ليالي بيشاور

ليالي بيشاور0%

ليالي بيشاور مؤلف:
تصنيف: مفاهيم عقائدية
الصفحات: 1205

ليالي بيشاور

مؤلف: السيّد محمّد الموسوي الشيرازي
تصنيف:

الصفحات: 1205
المشاهدات: 211173
تحميل: 3102

توضيحات:

ليالي بيشاور
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 1205 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 211173 / تحميل: 3102
الحجم الحجم الحجم
ليالي بيشاور

ليالي بيشاور

مؤلف:
العربية

الرجال في أمور لا تعنيها ، بل مخالفة لشأنها ومقامها كزوجة للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . وهذا مقصودنا من تسويدها تاريخها ، وليتها كانت تسلك مسلك قريناتها ، أعني زوجات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتحافظ على حرمة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما حفظنها.

الشيخ عبد السلام : أظن أنّ سبب عدائكم وبغضكم لأم المؤمنين عائشة ، هو خروجها على الإمام علي كرم الله وجهه ، وإلاّ فإنّ سلوكها مع رسول الله (ص) كان أحسن سلوك ، وليس لأحد انتقاد في ذلك ، وكان رسول الله يكرمها كثيرا ونحن نكرمها لإكرام النبيّ لها.

قلت : سبب بغضنا لعائشة ، ليس خروجها على الإمام عليعليه‌السلام فحسب ، بل لسوء سلوكها مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وإيذائها له أيضا ، وتمرّدها عليهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعدم إطاعتها له في حياته!!

الشيخ عبد السلام : هذا بهتان عظيم! فإنّ كلنا نعلم بأنها كانت أحب زوجات النبي (ص) إليه ، فكيف كانت تؤذي رسول الله (ص) وهي تقرأ في القرآن الحكيم :( إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً ) (١) ؟.

قلت : أيها الشيخ لقد تكرر منكم سوء التعبير ورميتموني بالافتراء والبهتان والكذب ، ولكن سرعان ما انكشف الأمر وثبت بأنّي غير كاذب ولا مفتر ، بل أنا ناقل الأخبار من كتب علمائكم ومسانيد أعلامكم ، وقلت لكم : بانّ الشيعة لا يحتاجون إلى وضع الأخبار وجعل الأحاديث في إثبات عقائدهم وحقانية ائمتهم وفضائلهم ومناقبهم ، فإن كتاب الله سبحانه ينطق بذلك والتاريخ يشهد لهم.

__________________

(١) سورة الأحزاب ، الآية ٥٧.

٨٢١

أما قولك بأنّها كيف كانت تؤذي النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهي تقرأ الآية الكريمة :( إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ ) الخ.

فأقول : نعم كانت تقرأ الآية وكان أبوها أيضا يقرأها وكثير من كبار الصحابة قرءوا هذه الآية الكريمة وعرفوا معناها ولكن كما نقلت لكم الأخبار المرويّة في كتبكم وصحاحكم في الليلة الماضية وانكشفت حقائق كثيرة للحاضرين ولكم إن كنتم منصفين غير معاندين!!

إيذاء عائشة للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حياته

أما أخبار إيذاء عائشة لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حياته فلم تذكر في كتب الشيعة وحدهم ، بل ذكرها بعض أعلامكم أيضا منهم : أبو حامد محمد الغزالي في كتابه إحياء العلوم : ج ٢ / الباب الثالث كتاب آداب النكاح / ١٣٥ ، والمتقي الهندي في كنز العمال ج ٧ / ١١٦ ، وأخرجه الطبراني في الأوسط والخطيب البغدادي في تاريخ بغداد من حديث عائشة ، قالوا [وجرى بينهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبين عائشة كلام حتى أدخل النبيّ (ص) «أبا بكر حكما بينهما ، واستشهده ، فقال لها رسول الله (ص) : تكلّمين أو أتكلّم؟ فقالت : بل تكلم أنت ولا تقل إلاّ حقا! فلطمها أبو بكر حتى دمي فوها وقال : يا عدوّة نفسها! أو غير الحق يقول؟! فاستجارت برسول الله (ص) وقعدت خلف ظهره ، فقال له النبي (ص) : لم ندعك لهذا ولم نرد هذا منك».]

قال أبو حامد الغزالي في نفس الصفحة [وقالت له مرة في كلام غضبت عنده : أنت الذي تزعم أنك رسول الله؟! ـ قال وذلك حين صباها ـ فتبسم رسول الله (ص) واحتمل ذلك حلما وكرما.]

٨٢٢

وأخرجه أبو يعلى في مسنده وأبو الشيخ في كتاب الأمثال ، من حديثهما معنعنا.

قال الغزالي [وقال (ص) لها «إنّي لأعرف رضاك من غضبك.

قالت : وكيف تعرفه يا رسول الله؟ قال (ص) : إذا رضيت قلت : لا وإله محمد ، وإذا غضبت قلت : لا وإله إبراهيم».

قالت : صدقت إنّما أهجر اسمك!(١) .]

وتحدثها بهذه العبارات والتعابير التالية مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : بل تكلّم أنت ولا تقل إلاّ حقا!

أنت الذي تزعم أنك رسول الله!!

إنما أهجر اسمك!

بالله عليكم! أنصفوا ..! أما كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يتأذّى من هذه التعابير القارصة والكلمات اللاذعة حين يسمعها من زوجته؟!

