ليالي بيشاور

ليالي بيشاور0%

ليالي بيشاور مؤلف:
تصنيف: مفاهيم عقائدية
الصفحات: 1205

ليالي بيشاور

مؤلف: السيّد محمّد الموسوي الشيرازي
تصنيف:

الصفحات: 1205
المشاهدات: 211179
تحميل: 3102

توضيحات:

ليالي بيشاور
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 1205 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 211179 / تحميل: 3102
الحجم الحجم الحجم
ليالي بيشاور

ليالي بيشاور

مؤلف:
العربية

إنّ عليا وجعفرا ثقتي

عند ملمّ الزمان والنّوب

لا تخذلا وانصرا ابن عمّكما

أخي لأمي من بينهم وأبي

والله لا أخذل النبيّ ولا

يخذله من بني ذو حسب(١) ]

فهل من المعقول أنّ رجلا يأمر ولده بمتابعة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢) ويأمره بنصرته وعدم خذلانه ، ثم هو يخالف ذاك الرسول ولا يؤمن به؟

شواهد أخرى على إيمان أبي طالبعليه‌السلام

ذكر كبار علمائكم وجميع المؤرخين من دون استثناء ، أنّ قريشا حين قاطعوا بني هاشم وحاصروهم محاصرة اقتصادية واجتماعية ، التجأ بنو هاشم بأبي طالب ، فأخذهم الى شعب له يعرف بشعب أبي طالب ، قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة : ج ١٤ / ٦٥ ، ط إحياء الكتب العربية [وكان سيّد المحصورين في الشعب ورئيسهم وشيخهم أبو طالب بن عبد المطلب ، وهو الكافل والمحامي ، وقال في صفحة ٦٤ : وكان أبو طالب كثيرا ما يخاف على رسول الله (ص)

__________________

(١) ديوان أبي طالب ، وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج ١٤ / ٧٦ ، ط دار احياء التراث العربي.

(٢) نقل ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة : ج ١٤ / ٥٢ ، ط إحياء الكتب العربية من كتاب السيرة والمغازي لمحمد بن إسحاق بن يسار ، وقال : إنّه كتاب معتمد عند أصحاب الحديث والمؤرّخين. قال : إنّ أبا طالب رأى عليا يصلي. قال له : أي بني ما هذا الذي تصنع؟ قال : يا أبتاه ، آمنت بالله ورسوله وصدّقته قال له : أما انّه لا يدعوك إلاّ إلى خير ، فالزمه.

«المترجم»

٩٤١

البيات إذا عرف مضجعه ، يقيمه ليلا من منامه ويضجع ابنه عليّا مكانه.

فقال له عليّ ليلة : يا ابت ، إنّي مقتول؟ فقال له :

اصبرن يا بنيّ فالصبر أحجى

كل حيّ مصيره لشعوب

قدّر الله والبلاء شديد

لفداء الحبيب وبن الحبيب

لفداء الأغرّ ذي الحسب الثا

قب والباع والكريم النجيب

إن تصبك المنون فالنبل تبري

فمصيب منها ، وغير مصيب

كلّ حيّ وإن تملّى بعمر

آخذ من مذاقها بنصيب

فأجاب عليعليه‌السلام ، فقال له :

أتأمرني بالصّبر في نصر أحمد

ووالله ما قلت الذي قلت جازعا

ولكنّني أحببت أن ترى نصرتي

وتعلم أنّي لم أزل لك طائعا

سأسعى لوجه الله في نصر أحمد

نبيّ الهدى المحمود طفلا ويافعا]

بالله عليكم فكّروا وانصفوا! هل يضحّي أحد بابنه إلاّ في سبيل العقيدة؟

هل من المعقول أنّ أبا طالب يقدّم ابنه عليا فداء لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو غير مؤمن به وبرسالته السماوية؟!

وذكر كثير من المؤرخين والمحدّثين منهم : سبط ابن الجوزي في كتاب تذكرة الخواصّ فقال : وقال ابن سعد حدثني الواقدي قال : [قال عليعليه‌السلام «لمّا توفي أبو طالب. أخبرت رسول الله (ص) فبكى بكاء شديدا ، ثم قال : اذهب فغسّله وكفّنه وواره ، غفر الله له ورحمه».

فقال له العباس : يا رسول الله إنّك لترجو له؟ فقال «أي والله! إنّي لأرجو له». وجعل رسول الله (ص) يستغفر له أياما لا يخرج

٩٤٢

من بيته وقال علي يرثيه :

أبا طالب عصمة المستجير

وغيث المحول ونور الظلم

لقد هدّ فقدك أهل الحفاظ

فصلّى عليك وليّ النعم

ولقّاك ربّك رضوانه

فقد كنت للطّهر من خير عم

فأسألكم : أما قال الله سبحانه في كتابه :( إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ ) (١) ؟.

فإذا مات أبو طالب مشركا كما تزعمون ، فكيف جعل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يستغفر له أياما لا يخرج من بيته؟!

والمشهور أنّ طلب الرحمة والمغفرة للمشرك حرام.

