مجالس في رحاب الإمام المعذّب في قعر السجون

مجالس في رحاب الإمام المعذّب في قعر السجون0%

مجالس في رحاب الإمام المعذّب في قعر السجون مؤلف:
تصنيف: الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام
الصفحات: 126

مجالس في رحاب الإمام المعذّب في قعر السجون

مؤلف: الشيخ أبو علي البصري
تصنيف:

الصفحات: 126
المشاهدات: 42251
تحميل: 3443

توضيحات:

مجالس في رحاب الإمام المعذّب في قعر السجون
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 126 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 42251 / تحميل: 3443
الحجم الحجم الحجم
مجالس في رحاب الإمام المعذّب في قعر السجون

مجالس في رحاب الإمام المعذّب في قعر السجون

مؤلف:
العربية

هارون رجل الشهوات والملذّات

لمّا أفْضَتْ الخلافة إلى الرشيد وقعت في نفسه جارية من جواري المهدي، فراودها عن نفسها، فقالت لا أصلح لك أنّ أباك قد طاف بي، فشغف هارون بها ولم يكن ليدعها، فأرسل إلى أبي يوسف فسأله: أعندك في هذا شيء؟ فقال يا أمير‌المؤمنين أو كلّما ادّعت أمة شيئاً ينبغي أن تصدّق!! لا تصدّقها فإنها ليست بمأمونة(١).

(مع العلم أن الشريعة الإسلامية تقبل في هذه الحالات إقرار المرأة على نفسها بذلك ويكون هو الأساس الذي يرتّب الأثر عليه!! ولكن الشهوات!)

الإسراف في الموائد

وأسرف هارون إسرافاً كثيراً على موائد الطعام فكان ينفق في كل يوم عشرة آلاف درهم، وربما اتخذ له الطباخون ثلاثين لوناً من الطعام(٢).

وقدّمت له مائدة كانت فيها قطع صغيرة من السمك وضعت في أوان من الذهب فاستدعى رئيس الطباخين فلما مثل بين يديه، قال له: ألم أعهد إليك أن لا تكون قطع السمك صغيرة، فقال له يا أمير المؤنين هذه السنة السمك وضعتها لتكون زينة للمائدة فسأله عن ثمنها فقال أنها كلّفت أربعة آلاف درهم.

الإسراف في الجواري

وكان هارون يهب الأموال الجزيلة لجواريه، ويجزل لهن في العطاء، فقد روى
المؤرخون أنه أوفد الحرشي إلى ناحية الموصل فجيى له أموالاً طائلة من بقايا
الخراج، فوافاه به، فأمر بصرفه أجمع إلى بعض جواريه، فاستعظم الناس في ذلك،
_________________________

(١) تاريخ الخلفاء للسيوطي ص ٢٩١.

(٢) حياة الامام موسى بن جعفر للقرشي ص ٣٩ نقلاً عن المستطرق ص ٣٤١.

٢١

وتحدثوا به، وأصاب أبوالعتاهية من ذلك شبه الجنون، فقال له خالد بن أبي الأزهر: مالك يا أبا العتاهية؟ فقال: سبحان الله أيدفع هذا المال الجليل إلى أمرأة!!(١)

ولعه بالجواهر

وشغف هارون بالجواهر والأحجار الثمينة شغفاً كبيراً فبذل الأموال الطائلة لشرائها فاشترى خاتماً بمائة ألف دينار(٢).

وكان ينثر الجواهر على جواريه بغير حساب.

ولعه بالغناء

وكان هارون مولعاً بالغناء منذ حداثة سنّه، فقد نشأ بين أحضان المغنيات والمطربات، واشتمل قصره على مختلف الالات الموسيقيه(٣) وقيل ان في قصره ثلثمائة جارية من الحسان يغنين ويعزفن (نفس المصدر السابق) وكان ابراهيم الموصلي وابن جامع وزلزل الضارب في الطبقه الاولى.

وبَلَغَ من ولع هارون وشغفه بالغناء انه طلب من شقيقته عُليّة أن تُغنّيه، فقالت له: وحياتك لأعملن فيك شعراً ولأصنعنّ فيك لحناً وقالت من وقتها:

تفديك أختك قد حبوت بنعمة

لسنا نعد لها الزمان عديلا

الخ شعرها

وصنعت فيه لحناً من وقتها في مقام خفيف الرمل، فطرب الرشيد عليه(٤) وكان عُليّة في طليعة المغنيات في ذلك القصر، وقد عَيَّرَ بها الأسرة العباسية أبو فرار الحمداني بقوله:

منكم عُليّةُ أم منهم وكان لكم

شيخ المغنين ابراهيم أم لهمُ

_________________________

(١) الأغاني ٤ / ٦٧.

(٢) ابن الأثير، ج ٦، ص ٤٤.

(٣) التمدن الاسلامي ٥ / ١١٨.

(٤) سيدات البلاط العباسي ص ٢٨.

٢٢

شربه للخمر

واندفع هارون إلى شرب الخمر والإدمان عليها، وكان يدعو خواص جواريه إذا أراد الشراب(١). وكان يهدي لبعض أصحابه كؤوس الخمر مملوءة (الاغاني).