والمفروض أن تتصاغر الزوجة لزوجها وأن تحترمه وتخضع له ولا تتجاسر عليه بكلام يؤذيه ، وكذلك المفروض على المؤمنين والمؤمنات أن يكرموا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويحترموه احتراما كبيرا ويعظّموه كثيرا ، حتى أنه لا يجوز لأحد أن يرفع صوته فوق صوت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو يدعوه باسمه من غير تشريف واحترام كما يدعو بعضهم بعضا ، لقوله تعالى :

( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِ

__________________

(١) أقول : أخرجه مسلم في صحيحه ج ٧ / ١٣٥ من حديثها ورواه البغوي في المصابيح ج ٢ / ٣٥.

«المترجم»

٨٢٣

وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ ) (١) .

وقال سبحانه :( لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً ) (٢) .

فالمفروض على زوجات النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ عائشة وقريناتها ـ أن يكرمن النبي ويحترمنه ويطعنه ويخضعن لهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أكثر من غيرهن ، ولكن مع الأسف الشديد نرى في سلوكها تمرّدا على رسول الله كما وصفها المؤرخون وحتى من أعلامكم مثل أبو حامد الغزالي ، والطبري ، والمسعودي وابن الأعثم الكوفي وغيرهم ، قالوا [إنّها تمرّدت عن أمر الله ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم !] فهل هذا التمرد يدل على طيبها أم خبثها؟! وهل حياة المتمردين على الله ورسوله تكون ناصعة أم سوداء مظلمة؟!

وإني أستغرب كلام الشيخ عبد السلام وقوله : بأن سبب بغضنا لعائشة ، خروجها على الإمام علي كرم الله وجهه!

وكأنّه يحسب هذا الأمر هيّنا! وهو عند الله عظيم عظيم إنّ خروجها وعصيانها يوازي ويساوي خروج وعصيان معاوية وبني أميّة أو أشدّ مما فعلوا فهى شقّت عصى المسلمين ، وسبّبت سفك دماء كثير من المؤمنين والصالحين ، فرمّلت نساء ، ويتّمت أطفالا!! وهي بخروجها على أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، وأثارة فتنة البصرة ، وأمرها للناس ، وتحريضهم لمقاتلة الامام عليعليه‌السلام ، فمهّدت الطريق وفتحت باب الحرب والقتال لمعاوية وحزبه الظالمين وكذلك للخوارج الملحدين الفاسقين!!

فأي ذنب أعظم من هذا يا شيخ! وهي بخروجها من بيتها إلى

__________________

(١) سورة الحجرات ، الآية ٢.

(٢) سورة النور ، الآية ٦٣.

٨٢٤

البصرة خالفت نصّ كلام الله الحكيم إذ قال سبحانه :

( وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى ) (١) .

نعم جميع زوجات رسول الله غير عائشة امتثلن أمر الله تعالى وأطعنه وحفظن حرمة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد وفاته وما خرجن من بيوتهنّ إلاّ للضرورة ، وقد روى الأعمش كما ورد في صحاحكم ومسانيدكم : قالوا لأم المؤمنين سودة زوجة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم لا تخرجين إلى الحج والعمرة؟ فإنّ ثوابهما عظيم.

قالت : لقد أدّيت الحج الواجب وأما بعد ذلك فواجبي أن أجلس في بيتي ، لقوله تعالى :( وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ ) فامتثالا لأمره عزّ وجلّ ، لا أخرج من بيتي بل أحب أن أقرّ في الدار التي خصها لي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا أخرج إلا لضرورة ، حتى يدركني الموت ـ وهكذا كانت حتى التحقت بالنبي الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ.

فنحن لا نفرّق بين زوجات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فكلّهن أمهات المؤمنين ، فمن هذه الجهة كلهن عندنا على حدّ سواء.

وأمّا في المنزلة والمقام فشأنهنّ شأن المؤمنات الأخريات فيكتسبن المقام المحمود والجاه عند الله سبحانه بالأعمال الصالحة وبالتقوى ، فمن عملت منهن الصالحات واتّقت فنحبها ، ومن لم تتق وما عملت صالحا فلا نحبها ، ومن خالفت وعصت ربها فنبغضها.

امتياز نساء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على سائر النساء

الشيخ عبد السلام : كيف تقول بأنّ شأن زوجات رسول الله (ص)

__________________

(١) سورة الأحزاب ، الآية ٣٣.

٨٢٥

شأن المؤمنات الأخريات!! فإنّ هذا البيان خلاف كلام الله العزيز إذ يقول :( يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ ) أي : أنّ مقام نساء النبي أعلى وأرفع من سائر النساء.

قلت : كل زوجات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لهن الامتياز والفضل على نساء المؤمنين لشرف انتسابهن الى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو شرف اكتسابي اكتسبنه بقوة زواجهنّ برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وليس طقامهنّ القبلي أو العائلي ، فيجب عليهن أن يحفظن حرمة هذا الانتساب الرفيع ، والمقام المرموق والممتاز على سائر النسوة بتقوى الله سبحانه ، كما صرّح بذلك عزّ وجلّ في كتابه قائلا :( يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَ ) (١) .

ولا يخفى عليكم أيها العلماء معنى إن الشرطيّة ، فمقام نساء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وامتيازهن على سائر النساء مشروط بالتقوى. فمن تورّعت ، واعتصمت بتقوى الله تعالى ، وامتثلت أوامره ، مثل سودة وأم سلمة فيلزم علينا تكريمها وتعظيمها واحترامها. ومن لم تتورّع ولم تلتزم بتقوى الله سبحانه وما امتثلت أوامره ، فلا احترام لها عندنا مثل عائشة.

