• البداية
  • السابق
  • 345 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 14046 / تحميل: 5086
الحجم الحجم الحجم
الأخلاق في القرآن

الأخلاق في القرآن الجزء ١

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٨١٣٩-٠٥-٩
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

أي فئتين من المؤمنين وقع القتال بينهما، وأنّه لا ينبغي لأحد أن يفضّل أي فئة منهما على الأُخرى، حتّى لا تحدث فتنة. (1)

2 - حرّمت الإباضيّة الزواج بين من ربطت بينهما علاقة إثم، وقد كانوا في تحريمهم لهذا الزواج يستندون إلى روح الإسلام الّذي يحارب الفاحشة. (2) وقد انفردوا به من بين سائر المذاهب.

3 - منعت الإباضيّة المسلم من إراقة ماء الوجه والتعرّض لمذلّة السؤال؛ فإذا هانت عليه كرامته، وذهب يسأل الناس الزكاة، حَرُم منها عقاباً له على هذا الهوان، وتعويداً له على الاستغناء عن الناس، والاعتماد على الكفاح. (3)

مؤسّس المذهب الإباضي ودعاته في العصور الأُولى:

قد تعرّفت على عقائد الإباضيّة، فحان البحث عن أئمّتهم ودعاتهم في العصور الأُولى.

1 - عبد الله بن إباض، مؤسّس المذهب:

هو عبد الله بن إباض، المقاعسي، المري، التميمي، ابن عبيد، ابن مقاعس، من دعاة الإباضيّة، بل هو مؤسّس المذهب.

____________________

(1) انظر: الإباضيّة في مصر والمغرب: 61.

(2) الإباضيّة في موكب التاريخ: 111 - 112.

(3) الإباضيّة في موكب التاريخ: 116.

١٤١

قد اشتهرت هذه الفِرقة بالإباضيّة من أوّل يوم، وهذا يدلُّ على أنّه كان لعبد الله بن إباض، دور في نشوء هذه الفِرقة وازدهارها.

2 - جابر بن زيد العماني، الأزدي:

جابر بن زيد، أبو الشعثاء، الأزدي، اليحمدي، البصري، مشهور بكنيته، فقيه الإباضيّة، مات سنة 93هـ، ويقال: مائة. يروي عن عبد الله بن عبّاس.

3 - أبو عبيدة، مسلم بن أبي كريمة (المتوفّى حوالي 158هـ):

مسلم بن أبي كريمة التميمي، توفّي في ولاية أبي جعفر المنصور المتوفّى سنة 158هـ، قال عنه ابن الجوزي: مجهول.

أخذ العلم عن جابر بن عبد الله، وجابر بن زيد، وضمار السعيدي، وجعفر السمّاك وغيرهم.

حمل العلم عنه الربيع بن حبيب الفراهيدي؛ صاحب المسند، وأبو الخطّاب المعافري، وعبد الرحمن بن رستم، وعاصم السدراتي، وغيرهم.

4 - أبو عمرو، ربيع بن حبيب الفراهيدي:

هو من أئمّة الإباضيّة، وهو صاحب المسند المطبوع، ولم نجد له ترجمة وافية في كتب الرجال لأهل السنّة، ويُعدّ في طليعة الجامعين للحديث والمصنّفين فيه.

١٤٢

5 - أبو يحيى عبد الله بن يحيى الكندي:

عبد الله بن يحيى بن عمر الكندي، من حضرموت، وكان قاضياً لإبراهيم بن جبلة؛ عامل القاسم بن عمر على حضرموت، وهو عامل مروان على اليمن، خرج بحضرموت والتفَّ حوله جماعة عام 128هـ، وبسط سيطرته على عُمان واليمن والحجاز، وفي عام 130هـ جهّز مروان بن محمد جيشاً بقيادة عبد الملك بن محمد بن عطيّة السعدي، فكانت بينهم حرب عظيمة، قُتل فيها عبد الله بن يحيى وأكثر من معه من الإباضيّة، ولحق بقيّة الخوارج ببلاد حضرموت.

دول الإباضيّة:

قد قام باسم الإباضيّة، عدد من الدول في أربعة مواضع من البلاد الإسلاميّة:

1 - دولة في عُمان، استقلّت عن الدولة العباسيّة في عهد أبي العباس السفّاح، سنة 132هـ، ولا تزال إلى اليوم.

2 - دولة في ليبيا، سنة 140هـ، ولم تعمّر طويلاً؛ فقد انتهت بعد ثلاث سنوات.

3 - دولة في الجزائر، قامت سنة 160هـ، وبقيت إلى حوالي 190هـ، ثُمَّ قضت عليها الدولة العبيديّة.

١٤٣

4 - دولة قامت في الأندلس، ولا سيّما في جزيرتي ميورقة ومينورقة، وقد انتهت يوم انتهت الأندلس.

هذه هي الإباضيّة، وهذا ماضيهم وحاضرهم، وقد قدّمنا إليك صورة موجزة من تاريخهم ونشأتهم وشخصيّاتهم وعقائدهم.

١٤٤

13

الشِّيعة الإماميّة

الشّيعة لغة واصطلاحاً:

الشيعة لغة هم: الجماعة المتعاونون على أمر واحد في قضاياهم، يقال تشايع القوم إذا تعاونوا، وربّما يطلق على مطلق التابع، قال سبحانه: ( فَاسْتَغَاثَهُ الّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الّذِي مِنْ عَدُوّه ) (1) ، وقال تعالى: ( وَإِنّ مِن شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ * إِذْ جَاءَ رَبّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ) (2) .

وأمّا اصطلاحاً، فلها إطلاقات عديدة، بملاكات مختلفة:

1 - الشيعة: من أحبَّ عليّاً وأولاده باعتبارهم أهل بيت النبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) الّذين فرض الله سبحانه مودّتهم، قال عزَّ وجلَّ: ( قُل لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلّا الْمَوَدّةَ فِي الْقُرْبَى ) (3) . والشّيعة بهذا المعنى تعمّ كلّ المسلمين، إلاّ النواصب؛ بشهادة أنّهم يصلّون على نبيّهم وآله في صلواتهم وأدعيتهم، ويتلون الآيات النازلة في حقّهم صباحاً ومساءً، وهذا هو الإمام الشافعي يصفهم بقوله:

يـا أهل بيت رسول الله حبكم

فرض من الله في القرآن أنزله

____________________

(1) القصص: 15.

(2) الصافات: 83 - 84.

(3) الشورى: 23.

١٤٥

كـفاكم مـن عـظيم الشأن أنّكم

مَن لم يصلّ عليكم لا صلاة له (1)

2 - من يفضّل عليّاً على عثمان، أو على الخلفاء عامّة، مع اعتقاده بأنّه رابع الخلفاء، وإنّما يقدّم؛ لاستفاضة مناقبه وفضائله عن الرسول الأعظم، والّتي دوّنها أصحاب الحديث في صحاحهم ومسانيدهم.

3 - الشيعة من يشايع علياً وأولاده باعتبار أنّهم خلفاء الرسول وأئمة الناس بعده، نَصَبهم لهذا المقام بأمر من الله سبحانه، وذكر أسماءهم وخصوصيَّاتهم. والشيعة بهذا المعنى هو المبحوث عنه في المقام، وقد اشتُهر بأنّ عليّاً هو الوصيّ حتّى صار من ألقابه، وذكره الشعراء بهذا العنوان في قصائدهم، وهو يقول في بعض خطبه:

«لا يقاس بآل محمد من هذه الأُمّة أحد، ولا يسوّى بهم من جرت نعمتهم عليه أبداً، هم أساس الدين، وعماد اليقين، إليهم يفيء الغالي، وبهم يلحق التالي، ولهم خصائص حقِّ الولاية، وفيهم الوصيّة والوراثة». (2)

ومُجمل القول: إنّ هذا اللفظ يشمل كلَّ من قال إنّ قيادة الأُمّة لعليّ بعد الرسول (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، وإنّه يقوم مقامه في كلِّ ما يمتُّ إليه، سوى النبوّة ونزول الوحي عليه، كلّ ذلك بتنصيص من الرسول.

وعلى ذلك، فالمقوّم للتشيّع، وركنه الرّكين، هو القول بالوصاية والقيادة، بجميع شؤونها، للإمام (عليه السّلام)، فالتشيّع هو الاعتقاد بذلك، وأمّا ما سوى ذلك، فليس مقوّماً لمفهوم التشيّع، ولا يدور عليه إطلاق الشيعة.

____________________

(1) الصواعق: 148.

(2) نهج البلاغة: الخطبة 2.

١٤٦

الفصل الأوّل:

مبدأ التشيّع وتاريخ تكوّنه

زعم غير واحد من الكتّاب القدامى والجدد، أنّ التشيّع كسائر المذاهب الإسلاميّة، من إفرازات الصراعات السياسيّة، وذهب بعض آخر إلى القول إنّه نتيجة الجدال الكلامي والصراع الفكري، فأخذوا يبحثون عن تاريخ نشوئه وظهوره في الساحة الإسلاميّة، وكأنّهم يتلقّون التشيّع كظاهرة طارئة على المجتمع الإسلامي، ويظنّون أنّ القطاع الشيعي من جسم الأُمّة الإسلاميّة، باعتباره قطاعاً تكوّن على مرّ الزمن؛ لأحداث وتطورات سياسيّة أو اجتماعيّة أو فكريّة، أدَّت إلى تكوين ذلك المذهب كجزء من ذلك الجسم الكبير، ثُمَّ اتسع ذلك الجزء بالتدريج.

وبعد أن افترض هؤلاء أنّه أمر طارئ، أخذوا بالفحص والتفتيش عن علّته أو علله، فذهبوا في تعيين المبدأ إلى كونه ردّة فعل سياسيّة أو فكريّة، ولكنّهم لو كانوا عارفين أنّ التشيّع وُلِد منذ عهد النبيّ الأكرم (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)؛ لَمَا تسرّعوا في إبداء الرأي في ذلك المجال، ولعلموا أنّ التشيّع والإسلام وجهان لعملة واحدة، وليس للتشيّع تاريخ ولا مبدأ، سوى تاريخ الإسلام ومبدئه، وانّ النبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) هو الغارس لبذرة التشيّع في صميم الإسلام، من أوّل يوم أمَر بالصدع وإظهار الحقيقة، إلى أن لبىَّ دعوة ربه.

