المرأة مع النبي (صلّى الله عليه وآله) في حياته وشريعته

المرأة مع النبي (صلّى الله عليه وآله) في حياته وشريعته0%

المرأة مع النبي (صلّى الله عليه وآله) في حياته وشريعته مؤلف:
تصنيف: المرأة
الصفحات: 116

المرأة مع النبي (صلّى الله عليه وآله) في حياته وشريعته

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشهيدة بنت الهدى
تصنيف: الصفحات: 116
المشاهدات: 17116
تحميل: 6218

توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 116 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 17116 / تحميل: 6218
الحجم الحجم الحجم
المرأة مع النبي (صلّى الله عليه وآله) في حياته وشريعته

المرأة مع النبي (صلّى الله عليه وآله) في حياته وشريعته

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

ورسول الله، فظلَّت زينب وليس في مكّة من هيَ أتعَس منها وأشقى، حتى أتتها عاتكة بنت عبد المطّلب لتخبرها بانتصار رسول الله واندحار المشركين من قريش، ويهزّ النبأ السعيد زينب وتفرح له لحظة، ولكنّها سرعان ما تذكر أنّ زوجها في جيوش المشركين، ولابدّ أنْ يكون قتيلاً أو جريحاً ولكنّها تأبى أنْ تُظهِر شيئاً من هذا لكي لا تشوّه فرحة الانتصار السعيد، وتسكت على جزَعٍ وفرَح مزدوجين وقد كانت عينا عاتكة تلاحظها بتفحّص دقيق فلاحظت عليها ما أرادت أنْ تخفيه فأسرعت قائلة:

إنّ أبا العاص أسير عند رسول الله هو وكثير من رجال قريش، وهنا تكتمل الفرحة عند زينب وتشعر بلذّة الانتصار الحقيقي، وتنشط نِساء قريش بتهيئة الفِدية، وتبعث كلّ امرأة منهنّ أكبر فدية ممكنة، فهُنّ يُغالينَ فيها يفاخرون بكثرتها، ولكنّ زينب تبعث لرسول الله فِدية معنوية رمزية وهي قلادة أُمّها خديجة، التي أهدتها لها ليلة الزفاف، وتُؤثّر هذه الفدية المتواضعة على الرسول؛ فهي قلادة خديجة حبيبته المصطفاة، ويطرق إلى الأرض لحظة ثمّ يرفع رأسه ليقول لأصحابه: (إذا رأيتم إطلاق أسيرها فأطلقوه)، فلا يتردّد المسلمون لحظة في إطلاق سراح أبي العاص، ويستدعيه رسول الله ويسرّ

٦١

إليه أمراً ويلحق أبو العاص بأهله فتستقبله زينب فرحانة فخورة، وهي تأمل أنْ يكون قد أسلَم واهتدى إلى الحق، ولكنّها تراه ليس كما تعهد فقد بدا وهو مثقل بالهموم والأحزان، ويقول لها والعبَرات تكاد تسبِق كلماته: لقد أتيت مودّعاً يا زينب، فقد أمرني رسول الله أنْ أبعث بك إليه، فلا تبهت زينب لهذا الخبَر ولا تستغربه مطلقاً؛ فهي كانت تعلم أنّ رسول الله لنْ يبقيها مع أبي العاص إذا يئس من إسلامه.

ثمّ إنّها متشوقة إلى رسول الله وإلى أخواتها الحبيبات، ولكنّها ستشقى بفراق أبي العاص، وسوف تألَم للبعد عنه، وسوف يشقّ عليها أيضاً أنْ ترى ابنتها أُمامة وهي كاليتيمة بين لداتها، وعلى كلٍّ فقد أخذت تتهيّأ للسفر إلى حيث الإسلام والأحبّاء، وسافرت بعد حصارٍ شديد فرَضته عليها قريش انتقاماً وتنكيلاً، وخلّفت وراءها أبا العاص وهي أشفَق ما تكون عليه، ولم تشغلها فرحة لقاء الأحبّة عن أبي أُمامة، فقد كانت تدعو الله دائماً وأبداً أنْ يهديه للإسلام، ويخرج أبو العاص في تجارةٍ وتتعرّض له قوّات المسلمين في الطريق فيفرّ هارباً ويلتجئ إلى زينب فتحميه وتردّ عنه غضب المسلمين، وتعود فتدعوه إلى الإسلام لكنّه يسكت فلا يُجيب، ويطلب إليها أنّ تردّ

٦٢

إليه تجارته؛ لأنّه يأبى أنْ يرجع إلى قومه وقد خان الأمانة فتتوسّط زينب في ذلك عند المسلمين، فيردّوا له تجارته وأمواله كاملة، ويرجع بها إلى مكّة ويُسلّم الأموال إلى أصحابها حتى يتأكّد من أنّه قد أبرأ ذمّته مِن كلّ وديعةٍ وأمانة.