وان هارون وغيره من ملوك العباسيين لم يعنون بتحريم الاسلام للخمرة، فعمدوا إلى شربها في وضح النهار وفي غلس الليل، ومن المؤسف أن يُعد هارون وأشباهه من أئمة المسلمين ومن كبار قادتهم ثم يلتمس المعاذير لما اقترفوه من عظيم الاثم والمنكر، وقد بالغ الجومرد في دفاعه عن هارون فنفى عنه شرب الخمر وقال انه ما شرب إلا النبيذ وليس ذلك محرماً في الاسلام(٢).

لعبه بالنرد

ولم يترك هارون اي لون من المحرمات في الاسلام إلا ارتكبه فمن ذلك لعبه بالنرد (لعبة وضعها أحد ملوك الفرس وتعرف عند العامة بلعب الطاولة). وهو من أنواع القمار الذي حرمه الاسلام.

ولقد ساد اللهو، وعمّت الدعارة، وانتشر المجون ولَدهورت الأخلاق، واقبرت الفضائل، في عهد هارون.

موقف الإمام الكاظم من هارون

وتميز موقف الامام موسىعليه‌السلام مع حكومة هارون بالشدة والصرامة فقد حرم التعاون معها في جميع المجالات، وقد ظهر هذا الموقف جلياً في حديثه مع صفوان فقد قال له الإمام « يا صفوان، كل شيء منك حسن جميل ما خلا شيئاً واحداً، فالتاع صفوان وذابت نفسه لعلمه بأنه لم يخلد إلى أي معصية فانبرى للامام قائلاً: جُعلتُ فداك أي شيء؟!!

_________________________

(١) باقر شريف القرشي حياة الامام موسى الكاظم.

(٢) هارون الرشيد ١ / ٢٦٧.

٢٣

فقال: كراؤك جمالك من هذا الطاغية (يعني هارون)، فقال صفوان والله ما أكريته أشراً ولا بطراً ولا للصيد ولا للهو ولكن أكريته لهذا الطريق ـ يعني طريق مكة ـ ولا أتولاه بنفسي، ولكن أبعث معه غلماني فقال له الامام، يا صفوان، أيقع كراك عليهم؟ نعم جعلت فداك، فقال: أتحب بقاءهم حتى يخرج كراك؟ قال نعم، فقالعليه‌السلام من أحبَّ بقاءهم فهو منهم، ومن كان منهم كان وارداً للنار.

أقول موقف الامامعليه‌السلام صريح ومطابق للقرآن الكريم، قال تعالى: «وَلَا تَرْكَنُوا
إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ
». وحذّرعليه‌السلام شيعته من الدخول في سلك حكومة هارون والتلبس بأي وظيفة من وظائف دولته، فقالعليه‌السلام لزياد بن ابي سلمة: (يا زياد، لأن أسقط من شاهق فأتقطع قطعة قطعة أحب إليَّ من أن أتولى لهم عملاً أو أطأ بساط رجل منهم)(١).

كيفية سجن الإمام ؟

لما سافر هارون إلى مكة عام ١٧٩ هـ بدأ بقبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال مخاطباً للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم
يا رسول الله إنّي اعتذر إليك من شيء أريده، أريد أن احبس موسى بن جعفر، فانه
يريد التشتت بين امتك!! وسفك دمائها، ثم أمر به، وكان الامام عليه‌السلام روحي فداه عند
رأس النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قائم يُصلّي فقطع صلاته وحمل وهو يبكي ويقول إليك اشكو يا
رسول الله ما يرد على أهل بيتك من شرار أمتك وأقبل الناس من كل جانب يبكون
ويضجون، فلما حمل إلى بين يدي الرشيد، سلّم على الرشيد فلم يرد عليه‌السلام وشتمه
وسبه وجفاه وقَيَّدهُ وغلّله فلما جنَّ عليه الليل أمر بقبتين فهيأ له فحمل موسى بن
جعفر عليه‌السلام إلى أحدهما في خفاء ودفعه إلى حسان السروي وأمره أنْ يسيرَ به في
قبة إلى البصرة فيسلمه إلى عيسى بن جعفر بن أبي جعفر وهو اميرها آنذاك، ووجه
قُبة أخرى علانية نهاراً إلى الكوفة معها جماعة ليعمي على الناس أمر موسى بن
جعفر، فقدم حسان البصرة قبل التروية بيوم فدفعه إلى عيسى بن أبي جعفر نهاراً
علانيةً حتى عرف ذلك وشاع أمره فحبسه عيسى في بيت من بيوت المجلس الذي
_________________________

(١) باقر شريف القرشي، حياة موسى بن جعفر ج ٢، ص ٧٤.