١٤٧

فالتشيّع ليس إلاّ عبارة عن استمرار قيادة النبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) بعد وفاته، عن طريق من نصبه إماماً للناس وقائداً للأُمّة، حتّى يرشدها إلى النهج الصحيح والهدف المنشود، وكان هذا المبدأ أمراً ركّز عليه النبيّ في غير واحد من المواقف الحاسمة، فإذا كانّ التشيع متبلوراً في استمرار القيادة بالوصيّ، فلا نجد له تاريخاً سوى تاريخ الاسلام، والنصوص الواردة عن رسوله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم).

والشيعة هم المسلمون من المهاجرين والأنصار، ومن تبعهم بإحسان في الأجيال اللاحقة، هم الّذين بقوا على ما كانوا عليه في عصر الرسول في أمر القيادة، ولم يغيّروه، ولم يتعدّوا عنه إلى غيره، ولم يأخذوا بالمصالح المزعومة في مقابل النصوص، وصاروا بذلك المصداق الأبرز لقوله سبحانه: ( يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا لاَ تُقَدّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللّهِ وَرسُولِهِ وَاتّقُوا اللّهَ إِنّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) (1) .

ففزعوا في الأُصول والفروع إلى عليّ وعترته الطاهرة، وانحازوا عن الطائفة الأُخرى؛ الّذين لم يتعبدوا بنصوص الخلافة والولاية وزعامة العترة؛ حيث تركوا النصوص وأخذوا بالمصالح.

إنّ الآثار المرويّة في حق شيعة الإمام عن لسان النبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) ترفع اللّثام عن وجه الحقيقة، وتُعرب عن التفاف قسم من المهاجرين حول الوصيّ، فكانوا معروفين بشيعة عليّ في عصر الرسالة، وأنّ النبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) وصفهم في كلماته بأنّهم هم الفائزون، وإن كنت في شك من هذا الأمر، فسأتلو عليك بعض ما ورد من النصوص في المقام.

____________________

(1) الحجرات: 1.

١٤٨

1 - أخرج ابن مردويه، عن عائشة، قالت: قلت: يا رسول الله من أكرم الخلق على الله؟، قال: يا عائشة، أما تقرأين ( إِنّ الّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحَاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيّةِ ) (1) . (2)

2 - أخرج ابن عساكر، عن جابر بن عبد الله، قال: كنّا عند النبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، فأقبل عليّ، فقال النبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): «والّذي نفسي بيده، إنّ هذا وشيعته لهم الفائزون يوم القيامة»، ونزلت: ( إِنّ الّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحَاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيّةِ ) ، فكان أصحاب النبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، إذا أقبل عليّ قالوا: جاء خير البريّة. (3)

3 - أخرج ابن عدي، عن ابن عبّاس، قال: لمّا نزلت ( إِنّ الّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحَاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيّةِ ) قال رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) لعلي: «هو أنت وشيعتك يوم القيامة، راضين مرضيّين». (4)

4 - أخرج ابن مردويه، عن عليّ، قال: قال لي رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): «ألم تسمع قول الله: ( إِنّ الّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحَاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيّةِ ) أنت وشيعتك، وموعدي وموعدكم الحوض، إذا جاءت الأُمم للحساب تدعون غرّاً محج<لين». (5)

5 - روى ابن حجر في صواعقه، عن أُم سلمة: كانت ليلتي، وكان النبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) عندي، فأتته فاطمة، فتبعها عليّ (رضي الله عنه)، فقال النبيّ: «يا عليّ أنت وأصحابك في الجنّة، أنت وشيعتك في الجنة». (6)

____________________

(1) البينة: 7.

(2 و3 و4 و5) الدر المنثور: 6/589.

(6) الصواعق: 161.

١٤٩

6 - روى أحمد في المناقب: إنّه (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) قال لعليّ: «أمَا ترضى أنّك معي في الجنّة، والحسن والحسين وذريّتنا خلف ظهورنا، وأزواجنا خلف ذريّتنا، وشيعتنا عن أيماننا وشمائلنا». (1)

7 - أخرج الديلمي: (يا عليّ، إنّ الله قد غفر لك ولذريّتك ولولدك ولأهلك ولشيعتك، فابشر إنّك الأنزع البطين). (2)

8 - روى المغازلي بسنده عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): «يدخلون من أُمّتي الجنة سبعون ألفاً لا حساب عليهم»، ثُمَّ التفت إلى عليّ، فقال: «هم شيعتك وأنت أمامهم». (3)

إلى غير ذلك من الروايات الّتي تُعرب عن أنّ عليّاً (عليه السّلام) كان متميّزاً بين أصحاب النبيّ؛ بأنّ له شيعة وأتباعاً، ولهم مواصفات وسمات كانوا مشهورين بها، في حياة النبيّ وبعدها.

الشيعة في كلمات المؤرّخين وأصحاب الفِرق:

قد غلب استعمال الشيعة بعد عصر الرسول، تبعاً له فيمن يوالي عليّاً وأهل بيته، ويعتقد بإمامته ووصايته، ويَظهر ذلك من خلال كلمات المؤرّخين وأصحاب المقالات؛ نشير إلى بعضها:

1 - روى المسعودي في حوادث وفاة النبيّ: إنّ الإمام عليّاً أقام ومن

____________________

(1) الصواعق: 161.

(2) المصدر نفسه.

(3) مناقب المغازلي: 293.

١٥٠

معه من شيعته في منزله، بعد أن تمّت البيعة لأبي بكر. (1)

2 - وقال النوبختي (المتوفّى 313هـ): إنّ أوّل الفِرق، الشيعة؛ وهم فِرقة عليّ بن أبي طالب، المسمّون شيعة عليّ في زمان النبيّ وبعده، معروفون بانقطاعهم إليه، والقول بإمامته. (2)

3 - وقال أبو الحسن الأشعري: وإنّما قيل لهم: الشيعة، لأنّهم شايعوا عليّاً، ويقدّمونه على سائر أصحاب رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم). (3)

4 - ويقول الشهرستاني: الشيعة هم الّذين شايعوا عليّاً في الخصوص، وقالوا بإمامته وخلافته نصّاً ووصيّةً. (4)

5 - وقال ابن حزم: ومن وافق الشيعة في أنّ عليّاً أفضل الناس بعد رسول الله وأحقّهم بالإمامة، وولْده من بعده. (5)

هذا غيض من فيض، وقليل من كثير، ممّا جاء في كلمات المؤرّخين وأصحاب المقالات، تُعرب عن أنّ لفيفاً من الأُمّة في حياة الرسول وبعده، إلى عصر الخلفاء وبعدهم، كانوا مشهورين بالتشيّع لعليّ، وأنّ لفظة الشيعة ممّا نطق بها الرسول وتبعته الأُمّة عليه.

____________________

(1) الوصيّة: 121.

(2) فِرق الشيعة: 15.

(3) مقالات الإسلاميّين: 1/65.

(4) الملِل والنحل: 1/131.

(5) الفصل في الملِل والنحل: 2/113.

١٥١

رواد التشيع في عصر النبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم):

وإليك أسماء لفيف من الصحابة الشيعة المعروفين بالتشيّع:

1 - عبد الله بن عبّاس. 2 - الفضل بن العبّاس. 3 - عبيد الله بن العبّاس. 4 - قثم بن العبّاس. 5 - عبد الرحمن بن العبّاس. 6 - تمام بن العبّاس. 7 - عقيل بن أبي طالب. 8 - أبو سفيان بن الحرث بن عبد المطلب. 9 - نوفل بن الحرث. 10 - عبد الله بن جعفر بن أبي طالب. 11 - عون بن جعفر. 12 - محمد بن جعفر. 13 - ربيعة بن الحرث بن عبد المُطّلب. 14 - الطفيل بن الحرث. 15 - المغيرة بن نوفل بن الحارث. 16 - عبد الله بن الحرث بن نوفل. 17 - عبد الله بن أبي سفيان بن الحرث. 18 - العبّاس بن ربيعة بن الحرث. 19 - العبّاس بن عُتبة بن أبي لهب. 20 - عبد المُطّلب بن ربيعة بن الحرث. 21 - جعفر بن أبي سفيان بن الحرث.

هؤلاء من مشاهير بني هاشم، وأمّا غيرهم، فإليك أسماء لفيف منهم:

22 - سلمان المحمّدي. 23 - المقداد بن الأسود الكندي. 24 - أبوذر الغفاري. 25 - عمّار بن ياسر. 26 - حذيفة بن اليمان. 27 - خزيمة بن ثابت. 28 - أبو أيّوب الأنصاري. 29 - أبو الهيثم مالك بن التيهان. 30 - أُبي بن كعب. 31 - سعد بن عبادة. 32 - قيس بن سعد بن عبادة. 33 - عدي بن حاتم. 34 - عبادة بن الصامت. 35 - بلال بن رباح الحبشي. 36 - أبو رافع مولى رسول الله. 37 - هاشم بن عتبة. 38 - عثمان بن حُنيف. 39 - سهل بن حُنيف. 40 - حكيم بن جبلة العبدي. 41 - خالد بن سعيد بن العاص. 42 - أبو الحصيب الأسلمي. 43 - هند بن أبي هالة

١٥٢

التميمي. 44 - جعدة بن هبيرة. 45 - حجر بن عدي الكندي. 46 - عمرو بن الحمق الخزاعي. 47 - جابر بن عبد الله الأنصاري. 48 - محمّد بن أبي بكر. 49 - أبان بن سعيد بن العاص. 50 - زيد بن صوحان الزيدي.

هؤلاء خمسون صحابيّاً من الطبقة العليا للشيعة، فمن أراد التفصيل والوقوف على حياتهم وتشيّعهم، فليرجع إلى الكتب المؤلَّفة في الرجال.

١٥٣

الفصل الثاني:

شبهات حول تاريخ الشيعة

قد تعرّفت على تاريخ التشيع، وأنّه ليس وليد الجدال الكلامي، ولا إنتاج السياسات الزمنيّة؛ وإنّما هو وجه آخر للإسلام، وهما وجهان لعملة واحدة، إلاّ أنّ هناك جماعة من المؤرّخين وكتّاب المقالات، ظنّوا أنّ التشيّع أمر حادث وطارئ على المجتمع الإسلامي، فأخذوا يفتّشون عن مبدئه ومصدره، وراحوا يثيرون الشبهات حول تاريخه، وإليك استعراض هذه الشبهات نقداً وتحليلاً.

