ليالي بيشاور

ليالي بيشاور0%

ليالي بيشاور مؤلف:
تصنيف: مفاهيم عقائدية
الصفحات: 1205

ليالي بيشاور

مؤلف: السيّد محمّد الموسوي الشيرازي
تصنيف:

الصفحات: 1205
المشاهدات: 211347
تحميل: 3102

توضيحات:

ليالي بيشاور
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 1205 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 211347 / تحميل: 3102
الحجم الحجم الحجم
ليالي بيشاور

ليالي بيشاور

مؤلف:
العربية

ولكنّ أعداء الإسلام لم يتمكّنوا من تحريف القرآن الحكيم ، فدخلوا من باب آخر ، فإنّ جماعة من اليهود ـ وهم ألدّ أعداء الإسلام ـ دخلوا الدين وأسلموا عن مكر وخداع ، مثل : عبد الله بن سبأ ، وكعب الأحبار ، ووهب بن منبّه ، وغيرهم ، أسلموا بالظاهر ولكنّهم بدءوا يبثّون وينشرون عقائدهم الباطلة بين المسلمين ، وذلك عن طريق جعل الأحاديث عن لسان رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم).

فأراد الخليفة الثالث عثمان ، أن يلقي القبض عليهم ليؤدّبهم ففرّوا إلى مصر واستقرّوا فيها ، فاجتمع حولهم الجاهلون واغترّوا بعقائدهم ، وصاروا حزبا باسم : «الشيعة» ، فأعلنوا إمامة عليّ بن أبي طالب في عهد عثمان بالرغم منه لا حبّا لعليّ كرّم الله وجهه ، فوضعوا أحاديث كاذبة في تأييد مذهبهم ، مثل :

قال النبيّ (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) : «عليّ خليفتي وإمام المسلمين بعدي».

فكانوا السبب في سفك دماء المسلمين حتّى انتهى الأمر إلى قتل عثمان ذي النورين ، وبعده نصبوا عليّا وبايعوه بالخلافة ، فالتفّ الناقمون على عثمان ، حول عليّ ونصروه ، فمنذ ذلك الوقت ظهر حزب الشيعة!

ولكن في حكومة بني اميّة ، لمّا قاموا بقتل آل عليّ ومواليه ، اختفى هذا الحزب.

وإنّ عددا من الصحابة ، أمثال : سلمان الفارسي وأبي ذرّ الغفاري وعمّار بن ياسر ، كانوا يدعون الناس بعد النبيّ (صلّى الله

٨١

عليه [وآله] وسلّم) إلى عليّ (كرّم الله وجهه) ، ولكنّ عليّا لم يكن راضيا بهذا العمل.

فاختفى حزب الشيعة أيّام بني اميّة وأوائل حكومة بني العبّاس ، وبعد أن تولّى هارون الرشيد الحكم ظهر حزب الشيعة مرّة اخرى وخاصة في خلافة المأمون ، إذ تغلّب بمساعدة الإيرانيّين على أخيه الأمين فقتله واستولى على الحكم ، فقويت شوكته بالإيرانيّين ، فقد كانوا يفضّلون عليّ بن أبي طالب على الخلفاء الراشدين ، وكانوا يسوقون المسلمين إلى الاعتقاد بهذا الباطل ؛ كلّ ذلك لغرض سياسي ومرض نفسي.

إنّ الإيرانيّين كانوا حاقدين على العرب ، لأنّ حكومتهم اضمحلّت وسيادتهم بادت بسيوف العرب.

فكانوا بصدد اختراع مذهب يخالف دين العرب ومذاهبهم ، فلمّا سمعوا بحزب الشيعة وعقائدهم ، تقبّلوه وسعوا في نشره ، وخاصة في دولة آل بويه حين قويت شوكتهم واستولوا على كثير من بلاد الإسلام.

وأمّا في الدولة الصفوية فقد أعلنوا مذهب الشيعة رسميا في إيران ، والحقيقة أنّ مذهبهم الرسمي هو «المجوسية» كما تقتضي سياستهم ، فإنّهم إلى يومنا هذا يختلفون مع جميع المسلمين في العالم ويقولون : نحن شيعة.

فالتشيّع مذهب سياسي حادث ، ابتدعه عبد الله بن سبأ اليهودي ، ولم يكن لهذا المذهب اسم في الإسلام.

وإنّ جدّك رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) بريء من

٨٢

هذا المذهب واسمه ، لأنّه على خلاف سنّته وشريعته ، بل هو منشعب من دين اليهود وعقائدهم.

لذلك أتعجّب حينما أرى عالما شريفا مع هذا النسب الرفيع يتّبع هذا المذهب الباطل ويترك دين جدّه ، الإسلام الحنيف!!

وأنت ـ يا سيّد ـ أولى باتّباع جدّك وبالعمل بالقرآن والسنّة النبوية الشريفة.

لما كان الحافظ يسترسل في كلامه ويتقوّل ما يريد ، كنت اشاهد الشيعة الحاضرين في المجلس قد تغيّرت ألوانهم ولاح الغضب في وجوههم حتّى كادوا يهجمون عليه ، ولكنّي أشرت إليهم بالهدوء والوقار.

ثمّ أجبت الحافظ وقلت : ما كنت أتوقّع منك ـ وأنت من أهل العلم ـ أن تتمسّك بكلام وهمي واه من أباطيل المنافقين وأكاذيب الخوارج وأقاويل النواصب ، أشاعه الأمويّون وتقبّله العوامّ الجاهلون.