٢٤

يجلس فيه وأقفل عليه وشغله عند العبيد فكان لا يفتح عنه الباب إلّا في حالتين حال يخرج فيها إلى الطهور وحال يدخل اليه فيها الطعام، قال نصراني من كتاب عيسى لقد سمع هذا الرجل الصالح في أيامه في هذه الدار التي هو فيها من ضروب الفواحش، وحبس عنده سنة كاملة ثم كَتَبَ إلى الرشيد ان خذه منّي وسلّمهُ إلى مَنْ شئتَ وإلا خلّيتُ سبيلَهُ، فقد اجتهدت بأن أجد عليه حجة فما أقدر على ذلك حتى أني لأستمع عليه إذا دعا لعلّه يدعو عليّ أو عليك فما أسمعه يدعو إلا لنفسه يسأل الرحمة والمغفرة، فوجّه مَن تسلمه منه وحُمِل سراً إلى بغداد، إلى أن مضى شهيداً مسموماً غريباً في سجن السندي بن شاهك.

تنوح املاكها والكون مرجون

علي اللي مات ويلي ابحبس هارون

* * *

امن البصرة السجن بغداد جابه

ابحديد او قيد ويدور ذهابه

او ذبه ابسجن مظلم غلگ بابه

او نهه السجان يمه الناس يصلون

* * *

ابسجن والسندي بن شاهك السجان

عليه ابكل وكت مغلج البيبان

او تم اسنين للوادم فلا بان

ما يدرون ميت والّه مسجون

* * *

عگب گيده او حديده او ذيچ الاغلال

دس له ابرطب سم گاطع او چتّال

أكل بعضه او منّه نال ما نال

حسبكم قال نلتوا ما تريدون

* * *

طلع عنّه أو عافه او هاي حاله

يعالج بالسجن محّد دناله

او عگب ما مات جاب النعش شاله

أو تعرفونه الذي شالوا أو تدرون

* * *

٢٥

وبمجلس شرطته النعش خلّوه

عليه ناده النده والناس سمعوه

امام الرافضة هذا التعرفوه

او آمر على الجسر قاموا يعبرون

* * *

اولن امن القصر مشرف سليمان

نعش باب الحوائج لاح اله او بان

يگلهم هلجنازة مالها أعوان

غريبه او ما وراها ناس يمشون

* * *

گالوا له غريب اهله امبينين

لاچن بالمدينة اعليه بعيدين

ابن عمك الكاظم گال هالحين

دروحوا جيبو نعشه لا تخافون

* * *

وبمفرگ طرقها عليه ناده

هذا الطيب او طيبه اجداده

او سوه ابعكس ما هارون راده

ناده اعليه هذا البيه تنجون

* * *

النسب والرحم لسليمان جابه

عليه او دحجته اهروش النجابه

بس لحسين ما بيّن گرابه

يغسلونه او يچفنونه او يدفنون

* * *

ما غسّلوه ولا لفوه في كفن

يوم الطفوف ولا مدوا عليه ردا

* * *

٢٦

المجلس الرابع

الموضوع : قبس من عبادة الامام موسى بن جعفرعليه‌السلام

القصيدة: للشيخ عبد الحسين الحيّاوي

جانب الكرخ جنب أرضك شيّد

قبر موسى بن جعفر بن محمّد

بثرى طاول الثريّا مقاماً

دونَ أعتابهِ الملائكُ سُجّد

سابع الصفوة اللتي اختارها اللـ

ـه على الخلقِ أوصياء لأحمد

هو غيثٌ إن أقلعت سحب الغيـ

ـث وغوثٌ إن عزّ كهفٌ ومقصد

أخرجوهُ من المدينةِ قسراً

كاظماً مطلق الدّموع مُقيّد

حرّ قلبي عليه يقضي سنيناً

وهو في السجن لا يُزار فيُقصد

حرّ قلبي عليه يقضي بسمّ

بيدي ألأم الخلائق ملحد

مثل موسى يُرمى على الجسر ميتاً

لم يشيّعه للقبور موحّد

حملوه والحديد برجليه

دويٌّ له الأهاضب تنهد

* * *

جيت ازورك وانشد الشالوها

اجنازتك عد يا جسر خلّوها

اجنازتك من سمّك ابسمه الرجس

او عالجتها او متت وحدك بالحبس

حجة الله انته على الجن والانس

اجنازتك من السجن طلعوها

اجنازتك هالحاوية العز والاسم

من اطلعوها اشگد حدرها من الزلم

گالوا هالساع ما عندك علم

على حماميل السجن طلعوها

٢٧

* * *

بالعبا ملفوف ويصيح الخطيب

من يحب يتفرج اجنازة غريب

رافضي ايگولون مسموم او غريب

أو شيعته بيبانها سدّوها

* * *

أبكي لنعشِكَ والأبصارُ ترمقه

مُلقىً على الجسرِ لا يدنو له أحدُ

( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ )

المقدمة

من المعلوم ان الله سبحانه وتعالى غنيٌ عن خلقه «يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى
اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ
» وممّا يقطع به، ان الله سبحانه لا تضرّه معصية مَنْ عصاه، ولا تنفعهُ طاعةُ مَنْ أطاعه.

