ليالي بيشاور

ليالي بيشاور0%

ليالي بيشاور مؤلف:
تصنيف: مفاهيم عقائدية
الصفحات: 1205

ليالي بيشاور

مؤلف: السيّد محمّد الموسوي الشيرازي
تصنيف:

الصفحات: 1205
المشاهدات: 211213
تحميل: 3102

توضيحات:

ليالي بيشاور
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 1205 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 211213 / تحميل: 3102
الحجم الحجم الحجم
ليالي بيشاور

ليالي بيشاور

مؤلف:
العربية

الكبير ، نقلوا في ذيل الآية الشريفة روايات بطرق شتى ، والمعنى واحد ، وهو أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رأى في عالم الرؤيا بني أمية ينزون على منبره نزو القرد ، فساءه ذلك ، فنزلت الآية ، فبنوا أمية هم الشجرة الملعونة في القرآن والمزيدة بالطغيان.

ولا شك أنّ رأسهم كان أبو سفيان ، ومن بعده معاوية ويزيد ومروان.

والآية الثانية ، الدالّة على لعن بني أمية ، قوله سبحانه وتعالى :( فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ* أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمى أَبْصارَهُمْ ) (١) .

ومن أكثر فسادا من معاوية حينما تولّى؟ ومن أقطع منه رحما لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟! والتاريخ يشهد عليه بذلك ، وليس أحد من المؤرخين ينكر فساد معاوية في الدين وقطعه لأرحام النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

والآية الثالثة ،( إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً ) (٢) .

وهل تنكرون إيذاء معاوية للإمام عليعليه‌السلام ، ولسبطي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الحسن والحسين ، ولخواص صحابة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كعمّار بن ياسر وحجر بن عدي وعمرو بن الحمق الخزاعي؟ ثم أما يكون إيذاء أمير المؤمنين وشبليه ريحانتي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والصحابة الأخيار ، إيذاء لله ورسوله؟! فالآيات القرآنية التي تلعن الظالمين كلّها تشمل معاوية.

فقد قال عزّ وجلّ :( يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ

__________________

(١) سورة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، الآية : ٢٢ و ٢٣.

(٢) سورة الأحزاب ، الآية ٥٧.

٩٢١

وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ ) (١) .

وقال سبحانه :( أَلا لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ ) (٢) .

وقال تعالى :( فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ ) (٣) .

وهل أحد من أهل العلم والإنصاف ينكر ظلم معاوية؟!

معاوية قاتل المؤمنين

وقال سبحانه وتعالى :( وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً ) (٤) وكم قتل معاوية من المؤمنين الأبرار والصحابة الأخيار؟!

أما ثبت لكم بالروايات التي نقلتها من مصادركم أنه سبّب قتل الإمام الحسن سبط رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأن دسّ إليه السم بواسطة زوجته جعدة بنت الأشعث ، إذ بعث إليها مالا ، وأغراها بأن يزوجها ليزيد بن معاوية ، ففعلت ما أراد معاوية؟!

أما قتل معاوية حجر بن عدي صحابي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع سبعة نفر من أصحابه المؤمنين؟ وقد ذكر ابن عبد البر في الاستيعاب وابن الأثير في الكامل [أنّ حجر كان من كبار صحابة النبي وفضلائهم ، وقتله معاوية مع سبعة نفر من أصحابه صبرا ، لأنهم امتنعوا من لعن عليّ بن أبي طالب والبراءة منه.]

__________________

(١) سورة غافر ، الآية ٥٢.

(٢) سورة هود ، الآية ١٨.

(٣) سورة الأعراف ، الآية ٤٤.

(٤) سورة النساء ، الآية ٩٣.

٩٢٢

وذكر ابن عساكر ، ويعقوب بن سفيان في تاريخه ، والبيهقي في الدلائل ، أنّ معاوية دفن عبد الرحمن بن حسّان العنزي حيّا ، وكان أحد السبعة الذين قتلوا مع حجر بن عدي.

أما كان قتل عمار بن ياسر صاحب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بيد جنود معاوية وعماله في صفين؟ وقد أجمع المحدّثون والعلماء أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لعمّار «يا عمّار! تقتلك الفئة الباغية».

هل تنكرون حديث النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أم تنكرون قتله في صفين بأيدي عمال معاوية وجنوده؟!

أما سبّب معاوية قتل الصحابي الجليل مالك الأشتر بالسم غيلة؟

أما قتل أصحابه محمد بن أبي بكر عطشانا وأحرقوا جسده؟ ولمّا سمع معاوية بذلك فرح وأيّد عملهم.

