وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى الجزء ٢

وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى0%

وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى مؤلف:
المحقق: خالد عبد الغني محفوظ
الناشر: دار الكتب العلميّة
تصنيف: مكتبة الحديث وعلومه
الصفحات: 282

وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى

مؤلف: نور الدين علي بن أحمد السّمهودي
المحقق: خالد عبد الغني محفوظ
الناشر: دار الكتب العلميّة
تصنيف:

الصفحات: 282
المشاهدات: 78337
تحميل: 4009


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 282 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 78337 / تحميل: 4009
الحجم الحجم الحجم
وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى

وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى الجزء 2

مؤلف:
الناشر: دار الكتب العلميّة
العربية

والجدار القبلي قبة لطيفة ، وحولها ثلاثة أخر تسمى مجاريد ، وجعلوا بين عقود هذه القباب وبين المنارة الرئيسية التي أعادوها بادهنجا للضوء والهواء ، وكان باب المنارة المذكورة من جهة المغرب ، فنقلوه إلى جهة الشام ، وأحدثوا أمامه أربع درجات بأرض المسجد ، وإلى جانبها خزانة ، وجعلوا موضع بابها الأول خلوة للخطيب يجلس بها إلى أن يخرج للخطبة يوم الجمعة ، وكان جلوسه في الأعصار الخالية هناك مع وجود باب المنارة به ، واتخذوا أيضا قبتين أمام باب السلام من داخله ، وبنوا الباب المذكور بالرخام الأبيض والأسود وزخرفوه زخرفة عظيمة ، وكذلك القباب المذكورة ، وخفضوا أرض مقدم المسجد حتى ساوت أرض المصلى الشريف ، واتخذوا له محرابا في محل الصندوق الذي كان هناك وزخرفوه بالرخام وكذا المحراب العثماني زخرفة عظيمة ، وأعادوا ترخيم الحجرة الشريفة وما حولها وترخيم الجدار القبلي ، وأزالوا البناء الذي عمله أهل المدينة في موضع المقصورة المستديرة بالحجرة الشريفة ، وأبدلوا ما يلي القبلة من ذلك بشبابيك من النحاس ، وبأعلاها شبكة من شريط النحاس كهيئة الزّرد ، وجعلوا لبقيتها مما يلي الشام مشبكا مشاجرا من الحديد وفاصلا عن يمين مثلث الحجرة ويساره فيه بابان كما سبق بسط كل ذلك في محله ، وعملوا المنبر ودكة المؤذنين من رخام ، وجعلوا فيما يلي باب الرحمة وباب النساء إلى مؤخر المسجد دكتين إحداهما بالمسقف الغربي والأخرى بالمسقف الشرقي ، وجعلوهما أخفض من الدكاك الشامية يسيرا ، وردموهما من أتربة المسجد ، واتخذوا فيما أعادوه من الجدار الشرقي خزائن للكتب وطاقات كبارا كالأبواب المقنطرة في أعالي الجدار وطاقات متسعة مستديرة أيضا تكثيرا للضوء ، ولم يكن بأعالي الجدار المذكور أولا غير شباك واحد ، وجعلوا نظير تلك الطاقات في الجدار القبلي أيضا ، وبنو الجدار من ابتداء تلك الطاقات بالآجر ، وسبب الاحتياج إلى ذلك أن أساطين مقدم المسجد الشريف كانت واصلة إلى سقفه كما سبق ، ولم يكن بذلك قناطر من العقود سوى ما يلي الرحبة من الرواقين اللذين جدّدهما الناصر كما سبق ، وكان الساقط من الأساطين بمقدم المسجد هو الأكثر لسقوط العقود التي كانت بين السقفين عليها وقت الحريق واشتعال النار المذيبة للرصاص الذي بين خرز الأساطين ، فاقتضى رأيهم إعادة تلك الأساطين قصيرة وتكميلها إلى السقف بعقود القناطر ، فأخذت القناطر حصة من الضوء ، فعوّضوا ذلك بتلك الطاقات ، وأكد عندهم فتحها أخذ متولي العمارة للدور التي في قبلة المسجد المعروفة بدور العشرة ليجعلها مدرسة للسلطان ، وعرض الجدار القبلي يسيرا منها ، وجعل فيها فتحات لشبابيك متعددة أيضا ، ثم صرف الله تعالى عزمه عن ذلك وسد فتحات الشبابيك المذكورة كلها بفصوص الأحجار كنسبة بناء الجدار ، وسدّ أيضا الطاقات التي بالجدار القبلي إلا ما يحاذي القبة التي على المحراب العثماني ، فجعل لها ولما بقي من الطاقات قمريات من الزجاج وشبكات من شريط النحاس.

١٨١

ثم استبدل متولي العمارة الرباط المعروف بالحصن العتيق وما في شاميه من المدرسة الجوبانية والدار التي كانت تعرف بدار الشباك ـ وذلك كله فيما بين باب الرحمة وباب السلام ـ عند هدم هذا الجانب من الجدار الغربي ليتخذ في ذلك مدرسة ورباطا لسلطان زماننا الأشرف أدام الله تعالى تأييده وتسديده ، واتخذ في الجدار المذكور فتحات لشبابيك كثيرة في ثلاث طبقات عدتها ثلاثون فتحة ، لأن الفتحة الثالثة من على يسار الداخل من باب السلام في موضع باب خوخة أبي بكر الصديق الآتي ذكرها في أبواب المسجد ، جعلوه بابا ينفذ إلى المسجد ، وكذا الفتحتان اللتان بينها وبين باب السلام جعلوا لهما بابين إلى المسجد فقط ، وصارت هذه الأبواب الثلاثة في المسجد دون المدرسة من أصل حاصل المسجد الذي كان هناك ، والفتحة الخامسة ـ وهي الثالثة من خوخة أبي بكر ـ جعلوها بابا ينفذ من المسجد إلى أسفل المدرسة ، وجعلوا على الفتحات التي في الطبقة العليا شبكة من شريط النحاس شبه الزرد ؛ لأنها جعلت لمجرد الضوء ، وقد تكلم الناس مع متولي العمارة في أمر الشبابيك واتخاذها بجدار المسجد الشريف القبلي قبل انتقاله إلى هذه الجهة ، وكثر الكلام في ذلك ، فكاتب السلطان فاستفتى علماء مصر في ذلك فأفتاه جماعة منهم بذلك ، فقلدهم فيه ، وعوض ما فات من المصاحف والربعات ، وبعث بعض ذلك على يدي بحيث اجتمع من ذلك أكثر مما فات ، وكذلك الكتب بعث بجانب منها ووعد بإرسال ما يحتاج إليه ، وكان من التوفيق بعثه للأمير الكبير الفخري قاسم الفقيه ناظرا على المسجد الشريف وشيخا لخدامه ، وهو محب للعلم وأهله ، مغرم بتلاوة القرآن الشريف ، لم ير على طريقته مثله في هذا الباب ؛ فصار يباشر أمر الرّبعات والمصاحف بنفسه ومماليكه ، واتخذ لها كراسيّ صغارا يوضع عليها بالروضة الشريفة في أوقات الصلوات النهارية ، فيقرأ هو والناس فيها ؛ فعم نفعها.

ولما قارب المسجد التمام أخذوا في عمارة الرباط والمدرسة المذكورين ، وأسسوا لهما منارة في ناحيتهما التي تلي باب الرحمة ، وشرعوا أيضا في عمارة رباط آخر بدل رباط الحصن العتيق ، وفي حمام قبالة الرباط المذكور استأجروا أرض الحمام من الناظر على الميضأة التي بباب السلام فإنها منها ، وشرعوا أيضا في عمارة سبيل وفرن وطاحون ومطبخ للدشيشة ووكالة ذات حواصل في الدور التي اشتروها قبل ذلك للسلطان من دور العباس وما يلي ذلك في جهة القبلة ، وذلك أن السلطان أعز الله تعالى أنصاره بعد رجوعه من الحج شرع في شراء أماكن وجعلها وقفا ليحمل ريعها إلى المدينة الشريفة ليفرّق منه على أهلها ويعمل منه سماط كسماط الخليلعليه‌السلام ، وأبرز لذلك ستين ألف دينار كما ذكرناه في الفصل الثالث والثلاثين ، فاتخذوا هذه الأماكن لذلك ، وهو أمر لم يسبق إليه ، فسح الله تعالى في أجله ، وبلغه من الخير غاية سؤاله وأمله ، ولم يكن بالمدينة الشريفة حمام قبل ذلك من مدة مديدة ، وكذا الطاحون ، وإنما يستعملون الأرحاء التي تدار بالأيدي.

١٨٢

ثم كتب إلى بعض الثقات بتكامل تحصيل تلك الأماكن ، وأن متحصلها سبعة آلاف إردب وخمسمائة إردب من الحبّ في كل سنة ، وأن السلطان أدام الله نصره أنجز وقفها وشرع في عمارة أماكن بمصر تقوية للوقف ، ورسم بإبطال المكوس بالمدينة وتعويض أميرها.