ثم كلّنا نعلم أنّ تجهيز الميّت أي تغسيله وتكفينه من سنن الإسلام ، فإذا لم يكن أبو طالب مسلما ، فكيف يأمر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليا بتغسيله وتكفينه ومواراته؟

وهل من المعقول أنّ علياعليه‌السلام وهو سيد الموحدين وإمام المتقين وأمير المؤمنين ، يرثي مشركا بذاك الرثاء الذي هو جدير أن يرثى به الأنبياء والأوصياء ، ولا سيما وصفه : «بنور الظلم» ، وأنه «صلى عليه وليّ النعم وهو الله سبحانه وتعالى ، «ولقّاك ربّك رضوانه ..» وهل الله عزّ وجلّ يلقى رضوانه المشركين؟!

فهذه كلها دلائل ناصعة ، وبراهين ساطعة في إيمان أبي طالب.

الشيخ عبد السلام : إذا كان أبو طالب مؤمنا ، فلما ذا لم يعلن إيمانه مثل حمزة والعباس؟

__________________

(١) سورة النساء ، الآية ٤٨.

٩٤٣

قلت : إنّ إعلان حمزة إيمانه وإظهار إسلامه ، وكتمان أبي طالب إيمانه وإسلامه كان عن حكمة وتدبير ، فقد كان حمزة رجل الضّرب والحرب ، جسورا في اقتحام المعارك ، فلما أظهر إيمانه وأعلن اسلامه ، قويت شوكة المسلمين وكانوا مستضعفين ، فإسلام حمزة بعث فيهم الروح وقوّى معنوياتهم وشدّ عزائمهم. لكن أبا طالب كان رجل الحكمة والتدبير ، وكان هو آنذاك يتزعّم بني هاشم ، فكانوا تحت لوائه ، وحتى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان تحت كفالته وحمايته ، وكانت قريش تراعي مقامه وشخصيّته لأنّهم يحسبونه منهم ، وعلى طريقتهم ودينهم ، فكانوا يتنازلون له ويواجهونه باللّين ، حتى أنّهم كانوا يطمعون فيه أن يسلّمهم محمداصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فيقضوا عليه ويقتلوه(١) .

__________________

(١) قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة : ج ١٤ / ٨١ و ٨٢ ، ط دار إحياء الكتب العربية : قالوا [وإنما لم يظهر أبو طالب الإسلام ويجاهر به ، لأنّه لو أظهره لم يتهيّأ له من نصر النبي (ص) ما تهيّا له ، وكان كواحد من المسلمين الذين اتّبعوه ، نحو أبي بكر وعبد الرحمن بن عوف وغيرهما ممّن أسلم ، ولم يتمكن من نصرته والقيام دونه حينئذ ، وإنّما تمكّن أبو طالب من المحاماة عنه بالثبات في الظاهر على دين قريش وان أبطن الإسلام ، كما لو أنّ إنسانا كان يبطن التشيّع مثلا ، وهو في بلد من بلاد الكرّامية ـ أعداء للشيعة ـ وله في ذلك البلد وجاهة وقدم ، وهو يظهر مذهب الكرامية ، ويحفظ ناموسه بينهم بذلك وكان في ذلك البلد نفر يسير من الشيعة لا يزالون ينالون بالأذى والضرر من أهل ذلك البلد ورؤسائه ، فإنّه ما دام قادرا على إظهار مذهب أهل البلد ، يكون أشدّ تمكّنا من المدافعة والمحاماة عن أولئك النفر ، فلو أظهر ما يجوز من التشيّع ، وكاشف أهل البلد بذلك. صار حكمه حكم واحد من أولئك النفر ، ولحقه من الأذى والضرر ما يلحقهم ، ولم يتمكّن من الدفاع أحيانا عنهم كما كان أوّلا.] «المترجم»

٩٤٤

ولكن يا ترى هل تنازل أبو طالب أمام قريش في شيء مما طلبوا منه في ابن أخيه ، من طرده وترك نصرته و...؟!

وأما العباس بن عبد المطلب ، فإنّه سبق إلى الاسلام وآمن بابن أخيه محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولكن بأمر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كتم إيمانه أيضا ، فقد ذكر ابن عبد البر في الاستيعاب أنّ العباس أراد أن يهاجر مع رسول الله (ص) إلى المدينة ، ولكن النبي (ص) أمره بالبقاء فيها وقال «بقاؤك في مكّة خير لي». فكان العباس يكتب إلى النبي (ص) أخبار مكة ويرسلها إليه ، حتى أخرجه المشركون كرها إلى بدر فكان من الأسرى ففدّى نفسه وأطلق ، ولما اقتضت الأمور وارتفعت الموانع ، أعلن إسلامه وأظهر إيمانه يوم فتح خيبر.

وقال الشيخ القندوزي في ينابيع المودّة / الباب السادس والخمسون / تحت عنوان ذكر إسلام العباسرضي‌الله‌عنه ـ وفي الباب عناوين كثيرة ـ : قال أهل العلم بالتاريخ : إنّ العباس أسلم قديما وكتم إسلامه ، وخرج مع المشركين يوم بدر فقال النبي (ص) «من لقي العباس فلا يقتله فإنه خرج مكرها». وهو يكتب أخبار المشركين من أهل مكة إلى النبي (ص) وكان المسلمون يؤمنون به وكان يحب الهجرة إلى المدينة ، لكن النبي (ص) كتب إليه «إنّ مقامك بمكة خير لك». ولمّا بشّر أبو رافع ـ رقّ النبي (ص) ـ بإسلام العباس ، أعتقه النبي (ص).

