المرأة مع النبي (صلّى الله عليه وآله) في حياته وشريعته

المرأة مع النبي (صلّى الله عليه وآله) في حياته وشريعته0%

المرأة مع النبي (صلّى الله عليه وآله) في حياته وشريعته مؤلف:
تصنيف: المرأة
الصفحات: 116

المرأة مع النبي (صلّى الله عليه وآله) في حياته وشريعته

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشهيدة بنت الهدى
تصنيف: الصفحات: 116
المشاهدات: 17111
تحميل: 6218

توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 116 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 17111 / تحميل: 6218
الحجم الحجم الحجم
المرأة مع النبي (صلّى الله عليه وآله) في حياته وشريعته

المرأة مع النبي (صلّى الله عليه وآله) في حياته وشريعته

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

المَرأة وَالعَمَل

يقوم تقسيم الوظائف في كلّ مجتمع ومحيط على أساس تقبّل الأشخاص لتِلك الوظائف، وإمكانيّاتهم للقيام بها على أحسَن وجه، وتقسيم العمل هو ضرورة من ضرورات المجتمع في جميع النواحي والمجالات، وتقسيم العمل يؤدّي إلى سهولة القيام به مهما كان صعباً، ويؤدّي أيضاً إلى سرعة الإنتاج مهما كان بطيئاً.

وتقسيم العمل والوظائف يُساعد المتخصّص في كلّ قسمٍ منه على النبوغ في ذلك القسم والتعمّق فيه، خلافاً لِما لو اختلف توزيع العمل وتعاقَبَت الأعمال المختلفة على العامل فإنّه سوف يخسَر مرونته وعبقريّته التي قد يُحرزها في عمل واحد.

فإنّ لكلّ شخصٍ من الأشخاص استعداده الخاص، وطبيعته الخاصّة به وتكوينه الفطري والنفسي، فنحن لا

٨١

ينبغي لنا مثلاً أنْ نجعل مِن فنّانٍ مهندساً، أو نجعل مِن مهندس فنّاناً؛ فإنّ لكلٍّ منهما هوايته واستعداده الخاص ولا ينبغي لأيٍّ منهما أنْ يُخالف اتجاهه الطبيعي أو يُعاكس أهواءه واستعداده.

فنحن إذا أَجبرنا العامل الميكانيكي مثلاً على أنْ يكون فنّاناً، وإذا أجبرنا الفنّان على أنْ يكون ميكانيكيّاً نحكُم على مواهب كلٍّ من الطرفين بالعدَم، في الوقت الذي نحصِل فيه على أبرَع عامل ميكانيكي وعلى أروع فنّان، لو تركنا كلاًّ منهما يسير وراء هوايته وطبيعته الفطرية.

فتقسيم العمل يعتبر من أهمّ الظواهر الطبيعية، وقد شمِل حتى تكوين الإنسان وتركيبه العضوي، فإنّ لكلّ عضوٍ من أعضاء الإنسان عمله الخاص وفائدته الخاصّة وبهذا تكون جميع أعضاء الإنسان متساوية من ناحية الاستهلاك ومتوازية في إنجاز المهام مثلها في ذلك كمثل تقسيم العمل في المعمل الصناعي، فتقسيم العمل في المعمل الصناعي مِن شأنِه أنْ يستوجب استعمال كافّة الآلات الموجودة في مصنع من المصانع في وقت واحد.

ولا شكّ أنّ هذا الاستعمال مفيد من عدّة نواحي،

٨٢

فهو مفيد للآلات نفسها إذ أنّ الحركَة أفضل لها من الوقوف، كما هو مفيد بالنسبة للإنتاج إذ أنّ العامل الذي يتخصّص في إدارة آلةٍ معينة يستطيع أنْ يحصل على أكبر فائدة مرجوّة منها؛ وبذلك تصِل قوّة الإنتاج إلى أقصى درجتها، وحتى على الصعيد الدولي فإنّا نجد أنّ تقسيم العمَل قد انتشر بين الدوَل والأقاليم، بل وحتى في الدولة الواحدة نفسها، وذلك تبَعاً لصفات السكّان فيها واستعدادهم الذاتي لأيّ أنواع العمل، وبحسَب تربتها ومناخها ونوع المعادن الموجودة فيها ونوعيّة المحصولات التي تنتجها والقوى المتحرّكة وتوزيعها.

فقد تتخصّص بعض الدوَل في صناعة المنسوجات وبعضها في صناعة المواد الكيميائيّة مثلاً، وقد تتخصّص غيرها في تربية الأغنام أو زراعة القطن، أو إنتاج النفط بناءً على استعداد الدولة وإمكانياتها، ولا شكّ أنّ تقسيم العمَل بين الأفراد في جميع المجالات له أثَر كبير في حياتنا الاجتماعية فعلاوةً على المزايا العديدة التي يتضمّنها فإنّه يحكم الروابط بين الأفراد ويُشعِر الإنسان بحاجته إلى أخيه الإنسان وبأنّه لنْ يستطيع أنْ ينتج بنفسه كافّة الأشياء

٨٣

اللازمة له فهو مضطر إلى أنْ يعتمد على غيره في الحصول عليها.

وعلى هذا فإنّ كلّ واحد من المجموعة البشريّة يشعر بأنّه مشدود جذرياً إلى أخيه الإنسان وهذا الشعور يولّد التقارب اللا اختياري في المجتمع، فإذا كان تقسيم العمَل شاملاً لكلّ المجالات في جميع الأحوال، وإذا كانت الحياة قائمة على أساس تقسيم العمل في جميع نواحيها، فمَن الطبيعي جدّاً أنْ يأخذ الإسلام بهذا المبدأ في تقسيم العمل بين المرأة والرجل، فيسند لكلّ منها الدور الذي هو أكثر كفاءة للقيام به.