وقد كملت سقف المسجد النبوي كلها في أواخر شهر رمضان عام ثمان وثمانين وثمانمائة ، وتمت عمارة المسجد الشريف عقب ذلك ، ولم يبق سوى اليسير من العمائر السابق ذكرها وإكمال ترخيم المدرسة الأشرفية.

وفي عام تسع وثمانين حضر جماعة من الدهانين بعث بهم السلطان الأشرف أعز الله أنصاره من مصر لمحو ما بلغه أنه جعل في بعض سقف المسجد الشريف من الدهان بالنيلة وإبداله باللازورد ، وجهّز معهم أساقيل لذلك ، فعملوه على أحسن وجه ، ثم جهز؟ الأشرف عين الأعيان ونخبة الزمان البهائي بهاء الدين أبا البقاء بن الجيعان عظم الله شأنه وأسبغ عليه نعمه وإحسانه في ركب مع جماعة من خواصه ، فوصل إلى المدينة الشريفة سابع ذي القعدة الحرام من العام المذكور ، ومعه أحمال من كتب العلوم الشرعية موقوفة بالمدرسة الأشرفية ، وأحمال كثيرة من الحبّ والدقيق والقدور النحاس التي جعلت برسم السّماط المتقدم ذكره ، وبقايا آلات العمارة مما جهز في المراكب الشريفة إلى الينبع ، فقرر أمر السماط ، فصرف لكل شخص من المقيمين من الحب ما يكفيه على حسب عدة عياله ، لكل نفر سبع إردب مصري بتقديم السين على الموحدة ، وسوّى في ذلك بين الصغير والكبير والحر والعبد ، وجعل للآفاقيين ما يكفيهم من الخبز وطعام الجشيشة في كل يوم ، وقرر أمر المدرسة ، وصرف للمرخمين وغيرهم من أرباب الصنائع مصروف بقية عملهم ، وأحسن النظر في ذلك حتى زاد جماعة منهم من ماله وتلطف بهم وأحسن ، فانطلقت الألسن بالدعاء له ، أحسن الله له الجزاء ، وجعل نصيبه من خيري الدارين من أوفر الأجزاء.

وقد قارن هذه العمارة من السعد وتسهيل الأمور ما لا يوصف ، ويسر الله تعالى لهم من آلات العمارة ما لم نكن نظن حصوله بنواحي المدينة الشريفة ، خصوصا أخشاب الدّوم ، فقطعوا من الموضع المعروف بالشقرة ومن الصويدرة ومن الفرع وغير ذلك ما لا يحصيه إلا الله تعالى ، وكذلك أخشاب السّمر.

وقد أخبرني بعض المباشرين لهذه العمارة الميمونة أن المصروف فيها وفيما شرعوا فيه من عمارة المدرسة وتوابعها نقدا وأثمان آلات وبهائم وغير ذلك مائة وعشرون ألف دينار ، ومع ذلك فلم يتم بعد.

ثم بعد أن منّ الله تعالى بإتمامها بلغ السلطان الأشرف أن متولي العمارة تسمح في

١٨٣

استعمال مؤن غير صالحة ، وأن القبة التي سبق اتّخاذها على أعلى ما يحاذي الحجرة الشريفة قد تشققت ثم رمّت ثم تشققت ، ولم يفد الترميم فيها ، وأن المنارة الرئيسية قد مالت ، مع أمور أخرى ، فتغير خاطره على متولي العمارة ، ثم انتخب لذلك المقر الشجاعي شاهين الجمالي لما اشتمل عليه من الفضل والنبل وإصابة الرأي ، وفوض إليه أيضا مشيخة الحرم ونظره ونظر السماط ، فورد المدينة الشريفة في موسع عام أحد وتسعين وثمانمائة ، وجمع الناس للنظر في ذلك ، وراجع فيه أهل الخبرة ، فاقتضى الحال هدم المنارة الرئيسية وهدم أعالي القبة المذكورة ، ولما هدم المنارة المذكورة ظهر أن الخلل من عدم المبالغة في حفر أساسها ، فحفر أساسها حتى بلغ به الماء ، واتخذ لها أحجارا من الحجر الأسود متقنة ، وأحكم بناءها مع الحسن الفائق ، بحيث لم ير قبلها بالمدينة الشريفة مثلها ، وجعل بابها من المغرب في محله الأول ، وأبطل تلك الدرج المحدثة بأرض المسجد على ما سبق ، وأما القبة فاتخذ في الطاقات المحيطة بجوانبها سقفا يمنع من سقوط ما يهدم منها إلى أرض الحجرة الشريفة ، ثم شرع في هدمها وإعادتها ، بحيث لم يرفع كسوة الحجرة الشريفة ولم يتخذ المسجد طريقا للعمال في ذلك ، بل اتخذ أساقيل يمشي عليها إلى سطح المسجد في ناحيته الشرقية ، واتخذ حاجزا لمحل المنارة يحول بينها وبين المسجد بحيث يظن الظان أن المسجد لا عمارة به ، وصانه أيضا من الامتهان بعمل أرباب الصنائع ، فجزاه الله تعالى خير الجزاء ، وجعل ثوابه على ذلك من أوفر الأجزاء.

وقد جاءت القبة حسنة مع الإتقان ، حتى إنه استصحب في هذه العمارة الجبس من مصر المحروسة ، واستعمله في البناء ، وحرص على إتقان الآجر ، وزاد العمال فيه على عادتهم ، ولم يوفق متولي العمارة قبله لشيء من ذلك ، سامحه الله ، وكل ميسّر لما خلق له.

وقد ذكر ابن النجار ما كان عليه الخلفاء من الاهتمام بعمارة المسجد النبوي فقال : ولم يزل الخلفاء من بني العباس ينفذون الأمراء على المدينة الشريفة ، ويمدونهم بالأموال لتجديد ما ينهدم من المسجد النبوي ، فلم يزل ذلك متصلا إلى أيام الناصر لدين الله ، أي الخليفة في زمنه ، قال : فإنه ينفذ في كل سنة من الذهب العين الإمامي ألف دينار لعمارة المسجد ، وينفذ عدة من النجارين والبنائين والنقاشين وأرباب الحرف ، وتكون مادتهم مما يأخذونه من الديوان ببغداد من غير هذه الألف ، وينفذ من الحديد والصناع والرصاص والحبال والآلات شيئا كثيرا ، ولا تزال العمارة متّصلة في المسجد حتى إنه ليس به موضع أصبع إلا وهو عامر ، انتهى.

قلت : وعقب وفاة ابن النجار بيسير انتقل أمر المدينة الشريفة إلى ملوك مصر ، ولم يزل ملوكها يهتمون بعمارة هذا المسجد الشريف ، ومن أعظمهم همة في ذلك ، وأحبهم في

١٨٤

سلوك هذه المسالك ، سلطان زماننا الملك المالك لصفوة الممالك الأشرف أبو النصر قايتباي ، أعزّ الله أنصاره ، وضاعف اقتداره ؛ فلذلك أجرى الله على يديه هذه العمارة ، وآثره بهذه الأثارة ، ومن تأمل ما قدمناه في الفصل السادس والعشرين في الحريق الأول عن المؤرخين من عمل سقف المسجد على يد من سبق وطول مدته وصفته ، وأحاط علما بما أسلفناه عن سلطان زماننا في عمارته ، حكم يقينا بعلو همته ، وفخار منقبته ومرتبته ، واختصاصه بما لم يفز به من سبقه ؛ فكان هو سابقا ، وإن عد في الزمان لاحقا ، وقد ذكرنا ما له بالحجاز الشريف من الآثار الجميلة ، وبعض مناقبه الجليلة ، في الفصل الثالث والثلاثين في خوخة آل عمررضي‌الله‌عنه لما خصه الله به من حسم مادة المفاسد المترتبة عليها في زماننا ، وأمره بسدّ طابقها ، شكر الله صنيعه ، وحصّنه من العداة بحصونه المنيعة.