ثمّ يرجع إلى المدينة ويدخل على رسول الله فيسلم بين يديه، ويقبل الرسول إسلامه قبولاً حسَناً ويردّ إليه زينب وتعود السعادة لترفرف فوقهما مرّةً أُخرى، ويخلدان إلى راحة نفسيّة عميقة وإلى حياةٍ زوجيةٍ سعيدة.

وأمّا رُقية وأُمّ كلثوم فقد خُطبا إلى عتبة وعتيبة ابني أبي لهب قبل الإسلام، وزُوجّا قبل الإسلام ولاقَيا أصناف العذاب من أُم جميل حمّالة الحطَب قبل الإسلام أيضاً.

وما انبثقت كلمة الإسلام إلاّ وأرجَعت حمّالة الحطب رُقية وأُمّ كلثوم إلى بيت رسول الله؛ ظنّاً منها أنّ ذلك يؤذي الرسول ويثقل عليه، ولكن الأمر بالعكس تماماً، فإنّ رسول الله قد سُرّ لذلك وأنس لخلاص الأُختين من الأساليب الوحشيّة التي كانت تَتَفنّن بها أُمّ جميل، ويتقدّم عثمان بن عفّان ليتزوّج رُقيّة ويُهاجر بها الهجرتين

٦٣

ولكنّها نظراً لِما لاقته من أهوال وما تحمّلته من مصاعب داخلية وخارجية نزلت بها العلّة وتخطّفتها أيدي الموت وهي في ريعان الشباب، ويعود عثمان بن عفّان ليخطب إليه أُمّ كلثوم وتتمّ الخطبة ويتمّ الزواج وتعيش أُمّ كلثوم حتى تتوفّى قبل رسول الله بمدّةٍ قليلة على بعض الروايات.

ظلّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مدةً بعد خديجة وهو لا يُفكّر في الزواج حتى جاءته خولة بنت حكيم وأخذَت تحبّب إليه الزواج واستئناف الحياة الزوجيّة، وقالت فيما قالت: إنْ شئت البكر وإنْ شئت الثّيب فأجابها (صلوات الله عليه):(فمَن البكر؟) فتقول: عائشة بنت أبي بكر، ويقول:(من الثِّيب؟) ، فتقول: سودة بنت زمعة، وقد آمنت بك واتبعتك.

فاختار سودة، وسودة هي بنت زمعة بن قيس بن عبد شمس بن لؤي، وأُمّها الشموس بنت قيس النجاري من الأنصار، وكان زوجها الأوّل ابن عمّها السكران، وقد أسلما معاً وهاجرا إلى الحبَشة مع مَن هاجَر في الهجرة الثانية ثمّ رجعا إلى مكّة، وتوفّي عنها زوجها بعد رجوعهما من الهجرة، وكانت رضوان الله عليها مِن أسبَق النساء إلى الإسلام

٦٤

فآمنت وهاجَرت وهجَرت أهلها، وقد نجا بها زوجها إلى الحبشة فِراراً من إعنات المشركين لهما، فلمّا مات لم يكن لها ملجأ سوى أنْ تعود إلى أهلها فتصبأ وتُؤذى، فهم يحقدون عليها لإسلامها وهجرتها وفرارها مع زوجها إلى الحبشة، فهم إذا نالوها سوف لا يتوانون عن النيل منها بأيّ ثمَن، ولذلك فقد اختارها رسول الله ليضمّها إلى حمايته وليُعوّضها عمّا لاقت في سبيل إسلامها، وهكذا قدّم رسول الله المصلحة العامّة على مصلحته الشخصيّة والمعنى الروحي على ذات الحسن والمال والمتاع والثّيب عن البكر.

