أضواء على أدعية النبي الأعظم في أيام شهر رمضان المبارك

أضواء على أدعية النبي الأعظم في أيام شهر رمضان المبارك0%

أضواء على أدعية النبي الأعظم في أيام شهر رمضان المبارك مؤلف:
تصنيف: متون الأدعية والزيارات
الصفحات: 120

أضواء على أدعية النبي الأعظم في أيام شهر رمضان المبارك

مؤلف: عامر الحلو
تصنيف:

الصفحات: 120
المشاهدات: 25049
تحميل: 3223

توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 120 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 25049 / تحميل: 3223
الحجم الحجم الحجم
أضواء على أدعية النبي الأعظم في أيام شهر رمضان المبارك

أضواء على أدعية النبي الأعظم في أيام شهر رمضان المبارك

مؤلف:
العربية

ولعل الحكمة في تخصيص النبي اليوم الأول من أيام شهر رمضان المبارك بكل هذه القيم والمبادئ والمفاهيم الروحية والتربوية لعل ذلك يرجع إلى كونه أول يوم من شهر مبارك ، خصه الله بنزول القرآن ونزول الكتب السماوية ، وبالصوم ، وجعل فيه ليلة هي عند الله خير من ألف شهر وهي : ليلة القدر ، فهو أول يوم من هذا الشهر يُقبل الإنسان على ربه بهذه الطاعة ، وبهذه العبادة تقربا واحتسابا لما عند الله تعالى.

٢١

دعاء اليوم الثاني :

«اللهم قربني فيه إلى مرضاتك وجنبني فيه من سخطك ونقماتك ، ووفقني فيه لقراءة آياتك برحمتك يا أرحم الراحمين »

أضواء على هذا الدعاء :

القرب تارة يكون قرباً حسياً ملموساً ، مثل قرب بعضا من بعض حيث أن هذا القرب يلمس ويُحس وله أبعاده ومشخصاته.

وتارة يكون قربا معنويا وهنا هو المطلوب في الدعاء ، أي يا رب أجعلني بطاعتي وعبادتي في هذا اليوم قريبا إلى رضاك ورضوانك.

وقد فُسر القرب بعدة تفاسير بالنسبة إلى قرب الله من عبده ، في قوله تعالى :( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ) (١) .

فقيل :

١ ـ قريب بالإجابة.

وقيل :

٢ ـ قريب بالعلم ، بمعنى أن علمه تعالى محيط بكل شيء ، فهو يسمع أقوال العباد ويرى أعمالهم.

__________________

١ ـ سورة البقرة ، الآية : ١٨٦.

٢٢

وهو منزهه عن الانحصار في مكان وهو القائل :( وَاللَّـهُ مِن وَرَائِهِم مُّحِيطٌ ) (١) ، وهو تعالى متعال عن القرب الحسي لتعاليه عن المكان ونظيره.

ثم يقول صلى الله عليه وآله وسلم :

«وجنبني فيه من سخطك ونقماتك»

ورد في اللغة : جنبه الشيء تجنيبا ، بمعنى : نحّاه عنه ومنه ، قوله تعالى :( وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الْأَصْنَامَ ) (٢) .

ومعنى ما ورد في الدعاء أي باعد بيني وبين ما يوجب سخطك ونقمتك ، وهو المعاصي والذنوب التي تسبب غضب الله وعذابه ، والسّخَط والسُخْط ضد الرضا وقد سخط أي غضب ، فهو ساخط وأسخطه أغضبه.

والنقمة جمعها نَقِمات ونقم عليه فهو ناقم أي عتب عليه ، وانتقم الله منه عاقبه(٣) .

أي جنبني يا رب عن ما يُسبب عقابك وانتقامك ، واجعلني من أهل طاعتك الذين يستحقون ثوابك وثوابهم جنتك التي وعدت بها عبادك المخلصين.