وإنّك خلطت أمرين متباينين ، وجمعت بين الضدّين ، حيث حسبت الشيعة أتباع عبد لله بن سبأ ، والحال أنّهم يذكروه في كتبهم باللعن ويحسبوه منافقا كافرا.

وعلى فرض أنّ ابن سبأ كان يدّعي أنّه من موالي عليّ بن أبي طالب ومحبّيه ، وذلك لغرض سياسي ، فهل من الحق أن تحسبوا أعماله المخالفة للإسلام ، على حساب شيعة آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المخلصين المؤمنين؟!

فلو ظهر لصّ في زيّ أهل العلم ، وصعد المنبر وصلّى بالناس ، ولمّا وثق به المسلمون خانهم وسرق أموالهم ، فهل صحيح أن نقول : كلّ العلماء لصوص وسرّاق؟!

٨٣

فتعريفك للشيعة بأنّهم أتباع ابن سبأ الملعون ، بعيد عن الإنصاف ، وخلاف الحقيقة والوجدان.

لذا تعجّبت كثيرا من تعبيرك عن مذهب الشيعة ، بحزب سياسي اختلقه ابن سبأ اليهودي في عهد عثمان!

واستغرب كيف تقرأ هذه الأكاذيب وتعتمد عليها ، ولا تقرأ الأخبار الصحيحة والروايات الصريحة عن الشيعة في كتبكم المعتبرة أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو الواضع لأسس الشيعة واصولها ، وقد شاعت كلمة : «شيعة علي» من لسان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بين أصحابه ، كما نقل وروى ذلك علماؤكم في كتبهم وتفاسيرهم(١) .

__________________

(١) لقد حقّق عن هذا الموضوع الاستاذ محمد كرد علي وهو من محقّقيهم المعاصرين ، وعضو المجمع العلمي العربي بدمشق ، والمحوّل إليه التحقيق عن التشيّع من قبل ذلك المجمع العلمي ، وقد كتب حصيلة تحقيقه في كتابه : «خطط الشام» ج ٥ ، ص ٢٥١ ـ ٢٥٦ وهي :

«عرف جماعة من كبار الصحابة بموالاة عليّعليه‌السلام في عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مثل :سلمان الفارسي القائل : بايعنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على النصح للمسلمين والائتمام بعليّ بن أبي طالب والموالاة له.

ومثل : أبي سعيد الخدري الذي يقول : أمر الناس بخمس ففعلوا أربعة وتركوا واحدة ، ولما سئل عن الاربع قال : الصلاة والزكاة وصوم شهر رمضان والحجّ.

قيل : فما الواحدة التي تركوها؟

قال : ولاية علي بن أبي طالب.

قيل له : وإنّها لمفروضة معهنّ؟! قال : نعم هي مفروضة معهنّ!

ومثل : أبي ذرّ الغفاري ، وعمّار بن ياسر ، وحذيفة بن اليمان ، وذي الشهادتين خزيمة بن ثابت ، وأبي أيّوب الأنصاري وخالد بن سعيد بن العاص وقيس بن سعد

٨٤

وإذا كنت تستند في حوارك هذا على كلام الخوارج وتقوّلات النواصب ، فإنّي أستند إلى القرآن الحكيم ، والأخبار المعتبرة عندكم ، حتّى يظهر الحقّ ويزهق الباطل.

وأنصحكم أن لا تتكلّموا من غير تحقيق ، لأنّ الحقّ سوف يظهر ، وكلامكم يفنّد من قبل الحاضرين ، فحينئذ يصيبكم الخجل فتندمون ، ولا يفيد حينها الندم ، ولتكن الآية الشريفة نصب أعينكم :( ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ) (١) .

فكلامكم يسجّل عليكم ويحفظ عند ربّكم ، وتحاسبون عليه.

والآن إذا تسمحون لي ولا تتألّمون من كلامي ، اثبت لكم بالأدلّة المقبولة ، أنّ الحق خلاف ما قلتم ، والصواب غير ما اعتقدتم.

الحافظ : إنّ مجلسنا انعقد لهذا الغرض ، وكلّ هذا النقاش والحوار من أجل رفع الشبهات وكشف الحقائق المبهمات ، والكلام الحقّ لا يؤلمنا.

__________________

ابن عبادة»

وبعد تحقيق دقيق كتب : «وأمّا ما ذهب إليه بعض الكتّاب من أنّ مذهب التشيّع من بدعة عبد الله بن سبأ ، المعروف ب : ابن السوداء ، فهو وهم وقلّة معرفة بحقيقة مذهب الشيعة ، ومن علم منزلة هذا الرجل عند الشيعة وبراءتهم منه ومن أقواله وأعماله ، وكلام علمائهم في الطعن فيه بلا خلاف بينهم ، علم مبلغ هذا القول من الصواب ، لا ريب في أنّ أوّل ظهور الشيعة كان في الحجاز بلد المتشيّع له».

وقال : «وفي دمشق يرجع عهدهم إلى القرن الأوّل للهجرة».

لقد صدر هذا التحقيق بقلم استاذ متتبّع غير شيعي ، وفيه كفاية لمن يطلب الحقّ ويبتعد عن الغواية. «المترجم».

(١) سورة ق ، الآية ١٨.

٨٥

حقيقة الشيعة وبدايتها

قلت : تعلمون أنّ كلمة : «الشيعة» بمعنى : الأتباع والأنصار(١) .