الشبهة الأُولى:

الشيعة ويوم السقيفة

إنّ مأساة السقيفة جديرة بالقراءة والتحليل، وقد تخيّل لبعض المؤرخين أنّ التشيّع ظهر بعدها.

يقول الطبري: اجتمع الأنصار في سقيفة بني ساعدة؛ ليبايعوا سعد بن عبادة، فبلغ ذلك أبا بكر، فأتاهم ومعه عمر وأبو عبيدة بن الجراح، فقال: ما هذا؟، فقالوا: منّا أمير ومنكم أمير، فقال أبو بكر: منّا الأمراء ومنكم الوزراء - إلى أن

١٥٤

قال: - فبايعه عمر، وبايعه الناس، فقالت الأنصار أو بعض الأنصار: لا نبايع إلاّ عليّاً، ثُمَّ قال: أتى عمر بن الخطاب منزل عليّ، وفيه طلحة والزّبير ورجال من المهاجرين، فقال: والله لأحرقنّ عليكم أو لتخرجنّ إلى البيعة، فخرج عليه الزبير مسلطاً بالسيف فعثر، فسقط السيف من يده، فوثبوا عليه فأخذوه.

وقال أيضاً: وتخلّف عليّ والزّبير، واخترط الزبير سيفه، وقال: لا أغمده حتّى يُبَايَع عليّ، فبلغ ذلك أبا بكر وعمر، فقالا: خذوا سيف الزبير. (1)

يُلاحظ عليه: أنّ هذه النصوص تدلّ على أنّ فكرة التشيّع لعليّ، كانت مختمرة في أذهانهم منذ عهد الرسول إلى وفاته، فلمّا رأت الجماعة أنّ الحق خرج عن محوره، عمدوا إلى التمسّك بالحق بالاجتماع في بيت عليّ، الّذي أوصّاهم النبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) به طيلة حياته؛ إذ من البعيد جداً أن يجتمع رأيهم على عليّ في يوم واحد في ذلك اليوم العصيب، فالمعارضة كانت استمراراً لما كانوا يلتزمون به في حياة النبيّ، ولم تكن فكرة خلقتها الظروف والأحداث.

كان أبوذر وقت أخذ البيعة غائباً، ولمّا جاء، قال: أصبتم قناعة، وتركتم قرابة، لو جعلتم الأمر في أهل بيت نبيّكم، لَمَا اختلف عليكم اثنان. (2)

وقال سلمان: أصبتم ذا السن، وأخطأتم المعدن، أمّا لو جعلتموه فيهم، ما اختلف منكم اثنان، ولأكلتموها رغداً.

وروى الزبير بن بكار في الموفقيّات: إنّ عامّة المهاجرين، وجلّ الأنصار، كانوا لا يشكّون أنّ عليّاً هو صاحب الأمر.

____________________

(1) تاريخ الطبري: 2/443 - 444.

(2) تاريخ اليعقوبي: 2/103.

١٥٥

وروى الجوهري في كتاب السقيفة: إنّ سلمان والزبير وبعض الأنصار، كان هواهم أن يبايعوا عليّاً.

وروى أيضاً: إنّه لمّا بويع أبو بكر واستقرَّ أمره، ندم قوم كثير من الأنصار على بيعته، ولام بعضهم بعضاً، وهتفوا باسم الإمام عليّ، ولكنّه لم يوافقهم. (1)

ومن المستحيل عادة، اختمار تلك الفكرة بين هؤلاء، في يوم واحد، بل يُعرب ذلك عن وجود جذور لها، قبل رحلة النبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، ويؤكد ذلك نداءاته الّتي ذكرها في حق عليّ وعترته، في مواقف متعدّدة، فامتناع الصحابة عن بيعة الخليفةن ومطالبتهم بتسليم الأمر إلى عليّ؛ إنّما هو لأجل مشايعتهم لعليّ زمن النبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، وما هذا إلاّ إخلاصاً و وفاءاً منهم للنبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، وأين هو من تكوّن التشيع يوم السقيفة؟!

الشبهة الثانية:

التشيّع صنيع عبد الله بن سبأ

كتب الطبري في تاريخه يقول:

كان عبد الله بن سبأ يهوديّاً من أهل صنعاء، أُمّه سوداء، فأسلم زمان عثمان، ثُمَّ تنقّل في بلدان المسلمين يحاول إضلالهم، فبدأ بالحجاز، ثُمَّ البصرة، ثُمَّ الكوفة، ثُمَّ الشام، فلم يقدر على ما يريد عند أحد من أهل الشّام، فأخرجوه حتّى أتى

____________________

(1) شرح نهج البلاغة: 6/43 - 44.

١٥٦

مصر، فاعتمر فيهم، فقال لهم فيما يقول: لعجب ممّن يزعم أنّ عيسى يرجع، ويكذِّب بأنّ محمّداً يرجع، وقد قال الله عز وجل: ( إِنّ الّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادّكَ إِلَى‏ مَعَادٍ ) (1) ، فمحمّد أحق بالرجوع من عيسى، قال: فقُبل ذلك عنه، ووضع لهم الرجعة، فتكلّموا فيها، ثُمَّ قال لهم بعد ذلك: إنّه كان ألف نبيّ، ولكلّ نبيّ وصيّ، وكان عليّ وصيّ محمّد، ثُمَّ قال: محمّد خاتم الأنبياء، وعليّ خاتم الأوصياء، وإنّ عثمان غاصب حق هذا الوصيّ وظالمه، فيجب مناهضته لإرجاع الحق إلى أهله.

وقد بثّ عبد الله بن سبأ دُعاته في البلاد الإسلاميّة، وأشار عليهم أن يُظهروا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والطعن في الأُمراء، فمال إليه وتبعه على ذلك جماعات من المسلمين، فيهم الصحابي الكبير، والتابعي الصالح، من أمثال: أبي ذر، وعمّار بن ياسر، ومحمّد بن حذيفة، وعبد الرحمن بن عديس، ومحمّد بن أبي بكر، وصعصعة بن صوحان العبدي، ومالك الأشتر، إلى غيرهم من أبرار المسلمين وأخيارهم، فكانت السبئيّة تثير الناس على ولاتهم، تنفيذاً لخطة زعيمها، وتضع كتباً في عيوب الأمراءن وترسل إلى غير مصرهم من الأمصار، فنتج عن ذلك قيام جماعات من المسلمين؛ بتحريض السبئيّين، وقدومهم إلى المدينة، وحصرهم عثمان في داره؛ حتّى قتل فيها، كلّ ذلك كان بقيادة السبئيّين ومباشرتهم.

إنّ المسلمين بعدما بايعوا علياً، ونكث طلحة والزبير بيعتهما، وخرجا إلى البصرة، رأى السبئيّون أنّ رؤساء الجيشين أخذوا يتفاهمون، وأنّه إن تمّ ذلك

____________________

(1) القصص: 85.

١٥٧

سيؤخذون بدم عثمان، فاجتمعوا ليلاً وقرروا أن يندسّوا بين الجيشين، ويثيروا الحرب بكرة، دون علم غيرهم، وإنّهم استطاعوا أن ينفّذوا هذا القرار الخطير في غلس الليل، قبل أن ينتبه الجيشان المتقاتلان، فناوش المندسّون من السبئيّين في جيش عليّ، من كان بإزائهم من جيش البصرة، ففزع الجيشان وفزع رؤساؤهما، وظنّ كلّ بخصمه شرّاً، ثُمَّ إنّ حرب البصرة وقعت بهذا الطريق، دون أن يكون لرؤساء الجيشين رأي أو علم. (1)

إلى هنا انتهت قصة السبئيّة؛ الّتي ذكرها الطبري في تاريخه.

نظرنا في الموضوع:

1 - إنّ ما جاء في تاريخ الطبري من القصة، لا يصحّ نسبته إلاّ إلى عفاريت الأساطير ومردة الجن؛ إذ كيف يصحّ لإنسان أن يصدّق أنّ يهوديّاً جاء من صنعاء، وأسلم في عصر عثمان، استطاع أنّ يُغري كبار الصحابة والتابعين ويخدعهم، ويطوف بين البلاد، واستطاع أن يكوّن خلايا ضدَّ عثمان، ويستقدمهم إلى المدينة، ويؤلّبهم على الخلافة الإسلاميّة، فيهاجموا داره ويقتلوه، بمرأى ومسمع من الصحابة العدول ومن تبعهم بإحسان، هذا شيء لا يحتمله العقل، وإن وطّن على قبول العجائب والغرائب!!

إنّ هذه القصّة تمسّ كرامة المسلمين والصحابة والتابعين، وتصوّرهم أُمّه ساذجة؛ يغترّون بفكر يهوديٍّ وفيهم السادة والقادة والعلماء والمفكرون.

2 - إنّ القراءة الموضوعيّة للسيرة والتاريخ، تُوقفنا على سيرة عثمان بن

____________________

(1) انظر تاريخ الطبري: 3/378، نقل بتصرف وتلخيص.

١٥٨

عفّان، ومعاوية بن أبي سفيان، فإنّهما كانا يعاقبان المعارضين لهم، وينفون المخالفين ويضربونهم، فهذا أبوذر الغفاري نفاه عثمان من المدينة إلى الربذة؛ لاعتراضه عليه في تقسيم الفيء وبيت المال بين أبناء بيته، كما أنّ غلمانه ضربوا عمّار بن ياسر؛ حتّى أنفتق له فتق في بطنه، وكسروا ضلعاً من أضلاعه. إلى غير ذلك من مواقفهم من مخالفيهم ومعارضيهم، ومع ذلك نرى أنّ رجال الخلافة وعمالها، يغضّون الطرف عمّن يؤلّب الصحابة والتابعين على إخماد حكمهم، وقتل خليفتهم في عقر داره، ويجر الويل والويلات على كيانهم!!

3 - إنّ رواية الطبري، نقلت عن أشخاص لا يصحّ الاحتجاج بهم؛ مثلاً: السري؛ الّذي يروي عنه الطبري، إنّما هو أحد رجلين:

أ - السري بن إسماعيل الهمداني؛ الّذي كذّبه يحيى بن سعيد، وضعّفه غير واحد من الحفّاظ. (1)

ب - السري بن عاصم بن سهل الهمداني؛ نزيل بغداد (المتوفّى عام 258هـ)، وقد أدرك ابن جرير الطبري شطراً من حياته؛ يربو على ثلاثين سنة، كذّبه ابن خراش، ووهّاه ابن عدي، وقال: يسرق الحديث، وزاد ابن حبان: ويرفع الموقوفات؛ لا يحلّ الاحتجاج به، فالاسم مشترك بين كذّابين، لا يهمّنا تعيين أحدهما.