خروج عائشة على أمير المؤمنينعليه‌السلام

لقد أجمع المؤرخون أنّ عائشة قادت جيشا لقتال أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام وقال بعض : إن مروان بن الحكم وطلحة والزبير أغروها ، وقال آخرون : إنها كانت مستعدّة لذلك من غير إغراء ، لبغضها وعدائها للإمام عليعليه‌السلام .

__________________

(١) سورة الأحزاب ، الآية ٣٢.

٨٢٦

فاجتمع حولها كل من في قلبه مرض ، وكلّ من كان حاقدا على أبي الحسن أمير المؤمنين سلام الله عليه ، وخرجت إلى البصرة ، فألقوا القبض على عثمان بن حنيف الأنصاري ، صحابي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكان عاملا عليها من قبل الإمام عليعليه‌السلام ، فنتفوا لحيته الكريمة ، وشعر رأسه ، وحاجبيه ، وضربوه بالسياط حتى أدمي ، ثم أخرجوه من البصرة بحالة يرثى لها ، وقتلوا أكثر من مائة نسمة من أهاليها من غير أن يصدر منهم ذنب أو أي عمل يبيح لعائشة وجيشها سفك تلك الدماء البريئة. ولو أحببتم الاطلاع على تفصيل تلك الأعمال البشعة فراجعوا تاريخ ابن الأثير ، والمسعودي ، وتاريخ الطبري ، وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد(١) .

__________________

(١) أنقل للقارىء الكريم بعض ما نقله ابن قتيبة وهو من أعلام القرن الثالث الهجر ، ومتوفى سنة ٢٧٠ هجرية ، قال في كتابه الإمامة والسياسة ٦١ ـ ٦٣ / ط مطبعة الأمة بمصر سنة ١٣٢٨ هجرية :

«دخول طلحة والزبير وعائشة البصرة»

قال [وذكروا أنّه لما نزل طلحة والزبير وعائشة البصرة اصطف لها الناس في الطريق يقولون : يا أم المؤمنين ما الذي أخرجك من بيتك؟!

فلما أكثروا عليها ، تكلمت بلسان طلق وكانت من أبلغ الناس : فحمدت الله وأثنت عليه ، ثم قالت : أيها الناس! والله ما بلغ من ذنب عثمان أن يستحلّ دمه ، ولقد قتل مظلوما!!

غضبنا لكم من السوط والعصا ، ولا نغضب لعثمان من القتل؟ وإنّ من الرأي أن تنظروا إلى قتلة عثمان فيقتلوا به ، ثم يردّ هذا الأمر شورى على ما جعله عمر بن الخطاب.

٨٢٧

__________________

فمن قائل يقول : صدقت ، وآخر يقول : كذبت ، فلم يبرح الناس يقولون ذلك حتى ضرب بعضهم وجوه بعض ، فبينما هم كذلك ، أتاهم رجل من أشراف البصرة بكتاب كان كتبه طلحة في التأليب على قتل عثمان ، فقال الرجل لطلحة : هل تعرف هذا الكتاب؟ قال : نعم ؛ قال : فما ردّك على ما كنت عليه؟! وكنت أمس تكتب إلينا تؤلّبنا على قتل عثمان ، وأنت اليوم تدعونا إلى الطلب بدمه!!

وقد زعمتما ـ أي : طلحة والزبير ـ أنّ عليا دعاكما إلى أن تكون البيعة لكما قبله إذ كنتما أسنّ منه ، فأبيتما إلاّ أن تقدّماه لقرابته وسابقته ، فبايعتماه فكيف تنكثان بيعتكما بعد الذي عرض عليكما؟!

قال طلحة : دعانا إلى البيعة بعد أن اغتصبها وبايعه الناس ، فعلمنا حين عرض علينا أنّه غير فاعل ، ولو فعل أبى ذلك المهاجرون والأنصار ، وخفنا أن نردّ بيعته فنقتل ، فبايعناه كارهين ، قال : فما بدا لكما في عثمان؟ قال : ذكرنا ما كان من طعننا عليه وخذلاننا إيّاه ، فلم نجد من ذلك مخرجا إلاّ الطلب بدمه!!

قال : ما تأمراني به؟ قال : بايعنا على قتال عليّ ونقض بيعته!

قال : أرأيتما أن أتانا بعدكما من يدعونا إلى ما تدعون إليه ما نصنع؟

قالا : لا تبايعه! قال : ما أنصفتما ، أتأمراني أن أقاتل عليا وأنقض بيعته وهي في أعناقكما ، وتنهياني عن بيعة له عليكما؟ أما إنّنا فقد بايعنا عليّا ، فإن شئتما بايعناكما بيسار أيدينا!

قال : ثم تفرّق الناس فصارت فرقة مع عثمان بن حنيف ـ وهو عامل عليّ على البصرة ـ وفرقة مع طلحة والزبير.

ثم جاء جارية بن قدامة فقال : يا أم المؤمنين لقتل عثمان كان أهون علينا من خروجك من بيتك على هذا الجمل الملعون ، انه كانت لك من الله تعالى حرمة وستر ، فهتكت سترك ، وأبحت حرمتك!! إنّه من رأى قتالك فقد رأى قتلك ، فإن

٨٢٨

__________________

كنت يا أم المؤمنين أتيتينا طائعة ، فارجعي إلى منزلك ، وإن كنت أتيتينا مستكرهة فاستعتبي.