نعم الإنسان باعتبار كونه عبداً لله سبحانه ينبغي أن يكون في طاعة مولاه وخدمته، وعبادة الله سبحانه هي خدمة الله في أرضه، وبهذه العبادة يتكامل الإنسان ويسمو ويقرب من الله تعالى (القرب المعنوي وليس المادي فتنبّه) ومن هنا صار محمداً وأهل بيته هم أقرب الخلق إلى الله سبحانه وتعالى لأنّهم أعبدُ الخلق لله عز وجل. ومنهم الامام السابع الصابر والعبد الصالح موسى بن جعفرعليه‌السلام ونذكر الآن نموذجاً من عبادته كما نقلها لنا أرباب السير والتأريخ:

١ ـ خوفه من الله سبحانه: كانعليه‌السلام يبكي من خوف الله كثيراً حتى تجري دموعه على لحيته، نعم قال تعالى: «إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ».

٢ ـ سجوده: من المعلوم أن أقرب ما يكون العبد الى الله وهو ساجد باك وكان الإمام موسى بن جعفرعليه‌السلام كثير السجود لله تعالى وكان كثير ما يقول في سجوده «اللهمَّ إنّي اسألك الراحة عند الموت والعفو عن الحساب» وكذلك كان يُسمع منه في سجوده «عظم الذنبُ من عبدك فليحسن العفو من عندك» وروي أنهعليه‌السلام دخل

٢٨

ذات ليلة مسجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فسجد سجدة في أوّل الليل وسمع وهو يقول في سجوده «عظم الذنبُ من عبدك فليحسن العفو من عندك يا أهل التقوى ويا أهل المغفرة» فجعل يردّدها حتى أصبح.

الفضل بن الربيع يتحدَّث عن سجوده

روى الشيخ الصدوقرحمه‌الله عن عبدالله القروي أنّه قال: دخلتُ على الفضل بن الربيع وهو جالس على سطح فقال لي: ادن، فدنوت حتى حاذيته ثم قال أشرف على البيت في الدار فأشرفت، فقال ما ترى في البيت؟ قلت ثوباً مطروحاً، فقال: انظر حَسَناً فتأمّلتُ ونظرتُ فتيقنت، فقلتُ رجلاً ساجداً، فقال لي، تعرفه؟ قلت: لا، قال هذا مولاك، قلتُ ومَنْ مولاي؟ فقال: تتجاهل عليّ؟ فقلتُ: ما أتجاهل ولكنّي لا أعرف لي مولى فقال هذا أبو الحسن موسى بن جعفر؟ انّي أتفقّده الليل والنهار فلم أجده في وقت من الأوقات إلّا على الحال التي أخبرك بها. إنّه يُصلّي الفجر فيعقّب ساعة في دبر صلاته إلى أن تطلع الشمس ثم يسجد سجدة فلا يزال ساجداً حتى تزول الشمس، وقد وكّل من يترصّد له الزوال فلست أدري متى يقول الغلام: قد زالت الشمس، إذ يثب فيبتدئ بالصلاة من غير أن يُجدّد وضوءاً فاعلم أنّه لم ينم في سجوده ولا أغفى فلا يزال كذلك إلى أن يفرغ من صلاة العصر، فاذا صلّى العصر سجد سجدة فلا يزال ساجداً إلى أن تغيب الشمس فاذا غابت الشمس وثب من سجدته فصلّى المغرب من غير أن يحدث حدثاً ولا يزال في صلاته وتعقيبه إلى أن يُصلّي العتمة، فاذا صلّى العتمة أفطر على شويّ يؤتى به ثم يُجدّد الوضوء ثم يسجد ثم يرفع رأسه فينام نومة خفيفة ثم يقوم فيجدّد الوضوء، ثم يقوم فلا يزال يُصلّي في جوف الليل حتى يطلع الفجر فلست أدري متى يقول الغلام: ان الفجر قد طلع. إذ قد وثب هو لصلاة الفجر فهذا رأيُهُ منذ حوّل إليّ، فقلت: اتق الله ولا تحدثنّ في أمره حدثاً يكون معه زوال النعمة...(١).

_________________________

(١) منتهى الآمال للقمي ص ٢٩٣.

٢٩

٣ ـ تلاوته للقرآن: وكانعليه‌السلام أحفظهم لكتاب الله وأحسنهم صوتاً بالقرآن وإذا قرأ يحزن ويبكي ويبكي السامعون لتلاوته، وكانت قراءته حزناً فاذا قرأ فكأنّه يخاطب إنساناً.

