• البداية
  • السابق
  • 345 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 14031 / تحميل: 5082
الحجم الحجم الحجم
الأخلاق في القرآن

الأخلاق في القرآن الجزء ١

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٨١٣٩-٠٥-٩
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

المرحلة الرابعة : محو الأنانيّة ، والفناء في مُقابل عظمة الحق.

وفي هذه المرحلة التي ينقطع الإنسان فيها عن التّعلقات المادية ، من الأهل والأموال والأولاد واللّذات ، تكون الشّهوات الماديّة والخياليّة قد تغيّرت وتبدّلت ، إلى تعلّقٍ وإرتباطٍ روحي ومعنوي ، والذي يبقى هو التّعلق بالذّات والنّفسٍ ، وهذا التعلّقً متجذّر وقويّ لدرجةٍ كبيرةٍ جدّاً ، ولشدّة ظهوره : خفي ، وتبقى ملاحظةٌ واحدةٌ وهي ، أنّ هدف السّالك في جميع هذه المراحل هو الوصول إلى لقاء الله ، وفي الواقع والباطن أنّ كلّ عمل يكون قد أدّاه هو له ولنفسه.

وبعبارة اخرى : كان يُريد الوصول إلى المقامات العليا ، والقُرب من الله تعالى ، والحصول على الكمالات المعنوية والروحية ، فكلّ ذلك كان بدافع النّفس والذّات ، وليس لِلهدف الأصلي ، ولذلك فهو عند وصوله لمثل هذا المقام يفرح غاية الفرح ، ولكن إذا وصل غيره إلى هذا المقام ، فسوف لن يكون فرحاً لهذا الحد ، وهنا يجب أن تُحذف «الأنا» وتُنسى ، ويكون المحبوب للسّالك هو تجلّي الله سبحانه ، لا من خلال حبّ الذّات ، أو بعبارةٍ أوضح ، يجب أن تُمحى «الأنا» ، وهي الحِجاب الأكبر والمانعُ الأقوى ، وآخر الحُجب للوصول إلى الله تعالى ولقائه.

ولإزالة هذا المانع ، توجد عدّة طرق :

١ ـ طريق التّوجه القلبي لله تعالى ، والتّوحيد الذّاتي والصّفاتي والأفعالي ، ومنه يفهم أنّ غيره لا شيء في مُقابله.

٢ ـ التّفكر والإستدلال للوقوف بوجه «الأنانية» وحجاب النفس ، بمعنى أن يرى أنّ الله تعالى غير محدودٍ بحدٍّ ، وهو الأزلي والحقّ المطلق ، والنفس هي الموجود المحدود في كلّ شيء ، وفي منتهى الضّعف والعجز والفقر والحاجة إلى الله تعالى ، ومن دون المدد الإلهي فإنّها لا تستطيع الصّمود ولا لِلِحظةٍ واحدةٍ.

٣ ـ المعالجة بالأضداد ، بمعنى أنّه كلّما أحسّ بوجود «الأنا» في وعيه ، يعالج هذا الموقف بالتّوجه لله والصّالحين من عباده ، لكي يعيش في الحضور الدّائم مع الباري تعالى.

المرحلة الخامسة : في هذه المرحلة يصبح السّالك إنساناً ملكوتياً ، ويدخل في عالم

١٢١

الجبروت!. والقصد من الدخول في مرحلة الجبروت ، هو أنّ الإنسان يصل إلى مرحلةٍ من الصّفاء والإخلاص ، يكون فيها مندّكاً في ذاتِ الله تعالى ، وله نفوذٌ وسلطةٌ على الامور ، فيتحرك في أداء وظائفه الإلهيّة ، وإرشاد الناس ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، من موقع المسؤولية والإنضباط في خط الرّسالة ، ويكون على بصيرةٍ كاملةٍ من أمره.

أو الأحرى ، ينسى نفسه ، ويكون على علمٍ بكلّ المسائل والوظائف والأحكام والآداب الشرعية ، وطرق السّير والسّلوك ، ويكون تشخيصه لِلأمراض والأدوية دقيق جدّاً ، كالطّبيب الحاذق الذي يعرف الدّاء والدّواء ويشخصه جيّداً(١) .

والجدير بالذّكر أنّه قد استدلّ لكلّ هذه المطالب في كتابه ، بالآيات والرّوايات الإسلاميّة ، كشاهدٍ على مُدّعاه.

خلاصة ما تقدم من مذاهب السّير والسّلوك :

يُستفاد ممّا تقدّم من تعليمات أرباب هذا الفن ، والطريق : (الذين مشوا في نهج الإسلام الأصيل وطريق أهل البيتعليهم‌السلام لا المتصوفة) ، اصولٌ مشتركةٌ في عمليّةِ السّيرِ والسّلوك إلى الله وهي :

١ ـ أنّ الهدف الأصلي ، هو لقاء الله وشهود ذاته المقدسة ، بالبصيرة والحُضور الروحي المعنوي عنده.

٢ ـ للوصول لهذا الهدف ، ينبغي التّحرك أولاً من موقع التوبة من جميع الذنوب والرذائل الأخلاقية ، والتّحلي بالفضائل.

٣ ـ في هذا الطريق يجب أن لا ينسى الآداب الأربعة : المشارطة ، والمراقبة ، والمحاسبة ، والمعاقبة ، يعني يُشترط في الصّباح على نفسه ، أن لا يذنب ولا يخالف رضا الباري تعالى ، ويراقب نفسه في طول النّهار وفي اللّيل وعند النوم ، يجلس للمحاسبة ، وإذا ما صدرت منه مخالفةٌ يعاقب نفسه بتركه لأنواع اللّذائذ.

٤ ـ التّصدي لهوى النفس من موقع المخالفة ، لأنّ الهوى هو من أكبر السّدود في هذا

__________________

١ ـ للإطّلاع ، يرجى الرجوع إلى كتاب : «لقاء الله» ، للعلّامة الكبير المُصطفوي.

١٢٢

الطّريق ، ومخالفته هي من أوجب الواجبات.

٥ ـ التّوجه لأذكارٍ وأورادٍ وردت في الشّرع المقدس ، وأمثال :«لا حَولَ وَلا قُوَّةَ بِالله» ، وذكر( لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ) ، وذكر«يا الله» و «يا حَيُّ» «يا قَيُّوم» وهي الزاد في هذا الطّريق والسبب للقوّة.

٦ ـ التوجه القلبي لحقيقة التّوحيد للذات والصّفات والأفعال لله تعالى ، والغرق في صفات كماله وجماله ، وهي زاد آخر لهذا الطريق الوعر المليء بالمطبّات والتّحديات الصعبة.

٧ ـ كسر أكبر الأصنام ، وهو صنم الأنانيّة والّذات الفرديّة ، وهو من أهم الشّروط للوصول للمقصود.

٨ ـ وقد إشترط البعض الإستعانة بالاستاذ ، والسّير في هذا الطريق تحت إشرافه ، فيكون كالطبيب الذي يعمل على معالجته ، والبعض لا يعتمدون على الاستاذ ، وحصل في كثير من الموارد ، وللأسف الشديد ، الوقوع في حبائل الشيطان ، وذلك بسبب الإعتماد على الاستاذ ، حيث يعتبرونه كالملاك ، فيذهب دينهم وإيمانهم وأخلاقهم إدراج الرّياح!.

ويرى البعض الآخر ، أنّ وظيفة الإرشاد والسير على هدي الأنبياء والأولياء ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، هي آخر المراحل ، ولكن كثيراً منهم لم يذكروا شيئاً ، وتركوا السّالك بحاله.

والغرض من الإتيان بهذا البحث ، في المباحث الأخلاقية ، في هذا الكتاب ، هو :

أولاً : سرد عصارة من التّفكرات التي لها علاقة بالمباحث الأخلاقية ، حتى يتنور القاريء ويتحرك في طريق التّهذيب وإصلاح الذّات.

ثانياً : نحذّر طلاب الحقيقة ، أنّ الحدّ بين الحقّ والباطل ضيئل جدّاً ، فكثيرٌ من الشّباب من ذوي القلوب النّقية ، كان هدفهم الوصول إلى الحقّ والعين الصّافية ، ولكنّهم إنجرفوا في طريق الضّلالة ، وتركوا طريق العقل والشّرع ، ولذلك تاهوا في وادي الحيرة ، وغرقوا في مستنقع الخطيئة ، ولم يسلموا من مخالب الذّئاب الضّارية ، الذين يرتدون مسوح الزّهد والقداسة ، فأضاعوا وفقدوا كلّ ما لديهم.

١٢٣
١٢٤

١٠

هل يلزم وجود المُرشد في كلّ مرحلةٍ؟

يعتقد كثير من أرباب السّير والسّلوك ، أنّ السّائرين في طريق الكمال والفضيلة ، والتقوى والأخلاق ، والقرب إلى الله تعالى ، يجب أن يكونوا تحت إشراف الاستاذ والمرشد ، كما ذكر في رسالة السّير والسلوك للعلّامة بحر العلوم ، ورسالة لبّ الألباب للمرحوم العلّامة الطّباطبائي ، في الفصل الحادي والعشرون من وظائف السّائر إلى الله ، هو التّعليم والتعلم تحت نظر وإشراف الاستاذ ، سواء كان الاستاذ عالِم كالعلماء الذين مشوا في هذا الطريق ، أم الأساتذة الخصوصيين ، وهم الأنبياء الأئمة والمعصومينعليهم‌السلام .

ولكن المطّلعين من أهل الفن ، يُحذّرون السّائرين على طريق التّقوى والتّهذيب ، من عدم الإلتجاء بسهولة لأيٍّ كان ، وإذا لم يطمئنّوا إطمئناناً كافياً ، ولم يختبروا صلاحيتهم العلميّة والدينية ، فلا يسلّموهم أنفسهم ، ولا يكتفوا حتى بإخبارهم للمستقبليات ، ولا أعمالهم غير الطبيعيّة ، ولا حتى مرورهم على الماء والنار ، لأنّ صدور هذه الأعمال ممكن من المرتاضين غير المهذّبين أيضاً.

وقال البعض الآخر : إنّ الرّجوع للُاستاذ لازم في المراحل الأوليّة ، وأمّا بعد السّير وعبور عدّة مراحل ، فلا يحتاج إلى الاستاذ ، والرّجوع للُاستاذ الخصوصي وهو الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمّة المعصومينعليهم‌السلام ، حتّى نهاية المراحل ، يكون لازماً وضرورياً.

١٢٥

وقد إستدلوا على لزوم الرّجوع للُاستاذ تارةٌ ، بهذه الآية الشّريفة ، التي تقول :( فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ) (١) .

فرغم أنّها تتناول التعليم لا التربية ، ولكن الحقيقة أنّ التربية تعتمد على التّعليم في كثير من الموارد ، فلذلك يجب الرّجوع للمطلعين في مثل هذه الموارد ، وهذا المعنى يختلف إختلافاً واضحاً عن إختيار شخصٍ خاص ليكون ناظراً على أعمال وأخلاق الإنسان.

ويستشهد القائلون بضرورةِ المرشد تارةٌ اخرى ؛ بحكاية موسى مع الخضرعليهما‌السلام ، فقد كان موسىعليه‌السلام بحاجةٍ للخضر ، مع ما أنّه كان من الأنبياء وأولي العزم ، وقطع قسماً من الطّريق بمساعدتهعليه‌السلام .

ولكن وبإلقاء نظرةٍ فاحصةٍ على قصّة موسى والخضرعليهما‌السلام ، نرى أنّ موسىعليه‌السلام عند ما تعلم من الخضرعليه‌السلام ، إنّما كان بأمر من الله تعالى لأجل الاطّلاع على أسرار الحكمة الإلهيّة بالنسبة للحوادث التي تحدث في هذا العالم ، والاخرى أنّ علم موسىعليه‌السلام كان عملاً ظاهرياً ، «ويتعلّق بدائرة التّكليف» ، وعلم الخضرعليه‌السلام علماً باطنياً ، (خارج عن دائرة التكليف)(٢) ، وهذا الأمر يختلف عن مسألة إختيار الاستاذ والمرشد ، في كل مراحل التّهذيب للنفس والسيّر في طريق التّقوى ، وإن كان يشير ولو بالإجمال إلى أهميّة كسب الفضيلة ، في محضر الاستاذ في خط التّكامل المعنوي.

وقد يستشهد لذلك أيضاً بحكاية لقمان الحكيم وإبنه ، فهو استاذ إلهي أخذ بيد إبنه وساعده في سلوك ذلك الطريق(٣) .

ونقل العلّامة المجلسي في بحار الانوار ، عن الإمام السجّادعليه‌السلام أنّه قال :«هَلَكَ مَنْ لَيسَ لَهُ حَكِيمٌ يَرشُدُهُ» (٤) .