خاتمة

فيما نقل من عمل نور الدين الشهيد لخندق حول الحجرة الشريفة مملوء

بالرصاص ، وذكر السبب في ذلك ، وما ناسبه

اعلم أني قد وقفت على رسالة قد صنّفها العلامة جمال الدين الأسنوي في المنع من استعمال الولاة للنصارى ، وسماها بعضهم «بالانتصارات الإسلامية» ورأيت عليها بخط تلميذه شيخ مشايخنا زين الدين المراغي ما صورته «نصيحة أولي الألباب ، في منع استخدام النصارى كتاب» لشيخنا العلامة جمال الدين الأسنوي ، ولم يسمه ، فسميته بحضرته ، فأقرني عليه ، انتهى. فرأيته ذكر فيها ما لفظه : وقد دعتهم أنفسهم ـ يعني النصارى ـ في سلطنة الملك العادل نور الدين الشهيد إلى أمر عظيم ظنوا أنه يتم لهم ، ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون ، وذلك أن السلطان المذكور كان له تهجّد يأتي به بالليل ، وأوراد يأتي بها ، فنام عقب تهجده ، فرأى النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم في نومه وهو يشير إلى رجلين أشقرين ويقول : أنجدني أنقذني من هذين ، فاستيقظ فزعا ، ثم توضأ وصلى ونام فرأى المنام بعينه ، فاستيقظ وصلى ونام فرآه أيضا مرة ثالثة ، فاستيقظ وقال : لم يبق نوم ، وكان له وزير من الصالحين يقال له جمال الدين الموصلي ، فأرسل خلفه ليلا ، وحكى له جميع ما اتفق له ، فقال له : وما قعودك؟ اخرج الآن إلى المدينة النبوية ، واكتم ما رأيت ، فتجهز في بقية ليلته ، وخرج على رواحل خفيفة في عشرين نفرا ، وصحبته الوزير المذكور ، ومال كثير ، فقدم المدينة في ستة عشر يوما ، فاغتسل خارجها ودخل فصلى بالروضة ، وزار ، ثم جلس لا يدري ما ذا يصنع ، فقال الوزير وقد اجتمع أهل المدينة في المسجد : إن السلطان قصد زيارة النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأحضر معه أموالا للصدقة ، فاكتبوا من عندكم ، فكتبوا أهل المدينة كلهم ، وأمر السلطان بحضورهم ، وكل من حضر ليأخذ يتأمله ليجد فيه الصفة التي أراها النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم له فلا يجد تلك الصفة ،

١٨٥

فيعطيه ويأمره بالانصراف ، إلى أن انقضت الناس ، فقال السلطان : هل بقي أحد لم يأخذ شيئا من الصدقة؟ قالوا : لا ، فقال : تفكروا وتأملوا ، فقالوا : لم يبق أحد إلا رجلين مغربيين لا يتناولان من أحد شيئا ، وهما صالحان غنيان يكثران الصدقة على المحاويج ، فانشرح صدره وقال : عليّ بهما ، فأتي بهما فرآهما الرجلين اللذين أشار النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم إليهما بقوله : أنجدني ، أنقذني من هذين ، فقال لهما : من أين أنتما؟ فقالا : من بلاد المغرب ، جئنا حاجّين فاخترنا المجاورة في هذا العام عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال : اصدقاني ، فصمّما على ذلك ، فقال : أين منزلهما؟ فأخبر بأنهما في رباط بقرب الحجرة الشريفة ، فأمسكما وحضر إلى منزلهما ، فرأى فيه مالا كثيرا وختمتين وكتبا في الرقائق ، ولم ير فيه شيئا غير ذلك ، فأثنى عليهما أهل المدينة بخير كثير وقالوا : إنهما صائمان الدهر ملازمان الصلوات في الروضة الشريفة وزيارة النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم وزيارة البقيع كل يوم بكرة وزيارة قباء كل سبت ، ولا يردان سائلا قط بحيث سدّا خلة أهل المدينة في هذا العام المجدب ، فقال السلطان : سبحان الله! ولم يظهر شيئا مما رآه ، وبقي السلطان يطوف في البيت بنفسه ، فرفع حصيرا في البيت ، فرأى سردابا محفورا ينتهي إلى صوب الحجرة الشريفة ، فارتاعت الناس لذلك ، وقال السلطان عند ذلك : اصدقاني حالكما وضربهما ضربا شديدا ، فاعترفا بأنهما نصرانيان بعثهما النصارى في زيّ حجاج المغاربة ، وأمالوهما بأموال عظيمة ، وأمروهما بالتحيل في شيء عظيم خيّلته لهم أنفسهم ، وتوهموا أن يمكنهم الله منه ، وهو الوصول إلى الجناب الشريف ويفعلوا به ما زيّنه لهم إبليس في النقل وما يترتب عليه ، فنزلا في أقرب رباط إلى الحجرة الشريفة ، وفعلا ما تقدم ، وصارا يحفران ليلا ، ولكل منهما محفظه جلد على زي المغاربة ، والذي يجتمع من التراب يجعله كل منهما في محفظته ، ويخرجان لإظهار زيارة البقيع ، فيلقيانه بين القبور ، وأقاما على ذلك مدة ، فلما قربا من الحجرة الشريفة أرعدت السماء وأبرقت ، وحصل رجيف عظيم بحيث خيل انقلاع تلك الجبال ، فقدم السلطان صبيحة تلك الليلة. واتفق إمساكهما واعترافهما ، فلما اعترفا وظهر حالهما على يديه ، ورأى تأهيل الله له لذلك دون غيره بكى بكاء شديدا ، وأمر بضرب رقابهما ، فقتلا تحت الشباك الذي يلي الحجرة الشريفة ، وهو مما يلي البقيع ، ثم أمر بإحضار رصاص عظيم ، وحفر خندقا عظيما إلى الماء حول الحجرة الشريفة كلها ، وأذيب ذلك الرصاص ، وملأ به الخندق ، فصار حول الحجرة الشريفة سورا رصاصا إلى الماء ، ثم عاد إلى ملكه ، وأمر بإضعاف النصارى ، وأمر أن لا يستعمل كافر في عمل من الأعمال ، وأمر مع ذلك بقطع المكوس جميعا ، انتهى.

وقد أشار إلى ذلك الجمال المطري باختصار ، ولم يذكر عمل الخندق حول الحجرة وسبك الرصاص به ، لكن بيّن السنة التي وقع فيها ذلك مع مخالفة لبعض ما تقدم ، فقال في الكلام على سور المدينة المحيط بها اليوم : وصل السلطان نور الدين محمود بن زنكي بن

١٨٦

اقسنقد في سنة سبع وخمسين وخمسمائة إلى المدينة الشريفة بسبب رؤيا رآها ذكرها بعض الناس وسمعتها من الفقيه علم الدين يعقوب بن أبي بكر المحترق أبوه ليلة حريق المسجد عمن حدثه من أكابر من أدرك أن السلطان محمودا المذكور رأى النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم ثلاث مرات في ليلة واحدة وهو يقول في كل واحدة : يا محمود أنقذني من هذين الشخصين الأشقرين تجاهه ، فاستحضر وزيره قبل الصبح فذكر له ذلك ، فقال له : هذا أمر حدث في مدينة النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم ليس له غيرك ، فتجهز وخرج على عجل بمقدار ألف راحلة وما يتبعها من خيل وغير ذلك ، حتى دخل المدينة على غفلة من أهلها والوزير معه ، وزار وجلس في المسجد لا يدري ما يصنع ، فقال له الوزير : أتعرف الشخصين إذا رأيتهما؟ قال : نعم ، فطلب الناس عامة للصدقة ، وفرق عليهم ذهبا كثيرا وفضة ، وقال : لا يبقينّ أحد بالمدينة إلا جاء ، فلم يبق إلا رجلان مجاوران من أهل الأندلس نازلان في الناحية التي قبلة حجرة النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم من خارج المسجد عند دار آل عمر بن الخطاب التي تعرف اليوم بدار العشرة ، فطلبهما للصدقة فامتنعا وقالا : نحن على كفاية ما نقبل شيئا ، فجدّ في طلبهما ، فجيء بهما ، فلما رآهما قال للوزير : هما هذان ، فسألهما عن حالهما وما جاء بهما ، فقالا : لمجاورة النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال : اصدقاني ، وتكرر السؤال حتى أفضى إلى معاقبتهما فأقرّا أنهما من النصارى ، وأنهما وصلا لكي ينقلا من في هذه الحجرة الشريفة باتفاق من ملوكهم ، ووجدهما قد حفرا نقبا تحت الأرض من تحت حائط المسجد القبلي ، وهما قاصدان إلى جهة الحجرة الشريفة ، ويجعلان التراب في بئر عندهما في البيت الذي هما فيه ، هكذا حدثني عمن حدثه ، فضرب أعناقهما عند الشباك الذي في شرقي حجرة النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم خارج المسجد ، ثم أحرقا بالنار آخر النهار وركب متوجها إلى الشام ، انتهى.

وقد ساق المجد هذه الواقعة على الوجه الذي ذكره المطري فقال : ومن الحوادث في المسجد الشريف ما نقله جماعة من مشايخ المدينة وعلمائها ، وذكر ما تقدم ، وكذلك الزين المراغي ذكر ما تقدم عن المطري نقلا عنه ، وزاد أن وزير السلطان نور الدين الذي استحضره وذكر له القصة هو الموفق خالد بن محمد بن نصر القيسراني الشاعر ، قال : وكان موفقا ، انتهى.

ومأخذه في ذلك ـ كما رأيته في حاشية بخطه على كتابه ـ أن الذهبي قال في ترجمة الموفق هذا : موفق الدين ، أبو البقاء ، صاحب الخط المنسوب ، وكان صدرا ، نبيلا ، وافر الحشمة ، وزر للسلطان نور الدين ، توفي بحلب سنة ثمان وثمانين وخمسمائة ، انتهى.