ثم ينتقل النبي صلى الله عليه وآله وسلم في دعائه فيطلب من الله تعالى أن يوفقه لتلاوة آيات القرآن الكريم فإن شهر رمضان شهر القرآن ، وشهر التلاوة ، وشهر الذكر والقراءة المفيدة النافعة يجب أن تكون قراءة تدبر وتأمل ، وتلاوة القرآن الكريم والإكثار منها يفتح آفاق النفس على رحاب الله تعالى ، وتنفع

__________________

١ ـ سورة البروج ، الآية : ٢٠.

٢ ـ مختار الصحاح : ١١٢.

٣ ـ مختار الصحاح : ٦٧٨.

٢٣

صاحبها دنيا وآخرة.

قال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم : «نوروا بيوتكم بتلاوة القرآن ولا تتخذوها مقابر ، فإن البيت إذا كثرة فيه التلاوة كثر خيره وأتسع أهله وأضاء لأهل السماء كما تضيء نجوم السماء لأهل الأرض ».

والقراءة في شهر رمضان لها حلاوة وطعم لذيذ لأنه موسم القرآن الكريم ، وفي الحديث : «أن لكل شيء ربيعا وربيع القرآن هو شهر رمضان » ، يُستحب في سائر الأيام ختم القرآن ختمه واحدة في كل شهر ، وأما في شهر رمضان فالمسنون فيه ختمه في كل ثلاثة أيام.

ثم يستمطر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رحمة ربه الغفور الرحيم ، بل هو الأرحم من كل شيء ، وقد نعت ذاته المقدسة بأنه أرحم الراحمين ، وهو الرحمن الرحيم ، والذي وسعت رحمته كل شيء ، وسبقت رحمته غضبه.

٢٤

دعاء اليوم الثالث :

«اللهم ارزقني فيه الذهن والتنبيه ، وباعدني فيه من السفاهة والتمويه ، وأجعل لي نصيبا من كل خير تُنزله فيه يا أجود الأجودين »

أضواء على هذا الدعاء :

[طلب الرزق من وظيفة العباد وتنظيم الأمور وترتيب الأسباب الظاهرية وغير الظاهرية التي تخرج عن اختيار العباد غالبا ، فيكون بتقدير من الباري تعالى](١) .

قال تعالى :( هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ ) (٢)

وكما أن الله تعالى يزرق الإنسان رزقا يسد به رمقه ويستعين به على أمور حياته ومن معه في الدنيا ، كذلك يرزق أمورا أخرى مثل : الجاه ، والذكاء ، والشجاعة ، وقوة الحافظة ، والخلود للشهداء الذين يضحون من أجل دينهم ومبادئهم قال تعالى :( وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ) (٣)

[معنى قوله :( يُرْزَقُونَ ) أي : يرزقون النعيم في قبورهم ، فهم أحياء حياة محققة ، وترد إليهم أرواحهم في

__________________

١ ـ الأربعون حديثا : ٦١٣.

٢ ـ سورة تبارك ، الآية : ١٥.

٣ ـ سورة آل عمران ، الآية : ١٦٩.

٢٥

قبورهم فيمنعون وإن أرواحهم تدخل الجنة في وقت خروجها من الأجساد](١) .

وبالعودة إلى دعاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم في اليوم الثالث من شهر رمضان المبارك نجد أنه يطلب من الله تعالى أن يرزقه الذهن ، و [الذهن لغة الفِطنة والحفظ والتنبيه ، وهو مأخوذ من قولهم نَبُه الرجل أي شرف واشتهر فهو نبيه ونابه وهو ضد الخامل ، ونبه غيره تنبيها رفعه من الخمول](٢) .

والذي يتضح من هذه الفقرة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يدعو الله أن يرزقه في هذا اليوم الذهن الوقاد المتيقظ ، والنباهة التامة الكاملة ليكون قويا في طاعة الله ، وقادرا على تأدية فرائضه ومستحباته.

ثم ينتقل إلى الفقرة الأخرى من الدعاء فيقول :

«وباعدني فيه من السفاهة والتمويه».