ولكن ومن مجموع ما ذُكر ، لا يمكن إستفادة لزوم المرشد في دائرة السّلوك الأخلاقي و

__________________

١ ـ سورة الأنبياء ، الآية ٧.

٢ ـ يرجى مراجعة تفسير الأمثل ، ذيل الآية ٦٠ إلى ٨٢ من سورة الكهف.

٣ ـ يرجى الرجوع لتفسير الأمثل ، في تفسير سورة لقمان.

٤ ـ بحار الانوار ، ج ٧٥ ، ص ١٥٩.

١٢٦

تهذيب النفس ، بحيث إذا لم يكن تحرك الإنسان في خطّ التّهذيب النّفسي والتّزكية الأخلاقية ، تحت إشراف المرشد ، فسوف يختل برنامج التربية والأخلاق والتّقوى ، ويتعطل السّير والسّلوك في حركة الواقع النفسي والمعنوي لدى الفرد ، لأنّ الكثير من الأشخاص إلتزموا بالرّوايات والآيات والأحاديث الإسلامية ، وعملوا بها ، ووصلوا إلى مقاماتٍ عالية ودرجاتٍ كبيرةٍ دون الإستعانة بمرشدٍ أو معلّمٍ خاصٍ على مستوى التّربية الأخلاقيّة ، وطبعاً لا يمكن إنكار فائدة الأساتذة والمرشدين وتوجيهاتهم القيّمة ، فهم عناصر جيّدة للوصول إلى المقصود من أقرب الطرّق ، ومعدّات فاعلةٌ لمواجهة المشاكل الأخلاقيّة لتحديات الواقع ، وحلّها وفق مستجدّات الواقع ومستلزمات العقيدة.

وجاء في نهج البلاغة أيضاً :«أيُّها النّاسُ استَصبِحُوا مِنْ شُعْلَةِ مِصبَاحٍ ، وَاعظٌ مُتَّعِظٌ» (١) .

ولكن وللأسف نجد في كثير من الموارد ، أنّ النّتيجة كانت عكسيّة ، فكثير من الأشخاص عرّفوا أنفسهم بأنّهم مرشدون للناس في سلوك سبيل التّربية والتّهذيب ، ولكن اتّضح بأنّهم قطّاع طُرق ، وكمْ من الأشخاص الطّاهرين الطالبين للحقّ إنخدعوا بهم ، وساروا في طريق التّصوف أو الإنحراف ، وسقطوا في منحدر الرّذيلة ، وارتكبوا مفاسد أخلاقية كبيرة ؛ وعليه فنحن بدورنا نحذّر السّائرين على هذا الطّريق ، إذا ما أرادوا الإستفادة من الحضور ، عند استاذ ومرشدٍ في المسائل الأخلاقيّة ، فيجب أن يتوخّوا جانب الحذر والإحتياط ، وليتأكدوا من حقيقة الأمر ، ولا يغترّوا بالمظاهر الخادعة ، بل ليتفحّصوا عن سوابقهم ، وليشاوروا أصحاب الفنّ في هذا المجال ، كي يصلوا إلى غايتهم المنشودة.

دور الواعظ الداخلي (الباطني):

تكلّمنا عن دور الواعظ الخارجي بصورةٍ كافيةٍ ، والآن جاء دور الواعظ الداخلي ؛ حيث يستفاد من بعض الأخبار والروايات الإسلامية أنّ الضّمير الحيّ هو الواعظ الداخلي والباطني للإنسان ، وله دور مهم في السّير على طريقِ التّكامل الأخلاقي والتّقوى ، وبالأحرى

__________________

١ ـ نهج البلاغة ، الخطبة ١٠٥.

١٢٧

لا يمكن السّير بدونه ، في مواجهة التحديات الصّعبة وقوى الإنحراف.

فقد جاء في حديثٍ عن الإمام على بن الحسينعليهما‌السلام ، أنّه قال :

«يا إبنَ آدمَ إِنَّكَ لا تَزَالُ بِخَيرٍ ما كانَ لَكَ وَاعِظٌ مِنْ نَفْسِكَ ، وَما كانَتِ الُمحاسَبَةُ مِن هَمِّكَ» (١) .

ونُقل أيضاً عنهعليه‌السلام ، مشابهٌ لهذا المعنى ، مع قليلٍ من الإختلاف(٢) .

وجاء في نهج البلاغة أيضاً ، أنّ :

«وَاعَلَمُوا أَنَّهُ مَنْ لَمْ يُعَنْ عَلَى نَفْسِهِ حتّى يَكُونَ لَهُ مِنْها وَاعِظٌ وَزَاجرٌ ، لَم يَكُن لَهُ مِنْ غَيرِها لا زَاجرٌ وَلا واعِظٌ» (٣) .

ومن البديهي أنّ الإنسان في هذا الطّريق يحتاج إلى واعظٍ قبل كلّ شيء ، ليكون معه في كلّ حال ، : ويعلم أسراره الداخلية ، ويكون رقيباً عليه ومعه دائماً ، وأيّ عاملٍ أفضل من الواعظ الداخلي وهو الوجدان ، يتولي القيام بهذا الدّور ، وينبّه الإنسان إلى منزلقات الطّريق ، وتعقيدات المسير ، ويصدّه عن الإنحراف والسّقوط في الهاوية.

ونقرأ في حديثٍ عن الإمام عليّعليه‌السلام :

«إِجْعَلْ مِنْ نَفْسِكَ عَلى نَفْسِكَ رَقِيباً» (٤) .

وجاء في حديثٍ آخر عنهعليه‌السلام :

«يَنبَغِي أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ مُهَيمِناً عَلى نَفْسِهِ مُراقِباً قَلْبَهُ ، حافِظاً لِسانَهُ» (٥) .

__________________

١ ـ بحارالأنوار ، ح ٧٥ ، ص ١٣٧.

٢ ـ المصدر السابق.

٣ ـ نهج البلاغة ، الخطبة ٩٠.

٤ ـ غرر الحكم.

٥ ـ المصدر السابق.

١٢٨

١١

العناصر اللّازمة لتربية الفضائل الأخلاقيّة

إضافةً لما ذكرنا من برنامج للصّعود بالإنسان في أجواء التربية الأخلاقيّة ، يوجد هناك عناصر اخرى ، لها أثرها الكبير في منح الإنسان قوّة التّصدي ، لحالات الضعف أمام الرّذائل الأخلاقيّة ، وتقوية اصول الفضائل في واقع الإنسان ، وحركته التّكاملية في الحياة ، ومنها :

١ ـ طهارة وصفاء المحيط

ممّا لا شك فيه أنّ المحيط الذي يعيش فيه الإنسان ، يعكس أثره الكبير على سلوكيّات وروحيّات ذلك الإنسان ، حيث يسترفد كثيراً من صفاته وأفعاله من المحيط الإجتماعي والثّقافي ، فالمحيط النّظيف والطّاهر غالباً ما يفرز اناساً طاهرين ، والعكس صحيح.

ورغم أنّ الإنسان يمكن أن يعيش نظيفاً وطاهراً في الوسط الملّوث ، وبالعكس يمكنه أن يسير في طريق الرّذيلة والإثم في المحيط الطّاهر ، وبعبارةٍ اخرى إنّ الظّروف الإجتماعيّة والثّقافية التي يعيش فيها الإنسان ، ليست العلّة التّامة في صلاح وإنحراف الإنسان ، ولكنّها يمكن أن تُهيىء الأرضية لذلك قطعاً ، وهذا ممّا لا يقبل الإنكار.

وقد يقول البعض ، بأنّ الإنسان يخضع لإجبار المحيط والمجتمع ، «فيبقى الإنسان كما هو الموجود فعلاً» ، ولكننا ننكره جملة وتفصيلاً ، من دون أن ننكر دور العوامل القويّة في عمليّة

١٢٩

إخضاع الفرد لمتطلبات الواقع وتحدياته ، في أجواء التّفاعل الإجتماعي.

بعد هذه الإشارة نعود إلى القرآن الكريم ، ونقرأ الآيات التي تؤيّد تأثير المحيط في شخصيّة الإنسان ، بالدّلالة الإلتزاميّة ، أو المطابقيّة للكلام ، لنستوحي منها المفهوم القُرآني في هذا الإطار :

١ ـ( وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِداً كَذلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ ) (١) .

٢ ـ( وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلى أَصْنامٍ لَهُمْ قالُوا يا مُوسَى اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ ) (٢) .

٣ ـ( وَقالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً ) (٣) .

٤ ـ ( يا عِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ ) (٤) .

٥ ـ ( إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَساءَتْ مَصِيراً ) (٥) .

تفسير وإستنتاج :

«الآية الاولى» تحدّثت عن تأثير المحيط في أعمال وأفعال الإنسان ، ببيانٍ لطيفٍ وجذّابٍ ، وقد إختلف المفسّرون في تفسير هذه الآية ، وذهب كلّ واحدٍ منهم إلى رأي

فبعضهم قال : إنّ المراد منها ، أنّ ماء الوحي الرّقراق كقطرات المطر ، ينزل على أرض

__________________

١ ـ سورة الاعراف ، الآية ٥٨.

٢ ـ سورة الأعراف ، الآية ١٣٨.

٣ ـ سورة نوح ، الآية ٢٦ و ٢٧.

٤ ـ سورة العنكبوت ، الآية ٥٦.

٥ ـ سورة النساء ، الآية ٩٧.

١٣٠

القلوب فترتوي منه القلوب الطاهرة ، وتنبتُ ورود المعرفة وفواكه التّقوى والطّاعة اللّذيذة ، ولكن القلوب السّوداء والملوثة ، لا تتأثر به من موقع الإستفادة في حركة الحياة ، وعند ما نرى أنّ ردود الفعل ، قبال دعوات الأنبياء ، وتعاليم الوحي ليست متساوية عند الجميع ، فهذا لا يدلّ على وجود النقص والخلل في فاعليّة الفاعل ، بل أنّ الإشكال إنّما هو في قابليّة القابل(١) .

والأمر الآخر أنّ الغرض من بيان هذا المثال ، هو أن يكون طلب الفضائل والمحاسن من محلّها المناسب ، لأنّ السّعي في المحل غير المناسب ليس هو إلّا إهدار وتضييع للطاقات(٢) .

الإحتمال الثالث ، في تفسير هذه الآية ويمكن الإستفادة منه هنا ، هو أنّ في هذا المثال شبّه الإنسان بالنبات ، ولكن الأرض التي تنبت فيها النباتات إمّا حلوة أو سبخة ، ممّا تنعكس تأثيراته على النّبات أيضاً ، وفي المحيط الملّوث ، لا يمكن تربية الإنسان في إطار التعاليم الإلهيّة والقيم الأخلاقيّة ، مهما كانت التعليمات وأساليب التربية قويّةٌ ومؤثرةٌ ، فكما أنّ قطرات المطر المُوجبة لبعث الحياة للأرض ، لا يمكن أن تؤثر في الأرض السّبخة ، فكذلك الحال في عناصر التربية في المحيط الملّوث ، وبناءً عليه ، يجب علينا أن نهتم بإصلاح المحيط الإجتماعي ، والثّقافي ، الذي نعيشه ونتفاعل معه دائماً ، للتوصل إلى تهذيب النفوس ، وتحكيم الأخلاق الصالحة ، في واقع الإنسان والحياة.

وبالطّبع لا يوجد تقاطع بين التفسيرات الثلاثة المتقدّمة ، والمثال الآنف الذّكر ، يمكن أن يكون ناظراً لهذه التفسيرات الثّلاثة على السّواء.

نعم ، فإنّ المحيط الإجتماعي الملّوث بالرذيلة ، هو عدوّ للفضائل الأخلاقيّة ، والحال أنّ المحيط السّالم والطّاهر ، يهيىء أحسن وأفضل الفرص ، لغرض تهذيب النّفوس ، في معارج الكمال الرّوحي والمعنوي.

وقد ورد في الحديث المعروف عن الرّسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله مُخاطباً أصحابه :

«إِيّاكُم وَخَضراءِ الدِّمَنِ» ، قِيلَ يا رَسُولَ اللهِ وَمَنْ خَضراءُ الدِّمَنِ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : «المَرأةُ

__________________

١ ـ هذا التفسير جاء به الفخر الرازي ، وأتى به بعنوان الإحتمال الأول في معنى الآية ، : (تفسير الفخر الرازي ، ج ١٤ ، ص ١١٤) ونقله جماعَة اخرى عن إبن عباس

٢ ـ جاء هذا التفسير في مجمع البيان ، في تفسيره لسورة الحديد في ذيل الآية الآنفة الذكر.

١٣١

الحَسناءِ فِي مَنْبَتِ السُّوءِ» (١) .

هذا التّشبيه البليغ ، يمكن أن يكون إشارةً ، لتأثير المحيط الصّالح والسّيء في شخصية الإنسان ، على المستوى الإيجابي والسّلبي ، أو هو إشارةٌ لمسألة الوراثة ، وتأثيرها على مُجمل الشّخصية ، أو إشارةٌ للإثنين معاً.