فيا ترى لو كان العباس يموت قبل إعلانه وإظهار إيمانه ، ما كان يتّهم بالشرك؟

فأبو طالب كذلك آمن بالنبي الأمينصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولكن الحكمة وحسن التدبير اقتضت أن لا يظهر ايمانه ، ليتمكّن من حماية النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

٩٤٥

ونصرته.

ولذلك ذكر المؤرّخون كلهم ، منهم ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ج ١٤ / ٧٠ قال [وفي الحديث المشهور : إنّ جبرائيلعليه‌السلام قال لهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليلة مات أبو طالب : «أخرج منها فقد مات ناصرك»(١) .]

الشيخ عبد السلام : هل اشتهر اسلام أبي طالب على عهد النبي (ص) وهل عرفه المسلمون؟

قلت : نعم اشتهر إيمان أبي طالب وإسلامه ، وكل المؤمنين والمسلمين كانوا يذكرون أبا طالب بالخير ويعظّمونه ويحترمونه.

الشيخ عبد السلام : كيف يمكن أن يكون أمره شائعا مشهورا في عهد رسول الله وبعد النبي (ص) بثلاثين سنة تقريبا ، يكذبون على رسول الله (ص) ويضعون ويجعلون حديثا عنه ، بخلاف ذلك الأمر الشائع ، بحيث يخفونه على المسلمين ويغيّرون الواقع والحقيقة!

قلت : ليس هذه أول قارورة كسرت في الإسلام ، فإنّ هناك حقائق كثيرة أنكروها وحتى أحكام كانت على عهد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شائعة. يعمل بها المسلمون ويصدّقها المؤمنون ، غيّرها المبتدعون وبدّلها المبطلون ، حتى نسيها الجيل الذي أتى بعد ذلك العهد.

__________________

(١) ذكر سبط ابن الجوزي في كتاب تذكرة الخواص : ١٩ ، ط بيروت / قال [قال ابن سعد : حدثنا الواقدي قال : دعا أبو طالب قريشا عند موته ، فقال : لن تزالوا بخير ما سمعتم من محمد ابن أخي وما اتبعتم أمره ، فاتّبعوه واعينوه فأرشدكم.]

أيها القارئ الكريم فكّر هل تخرج هذه الوصية إلاّ من مؤمن برسالة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كامل للايمان! «المترجم»

٩٤٦

الشيخ عبد السلام : إذا كان كذلك فاذكر لنا نموذجا ، حتى نعرف!

قلت : الشواهد لقولي كثيرة ، ولكنّ الوقت لا يسمح أن اذكرها ، وإنّما أذكر نموذجا واحدا وهو حكم اتّفق عليه الجمهور ، ومستند إلى كتاب الله وسنّة رسوله وقد عمل به المسلمون والصحابة وكان شائعا بينهم ، إلاّ أن الخليفة الثاني حرّمه ومنع المسلمين من العمل به ، وهو الزواج المنقطع ، والنكاح الموقّت.

فقد ذكر المحدّثون والفقهاء وأصحاب التاريخ والسّير : أنّ الزواج الموقّت كان جاريا من عهد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يعمل به المسلمون في عهد أبي بكر أيضا ، وكذلك معمول به في شطر من خلافة عمر ، ولكنّه رأى بعد ذلك تحريمه ، ومنع المسلمين من العمل به ، فصعد المنبر وأعلن فقال [متعتان كانتا على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنا أحرّمهما وأعاقب عليهما.]

فجاء حكم عمر ناسخا لحكم الله ورسوله إلى يومنا هذا ، بحيث نرى حتى بعض أهل العلم من العامّة يتهجّمون على الشيعة في كتبهم ويفترون عليهم بأنّهم أهل البدع والضلال ويستشهدون لصدق كلامهم ، بأنّ الشيعة يلتزمون بالزواج الموقّت ويجيزونه ويبيحونه.

فالافتراء على أبي طالبعليه‌السلام ، واتهامه بالكفر ، وقذفه بالشرك ، وتغيير واقعه في التاريخ ، وتبديل حقيقته بين كثير من الناس ، مثلكم أنتم وأمثالكم ، لم يكن بأعجب ولا أصعب ، من تغيير حكم الله وتبديل سنة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والأمر الذي عمل به أكثر الصحابة وذكر الله في كتابه بالصراحة ، وإذا به ينقلب حراما بحكم عمر بن الخطاب ، ويعيّن لفعله عقابا وعذابا صارما.

والناس يقبلون منه التغيير ويمتنعون بحكمه من حكم الله

٩٤٧

سبحانه ، وحتى أنتم اليوم ملتزمون بحكم الخليفة وجعل حلال الله تعالى حراما.

الشيخ عبد السلام : أتريد أن تقول أنّ ألوف الملايين من المسلمين الذين جاءوا بعد عمر الفاروق كلهم عملوا على خلاف حكم الله سبحانه ورجّحوا كلام الخليفة على كلام الله وسنّة رسوله (ص)؟

والحال كل أهل العالم يعلمون بأننا نتمسّك بسنّة رسول الله (ص) ونعمل بها حتى أطلقوا علينا كلمة «أهل السنّة» وأطلقوا عليكم كلمة «الرافضة» لأنّكم رفضتم سنّة النبي (ص)(١) .