قال الفيروزآبادي في «القاموس» في كلمة «شاع» : وشيعة الرجل : أتباعه وأنصاره ، والفرقة على حدة ، ويقع على الواحد والاثنين والجمع والمذكّر والمؤنث ، وقد غلب هذا الاسم على كلّ من يتولّى عليّا وأهل بيته ، حتّى صار اسما لهم خاصا ، جمعه : أشياع وشيع.

فهذا هو معنى كلمة : «الشيعة» فأرجو أن لا تشتبهوا في معناها بعد اليوم.

وأمّا الاشتباه الآخر الذي صدر منكم عمدا أو سهوا ، أو لعدم اطّلاعكم على التفاسير والأحاديث الشريفة ، أو لأنّكم تأثرتم بكلام واه تقوّله أسلافكم ، وأنتم قبلتموه من غير تحقيق فكرّرتم كذبهم بقولكم : إنّ كلمة «الشيعة» وإطلاقها على أتباع علي بن أبي طالب ومواليه ،

__________________

(١) قال ابن خلدون في مقدّمته ـ صفحة ١٣٨ ـ : اعلم انّ الشيعة لغة : هم الصحب والأتباع ، ويطلق في عرف الفقهاء والمتكلّمين من الخلف والسلف : على أتباع عليّ وبنيه رضي الله عنهم.

وقال ابن الأثير في كتابه «نهاية اللّغة» في معنى كلمة «شيع» : «الشيعة» الفرقة من الناس ، وتقع على الواحد والاثنين والجمع ، والمذكّر والمؤنث بلفظ واحد ومعنى واحد ، وقد غلب هذا الاسم على كلّ من يزعم أنّه يتولّى عليّا رضي‌الله‌عنه وأهل بيته ، حتّى صار لهم اسما خاصا ، فإذا قيل : فلان من الشيعة ، عرف أنّه منهم ، وفي مذهب الشيعة كذا ، أي : عندهم ، وتجمع على «شيع» وأصلها من المشايعة وهي : المتابعة والمطاوعة. «المترجم».

٨٦

حدث في عهد عثمان وخلافته ، وابتدعه عبد الله بن سبأ اليهودي!

والحال أنّ هذا الكلام خلاف الواقع والحقيقة ، فإنّ كلمة «الشيعة» اصطلاح يطلق على أتباع عليّ بن أبي طالب وأنصاره منذ عهد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإنّ واضع هذه الكلمة والذي جعلها علما عليهم هو رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهو كما قال الله (عزّ وجلّ) فيه :( وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحى ) (١) .

وقد قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «شيعة عليّ هم الفائزون» وروى علماؤكم هذا الحديث وأمثاله في كتبهم وتفاسيرهم.

الحافظ : لم أجد هكذا روايات وأحاديث في كتبنا ، وليتني كنت أعرف ، في أيّ كتاب من كتبنا قرأتم هذا الحديث وأمثاله؟!

قلت : هل إنّكم لم تجدوا هذا الحديث وأمثاله في كتبكم ، أم استنكفتم من قبوله وأغمضتم عينكم وأبيتم إلاّ الجحود والكتمان؟؟!

ولكنّا حين قرأناه في كتبكم وكتبنا ، قبلناه وأعلنّاه ، ولا نكتمه أبدا ، لأنّ الله تعالى يقول :( إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ ) (٢) .

وقال (عزّ وجلّ) :( إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ الْكِتابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُولئِكَ ما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّارَ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ ) (٣) .

__________________

(١) سورة النجم ، الآية ٣ و ٤.

(٢) سورة البقرة ، الآية ١٥٩.

(٣) سورة البقرة ، الآية ١٧٤.

٨٧

فالله (عزّ وجلّ) يلعن الّذين يكتمون الحقّ ويخبر أنّهم من أهل النار والعذاب ، فإيّاكم أن تكونوا منهم.

الحافظ : هذه الآيات حقّ وصدق ، تبيّن جزاء الّذين يكتمون الحقّ ، ولكنّا ما كتمنا حقّا ، فلا تشملنا هذه الآيات الكريمة.

قلت : بإذن الله ولطفه ، وتحت رعايته وعنايته ، وبالاستمداد من جدّي خاتم الأنبياءصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، سأكشف لكم الحقّ الذي هو أظهر وأجلى من الشمس ، وابدّد ظلام الأوهام عن وجه الحقيقة ، حتّى يعرفها جميع الحاضرين.

وأرجو أن تجعلوا هذه الآيات الكريمة نصب أعينكم ، حتّى لا تأخذكم العزّة بالإثم ولا تخافوا لومة لائم.

ورجائي أن تتركوا التعصّب لتقاليد آبائكم وتتحرّزوا من أغلال العادات التي قيّدكم بها أسلافكم ، فحينئذ يسهل عليكم قبول الحقّ وإعلان الحقيقة.

الحافظ : أشهد الله أنّي لا أتعصّب ، ولا أماري ، ولا أجادل ، بل إذا اتّضح الحقّ تمسّكت به ، وإذا عرفت الحقيقة قبلتها وأعلنتها.

وأنا لا أجتهد لأكون غالبا في المحاورة ، إنّما اريد أن أعرف الحقّ والحقيقة ، فإذا ظهر الحقّ تعصبت وجادلت فأكون ملعونا ومعذّبا في النار كما صرّح الله تعالى.