وفي«الآية الثانية» : إشارةٌ لقوم بني إسرائيل ، الّذين بقوا لسنواتٍ طويلةٍ ، تحت إشراف وتعليمات النّبي موسىعليه‌السلام ، في عمليّة الهداية الرّوحية والمعنويّة ، وفي مجال التوحيد وسائر الاصول الدينيّة ، ورأوا بامّ أعينهم المعجزات الإلهيّة ، كإنفلاق البحر لهم ، ونجاتهم من براثن فرعون وجنوده ، ولكن وبمجرد أن صادفوا في طريقهم للشام والأرض المقدسة ، قوماً يعبدون الأصنام ، تأثّروا بهم وبمحيطهم الملّوث ، وقالوا :( يا مُوسَى اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ ) .

فتعجّب موسىعليه‌السلام من هذا الإنقلاب ، وغضب غضباً شديداً ، من قولهم هذا وقال لهم :( إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ ) .

وأخذ يبيّن لهم مفاسد عبادة الأصنام.

والعجيب أنّ قوم بني إسرائيل ، وبعد التّوضيحات الصّريحة والمكرّرة لموسىعليه‌السلام ، بقوا تحت تأثير هذا المحيط المسموم السّلبي ، بحيث إستطاع السّامري أن يتحرك من موقع إغوائهم ، وتفعيل عناصر الإنحراف لديهم في غيبة موسىعليه‌السلام ، والّتي إستغرقت عدّة أيّام ، حيث صنع لهم صنماً من ذهبٍ ، وتبعه الغالبيّة من هؤلاء القوم ، وتحوّلوا من أجواء التّوحيد إلى أجواء الشّرك.

فهذا الأمر يمثل علامةً واضحةً على تأثير المحيط السّلبي ، في صياغة السّلوك الإنساني ، من موقع الانحراف والزيغ في دائرة المسائل الأخلاقية ، بل وحتّى العقائديّة أيضاً ، ولا شك أنّ بني إسرائيل وقبل مرورهم باولئك القوم ، كانت لديهم الأرضيّة المساعدة لعبادة الأصنام ، وذلك إثر بقائهم مع الوثنييّن المصرييّن لمدةٍ طويلةٍ ، فعند ما رأوا ذلك المنظر ، عادوا في دائرة الذّاكرة إلى ذلك الماضي الأسود ، وعلى كل حال فإنّ كلّ هذه الامور ، هي دليل واضح على تأثير

__________________

١ ـ وسائل الشيعة ، ج ١٤ ، ص ١٩ ، ح ٧ ـ بحار الانوار ، ج ١٠٠ ، ص ٢٣٢ ، ح ١٠.

١٣٢

المحيط الإجتماعي ، في أخلاق وعقائد الإنسان في حركة الواقع النّفسي.

وفي«الآية الثالثة» : نجد شاهداً آخر على تأثير المحيط على أفكار وأفعال الإنسان ، وهو ما نراه في سلوك نوحعليه‌السلام ، ودعاؤه على قومه الكفّار بالفناء والَمحق.

إنّ نوحاًعليه‌السلام لم ينطلق في دعائه عليهم من موقع الذات والانفعال ، بل من موقع العقل والبرهان ، فقال الله تعالى في القرآن الكريم ، على لِسان نوحٍ :( إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً ) .

فهم في الحال الحاضر كفّار ومنحرفون ، وفي حالة إستمرارهم في التّكاثر والتّناسل فسوف يؤثّرون على أولادهم في عمليّة الإيحاء لهم بالكفر ، ويربّوهم تربيةً منحرفةً.

ومن«الآيتين الرابعة والخامسة» ، نستوحي لزوم الهجرة من المجتمع والمحيط المنحرف ، حيث يخاطب الباري تعالى عباده في الآية الرابعة ، يقول :( يا عِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ ) .

وفي الآية الخامسة ، يحذّر المؤمنين من البقاء في المجتمع الغارق في الضّلالة ، ويؤكّد لهم لزوم الهجرة ، وأنّ عذرهم غير مقبول في حالة البقاء والتكاسل ، فقال :( إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَساءَتْ مَصِيراً ) .

وفي الحقيقة إنّ مسألة الهجرة هي من الاصول الأساسيّة في الإسلام ، وقد شيّد الإسلام دعائمه عليها ، حيث تتضمن عمليّة الهجرة ، حكمٌ وغاياتٌ عديدةٌ وأهمّها الهروب والفرار من المحيط الملّوث ، والنجاة من تأثيراته السيّئة على واقع الإنسان ومحتواه الداخلي.

وليست الهجرة مختصة بزمان صدر الإسلام ، كما يعتقد البعض ، بل هي جارية في كلّ عصرٍ وزمانٍ يتعرض فيها المسلمون لضغوط قوى الشرك والفساد والكفر ، التي تشكّل عناصر ضغطٍ على الرّوح المنفتحة على الله والخير ، وليفرّوا بدينهم وأخلاقهم وعقائدهم من أجواء المحيط الملّوث ، فجاء في الحديث عن الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله :

«مَنْ فَرَّ بِدِينِهِ مِنْ أَرْضٍ إِلى أَرْضٍ وَإِنْ كانَ شِبراً مِنَ الأَرضِ إِستَوجَبَ الجَنَّةَ وَكانَ

١٣٣

رَفِيقَ مُحَمَّدٍ صلى‌الله‌عليه‌وآله وَإِبراهِيمَ عليه‌السلام » (١) .

فالتأكيد على مقدار الشّبر ، إنّما يدلّ على أهميّة المسألة في دائرة الإحتفاظ بالإيمان ؛ فلو تسنّى للإنسان ذلك ، وبأيّ مقدارٍ وأيّ زمانٍ ومكانٍ ، فمعناه التوافق مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وإبراهيمعليه‌السلام في خطّ الرّسالة والدّين.

والخلاصة ، أنّ المحيط والمجتمع الذي يعيش فيه الإنسان ، كان ولا يزال عاملاً مهمّاً في تكوين وصياغة شخصية الإنسان ، وأخلاقه ومؤثّراً فيها ، وإن كان الأمر ليس على وجه الجَبر ، وبناءً على ذلك فإنّ تطهير أجواء المحيط الإجتماعي من أهم العوامل لتهذيب الأخلاق وتربية الملكات الفاضلة في المحتوى الداخلي للإنسان.

وإذا لم يستطع أنّ يغيّر الإنسان من أجواء المحيط شيئاً ، فيجب عليه أن يُهاجر ويترك ذلك المحيط الغارق في الزّيغ والضّلالة ، وكما أنّ الإنسان ، وعند ما تتعرض حياته المادية للخطر ، يتحرك من موقع الإبتعاد والهجرة من أرضه ، فكذلك عليه أن يُهاجر منها ، عند ما تتعرض قِيمَهُ الأخلاقيّة وحياته المعنويّة ، التي هي أهم من حياته الماديّة ، للخطر ، ولا ينبغي أن يتذرّع بأنواع الحجج والأعذار ، ليبقى فيها بحجّة أنّها أرضي وأرضَ آبائي ، وغير ذلك من الأعذار والتّبريرات الواهية ، ويستسلم لعناصر التّلوث والإنحراف التي تؤثر عليه وعلى أولاده ، في الدائرة السّلبية ولا يهاجر منها؟

فيتوجب على جميع علماء الأخلاق ، أن يتحركوا في عمليّة التربية ، لغرض إحياء الفضائل الأخلاقية ، وتفعيل عناصر الخير والإيمان ، من خلال إصلاح المحيط والمجتمع ، وبدون ذلك ، فإنّ السّعي الفردي والآني في هذا الخط ، سيكون أثره ضعيفاً في حركة التّربية والتّهذيب.

٢ ـ دور الأصدقاء والعِشرة

والموضوع الآخر ، الذي أثبتت التجربة تأثيره العميق على السلوك الأخلاقي ، وإتّفق عليه جميع علماء الأخلاق والتربية والتعليم ، هو عنصر الأصدقاء ودور المعاشرة معهم ، ففي

__________________

١ ـ نور الثقلين. ج ١ ، ص ٥٤١.

١٣٤

حال كون الصّديق فاسداً ومنحرفاً ، في دائرة السّلوك الأخلاقي ، فسيؤثّر على صديقه السليم ، من موقع الانحراف كذلك ، والعكس صحيح أيضاً ، فالكثير من المؤمنين ، والأقوياء الإرادة ، إستطاعوا أن يؤثّروا على زملائهم الفاسدين ، على مستوى الهداية والإصلاح ، بحيث جعلوا منهم اناساً أتقياء ، وملتزمين في دائرة السّلوك الدّيني والأخلاقي.

ونعود للقرآن الكريم ، والآيات الّتي تتناول هذ الموضوع :

١ ـ ( وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ* وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ* حَتَّى إِذا جاءَنا قالَ يا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ ) (١) .

٢ ـ ( قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كانَ لِي قَرِينٌ* يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ* أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَدِينُونَ* قالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ* فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَواءِ الْجَحِيمِ* قالَ تَاللهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ* وَلَوْ لا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ ) (٢) .

٣ ـ ( وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ يَقُولُ يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً* يا وَيْلَتى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً* لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جاءَنِي وَكانَ الشَّيْطانُ لِلْإِنْسانِ خَذُولاً ) (٣) .

تفسير وإستنتاج :

الآيات الاولى ، التي وردت في محلّ البحث ، تحدّثت عن جلوس الشّيطان ، مع الغافلين عن ذكر الله ، من منطق الغُواية ، وتوضح تأثير قرين السّوء ، في السّلوك الأخلاقي للإنسان ومستقبله ، فتقول أولاً :( وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ ) (٤) .

__________________

١ ـ سورة الزخرف ، الإية ٣٦ إلى ٣٨.

٢ ـ سورة الصافات ، الآية ٥١ إلى ٥٧.

٣ ـ سوره الفرقان ، الآية ٢٧ إلى ٢٩.

٤ ـ ذكروا معانٍ مختلفة لكلمة «نُقيّض» ، والتي هي من مادة قيض ، فالبعض قال : إنّها بمعنى التسبيب ، والبعض الآخر : بمعنى التقدير ، والبعض الآخر : كالراغب قال : هي بمعنى إستيلاء القيض على البيض ، وهو القشر الأعلى.

١٣٥

وبعدها يُبيّن القرآن الكريم ، دور قرين السّوء في حركة الإنسان والحياة ، فإنّ الشّياطين يوصدون طريق الهداية والحركة إلى الله تعالى ، أمام الإنسان ، ويقفوا عقبةً في طريق الوصول إلى الهدف المقدس ، والأنكى من ذلك ، أنّ هؤلاء المنخدعين يحسبون أنّهم مهتدون :( وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ ) .

وبعدها يتطرّق القرآن الكريم إلى النتيجة ، فيقول : إنّ هذا الإنسان عند ما يرد في عرصات القيامة ، وعند حضور الجميع عند الله تبارك وتعالى ، وكشف الأسرار والحقائق ، يقول لقرينه الشّيطاني :( حَتَّى إِذا جاءَنا قالَ يا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ ) .

حيث نستوحي من هذه التعبيرات ، بأنّ قرين السّوء ، يمكن أن يحرف الإنسان من موقع الأغواء ، عن طريق الباري تعالى ، ويصدّه عن سبيل الهداية والصّلاح ، فيهدم عليه دعائم الأخلاق ، ويشوّه الواقع النّفسي والفكري له ، فينخدع هذا المسكين ويحسب أنّه على هدىً ، فإرجاعه عن غيّه ، والعودة به إلى الصّراط المستقيم ، سيكون ضرباً من المحال ، ولن يستيقظ من أوهام الغفلة ، إلّا وقد فات الأوان ، وبعد غلق طريق العودة عليه.

وكذلك يُستفاد من الآية الشريفة ، أنّ قرين السّوء يبقى دائماً مع الإنسان في حياته الاخرويّة الأبديّة ، وكم هو مؤلم ، أن يرى الشّخص المسبّب في بؤسه وهلاكه ، يعيش معه دوماً ، ولن تنفع معه اليوم الأماني والآمال بالإنفصال عنه ومفارقته ، فيقول :( وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ ) (١) .

وفي مضمون الآيات الآنفة الذّكر ، الآية (٢٥) من سورة فصّلت ، فتقول :

( وَقَيَّضْنا لَهُمْ قُرَناءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كانُوا خاسِرِينَ ) .

«الآية الثانية» : من هذه الآيات محل البحث ، تتحدث عن الأشخاص الذين عاشوا مع

__________________

١ ـ سورة الزخرف ، الآية ٣٩.