وقد خالف الزين في ذلك ما قدمناه عن شيخه الأسنوي من تسمية الوزير المذكور بجمال الدين الموصلي ، ولا يلزم من كون الموفق وزر للسلطان نور الدين أن يكون هو

١٨٧

الوزير عند وقوع الرؤيا المذكورة ، لاحتمال أنه وزر له بعد ذلك أو قبله ، وجمال الدين الموصلي هذا هو الجواد الأصفهاني ، وقد تقدم ذكره في ترخيم الحجرة ، ووصفه بأنه وزير بني زنكي ؛ لأنه كان وزير والد نور الدين الشهيد الذي هو زنكي ثم وزر لولده غازي ، وأدرك دولة نور الدين الشهيد وزمان هذه الواقعة ؛ فالظاهر أنه وزر له ، وأنه المراد في هذه الواقعة.

والعجب أني لم أقف على هذه القصة في كلام من ترجم نور الدين الشهيد مع عظمها ، وهي شاهدة لما ذكره الإمام اليافعي في ترجمته من أن بعض العارفين من الشيوخ ذكر أنه كان في الأولياء معدودا من الأربعين وصلاح الدين نائبه من الثلاثمائة ، انتهى.

وقال ابن الأثير : طالعت تواريخ الملوك المتقدمين قبل الإسلام وفيه إلى يومنا ، فلم أر بعد الخلفاء الراشدين وعمر بن عبد العزيز ملكا أحسن سيرة من الملك العادل نور الدين ، انتهى.

وقد اتفق بعد الأربعمائة من الهجرة ما يقرب من قصة رؤيا نور الدين الشهيد المتقدمة على ما نقله الزين المراغي عن تاريخ بغداد لابن النجار ، قال : أخبرنا أبو محمد عبد الله بن المبارك المقري ، عن أبي المعالي صالح بن شافع الجلي ، أنبأنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن محمد المعلم ، ثنا أبو القاسم عبد الحليم بن محمد المغربي أن بعض الزنادقة أشار على الحاكم العبيدي صاحب مصر بنقل النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم وصاحبيه من المدينة إلى مصر ، وزيّن له ذلك ، وقال : متى تم لك ذلك شدّ الناس رحالهم من أقطار الأرض إلى مصر ، وكانت منقبة لسكانها ، فاجتهد الحاكم في مدة وبنى بمصر حائزا ، وأنفق عليه مالا جزيلا. قال : وبعث أبا الفتوح لنبش الموضع الشريف ، فلما وصل إلى المدينة الشريفة وجلس بها حضر جماعة المدنيين وقد علموا ما جاء فيه ، وحضر معهم قارئ يعرف بالزلباني ، فقرأ في المجلس( وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ ) إلى قوله :( إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ) [التوبة : ١٢ ـ ١٣] فماج الناس ، وكادوا يقتلون أبا الفتوح ومن معه من الجند ، وما منعهم من السرعة إلى ذلك إلا أن البلاد كانت لهم.

ولما رأى أبو الفتوح ذلك قال لهم : الله أحق أن يخشى ، والله لو كان علي من الحاكم فوات الروح ما تعرضت للموضع ، وحصل له من ضيق الصدر ما أزعجه كيف نهض في مثل هذه المخزية ، فما انصرف النهار ذلك اليوم حتى أرسل الله ريحا كادت الأرض تزلزل من قوتها حتى دحرجت الإبل بأقتابها والخيل بسروجها كما تدحرج الكرة على وجه الأرض ، وهلك أكثرها وخلق من الناس ، فانشرح صدر أبي الفتوح وذهب روعه من الحاكم لقيام عذره من امتناع ما جاء فيه.

١٨٨

قلت : ونقل ابن عذرة في كتاب «تأسي أهل الإيمان ، فيما جرى على مدينة القيروان» لابن سعدون القيرواني ما لفظه : ثم أرسل الحاكم بأمر الله إلى مدينة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وسلم من ينبش قبر النبي ، فدخل الذي أراد نبشه دارا بقرب المسجد وحفر تحت الأرض ليصل إلى قبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فرأوا أثوارا ، وسمع صائح : إن بنيكم ينبش ، ففتش الناس فوجدوهم وقتلوهم ، انتهى.

ومما يناسب ذلك ما ذكره المحب الطبري في الرياض النضرة في فضائل العشرة ، قال : أخبرني هارون بن الشيخ عمر بن الزعب ـ وهو ثقة صدوق مشهور بالخير والصلاة والعبادة ـ عن أبيه ، وكان من الرجال الكبار ـ قال : كنت مجاورا بالمدينة وشيخ خدام النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم إذ ذاك شمس الدين صواب اللمطي ، وكان رجلا صالحا كثير البر بالفقراء والشفقة عليهم ، وكان بيني وبينه أنس فقال لي يوما : أخبرك بعجيبة ، كان لي صاحب يجلس عند الأمير ويأتيني من خبره بما تمس حاجتي إليه ، فبينما أنا ذات يوم إذ جاءني فقال : أمر عظيم حدث اليوم ، قلت : وما هو؟ قال : جاء قوم من أهل حلب وبذلوا للأمير بذلا كثيرا ، وسألوه أن يمكنهم من فتح الحجرة وإخراج أبي بكر وعمررضي‌الله‌عنهما منها ، فأجابهم إلى ذلك ، قال صواب : فاهتمت لذلك هما عظيما ، فلم أنشب أن جاء رسول الأمير يدعوني إليه ، فأجبته ، فقال لي : يا صواب يدقّ عليك الليلة أقوام المسجد ، فافتح لهم ، ومكنهم مما أرادوا ولا تعارضهم ، ولا تعترض عليهم ، قال : فقلت له : سمعا وطاعة ، قال : وخرجت ولم أزل يومي أجمع خلف الحجرة أبكي لا ترقأ لي دمعة ولا يشعر أحد ما بي ، حتى إذا كان الليل وصلينا العشاء الآخرة وخرج الناس من المسجد وغلقنا الأبواب فلم ننشب أن دقّ الباب الذي حذاء باب الأمير ، أي باب السلام ، فإن الأمير كان سكنه حينئذ بالحصن العتيق.

قال : ففتحت الباب ، فدخل أربعون رجلا أعدهم واحدا بعد واحد ، ومعهم المساحي والمكاتل والشموع وآلات الهدم والحفر. قال : وقصدوا الحجرة الشريفة ، فو الله ما وصلوا المنبر حتى ابتلعتهم الأرض جميعهم بجميع ما كان معهم من الآلات ، ولم يبق لهم أثر. قال : فاستبطأ الأمير خبرهم ، فدعاني ، وقال : يا صواب ألم يأتك القوم؟ قلت : بلى ، ولكن اتفق لهم ما هو كيت وكيت ، قال : انظر ما تقول ، قلت : هو ذلك ، وقم فانظر هل ترى منهم باقية أو لهم أثرا ، فقال : هذا موضع هذا الحديث ، وإن ظهر منك كان يقطع رأسك ، ثم خرجت عنه ، قال المحب الطبري : فلما وعيت هذه الحكاية عن هارون حكيتها لجماعة من الأصحاب فيهم من أثق بحديثه فقال : وأنا كنت حاضرا في بعض الأيام عند الشيخ أبي عبد الله القرطبي بالمدينة والشيخ شمس الدين صواب يحكي له هذه الحكاية سمعتها بأذني من فيه ، انتهى ما ذكره الطبري.

١٨٩

قلت : وقد ذكر أبو محمد عبد الله بن أبي عبد الله بن أبي محمد المرجاني هذه الواقعة باختصار في تاريخ المدينة له ، وقال : سمعتها من والدي ، يعني الإمام الجليل أبا عبد الله المرجاني ، قال : وقال لي : سمعتها من والدي أبي محمد المرجاني سمعها من خادم الحجرة ، قال أبو عبد الله المرجاني : ثم سمعتها أنا من خادم الحجرة الشريفة ، وذكر نحو ما تقدم ، إلا أنه قال : فدخل خمسة عشر ـ أو قال عشرون ـ رجلا بالمساحي والفاف ، فما مشوا غير خطوة أو خطوتين وابتلعتهم الأرض ولم يسم الخادم ، والله أعلم.

الفصل الثلاثون

في تحصيب المسجد الشريف

وذكر البزاق فيه ، وتخليقه ، وإجماره ، وذكر شيء من أحكامه

أول تحصيب المسجد النبوي

روى أبو داود في سننه عن أبي الوليد قال : سألت ابن عمر عن الحصباء الذي في المسجد ، فقال : مطرنا ذات ليلة ، فأصبحت الأرض مبتلة ، فجعل الرجل يأتي بالحصباء في ثوبه ويبسطه تحته ، فلما قضى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم الصلاة قال : ما أحسن هذا؟ وهو صريح في جعل الحصباء في المسجد في زمنهصلى‌الله‌عليه‌وسلم .