أما كان يأمر عمّاله بقتل شيعة علي بن أبي طالب وأنصار أهل بيت النبوّة؟

أما كان يرسل الجيوش لإبادة المؤمنين واستئصالهم ونهب أموالهم؟

غارة بسر بن أرطاة

ومن أقبح أعمال معاوية ، وأشنع جرائمه ، بعثه بسر بن أرطاة الظالم السفّاك إلى المدينة ومكة والطائف ونجران وصنعاء واليمن ، وأمره بقتل الرجال وحتى الأطفال ، ونهب الأموال وهتك الأعراض النواميس. وقد نقل غارة بسر بن أرطاة على هذه البلاد كثير من المؤرخين منهم : أبو الفرج الأصبهاني ، والعلاّمة السمهودي في تاريخ المدينة ـ وفاء الوفي ـ ، وابن خلّكان ، وابن عساكر ، والطبري في

٩٢٣

تواريخهم ، وابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة : ج ٢ / ٣ ـ ١٨ ، ط دار إحياء التراث العربي ، قال في صفحة ٦ [دعا ـ معاوية ـ بسر بن أرطاة ـ وكان قاسي القلب فظّا سفّاكا للدماء ، لا رأفة عنده ولا رحمة ـ فأمره أن يأخذ طريق الحجاز والمدينة ومكة حتى ينتهي إلى اليمن ، وقال له : لا تنزل على بلد أهله على طاعة عليّ إلاّ بسطت عليهم لسانك ، حتى يروا أنهم لا نجاء لهم ، وأنّك محيط بهم ، ثم اكفف عنهم ، وادعهم إلى البيعة لي ، فمن أبى فاقتله ، واقتل شيعة عليّ حيث كانوا!!

فامتثل بسر أوامر معاوية وخرج وأغار في طريقه على بلاد كثيرة ، وقتل خلقا كثيرا حتى دخل بيت عبيد الله بن العباس ، وكان غائبا فأخذ ولديه وهما طفلان صغيران فذبحهما ، فكانت أمهما تبكي وتنشد :

ها! من أحسّ بابنيّ اللّذين هما

كالدّرتين تشظّى عنهما الصّدف

ها! من أحس بابنيّ اللذين هما

سمعي وقلبي ، فقلبي اليوم مختطف

ها! من أحسّ بابنيّ اللذين هما

مخّ العظام ، فمخّي اليوم مزدهف

نبئت بسرا وما صدّقت ما زعموا

من قولهم ومن الإفك الذي اقترفوا

أنحى على ودجي ابنيّ مرهفة

مشحوذة ، وكذاك الإثم يقترف]

٩٢٤

وقال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة : ج ٢ صفحة ١٧ : [وكان الذي قتل بسر في وجهه ذلك ثلاثين ألفا ، وحرّق قوما بالنار(١) .]

__________________

(١) ما كانت غارة بسر بن أرطاة الظالم السفّاك هي الوحيدة من نوعها ، بل يحدّث التاريخ عن أمثالها. وقعت بأمر معاوية ، قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة : ج ٢ / ٨٥ ، ط دار إحياء التراث العربي : (غارة سفيان بن عوف الغامدي على الأنبار) روى إبراهيم بن محمد بن سعيد بن هلال الثقفي في كتاب «الغارات» عن أبي الكنود ، قال : حدثني سفيان بن عوف الغامديّ ، قال [دعاني معاوية ، فقال : إنّي باعثك في جيش كثيف ذي أداة وجلادة ، فالزم لي جانب الفرات ، حتى تمرّ بهيت فتقطعها ، فإن وجدت بها جندا فأغر عليهم ؛ وإلاّ فامض حتى تغير على الأنبار ، فإن لم تجد بها جندا فامض حتى توغل في المدائن ؛ ثم أقبل إليّ واتّق أن تقرب الكوفة! واعلم أنّك إن أغرت على أهل الأنبار وأهل المدائن فكأنّك أغرت على الكوفة ؛ إنّ هذه الغارات يا سفيان على أهل العراق ترعّب قلوبهم ، وتفرح كلّ من له فينا هوى منهم ، وتدعوا إلينا كلّ من خاف الدوائر! فاقتل من لقيته ممن ليس هو على مثل رأيك ، وأخرب كلّ ما مررت به من القرى ، واحرب الأموال ، فإنّ حرب الأموال شبيه بالقتل ، وهو أوجع للقلب!]

أقول : وامتثل سفيان عليه اللعنة أوامر معاوية وقتل من قتل ونهب ما نهب ، ورجع إلى الشام فاستقبله معاوية بالفرح والسرور ورحّب به وحباه أعظم حباء ، فقد نقل ابن أبي الحديد عن سفيان بن عوف ، في شرح نهج البلاغة : ج ٢ / ٨٧ قال [فو الله ما غزوت غزاة كانت أسلم ولا أقرّ للعيون ، ولا أسرّ للنفوس منها! وبلغني والله أنّها أرعبت الناس ، فلمّا عدت إلى معاوية ؛ حدثته الحديث على وجهه ، فقال : كنت عند ظنّي بك ، لا تنزل في بلد من بلداني إلاّ قضيت فيه مثل ما يقضى فيه أميره ، وإن أحببت توليته ولّيتك ، وليس لأحد من خلق الله عليك أمر دوني.]

فانظر أيها القارئ الكريم إلى الجملة الأخيرة ؛ كيف يسلّط معاوية الطاغي هذا الظالم الباغي على خلق الله ويبسط يده ليفعل ما يشاء بلا مانع ولا رادع ، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون.

٩٢٥

وهل أنتم بعد في شكّ وترديد في كفر معاوية ويزيد؟! وهل تتورّعون بعد عن لعنهما ولعن من رضي بأفعالهما؟

معاوية يأمر بلعن الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام !!