١٣٦

أصحاب السّوء ، وكانوا يتحركون معهم في أجواء الضّلالة والإنحراف ، ولكن اللّطف الإلهي شملهم ، وإستطاعوا بسعيهم وجدّهم في التّحرك بعيداً عن وساوس الشّيطان ، وأنقذوا أنفسهم من الوقوع في براثنه ، بعد أن كانوا قد وصلوا إلى حافّة الهاوية ، فُهنا يتحدث القرآن الكريم عن تأثير قرين السّوء في تكوين عقائد الإنسان وأخلاقه ، ولكن ليس بالشّكل الذي يكون فيه الإنسان مجبوراً وغيرُ قادرٍ على إنقاذ نفسه من شراك الزيغ فقال :( فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ* قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كانَ لِي قَرِينٌ * يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ* أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَدِينُونَ ) (١) .

وفي هذا الأثناء يذكر قرينه القديم ، ويشرع بالبحث عنه ، فينظر من أعالي الجنّة ، فإذا به يراه في أعماق الجحيم :( فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَواءِ الْجَحِيمِ ) .

فقال له :( قالَ تَاللهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ* وَلَوْ لا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ ) .

فنرى من هذه الآيات ، أنّ قرين السّوء بإمكانه أن يؤدي بالإنسان إلى الجحيم ، لو لا الإيمان والتّقوى ولطف الله تعالى في واقع الإنسان.

وفي«الآية الثالثة» : نرى التأسف الشّديد والتأثرّ العميق ، الذي يعيشه الظالمون في يوم القيامة ، بسبب إختيارهم ومصاحبتهم لأصدقاء السّوء ، لأنّهم كانوا العامل الأساس في محنتهم الفعلية :

( وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ يَقُولُ يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً* يا وَيْلَتى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً* لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جاءَنِي وَكانَ الشَّيْطانُ لِلْإِنْسانِ خَذُولاً ) .

وبناءً على ذلك فإنّ الظّالم في يوم القيامة ، أول ما يتأسف على تركه الرّسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقطعه للعلاقة معه ، وبعدها يتأسف على توثيق العلاقة مع أصدقاء السّوء ، وبعدها يصرّح ، أنّ

__________________

١ ـ سورة الصافات ، الآية ٥٠ إلى ٥٣.

١٣٧

العامل الأصلي لضلاله ، هو نفس هؤلاء الأصدقاء المنحرفين ، ومرضى القلوب ، وأن تأثيرهم عليه كان أشدّ من تأثير النداءات الإلهيّة : (طبعاً عند المنحرفين فقط).

وأمّا«الآية الأخيرة» : فقد تحدثت عن أصدقاء السوء ، وعبّرت عنهم بجنود الشيطان وأنّهم من شياطين الإنس ، والجدير بالذكر ، أنّ التعبير عن تأسّف هذه الجماعة ، ورد بجملة : «وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ ...» ، وهي أعلى مراحل التّأسف ، ففي البداية ، يعضّ الإنسان إصبعه بدافع الندم ، وفي مرحلةٍ أقوى يعضّ باطن كفّه ، وفي مرحلةٍ أشدّ يعضّ على يديه الإثنتين ، وهو في الحقيقة نوعٌ من الإنتقام من نفسه ، وأنّه لماذا قصّر في حقّ نفسه ورماها في التهلكة؟

فما يُستفاد من الآيات الآنفة الذّكر ، هو أنّ الأصدقاء والأصحاب ، لهم أثرهم الكبير في سعادة أو شقاء الإنسان ، ليس على مستوى التّأثير في السّلوك الأخلاقي فحسب ، بل وعلى مستوى العقائد أيضاً ، فهنا يجب على المرشد أن يهتم في عمليّة صيانة الأفراد من الزيغ والإنحراف ، ويرعاهم بتوجيهاته بعيداً عن أجواء التلوّث ، وخصوصاً في عصرنا الحاضر ، الذي إنتشرت فيه وسائل الفساد ، عن طريق رِفاق السّوء بصورةٍ مُخيفةٍ ، وأصبحت سبباً من أسباب الإنحراف والسّير في خطّ الباطل.

دور الأخلّاء في الرّوايات الإسلاميّة :

وردت روايات وأحاديث مستفيضة في هذا المضمار عن الرّسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والأئمّة الأطهارعليهم‌السلام ، تعكس أهميّة هذه المسألة ، ففي حديث الرّسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال :«المَرءُ عَلى دِينِ خَلِيلِهِ وَقَرِينِهِ» (١) .

وجاء هذا المعنى أيضاً في حديثٍ آخر ، نقل عن الإمام الصادقعليه‌السلام ، أنّه قال :

«وَلا تَصحَبُوا أَهْلَ البِدَعِ وَلا تُجالِسُوهُم فَتَصيرُوا عِنْدَ النّاسِ كَواحِدٍ مِنْهُم».

__________________

١ ـ اصول الكافي ، ج ٢ ، ص ٣٧٥ : باب مجالسة أهل المعاصي ، ح ٣.

١٣٨

قالَ رَسُولُ اللهِ صلى‌الله‌عليه‌وآله : «المَرءُ عَلى دِينِ خَلِيلِهِ وَقَرِينِهِ» (١) .

ونفس هذا المعنى ورد عن الإمام عليعليه‌السلام أيضاً ، وفيه تصوير عن حالة التّأثير المُتقابل ، في دائرة التّفاعل المشترك بين الأفراد فقال :

«مُجالَسةِ الأخيارِ تَلحَقُ الأَشرارِ بالأخيارِ وَمُجالِسةِ الأَبرارِ لِلفُجَّارِ تَلحَقُ الأبرارِ بِالفُجَّارِ».

وجاء في ذيل هذا الحديث ، عبارةٌ في غاية الأهميّة ، حيث يقول :«مَنْ إِشتَبَهَ عَلَيكُمِ أَمرُهُ وَلَم تَعرِفُوا دِينَهُ فانظُرُوا إِلى خُلَطائِهِ» (٢) .

وفي بعض الروايات ، ورد هذا المعنى في دائرة الّتمثيل ، فقال :«صُحبَةُ الأَشرارِ تَكسِبُ الشَّرَّ كَالرِّيحِ إُذا مَرَّتْ بِالنَّتِنِ حَمَلَتْ نَتِناً» (٣) .

ويُستفاد من هذه التّعبيرات : أنّه وكما أنّ المعاشرة والصّحبة للأراذل ، تهيىء الأرضية لحركة الإنسان نحو الانزلاق في طريق الشر ، فإنّ المعاشرة مع الأَخيار تنير قلب الإنسان بضياء الهدى ، وتحُيي فيه عناصر الخير.

ونقرأ هذا المعنى في حديث عن أمير المؤمنينعليه‌السلام ، أنّه قال :«عَمارَةُ القُلُوبِ في مُعاشَرَةِ ذَوِي العُقُولِ» (٤) .

وجاء في حديثٍ آخر عنهعليه‌السلام ، أنّه قال :«مُعاشَرَةُ ذَوِي الفَضائِلِ حَياةُ القُلُوبِ» (٥) .

فتأثير الُمجالسة على قدرٍ من الأهميّة ، بحيث قال فيه النّبي سليمانعليه‌السلام :

«لا تَحْكُمُوا عَلى رَجُلٍ بِشيءٍ حَتّى تَنْظُرُوا إِلى مَنْ يُصاحِبُ فَإِنَّما يُعْرَفُ الرَّجُلُ بِأَشكَالِهِ وَأَقرَانِهِ ؛ ويُنْسَبُ إِلى أَصحابِهِ وَأَخدَانِهِ» (٦) .

ونقرأ في حديثٍ جاء عن لقمان الحكيم ، في نصائحه لإبنه ، فقال له :

__________________

١ ـ اصول الكافي ، ج ٢ ، ص ٣٧٥ : باب مجالسة أهل المعاصي ، ح ٣.

٢ ـ كتاب صفات الشيعة ، للصدوق ، (طبقاً لنقل بحار الانوار ، ج ٧١ ، ص ١٩٧).

٣ ـ غُرر الحِكم.

٤ ـ المصدر السابق.

٥ ـ المصدر السابق.

٦ ـ بحار الأنوار ، ج ٧١ ، ص ١٨٨.

١٣٩

«يا بُنَيَّ صاحِبِ العُلَماءَ ، وأَقرِبْ مِنْهُم ، وَجالِسهُم وَزُرهُم فِي بِيُوتِهِم ، فَلَعَلَّكَ تَشْبَهُهُم فَتَكُونَ مَعَهُم» (١) .

وعلى كلّ حال ، فإنّ الرّوايات الشّريفة ، مليئة بمثل هذه النصائح ، في دائرة الإهتمام بالرّفقة وأثر الصّديق في أخلاق وسلوك الإنسان ، ولو جُمعت في إطارٍ واحدٍ لأمكن تأليف بحثٍ شاملٍ كاملٍ في هذا المضمار.

ونختم الكلام بحديث عن الإمام عليعليه‌السلام ، في وصاياه لإبنه الحسن الُمجتبىعليه‌السلام :

«قارِنْ أَهْلَ الخَيرِ ، تَكُن مِنْهُم ، وبايِنْ أَهْلَ الشَّرِّ تَبِنْ مِنْهُم» (٢) .

تأثير العِشرة في التحليلات المنطقيِّة :

يقولون : إنّ أحسن وأفضل دليلٍ لإمكان الشيء ، هو وقوعه ، وفي موضوع بحثنا ، فإنّ رؤية نماذج عينيّة من مُعاشرة بعض الأفراد للأراذل ، وكيف أنّها أصبحت مصدراً لأنواع المفاسد والإنحرافات الخُلقيّة لهم ، وبالعكس ، فإنّ مُصاحبة الأخيار ، ساهمت لدى البعض ، على تطهير أنفسهم ، من شوائب الرّذيلة والزّيغ ، وهذه الموارد هي خير دليلٍ على بحثنا هذا.

فالتشبيه القديم القائل : إنّ الأخلاق القبيحة ، مثل الأمراض السّارِيَة ، تنتشر بين الأصدقاء والأقارب بسرعةٍ فائقةٍ ، هو تشبيهٌ صحيحٌ ، خصوصاً في الموارد التي يكون فيها الشخص ، حَدث السّن أو ضعيف الإعتقاد والإيمان ، وتكون نفسه مستعدّةً لقبول أخلاق الآخرين ، فالمُعاشرة لمثل هؤلاء الأفراد ، مع أصدقاء السّوء ، تكون بمثابة سهمٍ مُهلكٍ وقاتلٍ في دائرةِ الإيمان ، وعناصر الخَير في الشّخصية ، وقد شاهدنا الكثير من الأفراد والأشخاص من الطيّبين ، الذين تغيّروا بالكامل بسبب معاشرتهم لرفقاء السوء ، وتحوّل مجرى حياتهم من أجواء الخير إلى أجواء الشّر ، وهُناك إثباتاتٌ وأدلّةٌ مختلفةٌ من تقرير هذه الحالةٌ في واقع الإنسان من النّاحية النّفسية والرّوحية :

__________________

١ ـ بحارالأنوار ، ج ٧١ ، ص ١٨٩.

٢ ـ نهج البلاغة ، وصيّة الإمام عليعليه‌السلام للإمام الحسنعليه‌السلام (رسالة ٣١).

١٤٠

١٩٧٤ - وسأل عبيد بن زرارة أبا عبدالله عليه السلام " عن قول الله عزوجل: " فمن شهد منكم الشهر فليصمه(١) " قال: ما أبينها من شهد فليصمه ومن سافر فلا يصمه ".

١٩٧٥ - وروى محمد بن حكيم عن الصادق عليه السلام أنه قال: " لو أن رجلا مات صائما في السفر لما صليت عليه".

١٩٧٦ - وروى حريز، عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: سمى رسول الله صلى الله عليه وآله قوما صاموا حين أفطر وقصر: العصاة، قال: وهم العصاة إلى يوم القيامة، وإنا لنعرف أبناء‌هم وأبناء أبنائهم إلى يومنا هذا".

١٩٧٧ - وروى العيص بن القاسم عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " إذا خرج الرجل في شهر رمضان مسافرا أفطر، وقال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله خرج من المدينة إلى مكة في شهر رمضان ومعه الناس وفيهم المشاة فلما انتهى إلى كراع الغميم(٢) دعا بقدح من ماء فيما بين الظهر والعصر فشرب وأفطر وأفطر الناس معه وتم أناس على صومهم فسماهم العصاة، وإنما يؤخذ بأمر رسول الله صلى الله عليه وآله "(٣) .

١٩٧٨ - وروى أبان بن تغلب عن أبي جعفر عليه السلام قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وآله: خيار أمتي الذين إذا سافروا أفطروا وقصروا، وإذا أحسنوا استبشروا، وإذا أساؤوا استغفروا، وشرار أمتي الذين ولدوا في النعيم وغذوا به، يأكلون طيب الطعام، ويلبسون لين الثياب، وإذا تكلموا لم يصدقوا ".