«قتل أصحاب عثمان بن حنيف عامل عليّ على البصرة»

قال : وذكروا أنّه لما اختلف القوم اصطلحوا على أنّ لعثمان بن حنيف دار الإمارة ومسجدها وبيت المال ، وأن ينزل أصحابه حيث شاءوا من البصرة.

وأن ينزل طلحة والزبير وأصحابهما حيث شاءوا ، حتى يقدم عليّ ، فإن اجتمعوا دخلوا فيما دخل فيه الناس ، وإن يتفرقوا ، يلحق كل قوم بأهوائهم ، عليهم بذلك عهد الله وميثاقه وذمّة نبيه (ص).

واشهدوا شهودا من الفريقين جميعا.

فانصرف عثمان فدخل دار الإمارة وأمر أصحابه أن يلحقوا بمنازلهم ويضعوا سلاحهم. وافترق الناس وكتموا ما في أنفسهم غير بني عبد القيس فإنهم أظهروا نصرة عليّ ، وكان حكيم بن جبل رئيسهم ، فاجتمعوا إليه فقال لهم : يا معشر عبد القيس! إنّ عثمان بن حنيف دمه مضمون ، وأمانته مؤداة ، وأيم الله لو لم يكن [بن حنيف] عليّ أميرا لمنعناه لمكانته من رسول الله (ص) فكيف له الولاية والجوار؟

فأشخصوا بأنصاركم وجاهدوا العدوّ ، فإمّا أن تموتوا كراما ، وإمّا أن تعيشوا أحرارا.

فمكث عثمان بن حنيف في الدار أياما ، ثم إنّ طلحة والزبير ومروان بن الحكم أتوه نصف الليل في جماعة معهم ، في ليلة مظلمة سوداء مطيرة ، وعثمان نائم فقتلوا أربعين رجلا من الحرس ، فخرج عثمان بن حنيف فشدّ عليه مروان فأسره وقتل أصحابه ، فأخذه مروان فنتف لحيته ورأسه وحاجبيه ، فنظر عثمان بن حنيف إلى مروان فقال : أما إنك إن فتني بها في الدنيا فلم تفتني بها في الآخرة.]

٨٢٩

__________________

أقول : بعد ما قرأتم هذا الخبر المعتبر الذي جاء به أحد كبار علماء العامة ، أسألكم بالله أنصفوا! ما كان توجيه عمل طلحة والزبير أن نقضا العهد والميثاق!!

وهل الذين يزعمون أنهما من العشرة المبشرة ، يعذّر انهما بأن اجتهدا؟ أيكون الاجتهاد عذرا وجيها للذي يخالف نصّ كلام الله العزيز الحكيم؟! إذ يقول سبحانه وتعالى :( وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ إِذا عاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ* وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّما يَبْلُوكُمُ اللهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ ما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ) / النحل / ٩١ و ٩٢ ، ويقول سبحانه عز وجل في آية أخرى :

( إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُولئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ ) / آل عمران : ٧٧ ، ويقول سبحانه وتعالى :

( وَبِعَهْدِ اللهِ أَوْفُوا ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ* وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) الأنعام : ١٥٢ ـ ١٥٣.

يا ترى هل الزبير وطلحة وعائشة وفوا بالعهد؟ أم هل اتبعوا الصراط المستقيم بخروجهم على أمير المؤمنينعليه‌السلام ؟!

أما شقّوا عصى المسلمين ، وفرّقوا بينهم ، وألقوا العداء والبغضاء بينهم وأحدثوا في الإسلام ، وشبّوا نائرة* الحرب في المسلمين ، وسبّبوا الجدال والقتال ، وسفكوا الدماء المحرّمة ، وأزهقوا النفوس المؤمنة؟ وكأنّهم ما قرءوا كلام الله العزيز الحكيم إذ يقول : ( وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً ) النساء : ٩٣.

٨٣٠

ولما جابهت عائشة جيش أمير المؤمنينعليه‌السلام ، ركبت الجمل وحرّضت الناس الغافلين ، وألّبت الجاهلين والمنافقين لقتال إمام زمانها ، رغم مواعظهعليه‌السلام ومواعظ ابن عباس وكبار الصحابة لها ولجيشها.

فأمّا الزبير امتنع من المقاتلة ، وترك المعركة إذ عرف الحق مع عليعليه‌السلام ، ولكن عائشة أصرّت على غيّها واستكبرت عن قبول الحق(١)

__________________

فإذا كان هذا جزاء من قتل مؤمنا واحدا متعمّدا ، فكيف بمن قتل المؤمنين متعمدا أو أمر بقتل آلاف من المؤمنين؟!

فكّروا وأنصفوا ما لكم كيف تحكمون؟! «المترجم»

(١) قال ابن قتيبة في كتاب الامامة والسياسة : ٦٥ و ٦٦ :

وذكروا أن الزبير دخل على عائشة فقال : يا أماه ما شهدت موطنا قط في الشرك ولا في الإسلام إلاّ ولي فيه رأي وبصيرة ، غير هذا الموطن فإنّه لا رأي لي فيه ولا بصيرة ، وإنّي لعلى باطل! قالت عائشة : يا أبا عبد الله! خفت سيوف بني عبد المطلب؟! فقال : اما والله انّ سيوف بني عبد المطلب طوال حداد ، يحملها فتية أنجاد. ثم قال لابنه عبد الله : عليك بحربك ، أمّا أنا فراجع الى بيتي. فقال له ابنه عبد الله : الآن حين التقت حلقتا البطان واجتمعت الفئتان! والله لا نغسل رءوسنا منها!