وهو تماما عكس الذهن والتنبيه ، حيث نجد في اللغة أن [السفه ضد الحلم ، وأصله الخفة وسفه الرجل صار سفيها ، والسفاهة هي الخفة وعدم الاتزان ، والسفيه هو الذي لا يُحسن التصرف لخفة عقله.

ـ والتمويه لغة مأخوذ من قولهم ـ موه الشيء تمويها طلاه بفضة أو ذهب وتحت ذلك نحاس أو حديد ، ومنه التمويه وهو التلبيس](٣) .

__________________

١ ـ مجمع البيان في تفسير القرآن : ٤ / ٥٥٣.

٢ ـ مختار الصحاح : ٢٢٤ و ٦٤٤.

٣ ـ مختار الصحاح : ٣٠٢ و ٦٤٠.

٢٦

وهو منهي عنه قرآنياً حيث يقول الحق تبارك وتعالى :( وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ ) (١)

وهذا ما يدعو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ربه أن يبعده عنه ، لأنه لا يتناسب مع الصيام الذي جعله الله جُنة ووقاية من كل الذنوب الظاهرة والباطنة.

ثم يدعو النبي ربه أن يجعل له في هذا اليوم نصيبا ، أي : حظاً وقسمة من كل خير يُنزله الله في ذلك اليوم على عباده من البركات وطول العمر ، ودفع البلايا والأسقام ، وغيرها.

والله تعالى هو الجواد الكريم المنعم المتفضل ، بل هو وحسب دعاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم أجود الأجودين ، أي : أكرم الأكرمين ، وهو كذلك أرحم الراحمين وأحكم الحاكمين ، وأحسن الخالقين ، وتلك أمور لا يعرفها إلا العارفون.

__________________

١ ـ سورة البقرة ، الآية : ٤٣.

٢٧

دعاء اليوم الرابع :

«اللهم قوني فيه على إقامة أمرك ، وأذقني فيه حلاوة ذكرك ، وأوزعني فيه لأداء شكرك بكرمك ، واحفظني فيه بحفظك وسترك يا أبصر الناظرين »

أضواء على هذا الدعاء :

في هذا الدعاء يطلب النبي صلى الله عليه وآله وسلم من الله القوة وهو مصدرها وهو القائل :( أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّـهِ جَمِيعًا ) (١) .

وفي اللغة : [القوة ضد الضعف ، والقوة الطاقة وجمعها قوى ، ويقال : رجل شديد القوى ، أي : شديد أسْرِ الخَلقَ](٢) .

والدعاء يتضمن طلب القوة من الله تعالى لإقامة أمر الله تعالى من : صوم ، وصلاة ، وتلاوة ، والتذاكر في العلم وسائر العبادات التي تحتاج إلى طاقة وقوة جسدية ، وروحية ، وفكرية ليتمكن الإنسان للقيام بها.

ثم يقول صلى الله عليه وآله وسلم :

«وأذقني فيه حلاوة ذكرك»

وهو غاية في البلاغة ، وكيف لا يكون كذلك ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أفصح من نطق بالضاد ، فقد جعل الذكر حلوا ، وأن الإنسان ليتذوق الحلو ، وذكر الله تعالى هو سبيل أوليائه وهو

__________________

١ ـ سورة البقرة ، الآية ١٦٥.

٢ ـ مختار الصحاح : ٥٥٨.

٢٨

القائل :( أَلَا بِذِكْرِ اللَّـهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ) (١) .

ويقول :( فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ ) (٢) .

ويقول :( أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّـهِ ) (٣)

ثم قال صلى الله عليه وآله وسلم : «وأوزعني فيه لأداء شكرك بكرمك »

وقد ورد في اللغة : [أوزعه بالشيء أغراه به واتوزعتُ شكر الله فاوزعني ، أي : استلهمته فألهمني](٤) .

والنبي صلى الله عليه وآله وسلم يدعو ربه أن يلهمه القدرة والتمكن من أداء شكره تعالى على نعمه الكثيرة وآلائه العميمة ، والتي هي لا تعد ولا تُحصى.