ويؤيده ما رواه أصحاب السنن من حديث أبي ذر : إذا قام أحدكم إلى الصلاة فإن الرحمة تواجهه ، فلا يمسح الحصباء ، وكذا ما رواه أحمد من حديث حذيفة قال : سألت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم عن كل شيء حتى عن مسح الحصى ، فقال : واحدة أو دع ، وكذا ما رواه أبو داود بإسناد جيد عن أبي هريرة ، قال أبو بدر : أراه رفعه إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال : إن الحصاة تناشد الذي يخرجها من المسجد ، لكن قد سئل الدارقطني عن هذا الحديث فذكر أنه روي موقوفا على أبي هريرة ، وقال : رفعه وهم من أبي بدر.

وروى يحيى عن بعض السلف أنه كان إذا خرج بالحصاة من المسجد في ثوبه أو نعله أمر بردّها إلى المسجد.

وروى ابن شبة عن سليمان بن يسار قال : الحصاة إذا أخرجت من المسجد تصيح حتى ترد إلى موضعها.

وذكر البرهان بن فرحون أن مالكا سئل عن الرجل يخرج من المسجد فيجد شيئا من حصى المسجد قد تعلّق بوجهه ، أيلزمه ردّه إلى المسجد؟ فقال : لا يلزمه ذلك ، وأرخص له في طرحه ، فقال السائل : يا أبا عبد الله إنهم يقولون إذا أخرجت الحصاة من المسجد تصيح حتى ترد إلى المسجد ، فقال له مالك : دعها تصيح حتى ينشق حلقها ، فقال : أولها حلق؟ قال : فمن أين تصيح؟

١٩٠

وروى ابن شبة عن ابن عباس أنه قال لنفيع في الحصاة : ردّها وإلا خاصمتك يوم القيامة.

وحكى الأقشهري عن شيخ الخدام ظهير الدين بن عبد الله الأشرفي قال : أتاني عام خمسة عشر وسبعمائة رجل من الشام في موسم الحاج وقال : كنت حججت عام أول وحملت شيئا من تراب المسجد وحصبائه ، فلم أزل أراه في المنام يقول لي : ردّني إلى موضعي ، عذّبتني عذبك الله ، فها أنا أتيت به ، قال : فأخرج صرة فيها ما ذكره ، فصببناها في المسجد ، انتهى.

والذي يقتضيه كلام المؤرخين أن تحصيب المسجد إنما حدث في زمان عمر بن الخطاب ؛ فقد روى يحيى عن عبد الحميد بن عبد الرحمن الأزهري قال : قال عمر بن الخطاب حين بنى مسجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : ما ندري ما نفرش في مسجدنا ، فقيل له : افرش الخصف والحصر ، قال : هذا الوادي المبارك فإني سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول «العقيق واد مبارك» قال : فحصبه عمر بن الخطابرضي‌الله‌عنه .

وروى ابن زبالة عن عبيد الله بن عمر قال : قدم سفيان بن عبد الله الثقفي على عمر بن الخطابرضي‌الله‌عنه ومسجد النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم غير محصوب ، فقال : أما لكم واد؟ فقال عمر : بلى ، قال : فاحصبوه منه ، فقال عمر : احصبوه من هذا الوادي المبارك ، يعني العقيق.

قال المطري : رمل المسجد الشريف ـ أي الذي يحصب به ـ يحمل من وادي العقيق ، من العرصة التي تسيل من الجماء الشمالية إلى الوادي ، وليس بالوادي رمل أحمر غير ما يسيل من الجماء ، وهو رمل أحمر يغربل ثم يفرش في المسجد ، انتهى.

وروى ابن زبالة من طريق الضحاك عن بشر بن سعيد أو سليمان بن يسار ـ شكّ الضحاك ـ أنه حدّث أن المسجد كان يرش في زمان النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم وزمان أبي بكر وعامة زمان عمر ، وكان الناس يتنخمون فيه ويبصقون حتى عاد زلقا ، حتى قدم ابن مسعود الثقفي ، فقال لعمر : أليس قربكم واد؟ قال : بلى ، قال : فمر بحصباء تطرح فيه فهو أكف للمخاط والنخامة ، فأمر عمر بها ، وهذه الرواية مع ضعفها قد اشتملت على أنهم كانوا يبصقون في المسجد.

حكم البزاق في المسجد

وفي الصحيحين عن أنس مرفوعا «البزاق في المسجد خطيئة ، وكفارتها دفنها». وقد رواه ابن زبالة ، وروى أيضا عن ابن عمر أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم رأى نخامة في المسجد فقال : «من فعل هذا جاء يوم القيامة وهي في وجهه».

وعن عبد الله بن قسيط مرفوعا : «لا يبصق في مسجدي هذا».

١٩١

وحديث ابن عمر رواه البزار وابن خزيمة في صحيحه ، وروى أحمد عن أبي أمامة أنهصلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «البصاق في المسجد سيئة ، ودفنه حسنة». ورواه ابن شبة بمعناه.

وروى أيضا عن أبي هريرة قال : «إن المسجد لينزوى من النخامة كما ينزوي الجلد من النار» ولهذا جزم النووي في التحقيق وشرح المهذب بتحريمه. ووقع في عبارة بعض أصحابنا التعبير بالكراهة ، وحملها بعضهم على كراهة التحريم ، وقال بعض العلماء : إنما يكون البزاق في المسجد خطيئة لمن لم يدفنه لأنه يقذر المسجد ويتأذى به.

قال القرطبي : ويدل على صحة هذا التأويل حديث أبي ذر الذي رواه مسلم وغيره : «ووجدت في مساوي أعمالها ـ أي : الأمة ـ النخامة تكون في المسجد لا تدفن» فلم يثبت لها حكم السيئة بمجرد إيقاعها في المسجد ، بل بذلك وببقائها غير مدفونة.

قلت : الرواية الأولى بينت أن الفعل خطيئة ، وأن الدفن يكفرها كما يكفر الجلد معصية الزنا ، فلتحمل الرواية الأخرى عليها ؛ لأن الإخبار فيها عما استقر عليه الأمر ، لكن روى ابن شبة من طريق الفرج بن فضالة عن أبي سعيد قال : رأيت واثلة بن الأسقع دخل مسجد دمشق فصلى فيه ، فبزق تحت رجله اليسرى ثم عركها ، فلما انصرفت قلت له : أنت صاحب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم تبزق في المسجد؟ فقال : هكذا رأيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم صنع.

ورواه أبو داود من الطريق المذكورة بنحوه ، وفرج بن فضالة ضعّفه الدارقطني وغيره ، وقواه أحمد ، واقتصر الحافظ ابن حجر في التقريب على تضعيفه.

وروى ابن شبة أيضا بإسناد فيه ضعف عن أبي هريرة قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من دخل مسجدي هذا فبزق أو تنخم فليحفر فليبعد وليدفنه ، فإن لم يفعل فليبزق في ثوبه حتى يخرج به» وهذا لو صح كان حجة لهذا المذهب.

فإن قيل : يعضده حديث البخاري عن أنس أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم «رأى نخامة في القبلة ، فشق ذلك عليه حتى رؤي في وجهه ، فقام فحكه بيده ، فقال : إن أحدكم إذا قام في صلاته فإنه يناجي ربه ، أو إن ربه بينه وبين القبلة ، فلا يبزقن أحدكم قبل قبلته ، ولكن عن يساره أو تحت قدمه ، ثم أخذ طرف ردائه فبصق فيه ثم رد بعضه على بعض ، فقال : أو يفعل هكذا؟ وكذا ما رواه ابن شبة بإسناد جيد عن أبي نضرة أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم «رأى نخامة في قبلة المسجد ، فغضب غضبا شديدا حتى كاد يدعو على صاحبها ، ثم قال : لا يبزق أحدكم في قبلته ؛ فإن ربه مستقبلة ، ولا عن يمينه فإن عن يمينه ملكا ، ولكن عن يساره أو تحت قدمه اليسرى ، فإن كان على يساره أحد فليبزق في ثوبه» وفي رواية : «فإن اكن عن يساره أحد يكره أن يبزق نحوه فليبزق في ثوبه ، وبزق النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم في ثوبه وحكّ بعضه ببعض» فاقتضى ذلك جواز البصاق في المسجد فيما عدا القبلة واليمين حالة الصلاة ، وهو مقيد بالدفن لما سبق.

١٩٢

قلنا : مساق الحديث لبيان أدب المصلي في كيفية البصق ، من غير تعرض لكونه في مسجد ، والبصاق في المسجد قد بينه منطوق الحديث السابق ؛ فلا يترك بهذا ، وأفاد القفال في فتاويه ـ وقد ذكر حديث النخامة في المسجد ـ فائدة حسنة فقال : هذا الخبر محمول على ما إذا نزلت النخامة من الرأس ، أما إذا كانت من الصدر فهي نجسة ؛ فلا يجوز دفنها في المسجد».