فقال الزبير لابنه : لا تعدّ هذا منّي جبنا! فو الله ما فارقت أحدا في جاهلية ولا إسلام. قال : فما بردك؟

قال : بردني ما أن علمته كسرك. أقول : ألا تعجب من الزبير مع اعترافه أنّه على باطل ، يقول لابنه : عليك بحربك ولا ينهاه!!

٨٣١

حتى قتل عشرات المئات من المسلمين بسببها ثم انكسرت واندحرت ، فردّهاعليه‌السلام إلى بيتها مكرّمة!

فضائل الامام عليعليه‌السلام ومناقبه

روى أحمد بن حنبل في مسنده وابن أبي الحديد في شرح النهج

__________________

وفي الصواعق المحرقة / ٧١ ، ط الميمنية بمصر / قال ابن حجر [وقد أخبر صلى الله عليه وسلم بوقعة الجمل وصفّين وقتال عائشة (رض) والزبير عليا ، كما أخرجه الحاكم وصحّحه البيهقي عن أم سلمة قالت : ذكر رسول الله (ص) خروج إحدى أمهات المؤمنين.

فضحكت عائشة (رض) فقال (ص) «انظري يا حميراء أن لا تكون أنت!»]

أقول : نعم نهاها رسول الله (ص) ولكنها خالفت وخرجت وقاتلت ، ولا غرو

فإنها خالفت ربها وخالقها في ذلك إذ يقول سبحانه وتعالى : ( وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى ) سورة الأحزاب ، الآية ٣٣. وقال عزّ وجلّ : ( وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ) سورة الحشر ، الآية ٧.

والعجب من الذين يعظّمونها ، ويروون عنها ، ويبنون الأحكام على روايتها ، ويقولون : إنها كانت تحفظ أربعين ألف حديث. وقيل في ردّ هذا الكلام :

حفظت أربعين ألف حديث

ومن الذكر آية تنساها!!

وقال ابن حجر : وأخرج الحاكم وصححه البيهقي عن أبي الأسود قال [شهدت الزبير خرج يريد عليا ، فقال له عليّ : أنشدك الله هل سمعت رسول الله (ص) يقول : تقاتله وأنت له ظالم! فمضى الزبير منصرفا.]

وفي رواية أبي يعلى والبيهقي ، فقال الزبير : بلى ولكن نسيت!!

أقول : هكذا نسوا الحق ونصروا الباطل ، فهل هذا عذر مقبول؟! «المترجم»

٨٣٢

والفخر الرازي في تفسيره الكبير والخطيب الخوارزمي في المناقب والشيخ سليمان القندوزي في ينابيع المودّة ، والعلاّمة محمد بن يوسف الكنجي الشافعي في كفاية الطالب / باب ٦٢ ، والمير سيد علي الهمداني الفقيه الشافعي في كتابه مودّة القربى / المودّة الخامسة ، روى بعضهم عن عمر بن الخطاب وبعضهم عن عبد الله بن عباس حبر الأمة ، إنّ النبي (ص) قال «لو أنّ البحر مداد ، والرياض أقلام ، والانس كتّاب ، والجنّ حسّاب ، ما أحصوا فضائل علي بن أبي طالب(١) ».

__________________

(١) هذا حديث نبوي شريف صدر من سيد البشر ، واشتهر وانتشر في كتب كثير من علماء السنّة وأعلام العامة ، ولم يصدر مثله في حق أي واحد من الصحابة ، وإنّما خصّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم علياعليه‌السلام بهذا المعنى وكرره فيه بتعابير أخرى مثل قوله كما نقله المحب الطبري في الرياض النضرة : ج ٢ ص ٢١٤ وفي ذخائر العقبى : ص ٦١ عن عمر بن الخطاب قال : قال رسول الله (ص) «ما اكتسب مكتسب مثل فضل عليّ يهدي صاحبه إلى الهدى ، ويرده عن الردى». أخرجه الطبراني.

ورواه عنه القندوزي في الينابيع / ٢٠٣ ، ط اسلامبول والعلاّمة الأمر تسري في أرجح المطالب / ٩٨ ط لاهور.

وفي مناقب الموفق بن أحمد الخوارزمي قال رسول الله (ص) لرهط من أصحابه :«إنّ الله تعالى جعل لأخي عليّ فضائل لا تحصى كثرة».

وقد صرّح جمع من أعلام العامّة : أنّه لم يذكر لأحد من الصحابة الكرام ما ذكر لأمير المؤمنين علي عليه‌السلام ، منهم إمام الحنابلة أحمد بن حنبل ، نقل عنه ابن عبد البر في الاستيعاب : ج ٢ / ٤٧٩ ، طبع حيدرآباد سنة ١٣١٩ هجرية.

قال : قال أحمد بن حنبل وإسماعيل بن إسحاق القاضي [لم يرو في فضائل أحد من الصحابة بالأسانيد الحسان ما روي في فضائل علي بن أبي طالب عليه‌السلام ] وقال ابن حجر في الصواعق / ٧٢ ، ط الميمنية بمصر :

٨٣٣

__________________

(الفصل الثاني : في فضائله «رضي‌الله‌عنه وكرّم الله وجهه») وهي كثيرة عظيمة شهيرة حتى قال أحمد [ما جاء لأحد من الفضائل ما جاء لعليّ.]

وقال إسماعيل القاضي والنسائي وأبو علي النيسابوري [لم يرد في حق أحد من الصحابة بالأسانيد الحسان أكثر ما جاء في عليّ ـ سلام الله عليه ـ.]