4 - عبد الله بن سبأ، أسطورة تاريخيّة، لأنّ القرائن والشواهد والاختلاف الموجود في حق الرجل ومولده، وزمن إسلامه، ومحتوى دعوته، يُشرف

____________________

(1) ميزان الاعتدال: 2/117.

١٥٩

المحقّق على القول: بأنّ عبد الله بن سبأ، شخصيّة خرافيّة، وضعها القصّاصون، وأرباب السمر والمجون، في عصر الدولتين: الأُمويّة والعباسيّة.

وفي المقام كلام للكاتب المصري الدكتور طه حسين، يدعم كون الرجل أسطورة تاريخيّة، حاكها أعداء الشيعة، نكاية بالشيعة؛ حيث قال:

وأكبر الظنِّ أنّ عبد الله بن سبأ هذا، إنّما قال ودعا إلى ما دعا إليه بعد أن كانت الفتنة، وعظم الخلاف، فهو قد استغلَّ الفتنة ولم يثرها.

إنّ خصوم الشيعة أيّام الأُمويّين والعباسيّين، قد بالغوا في أمر عبد الله بن سبأ هذا، ليشكّكوا في بعض ما نسب من الأحداث إلى عثمان وولاته، من ناحية، وليشنعوا على عليّ وشيعته من، ناحية أُخرى، فيردوا بعض أُمور الشيعة إلى يهوديٍّ أسلم كيداً للمسلمين، وما أكثر ما شنّع خصوم الشيعة على الشيعة؟!، وما أكثر ما شنع الشيعة على خصومهم؛ في أمر عثمان، وفي غير أمر عثمان؟

فلنقف من هذا كلّه، موقف التحفّظ والتحرّج والاحتياط، ولنُكبر المسلمين في صدر الإسلام عن أن يعبث بدينهم وسياستهم وعقولهم ودولتهم، رجل أقبل من صنعاء وكان أبوه يهوديّاً وكانت أُمّه سوداء، وكان هو يهوديّاً ثُمَّ أسلم لا رغباً ولا رهباً، ولكن مكراً وكيداً وخداعاً، ثُمَّ أُتيح له من النجاح ما كان يبتغي، فحرّض المسلمين على خليفتهم حتّى قتلوه، وفرّقهم بعد ذلك أو قبل ذلك شيعاً وأحزاباً.

هذه كلّها أُمور لا تستقيم للعقل، ولا تثبت للنقد، ولا ينبغي أنّ تُقام عليها أُمور التاريخ. (1)

____________________

(1) الفتنة الكبرى: 134.

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

وتناولت«الآية الخامسة» ، إفرازات ونتائج ، الإعراض عن ذكر الله تعالى في حركة الإنسان ، قال تعالى :( وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى ) .

فعذابهم بالدّنيا أنّهم يعيشون ضنك العيش ، وفي الآخرة العمى ، وفَقد البَصر!.

فضنك العيش ، ربّما يكون بتضييق الرّزق على من يعيش الغفلة عن ذكر الله تعالى ، أو ربّما بإلقاء الحرص على قلب الغني ، فيتحرك في تعامله مع الآخرين ، من مَوقع الطّمع والبُخل ، فلا يكاد يُنفق درهماً في سبيل الله ، ولا يعين فقيراً ولو بشقّ تَمرةٍ ، فيكون مِصداق حديث أمير المؤمنينعليه‌السلام ، حيث يقول :«يَعِيشُ فِي الدُّنيا عَيْشَ الفُقَراءَ وَيُحاسَبُ فِي الآخِرَةِ حِسابَ الأَغِنياء» (١) .

ففي الحقيقة أنّ أغلب الأغنياء وبسبب حرصهم الشّديد على النّفع المادي ، يعيشون في حالة قلقٍ دائمةٍ ، ولا ينتفعون من أموالهم بالقدر الكافي ، وتكون عليهم حسرات في الدّنيا والآخرة.

ولكن لماذا يُحشر أعمى؟

وَلَربّما لِتشابُه الأحداث هناك ، مع الأحداث في الدنيا ، فالغافل عن ذكر الله تعالى في الدنيا ، ولإعراضه عن الحقيقة وآيات الله تعالى ، وتَجاهله لدواعي الحقّ والخير في باطنه ، فإنّه لا يرى الحقّ بعين البصيرة ، في حركة الحياة والواقع ، ولذلك سوف يُحشر أعمى في عَرصات القِيامة.

كيف يكون ذِكر الله؟

فسّرت الكثير من الرّوايات الإسلاميّة ، ذِكر الباري تعالى : «بالحج» ، وَوَرد في البعض الآخر ، أنّ الذّكر هنا : بمعنى الولاية لأمير المؤمنينعليه‌السلام .

والحق أنّ الإثنين هما مِصداقان من مَصاديق ذكر الله تعالى ، فالحجّ هو مجموعةٌ من

__________________

١ ـ بحار الأنوار ، ج ٦٩ ، ص ١١٩.

٣٠١

الأعمال والسّلوكيات ، تذكّر بالله تعالى ، وكذلك عليعليه‌السلام ، فذِكره والنّظر إليه عبادةٌ ، تُعمّق في الإنسان روح الإيمان ، وتُذكّره بالله تعالى.

«الآية السّادسة» : خاطبت الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله ، من موقع النّهي عن طاعة الأشخاص الذين يعيشون في غفلةٍ ، وحثّته على معاشرة الّذين يذكرون ربّهم ، صباحاً وبِالغَداة والعَشِي ، ولا يريدون إلّا الله تعالى ، فقال تعالى :

( وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِىِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً ) .

ومن المعلوم أنّ الله سبحانه وتعالى ، ما كان ليعذّب أحداً بالغفلة عن ذكره ، بل لأنّ مثل هؤلاء الأشخاص ، ينطلقون في تعاملهم مع الحقّ ، من موقع العناد والّتمرد والتّكَبّر والتعصّب لِلباطل.

وبناءاً عليه ، فإنّ القصد من الإغفال هو سلب نعمة الذّكر منه ، لِيلاقي جزاءه في الدّنيا قبل الآخرة ، ولهذا ، فإنّ ذلك لا يستلزم الجَبر.

ولا نرى أحداً من هذه الجماعة ، إلّا مُتّبعاً لِهواه ، مُتّخذاً سبيل الإفراط والتَّفريط في كلّ فعاله ، لذلك تعقّب الآية قائلةً :( وَاتَّبَعَ هَواهُ وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً ) .

ويُستفاد من هذه الآية ، أنّ الغفلة عن ذِكر الله تعالى ، تؤثّر سلباً في أخلاق وروح الإنسان ، وتُؤدّي به إلى وادي الأهواء ، وتجرّه إلى منحدرِ الأنانية.

نعم ، فإنّ روح وقلبَ الإنسان ، لا يسع إثنان ، فإمّا «الله تعالى» ، وإمّا «هوى النّفس» ، ولا يمكن الجمع بينهما.

فالهَوى هو مصدر الغَفلة عن الله تعالى ، وخلقه ، وسَحق جميع القِيم والاصول الأخلاقية ، وبالتّالي فإنّ هَوى النّفس ، يغرق الإنسان في عُتمة ذاته الضّيقة ، ويُعمي بصره عن كلِّ شيءٍ يدور حوله في واقع الحياة ، والإنسان الذي يتحرّك من موقع الهَوى ، لا يرى إلّا إشباع شَهواته ،

٣٠٢

ولا مفهوم عنده لمفاهيم أخلاقيّة ، مِثلَ : صلة الرحم وَالمُروّة والإيثار.

«الآية السابعة» : خاطبت الرّسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله أيضاً ، من موقع التّحذير ، عن مُخالطة المُعْرِض عن ذِكر الله تعالى ، فقالت :( فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَياةَ الدُّنْيا ) .

في تفسير«ذِكر الله» ، قال البعض : أنّ المراد منها في هذه الآية ، هو القرآن الكريم ، وإعتبرها البعض الآخر ، إشارةً لِلأدلّة العقليّة والمنطقيّة ، وقال آخرون ، أنّها الإيمان ، والظّاهر أنّ ذكر الله تعالى ، له مفهومٌ واسعٌ يشمل كلّ ما ذُكر آنفاً.

وذَكر آخرون ، أنّ هذه الآية تدعو لترك جهاد هؤلاء ، ولهذا السّبب ، نُسخت بآيات الجهاد التي نزلت بعدها ، والحقّ أنّه لا نَسخ في البَيّن ، وكلّ ما في الأمرِ ، أنّها تمنع من مُجالسة الغافلين عن ذِكر الله تعالى ، ولا مُنافاة بينها وبين مسألة الجهاد بشرائطها الخاصة.

وأخيراً تبيّن هذه الآية ، العلاقة والرّابطة الوثيقة بين : «حبّ الدنيا» و «الغفلة عن ذِكر الله» ، فكَما أنّ ذِكر الله تعالى له خصائصه ، ومعطياته الإيجابية على الإنسان ، على مستوى تَقوية عناصر الفضيلة وترشيد القيم الأخلاقيّة ، فكذلك الغفلة لها آثارها ، ونتائجها السلبيّة على روح الإنسان ، على مستوى تقوية عناصر الشّر والرذيلة فيها.

«الآية الثّامنة» : خاطبت جميع المؤمنين ، ودعتهم إلى ذِكر الله تعالى ، والخروج من دائرة الظّلمات إلى دائرة النّور ، فتقول :( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللهَ ذِكْراً كَثِيراً* وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً* هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَكانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً ) ».

والجدير بالذّكر في هذا الأمر ، أنّ الآية الكريمة ، بعد الأمر بالذّكر الكثير ، والتّسبيح له بكرةً وأصيلاً ، تخبرنا عن أنّ الله تعالى ، سيصلّي هو وملائكته علينا ، ويخرجنا من الظّلمات إلى النّور ، ألَيسَ ذلك هو هدفنا في حركة الحياة ، أَلَيس ذلك هو مُبتغانا من الإلتزام في خطّ الرّسالة ، وكلّ ما نريده هو ، أنّ الذّكر وصلاة الربّ والملائكة علينا ، سيزرع فينا روح التّوفيق

٣٠٣

لِلطاعة والسّير في طريق الخَير ، ويقلع من واقعنا بذور الشرّ ، وجذور الفساد ، ولتحل محلّها عناصر الفَضيلة والنّسك والأخلاق الحميدة؟!.