___________________________________

(١) " فمن شهد " أى فمن حضر في موضع في هذا الشهر ولم يكن مسافرا ولا مريضا.

(٢) هو اسم موضع بين مكة والمدينة، والكراع جانب مستطيل من الحرة، تشبيها بالكراع وهو ما دون الركبة من الساق، والغميم بالفتح واد بالحجاز أمام عسفان.

(٣) بيان لوجه عصيانهم أى يجب الاخذ والعمل بأوامر الرسول صلى الله عليه وآله فاذا أمر بالافطار وجب الافطار، فمن لم يفطر كان عاصيا، وانما يؤخذ الصوم بأمره فلما أفطر يجب الاطاعة (سلطان) أقول: كأن في سقطا والاصل " انما يؤخذ بآخر أمر رسول الله صلى الله عليه وآله " كما في الكافى ج ٤ ص ١٢٧ ولعله من النساخ، وذلك لرفع توهم عدم كونهم عصاة لاخذهم بقوله السابق.

١٤١

١٩٧٩ - وروى ابن محبوب، عن أبي أيوب، عن عمار بن مروان عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " سمعته يقول: من سافر قصر وأفطر إلا أن يكون رجلا سفره إلى صيد(١) أو في معصية الله عزوجل، أو رسولا لمن يعص الله عزوجل، أو طلب عدو أو شحناء، أو سعاية(٢) أو ضرر على قوم من المسلمين ".

١٩٨٠ - وقال عليه السلام: " لا يفطر الرجل في شهر رمضان إلا بسبيل حق "(٣) .

قال مصنف هذا الكتاب رحمه الله: قد أخرجت تقصير المسافر في جملة أبواب الصلاة في هذا الكتاب، والحد الذي يجب فيه التقصير، والذين يجب عليهم التمام.

فأما صوم التطوع في السفر

١٩٨١ - فقد قال الصادق عليه السلام: " ليس من البر الصوم في السفر"(٤) .

١٩٨٢ - وروى الحلبي عن أبي عبدالله عليه السلام أنه " سئل عن الرجل يخرج من بيته وهو يريد السفر وهو صائم، فقال: إن خرج قبل أن ينتصف النهار فليفطر وليقض ذلك اليوم، وإن خرج بعد الزوال فليتم يومه "(٥) .

١٩٨٣ - وروى العلاء، عن محمد بن مسلم عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " إذا سافر الرجل في شهر رمضان فخرج بعد نصف النهار فعليه صيام ذلك اليوم ويعتد به من شهر رمضان، وإذا دخل أرضا قبل طلوع الفجر وهو يريد الاقامة بها فعليه صوم ذلك

___________________________________

(١) المراد بالصيد اللهوى منه، قال الشيخ في النهاية والمبسوط " ان طلب الصيد للتجارة يقصر صومه ويتم صلاته " وفى خصوص هذه المسألة اختلاف بين فقهائنا راجع مصباح الفقيه ص ٧٤٤ من كتاب الصلاة.

(٢) سعى به إلى الوالى: وشئ به.

والشحناء: العداوة.

(٣) أى مباح كما هو المشهور، أو راجح كما قيل. (المرآة)

(٤) ظاهره نفى صحة الصوم ومشروعيته في السفر اذ العبادة ليست غير البر، الا أن يكون المراد ليس من البر الكامل، ثم لا يخفى أن الحديث ليس صريحا في صوم التطوع اذ ربما كان المراد صوم شهر رمضان (سلطان) أقول: في بعض النسخ " الصيام في السفر ".

(٥) في بعض النسخ " فليتم صومه ".

١٤٢

اليوم، وإن دخل بعد طلوع الفجر فلا صيام عليه، وإن شاء صام "(١) .

١٩٨٤ - وفي رواية رفاعة بن موسى عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " سألته عن رجل يقبل(٢) في شهر رمضان من سفر حتى يرى أنه سيدخل أهله ضحوة(٣) أو ارتفاع النهار، قال: إذا طلع الفجر وهو خارج لم يدخل فهو بالخيار إن شاء صام وإن شاء أفطر ".

١٩٨٥ - وورى يونس بن عبدالرحمن عن موسى بن جعفر عليهما السلام أنه قال: " في المسافر يدخل أهله وهو جنب قبل الزوال ولم يكن أكل فعليه أن يتم صومه ولا قضاء عليه قال:(٤) يعني إذا كانت جنابته من احتلام ".

١٩٨٦ - وسأل عبدالله بن سنان أبا عبدالله عليه السلام " عن الرجل يأتي جاريته في شهر رمضان بالنهار في السفر، فقال: ما عرف هذا حق شهر رمضان إن له في الليل سبحا طويلا(٥) قال: قلت له: أليس له أن يأكل ويشرب ويقصر؟ قال: إن الله عز وجل رخص للمسافر في الافطار والتقصير رحمة وتخفيفا لموضع التعب والنصب ووعث السفر(٦) ولم يرخص له في مجامعة النساء في السفر بالنهار في شهر رمضان، وأوجب عليه قضاء

___________________________________

(١) المشهور وجوب الصوم إذا دخل قبل الزوال ولم يفطر، وحمل هذا الخبر وأمثاله على التخيير قبل الدخول ويؤيده خبر رفاعة الاتى.

(٢) في الكافى ج ٤ ص ١٣٢ " يقدم ".

(٣) ضحوة النهار: بعد طلوع الشمس، والضحى ارتفاعه.

(٤) لعله كلام يونس وحملها على جنابة لم تخل بصحة الصوم فالمراد الاحتلام في اليوم أو في الليل ولم ينتبه الا بعد طلوع الفجر أو انتبه ونام بقصد الغسل (المرآة) وقال الفاضل التفرشى: لعل مراده بالاحتلام في اليوم دون الليل وبقائه على الجنابة حتى يطلع الفجر اذ الظاهر عدم الفرق بين الاحتلام والجماع في الليل.

(٥) السبح: الفراغ والتصرف في المعاش كما قال قتادة في قوله تعالى " ان لك في النهار سبحا طويلا ". أى فراغا طويلا. (الصحاح)

(٦) الوعث: المكان السهل الكثير الدهس، ووعثاء السفر مشتقة.

١٤٣

الصيام ولم يوجب عليه قضاء تمام الصلاة إذا آب من سفره، ثم قال: والسنة لا تقاس(١) وإني إذا سافرت في شهر رمضان ما آكل كل القوت(٢) وما أشرب كل الري ".

والنهي عن الجماع للمقصر في السفر إنما هو نهي كراهة لا نهي تحريم.

١٩٨٧ - وروى الحلبي عن أبي عبدالله عليه السلام قال: قلت له: " رجل صام في السفر فقال: إن كان بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وآله نهى عن ذلك فعليه القضاء، وإن لم يكن بلغه فلا شئ عليه ".

باب صوم الحائض والمستحاضة

١٩٨٨ - روى أبوالصباح الكناني عن أبي عبدالله عليه السلام " في امرأة أصبحت صائمة فلما ارتفع النهار أو كان العشاء(٣) حاضت أتفطر؟ قال: نعم وإن كان قبل المغرب فلتفطر، وعن امرأة ترى الطهر في أول النهار في شهر رمضان ولم تغتسل ولم تطعم كيف تصنع بذلك اليوم؟ قال: إنما فطرها من الدم "(٤) .

١٩٨٩ - وروي عن علي بن مهزيار قال: كتبت إليه عليه السلام(٥) " امرأة طهرت

___________________________________

(١) ذكره هذه الجملة هنا كانه لبيان عدم صحة القياس حتى يقاس جواز الجماع بجواز الاكل والشرب، ثم الظاهر من الخبر حرمة الجماع بالنهار في السفر وحمله الاكثر على الكراهة جمعا (المرآة) وذهب الشيخ إلى عدم الجواز في بعض كتبه وعمل بظاهر هذا الخبر وحمل ما يدل على الجواز على غلبة الشهوة وخوف وقوعه في المحظور أو على الوطى بالليل ولا يخفى بعدهما.

(٢) في الكافى " الا القوت " وما في المتن أظهر، ويدل على كراهة التملى من الطعام والشراب للمسافر كما هو مذهب الاصحاب فيه وفى سائر ذوى الاعذار. (المرآة)

(٣) العشاء هى الزوال إلى المغرب والمشهور أنه اخر النهار. (المغرب)

(٤) أى لا صوم لها ولا بأس عليها.

(٥) يعنى أبا جعفر الجواد عليه السلام.

١٤٤

من حيضها أو دم نفاسها في أول يوم من شهر رمضان ثم استحاضت فصلت وصامت شهر رمضان كله من غير أن تعمل ما تعمله المستحاضة من الغسل لكل صلاتين هل يجوز صومها وصلاتها أم لا؟ فكتب عليه السلام: تقضي صومها ولا تقضي صلاتها لان رسول الله صلى الله عليه وآله كان يأمر المؤمنات(١) من نسائه بذلك "(٢) .

١٩٩٠ - وروي عن سماعة قال: " سألت أبا عبدالله عليه السلام " عن المستحاضة، قال: تصوم شهر رمضان إلا الايام التى كانت تحيض فيهن، ثم تقضيها من بعده ".

١٩٩١ - وسأل عبدالرحمن بن الحجاج أبا الحسن عليه السلام " عن المرأة تلد بعد العصر أتتم ذلك اليوم أم تفطر؟ فقال: تفطر ثم تقضي ذلك اليوم ".

١٩٩٢ - وروى العيص بن القاسم عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " سألته عن المرأة

___________________________________

(١) في الكافى ج ٤ ص ١٣٦ والتهذيب ج ١ ص ٤٤٠ " يأمر فاطمة والمؤمنات من نسائه بذلك".

(٢) هذا الخبر مع اضماره مخالف للاخبار الكثيرة والاجماع على اشتراط الصلاة بالطهارة، وفى هامش التهذيب " السائل سأل عن حكم المستحاضة التى صلت وصامت في شهر رمضان ولم تعمل أعمال المستحاضة، والامام عليه السلام ذكر حكم الحائض وعدل عن جواب السائل من باب التقية لان الاستحاضة من باب الحدث الاصغر عند العامة فلا توجب غسلا عندهم.

وقال الفيض رحمه الله في الوافى: هذا الخبر مع اضماره متروك بالاتفاق ولو كان الحكم بقضاء الصوم دون الصلاة متعاكسا لكان له وجه، على أنه قد ثبت عندنا أن فاطمة لم تر حمرة قط، اللهم الا أن يقال: ان المراد بفاطمة فاطمة بنت أبى حبيش فانها كانت مشتهرة بكثرة الاستحاضة والسؤال عن مسائلها في ذلك الزمان، ويحمل قضاء الصوم على قضاء صوم ايام حيضها خاصة دون سائر الايام وكذا نفى قضاء الصلاة انتهى.

وقال العلامة المجلسى رحمه الله: اعلم أن المشهور بين الاصحاب أن المستحاضة إذا أخلت بالاغسال تقضى صومها، واستدلوا بهذا الخبر وفيه اشكال لاشتماله على عدم قضاء الصلاة، ولم يقل به أحد ومخالف لسائر الاخبار قال: وقد وجه بوجوه (نقلنا بعضها): الاول ما ذكره الشيخ رحمه الله في التهذيب حيث قال: لم يأمرها بقضاء الصلاة إذا لا تعلم أن عليها لكل صلاتين غسلا أو لا يعلم ما يلزم المستحاضة فاما مع العلم بذلك والترك له على العمد يلزمها القضاء. وأورد عليه أنه ان بقى الفرق بين الصوم والصلاة فالاشكال بحاله وان حكم بالمساواة بينهما ونزل قضاء الصوم على حالة العلم وعدم قضاء الصلاة على حالة الجهل فتعسف ظاهر. =

١٤٥

تطمث في شهر رمضان قبل أن تغيب الشمس؟ قال: تفطر حين تطمث ".

١٩٩٣ - وروى علي بن الحكم، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: " سألته عن امرأة مرضت في شهر رمضان أو طمثت أو سافرت فماتت قبل أن يخرج شهر رمضان

___________________________________

= الثانى ما ذكره المحقق الاردبيلى قدس الله روحه وهو أن المراد لا يجب عليها قضاء جميع الصلوات لان منها ما كان واقعا في الحيض، وهو بعيد.

