاشر عثمان مدّة طويلة ، وعرف أخلاقه وسلوكه كما يقول ابن أبي الحديد في شرح النهج ١ / ١٨٦ ط دار إحياء التراث العربي قال :

في قصّة الشورى فقال عمر : أفلا أخبركم عن أنفسكم؟!

ثمّ أقبل على عليّعليه‌السلام فقال : لله أنت! لو لا دعابة فيك! أما والله

__________________

فقال مروان : أعطهم ما سألوك ، وطاولهم ما طاولوك ، فإنّهم قوم قد بغوا عليك ، ولا عهد لهم.

فدعا عليّاعليه‌السلام وقال له : قد ترى ما كان من الناس ، ولست آمنهم على دمي ، فارددهم عنّي ، فإنّي أعطيهم ما يريدون من الحق من نفسي ومن غيري.

فقال عليّ عليه‌السلام : إنّ الناس إلى عدلك أحوج منهم إلى قتلك ، وإنّهم لا يرضون إلا بالرضا ، وقد كنت أعطيتهم من قبل عهدا فلم تف به ، فلا تغرّر في هذه المرّة ، فإنّي معطيهم عنك الحقّ.

فقال : أعطهم ، فو الله لأفينّ لهم

فقال : اضرب بيني وبين الناس أجلا ، فإنّي لا أقدر على تبديل ما كرهوا في يوم واحد.

فقال عليّ عليه‌السلام : أمّا ما كان بالمدينة فلا أجل فيه ، وأمّا ما غاب فأجله وصول أمرك.

قال : نعم ، فأجّلني في ما بالمدينة ثلاثة أيّام.

فأجابه إلى ذلك ، وكتب بينه وبين الناس كتابا على ردّ كلّ مظلمة ، وعزل كلّ عامل كرهوه ، فكفّ الناس عنه.

وجعل يتأهّب سرّا للقتال ويستعدّ بالسلاح ، واتّخذ جندا فلمّا مضت الأيّام الثلاثة ولم يغيّر شيئا ثار عليه الناس إلى آخره.

«المترجم»

٤٣٩

لئن وليتهم لتحملنّهم على الحقّ الواضح ، والمحجّة البيضاء.

ثمّ أقبل على عثمان ، فقال : هيها إليك! كأنّي بك قد قلدتك قريش هذا الأمر لحبّها إيّاك ، فحملت بني اميّة وبني أبي معيط على رقاب الناس ، وآثرتهم بالفيء ، فسارت إليك عصابة من ذؤبان العرب فذبحوك على فراشك ذبحا إلى آخره.

وقال في ج ٢ / ١٢٩ : وأصحّ ما ذكر في ذلك ما أورده الطبري في تاريخه ، حوادث سنة ٣٣ ـ ٣٥ ، وخلاصة ذلك : أنّ عثمان أحدث أحداثا مشهورة نقمها الناس عليه ، من تأمير بني اميّة ، ولا سيّما الفسّاق منهم وأرباب السّفه وقلّة الدين ، وإخراج مال الفيء إليهم ، وما جرى في أمر عمّار بن ياسر وأبي ذرّ وعبد الله بن مسعود ، وغير ذلك من الأمور التي جرت في أواخر خلافته.

وراجعوا التاريخ حول أبي سفيان وبنيه ، وهو من زعماء بني اميّة ، وانظروا إلى ما نقله الطبري في تاريخه ، فقد قال : إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رأى أبا سفيان مقبلا على حماره ومعاوية يقوده ويزيد بن أبي سفيان يسوق بالحمار ، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لعن الله الراكب والقائد والسائق».

وبالرغم من ذلك نجد في التاريخ أنّ عثمان أكرمه وأعطاه أموالا كثيرة ، وكان له عند الخليفة مقاما وجاها عاليا ، وهو الذي أنكر القيامة والمعاد في مجلس عثمان ، فارتدّ عن الإسلام ، وكان على الخليفة أن يأمر بقتله ؛ لأنّ المرتدّ جزاؤه القتل ، لكنّه تغاضى عنه واكتفى بإخراجه!

فأنصفوا وفكّروا! لما ذا كان عثمان يكرم أبا سفيان المرتدّ ، ويؤوي

٤٤٠