٤ ـ استغفاره وأدعيته: كانعليه‌السلام يستغفر في كل يوم خمسة آلاف مرّة والناس يسمونه زين المجتهدين. روى الشيخ الصدوقرحمه‌الله عن ما جيلويه عن علي بن ابراهيم عن أبيه انّه قال: سمعت رجلاً من أصحابنا يقول: لما حبس الرشيد موسى بن جعفرعليه‌السلام جنّ عليه الليل فخاف ناحية هارون أن يقتله فجدّد موسىعليه‌السلام طهوره واستقبل بوجهه القبله وصلّى الله عزَّ وجل أربع ركعات ثم دعا بهذه الدعوات فقال: «يا سيّدي نجّني من حبس هارون وخلّصني من يده، يا مخلّص الشجر من بين رملٍ وطين، يا مخلص اللبن من بين فرث ودم، ويا مخلص الولد من بين مشيمة ورحم، ويا مخلّص النار من بين الحديد والحجر، ويا مخلّص الروح من بين الأحشاء والأمعاء، خلّصني من يدي هارون». قال: فلمّا دعا موسىعليه‌السلام بهذه الدعوات أتى هارون رجل أسود في منامه وبيده سيف قد سلّه، فوقف على رأس هارون وهو يقول: يا هارون أطلق عن موسى بن جعفر وإلّا ضربت علاوتك بسيفي هذا، فخاف هارون من هيبته ثم دعا الحاجب فجاء الحاجب، فقال له: إذهب إلى السجن فأطلق عن موسى بن جعفر. قال: فخرج الحاجب فقرع باب السجن فأجابه صاحب السجن، فقال: من ذا؟ قال: إنّ الخليفة يدعو موسى بن جعفر فأخرجه من سجنك وأطلق عنه، فصاح السجّان: يا موسى أن الخليفة يدعوك، فقام الموسىعليه‌السلام وهو يقول لا يدعوني في جوف الليل إلّا لشرّ يريد بي، فقام باكياً حزيناً مغموماً آيساً من حياته فجاء إلى هارون... فقال: سلام على هارون، فردّعليه‌السلام ثم قال له هارون: ناشدتك بالله هل دعوتَ في جوف هذه الليلة بدعوات؟ فقال نعم، قال وما هنّ؟ فقال: جدّدت طهوراً وصلّيت لله عزّ وجلّ أربع ركعات ورفعت طرفي إلى السماء وقلت يا سيّدي «خلصني من يد هارون وشرّه» وذكر له من دعائه، فقال هارون: قد استجاب الله دعوتك يا حاجب أطلق عن هذا، ثم دعا بخلع فخلع عليه

٣٠

ثلاثاً وحمله على فرسه وأكرمهُ وصيّره نديماً لنفسه، ثم قال: هات الكلمات، فعلّمه، فأطلق عنه وسلّمه إلى الحاجب ليسلّمه إلى الدار ويكون معه، فصار موسى بن جعفرعليه‌السلام كريماً شريفاً عند هارون، وكان يدخل عليه في كلّ خميس إلى أن حبسه الثانية فلم يطلق عنه حتّى سلّمه إلى السندي بن شاهك وقتله بالسمّ.

من مبلغ الإسلام أنَّ زعيمه

قد مات في سجن الرشيد سميماً

ملقىً على جسر الرصفاة نعشه

فيه الملائك أحدقوا تعظيماً

* * *

يا والد الدفنو برض طوس

اشذنبك گضيت اسنين محبوس

فوگ السجن والهظم والهم

اشذنبك يبحر الجود تنسم

حگ تجري ليك العين من دم

يبن النبي الهادي الأكرم

اعلى الجسر نعشك يا مشيّم

جابوا والمنادي تجدّم

او ناده او ندا للدين هدّم

لاچن عگب هذا تخزّم

اسليمان والتشييع الك تم

او بعد الدفن نصبوا الماتم

بس السبط بالطف تخذّم

جسمه ولا واحد اِله اهتم

او حرگوا عگب عينه المخيّم

وابحزن زينب الله يعلم

* * *

لا مثل يومكم بعرصة كربلا

في سالفات الدهر يوم شجون

* * *

٣١

٣٢

المجلس الخامس

الموضوع: علم الإمام موسى بن جعفرعليه‌السلام

القصيدة:

كمثل كظوم الغيظ موسى بن جعفر

أبي الحسن المسموم مستودع السر

فكم انست منه السجون بمعبدٍ

بأنواره يمسي كما هالة البدر

وما زال منها في السجون رهينة

يعالج فيها لاعج البؤس والضر

تقاذفه أيدي الطغاة عداوة

بسجن إلى سجن ومصر إلى مصر

فطوراً ببغداد وطوراً ببصرة

بقيد ثقيل موهن قوة العمر

قضى وهو مسموم فأيُّ موحد

ثوى بمحياه الورى شمة البشر

فلهفي على باب الحوائج قد بقي

برغم العُلى ملقىً ثلاثاً على الجسر

* * *

الف وسفه من بعد سجنه الشدّيد

طَلِعوا وابرجله وايديه الحديد

مدري هارون الرّجس منّه اشيريد

طلّعه امن السّجن من دون احترام

عالجسر خلّاه والمنادي يصيح

هذا إمام الرافضة اجنازه طريح

صدگ ما مش بالبلد مخلص صحيح

اِيصيح يا وسفه او عليه يلطم الهام

اربع حماميل بس الشالته

بعض لحديدهَ او بعض لجنازته

اشچان ذنبه ابن النبي و

فريته خلو علاجسر ركن الاسلام

* * *

٣٣

چف الدهر ريته اليوم ينشال

جرح گلبي ولا أظن بعد ينشال

نعش موسى على احماميل ينشال

أو يظل فوگ الجسر ثاوي رميه

* * *

وضعوا على جسر الرصافة نعشه

وعليه نادى بالهوان منادي

قال الإمام الصادقعليه‌السلام لعيسى الشلقاني:

«إن ابني هذا (موسى بن جعفر) لو سألته عمّا بين دفتي المصحف لأجابك فيه بعلم...»