ونقله الثعلبي في تفسيره عن أحمد بن حنبل آخر الآية الكريمة : ( إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ ) ، وأخرجه الموفق بن أحمد الحنفي الخوارزمي في كتابه المناقب : ص ٢٠ ، وأخرجه الذهبي في تلخيص المستدرك المطبوع في ذيل المستدرك : ج ٣ / ١٠٧.

وأخرج الحاكم في المستدرك : ج ٣ / ١٠٧ ، بسنده عن محمد بن منصور الطوسي يقول : سمعت أحمد بن حنبل يقول [ما جاء لأحد من أصحاب رسول الله (ص) من الفضائل ما جاء لعلي بن أبي طالب ( رضي‌الله‌عنه )]. وروى عنه أيضا السيوطي ما بمعناه في تاريخ الخلفاء ج ١ / ٦٥ ، وأخرجه عنه أيضا الشيخ سليمان الحنفي القندوزي في كتابه ينابيع المودّة / الباب الأربعون وخرّجه العلامة الكنجي الشافعي المتوفى سنة ٦٥٨ ، وهو الشهير بفقيه الحرمين ومفتي العراقين ، محدّث الشام وصدر الحفاظ ، قال في كتابه كفاية الطالب في مناقب مولانا علي بن أبي طالب / الباب الثاني والستون / صفحة ١٢٤ ، طبع الغري : ويدلّك على ذلك ـ أي كثرة فضائله عليه‌السلام ـ ما رويناه عن إمام أهل الحديث أحمد بن حنبل وهو أعرف أصحاب أهل الحديث في علم الحديث : قريع قران أقرانه ، وإمام زمانه ، والمقتدى به في هذا الفن في إبانه ، والفارس الذي نكب فرسان الحفاظ في ميدانه ، وروايته مقبولة وعلى كاهل التصديق محمولة ، ولا يتّهم في دينه ، فجاءت روايته فيه كعمود الصباح ولا يمكن ستره بالراح ، وهو ما أخبرنا العلامة مفتى الشام أبو نصر محمد

٨٣٤

__________________

ذكر إسناده إلى محمد بن منصور الطوسي يقول : سمعت الإمام أحمد بن حنبل يقول [ما جاء لأحد من أصحاب رسول الله (ص) ما جاء لعلي بن أبي طالب.]

ثم قال الكنجي : وقال الحافظ البيهقي : وهو ـ أي علي عليه‌السلام ـ أهل كل فضيلة ومنقبة ومستحق لكل سابقة ومرتبة ولم يكن أحد في وقته أحق بالخلافة منه.

قال الكنجي : هكذا أخرجه الحافظ الدمشقي في ترجمته عليه‌السلام من التاريخ.

وقال سبط ابن الجوزي في كتابه تذكرة الخواص / ٢٣ ، ط مؤسسة أهل البيت بيروت : الباب الثاني في ذكر فضائله عليه‌السلام [وهي أشهر من الشمس والقمر ، وأكثر من الحصى والمدر ، وقد اخترت منها ما ثبت واشتهر.] ثم يستدل على كثرة فضائله عليه‌السلام برواية ابن عباس رضي‌الله‌عنه [لو أنّ الشجر أقلام والبحور مداد والإنس والجن كتّاب وحسّاب ، ما أحصوا فضائل أمير المؤمنين علي عليه‌السلام .]

واعلم! أنّ هذا الحديث الشريف خرّجه جمع من أعلام العامّة في كتبهم منهم : الموفق بن أحمد الخوارزمي وهو من أعلام القرن السادس الهجري ومتوفى سنة ٥٦٨ هجرية ، خرّج الحديث عن مجاهد عن ابن عباس ، في المناقب / ١٨ و ٢٢٩ ، ط تبريز قال : قال رسول الله (ص) [لو أنّ الغياض أقلام ، والبحر مداد ، والجنّ حسّاب ، والإنس كتّاب ما أحصوا فضائل علي بن أبي طالب.]

وخرّجه شيخ الاسلام الحمويني أيضا في كتابه فرائد السمطين وخرّجه الحافظ شهاب الدين ابن حجر العسقلاني في كتابه لسان الميزان : ج ٥ / ٦٢ ، ط حيدرآباد ، وخرّجه العلاّمة جمال الدين عطاء الله الهروي في الأربعين حديثا.

أقول : وقال القندوزي في ينابيع المودة / أواخر الباب الأربعين : وفي المناقب ـ أي مناقب أحمد بن حنبل ـ عن أبي الطفيل قال : قال بعض الصحابة [لقد كان لعليّ من السوابق ما لو قسمت سابقة منها بين الناس لوسعتهم خيرا.]

٨٣٥

__________________

واستمع إلى ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة : ج ٩ / ١١٦ ، ط دار احياء التراث العربي بيروت / لما يريد أن يذكر بعض فضائلهعليه‌السلام يقول [واعلم أنّ أمير المؤمنينعليه‌السلام لو فخر بنفسه وبالغ في تعديد مناقبه وفضائله بفصاحته التي آتاه الله تعالى إيّاها واختصه بها ، وساعده على ذلك فصحاء العرب كافّة ، لم يبلغوا الى معشار ما نطق به الرسول الصادق صلوات الله عليه في أمره وبعد ما ينتهي من نقل الأخبار والأحاديث الناطقة بفضائله ومناقبه يقول : واعلم أنّا إنما ذكرنا هذه الأخبار هاهنا ، لأنّ كثيرا من المنحرفين عنه ٧ إذا مرّوا على كلامه في نهج البلاغة وغيره المتضمّن التحدث بنعمة الله عليه من اختصاص الرسول له (ص) وتمييزه إيّاه عن غيره ، ينسبونه إلى التيه والزهو والفخر ، ولقد سبقهم بذلك قوم من الصحابة ، قيل لعمر : ولّ عليا أمر الجيش والحرب ، فقال : هو أتيه من ذلك! وقال زيد بن ثابت : ما رأينا أزهى من عليّ وأسامة.