وقد وَرد في تفسير الميزان ، أنّ ذيل الآية الكريمة ، هو بِمنزلة التبيّن لعلّة الأمر ،ب : «الذّكر الكثير» ، وهو يؤيّد ما أشرنا إليه آنفاً(١) .

وقد وَردت تفاسيرٌ مختلفةٌ ، وآراءٌ مُتغايرةٌ لعبارة :«الذّكر الكثير» ، فقال بعضهم ، أن لا يُنسى الله تعالى في كلّ وقتٍ ومكانٍ.

وقال بعضٌ آخرٌ أنّه الذّكر والتّسبيح ، بأسماء وصفات الله الحُسنى.

وذكرت روايات اخرى ، أن المقصود به ، هو التّسبيحات الأربعة ، أو تسبيح الزّهراءعليها‌السلام .

وقال إبن عباس : كلّ أوامر الله تعالى تنتهي إلى غايةٍ ما ، إلّا الذّكر فلا حدّ له أبداً ، ولا عُذر لتاركه أبداً.

وعلى كلّ حالٍ ، فإنّ«الذّكر الكثير» ، له مفهومٌ واسعٌ ، ويمكن أن يجمع بين طيّاته كلّ ما ذكر آنفاً.

أمّا ما ذكر من ، «الظّلمات» و «النّور» في هذه الآية ، فما المقصود منه؟.

إختلفوا في تفسيرها أيضاً ، فقال البعض أنّها الخُروج من ظلمات الكفر إلى الإيمان ، وقال الآخرون ، أنّها الخروج من ظلمات عالم المادة ، إلى نور الأجواء المعنويّة والرّوحانية ، وقال بعضٌ آخر ، إنّها الخروج من ظلمات المعصية إلى نور الطّاعة ، ولا تَنافي في البَين هنا.

إضافةً إلى أنّها ، تشمل الخروج من ظلمات الرّذائل الأخلاقيّة إلى نور فضائلها ، وهي أهمّ معطيات ذِكر الله جلّ شَأنه.

«الآية التّاسعة» : حذّرت المؤمنين من نتائج مُعاقرة الخَمرة والقِمار ، فقال تعالى :( إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلاةِ ) .

فذكرت هذه الآية ، ثلاثة مفاسد لِشرب الخمر والمقامرة :

إيقاع العداوة بين النّاس ، والردع والصدّ عن ذكر الله ، وعن الصّلاة ، ويستفاد من ذلك أنّ

__________________

١ ـ تفسير الميزان ، ج ١٦ ، ص ٣٢٩ ، ذيل الآية المبحوثة.

٣٠٤

ذكر الله ، كالصّلاة والمحبّة بين النّاس ، أمرٌ ضروري وحياتي للإنسان في واقعه النّفسي ، والحِرمان منه ، يعتبر خَسارةً كُبرى لا تُعوّض.

بالإضافة إلى أنّه يستفاد من جوِّ الآية ، وجود علاقةٍ بين : «الغفلة عن ذِكر الله ، والصّلاة» ، و «ظهور العداوة والشّحناء والمفاسد الأخلاقيّة الاخرى» ، وهذا هو بيت القصيد ، وما نُريد التّوصل إليه.

وفي«الآية العاشرة» : والأخيرة ، أشارةٌ إلى رجالٍ ، أحاطهم الله تعالى بأنوارِ قُدسه ، في بيوتٍ ليس فيها إلّا ذِكرُه وتَسبيحُه والتّقديسُ له ، وهي الآية : (٣٦ و ٣٧) من سورة النّور ، فقالت :( فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ ، * رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَإِقامِ الصَّلاةِ وَإِيتاءِ الزَّكاةِ ) .

وبناءً عليه ، فإنّ أوّل خُصوصيات الرّجال الإلهيين : هو المُداومة على ذِكر الله في أي وقتٍ وفي كلّ مكانٍ ، حيث لا تغرّهم الدّنيا ، بغرورها وزخارفها وملاهيها الجميلة الخدّاعة ، وهو أسمى إفتخار يعيشونه في واقعهم.

ثم تذكر الآية ، خصوصيّات اخرى ، لهؤلاء المؤمنين في دائرة السّلوك الدّيني ، من قبيل إقامة الصّلاة وإيتاء الزّكاة.

النّتيجة :

نستنتج ممّا ذُكر آنفاً من الآيات الكريمة ، والآيات الاخرى التي لم نذكرها تجنّباً لِلأطالة ، أن ذكر الله تعالى يورث الإنسان إطمئنان القَلب ، ويَنهى عن الفحشاء والمنكر ، ويزّود النّفس بالقُدرة والقُوّة الّلازمة ، في مقابل التّحديات الصّعبة لِلعدو الدّاخلي والخارجي ، ويميت الرّذائل الأخلاقيّة في قلب الإنسان ، كالحِرص والبُخل وحبّ الدنيا ، الذي هو رأس كلّ خطيئةٍ.

فلا ينبغي للسّائر في خطّ التّقوى والإيمان ، أن يغفل عن هذا السّلاح الفعّال ، فهو الدّرع

٣٠٥

الحصين لكلّ من يريد أن يتحرّك ، على مستوى تهذيب النّفس وتربية عناصر الفضيلة فيها ، وهو السدّ المنيع للمؤمنين ، مقابل قوى الشّر والانحراف ، وسلاحهم الذي يمدّهم بالقوّة والعزيمة ، في مقابل الأعداء ، والأخطار التي تحدق بهم في هذه الدنيا ، المليئة بالوُحوش الضّارية الكاسرة ، التي لا تعرف الرّحمة والشّفقة ، وليكن ذِكرُهم للهِ كَذِكرهم لأنفسهم ، بل أشدّ وأقوى.

علاقة ذِكر الله ، بِتهذيب النّفوس في الأحاديث الإسلاميّة :

إنّ إستعراض الكلام ، عن أهميّة ذِكر الله في الأحاديث الإسلاميّة ، لا يتّسع له هذا الُمختصر ، وما نَبتغيه في هذا المجال ، هو أنّ ذكرَ الله ، يعدّ من العوامِلَ المهمّة في تهذيب النّفوس وتشذيب الأخلاق وبناء الرّوح ، وقد أغنتنا الرّوايات في هذا المجال ، وما وَرد عن المعصومين الأربعة عشر ، إلى ما شاء الله ، ولكنّنا نختار منها ما يلي :

١ ـ نقرأ في حديثٍ عن الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام ، أنّه قال :«مَن عَمَّرَ قَلْبَهُ بِدَوامِ الذِّكرِ حَسُنَتْ أَفْعالُهُ في السِّرِّ وَالجَهْرِ» (١) .

فقد بيّن الحديث الشّريف ، هذه العلاقة والرّابطة بوضوحٍ تامٍّ.

٢ ـ نقرأ في حديثٍ آخر عن الإمامعليه‌السلام نفسه ، حيث قال :«مُداومَةُ الذِّكرِ قُوتُ الأَرواحِ وَمِفْتاحُ الصَّلاحِ» (٢) .

٣ ـ وعنهعليه‌السلام أيضاً ، قال :«أصلُ صلاحِ القَلبِ إِشتِغالُهُ بِذِكْرِ اللهِ» (٣) .

٤ ـ وأيضاً في حديث آخر عنهعليه‌السلام ، قال :«ذِكرُ الله دَواءُ أَعلالِ النُّفُوسِ» (٤) .

٥ ـ وعنهعليه‌السلام ، قال :«ذِكرُ اللهِ رَأسُ مالِ مُؤمِنٍ ، وَرِبْحُهُ السَّلامَةُ مِنَ الشَّيطانِ» (٥) .

__________________

١ ـ تصنيف دُرر الحِكم ، ص ١٨٩ ، الرقم ٣٦٥٨.

٢ ـ المصدر السّابق ، الرقم ٣٦٦١.

٣ ـ المصدر السّابق ، ص ١١٨ ، الرقم ٣٦٠٨.

٤ ـ المصدر السّابق ، ص ١٨٨ ، الرقم ٣٦١٩.

٥ ـ المصدر السّابق ، الرقم ٣٦٢١.

٣٠٦

٦ ـ وأيضاً عن هذا الإمام الهمامعليه‌السلام ، أنّه قال :«الذِّكْرُ جَلاءُ البَصائِرِ وَنُورُ السَّرائِرِ» (١) .

٧ ـ وأيضاً عن إمام المتقينعليه‌السلام ، قال :«مَنْ ذَكَرَ اللهَ سُبحانَهُ أَحيَى قَلبَهُ وَنَوَّرَ عَقْلَهُ وَلُبَّهُ» (٢)

٨ ـ وأيضاً عن الإمام نفسهعليه‌السلام ، أنّه قال :«إسْتَديمُوا الذِّكْرَ فَإنَّهُ يُنِيرُ القَلبَ وَهُوَ أَفْضَلُ العِبادَةِ» (٣)

٩ ـ وَرد في «ميزان الحكمة» ، عن الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام ، أنّه قال :«اذْكُرُوا اللهَ ذِكْراً خالِصاً ، تَحْيُوا بِهِ أَفْضَلَ الحَياةِ وَتَسْلُكُوا بِهِ طُرُقَ النَّجاةِ» (٤) .

١٠ ـ وَوَرد عن الإمام عليعليه‌السلام في نهج البلاغة ، في وصيّته المعروفة لإبنه الإمام الحسنعليه‌السلام ، أنّه قال :«اوصِيكَ بِتَقوَى اللهِ يا بُنَيَّ! وَلُزُومِ أَمْرِهِ وَعِمارَةِ قَلْبِكَ بِذِكْرِهِ» (٥) .

١١ ـ وَرد في غُرر الحِكم ، عن مولى الموحدين أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام ، قال :«ذِكْرُ اللهِ مَطْرَدَةُ لِلشَّيطانِ».

١٢ ـ وَلِحُسن الخِتام ، نَختم هذا البحث ، بحديثٍ عن الرّسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وإن كانت هناك رواياتٌ وافرةٌ لا يسعها هذا المختصر ، قال :«ذِكْرُ اللهِ شِفاءُ القُلُوبِ» (٦) .

ونَستلهم ممّا ذُكر آنفاً ، أنّ ذِكر الله تعالى ، له علاقةٌ وثيقةٌ وقريبةٌ جدّاً بتهذيب النّفوس ، فهوُ ينَوّر القلب ، ويجلو الرّوح من عناصر الكِبَر والغُرور والبخل والحَسد ، والأهمّ من ذلك أنّه يطرد الشّيطان الرجيم ، من واقع الإنسان الدّاخلي ، وَيُعيد لِلنفس ثِقتها.