من الدلائل الواضحة على كفر معاوية وأصحابه ، أمره بسبب الإمام عليعليه‌السلام ولعنه على منابر المسلمين ، وإجباره الناس بهذا الذنب العظيم ، فسنّ هذا المنكر في قنوت الصلوات وخطب الجمعات.

وهذا أمر ثابت على معاوية ، سجّله التاريخ وذكره المؤرّخون من

__________________

غارة الضحّاك بن قيس الفهريّ

وفي شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج ٢ / ١١٦ ، ط إحياء التراث العربي ، قال إبراهيم بن هلال الثقفي [فعند ذلك دعا معاوية الضحّاك بن قيس الفهريّ وقال له :سر حتى تمرّ بناحية الكوفة وترتفع عنها ما استطعت ، فمن وجدته من الأعراب في طاعة عليّ فأغر عليه ، وإن وجدت له مسلحة أو خيلا فأغر عليها ، وإذا اصبحت في بلدة فامس في اخرى

فأقبل الضّحّاك ، فنهب الأموال وقتل من لقي من الأعراب ، حتى مرّة بالثعلبيّة ، فأغار على الحاجّ ، فأخذ امتعتهم ، ثم أقبل فلقي عمرو بن عميس بن مسعود الهذلي ، وهو ابن أخي عبد الله بن مسعود صاحب رسول الله (ص) ، فقتله في طريق الحاجّ عند القطقطانه وقتل معه ناسا من أصحابه.]

اقول : هكذا سلب معاوية وأعوانه وعامله ، الأمن والأمان من المؤمنين ، فشهروا السلاح وقطعوا الطريق وحاربوا المسلمين ، فأراقوا دماءهم ونهبوا أموالهم ، وسعوا في الأرض فسادا ، فلعنة الله عليهم وعلى جميع الظالمين والمفسدين ولعن الله كل من رضي بأفعالهم ، إلى قيام يوم الدين.

«المترجم»

٩٢٦

الشيعة والسنّة وحتى غير المسلمين ، حتى أنّه قتل بعض المؤمنين الذين امتنعوا وأبوا ذلك ، مثل حجر بن عدي وأصحابه رضوان الله تعالى عليهم أجمعين.

وقد ثبت أيضا عند جميع علماء الإسلام بالتواتر أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال «من سبّ عليا فقد سبّني ، ومن سبّني فقد سبّ الله».

رواه جمع غفير من أعلامكم منهم : أحمد بن حنبل في المسند والنّسائي في الخصائص والثعلبي في تفسيره ، والفخر الرازي في تفسيره ، وابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة والعلاّمة الكنجي الشافعي في كفاية الطالب ، وسبط ابن الجوزي في التذكرة ، والشيخ القندوزي الحنفي في الينابيع ، والعلاّمة الهمداني في مودّة القربى ، والحافظ الديلمي في الفردوس ، والشيخ مسلم بن حجاج في صحيحه ، والعلاّمة محمد بن طلحة في مطالب السئول والعلاّمة ابن الصبّاغ المالكي في الفصول ، والحاكم في المستدرك ، والخطيب الخوارزمي في المناقب ، وشيخ الإسلام الحمويني في الفرائد ، والفقيه الشافعي ابن المغازلي في المناقب ، والمحب الطبري في الذخائر ، وابن حجر في الصواعق ، وغيرهم من كبار علمائكم.

والخبر الذي رواه أيضا كثير من أعلامكم ومحدثيكم عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال «من أذى عليّا فقد آذاني ومن آذاني فعليه لعنة الله».

وابن حجر روى خبرا أعمّ وأشمل / في الصواعق / ١٤٣ طبع الميمنية بمصر / باب التحذير من بغضهم وسبهم / قال : وصحّ أنه صلى الله عليه وسلم قال «يا بني عبد المطلب! إنّي سألت الله لكم ثلاثا : أن يثبّت قائمكم ، وأن يهدي ضالّكم ، وأن يعلّم جاهلكم ، وسألت الله أن

٩٢٧

يجعلكم كرماء نجباء رحماء ، فلو أنّ رجلا صفن ـ وهو صف القدمين ـ بين الركن والمقام فصلّى وصام ثم لقى الله وهو يبغض آل بيت محمّد (ص) دخل النار».

وورد «من سبّ أهل بيتي فإنما يرتدّ عن الله والإسلام ، ومن آذاني في عترتي فعليه لعنة الله ومن آذاني في عترتي فقد آذى الله ، إنّ الله حرّم الجنة على من ظلم أهل بيتي أو قاتلهم أو أعان عليهم أو سبّهم».

وروى أحمد بن حنبل في المسند وروى غيره من أعلامكم أيضا عن النبي أنه قال «من آذى عليا بعث يوم القيامة يهوديّا أو نصرانيا».

وقد ذكر ابن الأثير في الكامل وغيره من المؤرخين أنّ معاوية كان في قنوت الصلاة يلعن سيدنا عليا والحسن والحسين وابن عباس ومالك الأشتر.

فما تقولون بعد هذه الأخبار والأحاديث المرويّة في كتب محدثيكم وأعلامكم ، ولا ينكرها أحد من أهل العلم؟!