الثالث ما ذكره صاحب المنتقى روح الله روحه قال: والذى يختلج بخاطرى أن الجواب الواقع في الحديث غير متعلق بالسؤال المذكور فيه والانتقال إلى ذلك من وجهين أحدهما قوله فيه " ان رسول الله صلى الله عليه وآله كان يأمر فاطمة الخ " فان مثل هذه العبارة انما تستعمل فيما يكثر وقوعه ويتكرر وكيف يعقل كون تركهن لما تعمله المستحاضة في شهر رمضان جهلا والثانى أن هذه العبارة بعينها كانت في أخبار الحيض في كتاب الطهارة مرادا بها قضاء الحائض للصوم دون الصلاة إلى أن قال: ولا يخفى أن للعبارة بذلك الحكم مناسبة ظاهرة تشهد بها السليقة لكثرة وقوع الحيض وتكرره والرجوع اليه صلى الله عليه وآله في حكمه وبالجملة فارتباطها بذلك الحكم ومنافرتها لقضية الاستحاضة مما لا يرتاب فيه أهل الذوق السليم وليس بالمستبعد أن يبلغ الوهم إلى موضع الجواب مع غير سؤاله فان من شأن الكتابة في الغالب أن تجمع الاسؤلة المتعددة فاذا لم ينعم الناقل نظره فيها يقع له نحو هذا الوهم انتهى كلامه (ر ه) واحتمل سبطه الجليل احتمالا لعله قريب حاصله أن قوله " تقضى صومها ولا تقضى صلاتها " أصله " تقضى صومها ولاء وتقضى صلاتها " ثم ذكر في توجيهها كلاما لا يسعنا ذكره راجع مرآة العقول ج ٣ ص ٢٣٣.

وأقول: قال المحقق التسترى صاحب الاخبار الدخيلة مد ظله فيما كتب إلى: الظاهر أن على بن مهزيار في اصوله التى جمع منها كتابة خبران: خبر في السؤال عن حكم تاركة غسل الاستحاضة في شهر رمضان لصلاتها وصومها، وخبر في السؤال عن قضاء الحائض صلاتها وصومها فخلط بين الخبرين بنقل سؤال الخبر الاول وجواب الخبر الثانى في كتابة فنقله المشايخ الثلاثة عن كتابة مثل ما وجدوا ولم يأوله أحد منهم الا الشيخ رحمه الله.

١٤٦

هل يقضى عنها؟ قال: أما الطمث والمرض فلا، وأما السفر فنعم "(١) .

١٩٩٤ - وروى ابن مسكان، عن محمد بن جعفر قال: قلت لابي الحسن عليه السلام: " إن امرأتي جعلت على نفسها صوم شهرين فوضعت ولدها وأدركها الحبل فلم تقدر(٢) على الصوم، قال: فلتصدق مكان كل يوم بمد على مسكين"(٣) .

باب قضاء صوم شهر رمضان

٥ ١٩٩ روى عقبة بن خالد عن أبي عبدالله عليه السلام " في رجل مرض في شهر رمضان فلما برأ أراد الحج كيف يصنع بقضاء الصوم؟ قال: إذا رجع فليصمه "(٤) .

١٩٩٦ - وسأله عبدالرحمن بن أبي عبدالله " عن قضاء شهر رمضان في ذي الحجة وقطعه قال: إقضه في ذي الحجة واقطعه إن شئت "(٥) .

___________________________________

(١) عمل الشيخ رحمه الله في التهذيب بظاهره، والمشهور الاستحباب.

(٢) نسخة في الجميع " لم تقو ".

(٣) المشهور بين الاصحاب أن مع العجز عن الصوم المنذور يسقط الصوم ولا يلزمه شئ وذهب جماعة إلى لزوم الكفارة عن كل يوم بمد وجماعة بمدين لرواية أخرى، والقائلون بالمشهور حملوا تلك الاخبار على الاستحباب لكن العجز لا يتحقق في النذر المطلق الا باليأس منه في جميع العمر فهذا الخبر اما محمول على شهرين معينين أو على اليأس بأن يكون ظنها أنها تكون دائما اما في الحمل أو في الرضاع، مع أنه يحتمل أن يكون الكفارة في الخبر للتأخير مع عدم سقوط المنذور. (المرآة)

(٤) في بعض النسخ " فليقضه ". ويدل على عدم جواز قضاء صوم شهر رمضان في السفر وعليه الاصحاب.

(٥) ليس التتابع شرطا في القضاء فلا بأس أن يقطع بالعيد أو غيره (سلطان) وقال العلامة المجلسى رحمه الله: الشرط متعلق بالامرين لا بخصوص القطع مع احتماله فيكون المراد القطع بغير العيد، ثم ان الخبر يدل على عدم مرجوحية القضاء في عشر ذى الحجة كما هو المشهور بين الاصحاب، وروى الشيخ رحمه الله في التهذيب بسند موثق عن غياث ابن ابراهيم عن أبى عبدالله عليه السلام المنع منه وحمله على ما إذا كان مسافرا ولعله محمول على التقية لان بعض العامة يمنعون من ذلك لفوات التتابع الذى يقولون بلزومه.

وقال الشهيد رحمه الله في الدروس: لا يكره القضاء في عشر ذى الحجة والرواية عن على عليه السلام بالنهى عنه مدخولة.

١٤٧

١٩٩٧ - وروى الحلبي عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " إذا كان على الرجل شئ من صوم شهر رمضان فليقضه في أي شهر شاء أياما متتابعة فإن لم يستطع فليقضه كيف شاء، وليحص الايام، فإن فرق فحسن وإن تابع فحسن ".

١٩٩٨ - وسأل سليمان بن جعفر الجعفري أبا الحسن الرضا عليه السلام " عن الرجل يكون عليه أيام من شهر رمضان أ يقضيها متفرقة؟ قال: لا بأس بتفرقة قضاء شهر رمضان، إنما الصيام الذي لا يفرق صوم كفارة الظهار، وكفارة الدم وكفارة اليمين "(١) .

١٩٩٩ - وروى جميل، عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام " في الرجل يمرض فيدركه شهر رمضان ويخرج عنه وهو مريض فلا يصح حتى يدركه شهر رمضان آخر، قال: يتصدق عن الاول ويصوم الثاني، وإن كان صح فيما بينهما ولم يصم حتى أدركه شهر رمضان آخر صامهما جميعا وتصدق عن الاول ".

ومن فاته شهر رمضان حتى يدخل الشهر الثالث من مرض فعليه أن يصوم هذا الذي دخله وتصدق عن الاول لكل يوم بمد من طعام ويقضي الثاني(٢) .

_________________________________

(١) الحصر اضافى بالنسبة إلى قضاء شهر رمضان، أو المراد كفارة الظهار وأمثالها من الكفارات (سلطان) وقال المولى المجلسى رحمه الله: تخصيص الثلاث بالذكر لكونها منصوصا عليها في القرآن أو لمزيد الاهتمام.

(٢) يمكن أن يكون من تتمة خبر زرارة وأن يكون قول الصدوق، ويؤيده عدم ذكر الكلينى والشيخ لهذه الزيادة، وظاهره أن التصدق واجب للسنة الاولى ويجب القضاء فقط للسنة الثانية أو يكون هذا الحكم من خبر وصل اليه ان لم يكن جزء الخبر، والمشهور العمل بالاخبار الاولة، ويمكن حمله على ما إذا صح فيما بين الثانى والثالث ولم يقض ولم يتهاون بل كان في نيته القضاء ثم مرض ولم يقض ولم يصح فيما بين الاول والثانى، واختلف في وجوب تعدد الكفارة بتعدد السنين والاحوط التعدد بمعنى أنه إذا مرض وتهاون في القضاء حتى مضى أربع سنين فهل يجب لكل يوم أربعة أم يكفى مد واحد. (م ت)

١٤٨

٢٠٠٠ - وروى ابن محبوب، عن الحارث بن محمد، عن بريد العجلي عن أبي جعفر عليه السلام " في رجل أتى أهله في يوم يقضيه من شهر رمضان، قال: إن كان أتى أهله قبل الزوال فلا شئ عليه إلا يوما مكان يوم، وإن أتى أهله بعد زوال الشمس فإن عليه أن يتصدق على عشرة مساكين لكل مسكين مد، فإن لم يقدر عليه صام يوما مكان يوم وصام ثلاثة أيام كفارة لما صنع "(١) .

وقد روي أنه إن أفطر قبل الزوال فلا شئ عليه، وإن أفطر بعد الزوال فعليه الكفارة مثل ما على من أفطر يوما من شهر رمضان(٢) .

٢٠٠١ - وروى سماعة، عن أبي بصير قال: " سألت أبا عبدالله عليه السلام عن المرأة تقضي شهر رمضان فيكرهها زوجها على الافطار فقال: لا ينبغي(٣) أن يكرهها بعد زوال الشمس ".

٢٠٠٢ - وسأله سماعة " عن قوله: " الصائم بالخيار إلى زوال الشمس " قال: " إن ذلك في الفريضة فأما في النافلة فله أن يفطر أي ساعة شاء إلى غروب الشمس ".

٢٠٠٣ - وروى ابن فضال، عن صالح بن عبدالله الخثعمي قال: " سألت أبا عبدالله

___________________________________

(١) قال بعض الشراح تحريم الافطار بعد الزوال في قضاء رمضان هو مذهب الاصحاب لا يعلم فيه خلاف وأما الجواز قبله فمذهب الاكثر ونقل عن أبى الصلاح القول بوجوب اتمام كل صوم واجب، وعن ابن أبى عقيل عدم جواز الافطار في قضاء رمضان مطلقا هذا مع التوسعة وأما مع تضييق الوقت يحرم الافطار مطلقا لكن لا تجب الكفارة قبل الزوال.

(٢) روى الشيخ في التهذيب ج ١ ص ٤٣٠ عن زرارة قال: " سألت أبا جعفر (ع) عن رجل صام قضاء من شهر رمضان فأتى النساء، قال: عليه من الكفارة ما على الذى أصاب في شهر رمضان " وحمله الشيخ على الاستحباب وجوز فيه الحمل على الافطار مع الاستخفاف و يمكن الحمل على التشبيه في وجوب الكفارة لا في قدرها.

(٣) ظاهره الكراهة وحمل على الحرمة. (المرآة)

١٤٩

عليه السلام عن الرجل ينوي الصوم فيلقاه أخوه الذي هو على أمره(١) فيسأله أن يفطر أيفطر؟ قال: إن كان تطوعا أجزأه وحسب له، وإن كان قضاء فريضة قضاه "(٢) .

وإذا أصبح الرجل وليس عليه من نيته أن يصوم ثم بدا له فله أن يصوم(٣) .

٢٠٠٤ - وسئل عليه السلام " عن الصائم المتطوع تعرض له الحاجة، فقال: هو بالخيار ما بينه وبين العصر وإن مكث حتى العصر ثم بدا له أن يصوم ولم يكن(٤) نوى ذلك فله أن يصوم ذلك اليوم إن شاء(٥) ".

وإذا طهرت المرأة من حيضها وقد بقي عليها بقية يوم صامت ذلك المقدار تأديبا وعليها قضاء ذلك اليوم، وإن حاضت وقد بقي عليها بقية يوم أفطرت وعليها القضاء(٦) .

___________________________________

(١) أى على دينه ومذهبه أو عليه أطاعته وقبول أمره.

(٢) ظاهر الخبر أن بدعوة المؤمن يستحب افطار صوم القضاء أيضا لكن لا يجزيه بل يلزمه فعله مرة اخرى، وأما حمله على أن المراد بالقضاء اتمام هذا الصوم وعدم الافطار فلا يخفى بعده. (المرآة)

(٣) يدل عليه أخبار منها صحيحة عبدالرحمن بن الحجاج عن أبى الحسن عليه السلام " في الرجل يبدو له بعد ما يصبح ويرتفع النهار في صوم ذلك اليوم ليقضيه من شهر رمضان ولم يكن نوى ذلك من الليل: قال: نعم ليصمه وليعتد به إذا لم يكن أحدث شيئا " (الكافى ج ٤ ص ١٢٢).

(٤) رواه الكلينى ج ٤ ص ١٢٢ بسند موثق عن أبى بصير قال: " سألت أبا عبدالله عليه السلام عن الصائم الخبر " وفيه " فان لم يكن " وما في المتن أظهر.

(٥) قد قطع الاصحاب بأن وقت النية في الواجب غير المعين كالقضاء والنذر المطلق يستمر من الليل إلى الزوال إذا لم يفعل المنافى نهارا ويدل عليه روايات كثيرة ويظهر من كلام ابن الجنيد جواز تجديد النية بعد الزوال أيضا وفى المعين المشهور أنه يجوز النية مع النسيان إلى الزوال لا مع العمد وبعد الزوال لا يجوز الا على ظاهر ابن الجنيد، وفى النافلة ذهب جماعة إلى امتداد وقت النية إلى الغروب. (سلطان)

(٦) روى الشيخ رحمه الله عن أبى بصير قال: " سألت أبا عبدالله عليه السلام عن امرأة أصبحت صائمة في رمضان فلما ارتفع النهار حاضت؟ قال: تفطر، قال: وسألته عن امرأة رأت الطهر أول النهار؟ قال: تصلى وتتم صومها أى تأديبا ويقضى ".