نحن أهل السنّة وأنتم الرافضة

قلت : ربّ مشهور لا أصل له ، أنتم تسمّون أهل مذهبكم ـ أهل السنّة ـ وتسمّون شيعة آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ الرافضة ـ وليس الأمر كما تدّعي بأنّ أهل العالم أطلقوا كلمة ـ أهل السنّة ـ عليكم وكلمة ـ الرافضة ـ على الشيعة. فإنّ الأصل على عكس التسميتين ، فإنكم إذا فتحتم أعينكم وأبصرتم الحقائق بقلوبكم وعقولكم لعرفتم أنّ الشيعة هم في الحقيقة أتباع القرآن الكريم وسنّة سيد المرسلين ، وغيرهم هم الذين رفضوا العمل بالقرآن والتمسّك بالسنة الشريفة.

الشيخ عبد السلام قال ـ مستهزئا ـ : أحسنت. إذ سمّيت ألوف

__________________

(١) لا يخفى على المحقّق الخبير ، والمتتبّع البصير أنّ معاوية هو الذي أطلق اسم ـ أهل السنّة والجماعة ـ على العامّة ، وأطلق كلمة ـ الرافضة ـ على شيعة الإمام عليّعليه‌السلام وأتباعه ، فهو الآخر ، قد قلب الحقائق ، وبدّل واقع الأمور.

«المترجم»

٩٤٨

الملايين من المسلمين المتمسكين بكتاب الله وسنّة رسوله (ص) روافض ليت شعري ما هو دليلك على هذا الادّعاء؟!

قلت : أراك تأثّرت من كلامي وقولي : بأننا نحن أهل السنة وأنتم الرافضة ، وأنتم منذ مئات السنين تدّعون هذا الأمر وتسمّون ألوف الملايين من شيعة آل محمد وأهل بيته الطاهرين طول التاريخ بالرافضة ، بل ترمونهم بالكفر والضلال ، بغير دليل ولا برهان ، بل ادّعاء محض وافتراء واضح البطلان.

ولكنّي كما أثبتّ في طول مناقشاتي في الليالي الماضية أنّي لا أتكلم بغير دليل ولا أستند في حديثي بالأقاويل والأباطيل ، فكذلك هذه الليلة

وأما دليلي على أنّنا نحن أتباع القرآن الحكيم وسنّة سيد المرسلين فهو حديث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذي أثبتناه في الليالي الماضية وذكرنا مصادره من كتبكم المعتبرة ، وهو قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «إنّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما ان تمسّكتم بهما لن تضلّوا بعدي أبدا».

وأنتم أعرضتم عن أهل البيت وتمسكتم بغيرهم بل تمسكتم أحيانا بأعدائهم ومخالفيهم ، وتركتم حكم الله الذي عمل به أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حياته ، وتمسكتم بحكم عمر الذي غيّر حكم الله وحرّم حلاله ، وكذلك أبو بكر خالف حكم الله سبحانه في عدم إعطاء خمس الغنائم لأهل البيتعليهم‌السلام في صريح قوله تعالى :( وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى ) (١) وكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حياته يعمل بهذه الآية الشريفة ، وقد أثبتنا ذلك في الليالي الماضية ونقلنا لكم أقوال أعلامكم بأنّ أبا بكر غيّر حكم الخمس وتبعه

__________________

(١) سورة الأنفال ، الآية ٤١.

٩٤٩

عمر ، وأما عثمان فقد خصّه لقرباه عوض قربى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأعطى الخمس لمروان وأبيه وأخيه وغيرهم من بني أمية الذين طردهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولعنهم. وأنتم أيضا إلى اليوم تتبعون سنّة أبي بكر وهي على خلاف سيرة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسنّته الشريفة.

هل اكتفيتم أم أزيدكم؟!

الشيخ عبد السلام : ما هو دليلكم من كتاب الله عزّ وجلّ على تشريع الزواج المؤقّت ، هل عندكم دليل صريح من القرآن الحكيم؟

دليلنا في تشريع الزواج المؤقّت

قلت : نعم دليلنا من القرآن الكريم في تشريع الزواج المؤقّت الآية الكريمة التي تصرّح وتقول :( فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً ) (١) .

هذا هو صريح حكم الله جلّ وعلا وما نسخ بآية أخرى ، فيكون الحكم باقيا إلى آخر الدنيا ، فإنّ حلال محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حلال إلى يوم القيامة وحرامه حرام إلى يوم القيامة.

الشيخ عبد السلام : كيف عرفتم أنّ هذه الآية تشير إلى الزواج المؤقّت!

فإن الاستمتاع يحصل في الزواج الدائم وإيتاء الأجور وهو المهر واجب فيه وفرض أيضا.

قلت : قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من فسّر القرآن برأيه فليتبوّأ مقعده من النار. فلا بدّ في مثل هذه القضايا المشتبهة أن نراجع كتب التفسير ، وأنّ

__________________

(١) سورة النساء ، الآية ٢٤.

٩٥٠

مفسّريكم مثل الطبري في تفسيره : ج ٥ والفخر الرازي في تفسيره : ج ٣ وغيرهما ذكروا في تفسير الآية الزواج المؤقّت وقالوا [بأنّ الآية نزلت في تشريع الزواج المؤقّت.]