وأنتم تعلمون أنّ من ضروريّات الإسلام المتّفق عليه ، أنّ من لعن أو سبّ الله ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فهو كافر نجس يجب قتله.

فمعاوية ومن حذى حذوه كافر نجس ملعون.

الشيخ عبد السلام : المتّفق عليه ، كفر من سبّ الله ورسوله ، ومعاوية ما سبّ الله ورسوله ، وإنّما سب ولعن عليا كرّم الله وجهه.

قلت : أيها الشيخ ما هذا اللّفّ والدوران! ولما ذا تغالط في الكلام والبيان؟ فلا تنس قول الله العزيز في القرآن :( وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ) (١) .

__________________

(١) سورة البقرة ، الآية ٤٢.

٩٢٨

أترفض الحديث الذي نقلته الآن من كتب أعلامكم وأئمتكم ، أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال «من سبّ عليا فقد سبّني ومن سبّني فقد سبّ الله؟!».

ارجو أن لا تنس حديثنا في الليالي الماضية ، والمصادر الجمّة التي ذكرتها لكم من الأحاديث النبويّة الشريفة التي صدرت عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الموضوع ، والظاهر أنّك صرت مصداق المثل المعروف : «كلام الليل يمحوه النار».

النوّاب : نرجوكم أن تزيدونا بالأحاديث النبوية في هذا الباب ، فإنّ أحسن الحديث حديث رسول الله (ص).

قلت : لا أدري هل نقلت لكم رواية ابن عباس في هذا الباب ، أم لا؟ فقد روى العلاّمة الكنجي فقيه الحرمين ، ومفتي العراقين ، محدّث الشام وصدر الحفّاظ أبو عبد الله محمد بن يوسف القرشي ، الشهير بالعلاّمة الكنجي الشافعي ، صاحب كتاب كفاية الطالب نقل في / الباب العاشر / بسنده المتصل بيعقوب بن جعفر بن سليمان قال : حدثنا أبي عن أبيه ، قال [كنت مع أبي ، عبد الله بن العباس ، وسعيد ابن جبير يقوده ، فمرّ على صفة زمزم ، فإذا قوم من أهل الشام يشتمون علياعليه‌السلام ، فقال لسعيد : ردّني إليهم ، فوقف عليهم فقال : أيّكم السابّ لله عزّ وجلّ؟ فقالوا : سبحان الله ما فينا أحد سبّ الله ، قال : أيّكم الساب رسول الله (ص)؟! قالوا : ما فينا أحد سبّ رسول الله (ص). قال : فأيّكم الساب عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ؟ فقالوا : أمّا هذا فقد كان. قال : فأشهد على رسول الله (ص) سمعته أذناي ووعاه قلبي ، يقول لعليّ بن أبي طالب : من سبّك فقد سبّني ، ومن سبّني فقد

٩٢٩

سبّ الله ، ومن سبّ الله أكبّه الله على منخريه في النار(١) .]

لا يبغض عليا إلاّ كافر أو منافق

روى جمع غفير من أعلامكم وعلمائكم عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : «لا يحب عليا إلاّ مؤمن ، ولا يبغضه إلاّ منافق». خرّجه كثير من محدّثيكم وعلمائكم الكبار منهم :

جلال الدين السيوطي في الدرّ المنثور ، والثعلبي في تفسيره ، والعلاّمة الهمداني في مودّة القربى ، وأحمد بن حنبل في المسند ، وابن حجر في الصواعق ، والخوارزمي في المناقب ، والعلاّمة ابن المغازلي في المناقب ، والحافظ القندوزي في الينابيع ، وابن أبي الحديد في شرح النهج ، والطبراني في الأوسط ، والمحب الطبري في ذخائر العقبى ، والنسائي في الخصائص ، والعلاّمة الكنجي الشافعي في كفاية الطالب ، ومحمد بن طلحة في مطالب السّئول ، وسبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص ، وابن الصبّاغ المالكي في الفصول المهمة ، وغير هؤلاء جمع غفير خرّجوا هذا الحديث باسنادهم وبطرق شتى حتى كاد أن يصل حدّ التواتر ، ومن الواضح أنّ مصير الكافر والمنافق إلى النار

__________________

(١) رواه جماعة من الأعلام وعلماء العامّة باسنادهم عن ابن عباس منهم العلامة الحافظ الفقيه ابن المغازلي في كتابه مناقب الإمام علي حديث رقم / ٤٤٧ ، وأخرجه المحب الطبري في الرياض النضرة : ج ٢ / ١٦٦ ، من طريق الملاّ في سيرته ، وهكذا أخرجه الموفق الخوارزمي في المناقب : ص ٨١ ، والعلامة الزرندي في نظم درر السمطين : ١٠٥.

«المترجم»

٩٣٠

والسعير. وانقل لكم بالمناسبة ما رواه العلامة الكنجي الشافعي في آخر الباب الثالث من كتابه كفاية الطالب : بسنده المتصل بموسى بن طريف عن عباية عن علي بن أبي طالب قال «أنا قسيم النار يوم القيامة ، أقول : خذي ذا وذري ذا». هكذا رواه الحافظ أبو القاسم الدمشقي في تاريخه ، ورواه غيره مرفوعا إلى النبي (ص).