قال تعالى :( إِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّـهِ لَا تُحْصُوهَا ) ٥ ، وكيف يؤدي العبد شكر الله المنعم المفضل؟

يكون ذلك بلزوم طاعته والانتهاء والكف عن معصيته ، والشكر تارة يكون باللسان وهو المتعارف عليه ، وتارة يكون بالعمل الصالح.

قال تعالى :( اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا ) (٦) .

كل ذلك يتم بكرم وتفضل وجود من الله تعالى ، ثم يدعو صلى الله عليه وآله وسلم أن يحفظه الله فيه بحفظه لأنه هو الحافظ ، القادر على الحفظ دون غيره ، وهو القائل عز من قائل :( فَاللَّـهُ خَيْرٌ

__________________

١ ـ سورة البقرة ، الآية : ١٥٥.

٢ ـ سورة البقرة ، الآية : ١٥٣.

٣ ـ سورة الحديد ، الآية : ١٦.

٤ ـ مختار الصحاح : ٧١٩.

٥ ـ سورة إبراهيم ، الآية : ٣٤.

٦ ـ سورة سبأ ، الآية : ١٣.

٢٩

حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ) (١) .

وهو الساتر الذي يستر على عباده عيوبهم ، وهو عز وجل يحب الستر والساترين ، وقد ورد في الدعاء : «يا من أظهر الجميل وستر القبيح ، يا من لم يؤاخذ بالجريرة ، يا من لم يهتك الستر »

وقد ورد في اللغة : [السُترة ما يُستر به كائنا ما كان ، ورجل مستور وستير ، أي : عفيف ، والمرأة ستيرة ، أي : عفيفة](٢) .

وقد يكون الستر والحفظ معنى واحد في بعض الأحيان. والنبي صلى الله عليه وآله وسلم في الدعاء يطلب من الله تعالى الحفظ والستر من غوائل الدنيا ، ومصائب الحياة ، ما ظهر منها وما بطن ، وما عُرف منها وما خفيُّ ، وكل ذلك مرده إلى الله تعالى ، فهو القادر على كل شيء وهو أرحم الراحمين ، وهو أبصر الناظرين كما ختم النبي صلى الله عليه وآله وسلم بذلك دعائه.

__________________

١ ـ سورة يوسف ، الآية : ١٢.

٢ ـ مختار الصحاح : ٢٨٦.

٣٠

دعاء اليوم الخامس :

«اللهم اجعلني فيه من المستغفرين ، واجعلني فيه من عبادك الصالحين القانتين ، واجعلني فيه من أوليائك المقربين برأفتك يا أرحم الرحمن »

أضواء على هذا الدعاء :

الجعل قسمان وهما :

١ ـ الجعل التكويني :

قال تعالى :( وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ) (١) ، وقد ورد في تفسيرها : [جعلناكم شعوبا وقبائل مختلفة لا لكرامة لبعضكم على بعض ، بل لأن تتعارفوا فيعرف بعضكم بعضا ويتم بذلك أمر اجتماعكم](٢)

وهذا الجعل تكويني.

٢ ـ الجعل التشريعي :

[ويراد به ثبوت الحكم في الشريعة ، أي : تشريعه من قبل الله تعالى مثل : وجوب الحج على المسلم](٣) .

قال تعالى :( وَلِلَّـهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّـهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ) (٤) .

__________________

١ ـ سورة الحجرات ، الآية : ٣.

٢ ـ الميزان في تفسير القرآن : ١٨ / ٢٢٥.

٣ ـ معجم المصطلحات الأصولية : ٦١.

٤ ـ سورة آل عمران ، الآية : ٩٧.

٣١

والنبي صلى الله عليه وآله وسلم يدعو الله تعالى أن يجعله من المستغفرين فيه ، والاستغفار درجة عالية من درجات عباد الله المخلصين ، وقد سمع أمير المؤمنين علي عليه السلام رجل يقول : [استغفر الله]

فقال : «أتدري ما الاستغفار؟ ، الاستغفار درجة العليين ، وهو أسم واقع على معان ستة :

١ ـ الندم على ما مضى من المعصية أبدا.