أمّا الآن فنحن مستعدون لاستماع حديثك ، وأسأل الله (عزّ وجلّ) أن يجمعنا وإيّاكم على الحقّ.

٨٨

قلت : روى الحافظ أبو نعيم(١) في كتابه «حلية الأولياء» بسنده عن ابن عبّاس ، قال : لمّا نزلت الآية الشريفة :( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ) (٢) خاطب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليّ بن أبي طالب وقال : يا عليّ! هو أنت وشيعتك ، تأتي أنت وشيعتك يوم القيامة راضين مرضيّين.

ورواه أبو مؤيد ، موفق بن أحمد الخوارزمي في الفصل ١٧ من كتاب المناقب في كتاب تذكرة خواص الامّة(٣) وسبط ابن الجوزي(٤) بحذف الآية.

وروى الحاكم عبيد الله الحسكاني ، وهو من أعاظم مفسّريكم ، في كتابه «شواهد التنزيل» عن الحاكم أبي عبد الله الحافظ ، بسند مرفوع إلى يزيد بن شراحيل الأنصاري ، قال : سمعت عليّاعليه‌السلام يقول : حدّثني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأنا مسنده الى صدري ، فقال : أي علي. ألم

__________________

(١) الحافظ أبو نعيم هو من أكبر علمائكم ومحدّثيكم ، يقول ابن خلّكان في كتابه «وفيات الأعيان» بأنّه من أكبر الحفّاظ الثقات ، وأعلم المحدّثين ، وكتابه «حلية الأولياء» الذي يبلغ عشر مجلّدات من أحسن الكتب.

وقال صلاح الدين الصفدي في كتابه «الوافي بالوفيات» : تاج المحدّثين الحافظ أبو نعيم إلى آخره.

وقال في تعريفه محمد بن عبد الله الخطيب في كتابه «مشكاة المصابيح» : هو من مشايخ الحديث الثقات ، المعمول بحديثهم ، المرجوع إلى قولهم ، كبير القدر ، وله من العمر ستّ وتسعون سنة.

(٢) سورة البيّنة ، الآية ٧.

(٣) المناقب ، الحديث الثاني من الفصل ١٧ في بيان ما نزل من الآيات في شأنهعليه‌السلام .

(٤) تذكرة خواصّ الامّة ، ص ٥٦. قال فيه بالسند المذكور عن أبي سعيد الخدري قال :نظر النبي (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) الى علي بن أبي طالب فقال هذا وشيعته هم الفائزون يوم القيامة.

٨٩

تسمع قول الله تعالى :( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ) (١) ؟ هم أنت وشيعتك ، وموعدي وموعدكم الحوض ، إذا جثت الأمم للحساب ، تدعون غرّا محجّلين(٢) .

وروى أبو المؤيّد الموفق بن أحمد الخوارزمي في مناقبه في الفصل التاسع(٣) عن جابر بن عبد الله الأنصاريّ ، قال : كنّا عند النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأقبل عليّ بن أبي طالب ، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : قد أتاكم أخي ، ثمّ التفت إلى الكعبة فضربها بيده ثمّ قال : والذي نفسي بيده إنّ هذا وشيعته هم الفائزون يوم القيامة ، ثمّ إنّه أوّلكم إيمانا ، وأوفاكم بعهد الله ، وأقومكم بأمر الله ، وأعدلكم في الرعيّة ، وأقسمكم بالسويّة ، وأعظمكم عند الله مزيّة قال : ونزلت :( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ) (٤) إلى آخره

قال : وكان أصحاب محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا أقبل عليّعليه‌السلام قالوا : قد جاء خير البريّة(٥) .

وروى جلال الدين السيوطي وهو من أكبر علمائكم وأشهرهم ،

__________________

(١) سورة البيّنة ، الآية ٧.

(٢) رواه العلاّمة محمد بن يوسف القرشي الكنجي الشافعي في كتابه «كفاية الطالب» الباب ٦٢ بسنده عن يزيد بن شراحيل ، وذكره الحافظ موفق بن أحمد المكّي الخوارزمي في مناقب عليّعليه‌السلام . «المترجم».

(٣) مناقب عليّعليه‌السلام ، الفصل التاسع ، الحديث العاشر.

(٤) سورة البيّنة ، الآية ٧.

(٥) رواه العلاّمة الكنجي الشافعي في كتابه «كفاية الطالب» ، الباب ٦٢ بسنده عن جابر ابن عبد الله الأنصاري ، وقال : هكذا رواه محدّث الشام في كتابه بطرق شتّى.

«المترجم».

٩٠

حتّى قالوا فيه : بأنّه مجدّد طريقة السنّة والجماعة في القرن التاسع الهجري ، كما في كتاب «فتح المقال».

روى في تفسيره «الدرّ المنثور» عن ابن عساكر الدمشقي ، أنّه روى عن جابر بن عبد الله الأنصاري أنّه قال : كنّا عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذ دخل عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : والذي نفسي بيده ، إنّ هذا وشيعته لهم الفائزون يوم القيامة ؛ فنزل :( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ) .

وكذلك ، جاء في «الدرّ المنثور» في تفسير الآية الكريمة ، عن ابن عديّ ، عن ابن عبّاس ، أنّه روي : لمّا نزلت الآية المذكورة قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعليّ : تأتي أنت وشيعتك يوم القيامة راضين مرضيّين.