المقدمة:

ان من الواضحات والمسلّمات الله عزَّ وجلَّ يؤتي العلم والحكمة لأنبياءه وأولياءه وهم صغار، فهذا عيسى بن مريمعليه‌السلام أتاه الله الكتاب وهو في المهد قال تعالى: «قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا... » فقال حاكياً عن يحيى «وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا » وهكذا بالنسبة للأئمة المعصومين الذين جعلهم الله خلفاء في أرضه وحججاً على بريّته وهم الذين خلّفهم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في هذه الأمة وهم عدل الكتاب قال «إني تاركٌ فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما إنْ تمسكتم بهما لن تضلّوا بعدي أبداً وإنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض».

ومن هنا قال الإمام الصادقعليه‌السلام لعيسى ان ابني هذا لو سألته عمّا بين دفتي المصحف لأجابك فيه بعلم، لان الإمام عنده علم الكتاب، والكتاب هو تبيان لكل شيء. ولأنقل لكم كيفية إصدار الإمام لهذه الكلمة في حقِّ ولده موسىعليه‌السلام [كان أحدُ المنحرفين المعروف بأبي الخطاب (وهو محمد بن مقلاص الأسدي)] وكان من البدع التي ابتدعها أن أصحابه كلما ثقل عليهم أداء فريضة أتوه وقالوا يا أبا الخطاب خفف علينا فيأمرهم بتركها حتى تركوا جميع الفرائض واستحلوا جميع المحارم وارتكبوا المحظورات وأباح لهم أن يشهد بعضهم لبعض بالزور، وقال من

٣٤

عرف الإمام فقد حل له كل شيء كان حرم عليه»(١). ولمّا بلغت بدعه والحاده الامام الصادقعليه‌السلام تبرأ منه، ولعنه على رؤوس الاشهاد لانه كان من أصحابه وأتباعه ثم ارتدَّ بعد ذلك، وقد هرع عيسى الشلقاني إلى الإمام الصادقعليه‌السلام يسأله عن رأيه في هذا الملحد الخطير، فقال الامام الصادقعليه‌السلام : «يا عيسى ما منعك أن تلقى ابني ـ يعني الامام موسى ـ فتسأله عن جميع ما تريد؟» فانعطف عيسى نحو الامام الكاظم وكان آنذاك صبياً في المكتب فلما رآهعليه‌السلام انبرى إليه مجيباً قبل أن يسأله قائلا له: «يا عيسى، ان الله تبارك وتعالى أخذ ميثاق النبيين على النبوة فلم يتحولوا عنها أبداً، وأخذ ميثاق الوصين على الوصية فلم يتحولوا عنها أبداً، وأعار قوماً الايمان زماناً ثم سلبهم إياه، وإن أبا الخطاب ممن أعير الايمان ثم سلبه إياه...».

وأكبر عيسى جواب الإمام فقام إليه وضمَّه وقبّل ما بين عينيه وانطلق يقول: «بأبي أنت وأمي، ذرية بعضها من بعض والله سميعٌ عليم». ثم قفل راجعاً إلى الامام الصادقعليه‌السلام فأخبره بالعجب الذي رآه من مواهب موسى بن جعفرعليه‌السلام فقال له أبو عبدالله: «يا عيسى، ان ابني هذا لو سألته عمّا بين دفتي المصحف لأجابك فيه بعلم...»(٢).

ذكاء مفرط

جاء الإمام موسىعليه‌السلام إلى أبيه فأجلسه في حجره وكان معه لوح فقال له: يا بني اكتب «تنح عن القبيح ولا ترده» فلما رسم ذلك قال له يا بني اجزه، فاندفع فوراً يقول: «ومن أوليته حسناً فزده» ثم ألقى الإمام شطراً آخر يطلب منه اجازته وهو «ستلقى من عدوك كل كيد» فأجازه: «إذا كادَ العدو فلا تكده» وفرح الامام الصادقعليه‌السلام بمواهب ولده وعبقريته فضمه إليه قائلاً: «ذرية بعضها من بعض»(٣).

_________________________

(١) حياة الامام موسى بن جعفر باقر القرشي ص ٦٦.

(٢) نفس المصدر السابق.

(٣) المناقب: ٢ / ٣٨٠.

٣٥

مع أبي حنيفة

كان أبو حنيفة من الذاهبين إلى القول «بالجبر» والداعين إليه، وينص هذا الرأي على أن الفعل الصادر من الإنسان ليس مخلوقاً له، وليس صادراً منه باختياره، وانما هو مخلوق لله، وصادر عن إرادة الله، وإن إرادة الانسان وقدرته لا مدخل لها في ايجاد أي فعل سواء أكان صادراً منه باختياره أم مكرهاً عليه، وقد أجمعت الشيعة على بطلان ذلك. وقد سافر أبو حنيفة إلى يثرب ليحاجج الامام الصادقعليه‌السلام الذي عرف بانه من خصوم هذه الفكرة، ولما انتهى اليها قصد دار الامام، وجلس في دهليز الدار ينتظر الأذن وبينما هو جالس إذ خرج صبي يدرج فبادره أبو حنيفة قائلا: «أين يضعُ الغريبُ حاجته؟».