ثم قال العلاّمة الكنجي : فإن قيل هذا سند ضعيف ، قلت : قال محمد بن منصور الطوسي كنا عند أحمد بن حنبل فقال له رجل : يا أبا عبد الله ما تقول في هذا الحديث الذي يروى أنّ عليا قال «أنا قسيم النار». فقال أحمد [وما تنكرون من هذا الحديث! أليس روينا أنّ النبي (ص) قال لعلي : لا يحبّك إلاّ مؤمن ولا يبغضك إلاّ منافق؟ قلنا بلى ، قال : فأين المؤمن؟ قلنا في الجنة ، قال : فأين المنافق؟ قلنا في النار.

قال : فعلي قسيم النار] هكذا ذكره في طبقات أحمدرحمه‌الله .

وقال الله سبحانه :( إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً ) (١) .

فمعاوية وأصحابه وأنصاره من أهل جهنم لا محالة ، بل هم في الدرك الأسفل من النار.

الشيخ عبد السلام : نحن لا ننكر هذه الأخبار والأحاديث الواردة في حق سيدنا عليّ كرّم الله وجهه ، ولكنّ الصحابة مستثنون لأنّ الله سبحانه غفر لهم وأعدّ لهم جنات النعيم كما وعدهم في آيات من الذكر الحكيم. ولا ينكر أن معاوية (رض) كان من الصحابة المقرّبين لرسول الله (ص). فيجب احترامه لصحبته للنبي (ص) ولقربه منه.

__________________

(١) سورة النساء ، الآية ١٤٥.

٩٣١

الصحابة ، أخيار وأشرار

قلت : لقد ناقشنا الموضوع في الليالي الماضية ، واثبتنا أنّ كثيرا ممن أدرك النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وحظى بصحبته ما كان أهلا لذلك ، ولم يكتسب منه الدّين والأخلاق الحميدة التي جاء بها ، وأمر أصحابه أن يتخلّقوا بها ، فبقوا على جهالتهم وسيّئات أخلاقهم فعصوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعاتبهم الله سبحانه في غير موضع من كتابه الحكيم. ولكي تعرفوا انّ المصاحبة والصحبة مع الأخيار والأبرار ومع الأنبياء والمرسلين ، لا تكون منقبة ولا شرفا وإنما الفضل والشرف في حسن الصحبة ، نرجع الى القرآن الكريم لنعرف تعبيره وتعريفه لهذه الكلمة ونعم الحكم الله سبحانه. قال :( ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى ) (١) .

وقال :( قُلْ إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنى وَفُرادى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ ) (٢) .

وقال :( فَقالَ لِصاحِبِهِ وَهُوَ يُحاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالاً وَأَعَزُّ نَفَراً ) (٣) .

وفي الآية ٣٨( قالَ لَهُ صاحِبُهُ وَهُوَ يُحاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ ) الخ.

وقال تعالى :( أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ ) (٤) .

وقال :( كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّياطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرانَ لَهُ أَصْحابٌ

__________________

(١) سورة النجم ، الآية ٢.

(٢) سورة سبأ ، الآية ٤٦.

(٣) سورة الكهف ، الآية ٣٤.

(٤) سورة الأعراف ، الآية ١٨٤.

٩٣٢

يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنا قُلْ إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الْهُدى ) (١) .

وقال تعالى في سورة يوسف (الصدّيق) حكاية عنهعليه‌السلام :( يا صاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ ) (٢) .

فنكتشف من هذه الآيات الكريمة ونعرف بأنّ الصاحب يطلق على المؤمن والكافر ، فلا خصوصيّة في الصحبة.

ومن البديهي أن الآيات الشريفة التي نزلت في مدح صحابة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا تعمّهم بل تخصّ أخيارهم ، كما أنّ الآيات التي نزلت في ذمّهم وعتابهم أيضا تخص أشرارهم ولا تشمل الأبرار منهم.

ولا ينكر أنّ ممن كان حول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الصحابة الذين يجالسونه ويعاشرونه كانوا منافقين ، كما نعتقد أنّ بعض أصحابه الأبرار الميامين الأخيار كانوا في أعلى مراتب الإيمان واليقين بحيث ما كان مثلهم في أصحاب الأنبياء السابقين صلوات الله عليهم أجمعين وكلكم تعلمون أنّ عبد الله بن أبيّ ، وأبا سفيان ، والحكم بن العاص ، وأبا هريرة ، وثعلبة ، ويزيد بن أبي سفيان ، والوليد بن عقبة ، وحبيب بن مسلمة ، ومسرة بن جندب ، وعمرو بن العاص ، وبسر بن أرطاة ، والمغيرة بن شعبة ، ومعاوية بن أبي سفيان ، وذي الثدية ، رأس الخوارج وأمثالهم كانوا يجالسون رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويصحبونه في السفر والحضر وفي المسجد والمنزل ويتظاهرون بالإسلام ، ولكنّهم كم أشعلوا نار الفتنة والشقاق وساروا في طريق الخلاف والنفاق ، حتى طرد رسول الله

__________________

(١) سورة الأنعام ، الآية ٧١.

(٢) سورة يوسف ، الآية ٣٩.