وروى ابن الصبّاغ المالكي في كتابه الفصول المهمّة صفحه ١٢٢ عن ابن عبّاس ، قال : لمّا نزلت الآية :( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ) قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعليّ : هو أنت وشيعتك ، تأتي يوم القيامة أنت وهم راضين مرضيّين ، ويأتي أعداؤك غضابا مقمحين.

ورواه ابن حجر في الصواعق باب ١١ عن الحافظ جمال الدين ، محمد بن يوسف الزرندي المدني ، وزاد فيه : فقال عليّعليه‌السلام : من عدوّي؟ قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من تبرّأ منك ولعنك!

ورواه العلاّمة السمهودي في «جواهر العقدين» عن الحافظ جمال الدين الزرندي أيضا.

وروى المير سيّد علي الهمداني الشافعي وهو من كبار علمائكم في كتابه «مودّة القربى» عن أمّ سلمة أمّ المؤمنين وزوج النبي

٩١

الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّها قالت : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا عليّ ، أنت وأصحابك في الجنّة ، أنت وشيعتك في الجنّة.

ورواه عنها ابن حجر في الصواعق أيضا.

وروى الحافظ ابن المغازلي الشافعي الواسطي في كتابه «مناقب علي بن أبي طالبعليه‌السلام » بسنده عن جابر بن عبد الله ، قال : لمّا قدم عليّ بن أبي طالب بفتح خيبر قال له النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا عليّ ، لو لا أن تقول طائفة من أمّتي فيك ما قالت النصارى في عيسى بن مريم لقلت فيك مقالا لا تمرّ بملإ من المسلمين إلاّ أخذوا التراب من تحت رجليك وفضل طهورك ، يستشفون بهما ، ولكن حسبك أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى غير أنّه لا نبيّ بعدي ، وأنت تبرئ ذمّتي وتستر عورتي ، وتقاتل على سنّتي ، وأنت غدا في الآخرة أقرب الخلق منّي ، وأنت على الحوض خليفتي ، وإنّ شيعتك على منابر من نور مبيضّة وجوههم حولي ، أشفع لهم ، ويكونون في الجنّة جيراني ، وإنّ حربك حربي ، وسلمك سلمي(١) .

__________________

(١) رواه غيره أيضا ، منهم الكنجي الشافعي في كفاية الطالب ، الباب ٦٢.

الشيعة في الحديث : * تاريخ بغداد ، ج ١٢ ، ص ٢٨٩ ، قال النبي (ص) لعليّ : أنت وشيعتك في الجنّة.

* مروج الذهب ، ج ٢ ص ٥١ ، قال (ص) : إذا كان يوم القيامة دعي الناس بأسمائهم وأسماء أمّهاتهم إلاّ هذا ـ يعني : عليّا ـ وشيعته ، فإنّهم يدعون بأسمائهم وأسماء آبائهم لصحّة ولادتهم.

* الصواعق المحرقة ، ص ٦٦ ط. الميمنية بمصر ، قال رسول الله (ص) : يا علي أنت وشيعتك تردون عليّ الحوض رواء مرويّين ، مبيضّة وجوههم ، وإنّ أعداءكم يردون على الحوض ظماء مقمحين.

٩٢

__________________

أقول : ورواه العلاّمة صالح الترمذي في : المناقب المرتضوية ، ص ١٠١ ، ط بومبي.

* كفاية الطالب ، ص ١٣٥ ، قال (ص) لعلي : وإنّ شيعتك على منابر من نور مبيضّة وجوههم حولي ، أشفع لهم ، فيكونون غدا في الجنّة جيراني

* مناقب ابن المغازلي ، ص ٢٣٨ ، رواه أيضا ، والخبر طويل.

* كفاية الطالب ، ص ٩٨ بسنده عن عاصم بن ضمرة ، عن عليّ عليه‌السلام ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : شجرة أنا أصلها ، وعلي فرعها ، والحسن والحسين ثمرتها ـ والحسنان ثمرها / خ ل ـ والشيعة ورقها ، فهل يخرج من الطيّب إلاّ الطيب؟!

قال العلاّمة الكنجي : هكذا رواه الخطيب ، في تاريخه وطرقه.

أقول : ورواه الحاكم في المستدرك ٣ / ١٦٠ ، وابن عساكر في تاريخه ٤ / ٣١٨ ، ومحبّ الدين في الرياض النضرة ٢ / ٢٥٣ ، وابن الصبّاغ المالكي في الفصول المهمّة ١١ ، والصفوري في نزهة المجالس ٢ / ٢٢٢. وفي ينابيع المودّة ، للعلاّمة القندوزي الحنفي ، ص ٢٥٧ ، ط إسلامبول ، روى عن النبي (ص) : لا تستخفّوا بشيعة عليّ ، فإنّ الرجل منهم ليشفع في مثل ربيعة ومضر.

أقول : رواه العلاّمة الهندي في «انتهاء الأفهام» ص ١٩ ، ط. لكنهو.

تذكرة الخواصّ لسبط ابن الجوزي ، ص ٥٩ ، ط. الغريّ بسنده عن أبي سعيد الخدري ، قال : نظر النبي (ص) إلى عليّ بن أبي طالب فقال : هذا وشيعته هم الفائزون يوم القيامة.

* فردوس الأخبار ، للديلمي ، روى عن أنس بن مالك أنّه قال : قال رسول الله (ص) : شيعة عليّ هم الفائزون.

أقول : رواه العلاّمة المناوي في «كنوز الحقائق» ص ٨٨ ، ط بولاق ، ورواه القندوزي في «ينابيع المودة» ص ١٨٠ ، ط إسلامبول ، ورواه العلاّمة الهندي في «انتهاء الأفهام» ص ٢٢٢ ، ط نول كشور.