١٥٠

وإذا وجب على الرجل صوم شهرين متتابعين فصام شهرا ولم يصم من الشهر الثاني شيئا فعليه أن يعيد صومه ولم يجزئه الشهر الاول إلا أن يكون أفطر لمرض فله أن يبني على ما صام فان الله عزوجل حبسه(١) ، فإن صام شهرا وصام من الشهر الثاني أياما(٢) ثم أفطر فعليه أن يبني على ما صام(٣) .

___________________________________

(١) أى منعه من الصوم وعموم التعليل ربما يدل على عموم الحكم لكل مانع من قبل الله كالحيض وغيره.

وفى المدارك: اما وجوب البناء إذا كان قد صام من الشهر الثانى يوما فصاعدا فقال العلامة في التذكرة والمنتهى وولده في الشرح: انه قول علمائنا أجمع واختلف الاصحاب في جواز التفريق اختيارا بعد الاتيان بما يتحقق به التتابع فذهب الاكثر إلى الجواز والمفيد رحمه الله إلى المنع واختاره ابن ادريس قدس سره.

(٢) المشهور كفاية يوم واحد ومراد المصنف أعم منه لقوله سابقا " ولم يصم من الشهر الثانى شيئا".

(٣) روى الكلينى ج ٤ ص ١٣٨ في الصحيح عن جميل ومحمد بن حمران عن أبى عبدالله عليه السلام " في الرجل الحر يلزمه صوم شهرين متتابعين في ظهار فيصوم شهرا ثم يمرض، قال: يستقبل وان زاد على الشهر الاخر يوما أو يومين بنى على ما بقى " ورواه الشيخ في التهذيب وحمل قوله " يستقبل " على مرض يمنعه من الصيام وان كان يشق عليه. ولعل حمله على الاستحباب أظهر.

وروى الكلينى أيضا في الحسن كالصحيح والشيخ في الصحيح واللفظ له عن الحلبى عن أبى عبدالله عليه السلام قال: " صيام كفارة اليمين في الظهار شهران متتابعان، والتتابع أن يصوم شهرا ويصوم من الشهر الاخر أياما أو شيئا منه فان عرض له شئ يفطر فيه أفطر ثم قضى ما بقى عليه وان صام شهرا ثم عرض له شئ فأفطر قبل أن يصوم من الاخر شيئا فلم يتابع أعاد الصيام كله "، وظاهر قوله " فان عرض له شئ " غير الاعذار الشرعية.

وفى الموثق عن سماعة قال: " سألته عن الرجل يكون عليه صوم شهرين متتابعين أيفرق بين الايام؟ فقال: إذا صام أكثر من شهر فوصله ثم عرض له أمر فأفطر فلا بأس، فان كان أقل من شهر أو شهرا أن يعيد الصيام ".

١٥١

٢٠٠٥ - وروى موسى بن بكر، عن الفضيل عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " في رجل عليه(١) صوم شهر فصام منه خمسة عشر يوما ثم عرض له أمر، فقال: إن كان صام خمسة عشر يوما فله أن يقضي ما بقي، وإن كان صام أقل من خمسة عشر يوما لم يجزئه حتى يصوم شهرا تاما(٢) ".

٢٠٠٦ - وروى منصور بن حازم عنه عليه السلام أنه قال " في رجل صام في ظهار شعبان ثم أدركه شهر رمضان قال: يصوم شهر رمضان ثم يستأنف الصوم وإن هو صام في الظهار فزاد في النصف يوما قضى بقيته ".

٢٠٠٧ - وروى ابن محبوب، عن أبي أيوب عن أبي عبدالله عليه السلام " في رجل كان عليه صوم شهرين متتابعين في ظهار فصام ذا القعدة ودخل عليه ذو الحجة، قال: يصوم ذا الحجة كله إلا أيام التشريق، ثم يقضيها في أول يوم من المحرم حتى يتم ثلاثة أيام فيكون قد صام شهرين متتابعين، قال: ولا ينبغي له أن يقرب أهله حتى يقضي ثلاثة أيام التشريق التي لم يصمها، ولا بأس إن صام شهرا ثم صام من الشهر الذي يليه أياما ثم عرضت له علة أن يقطعها(٣) ، ثم يقضي بعد تمام الشهرين ".

باب قضاء الصوم عن الميت

٢٠٠٨ - روى أبان بن عثمان، عن أبي مريم الانصاري عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " إذا صام الرجل شيئا من شهر رمضان، ثم لم يزل مريضا حتى مات فليس

___________________________________

(١) في التهذيب ج ١ ص ٤٣٢ والكافى ٤ ص ١٣٩ " في رجل جعل عليه " وكأنه سقط من النساخ.

(٢) ذلك لان الشهر قد يكون تسعة وعشرين فاذا صام خمسة عشر فقد جاوز النصف.

ومضمون الخبر مشهور بين فقهائنا ومنهم من رده لضعف السند.

(٣) ظاهره عدم جواز الافطار بدون العذر وان كان العذر خفيفا، ولعله محمول على الافضلية بقرينة " لا ينبغى ". (المرآة)

١٥٢

عليه قضاء، وإن صح ثم مرض ثم مات وكان له مال تصدق عنه مكان كل يوم بمد فإن لم يكن له مال صام عنه وليه(١) ".

وإذا مات رجل وعليه صوم شهر رمضان فعلى وليه أن يقضي عنه، وكذلك من فاته في السفر والمرض إلا أن يكون مات في مرضه من قبل أن يصح بمقدار ما يقضي به صومه فلا قضاء عليه إذا كان كذلك(٢) وإن كان للميت وليان فعلى أكبرهما من الرجال أن يقضي عنه.

فإن لم يكن له ولي من الرجال قضى عنه وليه من النساء(٣) .

٢٠٠٩ - وقد روي عن الصادق عليه السلام أنه قال: " إذا مات الرجل وعليه صوم شهر رمضان فليقض عنه من شاء من أهله ".

٢٠١٠ - وكتب محمد بن الحسن الصفار رضي الله عنه إلى أبي محمد الحسن بن علي عليهما السلام في رجل مات وعليه قضاء من شهر رمضان عشرة أيام وله وليان هل يجوز لهما

___________________________________

(١) يدل على أنه يجب على الولى قضاء الصلاة والصيام عن الميت سواء تمكن من القضاء أم لا وسواء فات بمرض أو غيره ويدل أيضا على أن الولى مطلق الوارث من الذكور وفى المسألة أقوال شتى ففى الدروس: لو مات قبل التمكن من القضاء فلا قضاء ولا كفارة ويستحب القضاء وفى التهذيب يقضى ما فات في السفر ولو مات في رمضان لرواية منصور بن حازم والسر فيه تمكن المسافر من الاداء وهو أبلغ من التمكن من القضاء إذا كان تركه للسفر سائغا، وان تمكن من القضاء ومات قبله فالمشهور وجوب القضاء على الولى سواء كان صوم رمضان أو لا، وسواء كان له مال أو لا.

ومع عدم الولى يتصدق من أصل ماله عن كل يوم بمد، قال المرتضى يتصدق عنه فان لم يكن له مال صام وليه، وقال الحسن: يتصدق عنه لا غير، وقال الحلبى: مع عدم الولى يصام عنه من ماله كالحج والاول أصح، والمرأة هنا كالرجل على الاصح وأما العيد فمشكل والمساواة قريبة، ثم الولى عند الشيخ أكبر أولاده الذكور لا غير، وعند المفيد لو فقد أكبر الولد فأكبر أهله من الذكور فان فقدوا فالنساء وهو ظاهر القدماء والاخبار والمختار، ولو كان له وليان فصاعدا متساويان توزعوا الا أن يتبرع به بعضهم، وقال القاضى: يقرع بينهما، وقال ابن ادريس: لا قضاء والاول أثبت. (المرآة)

(٢) راجع الكافى ج ٤ ص ١٢٣.

(٣) يمكن أن يكون الدليل الخبر الآتى أو العمومات.

١٥٣

أن يقضيا عنه جميعا خمسة أيام أحد الوليين وخمسة أيام الآخر؟ فوقع عليه السلام يقضي عنه أكبر ولييه عشرة أيام ولاء إن شاء الله(١) ".

قال مصنف هذا الكتاب - رحمه الله: وهذا التوقيع عندي مع توقيعاته إلى محمد بن الحسن الصفار بخطه عليه السلام.

باب فدية صوم النذر

٢٠١١ - روى أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي عن أبي الحسن الرضا عليه السلام " في رجل نذر على نفسه إن هو سلم من مرض أو تخلص من حبس أن يصوم كل يوم أربعاء وهو اليوم الذي تخلص فيه فعجز عن ذلك لعلة أصابته أو غير ذلك فمد الله عزوجل للرجل في عمره واجتمع عليه صوم كثير ما كفارة ذلك؟ قال: تصدق لكل يوم مدا من حنطة أو بمد تمر(٢) ".

٢٠١٢ - وفي رواية إدريس بن زيد، وعلي بن إدريس عن الرضا عليه السلام " تصدق عن كل يوم بمد من حنطة أو شعير(٣) ".

___________________________________

(١) الحكم بالتتابع محمول على الافضل. (الوافى)

(٢) اختلف الاصحاب فيمن عجز عن صوم النذر فقيل: يجب عليه القضاء دون الكفارة وقيل بالعكس، والكفارة اما مد على المشهور أو مدان كما ذهب اليه الشيخ وبعض الاصحاب فهذا الخبر يدل على الاكتفاء بالكفارة وأنها مد. (المرآة)

(٣) هذا الخبر في الكافى ج ٤ ص ١٤٣ مثل خبر البزنطى بادنى اختلاف في اللفظ.

١٥٤

باب صوم الاذن

٢٠١٣ - روى الفضيل بن يسار عن أبي جعفر عليه السلام قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إذا دخل رجل بلدة فهو ضيف على من بها من أهل دينه حتى يرحل عنهم، ولا ينبغي للضيف أن يصوم إلا بإذنهم لئلا يعملوا شيئا فيفسد، ولا ينبغي لهم أن يصوموا إلا بإذن الضيف لئلا يحتشمهم(١) ويشتهي فيتركه لهم ".

٢٠١٤ - وروى نشيط بن صالح، عن هشام بن الحكم عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من فقه الضيف أن لا يصوم تطوعا إلا بإذن صاحبه، و من طاعة المرأة زوجها أن لا تصوم تطوعا إلا بإذنه وأمره، ومن صلاح العبد و طاعته ونصيحته لمولاه أن لا يصوم تطوعا إلا بإذن مولاه، ومن بر الولد بأبويه أن لا يصوم تطوعا إلا بإذن أبويه وأمرهما، وإلا كان الضيف جاهلا، وكانت المرأة عاصية وكان العبد فاسدا عاصيا، وكان الولد عاقا(٢) ".

___________________________________

(١) الاحتشام بمعنى الغضب وبمعنى الحياء وبمعنى الخجلة والانقباض.

وقوله " ويشتهى " أى حالكونه يشتهى الطعام فيتركه لهم مع اشتهائه.

(٢) اختلف الاصحاب في صوم الضيف نافلة من دون اذن مضيفه فقال المحقق في الشرايع انه مكروه الا مع النهى فيفسد، وقال في النافع والمعتبر: انه غير صحيح، وأطلق العلامة وجماعة الكراهة وهو المعتمد كما هو الظاهر من سياق الرواية، وقوله صلى الله عليه وآله " وكانت المرآة عاصية " يدل على حرمة صومها بدون اذن زوجها مطلقا (المرآة) وقال ملاذنا وفقيه عصرنا الآية الخوانسارى دامت بركاته: وقد يفصل بين عدم الاذن والنهى لما في خبر هشام من التعبير بالعقوق والعصيان ويمكن أن يقال: لعل التعبير بالعقوق والعصيان للمبالغة في الكراهة مع حفظ اطلاق عدم الاذن لصورة عدم النهى (جامع المدارك ج ٢ ص ٢٣٠).

١٥٥

باب الغسل في الليالي المخصوصة في شهر رمضان وما جاء في العشر الاواخر و... في ليلة القدر

٢٠١٥ - روى العلاء، عن محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام أنه قال: " يغتسل في ثلاث ليال من شهر رمضان، في تسع عشرة، وإحدى وعشرين، وثلاث وعشرين، وأصيب أمير المؤمنين عليه السلام في تسع عشرة، وقبض عليه السلام في إحدى وعشرين، قال: الغسل في أول الليل وهو يجزي إلى آخره(١) ".

٢٠١٦ - وقد روي أنه " يغتسل في ليلة سبع عشرة ".

٢٠١٧ - وروى زرارة، وفضيل عن أبي جعفر عليه السلام قال: " الغسل في شهر رمضان عند وجوب الشمس قبيله، ثم يصلي ويفطر(٢) ".

٢٠١٨ - وروى سماعة، عن أبي بصير عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا دخل العشر الاواخر شد المئزر(٣) واجتنب النساء وأحيا الليل و تفرغ للعبادة ".