وعلى حدِّ تعبير بعض العلماء الأكارم ، أنّ القلب لا يَخلو من أمرين ، لا يجتمعان في مكانٍ واحدٍ ، فإمّا أن يتّجه لِذكر الله سُبحانه وتعالى ويغذيه بنوره ويطرد منه الظّلمات والشّيطان ، وإمّا أن يكون مَرتعاً ومَلعباً لِلشَيطان الرّجيم ووساوسه ، يوجهه حيث يشاء.

ومن جهةٍ اخرى ، فإنّ الذّات المقدسة هي مصدر لكلِّ الكمالات ، وذكر الله تعالى يُؤدّي

__________________

١ ـ تصنيف دُرر الحِكم ، ص ١٨٩ ، الرقم ٣٦٣١.

٢ ـ المصدر السّابق ، لرقم ٣٦٤٥.

٣ ـ المصدر السّابق ، الرقم ٣٦٥٤.

٤ ـ ميزان الحكمة ، ج ٢ ، ص ٦٩ الطبعة الجديدة.

٥ ـ نهج البلاغة ، الكتاب ٣١.

٦ ـ كنز العمّال ، ح ١٧٥١.

٣٠٧

إلى أنّ الإنسان يقترب من ذلك المصدر في كلّ يومٍ ، وبالتّالي يتحرك في طريق الإبتعاد عن الرّذائل الأخلاقيّة والأهواء النّفسانية ، التي تنبع من النّقص المعنوي في واقع النّفس.

وبناءً على ذلك يجب الإستعانة بهذا السّلاح الماضي ، والنّور المخترق لِلظلمات ، لِلعبور من متاهات هذا الطّريق الموحش المُظلم ، المحفوف بالأخطار الجسيمة ، إلى جادّة السّلام ، والكمال الإلهي في عالم النّفس ، ممّا يورث إستقرارها وإتّصالها ببارئها.

ونُكمِّل بحثنا بثلاثِ نقاطٍ ، وملاحظاتٍ ، لا تخلو من فائدة :

١ ـ ما هي حقيقة الذِّكر

يقول «الرّاغب» في كتاب «المُفردات» : إنّ الذِّكر له مَعنيان ، فمرّةً حضور الشّيء في الذّهن ، ومرّةً بمعنى حفظِ المَعارف والإعتقادات الحقّة في باطن الرّوح.

وقال الأعاظم من علماء الأخلاق : إنّ «ذكرَ الله تعالى» ، ليس هو لِقَلقَةِ لِسانٍ ، أو مجرّد التّسبيح والتّحميد والتّهليل والتّكبير ، في دائرة الألفاظ والكلمات ، بل هو التّوجه الحقيقي للهِ تعالى ، والإذعان لِقُدرته والإحساس بوجوده أينَما كُنّا.

ولا شكّ أنّ مِثلَ هذا الذّكر هو المطلوب ، وهو الغاية القصوى والدّافع للإتجاه نحو الحسنات ، والإعراض عن السّيئات والقَبائح.

ولذلك نقرأ عن الرّسول الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله في حديثٍ في هذا المضمار :

«وَلَيْسَ هُوَ سُبحانَ اللهِ وَالحَمْدُ للهِ وَلا إِلهَ إِلّا اللهِ وَاللهُ أَكْبرُ ، وَلَكِنْ إِذا وَرَدَ عَلى ما يَحْرُمُ عَلَيهِ ، خافَ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ عِنْدَهُ وَتَرَكَهُ» (١) .

ونقل ما يقرب لهذا المعنى في حديث عن الإمامين : الصّادق والباقرعليهما‌السلام (٢) .

ونقل حديث آخر عن عليعليه‌السلام ، أنّه قال :«الذِّكْرُ ذِكْرانِ : ذِكْرٌ عِنْدَ المُصِيبَةِ ، حَسَنْ جَمِيلٌ وَأَفْضَلُ مِنْ ذَلِكَ ذِكْرُ اللهِ عِنْدَ ما حَرَّمَ اللهُ عَلَيكَ ، فَيَكُونُ ذَلِكَ حاجِزاً» (٣) .

__________________

١ ـ بحار الأنوار ، ج ٩٠ ، ص ١٥١ ، ح ٤.

٢ ـ المصدر السّابق ، ح ٥ و ٦.

٣ ـ المصدر السّابق ، ج ٧٥ ، ص ٥٥.

٣٠٨

ونستنتج من ذلك ، أنّ الذّكر الحقيقي ، هو الذّكر الذي يترك أثره الإيجابي في أعماق روح الإنسان ، ويفعّل إتجاهاته الفكريّة والعمليّة في خطّ التّقوى والإلتزام الدّيني ، ويربّي في النّفس والرّوح ، عناصر الخير والصّلاح ، ويدعو الإنسان إلى الله العزيز الحكيم.

ومن يذكر الله تعالى على مستوى اللّسان ، ويتبع الشّيطان على مستوى المُمارسة والعمل ، فهو ليس بِذاكِرٍ حقيقي ، ولا يذكر الله من موقع الإخلاص ، بل هو كما قال الإمام علي بن موسى الرّضاعليه‌السلام :«مَنْ الذِّكْرِ ولَمْ يَسْتَبِقْ إِلى لِقائِهِ فَقَدْ إسْتَهزَءَ بِنَفْسِهِ» (١) .

٢ ـ مراتب الذّكر

ذكر علماء الأخلاق ، أن ذّكر الله تعالى ، على مراتب ومراحل :

المرحلة الاولى : الذِّكر اللّفظي ، حيث يجري فيها الإنسان أسماء الله الحُسنى ، وصفات جَماله وجَلاله ، على لسانه ، من دون التّوجه إلى معانيها ومُحتواها ، كما يفعل كثيرٌ من المصلّين السّاهين في صلاتهم ، وهو نوع من الذّكر ، وله تأثيره المحدود على آفاق النّفس والفِكر! ولكن لماذا؟.

لأنّه أولاً : يعتبر مقدمةً لِلمراحل التّالية.

وثانياً : أنّه لا يخلو من التّوجه الإجمالي نحو الله تعالى ، لأنّ المصلي وعلى أيّةِ حالٍ ، يعلم أنّه يصلّي وهو واقفٌ بين يَدَيِّ الله تعالى ، ولكنّه لا يتوجه لما يقول بصورةٍ تَفصيليَّةٍ ، ولكن مع ذلك فهذا النّوع من الذّكر ، لا يؤثّر في حياة الإنسان ، على مستوى تهذيب النّفس وتربية الأخلاق.

المرحلة الثانية : الذّكر المعنوي ، وهو أن يلتفت الإنسان لمعاني الأذكار التي تجري على لسانه ، ومن البديهي أنّ التّوجه لمعاني الأذكار ، وخصوصيّة كلّ واحدةٍ منها ، سيعمّق الإمتداد المعنوي لمضامين الذّكر في واقع الإنسان ، وبالإستمرار والمداومة سيحسّ الذّاكر ، بمعطيات هذا الذّكر في نفسه وروحِهِ.

المرحلة الثّالثة : الذّكر القلبي ، وقالوا في تفسيره ، إنّه الإحساس الوجداني بحضور الله

__________________

١ ـ بحارالأنوار ، ج ٧٥ ، ص ٣٥٦ ، ح ١١.

٣٠٩

تعالى ، في أجواء القلب ، ثم جريان ذكر الله على اللّسان ، فعند ما يرى عجائب خلقته ، ودقائق صنعته ، من أرضٍ وسماءٍ ومخلوقاتٍ ، وما بثّ فيها من دابّةٍ ، سيقول :«العَظَمَةُ للهِ الوَاحِدِ القهَّارِ».

فهذا الذّكر نابعٌ من القلب ، وينبىءُ عن حالةٍ باطنيّةٍ في داخل الإنسان.

ومرّةَ يشهد الإنسان في نفسه ، نوعاً من الحُضور المعنوي لله تعالى ، من دون واسطةٍ ، فيترنّم بأذكارٍ ، مثل«يا سُبُّوحُ وَيا قُدُّسُ» أو«سُبحانَكَ لا إِلَهَ إِلّا أَنْتَ».

وهذا الأذكار القلبيّة ، لها دورها الفاعل في تهذيب النّفوس وتربية الفضائل الأخلاقيّة ، كما عاشت الملائكة هذا النوع من الذّكر ، عند ما شاهدوا آدمعليه‌السلام ، وسِعة علمه وإطلّاعه على الأسماء الإلهيّة ، فقالوا :( سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ) (١) .

وأشار القرآن الكريم ، إلى مراحلٍ من الذّكر ، فقال :( وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً ) (٢) .

وفي مكانٍ آخر ، يقول :( وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ وَلا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ ) (٣) .

ففي الآية الاولى ، نجد تقريراً على مستوى التّوجه لِلذكر اللّفظي العميق ، ثم التّبتل والإنقطاع إلى الله تعالى ، أَيْ : التّحرك من موقع الإبتعاد عن الناس ، والإتصال بالله تعالى في خطّ العبادة والذّكر.

والآية الثّانية : تتحدث عن الذّكر القلبي ، الذي يؤدّي إلى أن يعيش الإنسان ، حالة التّضرع والخوف من الباري تعالى ، في أجواء الذكر الخفي ، فتتحرك عمليّة الذّكر بشكلٍ بطيءٍ من الباطن وتجري على اللّسان.

__________________

١ ـ سورة البقرة ، الآية ٣٢.

٢ ـ سورة المزّمل ، الآية ٨.

٣ ـ سورة الأعراف ، الآية ٢٠٥.

٣١٠

٣ ـ موانع الذّكر

لا توجد موانع تقف في طريق الذّكر اللّفظي ، فيمكن لِلإنسان أن يذكر أسماء وصفات الله الجماليّة والجلاليّة ، ويجريها على لِسانه في أيِّ وقتٍ شاء ، إلّا أن يكون الإنسان مُنشغلاً وغارقاً في الدّنيا ، لدرجةٍ لا يبقى وقتٌ لِلذكر اللّفظي.

أمّا الذّكر القلبي والمعنوي ، فتقف دونه موانعٌ وسدودٌ كثيرةٌ ، أهمّها ما يَكمُنْ في واقع الإنسان نفسه ، فبالرّغم من أنّ الله تبارك وتعالى ، مع الإنسان في كلِّ مكانٍ وزمانٍ ، وأقرب إلينا من كلّ شيءٍ :( وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ) (١) .