٩٣

__________________

* المناقب المرتضوية ، للعلاّمة الكشفي الترمذي ، ص ١١٣ طبع بومبي ، روى عن ابن عبّاس ، قال : قال رسول الله (ص) : عليّ وشيعته هم الفائزون يوم القيامة.

أقول : رواه القندوزي في «ينابيع المودة» ص ٢٥٧ ، ورواه العلاّمة الهندي في «انتهاء الأفهام» ص ١٩ ، كلاهما عن ابن عبّاس.

* الدرّ المنثور ـ للسيوطي ـ ٦ / ٣٧٩ ، طبعة مصر ، قال رسول الله (ص) لعليّ : أنت وشيعتك تردون عليّ الحوض روّاء.

ورواه القندوزي في «ينابيع المودّة» ص ١٨٢ ، بعينه.

* تاريخ ابن عساكر ٤ / ٣١٨ ، قال (ص) : يا عليّ ، إنّ أوّل أربعة يدخلون الجنّة ، أنا وأنت والحسن والحسين ، وذرارينا خلف ظهورنا ، وأزواجنا خلف ذرارينا ، وشيعتنا عن أيماننا وعن شمائلنا.

أقول : وأخرجه ابن حجر في الصواعق ، ص ٩٦ ، وتذكرة الخواص ص ٣١ ، ومجمع الزوائد ٩ / ١٣١ ، وكنوز الحقائق ـ في هامش الجامع الصغير ـ ٢ / ١٦.

* اسعاف الراغبين ، المطبوع بهامش نور الابصار ص ١٣١ قال : وأخرج الدارقطني مرفوعا قال لعلي : يا أبا الحسن أما أنت وشيعتك في الجنة.

* تاريخ بغداد ١٢ / ٢٨٩ ، مطبعة السعادة بمصر ، أخرج بسنده عن الشعبي ، عن علي عليه‌السلام ، قال : قال رسول الله (ص) : أنت وشيعتك في الجنّة.

أقول : ورواه أخطب خوارزم في «المناقب» ص ٦٧ ، ورواه صاحب منتخب كنز العمّال ـ المطبوع بهامش المسند ـ ٥ / ٤٣٩ ، طبع المطبعة الميمنية بمصر. ورواه العلامة البرزنجي صاحب «الإشاعة في أشراط الساعة» ص ٤١.

* مجمع الزوائد ٩ / ١٧٣ ، روى عن أبي هريرة ، قال : قال النبي (ص) لعليّ : أنت معي وشيعتك في الجنّة.

* شرف النبي (ص) ، للعلاّمة الخركوشي ، روى عن أمّ المؤمنين أمّ سلمة ، قالت : قال رسول الله (ص) : أبشر يا عليّ ، أنت وشيعتك في الجنّة.

٩٤

وصلنا إلى هنا وارتفع صوت المؤذّن يعلن وقت العشاء فقطعنا الكلام ، وسكتنا عن قراءة ذيل الرواية ، والخبر فإنّه طويل ، فقام الإخوان العامة وتهيّؤا للصلاة ، وذهب السيّد عبد الحيّ ليؤمّ المسلمين في المسجد.

وحينما رجع من المسجد جاء بتفسير «الدرّ المنثور» وكتاب «مودّة القربى» ومسند الإمام أحمد بن حنبل ، ومناقب الخوارزمي ، وقال : ذهبت بعد الصلاة إلى البيت وجئتكم بهذه الكتب التي تستندون بها في محاورتكم ، حتّى نراجعها عند الضرورة.

__________________

ورواه عنها أيضا العلاّمة الآمر تسري الحنفي ، في «أرجح المطالب».

* مجمع الزوائد ـ للهيثمي ـ ٩ / ١٧٢ ، قال (ص) في خطبة له : أيّها الناس ، من أبغضنا أهل البيت حشره الله يوم القيامة يهوديا ؛ فقال جابر بن عبد الله : يا رسول الله وإن صام وصلى؟!

قال (ص) : وإن صام وصلّى وزعم أنّه مسلم! احتجر بذلك من سفك دمه وأن يؤدّي الجزية عن يد وهم صاغرون.

مثّل لي أمّتي في الطين ، فمرّ بي أصحاب الرايات ، فاستغفرت لعليّ وشيعته.

ورواه ابن عساكر في تاريخه ، على ما في تهذيبه ج ٦ / ٦٧ ، مطبعة الترقّي بدمشق ، عن جابر بن عبد الله.

* المناقب المرتضوية ، ص ١١٦ ، طبع بومبي ، للعلاّمة الكشفي الترمذي ، أنّ أنسا روى عن النبي (ص) أنّه قال : حدّثني جبرئيل عن الله (عزّ وجلّ) ، أنّ الله تعالى يحبّ عليّا ما لا يحبّ الملائكة ولا النبيّين ولا المرسلين ، وما في تسبيحة يسبح الله إلاّ ويخلق الله منه ملكا يستغفر لمحبّه وشيعته إلى يوم القيامة.

أقول : رواه العلاّمة القندوزي الحنفي في «ينابيع المودّة» ص ٢٥٦ ، طبعة إسلامبول ، روى الحديث عن أنس بعين ما تقدّم ، إلاّ أنّه أسقط : «ولا النبيّين ولا المرسلين».