وكانت نِعم الزوجة المُخلصة المتحسّسة لمسؤوليّتها كأمٍّ للمؤمنين، وقد عرفت أنّها الزوجة الثانية للرسول وأنّها وافدة على دار تضمّ بين جدرانها فاطمة الزهراء ريحانة النبوّة والرسالة، وقد تزوّج بعدها بعائشة بنت أبي بكر وكانت بنت التسع سنين على بعض الروايات، وكانت من القلائل اللاتي لا يقف طموحهن عند حد، ولا تكاد تستقرّ أو ترتاح دون أنْ تبلغ القمّة من المجد بأيّ ثمن، وكانت عصبيّة المزاج حادّة الطبع عنيفة في سلوكها، وكانت أيضاً حادّة الذكاء شديدة الغيرة تغار

٦٥

على قلبِ زوجها فلا ترضى أنْ يُشاركها فيه أحد، وقد رُوي عنها أنّها قالت: أستأذنت هالة بنت خويلد على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فعرَف في أستئذانها استئذان خديجة فارتاع لذلك وقال: (اللهمّ هالة)، قالت فغِرت، وقلت ما تذكر من عجوز من عجايز قريش حمراء الشدَقين هلكَت في الدهر وقد أبدلَك الله خيراً منها؟ فتغيّر وجهه تغيّراً ما كنت أراه إلاّ عند نزول الوحي، أو عند المخيّلة ينزل أرحمةٌ هو أم عذاب؟

وقال: (ما أبدلني الله خيراً منها، قد آمنت بي إذ كفَر الناس، وصدّقتني إذ كذّبني الناس، وواستني بمالها إذ حرَمني الناس، ورزقني الله عزّ وجلّ منها الولد إذ حرَمني من أولاد النساء)، وكانت حريصةً أيضاً على أنّ لا تدخل في حياة النبيّ امرأة تفوقها جمالاً أو تزيد عنها في إحدى الخصال، فالتاريخ يروي أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لمّا أراد أنْ يخطب إليه أسماء بنت النعمان، وكانت من أجمَل أهل زمانها، قالت السيّدة عائشة: إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قد وضَع يده في الغرائب ويوشكن أنْ يصرفْنَ وجهه عنّا، وذهبت إليها وقالت: إنْ أردت أنْ تحظي عند رسول الله فتعوذي بالله منه، فلمّا دخل عليها رسول الله قالت: أعوذ بالله منك، فقال: عذت معاذاً ثمّ خرَج وألحقَها بأهلها، وكانت تقول

٦٦

بعد ذلك: أدعوني بالشقيّة، وقد ماتت كمَداً، ولم يكن ليقعد بها حبّها للرسول وإيثارها لها عن أنْ تنقاد لطموحها وقد أخرج بن سعد في طبَقاته عن عائشة أنّها قالت: ما غرت على امرأة إلاّ دون ما غرت على ماريّة، وماريّة هذه بعث بها المقوقَس صاحب الإسكندرية إلى رسول الله في سنة سبع من الهجرة، ومعها أختها وألف مثقال ذهباً، وعشرين ثوباً ليّناً، وبغلته الدلدَل، وحماره غفير ومعهم خصيّ يقال له مابور وهو شيخ كبير، وقد بعث بهم جميعاً مع الحاطب بن أبي بلتعة.

وقد عرَض الحاطب بن أبي بلتعة على مارية الإسلام ورغّبها فيه فأسلَمت هي وأختها، ثمّ تزوّجها رسول الله فولدَت له إبراهيم، وكان مُعجباً بها وقد كانت بيضاء جعدة جميلة، وقد وهب رسول الله لِمَن بشره بولادة إبراهيم عبداً.

وقد حدَّثت السيّدة عائشة قالت: لمّا ولِد إبراهيم جاء به رسول الله إليّ فقال: (أنظري إلى شبهه بي)، قلت: ما أرى من شبه، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : (ألا ترين إلى بياضه ولحمه؟)، فقلت: كلّ من سُقي ألبان الضأن ابيضَّ وسمن، هذا كان شعور السيّدة عائشة تجاه مارية حينما أحسّت أنّها أخذت تحتلّ مكانةً في قلب النبيّ (صلوات الله عليه)، وهكذا كان شعورها تجاه ابن رسول

٦٧

الله وقد حمله بيديه فرحاناً به طروباً لقدومه، ولكنّها لسبب من طموحها وغيرتها أجابته بهذا الجواب، وكانت هذه الانفعالات تدفع بها إلى مواقف وتصرّفات خاصّة كأنْ تكسر صحاف بعض زوجات النبيّ إذا جئن للنبيّ بطعام مع طعامها، وكان رسول الله يغرمها الصحفة فيدفع بصحفتها للتي كُسرِت صحفتها، فإنّها في سبيل تملك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، لم تكن تتوانى عن أيّ شيء، حتى عن الطعن في بنوّة ابن رسول الله، وحتى عن النيل من مقام السيّدة خديجة، وقد ظلّت بعد النبيّ وتوفّيت ليلة الثلاثاء لسبعِ عشَر خلَون من شهر رمضان من السنة السابعة أو الثامنة والخمسين للهجرة.