٩٣٣

بعضهم ، ولعن آخرين ، وقاطع جماعة منهم ، وفضح بعضهم وشهرهم على رءوس الاشهاد؟! وممّن لعنه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم معاوية وأباه وأخاه.

وكم من الصحابة ارتدّوا بعد وفاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأصبحوا مصداق الآية الكريمة :( وَما مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ ) (١) ؟.

مضافا الى الآيات القرآنية ، توجد روايات رواها علماؤكم وأئمتكم عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تؤيّد ما نقول. فقد روى البخاري في صحيحه خبرين عن سهل بن سعد ، وآخر عن عبد الله بن مسعود باختلاف يسير في الالفاظ ، والمعنى واحد ، أنّ رسول الله قال «أنا فرطكم على الحوض ، ليرفعنّ إليّ رجال منكم حتى إذا أهويت لأناولهم اختلجوا دوني ، فأقول : أي ربّ أصحابي! فيقول : لا تدري ما أحدثوا بعدك!!».

وروى أحمد بن حنبل في المسند ، والطبراني في الكبير ، وأبو النصر في الإبانة ، بإسنادهم عن ابن عباس عن النبي (ص) قال «أنا آخذ بحجزكم ، أقول : اتقوا النار ، واتقوا الحدود ، فإذا متّ تركتم وأنا فرطكم على الحوض فمن ورد فقد أفلح ، فيؤتى بأقوام فيؤخذ بهم ذات الشمال ، فأقول : يا ربّ أمّتي! فيقول : إنهم لم يزالوا بعدك يرتدّون على أعقابهم». (وفي رواية الطبراني في الكبير) فيقال «إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك ، مرتدّين على أعقابهم».

__________________

(١) سورة آل عمران ، الآية ١٤٤.

٩٣٤

فمما يثير العجب ويبعث الأسف في النفس ، أنّ معاوية وابنه يزيد مع كثرة الدلائل والشواهد على كفرهما وإنكارهما للدين والوحي(١) ، تعدّونهما مؤمنين ، بل تلقبونهما بأمير المؤمنين ، أي

__________________

(١) قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة : ج ٥ / ١٢٩ ، ط إحياء التراث العربي تحت عنوان : (أخبار متفرقة عن معاوية).

وقد طعن كثير من أصحابنا في دين معاوية ، ولم يقتصروا على تفسيقه ، وقالوا عنه أنّه كان ملحدا لا يعتقد النبوّة ، وقد نقلوا عنه في فلتات كلام وسقطات ألفاظه ما يدلّ على ذلك. وروى الزبير بن بكّار في «الموفقيات» ـ وهو غير متّهم على معاوية ، ولا منسوب إلى اعتقاد الشيعة ، لما هو معلوم من حاله من مجانبة عليّ ٧ ، والانحراف عنه ـ : قال المطرف بن المغيرة بن شعبة : دخلت مع أبي على معاوية ، وكان أبي يأتيه فيتحدّث معه ، ثم ينصرف إليّ فيذكر معاوية وعقله ، ويعجب بما يرى منه ، إذ جاء ذات ليلة ، فأمسك عن العشاء ، ورأيته مغتمّا فانتظرته ساعة ، وظننت أنّه لأمر حدث فينا ، فقلت : ما لي أراك مغتمّا منذ الليلة؟ فقال : يا بنيّ ، جئت من عند أكفر الناس وأخبثهم ، قلت : وما ذاك؟ قال : قلت له ـ أي لمعاوية ـ وقد خلوت به : إنّك قد بلغت سنّا يا أمير المؤمنين ، فلو أظهرت عدلا ، وبسطت خيرا ، فإنّك قد كبرت ؛ ولو نظرت إلى إخوانك من بني هاشم ، فوصلت أرحامهم ، فو الله ما عندهم اليوم شيء تخافه ، وإنّ ذلك ممّا يبقى لك ذكره وثوابه ؛ فقال : هيهات هيهات! أيّ ذكر أرجو بقاءه؟! ملك أخو تيم فعدل ، وفعل ما فعل ، فما عدا أن هلك حتى هلك ذكره ؛ إلاّ أن يقول قائل : أبو بكر ؛ ثم ملك أخو عديّ ، فاجتهد وشمّر عشر سنين ، فما عدا أن هلك حتى هلك ذكره ؛ إلاّ أن يقول قائل :عمر. وإنّ ابن أبي كبشة ليصاح به كلّ يوم خمس مرّات : «اشهد أنّ محمدا رسول الله» فأيّ عمل يبقى؟ وأيّ ذكر يدوم بعد هذا لا أبا لك؟! لا والله إلاّ دفنا دفنا!!]

ثم قال ابن أبي الحديد بعد نقله للخبر [وأما أفعال المجانبة للعدالة الظاهرة ، من لبسه الحرير ، وشربه في آنية الذهب والفضّة ؛ حتى أنكر عليه ذلك أبو الدرداء ،

٩٣٥

__________________

فقال له : إنّي سمعت رسول الله يقول «إنّ الشارب فيهما ليجرجر في جوفه نار جهنم». فقال معاوية : أمّا أنا فلا أرى بذلك بأسا.