إضافة إلى بيان مفسريكم في تفسير الآية الكريمة ، فإنكم تعلمون أنّ الله عزّ وجلّ في سورة النساء قد بيّن أنواع النكاح المشروع في الإسلام. فقال في النكاح الدائم :( فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ ، فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَواحِدَةً أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ذلِكَ أَدْنى أَلاَّ تَعُولُوا* وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً ) (١) .

وقال سبحانه في الآية ٢٤ :( وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ ، فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً ) في هذه الآية صرّح بتشريع الاستمتاع من النساء ، مقابل أجر فرض بينهما ، والاستمتاع هو زواج المتعة أو المؤقّت.

وشرّع نوعا ثالثا في النكاح وهو ملك اليمين ، فقال عزّ وجلّ :( وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ ، فَمِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ ) (٢) .

فإذا كانت آية الاستمتاع أيضا تتضمّن الزواج والنكاح الدائم فيكون ذكر هذا الموضوع في سورة واحدة مكررا ، وهذا إلى اللغو أقرب ، وحاشا كلام الله العزيز من اللغو ، والله جلّ جلاله حكيم واللغو لا يصدر من الحكيم.

__________________

(١) سورة النساء ، الآية ٢ و ٣.

(٢) سورة النساء ، الآية ٢٥.

٩٥١

ثم إننا نجد الكلمات والتعابير في الآيتين مختلفة ، ففي الآية الأولى يقول سبحانه :( فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَ ) . وفي الآية الثانية يقول تعالى :( فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَ ) . فبدّل النكاح بالاستمتاع والصداق بالأجور. كما أنّ المؤرخين قد ذكروا أنّ المسلمين على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كانوا يتزوجون بزواج المتعة وهو الزواج المؤقت. فإذا كانت آية المتعة ـ على حدّ زعمكم ـ تشير إلى الزواج الدائم لا المؤقّت ، فما هي الآية التي عرف المسلمون منها وفهموا بها الزواج المؤقّت؟

وعلى استناد أيّة آية من كلام الله العزيز شرّع لهم الرسول الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم زواج المتعة؟

روايات المتعة عن طريق أهل السنّة

أما الروايات الواردة ، والأخبار المرويّة في المتعة والزواج المؤقّت في كتبكم المعتبرة ، من علمائكم وأعلام أئمتكم ، فكثيرة لا يمكن رفضها ونقضها ، لأنّ بعضها جاءت في الصحاح ، فقد روى البخاري في صحيحه كتاب التفسير باب فمن تمتع بالعمرة الى الحج وأحمد في المسند ج ٤ / ٤٢٩ عن أبي رجاء عن عمران بن حصين أنّه قال [نزلت آية المتعة في كتاب الله ففعلناها على عهد رسول الله (ص) ، ولم ينزل قرآن بحرمتها ولم ينه عنها رسول الله (ص) حتى إذا مات ، قال رجل برأيه ما يشاء.]

وروى مسلم في صحيحه : ج ١ / ٥٣٥ ، باب نكاح المتعة / عن عطاء قال [قدم جابر بن عبد الله معتمرا ، فجئناه في منزله ، فسأله القوم

٩٥٢

عن أشياء ثم ذكروا المتعة ، فقال : نعم استمتعنا على عهد رسول الله (ص) وعلى عهد أبي بكر وعمر(١) .]

وروى مسلم في نفس الجزء ٤٦٧ ، في نفس الباب وفي كتاب الحج / باب التقصير في العمرة / مسندا عن أبي نضرة قال [كنت عند جابر بن عبد الله إذ أتاه آت فقال : انّ ابن عبّاس وابن الزبير اختلفا في المتعتين. فقال جابر : فعلناهما مع رسول الله (ص) ثم نهانا عنهما عمر.] ورواه أحمد في المسند : ج ١ / ٢٥ بطريق آخر باختلاف يسير في اللفظ(٢) .

وروى مسلم في صحيحه نفس الجزء / باب نكاح المتعة / بسنده عن أبي الزبير قال [سمعت جابر بن عبد الله يقول : كنّا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق الأيام على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبي بكر ، حتى نهى عمر عنه في شأن عمرو بن حريث(٣) .]

وفي صحاحكم ومسانيدكم توجد أخبار وروايات كثيرة جدا في هذا الباب لا مجال لذكرها ، وكلها تكشف عن عمل الصحابة بالمتعة على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبي بكر وأوائل عهد عمر ، ثم نهاهم عمر

__________________

(١) ورواه أيضا أبو داود في صحيحه : ج ١٣ ، باب الصداق ، ورواه أحمد بن حنبل في مسنده : ج ٣ / ٣٨٠ ، ونقله المتقي في كنز العمال : ج ٨ / ٢٩٤.

(٢) ورواه أحمد أيضا في المسند : ج ٣ / ٣٢٥ و ٣٥٦ و ٣٦٣ باختصار ، ورواه أيضا البيهقي في سننه ج ٧ / ٢٠٦ ، ورواه الطحاوي باختصار في شرح معاني الآثار في كتاب مناسك الحج / ٤٠١ ، ورواه المتقي في كنز العمال : ج ٨ / ٢٩٤ وقال :أخرجه ابن جرير.