ومن النساء اللاتي دخلن في حياة النبيّ صفيّة بنت حيي بن أخطب من سبط هارون بن عمران من بني إسرائيل، وأُمّها برّة بنت السموأل من بني قريظة، وكان قد تزّوجها سلام بن شكيم القرظي، ثمّ فارقها فتزوّجها كنانة بن الربيع مِن يهود بني النضير وقُتِل يوم خيبر، واصطفاها النبي من بين الأسرى وخيَّرها بين الإسلام واللحوق بأهلِها فأختارت الإسلام وأسلَمت فتزوّجها رسول الله، وقد ذهبت إليها عائشة متنقّبة فسألها النبيّ: (كيف

٦٨

وجدتها؟)، فقالت: وجدّتها يهودية، فقال: (لا تقولي هذا فإنّها أسلمت).

كما أنّ من النساء المسلمات اللاتي اشتركن في حياة النبيّ الزوجية أُمّ سلَمة واسمها هند بنت أبي أُميّة سهيل زاد الركب ابن المغيرة المخزومية، وأٌمّها عاتكة بنت عامر، وكانت قد تزوّجت أبا سلَمة عبد لله بن عبد الأسَد المخزومي، وهاجَر بها إلى الحبَشة الهجرتين، فولدت له هناك زينب وسلَمة وعمر ووردة، وقد حضَر أبو سلَمة أُحُد فقُتِل إثر جرح، وقد تزوّجها الرسول بعد ذلك وكانت سيّدة صالحة كاملة، وتوفّيت في عهد يزيد بن معاوية بعد قتل الحسينعليه‌السلام .

ومن زوجاته أيضاً حفصة بنت عمر بن الخطّاب، وقد ولِدَت قبل البعثة بخمسِ سنين وتزوّجها عنبس بن حذامة وهاجرت معه إلى المدينة، فمات عنها بعد رجوع النبيّ من غزوة بدر، ثمّ تزوّجها النبيّ وتوفّيت في شعبان سنة خمس وأربعين في خلافة معاوية وقد صلّى عليها مروان ودُفِنَت في البقيع.

ومن زوجاته أيضاً بنت عمّته زينب، وكان قد زوّجها بزيد بن حارثة ولكنّها لم تستطع أنْ تنسجم معه، ولم

٦٩

يستطع هو أنْ ينسجم معها أيضاً، نظَراً لاختلاف أجوائهما وتباين منزلتهما، ولكن رسول الله أراد أنْ يعطي في هذا درساً إسلاميّاً لكلّ مَن يتعالى أو يتسامى بشيءٍ غير الإسلام، وأراد أنْ يُفهم المسلمين أنّ الرجل بإسلامه ودينه وأنّ المسلم كُفء المسلمة، ولكنّه عندما رأى استحالة التوافق بينهما أشار عليهما بالطلاق(1)، وتزوّجها النبيّ حرصاً على أنْ يعوّضها عمّا صُدِمَت فيه في زواجها الأوّل، وبهذا فقد أعطى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله درسه، ولم يغبن حقّ زينب، بل جعلها أُمّ المؤمنين وزوجة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأخيراً فأُولاء نساء عِشنَ في حياة النبيّ كل منهنّ حسب مكانتها وكفاءتها في الحياة.

____________________

(1) تمّ زواج الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله من زينب بأمرٍ من الله سبحانه وتشريعاً للأُمّة؛ لأنّ العرَب في الجاهلية كانت تنكر على مَن يتزوّج من امرأة مَن يتبنَّاه من غير صُلبه، فيصبح عندهم بحُكم الولد فأراد الله أنْ يقضي على هذه العقيدة الوهميّة التي لا ترتكز على أساس من الصحّة، كما جاء في كتابه العزيز:( فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً * مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُوراً ) الأحزاب 37-38.

الناشر.