فأردنا بايراد هذه الأخبار هاهنا عند تفسير قوله : «نحن الشعار والأصحاب ، ونحن الخزنة والأبواب» ، أن ننبّه على عظم منزلته عند الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأنّ من قيل في حقه ما قيل لو رقى إلى السماء وعرج في الهواء وفخر على الملائكة والأنبياء ، تعظما وتبجّحا ؛ لم يكن ملوما ، بل كان بذلك جديرا ، فكيف وهو عليه‌السلام لم يسلك قطّ مسلك التعظم والتكبّر في شيء من أقواله ولا من أفعاله ، وكان ألطف البشر خلقا ، وأكرمهم طبعا ، وأشدهم تواضعا ، وأكثرهم احتمالا ، وأحسنهم بشرا ، وأطلقهم وجها ، حتى نسبه من نسبه إلى الدّعابة والمزاح ، وهما خلقان ينافيان التكبّر والاستطالة ، وإنما كان يذكر أحيانا ما يذكره من هذا النوع نفثة مصدور ، وشكوى مكروب ، وتنفّس مهموم ، ولا يقصد به اذا ذكره إلاّ شكر النعمة ، وتنبيه الغافل على ما خصّه الله به من الفضيلة ، فانّ ذلك من باب الأمر بالمعروف والحضّ على اعتقاد الحق والصواب في أمره ، والنهي عن المنكر الذي هو تقديم غيره عليه

٨٣٦

__________________

في الفضل ، فقد نهى الله سبحانه عن ذلك فقال :( أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلاَّ أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ) ، يونس : ٣٥] انتهى كلامه.

أقول : إذا كان تقديم غيره عليه عليه‌السلام منكرا بدليل الآية الكريمة ، فكيف تقول في مقدّمة شرح النهج : الحمد لله الذي قدّم المفضول على الأفضل؟! أي قدّم أبا بكر على الإمام علي عليه‌السلام ـ وهل الباري عزّ وجلّ يعمل منكرا؟! حاشاه ثم حاشاه ، أم هل ينقض قوله بفعله؟! كلاّ وألف كلاّ ، فإنّ الله تبارك وتعالى ما قدّم المفضول على الأفضل ، بل أمر عباده بمتابعة الأفضل بحكم العقل وصرّح بذلك في قوله الحكيم : ( أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلاَّ أَنْ يُهْدى ) ثم عاتبهم على سوء اختيارهم وحكمهم قائلا : ( فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ) ؟!

فأقول لابن أبي الحديد ومن حذا حذوه وسلك مذهبه :

إنّ تقديم المفضول على الأفضل ما كان فعل الله عزّ وجلّ ، بل هو من تسويلات نفوس المنافقين ومن عمل الشيطان الذي ضلّ وأضلّ نعوذ بالله ربّ العباد من التعصّب والعناد ومن توجيه الضلالة والشقاوة والفساد.

فبالبيان الفصيح ، واعتراف وتصريح المؤالف والمخالف بأنّ الإمام عليّا عليه‌السلام سبق الآخرين بفضائله ومناقبه ، فلا يضاهيه أحد من المسلمين ، ولا يلحقه أحد من المؤمنين.

وفي ختام التعليق أنقل أبيات من الشاعر الأديب العبقري ، عبد الباقي العمري يخاطب أمير المؤمنين عليه‌السلام قائلا :

أنت العليّ الذي فوق العلى رفعا

ببطن مكة وسط البيت إذ وضعا

وأنت نقطة باء مع توحّدها

بها جميع الذي في الذّكر قد جمعا

الى أن يقول :

ما فرّق الله شيئا في خليقته

من الفضائل إلاّ عندك اجتمعا

«المترجم»

٨٣٧

وأخرج ابن أبي الحديد في شرح النهج ج ٩ / ١٦٨ / ط دار إحياء التراث العربي : عن أبي نعيم الحافظ في حلية الأولياء عن أبي برزة الأسلمي ، ثم رواه بإسناد آخر بلفظ آخر عن أنس بن مالك عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «أنّ رب العالمين عهد في عليّ إليّ عهدا ، أنّه : راية الهدى ، ومنار الإيمان ، وإمام أوليائي ، ونور جميع من أطاعني. إنّ عليا أميني غدا في القيامة ، وصاحب رايتي ، بيد عليّ مفاتيح خزائن رحمة ربي(١) ».

وقد تكرّر من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مرارا عديدة أنّه شبّه علياعليه‌السلام بالأنبياء ، وروى ألفاظه أكثر أعلامكم ومحدثيكم في كتبهم ، منها : رواية ابن أبي الحديد في شرح النهج في نفس الصفحة قال : عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «من أراد أن ينظر إلى نوح في عزمه ، وإلى آدم في علمه ، وإلى ابراهيم في حلمه ، وإلى موسى في فطنته ، وإلى عيسى في زهده ، فلينظر الى علي ابن أبي طالب». قال : رواه أحمد بن حنبل في المسند ورواه البيهقي في صحيحه.

وأخرج ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ج ٩ صفحة ١٧١ / عن النبي (ص) «كنت أنا وعلي نورا بين يدي الله عزّ وجلّ قبل أن يخلق آدم بأربعة عشر ألف عام ، فلمّا خلق آدم قسّم ذلك فيه وجعله جزءين ، فجزء أنا ، وجزء علي».