وفي هذا كفاية لمن أراد الهداية ، ولو رمت إسهابا أتى الفيض بالمدد. «المترجم»

٩٥

فتناولت منه الكتب وشكرته وبقيت الكتب عندنا إلى آخر ليلة من ليالي الحوار ، ثمّ استخرجت الأخبار والأحاديث التي نقلتها من تلك الكتب ، وكلّما قرأت لهم الأحاديث التي مرّ ذكرها من كتبهم ، كنت ألاحظ أنّ وجوه المشايخ تنخطف ، وألوانهم تتغيّر ، والخجل يبدو ويعلو على وجوههم ، لأنّهم كانوا يحسّون بالفضيحة والنكسة أمام أتباعهم الحاضرين.

وقرأنا في كتاب «مودّة القربى» إضافة إلى ما نقلناه ، حديثا آخر في الموضوع ، وهو :

روي أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : يا علي ، ستقدم على الله أنت وشيعتك راضين مرضيّين ، ويقدم عليه عدوّك غضابا مقمحين.

وبعده قلت : إنّ هذا بعض الدلائل المحكمة والمؤيّدة بكلام الله سبحانه وتعالى وبالأخبار المعتبرة والمقبولة عندكم ، ولو نقلتها لكم كلّها لطال الكلام ، ولكن في ما ذكرنا كفاية لمبتغي الحق بغير غواية.

وأرجو بعد هذا أن لا تكرّروا ذلك الكلام الفارغ الوهمي الواهي ، بأنّ مؤسّس مذهب الشيعة : عبد الله بن سبأ اليهودي.

فقد اندفع هذا الاتّهام وارتفع الإيهام ، بالقرآن الحكيم وحديث النبي العظيمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقد تبيّن لكم أنّ ما كنتم تظنّوه في حقّ الشيعة ، إن هو إلاّ أباطيل الخوارج وأكاذيب النواصب من بني أميّة وغيرهم.

ومع الأسف أنتم العلماء قد ألقيتم هذه الأقاويل إلى أتباعكم من عامة الناس ، وألبستم عليهم الحقّ والحقيقة ، من حيث تعلمون أو لا تعلمون!

والآن عرفتم بأنّ الشيعة محمّديّون وليسوا بيهود ، وأنّ إطلاق

٩٦

اسم : «الشيعة» على من تولّى عليّا وأحبّه وتابعه ونصره إنّما بدأ من نبي الإسلام وهادي الأنام محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقد صرّح به كرارا بين أصحابه حتّى صار علما لموالي عليّعليه‌السلام وأنصاره ، كما سمعتم الروايات والأخبار التي نقلتها لكم.

وجاء في كتاب «الزينة» لأبي حاتم الرازي ، وهو منكم ، قال : إنّ أوّل اسم وضع في الإسلام علما لجماعة على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان اسم «الشيعة» وقد اشتهر أربعة من الصحابة بهذا الاسم في حياة النبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهم :

١ ـ أبو ذرّ الغفاري ٢ ـ سلمان الفارسي ٣ ـ المقداد بن الأسود الكندي ٤ ـ عمّار بن ياسر.

فأدعوكم لتتفكّروا ، كيف يمكن أن يشتهر أربعة من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الأقربين وحواريّه ، بلقب أو اسم «الشيعة» بمرأى ومسمع منهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو لا يمنعهم من تلك البدعة كما يزعم بعضهم؟!

ولكن نستنبط من مجموع الأخبار والأحاديث الواردة في الموضوع أنّ اولئك الأصحاب المخلصين ، سمعوا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : شيعة علي خير البريّة ، وهم الفائزون. لذلك افتخروا بأن يكونوا منهم ، ويشتهروا بين الأصحاب باسم : «الشيعة».

مقام هؤلاء الأربعة في الإسلام

يروي علماؤكم عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : «أصحابي كالنجوم بأيّهم اقتديتم اهديتم» وقد كتب أبو الفداء في تاريخه ـ وهو من مؤرّخيكم ـ : أنّ هؤلاء الأربعة امتنعوا من البيعة لأبي بكر يوم السقيفة ، وتبعوا عليّ

٩٧

ابن أبي طالبعليه‌السلام ، فلما ذا لا تجعلون عملهم حجّة؟! مع ما نجد في كتبكم أنّ هؤلاء كانوا من المقرّبين والمحبوبين عند النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لكن ، نحن تبعناهم واقتدينا بهم وصرنا شيعة عليعليه‌السلام ، فنحن مهتدون بحديث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الواصل عن طريقكم : بأيّهم اقتديتم اهتديتم.

ولكي نعرف جاه ومقام هؤلاء الأربعة عند الله تعالى وعند رسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أنقل لكم بعض الأخبار المرويّة عن طرقكم في حقّهم :

١ ـ روى الحافظ أبو نعيم في المجلد الأول من حلية الأولياء ص ١٧٢ وابن حجر المكّي في كتابه الصواعق المحرقة في الحديث الخامس من الأحاديث الأربعين التي نقلها في فضائل علي بن أبي طالبعليه‌السلام قال : عن الترمذي والحاكم ، عن بريدة : أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : إنّ الله أمرني بحبّ أربعة ، وأخبرني أنّه يحبّهم ، فقيل : من هم؟ قال (ص) : عليّ بن أبي طلب ، وأبو ذرّ ، والمقداد ، وسلمان(١) .