وروى أبو داود من حديث ابن عمر قال : بينا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم يخطب يوما إذ رأى نخامة في قبلة المسجد ، فتغيظ على الناس ، ثم حكّها ، وأحسبه قال : فدعا بزعفران فلطّخه به ، وقال : إن الله قبل وجه أحدكم فلا يبزقن بين يديه.

وروى ابن شبة عن شيخه خلاد بن يزيد بن عبد العزيز بن أبي رواد عن نافع عن ابن عمر أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم صلّى صلاة ذات يوم ، فرأى في قبلة المسجد نخامة ، فلما قضى صلاته أخذ عودا فحكها ، ثم دعا بخلوق فخلّق مكانها ، ثم أقبل على الناس فقال : يا أيها الناس إذا صلى أحدكم فلا يتفل أمامه ولا عن يمينه ؛ فإنه يستقبل الربعزوجل بوجهه.

مبدأ تخليق المسجد

وروى ابن شبة أيضا بسند جيد إلى أبي الوليد قال : قلت لابن عمر : ما بدء الزعفران ـ يعني : في المسجد ـ فقال : رأى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم نخامة في المسجد ، فقال : ما أقبح هذا! من فعل هذا؟ فجاء صاحبها فحكها وطلاها بزعفران ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : هذا أحسن من ذلك.

ورواه يحيى بلفظ : قلت لابن عمر : يا أبا عبد الرحمن ألا تخبرني ما كان بدء هذه الصفرة التي في قبلة المسجد؟ قال : نعم ، صلى بنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى إذا انصرف رأى نخامة في القبلة ، وذكره ، وقال : فسارع الناس إليه ، فكان هذا بدأه.

وروى النسائي وابن ماجه عن أنس قال : رأى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم نخامة في قبلة المسجد ، فغضب حتى احمر وجهه ، فقامت امرأة من الأنصار فحكتها ، فجعلت مكانها خلوقا ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : ما أحسن هذا!

وروى ابن شبة أيضا بسند جيد عن أبي نضرة أن ذلك الذي بزق في قبلته جاء بشيء من زعفران فطلى ذلك المكان ، فأعجب ذلك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم .

وروي أيضا بسند لا بأس به قال : أبصر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم في حائط المسجد بزاقا ، فحكه على خرقة ، وأخرجه من المسجد ، فجعل مكانه شيئا من طيب أو زعفران أو ورس.

وعن إبراهيم بن قدامة عن أبيه أن عثمان بن مظعون تفل في القبلة ، فأصبح مكتئبا ، فقالت له امرأته : ما لي أراك مكتئبا؟ قال : لا شيء إلا أني تفلت في القبلة وأنا أصلي ، فعمدت إلى القبلة فغسلتها ثم عملت خلوقا فخلّقتها ، فكانت أول من خلّق القبلة.

١٩٣

وروي أيضا برجال ثقات عن جابر عن عبد قال : أتانا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم في مسجدنا هذا وفي يده عرجون ابن طاب ، فرأى في قبلة مسجدنا نخامة فحكها بالعرجون ، ثم أقبل علينا فقال : أيكم يحب أن يعرض الله عنه؟ قلنا : لا أينا يا رسول الله ، قال : فإن أحدكم إذا قام يصلي فإن الله قبل وجهه فلا يبصق قبل وجهه ولا عن يمينه ، وليبصق قبل يساره تحت رجله اليسرى ، فإن عجلت به بادرة فليقل هكذا بثوبه ، ثم طوى بعضه على بعض ، أروني عبيرا ، فقام فتى من الحي يشتد إلى أهله فجاء بخلوق في راحته ، فأخذه النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم على رأس العرجون ثم لطخ به على أثر النخامة ، قال جابررضي‌الله‌عنه : فمن هنالك جعلتم الخلوق في مساجدكم.

وقد رواه أبو داود بنحوه وجابر هو من بني حرام بطن من بني سلمة ، ومسجدهم كان بمنازلهم التي في غربي بطحان ومساجد الفتح ، وليس هو مسجد القبلتين كما وقع للمطري وجماعة حتى جعلوا أمر الخلوق له لما سنبينه.

وسيأتي ما رواه ابن زبالة من حديث جابر أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم صلّى في مسجد بني حرام بالقاع ، وأنه رأى في قبلته نخامة ، وكان لا يفارقه عرجون ابن طاب يتخصر به ، وذكر الحديث الآتي ، وفيه «فكان أول مسجد خلّق».

وروى أبو داود وابن حبان في صحيحه عن أبي سهلة السائب بن خلاد من أصحاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم أن رجلا أمّ قوما فبصق في القبلة ورسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ينظر ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم حين فرغ : لا يصلى لكم ، فأراد بعد ذلك أن يصلي لهم فمنعوه وأخبروه بقول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فذكر ذلك لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال : نعم ، وحسبت أنه قال : إنك آذيت الله ورسوله.

وفي رواية أوردها المجد أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم لما رأى النخامة في المحراب قال : من إمام هذا المسجد؟ قالوا : فلان ، قال : قد عزلته ، فقالت امرأته : لم عزلك النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم من الإمامة؟ فقال : رأى نخامة في المحراب ، فعمدت إلى خلوق طيب فخلقت به المحراب ، فاجتاز رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : من فعل هذا؟ فقالوا : امرأة الإمام ، قال : وهبت ذنبه لامرأته ورددته إلى إمامته.

قلت : واختلاف هذه الروايات صريح في أنها وقائع متعددة ؛ فلا تعارض فيها ، نعم هي متضمنة للرد على ما رواه ابن شبة عن جابر بن عبد الله قال : كان أول من خلق المسجد ورزق المؤذنين عثمانرضي‌الله‌عنه ، وتقدم في الفصل الرابع من رواية يحيى عن جابر بنحوه ، إلا أن يحمل على أن المراد أنه اتخذ له الخلوق من بيت المال.

ونقل ابن زبالة عن ابن عجلان أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى عامله على المدينة أن لا يخلق إلا القبلة ، وأن يغسل الأساطين ، قال : فلم تكن الأساطين تخلّق في سلطانه.

١٩٤

تخليق القبر

وقدمت الخيزران أم موسى في سنة سبعين ومائة ، فأمرت بالمسجد فخلّق وولي ذلك من تخليقه مؤنسة جاريتها ، فقام إليها إبراهيم بن الفضل بن عبد الله مولى هشام بن إسماعيل فقال : هل لكم أن تسبقوا من بعدكم وأن تفعلوا ما لم يفعل من كان قبلكم؟ قالت له مؤنسة : وما ذلك؟ قال : تخلقون القبر كله ، ففعلوا ، وإنما كان يخلق منه ثلثاه أو أقل ، وأشار عليهم فزادوا في خلوق أسطوان التوبة والأسطوان التي هي علم عند مصلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فخلقوهما حتى بلغوا بهما أسفلهما ، وزادوا في الخلوق في أعلاهما.

وروى بعضهم عن ابن عباس في تفسير قوله تعالى :( وَعَهِدْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ ) [البقرة : ١٢٥] الآية ، قال : طهرا بيتي نظفاه وبخراه وخلقاه.

تجمير المساجد

وروى يحيى من طريق ابن زبالة وغيره عن علي بن حسن بن حسن بن حسن ـ وكان من خيار الناس ـ أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم أمر بإجمار المسجد ، قال : ولا أعلمه إلا قال : يوم الجمعة.

وروى ابن ماجه عن واثلة بن الأسقعرضي‌الله‌عنه أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : جنّبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم وشراءكم وبيعكم وخصوماتكم ورفع أصواتكم وإقامة حدودكم وسلّ سيوفكم ، واتخذوا على أبوابها المطاهر ، وجمّروها في الجمع.

وروى أحمد وأبو داود وابن ماجه وابن خزيمة في صحيحه عن عائشةرضي‌الله‌عنها قالت : أمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ببناء المساجد في الدور ، وأن تنظف وتطيب.

وروى يحيى من طريق محمد بن يحيى عن محمد بن إسماعيل عن أبيه أنه قدم على عمر بن الخطاب بسفط من عود ، فلم يسع الناس ، فقال عمر : أجمروا به المسجد لينتفع به المسلمون ، فبقيت سنة في الخلفاء إلى اليوم ، يؤتى كل عام بسفط من عود يجمر به المسجد ليلة الجمعة ويوم الجمعة عند المنبر من خلفه إذا كان الإمام يخطب.

وعن سعد القرظ قال : قدم على عمر بعود ، فقسمه بين المهاجرين ، ثم قسم للمسجد حظا ، فكان يجمره في الجمع ، فجرى ذلك إلى اليوم ، وولاه سعد القرظ ؛ فكان الذي يجمر.