أو كما ورد في الحديث العلوي المشهور :«ما رأَيتُ شَيئاً إلّا وَرَأيتُ اللهَ قَبلَهُ وَبَعدَهُ وَمَعَهُ».

ولكن مع ذلك ، فإنّ كثيراً من أعمال الإنسان وصفاته الشّيطانيّة ، تضع الحُجب على عينه ، فلا يُحسّ بوجود الله تعالى أبداً ، من موقع الحضور والشّهود القلبي ، وكما يقول الإمام السّجادعليه‌السلام ، في دعاء أبي حمزة الثمالي :«وإنَّكَ لا تَحتَجِبُ عَنْ خَلْقِكَ إِلّا أَن تَحجُبَهُم الأَعمالُ دُونَكَ» ، وأهم تلك الحُجب ، هي «الأنانيّة» التي تذهل الإنسان عن ذكر ربه.

فالأناني لا يعيش مع الله تعالى من موقع الوُضوح في الرّؤية ، لأنّ الأنانيّة من أنواع الشّرك التي لا تتناسب مع حقيقة التّوحيد!.

ونقرأ في حديثٍ عن عليٍّعليه‌السلام أنّه قال :«كُلُّ ما أَلهى مِنْ ذِكْرِ اللهِ فَهُوَ مِنْ إِبلِيسَ» (٢) .

وفي حديث آخر عن عليِّعليه‌السلام أنّه قال :«كُلُّ ما أَلهى عَنْ ذِكْرِ اللهِ فَهُوَ مِنْ المَيسرِ» (٣) .

ونعلم أن المَيسر ، جُعِل في القرآن الكريم ، رديفاً لعبادة الأوثان(٤) .

ونختم هذا الكلام عن موقع الذّكر ، بحديثٍ عن الرّسول الأكرم ، وقد جاء في معرض تفسيره للآية الكريمة :( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ، لا تُلْهِكُمْ أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ ، وَ

__________________

١ ـ سورة ق ، الآية ١٦.

٢ ـ ميزان الحكمة ، ج ٢ ، ث ٩٧٥ ، الطّبعة الجديدة مبحث الذّكر.

٣ ـ المصدر السّابق.

٤ ـ راجع الآية ٩٠ من سورة المائدة.

٣١١

مَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ» ) (١) .

قالصلى‌الله‌عليه‌وآله :«هُم عِبادٌ مِنْ امَّتي ، الصَّالِحُونَ مِنْهُم لا تُلهِيهِم تِجارَةٌ ولا بَيعْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَعنِ الصَّلاةِ المَفرُوضَة الخَمْسِ» (٢) .

نعم فإنّهم في كلّ حركاتهم وسكناتهم ، يبتغون وجه الله تعالى ، ولا غير.

__________________

١ ـ سورة المنافقين ، الآية ٩.

٢ ـ ميزان الحكمة ، ج ٢ ، ص ٩٧٥ ، الطبعة الجديدة.

٣١٢

١٣

القُدوات في خطّ الإستقامة

إشارة :

كلّ إنسانٍ يسعى للسّير قُدُماً ، تبعاً للُاسوة التي يتأسّى بها ، ليواكب معها ويعيش في رحابها ، وفي آفاقها الواسعةٌ ولتنعكس صفاتها في نفسه وذاته.

وبعبارةٍ اخرى ، فإنّه يوجد في قلب كلّ إنسان ، مكانٌ فارغٌ لا يشغله إلّا الأبطال والقُدوات والمُثل ، ولهذا السّبب فإنّ الامم البشريّةً تفتخر بأبطالها الحقيقييّن أو تخترع لنفسها أبطالاً من افق خيالها ، بحيث تُشكل قسماً من ثقافة الامم والشّعوب ، وأنساقاً تحتيّةً تبني عليها تأريخها ، فتفتخر ببطولاتهم وتشيد بهم في معطياتهم ، وتسعى دائماً لِلاقتداء بهم في صفاتهم وبطولاتهم.

علاوةً على أنّ (المحاكاة) ، هي أصلٌ مُسَلّم به ، من الاصول النّفسية في واقع الإنسان وحركته في الحياة ، وطبقاً لهذا الأصل والأساس ، فإنّ الإنسان يسعى ليصبغ نفسه بصِبغة الآخرين ، ويحاكيهم على مستوى الممارسة والسّلوك ، (خُصوصاً) الأبطال ، وينجذب لأعمالهم وصفاتهم التي تمثل قيماً مطلقة في وعيه وثقافته.

وهذا التّأثير والتّأثر والجذب والإنجذاب ، بالنّسبة إلى الأفراد الذين يؤمنون بالقُدوة والرّمز أقوى وأَشد.

٣١٣

وبناء على ذلك ، نجد في الإسلام أصلين مهمّين ، في دائرة المفاهيم الدينيّة ، بإسم «التّولّي» و «التبرّي».

أو بعبارةٍ اخرى : «الحبُّ في الله» و «البغض في الله» ، وكلٌّ منهما ، يحكي لنا عن حقيقةٍ مهمّةٍ في واقع الإنسان ، وتَماشياً مع هذا الأصل المهمّ في دائرة المعتقد ، فإنّه يتوجب على الإنسان المسلم ، أن يُحبّ من يحبّه الله ، ويكره من يُبغضه الله تعالى ، وأن يتّخذ من الرّسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والأئمّة المعصومينعليه‌السلام ، اسوةٌ له في حركته المنفتحة على الله والحقِّ.

وهذا الأمر بدرجةٍ من الأهمية ، بحيث ورد في القرآن الكريم ، أنّه من علامات الإيمان ، وفي الرّوايات الشّريفة عرّف بأنّه :«أَوثَقْ عُرى الإِيمانِ» وأنّ حركة الإنسان في خطّ الإيمان ، لا تكون مثمرةً بدون : «التّولّي» و «التّبرّي» ، ومعه سوف تقبل منه سائر العبادات والطّاعات.

وهذين الأمرين ، يعني التولّي والتبرّي ، أو الحب في الله والبُغض في الله ، هُما من أهمِّ الخُطى المؤثّرة ، على مُستوى تهذيب النّفوس والقلوب ، والسّير إلى الله تعالى في خطّ الإستقامة.

وعلى هذا الأساس ، نرى أنّ كثيراً من علماء الأخلاق ، وأرباب السّير والسّلوك ، يؤكّدون على ضرورة اتخاذ الاستاذ والمُرشد في خطّ التّربية والتّهذيب ، وسنتناوله في المستقبل إن شاء الله تعالى ، بصورةٍ وافيةٍ.

والآن نعرج على الآيات القرآنية ، لنستوحي منها ما يتعلق بمسألة التولّي والتبّري ، ودورهما في صِياغة السّلوك الدّيني للإنسان :

الآيات :

١ ـ ( قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ) (١) .

٢ ـ ( لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَ

__________________

١ ـ سورة الممتحنة ، الآية ٤.

٣١٤

اللهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ) (١) .

٣ ـ ( لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيراً ) (٢) .

٤ ـ ( لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولئِكَ حِزْبُ اللهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) (٣) .

٥ ـ ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ ) (٤) .

٦ ـ ( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَيُطِيعُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) (٥) .

٧ ـ ( اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ» ) (٦) .

٨ ـ ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ) (٧) .

تفسير وإستنتاج :

يتّضح من آيات سورة المُمتحنة ، أنّ بعض المؤمنين السّذج ، وخلافاً لأوامر الشّريعة وتعليمات الإسلام ، كانوا على علاقةٍ سريّةٍ بالأعداء.

__________________

١ ـ سورة الممتحنة ، الآية ٦.

٢ ـ سورة الأحزاب ، الآية ٢١.

٣ ـ سورة المجادلة ، الآية ٢٢.

٤ ـ سورة الممتحنة ، الآية ١٢.

٥ ـ سورة التوبة ، الآية ٧١.

٦ ـ سورة البقرة ، الآية ٢٥٧.

٧ ـ سورة التوبة ، الآية ١١٩.

٣١٥

وقد جاء في شأن النّزول للآيات الاولى من هذه السّورة الشّريفة ، وقبل فتحِ مكّة المشرّفة أنّه كتب أحد الأشخاص ، إسمه«حاطِب بن أبي بلتعة» ، لكفّار قريش رسالةً سلّمها بيد إمرأةٍ ، إسمها«سارة» ، حذّرهم فيها ، من أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، يعدّ العدّة لفتح مكّة ، فعليهم أنّ يستعدّوا لِلقتال ، فإنّ الرّسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قادم.

حدثِ هذا الأمر ، والرّسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله ، يتهيأ ويعدّ العدّة ، وهو يسعى حثيثاً لِئَلّا يصل هذا الخبر إلى المشركين ، حرصاً منه على أن لا تُراق في ذلك دماءٌ كثيرةُ ، وأن يتمّ الفتح بدون مقاومة ، فأخذت هذه المرأة الرّسالة ، وأخفتها في جَدائلها ، وتحرّكت مسرعةً نحو مكّة.

فأخبر الأمين جبرائيلعليه‌السلام ، الرّسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله بالخبر ، فأرسل على أثرها الإمام عليصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقال لها : أخرجي ما عندك ، فأنكرت في البداية ، ولكنّها إستسلمت أخيراً تحت واقع التّهديد بالقتل ، وسلّمت الرّسالة لِعليعليه‌السلام ، وهو بدوره سلّمها لِلرسول الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله .

فأمرصلى‌الله‌عليه‌وآله بإحضار حاطِب ووبّخه كثيراً ، فإعتذر حاطب عن فعلته بأعذارٍ واهيةٍ ، لكنّ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله قبلها صوريّاً ، فما ورد في الآيات الاولى ، من السّورة هو تحذيرٌ للمسلمين ، لإجتناب مثل هذه الأعمال ، وبيان واحدٍ من الاصول والمباديء الإسلاميّة المهمّة ، على مستوى التّبري من الأعداء وموالاة الأولياء ، أو كما قِيل :«الحُبُّ فِي اللهِ وَالبُغْضُ فِي اللهِ».

وفي بداية السّورة ، تحرّكت الآية الكريمة لتخاطب جميع المؤمنين ، من موقع التّحذير ، من إقامة العلاقة الودّية والعاطفيّة مع الأعداء ، وقالت :

( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِما جاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللهِ رَبِّكُمْ ) .