٧٠

٧١

المرأةُ في شَريعةِ النبيّ.. (قِيمةُ المَرأةِ في الإسلام)

٧٢

٧٣

المرأةُ في شَريعةِ النبيّ.. (قِيمةُ المَرأةِ في الإسلام)

المرأة هي المدرسة الأُولى في الحياة، وهي أحَد العنصرين الأساسيّين في تكوين المجموعة البشرية، فنحن حينما نذكر المرأة نرى أنّها مدرسة نشء ومربية أجيال، وحينما نأتي لنتحدّث عن دورها في المجتمع نلاحظ أنّها في الواقع نقطة لانطلاق المجموعة البشرية، ولولاها لما كان هناك بشرٌ على وجه الأرض.

ونظراً لكونها المعهَد الفطري للوليد ولكون صدرها هو واهب الحياة للجيل اهتمّ الإِسلام بأنْ يلقي الضوء في شريعته وأحكامه على المرأة ومكانتها في المجتمع والحياة، وأنْ يرتفع بها إلى مصاف الرجل لها ما له وعليها ما عليه، بعد أنْ كانت المرأة مهضومة الحقّ في جميع الأنظمة الدوليّة التي وجِدت قبل الإسلام.

حتى أنّ كثيراً من الأُمَم كان قد راج فيها وأد البنات خوفاً من عارِ وجودهن على وجه الأرض، وكان العلماء وزعماء الديانات يبحثون ويتناقشون على طول قرونٍ عديدة، في أنّ المرأة هل هي إنسان أو غير إنسان، وهل تحمل روحاً أم لا، وكانت الديانة الهندوكية مثلاً قد سدّت أبواب تعليم كتبهم المقدّسة على المرأة؛ لعدَم جدارتها لذلك، والديانة البوذيّة لم يكن فيها سبيل لنجاة لِمَن اتصل بامرأة، وأمّا في الديانات النصرانية واليهودية فقد كانت المرأة هي مصدر الإِثم ومرجعه فيهما، وكذلك اليونان فلَم يكن للمرأة عندهم أيّ نصيب من العِلم والحضارة ولا ثقافة ولا حقوق مدنية، وعلى مثله كانت الحال في الروم وفارس والصين وما عداها من مراكز الحضارة الإنسانية، وكان نتيجة لهذا المقت العام الذي كانت تشعر به المرأة أنّها نسيت أنّ لها مكانة اجتماعية وأنّ لها كياناً خاصّاً.

ولكنّ الإِسلام هو الدين الوحيد الذي جاء لكي يعطي الصنفين، (الذكر والأنثى) حقّه في الحياة، وهو الدين الوحيد الذي أصلَح عقليّة الصنفين وبعث في الأذهان فكرة إعطاء حقوق المرأة وحفظ كرامتها، ومن ناحيةٍ أُخرى فتَح

٧٤

أمامها أبواب العِلم والمعرفة وأباح لها أنْ تتعلّم ما تشاء من العلوم المقدّسة كقراءة القرآن ودراسته وتفسيره إذا أمكنها ذلك، وقد جاء في الروايات عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال: (طلب العلم فريضةٌ على كلّ مسلم ومسلمة)، وقد أشاد القرآن بالمرأة وخصّها في آياتٍ كثيرة تُبيّن مكانتها في المجتمع:( فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ ) (1)، ( مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) (2)، ( مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزَى إِلاّ مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ ) (3).

وذلك لكي تشعر المرأة المسلمة بمسؤوليّتها في المجتمع، ولكي يشعر المجتمع بوجودها وباعتبارها عضواً أساسيّاً في حياته، ولكي لا تستغل إمكانيّاتها العاطفية والتكوينيّة استغلالاً ظالماً، وعلى هذا الأساس فإنّ المرأة

____________________

(1) سورة آل عمران آية 195.

(2) سورة النحل آية 97.

(3) سورة غافر آية 40.

٧٥

المسلمة قد حصلت في ظلّ الإسلام على حقوق وإمكانيّات لم تحصل عليها أيّة امرأة سِواها، في شتّى القوانين والتشريعات، وقد أرتفع الإسلام بالمرأة لحسابها الخاص ولمجرّد كونها إنسانه، وأعطاها حقّها الطبيعي في كلّ أدوار حياتها الاجتماعية، ونحن الآن في صدَد إعطاء فكرة مختصرة عن المرأة في تشريعات الإسلام ومفاهيمه.