وقد تقدم من رواية يحيى أيضا في الكلام على حكم قناديل الحجرة أن عمر أتى بمجمرة من فضة ، وأنه دفعها إلى سعد جد المؤذنين وقال : أجمر بها في الجمعة وشهر رمضان ، وكان سعد يجمر بها في الجمعة ، وكانت توضع بين يدي عمر بن الخطاب.

وروى ابن زبالة عن نعيم المجمر عن أبيه أن عمر بن الخطابرضي‌الله‌عنه قال له : تحسن تطوف على الناس بالمجمرة تجمرهم؟ فقال : نعم ، فكان عمر يجمرهم يوم الجمعة.

١٩٥

وفي مسند أبي يعلى الموصلي عن ابن عمر أن عمر كان يجمر مسجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم كل جمعة.

فرش المساجد

قال أصحابنا : ويستحب فرش المسجد ، وقد ترجم البخاري للصلاة على الخمرة ، وروي عن ميمونة أنها كانت تصلي عليها ، وقال ابن زيد : الخمرة هي السجادة ، وقال الطبري : هي مصلى صغير ينسج من سعف النخل ويرسل بالخيوط ، وقال البخاري في صحيحه : وصلّى أنس على فراشه ، وقال : كنا نصلي مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم فيسجد أحدنا على ثوبه ، وقال يحيى : حدثنا أبو مصعب قال : حدثنا مالك عن عمه أبي إسماعيل بن مالك عن أبيه أن طنفسة لعقيل بن أبي طالب كانت تطرح يوم الجمعة إلى جدار المسجد الغربي ، فإذا غشي الطنفسة كلها ظل الجدار خرج عمر بن الخطابرضي‌الله‌عنه ، قال : ثم يرجع بعد صلاة الجمعة فقيّل قائلة الضحى ، ورواه ابن زبالة أيضا ، وروى يحيى عن عطاء بن أبي رباح أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : تفقدوا نعالكم عند أبواب مساجدكم. وعن موسى بن يعقوب أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم اتبع غبار المسجد بجريدة. ورواه ابن أبي شيبة عن يعقوب بن زيد ، ولفظه : أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يتبع غبار المسجد بجريدة.

وقد ذكرنا في آخر الكلام على فضل المسجد شيئا مما جاء في النهي عن قربان المسجد لمن أكل الثوم أو البصل ، وذكرنا في زيادة عمررضي‌الله‌عنه في الكلام على البطيحاء ما جاء في النهي عن رفع الصوت فيه ، وما يتعلق بإنشاد الشعر فيه ، وذكرنا في زيادة الوليد ما يتعلق بالصلاة على الجنائز فيه ، وروى ابن شبة عن شيبة بن قصاح مرسلا أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : إذا رأى أحدكم القملة في ثوبه وهو في المسجد فليحفر لها فليدفنها ، وليبصق عليها ، فإن ذلك كفارتها. ورواه ابن زبالة ثم روى عن محمد بن المنكدر قال : أخبرني من رأى أبا هريرة يدفن قملة في المسجد ، وروى يحيى عن يوسف بن ماهك قال : رأيت عبيد بن عمير أخذ من ثوب ابن عمر قملة فدفنها في المسجد ، وعن أبي بكر بن المنكدر قال : رأيت عمي محمد بن المنكدر يأخذ القملة وهو في المسجد فيقتلها في المسجد فيبزق عليها ، وعن جعفر بن محمد قال : لا بأس بأن يدفن القملة في المسجد.

قلت : وهذه الأشياء لا تقوم الحجة بها. وقد روى أحمد في مسنده عن أيوب قال : وجد رجل في ثوبه قملة فأخذها ليطرحها في المسجد ، فقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا تفعل ردّها في ثوبك حتى تخرج من المسجد» وروى ابن شبة بسند جيد عن يحيى بن أبي كثير اليماني عن الحضرمي أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : إذا أبصر أحدكم القملة وهو يصلي في المسجد فليصرّها في ثوبه ولا يقتلها في المسجد. وروى يحيى عن ابن عمر قال : إذا وجد أحدكم

١٩٦

القملة في ثوبه وهو في المسجد فليجعلها في ثوبه حتى يخرج بها. قال النووي : فإن قتلها لم يجز إلقاؤها في المسجد ؛ لأنها ميتة ، وكره مالك قتلها في المسجد ، ونقل ابن العماد عن كتب المالكية أنه يحرم طرح القمل حيا ، بخلاف البرغوث ؛ لأن البرغوث يعيش بأكل التراب ، بخلاف القمل ففي طرحه تعذيبه بالجوع ، انتهى.

وقد جاءت أحاديث في النهي عن البيع والشراء وإنشاد الضالة في المسجد ، وروى ابن أبي عدي الحافظ من حديث علي بن أبي طالب قال : صليت العصر مع عثمان أمير المؤمنين ، فرأى خياطا في ناحية المسجد ، فأمر بإخراجه ، فقيل له : يا أمير المؤمنين إنه يكنس المسجد ، ويغلق الأبواب ، ويرش أحيانا ، فقال عثمان : إني سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : جنبوا صناعكم من مساجدكم.

قلت : ومن المنكرات في زماننا ما يتساهل فيه المتكلمون في أمر العمارة من استعمال النشارين والنجارين والحجارين بالمسجد النبوي للعمل في آلاته واكتساب أولئك العمال بذلك ، مع ما يتولد من ذلك من الدق العنيف وتشعيث المسجد بما ينشر من النشارة والنجارة وغير ذلك ، مع إمكان عمل ذلك خارج المسجد الشريف والإتيان به مهيأ. وقد قدمنا أن عائشةرضي‌الله‌عنها كانت تسمع الوتد أو المسمار يضرب في بعض الدور المطيفة بالمسجد فترسل إليهم : لا تؤذوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأن عليا ما صنع مصراعي داره إلا بالمناصع توقيا لذلك ، وفي خبر رواه المقدسي في «مثير الغرام» عن كعب الأحبار أن سليمانعليه‌السلام قال للعفريت الذي أحضره لقطع الرخام لعمارة بيت المقدس : هل عندك من حيلة أقطع بها الصخر؟ فإني أكره صوت الحديد في مسجدنا هذا ، والذي أمرنا الله به من ذلك هو الوقار والسكينة ، فقال : ابتغ لي وكر عقاب فإني لا أعلم في السماء طيرا أشد منه ولا أكثر حيلة ، فوجدوا وكر عقاب ، فغطى عليه ترسا غليظا من حديد ، فجاءه العقاب فلم يقدر عليه ، فحلق في السماء متطلعا فلبث يومه وليلته ثم أقبل ومعه قطعة من السامور ، فتفرقت له الشياطين حتى أخذوه منه ، فأتوا به سليمانعليه‌السلام ، فكان يقطع به الصخر ، انتهى.

وكذلك إدخالهم البغال والحمير الحاملة لتلك الآلات مع إمكان حمل الرجال لها من باب المسجد ، والله الموفق.

وإذا سمع شخص من ينشد ضالة في المسجد فليقل له : أيها الناشد غيرك الواجد ، وما أشبهه مما ورد ، إلا أن يسأل الإنسان جلساءه فليس بذلك بأس ، ولا يبلغ بذلك الصوت كما نقله ابن زبالة عن مالك ، ومن باع فيه قيل له : لا أربح الله تجارته ، كما ورد مرفوعا. قال الزين المراغي : والقياس أن يقال للسائل فيه : لا فتح الله عليه ، كما قاله بعض

١٩٧

شيوخنا. وفي العتبية أن مالكا كره المراوح في المسجد ، ويجوز النوم فيه من غير كراهة عندنا ، وكره بعضهم لغير الغريب الذي لا موضع له غيره ، وروي في ذلك أحاديث.

وأسند أحمد بن يحيى البلاذري عن أبي سعيد مولى أبي أسيد قال : كان عمر بن الخطاب يعس في المسجد بعد العشاء ، فلا يرى أحدا إلا أخرجه إلا رجلا قائما يصلي ، فمر بنفر من أصحاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم فيهم أبي بن كعب فقال : من هؤلاء؟ فقال أبي : نفر من أهلك يا أمير المؤمنين ، قال : ما خلّفكم بعد الصلاة؟ قالوا : جلسنا نذكر الله ، فجلس معهم ، ثم قال لأدناهم : خذ في الدعاء فدعا ، فاستقرأهم رجلا رجلا حتى انتهى إلي وأنا بجنبه ، فقال : هات ، فحصرت وأخذني الخجل ، فقال : قل ولو أن تقول : اللهم اغفر لنا ، اللهم ارحمنا ، ثم أخذ عمر في الدعاء ، فما كان أحد أكثر دمعة ولا أشد بكاء منه ، ثم قال : تفرقوا الآن ، انتهى.