فقال أبو الدرداء : من عذيري من معاوية! أنا أخبره عن الرسول (ص) وهو يخبرني عن رأيه! لا أساكنك بأرض أبدا.]

فهذا الخبر يقدح في عدالته ، كما يقدح أيضا في عقيدته ، لأنّ من قال في مقابل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أمّا أنا فلا أرى بأسا فيما حرّمه رسول الله» فليس بصحيح العقيدة. ومن المعلوم أيضا من حالة استئثاره بمال الفيء ، وضربه من لا حدّ عليه ، وإسقاط الحدّ عمّن يستحقّ إقامة الحدّ عليه ، وحكمهم برأيه في الرعيّة وفي دين الله ، واستلحاقه زيادا ؛ وهو يعلم قول رسول الله (ص) : «الولد للفراش وللعاهر الحجر» ، وقتله حجر بن عديّ وأصحابه ولم يجب عليهم القتل ، ومهانته لأبي ذرّ الغفاري وجبّه وشتمه وإشخاصه إلى المدينة على قتب بغير وطاء لإنكاره عليه ، ولعنه عليّا وحسنا وحسينا وعبد الله بن عباس على منابر الإسلام ، وعهده بالخلافة إلى ابنه يزيد ، مع ظهور فسقه وشربه المسكر جهارا ولعبه بالنّرد ونومه بين القيان المغنيّات واصطباحه معهنّ ولعبه بالطنبور بينهنّ ، وتطريقه بني أمية للوثوب على مقام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وخلافته ، حتى أفضت إلى يزيد بن عبد الملك والوليد بن يزيد ، المفتضحين الفاسقين : صاحب حبابة وسلاّمة ، والآخر رامي المصحف بالسهام وصاحب الأشعار في الزندقة والإلحاد. «انتهى كلام ابن أبي الحديد».

أقول : وذكر سبط ابن الجوزي في التذكرة تحت عنوان (فصل في يزيد بن معاوية) قال [ذكر علماء السير عن الحسن البصري أنه قال : قد كانت في معاوية هنات لو لقي أهل الأرض ببعضها لكفاهم : وثوبه على هذا الأمر ، واقتطاعه من غير مشورة من المسلمين ، وادّعاؤه زيادا ، وقتله حجر بن عديّ وأصحابه ، وبتوليته مثل يزيد على الناس. قال : وذكر جدي أبو الفرج في كتاب (الردّ على المتعصّب العنيد المانع

٩٣٦

تحسبون خلافتهما شرعية ، وتدافعون عنهما باليد واللسان ، بل بالمال والنفس وإن كان بعض أعلامكم وافقونا في كفر معاوية وابنه وكتبوا في ذلك مثل ابن الجوزي وقد ألّف كتاب «الرد على المتعصّب العنيد المانع من ذم يزيد».

__________________

من ذم يزيد) وقال : سألني سائل فقال : ما تقول في يزيد بن معاوية؟ فقلت له : يكفيه ما به فقال : أتجوّز لعنه؟ فقلت : قد أجاز العلماء الورعون ، منهم أحمد بن حنبل ، فإنّه ذكر في حقّ يزيد ما يزيد على اللعنة.]

وفي التذكرة قال : قال أحمد في المسند : حدثنا أنس بن عياض حدثني يزيد ابن حفصة عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة عن عطاء بن يسار عن السائب ابن خلاّد [أنّ رسول الله (ص) قال «من أخاف أهل المدينة ظلما أخافه الله وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفا ولا عدلا».]

أقول : ورواه غير أحمد كثير من الأعلام وعلماء العامّة : ولا منكر بين المؤرخين أنّ معاوية أخاف أهل المدينة حين بعث إليه بسر بن أرطاة الظالم السفّاح ، فقتل منهم خلقا كثيرا ، وكذلك أخافهم يزيد بن معاوية ، حين بعث إليهم مسلم بن عقبة الظالم القاسي القلب ، فأباح المدينة ثلاثا فقتل خلقا كثيرا من أبناء المهاجرين والأنصار.

وقال سبط ابن الجوزي في التذكرة [وذكر المدائنيّ عن أبي قرة قال : قال هشام بن حسان ولدت ألف امرأة بعد الحرّة من غير زوج.

وغير المدائنيّ يقول : عشرة آلاف امرأة.]

أقول : ولا مجال لذكر كل الدلائل والشواهد على كفر معاوية ويزيد ، لأنه يتطلب وضع كتاب مستقل ، لذا اكتفينا بذكر قليل من كثير.

«المترجم»

٩٣٧

والسيد محمد بن عقيل وقد ألّف كتاب «النصائح الكافية لمن يتولّى معاوية» طبع في مطبعة النجاح ببغداد سنة ١٣٦٧ هجرية. ولكن تصرّون إصرارا باطلا ، في عدم إيمان أبي طالبعليه‌السلام وهو من السابقين في الإيمان والذّب عن الإسلام والدّفاع عن نبيّه صلوات الله عليه وآله.

وهذا لا يكون إلاّ من تأثير بني أمية والنواصب والخوارج فيكم.

ولا أدري متى تزيلون عن دينكم ومذهبكم شبهات أعداء آل محمّد وتأثيرات بني أمية؟! ومتى تحرّرون مذهبكم ودينكم من التعصّبات والتقيّدات المتّخذة من الآباء والأسلاف؟!