٢ ـ العزم على ترك المعصية أبدا.

٣ ـ أن تؤدي إلى المخلوقين حقوقهم حتى تلقى الله أملسا ليس عليك تبعه.

٤ ـ أن تعمد إلى كل فريضة عليك ضيعتها فتؤدي حقها.

٥ ـ أن تعمد إلى اللحم الذي نبت على السحت فتذيبه بالأحزان حتى تلصق الجلد بالعظم وينشأ لحم جديد.

٦ ـ أن تذيق الجلد ألم الطاعة كما أذقته حلاوة المعصية فعند ذلك تقول : أستغفر الله»(١) .

ثم يقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم في دعائه :

«واجعلني فيه من عبادك الصالحين القانتين »

والعبودية لله تعالى أشرف صفة يتصف بها صفوة أولياء الله ، فهي مقدمة حتى على النبوة ، قال تعالى :( قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّـهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا ) (٢)

وقال :( سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ ) (٣) .

__________________

١ ـ نهج البلاغة : ٧٥٣.

٢ ـ سورة مريم ، الآية : ٣٠.

٣ ـ سورة الإسراء ، الآية : ١.

٣٢

وصفوة عباد الله الصالحون ، ولذلك يطلب النبي صلى الله عليه وآله وسلم في دعائه أن يكون منهم ، قال تعالى :

( وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ) (١) .

والقنوت : أصله الطاعة ، ومنه قوله تعالى :( وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ ) ، وقوله تعالى :( وَقُومُوا لِلَّـهِ قَانِتِينَ ) (٢) .

[وأكثر علمائنا قالوا باستحبابه في الصلاة ، وقال الشيخ الصدوق ، وابن عقيل : بوجوبه ، ومحله في جميع الصلوات الواجبة والمندوبة بعد قراءة السورة الثانية ، وقبل ركوعها ، وفي الجمعة قنوتان في الأولى قبل الركوع ، وفي الثانية بعده ، والقنوت كله جهار كما في رواية زرارة عن الإمام الباقر عليه السلام ، ويذكر أن الإمام الشافعي ـ محمد بن إدريس ـ كان يقنت بصلاة الصبح فقط لما كان بالقاهرة ، فلما جاء إلى بغداد لم يقنت احتراما لمذهب : أبي حنيفة](٣) .

ثم يدعو النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيقول :

«واجعلني فيه من أوليائك المقربين»

أي : أجعلني من المحبين المقربين لك بالطاعة والتهجد.

[والأولياء جمع ولي ، وهو لغة ضد العدو وكل من ولي أمرو احد فهو وليه](٤) .

والولي هو : المحب ، والناصر ، والجار ، والحليف ، وابن العم كذلك.

__________________

١ ـ سورة الأنبياء ، الآية : ١٠٥.

٢ ـ سورة البقرة ، الآية : ٢٣٨.

٣ ـ كنز العرفان ، ١ / ١٤٥.

٤ ـ مختار الصحاح : ٧٣٦.

٣٣

ولا يكون العبد وليا لله مقربا منه إلا إذا أخلص الطاعة لله تعالى فيكون منه قريبا بالارحمة ، والمغفرة ، والرضوان ، والثوواب ، وقد ورد في دعاء كميل لأمير المؤمنين علي عليه السلام قوله :

«واجعلني من أحسن عبيدك نصيبا عندك ، وأقربهم منزلة منك ، وأخصهم زلفة لديك »(١) .

__________________

١ ـ مفاتيح الجنان : ١٠٥.