الحدث في المسجد

ولا يحرم إخراج الريح من الدبر في المسجد ، لكن الأولى اجتنابه ، لقولهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم» قال الزركشي : وقال بعض المتكلمين على الحديث من القدماء : الحدث في المسجد خطيئة يحرم بها المحدث استغفار الملائكة ودعاءهم المرجو بركته.

وروى ابن عدي في الكامل من طريق حمزة بن أبي حمزة الضبي عن أبي الزبير عن جابر قال : إن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم نهى أن يمر باللحم في المسجد ، قال ابن عدي : وهذا منكر بهذا الإسناد ، لا يرويه عن أبي الزبير غير حمزة ، وحمزة يضع الحديث.

قلت : وقد روى ابن شبة نحوه ، غير أنه منقطع الإسناد ، ويغني عنه ما ورد من النهي عن اتخاذ المسجد طريقا ، والله أعلم.

القراءة في المصحف بالمسجد

وقال مالك : لم تكن القراءة في المصحف بالمسجد من أمر الناس القديم ، وأول من أحدثه الحجاج بن يوسف. وقال أيضا : أكره أن يقرأ في المصحف في المسجد ، وأرى أن يقاموا من المساجد إذا اجتمعوا للقراءة.

قلت : الذي عليه السلف والخلف استحباب ذلك ، وفي الصحيح «إنما بنيت ـ يعني المساجد ـ لذكر الله والصلاة وقراءة القرآن» وهو عام في المصاحف وغيرها ، وقد روى ابن شبة عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال : إن أول من جمع القرآن في مصحف وكتبه عثمان بن عفانرضي‌الله‌عنه ، ثم وضعه في المسجد ، فأمر به يقرأ كل غداة. وعن محرز ابن ثابت مولى سلمة بن عبد الملك عن أبيه قال : كنت في حرس الحجاج بن يوسف ، فكتب الحجاج المصاحف ، ثم بعث بها إلى الأمصار ، وبعث بمصحف إلى المدينة ، فكره ذلك

١٩٨

آل عثمان ، فقيل لهم : أخرجوا مصحف عثمان يقرأ ، فقالوا : أصيب المصحف يوم مقتل عثمان. قال محرز : وبلغني أن مصحف عثمان صار إلى خالد بن عمرو بن عثمان ، قال : فلما استخلف المهديّ بعث بمصحف إلى المدينة ؛ فهو الذي يقرأ فيه اليوم ، وعزل مصحف الحجاج فهو في الصندوق الذي دون المنبر ، انتهى.

بعث المصاحف إلى المساجد

وقال ابن زبالة : حدثني مالك بن أنس قال : أرسل الحجاج بن يوسف إلى أمهات القرى بمصاحف ، فأرسل إلى المدينة بمصحف منها كبير ، وهو أول من أرسل بالمصاحف إلى القرى ، وكان هذا المصحف في صندوق عن يمين الأسطوانة التي عملت علما لمقام النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وكان يفتح في يوم الجمعة والخميس ، ويقرأ فيه إذا صليت الصبح ، فبعث المهدي بمصاحف لها أثمان فجعلت في صندوق ونحى عنها مصحف الحجاج ، فوضعت عن يسار السارية ، ووضعت منابر لها كانت تقرأ عليها ، وحمل مصحف الحجاج في صندوقه فجعل عند الأسطوانة التي عن يمين المنبر ، انتهى.

قلت : ولا ذكر لهذا المصحف الموجود اليوم بالقبة التي بوسط المسجد المنسوب لعثمان رضي الله تعالى عنه في كلام أحد من متقدمي المؤرخين ، بل فيما قدمناه ما يقتضي أنه لم يكن بالمسجد حينئذ ، بل ولا ذكر له في كلام ابن النجار ، وهو أول من أرّخ من المتأخرين ، وقد ترجم لذكر المصاحف التي كانت في المسجد ، ثم ذكر ما قدمناه عن ابن زبالة ثم قال : وأكثر ذلك دثر على طول الزمان ، وتفرقت أوراقه ، قال : وهو مجموع في يومنا هذا في جلال في المقصورة أي المحترقة إلى جانب باب مروان. ثم ذكر أن بالمسجد عدة مصاحف بخطوط ملاح موقوفة مخزونة في خزائن ساج بين يدي المقصورة خلف مقام النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم .

قال : وهناك كرسي كبير فيه مصحف مقفل عليه نفذ به من مصر ، وهو عند الأسطوانة التي في صف مقام النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وإلى جانبه مصحفان على كرسيين يقرأ الناس فيهما ، وليس في المسجد ظاهر سواهما ، انتهى. ولم أر نسبة المصحف الموجود اليوم لعثمانرضي‌الله‌عنه إلا في كلام المطري ومن بعده عند ذكر سلامة القبة التي بوسط المسجد من الحريق كما قدمناه. نعم ذكر ابن جبير في رحلته ما حاصله أن أمام مقام النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وقد عبر عنه بالروضة الصغيرة ـ صندوقا ، وأن بين المقام وبين الحجرة ـ أي بجانب المقام من جهة المشرق ـ محمل كبير عليه مصحف كبير في غشاء مقفل عليه هو أحد المصاحف الأربعة التي وجّه بها عثمان بن عفانرضي‌الله‌عنه إلى البلاد ، انتهى.

وهذا المصحف الذي أشار إليه ينطبق في الوصف على المصحف الذي ذكر ابن النجار أنه نفذ به من مصر ، ولم يصفه بما ذكره ابن جبير من نسبته لعثمان ، مع أن ابن جبير

١٩٩

مصرّح بأنه من المصاحف التي بعث بها عثمان إلى الآفاق ، لا أنه الذي قتل وهو في حجره ، وقد قال ابن قتيبة : كان مصحف عثمان الذي قتل وهو في حجره عند ابنه خالد ، ثم صار مع أولاده وقد درجوا. قال : وقال لي بعض مشايخ أهل الشام : إنه بأرض طوس ، انتهى.

وقال الشاطبي ما حاصله : إن مالكارحمه‌الله قال : إنما يكتب المصحف على الكتابة الأولى ، لا على ما استحدثه الناس. قال : وقال : إن مصحف عثمانرضي‌الله‌عنه تغيب فلم يجد له خبرا بين الأشياخ. وقال أبو عبيد القاسم بن سلام في كتابه في القراءات : رأيت المصحف الذي يقال له الإمام مصحف عثمان بن عفانرضي‌الله‌عنه ، استخرج لي من بعض خزائن الأمراء ، وهو المصحف الذي كان في حجره حين أصيب ، ورأيت آثار دمه في مواضع منه. ورده أبو جعفر النحاس بما تقدم من كلام مالك. قال الشاطبي : وأباه المنصفون لأنه ليس في قول مالك «تغيّب» ما يدل على عدم المصحف بالكلية بحيث لا يوجد ؛ لأن ما تغيب يرجى ظهوره.

قلت : فيحتمل أنه بعد ظهوره نقل إلى المدينة ، وجعل بالمسجد النبوي. لكن يوهن هذا الاحتمال أن بالقاهرة مصحفا عليه أثر الدم عند قوله تعالى :( فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللهُ ) [البقرة : ١٣٧] الآية كما هو بالمصحف الشريف الموجود اليوم بالمدينة ، ويذكرون أنه المصحف العثماني ، وكذلك بمكة ، والمصحف الإمام الذي قتل عثمانرضي‌الله‌عنه وهو بين يديه لم يكن إلا واحد ، والذي يظهر أن بعضهم وضع خلوقا على تلك الآية تشبيها بالمصحف الإمام ، ولعل هذه المصاحف التي قدمنا ذكرها مما بعث به عثمانرضي‌الله‌عنه إلى الآفاق ، كما هو مقتضى كلام ابن جبير في المصحف الموجود بالمدينة ، وفي الصحيح من حديث أنس في قصة كتابة عثمانرضي‌الله‌عنه للقرآن من الصحف التي كانت عند حفصة «وأنه أمر بذلك زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام ، فنسخوها في المصاحف ، وأنه أرسل إلى كل أفق بمصحف كما نسخوا».

مصاحف عثمان التي أرسلها إلى الآفاق

واختلف في عدة المصاحف التي ارسل بها عثمان إلى الآفاق ؛ فالمشهور كما قال الحافظ ابن حجر أنها خمسة. وأخرج ابن أبي داود في كتاب المصاحف من طريق حمزة الزيات قال : أرسل عثمان أربعة مصاحف ، وبعث منها إلى الكوفة بمصحف ، فوقع عند رجل من مراد فبقي حتى كتبت مصحفي عليه. قال ابن أبي داود : وسمعت أبا حاتم السجستاني يقول : كتب سبعة مصاحف ، وأرسلها إلى مكة ، وإلى الشام ، وإلى اليمن ، وإلى البحرين ، وإلى البصرة ، وإلى الكوفة ، وحبس بالمدينة واحدا ، انتهى.

وليس معنا في أمر المصحف الموجود اليوم سوى مجرد احتمال ، والله أعلم.

٢٠٠