(٣) ورواه البيهقي في سننه ج ٧ / باب ما يجوز أن يكون مهرا ، وذكره العسقلاني في تهذيب التهذيب : ج ١٠ / ٣٧١ ، ونقله المتقي في كنز العمال : ج ٨ / ٢٩٤.

«المترجم»

٩٥٣

عنها وتوعّد من يستمتع بالرجم(١) .

__________________

(١) تأكيدا لكلام المؤلّف أنقل للقارىء الكريم بعض الروايات التي عثرت عليها في كتب علماء العامّة فقد روى أحمد في المسند : ج ٢ / ٩٥ ، بسنده عن سالم قال [كان عبد الله بن عمر يفتي بالذي أنزل الله عزّ وجلّ من الرخصة بالتمتع ، وسنّ رسول الله (ص) فيه ، فيقول ناس لابن عمر : كيف تخالف أباك وقد نهى عن ذلك! فيقول له عبد الله : ويلكم ألا تتقون الله! (إلى أن قال) فلم تحرّمون ذلك وقد أحلّه الله وعمل به رسول الله (ص)! أفرسول الله (ص) أحقّ أن تتبّعوا سنّته أم سنّة عمر!!]

أقول : وهذه الرواية صريحة بأنّ القوم رفضوا سنّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتمسّكوا بسنّة عمر ، فهم الرافضة ، والشيعة هم أهل السنة.

ورعاية للاختصار أذكر لكم المصادر في الموضوع من غير نقل الروايات واذا احببتم فراجعوا :

صحيح البخاري / كتاب التفسير / باب فمن تمتّع بالعمرة الى الحج وكتاب النكاح وكتاب التوحيد / باب قول الله :( هُوَ اللهُ الْخالِقُ الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ ) .

صحيح مسلم / كتاب الحج / باب جواز التمتع وباب التقصير في العمرة ، وفي كتاب النكاح / باب نكاح المتعة.

صحيح ابن ماجة صفحة ٢٢٠ باب التمتع بالعمرة الى الحج.

صحيح الترمذي : ج ١ / باب ما جاء في التمتع.

صحيح النسائي : ج ٢ في القرآن.

مسند أحمد بن حنبل : ج ٣ / ٣٢٥ و ٣٥٦ و ٣٦٣ و ٣٨٠ وفي ج ٤ / ٤٢٩ و ٤٣٤ و ٤٣٦ و ٤٣٨ و ٤٣٩ وفي ج ١ / ٥٢.

مسند أبي داود الطيالسي : ج ٨ / ٢٤٠ ، وفي ج ٧ / ٢١٧ ، روى بسنده عن مسلم القرشي قال [دخلنا على أسماء بنت أبي بكر فسألناها عن متعة النساء. فقالت : فعلناها على عهد النبي (ص).] وفي ج ٨ / ٢٤٧.

٩٥٤

__________________

سنن البيهقي : ج ٥ / ٢١ وج ٧ / باب نكاح المتعة / روى فيه بسنده بطريقين عن عمر قال [متعتان كانتا على عهد رسول الله وأنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما ، احداهما متعة النساء ولا أقدر على رجل تزوّج امرأة إلى أجل إلاّ غيّبته بالحجارة ، والأخرى متعة الحج ، افصلوا حجّكم عن عمرتكم فإنّه أتمّ لحجّكم وأتمّ لعمرتكم.] ورواه الطحاوي في شرح معاني الآثار / كتاب مناسك الحج : ص ٤٠١ ، وذكره المتقي في الكنز : ج ٨ / ٢٩٤ بطريقين وقال : أخرجهما ابن جرير ، ورواه جمع آخر من الأعلام.

سنن البيهقي : ج ٥ / ١٦ وروى في صفحة ٢١ عن ابن عمر بطريقين أنّه كان يفتي بالمتعة فقيل له [أتخالف أباك وقد نهى عنها؟ قال لهم ابن عمر : ويلكم ألا تتقون الله فلم يحرّمون ذلك وقد أحلّه الله وعمل به رسول الله (ص) ، أفرسول الله (ص) أحقّ أن تتبّعوا سنّته أم سنّة عمر!] وفي الرواية الثانية قال [أفكتاب الله عزّ وجلّ أحقّ أن يتبع أم عمر!]

سنن الدارمي : ج ٢ / ٣٥ روى بسنده عن محمد بن عبد الله بن نوفل قال [سمعت عام حجّ معاوية يسأل سعد بن مالك كيف تقول بالتمتع بالعمرة إلى الحج؟ قال : حسنة جميلة. فقال : قد كان عمر ينهى عنها ، فأنت خير من عمر! قال : عمر خير مني وقد فعل ذلك النبي (ص) وهو خير من عمر.]

ومن المصادر في الموضوع : شرح معاني الآثار للطحاوي في كتاب مناسك الحج ص ٣٧٣ و ٣٧٤ و ٤٠١ وفي كتاب النكاح / باب نكاح المتعة روى بسنده عن سعيد ابن جبير مضمون الرواية الآتية في مسند أحمد.

وفي مسند أحمد : ج ٤ / ٣ روى بسنده عن أبي إسحاق بن يسار قال : إنّا لبمكّة إذ خرج علينا عبد الله بن الزبير فنهى عن التمتع بالعمرة إلى الحج وأنكر أن يكون الناس صنعوا ذلك مع رسول الله (ص). فبلغ ذلك عبد الله بن عباس فقال [وما علم ابن

٩٥٥

__________________

الزبير بهذا ، فليرجع إلى أمه أسماء بنت أبي بكر فليسألها فإن لم يكن الزبير رجع إليها حلالا وحلّت. فبلغ ذلك أسماء ، فقالت : يغفر الله لابن عباس والله لقد أفحش ، قد والله صدق ابن عباس لقد حلّوا وأحللنا وأصابوا النساء.]