فالتفت إليه قائلاً يا شيخ أسأت الأدب أين السلام، السلام قبل الكلام ولمّا سلّم وأعاد السؤال فأجابه: «توق شطوط الأنهار، ومساقط الثمار، وأفنية المساجد، وقارعة الطريق، وتوار خلف الجدار، ولا تستقبل القبلة ولا تستدبرها، وضع أين شئت».

وسأله مسألة ثانية قائلاً: (يا غلام، ممّن المعصية؟ هل هي من الله أو من العبد؟) وانطلق الامام فأجابه: «لا تخلو أما أن تكون من الله، وليس من العبد شيء، فليس لله أن يأخذ العبد، بما لم يفعل، وأما أن تكون من العبد ومن الله، والله أقوى الشريكين فليس للشريك القوي أن يأخذ الضعيف بذنب هو فيه سواء، وإما أن تكون من العبد، وليست من الله فان شاء عفا، وإن شاء عاقب وهو المستعين...».

سرعة بديهة

قال أبو حنيفة معترضاً على الإمام موسى الكاظمعليه‌السلام لمّا كان صغيراً، فقال وهو يُحدّث الإمام الصادقعليه‌السلام : ان ابنك موسى يُصلّي والناس تمرُّ من بين يديه؟! فقال الصادقعليه‌السلام : سَلْهُ يُجبك؟ فلمّا سأله، فقال الامام الكاظمعليه‌السلام لأبي حنيفة، يا هذا إنَّ الذي أُصلّي إليه أقرب إليَّ منهم ثم تلا قوله تعالى: «وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ
الْوَرِيدِ
».

٣٦

بعض أجوبته

سأله راهب: كيف طوبى اصلها في دار عيسى، وعندكم في دار محمد وأغصانها في كل دار؟

فقالعليه‌السلام : الشمس قد وصل ضوءها إلى كل مكان، وكل موضع وهي في السماء. قال: وفي الجنة لا ينفذ طعامها وان اكلوا منه ولا ينقص منه شيء؟ فقالعليه‌السلام : السراج في الدنيا يقتبس منه ولا ينقص منه شيء، قال: وفي الجنة ظل ممدود؟ فقالعليه‌السلام : الوقت الذي قبل طلوع الشمس كله ظل ممدود، قول تعالى:( أَلَمْ تَرَ إِلَىٰ رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ ) قال: ما يؤكل ويشرب في الجنة لا يكون بولاً ولا غايطاً؟ فقالعليه‌السلام : الجنين في بطن أمه... الخ.

قال الراهب صدقت، وأسلم، والجماعة معه(١).

من كتابٍ له إلى هارون الرشيد

كتب إليه من داخل السجن (انه لن ينقضي عني يوم من البلاء إلّا انقضى معه عنك يوم من الرخاء، حتى نمضي جميعاً إلى يوم ليس فيه انقضاء، هناك يخسر المبطلون)(٢).

مع السندي بن شاهك

كان السندي بن شاهك ناصبياً وكان يضيق على موسى بن جعفرعليه‌السلام غاية
التضييق. بحيث لا يُطيق اللسان على بيانه، أنزله في قعر داره وظلم المطامير وقيّده
بقيود ثلاث ووكل عليه جماعة وأغلق وقفل عليه الأبواب، إلى ان سقاه السم
ومرض وبقي في السجن، ثم ان الامام الكاظم عليه‌السلام دعا بالمسيب وذلك قبل وفاته
بثلاثة أيام وكان موكّلاً به فقال له يا مسيب فقال لبيك يا مولاي، قال إني ظاعن في
_________________________

(١) المناقب: ٢ / ٣٧٤.

(٢) الفصول المهمة ٢٢٧.