٢٠١٩- وروى سليمان الجعفري عن أبي الحسن عليه السلام أنه قال: " صل ليلة إحدى وعشرين، وثلاث وعشرين مائة ركعة، تقرأ في كل ركعة الحمد مرة و قل هو الله أحد عشر مرات".

٢٠٢٠ - وقال الصادق عليه السلام: " في ليلة تسع عشرة من شهر رمضان التقدير، وفي ليلة إحدى وعشرين القضاء، وفي ليلة ثلاث وعشرين إبرام ما يكون في السنة إلى مثلها(٤) ، ولله عزوجل أن يفعل ما يشاء في خلقه ".

٢٠٢١- وروى رفاعة عنه عليه السلام أنه قال: " ليلة القدر هي أول السنة وهي آخرها "(٥) .

___________________________________

(١) يدل أن الغسل في أول الليل أفضل.

(٢) وجوب الشمس غروبها، في القاموس وجب الشمس وجبا ووجوبا غابت، و " قبيلة " أى قبل سقوط الشمس وغروبها بقليل.

(٣) شد المئزر كناية عن الجد والاجتهاد في العبادة أو عن اجتناب النساء أو عنهما معا وعلى الاخيرين يكون العطف تفسيرا أو تخصيصا بعد التعميم والاول أظهر. (م ت)

(٤) هكذا جاء في هذه الرواية وفى الكافى ج ٤ ص ١٥٩ مسندا عن زرارة قال: قال أبوعبدالله عليه السلام: " التقدير في ليلة تسع عشرة، والابرام في ليلة احدى وعشرين، والامضاء في ليلة ثلاث وعشرين ".

(٥) الظاهر أن الاولية باعتبار التقدير أى أول السنة التى يقدر فيها الامور لليلة القدر والاخرية باعتبار المجاورة فان ما قدر في السنة الماضية انتهى اليها كما سيجئ =

١٥٦

٢٠٢٢ - " وأري(١) رسول الله صلى الله عليه وآله في منامه بني أمية يصعدون منبره من بعده يضلون الناس عن الصراط القهقرى فأصبح كئيبا حزينا، فهبط عليه جبرئيل عليه السلام فقال: يا رسول الله مالي أراك كئيبا حزينا؟ قال: يا جبرئيل إني رأيت بني أمية في ليلتي هذه يصعدون منبري من بعدي يضلون الناس عن الصراط القهقرى فقال: والذي بعثك بالحق نبيا إن هذا لشئ ما اطلعت عليه، ثم عرج إلى السماء فلم يلبث أن نزل عليه بآي من القرآن يؤنسه بها: " أفرأيت إن متعناهم سنين ثم جاء‌هم ما كانوا يوعدون ما أغنى ما كانوا يمتعون(٢) " وأنزل عليه " إنا أنزلناه في ليلة القدر * وما أدراك ما ليلة القدر * ليلة القدر خير من ألف شهر " جعل ليلة القدر لنبيه صلى الله عليه وآله خيرا من ألف شهر من ملك بني أمية "(٣) .

___________________________________

= أن اول السنة التى يحل فيها الاكل والشرب يوم الفطر، أو أن عملها يكتب في آخر السنة الاولى وأول السنة الثانية كصلاة الصبح في أول الوقت، أو يكون أول السنة باعتبار تقدير ما يكون في السنة الثانية وآخر السنة المقدر فيها الامور. (م ت)

(١) في الكافى ج ٤ ص ١٥٩ باسناده عن أبى عبدالله عليه السلام قال: " رأى رسول الله صلى الله عليه وآله الخ ".

(٢) قال في المجمع معناه: أرأيت ان أنظرناهم أو أخرناهم سنين ومتعناهم بشئ من الدنيا ثم أتاهم العذاب لم يغن عنهم ما متعوا في تلك السنين من النعيم لازديادهم في الاثام واكتسابهم من الاجرام.

(٣) قد حوسب مدة ملك بنى أمية فكانت ألف شهر من دون زيادة يوم ولا نقصان يوم وانما ارى اضلالهم للناس عن الدين القهقرى لان الناس كانوا يظهرون الاسلام وكانوا يصلون إلى القبلة ومع هذا كانوا يخرجون من الدين شيئا فشيئا كالذى يرتد عن الصراط السوى القهقرى ويكون وجهه إلى الحق حتى إذا بلغ غاية سعيه رأى نفسه في جهنم (الوافى).

أقول: في هامش الطبع الاول من الوافى الذى لم يتم طبعه " أن المستفاد من كتب السير أن أول انفراد بنى امية بالامر كان عند ما صالح الحسن بن على عليهما السلام معاوية سنة ٤٠ من الهجرة وكان انقضاء ملكهم على يد أبى مسلم المروزى سنة ١٣٢ منها، فكانت تمام دولتهم اثنتان وتسعون سنة حذفت منها خلافة عبدالله بن الزبير وهى ثمان سنين وثمانية أشهر بقى ثلاث وثمانون سنة وأربعة أشهر بلا زيادة ولا نقصان وهى ألف شهر انتهى.

أقول: ولعل المراد بألف شهر المبالغة في التكثير، لا حقيقة.

١٥٧

٢٠٢٣ - وسأل رجل الصادق عليه السلام فقال: " أخبرني عن ليلة القدر كانت أو تكون في كل عام؟ فقال: لو رفعت ليلة القدر لرفع القرآن "(١) .

٢٠٢٤ - وسأل حمران أبا جعفر عليه السلام " عن قول الله عزوجل: " إنا أنزلناه في ليلة مباركة " قال: هي ليلة القدر وهي في كل سنة في شهر رمضان في العشر الاواخر، ولم ينزل القرآن إلا في ليلة القدر قال الله عزوجل: " فيها يفرق كل أمر حكيم " قال: يقدر في ليلة القدر كل شئ يكون في تلك السنة إلى مثلها من قابل من خير أو شر، أو طاعة أو معصية، أو مولود أو أجل أو رزق، فما قدر في تلك الليلة وقضي فهو المحتوم ولله عزوجل فيه المشيئة، قال: قلت له: ليلة القدر خير من ألف شهر أي شئ عنى بذلك؟ فقال: العمل الصالح في ليلة القدر(٢) ولولا ما يضاعف الله تبارك وتعالى للمؤمنين ما بلغوا(٣) ولكن الله عزوجل يضاعف لهم الحسنات ".

٢٠٢٥ - وسئل الصادق عليه السلام " كيف تكون ليلة القدر خيرا من ألف شهر؟ قال العمل الصالح فيها خير من العمل في ألف شهر ليس فيها ليلة القدر ".(٤)

___________________________________

(١) اى تبقى ليلة القدر إلى انقضاء التكليف الذى علامته رفع القرآن إلى السماء، ويحتمل أن يكون المعنى رفع حكم القرآن ومدلوله أى لو ذهبت ليلة القدر بطل حكم القرآن حيث يدل على استمراره فان قوله " تنزل الملائكة والروح فيها " يدل على الاستمرار التجددى ثم اعلم أنه لا خلاف بين الامامية في استمرار ليلة القدر وبقائها، واليه ذهب أكثر العامة وذهب شاذ منهم إلى أنها كانت مختصة بزمن الرسول صلى الله عليه وآله وبعد وفاته رفعت.

(٢) في الكافى ج ٤ ص ١٥٨ " العمل الصالح فيها من الصلاة والزكاة وأنواع الخير خير من العمل في ألف شهر ليس فيها ليلة القدر " ولعل هذه الزيادة سقطت من نسخة الفقيه.

(٣) أى غاية الفضل والثواب. (المرآة)

(٤) في الكافى هذا الخبر جزء من حديث حمران المتقدم كما أشرنا اليه.

١٥٨

٢٠٢٦ - وروى علي بن حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " نزلت التوراة في ست مضين من شهر رمضان، ونزل الانجيل في اثنى عشرة مضت من شهر رمضان، ونزل الزبور في ليلة ثمان عشرة من شهر رمضان، ونزل القرآن [الفرقان خ ل) في ليلة القدر ".

٢٠٢٧ - وروي عن العلاء، عن محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال: " سألته عن علامة ليلة القدر؟ فقال: علامتها أن تطيب ريحها وإن كانت في برد دفئت(١) وإن كانت في حر بردت وطابت ".

٢٠٢٨ - وسئل عليه السلام " عن ليلة القدر فقال: تنزل فيها الملائكة والكتبة إلى السماء الدنيا فيكتبون ما يكون في أمر السنة وما يصيب العباد وأمر عنده عزوجل موقوف له فيه المشيئة فيقدم منه(٢) ما يشاء ويؤخر منه ما يشاء ويمحو ويثبت وعنده أم الكتاب ".

٢٠٢٩ - وروي عن علي بن أبي حمزة(٣) قال: " كنت عند أبي عبدالله عليه السلام فقال له أبوبصير: جعلت فداك الليلة التي يرجى فيها ما يرجى(٤) أي ليلة هي؟ فقال: في ليلة إحدى وعشرين أو ثلاث وعشرين، قال: فإن لم أقو على كلتيهما؟ فقال: ما أيسر ليلتين فيما تطلب، قال: فقلت: ربما رأينا الهلال عندنا وجاء‌نا من يخبرنا بخلاف ذلك في أرض أخرى؟ فقال: ما أيسر أربع ليال فيما تطلب فيها، قلت: جعلت فداك ليلة

___________________________________

(١) بالدال المهملة مهموزة اللام من باب فرح أى سخنت.

(٢) الظاهر أن " له " خبر المشيئة قدم عليها، و " فيه " متعلق به، ولعل المراد بذلك الامر ما لم يطلع الكتبة على تفصيله فيكتبونه على وجه الاجمال وتفصيله موكول إلى مشيئة الله تعالى ومعنى التقديم والتأخير أنه قد تراء‌ى منه أنه يقدم وهو في علم الله تعالى الذى لم يطلع عليه أحد مؤخر فيؤخر أو بالعكس، ولعل ذلك هو معنى المحو والاثبات ومعنى البداء. (مراد)

(٣) السند ضعيف لانه البطائنى تحقيقا.

(٤) يعنى من الرحمة والمغفرة وتضاعف الحسنات وقبول الطاعات يعنى بها ليلة القدر (الوافى) وفى بعض النسخ " نرجو فيها ما نرجو ".

١٥٩

ثلاث وعشرين ليلة الجهني(١) قال: إن ذلك ليقال، قلت: جعلت فداك إن سليمان بن خالد روى أن في تسع عشرة يكتب وفد الحاج(٢) ، فقال: يا أبا محمد وفد الحاج يكتب في ليلة القدر والمنايا(٣) والبلايا والارزاق وما يكون إلى مثلها في قابل فاطلبها في إحدى وعشرين وثلاث وعشرين، وصل في كل واحدة منهما مائة ركعة وأحيهما إن استطعت إلى النور(٤) واغتسل فيهما، قال: قلت: فإن لم أقدر على ذلك وأنا قائم؟ قال: فصل وأنت جالس، قلت: فإن لم أستطع؟ قال: فعلى فراشك، قلت: فإن لم أستطع؟ فقال: لا عليك أن تكتحل أول الليل بشئ من النوم(٥) إن أبواب السماء تفتح في شهر رمضان وتصفد الشياطين(٦) وتقبل الاعمال أعمال المؤمنين نعم الشهر شهر رمضان كان يسمى على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله المرزوق ".

٢٠٣٠ - وروى محمد بن حمران، عن سفيان بن السمط قال: قلت لابي عبدالله عليه السلام: " الليالي التي يرجى فيها من شهر رمضان؟ فقال: تسع عشرة، وإحدى و عشرين، وثلاث وعشرين، قلت: فإن أخذت إنسانا الفترة أو علة ما المعتمد عليه من ذلك؟ فقال: ثلاث وعشرين ".

٢٠٣١ - وفي رواية عبدالله بن بكير، عن زرارة عن أحدهما عليهما السلام قال: " سألته عن الليالي التي يستحب فيها الغسل في شهر رمضان؟ فقال: ليلة تسع عشرة

___________________________________

(١) اشارة إلى ما يأتى تحت رقم ٢٠٣١ وقوله " ما أيسر " يدل على استحباب الاحتياط في الامور المستحبة عند اشتباه الهلال لئلا يقع في حرام كصوم يوم عرفة عند اشتباه الهلال في ذى الحجة لاحتمال العيد المحرم صومه.

(٢) وفد الحاج هم القادمون إلى مكة للحج فان في تلك الليلة تكتب أسماء من قدر أن يحج في تلك السنة. (الوافى)

(٣) المنايا جمع المنية وهى الموت. والبلايا جمع البلية وهى الافات.

(٤) النور كناية عن انفجار الصبح بالفلق. (الوافى)

(٥) استعارة عن قلة النوم أول الليل. و " لا عليك " أى لا بأس عليك.

(٦) في القاموس صفده يصفده: شده وأوثقه كأصفده وصفده من باب التفعيل.

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345