٧٦

المَرأة

جاء في الروايات الواردة عن الإمام أبي عبد الله جعفر الصادقعليه‌السلام رواية، يحدّد فيها مفهومه ومفهوم الإسلام عن المرأة فيقول: (المرأة الصالحة خيرٌ من ألفِ رجل غير صالح)، وهو يقصد بها أنْ يقرّر أنّ الإنسانيّة في نظر الإسلام لها قيمة واحدة وميزان واحد للكرامة، بقطع النظر عن كلّ الصفات الطبيعية التي يتميّز بها الأفراد، وهذا الميزان الوحيد في نظر الإسلام هو الصلاح والتقوى، والأفضلية عند الإسلام هي أفضلية العمل الصالح.

فمهما كان الصلاح هنا متوفّراً كانت الإنسانيّة أفضل وأكمل، ومهما أبتعد الإنسان عنه خسِر بذلك كرامته في مفهوم الإسلام كائناً من كان، فلا الرجل بما هو رجل يفضُل المرأة، ولا المرأة بما هي امرأة تفضُل الرجل، ولا

٧٧

يتعارض هذا مع الوظائف التي وزّعت على الرجل والمرأة في الأُسرة الإسلاميّة، ولا مع القيمومة التي أُعطيَت للرجل على المرأة فيها، فإنّ هذه القيمومة التي اضطلع الرجل بموجبها بإدارة معاش البيت، والحفاظ على وحدته لا تعبّر إلاّ عن توزيع طبيعي للوظائف، في مجتمعٍ صغير وهو الأُسرة المتكوّنة من أبٍ يعيل ويحافظ وأُمّ تلِد وتربّي فهي ليست قيمومة أفضليّة، وإلاّ لكان كلّ رجلٍ قيماً على المرأة التي يُعايشها، وإنْ كانت أُمّه أو أُخته وليس الأمر كذلك..

هذا بعض ما عناه الإمام الصادقعليه‌السلام في قوله: (إنّ المرأة الصالحة خيرٌ من ألفِ رجلٍ غير صالح)، وقد أراد الإمام أيضاً أنْ يفتَح أمام المرأة مجالاً يُمكنّها فيه من أنْ تسمو بصلاحها على ألف رجل غير صالح، وأنْ تثبت للمجتمع أنّها مؤهّلة للتفوّق على الرجال إذا تقدّمت عليهم بالتقوى والصلاح، وانعكَس ذلك في مختلف حقول حياتها العائليّة والاجتماعية، ولا يكفي أنْ تكون صالحة في بعض تلك الحقول دون بعض، بل المرأة الصالحة هي التي أنشرح صدرها للإسلام ولتعاليمه، فطهّرت روحيّاتها من عوامل الشر، وعقمت فكرتها من شوائب الأهواء الشيطانية، وحسنت سيرتها في محيطها الخاص ومحيطها العام،

٧٨

وأغلقت أمام عواطفها جميع أبواب الحسَد والرياء والمكر والخداع، وفتحت مشاعرها لتلقى كلّ ما هو خيرٌ وسليم، وسلّم منها المجتمع وسلّمت منه لا تظلم مسكيناً ولا تهضم حقّاً ولا تعتدي على أحد ولا تظنّ بأحدٍ السوء، وتحمل أختها المسلمة على سبعين محمل من الخير كما قد أوصاها به الله ورسوله، هذه هي المرأة الصالحة التي جعل منها الإمام خيراً من ألف رجل غير صالح.

وهذا هو مفهوم الإسلام عن المرأة بما هي إنسانة لها عملها الصالح الذي يرتفع بها إلى حيثما تشاء تبعاً لمدى توفّره فيها.

والآن فهل لي أنْ أقول كلمةً أخيرة، وقبل أنْ أبدأ بالبحوث الباقية فأقول: إنّ الصلاح بمعناه الحقيقي قلّما يتّفق لنا نحن بنات حوّاء، وإنْ صادف فاتّفق لواحدةٍ منّا قام مجتمعها الظالم في إبعادها عنه أو إبعاده عنها بأيّ سبيل، وحتى بدون أنْ تشعر هي أيضاً، والذنب في هذا ذنبنا نحن وذنب مجتمعنا الفاسِد الذي تنعكس فيه المفاهيم، وتنقلب القِيَم ويُتَنكّر للمُثل، وإلاّ فإنّ أبواب الرُقيّ الحقيقي مفتوحةٌ أمامنا لا تردّ وافدةً ولا تمتنع من قبول قاصدةٍ، وإسلامنا يعزّز ذلك ويشيد فيه ويدعو إليه.

٧٩

٨٠