٣٤

دعاء اليوم السادس :

«اللهم لا تخذلني فيه لتعرض معصيتك ، ولا تضربني فيه بسياط نقمتك ، وزحزحني فيه من موجبات سخطك بمنك وأياديك يا منتهى رغبة الراغبين »

أضواء على هذا الدعاء :

يتضمن هذا الدعاء كما هي العادة فيما مضى عدة فقرات تحمل مضامين عالية في التربية والتهذيب ، وسوف نأخذ الفقرة الأولى التي يقول فيها المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم :

«اللهم لا تخذلني فيه لتعرض معصيتك»

والخذلان مأخوذ لغة : [من خذلُه يخذلُه خِذلانا ـ بكسر الخاء ـ أي ترك عونه ونصرته](١)

فالنبي هنا يطلب من الله أن ينصره على النفس ، وأن يعينه على الطاعة لأن التعرض للمعصية خِذلان ، وقد ورد في دعاء الصباح للإمام أمير المؤمنين علي عليه السلام قوله :

«وإن خذلني نصرك عند محاربة النفس والشيطان فقد وكلني خِذلانك إلى حيث النصب والحرمان »(٢) .

«ولا تضربني فيه بسياط نقمتك»

وهذا لون بلاغي فريد من نوعه وجديد في بابه ، فجعل للنقمة

__________________

١ ـ مختار الصحاح : ١٧١.

٢ ـ مفاتيح الجنان : ٩٨.

٣٥

سياط يضرب بها الله تعالى من يعصيه ويؤدب بها من يخالف أوامره ونواهيه ، ومعناه لا تجعل عقابك ضربك لي بسياط النقمة.

والنقمة لغة مأخوذة من : [نقم عليه فهو ناقم ، أي : عتب عليه ، وأنتقم الله منه عاقبه](١) .

«وزحزحني فيه من موجبات سخطك»

ومعنى ذلك أي : باعد بين وبين ما يوجب سخطك وغضبك ، وليس إلا المعصية ما يجب سخط الله وغضبه ، وكل المعاصي توجب سخط الله ، وترك الطاعات أيضاً يوجب سخطه تعالى.

والمعنى اللغوي للزحزحة هو : [زحزحه عن كذا باعده ، وتزحزح تنحى](٢) .

ومنه قوله تعالى :( فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ) (٣) .

وقد جاء في تفسيرها : [نُجي من النار وفاز وظفر بالبغية](٤) .

وقوله تعالى :( وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ ) (٥) .

وقد جاء في تفسيرها : [بمباعده من العذاب](٦) .

__________________

١ ـ مختار الصحاح : ٦٧٨.

٢ ـ مختار الصحاح : ٢٦٩.

٣ ـ سورة آل عمران ، الآية : ١٨٥.

٤ ـ تفسير شبر : ١٠٥.

٥ ـ سورة البقرة ، الآية : ٩٦.

٦ ـ تفسير شبر : ٥٤.

٣٦

«بمنك وأياديك يا منتهى رغبة الراغبين»

والمَن كما قال الزجاج : [كل ما يمُن الله تعالى به مما لا تعب فيه ولا نصب ، ومَن عليه أنعم ، والمنان مِن أسماء الله تعالى](١) .

والمقصود هنا به التفضل الإلهي على العبد ، ومنه قول أمير المؤمنين علي عليه السلام في دعاء كميل المشهور : «ومُنّ عليّ بحُسن إجابتك وأقلني عَقرتي وأغفر زلتي »(٢) .

والأيادي : مأخوذة لغة من : [اليد ، وهي : النعمة والإحسان] والأيادي هنا النعم الإلهية التي تكرم بها على الخلق ، والأيادي لغة أيضا ، جمع الأيدي ومنه قول الشاعر :

له أيادٍ عليّ وافرة

أعدُّ منها ولا أعددها

«يا منتهى رغبة الراغبين»

ومعناه يا من لا يرجو الراغبون غيره ، ولا يرجعون إلا إليه لأنه المنتهى للراغب ، والقاضي حاجات الطالب.

والرغبة لغة من : [من رغب فيه أراده ، ورغب عنه لم يُرده](٣) .

__________________

١ ـ مختار الصحاح : ٦٣٦.

٢ ـ مفاتيح الجنان : ١٠٥.

٣ ـ مختار الصحاح : ٢٤٨.