ونعلم أنّه عند ما تتقاطع أواصر «المحبّة والصّداقة» مع أواصر ««العَقائد والقِيم» ، فالنّصر سيكون حليف أواصر المحبّة والصّداقة ، على حساب إهتزاز العقيدة ، وبذلك ينحدر الإنسان في خطّ البّاطل ، فما نراه من التّأكيد على :«الحُبُّ فِي اللهِ وَالبُغْضُ في اللهِ» ، أو تولّي الأولياء والتّبري من الأعداء ، نابعٌ من هذا الأساس.

ثمّ تستمر الآيات ، «وبالذّات في الآية الرابعة» ، على حثّ المسلمين على الإقتداء بإبراهيم

٣١٦

النبيعليه‌السلام ، وأصحابه المخلصين ، وأنّهم اسوةٌ حسنةٌ للمؤمنين ، الذين يتحرّكون من موقع الرسالة :( قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ) .

الاسوة «على وزن لُقمة» ، تحمل مَعْناً مصدرياً ، بمعنى التّأسي والاتّباع للآخرين ، وبمعنى آخر هو الإقتداء بالآخرين.

ومن البديهي أنّ هذا الأمر ، يمكن أن يكون على مُستوى الفضيلة أو الرّذيلة ، ولذلك فإنّ الآية الشّريفة ، عبّرت عن إبراهيمعليه‌السلام بأنّه قدوةٌ حسنةٌ ، لأنّه قطع كلّ أواصر المحبة ووشائج الموّدة ، التي كانت بينه وبين قومه ، في سبيل عقيدته وتوحيده لله تعالى.

يقول «الرّاغب» في «مفرداته» ، إنّ كلمة «الأسى» على وَزن (عَصا) ، وهي بمعنى الغمّ والألم ، فكلمة اسوةٌ أخذت من هذه المادة ، ويقال لِلمصاب بمصيبةٍ : «لكَ بِفلانٍ اسوةٌ».

ولكنّ بعض أرباب اللّغة ، مثل : إبن فارس في «المقاييس» ، فصّل بين المعنيين ، فقال : «أنّ الأوّل ناقصٌ (واوي) ، والثّاني ناقصٌ (يائي)» ، وعلى كلّ حالٍ فإنّ القرآن المجيد ، حثّ المسلمين على مسألة :«الحُبُّ فِي اللهِ وَالبُغْضُ فِي اللهِ» ، وجعل لهم إبراهيمعليه‌السلام قدوةً ، لأنّ إختيار القدوة الصّالحة لحركة الإنسان ، في خطّ التّقوى والإيمان ، له دورٌ عميقٌ في طهارة روح الإنسان ، وأفكاره وسلوكياته.

وهذا هو ما يؤكّد عليه علماء والأخلاق ، في عمليّة السّير والسّلوك إلى الله ، فإنّ إختيار القدوة يُعدّ أهمَّ خطوةٍ لحركة الإنسان في طريق الرّقي.

«الآية الثانية» : إستمراراً لبحثنا الآنف الذّكر ، تتحدث عن إبراهيمعليه‌السلام وصحبه ، فتقول :

( لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ) .

وفرّق هذه الآية عن الّتي قبلها ، في أمرين :

الأوّل : إنّ هذه الآية أكّدت على مسألة :«الحُبُّ في اللهِ وَالبُغْضُ في اللهِ» ، بأنّها من

٣١٧

علامات الإيمان بالله والمعاد.

الثاني : إنّ التّأكيد على هذا الأمر ، لا ينبع من حاجة الباري إليه ، بل هو من حاجة الإنسان إليه ، في مساره التّكاملي والمعنوي إلى الله تعالى ، ولحِفظ سَلامة المجتمع البشري في حركة الواقع والحياة.

«الآية الثّالثة» : ناظرةٌ إلى غَزوة الأحزاب ، وهي في الحقيقةِ تشيرُ إلى مُلاحظةٍ مُهمّةٍ جِدّاً ، ألا وهي : أنّ الرّسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وبالرّغم من الأزمات النّفسية والتّحديات الصّعبة في تلك الظّروف ، وسوء ظنّ بعض المسلمين الجدد ، بالوعد الإلهي بالنّصر في ميادين الوَغى ، فإنّه بَقي صامِداً ينظّر لِلحرب ، ويستخدم أفضل التّكتيكات العسكريّة ، إنتظاراً لِلّحظة الحاسمة ، وكان ينتظر الفُرصة للإنقضاض على عدوّة ، فكان يَمزح مع أصحابه ليقوّي من معنوياتهم ، وأخذ المِعوَل بنفسه لِيحفُر الخَندق بيده ، ويُشجع أصحابه ويذكّرهم بالله تعالى وثوابه ، ويبشّرهم بالفتوحات المُقبلة العَظيمة.

وهذا الأمر تَسبّب في تماسك المسلمين ، ومقاومتهم أمامَ عدوّهم ، وجيشه الجرّار المتفوق عليهم بالعدّة والعَدَد ، بالتّالي الإنتصار عليهم ، فقال تعالى :

( لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيراً ) .

فالرّسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله ، لا يُتأَسّى به فقط في ميادين الجِهاد الأصغر ، بل وكذلك في ميادين الجِهاد الأكبر ، ألا وهو جهاد النّفس والتّصدي لِلأهواء المُضلّة ، من موقع المحاربة ، فَمن يتّخذِه اسوةً حسنةً في هذا المضمار ، فإنّه سيصل من أقرب الطّرق وأسرعها ، إلى غايته وهدفِه المَنشود.

والجدير بالذّكر ، أنّ هذه الآية ، علاوةً على ذكرها لِمسألة الإيمان بالله واليوم الآخر :( لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ ) ، أكّدت على ذِكر الله تعالى بجملة :( وَذَكَرَ اللهَ كَثِيراً ) . فهم يقتدون بقائدهم الربّاني ويستلهمون منه الإيمان ، وذِكر الله كثيراً حيث يحرك فيهم الذّكرُ

٣١٨

الكثيرِ ، عنصر الإهتمام للمسؤوليات التي القيت على عاتقهم ، وَمَنْ أَفضل من الرّسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله ، لِيكون لهم اسوةً وقدوةً ، في خطّ الإلتزام الدّيني والأخلاقي والإنفتاح على الله؟

«الآية الرابعة» : نوهت إلى النّقطة المقابلة ، ألا وَهَي : البُغض في الله تعالى في خطّ الحقّ ، فتقول :( لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولئِكَ حِزْبُ اللهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) .

فهذه الآية الشريفة ، صرّحت وأرشدت ، إلى الطريق التي يجب على المؤمن سلوكها ، عند تقاطع الطّرق ، وتضارب «العلاقة الإلهيّة» مع «العلاقات الاسريّة» ، فلو أنّ الآباء والإخوة والأقرباء ، تحرّكوا في خطّ الباطل والإنحراف والكُفر ، فإنّ طريق الله هي الجادّة الحقيقيّة ، لِلإلتحاق بالرّكب الإلهي المقدس.

وما ورد في هذه الآية ، من قوله تعالى :( أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ ) .

ليس إلّا تأكيداً على المعنى المتقدم ، وتشجيعاً لذلك الأمرالمهم الحياتي ، أي أنّ«الحُبُّ فِي اللهِ وَالبُغْضُ فِي اللهِ» ، نابعٌ من الإيمان ، وطريق التّكامل الحقيقي في خطّ الإيمان ، السّلوك المعنوي ، وبعبارةٍ اخرى : إنّ هذين الأمرين ، يؤثّر أحدهما في الآخر بصورةٍ مُتقابلةٍ ، مع فارقٍ واحدٍ ، وهو أنّه يجب الإبتداء في عمليّة السّلوك المعنوي ، بالإيمان بالمبدأ والمعاد ، والتّكامل المعنوي يكون ، من حصّة :«الحُبُّ في اللهِ وَالبُغْضُ في اللهِ».

«الآية السّادسة» : تطرّقت لأواصر المحبّة المعنويّة بين المؤمنين ، وقالت :( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ

٣١٩

وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَيُطِيعُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ» ) .

فهذا الرّباط المعنوي ، يتّخذ من الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر ، وإقام الصّلاة وإِيتاء الزّكاة ، وطاعة الله ورسوله ، أساساً ودَعامةً في صياغة السّلوك ، حيث يعين الفرد ، على إستلهام الأخلاق الحَسنة والأعمال النّافعة ، من الآخرين ، فيكون كلّ واحدٍ منهم اسوةً للآخر ، ومن أراد الإلتحاق بهذه الجماعة ، عليه أن يكون مُشابهاً لها في دائرة الفكر والسّلوك ، دون الجماعات المنحرفة الضّالة المضلّة ، التي يجب عليه البَراءة منها والإبتعاد عنها.

وفي الحقيقة ، فإنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، الذي يُعدّ عاملاً مُساعداً وفَعّالاً ، في عمليّة تهذيب وتربية النّفوس ، يدعوهم إلى الإلتزام بالإنضباط الدّيني والأخلاقي ، من موقع النّصيحة والتّواصي بالحقّ.

«الآية السّابعة» : فرّقت بين المؤمنين والكافرين ، على مستوى السّلوك في واقع الحياة ، فالمؤمنون يتّخذون من صفات جَماله وجَلاله ، اسوةً لهم في مسيرتهم المعنويّة والأخلاقيّة ، والكافرون اسوتهم الطّاغوت ، حيث تكون أعمالهم وصفاتهم إنعكاس لأِعمال وَصفات الطّاغوت ، فقالت :( اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ ) .

فالخروج من الظّلمات إلى النّور ، يعتبر نتيجةً وثمرةً لِلإيمان بالله تعالى وولايته ، والخروج من النّور إلى الظّلمات ، هو من معطيات الطّاغوت وولايته.

والنّور والظّلمة هنا ، لهما مفهومٌ واسعٌ جِدّاً ، بحيث يستوعبان ، جميع الفضائل والقبائح والحسنات والسّيئات.

نَعم ، فإنّ الشّخص الذي يعيش في أجواء المَلكوت ، وفي ظلّ ولاية «الله» ، فإنّه سيبدأ رِحلته وهِجرته ، من الرّذائل إلى الفضائل ومن القبائح إلى الجَمال الرّوحي ، ومن السّيئات إلى الحسنات ، لأنّ صِفات جَماله وجَلاله ، هي اسوته الحقّة في رحلته المعنويّة.

٣٢٠

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345