٣٧

هذه الليلة إلى المدينة مدينة جدي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأعهد إلى علي ابني ما عهده إليَّ أبي واجعله وصيّي وخليفتي وامره بأمري، قال المسيب فقلت يا مولاي كيف تأمرني ان افتح لك الأبواب والحرس معي على الأبواب، فقال يا مسيّب ضعف يقينك في الله عزَّ وجلَّ وفينا فقلت لا يا سيّدي ادع الله أن يثبتني، فقال اللهم ثبّته ثم قال اني ادعوا الله عز وجل باسمه العظيم الذي دعا به اصف حتى جاء بسرير بلقيس فوضعه بين يدي سليمان قبل ان يرتد عليه طرفه حتى يجمع بيني وبين ابني علي بالمدينة قال المسيب فسمعتهعليه‌السلام يدعو ففقدته عن مصلاه فلم أزل قائماً على قدمي حتى رأيته قد عاد إلى مكانه وأعاد الحديد إلى رجليه فخررت لله ساجداً لوجهي شكراً على ما أنعم به عليَّ من معرفته، فقال لي ارفع رأسك يا مسيب واعلم اني راحلٌ إلى الله عز وجل في ثالث هذا اليوم قال فبكيت، فقال لي لا تبك يا مسيب فان علياً ابني هو إمامك ومولاك بعدي فاستمسك بولايته فانّك لا تضل مالزمته فقلت الحمدلله. قال ثم ان سيّدي دعاني في ليلة اليوم الثالث فقال لي اني على ما عرفتك من الرحيل إلى الله عز وجل فاذا دعوت بشربة من ماء فشربتها ورأيتني قد انتفخت وارتفع بطني واصفر لوني واحمرَّ واخضرَّ وتلوَّن ألوناً فخبِّر الطاغية بوفاتي، فاذا رأيت بي هذا الحديث فاياك ان تظهر عليه أحداً ولا على من عندي إلا بعد وفاتي، قال المسيّب بن زهير فلم ازل ارقب وعده حتى دعاعليه‌السلام بالشربة فشربها ثم دعاني فقال لي يا مسيب ان هذا الرجس السندي بن شاهك سيزعم انه يتولى غسلي ودفني هيهات هيهات ان يكون ذلك أبداً، فاذا حملت إلى المقبرة المعروفة بمقابر قريش فالحدوني بها ولا ترفعوا قبري فوق أربع أصابع مضربات ولا تأخذوا من تربتي شيئاً لتتبركوا به فان كل تربة لنا محرمة إلّا تربة جدّي الحسين بن عليعليه‌السلام فان الله عز وجل جعلها شفاء لشيعتنا وأولياءنا قال ثم رأيت شخصاً أشبه الأشخاص بهعليه‌السلام جالساً إلى جانبه وكان عهدي بسيدي الرضاعليه‌السلام وهو غلام فأردت سؤاله فصاح بي سيدي موسىعليه‌السلام وقال لي أليس قد نهيتك يا مسيب فلم ازل صابراً حتى مضى وغاب الشخص ثم انهيت الخبر إلى الرشيد فوافى السندي بن شاهك، وفي بحار الأنوار، عن عمر بن واقد قال ارسل اليَّ السندي بن شاهك في بعض الليل وأنا ببغداد سيتحضرني فخشيت ان يكون

٣٨

ذلك لسوء يريده بي فأوصيت عيالي بما احتجت إليه وقلت انا لله وإنا إليه راجعون ثم ركبت إليه فلما رآني مقبلا قال يا أبا حفص لعلّنا ارعبناك وافزعناك قلت نعم قال فليس هناك إلا خير قلت فرسول تبعثه إلى منزلي ليخبرهم بخبري وسلامتي فقال نعم ثم قال يا أبا حفص أتدري لم أرسلت اليك فقلت لا فقال أتعرف موسى بن جعفر فقلت اي والله اني لأعرفه وبيني وبينه صداقة منذ دهر فقال من هاهنا يعرفه ممن يقبل قوله فسميِّتْ له أقواماً ووقع في نفسي أنهعليه‌السلام قد مات قال فبعث وجاء بهم كما جاء بي فقال لهم هل تعرفون قوماً يعرفون موسى بن جعفرعليه‌السلام فسموا له قوماً فجاء بهم فاصبحنا ونحن في الدار نيف وخمسون رجلاً ممن يعرف موسى بن جعفرعليه‌السلام وقد صحبه قال ثم قام ودخل وصلينا فخرج كاتبه ومعه طوماراً فكتب اسماءنا ومنازلنا وأعمالنا وخلّانا ثم دخل إلى السندي قال فخرج السندي فضرب يده إليَّ فقال لي قم يا ابا حفص اكشف الثوب عن وجه موسى بن جعفرعليه‌السلام فكشفته فرأيته ميتاً فبكيت واسترجعت ثم قال للقوم انظروا اليه فأتوا واحد بعد واحد فنظروا اليه قال تشهدون كلكم ان هذا موسى بن جعفرعليه‌السلام ثم قال يا غلام اطرح على عورته منديلاً واكشفه ففعل فقال اترون به أثراً تنكرونه فقلنا لا ما نرى به شيئاً ولا نراه إلّا ميتاً قال فلا تبرحوا حتى تغسلوه وتكفنوه وتدفنوه، قال فلم نبرح حتى غسل وكفن وحمل فصلّى عليه السندي بن شاهك ودفناه(١).

عليه ضاگ الهوه أو مل من حياته

ولا يعرف وكت بيه الصلاته

لمن سموا أو بيه صارت وفاته

عگب ما ذاب چبده وخلصب بالسم

* * *

ثلثتيام ظل من غير تغسيل

ما عنده عشيرة النعشه اتشيل

شالوا للجسر أربع حماميل

أو بي سمعت الناس أو غدت تلتم

* * *

_________________________

(١) نور الابصار ص ١٧٢ ـ ١٧٣.

٣٩

يهاشم لا حله بعيونكم نوم

يحگ لي اعتب عليكم واكثر اللوم

من بغداد ما وصلتكم اعلوم

تخبركم الكاظم راح مسموم

* * *

بنفسي الذي لاقى من القوم صابراً

أذىً لو يلاقى أذيً ساخَ يذبك

* * *

٤٠