لقد حان الوقت أن تفتحوا أبصاركم وتنبشوا التاريخ وكتب السير والحوادث وتفتشوا عن الحقائق المستندة بالأدلة والبراهين العقليّة والنقلية من الكتاب الحكيم والسّنة الشريفة ، فتتمسّكوا بالحق المبين وتلتزموا بشريعة سيد المرسلين.

أما آن لكم أن تتركوا أقاويل بني أمية ودعاياتهم وأكاذيبهم ، وترجعوا إلى آل محمّد وعترته ، وتأخذوا دينكم وأحكامه ومعالمه من أهل بيتهعليهم‌السلام ؟!

أما جعل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أهل البيت عدل القرآن بقوله : «إنّي تارك فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي» وجعلهم مرجعا للمسلمين فيما يختلفون فيه؟!

وأجمع آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعترته على أنّ أبا طالبعليه‌السلام كان من المؤمنين وارتحل من الدنيا بكمال الدين والإيمان.

٩٣٨

دلائل أخرى على إيمان أبي طالبعليه‌السلام

وهذا أصبغ بن نباتة من الرواة الثقات حتى عند علمائكم يروي عن أمير المؤمنينعليه‌السلام أنه قال «والله ما عبد أبي ، ولا جدّي عبد المطّلب ، ولا هاشم ، ولا عبد مناف ، صنما قطّ».

فهل من الإنصاف أن تتركوا قول أهل بيت النبوّة والعترة الطاهرة ، وتأخذوا بكلام أعدائهم مثل المغيرة بن شعبة الفاجر؟!

أوهل من الإنصاف أن تؤولوا أشعار أبي طالب في الإسلام وفي النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وتصديقه لهما ، وإعلانه الإيمان بهما بكل صراحة ، فلا تقبلوا كل ذلك ، لحديث رواه كاذب فاسق فاجر ، عدوّ الإمام عليّ وعدوّ آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟!

وأضف على ما نقله المؤرّخون من أشعار صريحة في إيمان أبي طالب ، خطبته الغرّاء البليغة التي خطبها في خطبة أم المؤمنين خديجة الكبرى لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وذكرها عامّة المؤرّخين.

قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة : ج ١٤ / ٧٠ ، ط دار إحياء الكتب العربية : وخطبة النكاح مشهورة ، خطبها أبو طالب عند نكاح محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خديجة ، وهي قوله : «الحمد لله الذي جعلنا من ذرّيّة إبراهيم ، وزرع إسماعيل ، وجعل لنا بلدا حراما وبيتا محجوجا ، وجعلنا الحكّام على الناس ثم أنّ محمد بن عبد الله أخي ، من لا يوازن به فتى من قريش إلا رجح عليه برّا وفضلا ، وحزما وعقلا ، ورأيا ونبلا ، وإن كان في المال قل ، فإنّما المال ظلّ زائل ، وعارية مسترجعة ، وله في خديجة بنت خويلد رغبة ، ولها فيه مثل ذلك ، وما أحببتم من

٩٣٩

الصّداق فعليّ ، وله والله بعد نبأ شائع وخطب جليل».

بالله عليكم انصفوا ، لو وضعت هذه الخطبة أمام أيّ إنسان عالم غير منحاز إلى فئة ، ألا يصدّق بأنّ قائلها إنسان مؤمن عالم حكيم سحق الماديّات وتوجّه إلى المعنويّات. والجملة الأخيرة جديرة بالتفكّر والتدبّر ، أفتراه يعلم نبأه الشائع وخطبه الجليل ، ولا يؤمن به؟!

ولو كانت هذه الخطبة البليغة صادرة من أيّ إنسان آخر ، مثلا من أبي قحافة أو الخطّاب ، أما كنتم تستدلّون بها على إيمانه؟

ونقل العلاّمة القندوزي في ينابيع المودّة / الباب الرابع عشر / عن موفق بن أحمد ـ الخوارزمي ـ بسنده عن محمد بن كعب قال [رأى أبو طالب النبي (ص) يتفل في فم عليّ أي يدخل لعاب فمه في فم عليّ فقال : ما هذا يا ابن أخي؟ فقال : إيمان وحكمة.

فقال أبو طالب لعليّ : يا بني! انصر ابن عمك ووازره.]

أما يدلّ هذا الخبر على إيمان أبي طالب؟ فإنّه لو لم يكن مؤمنا بالنبي ،صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمنعه وزجره ، ولكنّه أمر عليا بنصرته ومؤازرته.

إسلام جعفر بأمر أبيه

وكذلك ذكر علماؤكم ومحدثوكم أنّ أبا طالب أمر ابنه جعفرا أن يقف بجانب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويؤمن به وينصره ، وذكر بعضهم أنّ أبا طالب دخل المسجد الحرام ومعه ابنه جعفر ، فرأى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واقفا يصلي وعليّ على يمينه يصلي معه ، فقال أبو طالب لجعفر [صل جناح ابن عمك! فتقدّم جعفر فوقف على يسار النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يصلي معه ويقلّده في الركوع والسجود ، فأنشد أبو طالب قائلا :

٩٤٠