كتاب الموطّأ لمالك بن أنس إمام المذهب المالكي / في قسم الحج / باب ما جاء في التمتع.

ومسند محمد بن إدريس الشافعي إمام المذهب الشافعي : ص ٩٤ و ٢١٦.

كنز العمال : ج ٨ / ٢٩٣ روى عن ابن عمر قال [قال عمر : متعتان كانتا على عهد رسول الله (ص) أنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما : متعة النساء ومتعة الحج.] وفي صفحة ٢٩٤ عن أبي قلابة وقال فيه [أنا أنهى عنهما وأضرب فيهما.] (قال) أخرجه ابن جرير وابن عساكر.

الإصابة لابن حجر العسقلاني : ج ٣ / القسم ١ / ١١٤ و ١٣٣ وفي ج ٨ / القسم ١ / ١١٣.

حلية الأولياء لأبي نعيم الحافظ : ج ٥ / ٢٠٥.

التفسير الكبير للفخر الرازي / في تفسير قوله تعالى : ( فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَ ) الخ قال : وروى محمد بن جرير الطبري في تفسيره عن عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام أنه قال «لو لا أنّ عمر نهى الناس عن المتعة ما زنى إلاّ شقيّ».

الطحاوي في شرح معاني الآثار ، في كتاب النكاح / باب نكاح المتعة ، روى بسنده عن عطاء عن ابن عباس قال [ما كانت المتعة الا رحمة رحم الله بها هذه الامة ولو لا نهي عمر بن الخطاب عنها ما زنى الا شقي.]

ورواه السيوطي أيضا في تفسير الدرّ المنثور في تفسير الآية الكريمة ، عن عطاء عن ابن عباس.

أقول [هذه الروايات بعض ما عثرت عليه في مصادر العامّة المعتبرة لديهم ولا يمكن ردّها لأنّ أكثرها جاءت في الصحاح ، وهي صريحة بأنّ عمر نهى عن متعة الحج ومتعة النساء ، وهو يعلم علم اليقين بأنّ الله ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شرّعاها ، فغيّر وبدّل دين

٩٥٦

إضافة على ما نقلت لكم ، فإنّ مفسريكم قد نقلوا روايات حاصلها أنّ جماعة من الصحابة منهم أبيّ بن كعب وابن عباس وعبد الله بن مسعود وسعيد بن جبير والسدّي وغيرهم ، كانوا يقرءون الآية هكذا : فما استمتعتم به منهنّ إلى أجل مسمّى.

رواها جار الله الزمخشري في الكشّاف عن ابن عباس ، ومحمد ابن جرير الطبري في تفسيره والفخر الرازي في تفسير مفاتيح الغيب ، والثعلبي في تفسيره ، ونقل العلاّمة النووي في شرح صحيح مسلم في باب نكاح المتعة عن القاضي عياض عن المازري أنه روى عن عبد الله بن مسعود : فما أسمعتم به منهنّ إلى أجل مسمّى.

ويروي الفخر الرازي عن أبيّ بن كعب وعن ابن عباس مثله ثم قال : والأمّة ما أنكروا عليهما في هذه القراءة فكان ذلك إجماعا على صحّة ما ذكرنا.

ويقول بعده بورقة : فإنّ تلك القراءة لا تدلّ إلاّ على أنّ المتعة كانت مشروعة ، ونحن لا ننازع فيه.

__________________

الله وحكمه ، وقد قال تعالى :( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ ) المائدة : ٤٤.

وجاء في الخبر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ورواه الخطيب البغدادي في تاريخه : ج ٩ / ٢٢٩ وج ٦ / ٣٤٤ وابن حجر العسقلاني في تهذيب التهذيب : ج ٤ / ٢٣٧ كلاهما عن ابن عمر عن النبي (ص) قال «من قال في ديننا برأيه فاقتلوه». وتوجد روايات أخرى بهذا المعنى في أكثر الصحاح والمسانيد فتدبّر وخذ النتيجة.] «المترجم»

٩٥٧

الشيخ عبد السلام : نعم نتّفق معكم بأنّ المتعة كانت في زمن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وربّما نسخها ، فما دليلكم على عدم نسخها؟

قلت : أوّلا كلامكم في النسخ ادّعاء محض ، ولا بدّ للمدّعي من إقامة الدليل لإثبات ادّعائه ، فنحن نطالبكم بالدليل.

ولكن مماشاة لكم وتلبية لطلبكم أقول : دليلنا على عدم نسخها في زمن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، الروايات التي ذكرناها ولا سيما قول عمر : (متعتان كانتا على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأنا أحرّمهما وأعاقب عليهما.) في بعضها [وأنا أنهى عنهما.]

كما أن عمل الأصحاب وسيرتهم في خلافة أبي بكر على ذلك أيضا(١) .

الشيخ عبد السلام : ولكن نستفيد من القرآن نسخ المتعة إذ يقول سبحانه :( إِلاَّ عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ ) (٢) .