__________________

(١) روى ابن المغازلي الشافعي في ـ مناقب علي بن أبي طالب ـ ح رقم ٣٣١ بسنده عن بريدة ، قال : قال رسول الله (ص) : انّ الله يحب من اصحابي أربعة وأخبرني انّه يحبّهم وامرني أن أحبّهم قالوا : من هم يا رسول الله؟

قال : انّ عليا منهم وأبا ذر وسلمان والمقداد بن الأسود الكندي.

وأخرجه الامام أحمد بن حنبل في مسنده ٥ / ٣٥١ / بالاسناد عن ابن نمير بعين السند واللفظ.

واخرجه في ٥ / ٣٥٦ بالإسناد الى أسود بن عامر عن شريك بعين السند.

واخرجه الحافظ البخاري في تاريخه قسم الكنى ٣٧ / بالاسناد الى محمد بن الطفيل عن شريك.

واخرجه الحاكم في المستدرك ٣ / ١٣٠ / من طريق الامام احمد بن حنبل عن الاسود ابن عامر وعبد الله بن نمير معا وصححه واقرّه الذهبي في تلخيصه المطبوع بذيله.

واخرجه الحافظ القزويني في سنن المصطفى ١ / ٥٢ / ط محمد فؤاد ، عن بريدة مع اختلاف يسير في اللفظ والمعنى واحد. «المترجم».

٩٨

٢ ـ نقل ابن حجر أيضا في الحديث ٣٩ عن الترمذي والحاكم عن أنس بن مالك ، أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : الجنّة تشتاق إلى ثلاثة : عليّ وعمّار وسلمان.

فكيف إنّ هؤلاء الأربعة الّذين هم من خواصّ أصحاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد أحبّهم الله ورسوله ، ومن أهل الجنّة ، خالفتموهم ولم يكن عملهم حجّة عندكم؟!

أليس من المؤسف أن تحصروا أصحاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الّذين دبّروا فتنة السقيفة وانخرطوا في تلك اللعبة الجاهلية ، وقبلوا منتخب المتآمرين وتركوا حجة ربّ العالمين؟!

وأمّا بقية الصحابة الأخيار ، الّذين خالفوا ذلك التيّار ، ورفضوا ذلك القرار ، إذ وجدوه جائرا مخالفا لنصّ الواحد القهار ، فساروا على الخطّ الذي رسمه النبي المختارصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لسعادة المؤمنين الأحرار الأبرار ، لم تعتبروهم ولم تقتدوا بهم ، فكأنكم حرّفتم عمليا حديث النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أصحابي كالنجوم ...» بأنّ «بعض أصحابي كالنجوم»!!

التشيّع ليس حزبا سياسيا

وأمّا قولك : إنّ مذهب الشيعة مذهب سياسي ، والإيرانيون المجوس اتّخذوا التشيّع وسيلة للفرار من سلطة العرب ، كلام بلا دليل وهو من أقاويل أسلافكم ، ونحن أثبتنا أنّ التشيع مذهب إسلامي ، وهو شريعة خاتم الأنبياء وامتداد للإسلام.

والنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمر أمّته بمتابعة عليّ ومشايعته في الأمور والحوادث ، بأمر من الله سبحانه وتعالى ، ونحن نتّبع عليّا أمير المؤمنين وأبناءه

٩٩

الطاهرينعليهم‌السلام ، ونعمل بأوامرهم حسب أمر النبي المطاع الأمينصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ونرى في ذلك نجاتنا.

ولو تدبّرنا التاريخ ودرسنا الحوادث بعد حياة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لوجدنا أنّ أبرز قضية سياسية وأظهر حادثة انقلابية هي مؤامرة السقيفة وانتخابهم الخليفة. ومع ذلك لا تطلقون على اولئك المجتمعين في السقيفة والهمج الّذين تبعوهم كلمة : «حزب سياسي» ولكن تتّهمون الشيعة المؤمنين المخلصين بأنّهم حزب سياسي!!

وكم عندكم أحاديث معتبرة أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يأمر الامّة بمتابعة عليّ ابن أبي طالب وأهل بيته الكرام ، وخاصّة عند التباس الأمر واختلاف الرأي ، ولا نجد حديثا واحدا من الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يأمر الامّة بتشكيل السقيفة وانتخابهم الخليفة من بعده ، ولو كان ذلك من حقّ الناس ، لما نصّ على أخيه وصنوه عليّعليه‌السلام من بعده ، ولما عيّنه خليفة بأمر من الله (عزّ وجلّ) ، في يوم الإنذار ويوم الغدير وغيره.

وأمّا بالنسبة لتشيّع الإيرانيّين الذي تزعم أنت وكثير من الّذين أغوتهم الدعايات الامويّة ، بأنّه كان عن غرض سياسي.

أقول : إنّ من كان له أدنى اطّلاع في القضايا السياسية يعرف ، أنّ قوما إذا اتّخذوا مذهبا وسيلة للوصول إلى أغراضهم وأهدافهم السياسية تركوا ذلك المذهب ولم يعبئوا به حينما يصلون إلى أهدافهم ، والحال أنّ التاريخ يشهد في حقّ الإيرانيّين الّذين تمسّكوا بالتشيّع واتّبعوا آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأحبّوهم ونصروهم وضحّوا بالغالي والنفيس من أجلهم أكثر من ألف عام ، وإلى يومنا هذا هم كذلك يجاهدون ويضحّون في سبيل إعلاء كلمة الحقّ والعدل وانتشار راية : لا إله إلاّ

١٠٠