قال : رواه أحمد في المسند وفي كتاب فضائل عليعليه‌السلام ، وذكره

__________________

(١) ورواه العلاّمة الكنجي في كفاية الطالب / الباب السادس والخمسون بإسناده الى أنس بن مالك أنه قال : بعثني النبي (ص) إلى أبي برزة فقال له وأنا أسمع ثم ذكر الحديث بتمامه.

«المترجم»

٨٣٨

صاحب كتاب الفردوس وزاد فيه «ثم انتقلنا حتى صرنا في عبد المطلب ، فكان لي النبوّة ولعليّ الوصيّة».

وأخرج جمع من أعلامكم ومحدثيكم منهم أبو نعيم الحافظ في كتابه «حلية الأولياء» ونقل عنه ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة : ج ٩ / ١٧٣ ، قال رسول الله (ص) «أخصمك يا عليّ بالنبوّة! فلا نبوّة بعدي ـ أي أغلبك ـ ، وتخصم الناس بسبع لا يجاحد فيها أحد من قريش : أنت أولهم إيمانا بالله ، وأوفاهم بعهد الله ، وأقومهم بأمر الله ، وأقسمهم بالسويّة ، وأعدلهم في الرعيّة ، وأبصرهم بالقضيّة ، وأعظمهم عند الله مزيّة».

وذكر ابن الصباغ المالكي في الفصول المهمة / ١٢٤ / نقلا عن عبد العزيز بن الأخضر الجنابذي في كتاب معالم العترة النبويّة ، روى عن فاطمة الزهراءعليها‌السلام أنها قالت «خرج علينا أبي رسول الله (ص) عشية عرفة فقال : إنّ الله عزّ وجلّ باهى بكم الملائكة عامّة ، وغفر لكم عامّة ، ولعليّ خاصّة ، وإنّي رسول الله غير محاب لقرابتي ، إنّ السعيد كلّ السعيد من أحبّ عليا في حياته وبعد موته ، وإنّ الشقيّ من أبغض عليا في حياته وبعد مماته(١) ».

__________________

(١) واخرجه ابن أبي الحديد في شرح النهج ج ٩ / ١٦٩ ، قال : خرج النبي (ص) على الحجيج عشية عرفة فقال لهم : إنّ الله قد باهى بكم الملائكة عامّة ، وغفر لكم عامّة ، وباهى بعليّ خاصّة وغفر له خاصّة ، إنّي قائل لكم قولا غير محاب فيه لقرابتي ، انّ السعيد كلّ السعيد حقّ السعيد من أحبّ عليا في حياته وبعد موته.

قال : رواه أحمد بن حنبل في كتاب فضائل عليّ عليه‌السلام ، وفي المسند أيضا.

«المترجم»

٨٣٩

وخبر آخر رواه جمع من أعلام محدثيكم في مسانيدهم وصحاحهم عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال لعليعليه‌السلام «كذب من زعم أنّه يحبني وهو مبغضك ، يا عليّ! من أحبك فقد أحبّني ، ومن أحبّني أحبّه الله ، ومن أحبّه الله أدخله الجنة ، ومن أبغضك فقد أبغضني ، ومن أبغضني أبغضه الله وأدخله النار(١) ».

__________________

(١) لقد أعلن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تكرارا ومرارا بأنه «كذب من زعم أنه يحبني وهو يبغض عليا». قاله بعبارات وألفاظ مختلفة والمعنى واحد ، فقد روى ابن المغازلي في مناقبه بإسناد يرفعه إلى أنس بن مالك قال النبي (ص) لعلي «كذب من زعم أنه يبغضك ويحبّني». وروى ابن حسنويه في در بحر المناقب عن أحمد بن مظفر بسنده عن أنس ، بعين ما تقدّم.

وروى شيخ الإسلام الحمويني في فرائد السمطين بسنده عن عبد الملك بن عمير عن أنس : يا علي من زعم أنه يحبني ويبغضك فهو كاذب.

والعلاّمة الذهبي في ميزان الاعتدال : ج ١ / ٢٥١ ، ط القاهرة / روى عن عبد الملك عن أن : «يا علي! كذب من زعم أنه يحبني ويبغضك». وفي ج ٢ / ٣١٣ بنفس الإسناد «من زعم أنّه يحبني وأبغض عليا فقد كذب».

وابن حجر الهيثمي في لسان الميزان : ج ٢ / ٢٨٥ ، ط حيدرآباد رواه كما في ميزان الاعتدال سندا ومتنا. وروى العلاّمة الكنجي في كفاية الطالب / الباب الثامن والثمانون / بإسناده إلى أم سلمة قالت : دخل علي بن أبي طالب على النبي (ص) فقال النبي (ص) : كذب من زعم أنه يحبني ويبغض هذا». قال : هذا حديث حسن عال رواه التكريتي في «مناقب الأشراف» وابن كثير في البداية والنهاية : ج ٧ / ٣٥٤ ، ط مصر عن أم سلمة : انّ رسول الله (ص) قال لعلي «كذب من زعم أنه يحبني ويبغضك». ورواه أيضا بنفس اللفظ عن أبي سعيد عن النبي (ص).

والخطيب موفق بن أحمد الخوارزمي في المناقب : ٤٥ ، ط تبريز / روى بسنده المتصل إلى عبد الله بن مسعود أنه قال : سمعت رسول الله (ص) يقول «من زعم أنّه

٨٤٠