٣٧

دعاء اليوم السابع :

«اللهم اعني فيه على صيامه وقيامه ، وجنبني فيه من هفواته وآثامه ، وارزُقني فيه ذكرك بدوامه بتوفيقك يا هادي المضلين »

أضواع على هذا الدعاء :

في هذا الدعاء يطلب المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم من الله الإعانة على الصيام والقيام في ذلك اليوم ، وليس للمؤمن عون إلا الله خصوصا في الهداية والتوفيق للطاعة والبُعد عن المعصية.

والعون لغة هو : [الظهير على الأمر ، والجمع الأعوان ، والمعونة الإعانة.

وفي الدعاء : «رَبِّ أعني ولا تُعن عليّ »(١) .

وقد ورد في الدعاء أيضا : «اللهم أعنا على أنفسنا بما تعين به الصالحين على أنفسهم »

وفي الدعاء أيضا : «اللهم وأعنا على الاستنان بسنته فيه ونيل الشفاعة لديه ، اللهم وأجعله شفيعا مشفعا ، وطريقا إليك مهيعا »(٢) .

ثم ينتقل صلى الله عليه وآله وسلم إلى الفقرة الثانية فيقول :

«وجنبني فيه من هفواته وآثامه»

__________________

١ ـ مختار الصحاح : ٤٦٣.

٢ ـ مفاتيح الجنان : ٢١٧.

٣٨

أي : باعد يا ربي بيني وبين الهفوات والآثام التي توجب البعد عن الله تعالى ، والقرب من الشيطان.

و [الهفوات : جمع هفوة ، وهي : الزلة مأخوذة من هفا يهفو هفوة](١) .

و [الآثام : جمع أثم ، وهو : الذنب وقد أثم إثما ومُأثما إذا وقع في الآثم ، فهو : آثم ، والمأثوم المجزي جزاء إثمه.

وقد تسمى الخمر إثما ومنه قول الشاعر :

شربت الآثم حتى ضلّ عقلي

كذلك الآثم تَذهب بالعقول](٢)

ثم يقول صلى الله عليه وآله وسلم :

«وارزقني فيه ذكرك بدوامه»

أي : أجعلني دائم الذكر لك في ذلك اليوم ، وليكن لساني بذكرك لهجا وقلبي بحبك متيما.

«وبتوفيقك يا هادي المضلين»

والتوفيق من الله تعالى يهبه لمن يستحق التوفيق ، ومن أكثر من النبي الأكرم عند الله توفيقا.

والله تعالى هو الهادي الذي يهدي المضلين الغافلين لكي يؤتدعوا ويعودوا إلى طريق الصواب ، ويبتعدوا عن طريق الضلال.

__________________

١ ـ مختار الصحاح : ٦٩٦.

٢ ـ مختار الصحاح : ٦.

٣٩

دعاء اليوم الثامن :

«اللهم أرزقني فيه رحمة الأيتام ، وإطعام الطعام ، وإنشاء السلام ، وصحبة الكرام بطولك يا ملجأ الأملين ».

أضواء على هذا الدعاء :

يقول المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم في دعاء هذا اليوم : اللهم أرزقني أن أكون رحيما للأيتام ، والرحمة باليتيم لها مصااديق منها :

١ ـ أن تمسح على رأسه لتعوضه حنان من فقد.

٢ ـ أن لا تأكل ماله كما نهانا عن ذلك القرآن ، إذ يقول الحق تبارك وتعالى :( وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) (١) .

٣ ـ أن ندخل على قلبه الفرح ، والسرور ، وأن نمد له يد المساعدة وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قوله : «أن في الجنة دارا يقال لها الفرح لا يدخلها إلا من فرح يتامى المؤمنين ».

وقال صلى الله عليه وآله وسلم : «أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة إذا أتقى الله عز وجل » وأشار بالسبابة والوسطى ، وأتي إلى النبي برجل يشكو قسوة قلبه ، قال له :

«أتحب أن يلين قلبك وتدرك حاجتك؟ ، أرحم اليتيم وأمسح رأسه وأطعمه من طعامك يلين قلبك وتدرك حاجتك ».

__________________

١ ـ سورة الأنعام ، الآية : ١٥٢.

٤٠