فقد ذكر سبحانه في هذه الآية الكريمة سببين للحلّيّة وهما الزوجيّة وملك اليمين ، ونسخ المتعة لأنّها ليست تزويجا ، فلا إرث بينهما ولا نفقة ولا طلاق ولا عدّة ، وهذه كلها من لوازم الزوجيّة.

__________________

(١) قال ابن حجر العسقلاني في «الإصابة» ج ٣ / القسم ١ / ١١٤ : وقال ابن حزم في «المحلّى» : ثبت على تحليل المتعة بعد النبي (ص) من الصحابة ، ابن مسعود وابن عباس وجابر وسلمة ومغيرة ابنا أميّة بن خلف. (قال ابن حجر) وذكر آخرين. (انتهى).

أقول : الصحيح أنهم ثبتوا على تحليل المتعة بعد عمر لأنه هو الذي حرّمها.

وهؤلاء خالفوا عمر وثبتوا على حكم الله ورسوله (ص).

«المترجم»

(٢) سورة المؤمنون ، الآية ٦.

٩٥٨

حكم المتعة غير منسوخ في القرآن

قلت : لا تدلّ هذه الآية على نسخ حكم المتعة ، بل هي في حدّ الزوجيّة ثم هذه الآية في سورة : [المؤمنون] وهي مكّيّة وتشريع المتعة في سورة النساء ، وهي مدنيّة ، فكيف الناسخ نزل قبل المنسوخ؟!

وأما قولك : بأنّ المتعة ليس فيها لوازم الزوجيّة من الإرث والنفقة والطلاق والعدّة.

فأقول : كلامك يدلّ على عدم اطلاعك لفقهنا وعدم مطالعتك لكتب علمائنا ، فإنّهم أثبتوا أنّ جميع آثار الزوجيّة تترتّب على المتعة ، إلاّ ما خرج بالدليل ، ولا يخفى أنّ الله سبحانه أسقط بعض شروط الزوجيّة ولوازمها ، لغرض التسهيل والتخفيف في هذا النوع من النكاح والتزويج.

ثم اعلم إنّ الإرث والنفقة ليسا من اللوازم الثابتة للزوجيّة فقد أفتى فقهاء الإسلام من الشيعة والسنّة : أنّ الزوجة الكتابيّة والناشزة والتي قتلت زوجها ، لا ترث منه ولا تستحق النفقة. مع العلم أنّ الزوجيّة باقية ، اذ لا يجوز لها أن تتزوّج برجل آخر ، وتجب عليها عدّة الوفاة ـ أربعة أشهر وعشرة أيّام ـ إذا توفّى الزوج.

وأما الطلاق في المتعة ، فإنّ حكم الطلاق بانقضاء الأجل المسمّى والمدّة المعيّنة ، أو بأن يهب الرجل ما تبقّى من المدّة ويتنازل عن حقه ، ويجب عليها العدّة وأقلّها خمسة وأربعين يوما ، والمشهور أن ترى المرأة طهرين ، أمّا إذا مات الرجل قبل انقضاء الأجل المسمّى وقبل أن يهبها ما تبقى من المدّة ، فيجب على المرأة أن تعتدّ عدة الوفاة ـ أربعة أشهر وعشرة أيّام ـ وهي عدّة المتوفّى عنها زوجها.

٩٥٩

الشيخ عبد السلام : لقد روى بعض علمائنا روايات تصرّح بأنّ النبي (ص) نسخ حكم المتعة ، فبعضها تشير بأنّ النبي (ص) نسخها عند ما فتح خيبر ، وبعضها تقول نسخها يوم فتح مكة ، وبعضها تقول في حجّة الوداع وبعضها في تبوك وبعضها في عمرة القضاء.

قلت : أوّلا : ـ هذا الاختلاف الفاحش دليل قويّ على وضع تلك الأخبار وكذبها. ومن الواضح أنّ غرض الواضعين والجاعلين تبرئة عمر وتنزيهه.

ثانيا : ـ لو قايسنا هذه الأخبار مع الروايات التي نقلناها من صحاحكم ومسانيدكم ومصادر أعلامكم ، وجدناها واهية ضعيفة بحيث لا تعدّ شيئا.

ثالثا : ـ كلام عمر كما نقلناه من كتبكم المعتبرة [متعتان كانتا على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأنا أحرّمهما ، وما قال : كانتا ونسختا ، بل قال : أنا أحرّمهما.] فلو كانت آية ناسخة لاستند بها ولو كان حديث ناسخ من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لاستدل به. ولكنّه أسند التحريم الى نفسه.

ونحن نجد في مصادركم وصحاحكم روايات صريحة بعدم نسخ المتعة وقد نقلنا بعضها لكم ، فإنّ في القائلين بعدم النسخ نجد بعض الصحابة الكبار مثل عبد الله بن عباس وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمر وجابر بن عبد الله وأبي ذر وعمران بن حصين وغيرهم. وتبعهم كبار علمائكم وقالوا بعدم نسخ حكم المتعة ، منهم جار الله الزمخشري في الكشّاف فإنّه بعد ما ينقل رواية ابن عبّاس يقول [آية المتعة من محكمات القرآن وما نسخت.]

ومنهم مالك بن أنس فإنّه أفتى بجواز المتعة وعدم نسخها ، كما

٩٦٠