فإنّ لكل من المرأة والرجل مزاجاً خاصّاً وتكويناً معيّناً لا ينبغي لأيٍّ منهما أنْ ينحرف عنه أو ينفصل منه.

فتوزيع المهام إذاً بين الرجل والمرأة لا يقوم على أساس تسخير أحدهما للآخر، بل على أساس تقسيم العمل وإعطاء كلّ منهما نوع المهمّة التي تنسجم مع طبعه ومزاجه، ولولا توزيع هذه الوظائف والتهيئة التكوينيّة، لهذا التوزيع لَما أمكَن للبشرية أنْ تعيش على وجه الأرض، فكما أنّ على المرأة أنْ تقوم بوظائفها الطبيعية في الحياة

٨٤

كذلك على الرجل أيضاً أنْ يقوم بمهامّه بالنسبة للمجتمع والحياة، ويكون إنجاز هذه الوظائف الطبيعية على سبيل التعاون والتكافؤ لا على سبيل التسخير والاستخدام.

هذا هو التقسيم السماوي للوظائف البشرية دون استغلال من أحَد الطرفين، وهكذا شاءت العدالة الربّانية أنْ تجعل البشر متساوين في الوظائف متكافئين في الأعمال دون ظلم أو إجحاف، وتقسيم الوظائف على هذا النحو يحفظ لكلّ من الطرفين مكانته الاجتماعية ويُحافظ في الوقت نفسه على كيانه الخاص، ويجعلهما معاً خادِمَين للمجتمع على صعيدين متساويين، وكلٌّ حسبما تفرضه عليه طبيعته ويدلّه إليه تكوينه.

ولذلك فقد أسنَد للمرأة خِدمة المجتمع في داخل البيت وأسنَد للرجل خدمة المجتمع في خارج البيت؛ وذلك لأنّ المرأة بطبيعتها الأنثوية الرقيقة أجدر بإدارة البيت الذي يقوم على الحبّ والعطف والحنان.

ولكنّ هذا التوزيع العادِل للوظائف أخَذ يُستغَل من قِبَل بعض دعاة الشرّ؛ لإِبرازه في صورةٍ معاكسة تماماً للواقع، تنتج عنه تصوّرات خاطئة عن أنّ المرأة في الإسلام لا تُعَد

٨٥

إلاّ كونها أداة عمل وآلة إنتاج تحت سيطرة الرجل، وكان نتيجة لهذه الدعايات السامّة أنْ أخذت المرأة المسلمة تستشعر بنقطة ضعف موهومة، وصارت تحاول أنْ تمحو عنها هذا النقص.

وبما أنّ الوسيلةالوحيدة التي تُمكّنها من ذلك هي عدالة السماء وتفهّمها الواقعي للحكمةالعادلة في هذا التوزيع، وبما أنّها قد انصرفت عن هذه الناحية بعد أنْتوهّمت اليأس منها، فإنّها لنْ تتمكّن من الاهتداء إلى ما تسعى، مهماحاولَت ذلك، ومهما بذلَت في سبيل ذلك الغالي والرخيص من عزّتها وكرامتهاوطهرها الغالي الثمين.

٨٦

المَرأة وَالحِجَاب

الحِجاب ليس كما يتوهّم البعض من أنّه ختم ملكيّة المرأة للرجل، فإنّ المرأة والرجل من الناحية الإنسانية سَواء، لم يخلق أحدهما ليملِك الآخر، بل خلَق أحدهما ليتمّم الآخر ويُكمّله، ولكلٍّ منهما جانبان مزدوجان: فالرجل إنسانٌ وذكَر والمرأة إنسانٌ وأُنثى، وكلٌّ منهما بوصفه إنسان يسمح له بالمشاركة في خِدمة المجتمع، على أنْ يظهَر في مجال الخِدمة كإنسان لا أكثر ولا أقل.

إذن فعدَم تظاهِر المرأة بأُنوثتها لا يُؤخَذ دليلاً على أنّ الإسلام أراد أنْ يَحجبها من المجتمع، فهي عندما تتّصل بالمجتمع، تتّصل به لحساب كونها إنسان طبعاً، فكما أنّ للرجل أنْ يثبت إنسانيّته في الوجود، للمرأة أيضاً أنْ تُثبت وجودها الإنساني، حالها في ذلك حال الرجل سَواءٌ بسواء.

وفي النواحي التي يتحتّم على المرأة التستّر فيها يتحتّم على

٨٧

الرجل ذلك أيضاً، فكما أنّ المرأة لا يُمكن لها أنْ تتظاهر بأُنوثتها وبكونها الجِنس الناعم، عن طريق الخلاعة والتبرّج، لا يمكن للرجل أنْ يتظاهر برجولته وذكورته، ولا يُمكن له أنْ يعيش في المجتمع الواسع إلاّ كإنسان، كالمرأة التي لا يُمكن لها أنْ تعيش في المجتمع الواسع إلاّ كإنسانة، وفي المَواطِن التي يظهر فيها الرجل كرجل علاوة على كونه إنساناً، يُمكن للمرأة، بل ويجب عليها أنْ تظهَر بمظهر الأُنثى علاوة على كونها إنسانة.

وبما أنّ جاذبية المرأة وسِحرها أقوى وأشدّ تأثيراً من جاذبيّة الرجل وسحره، كان حِجاب المرأة أوسَع وأشمَل من حِجاب الرجل، فالمرأة التي تظهَر في المجتمع بمظهر إنسانة بدون إشارات وهوامِش تشير إلى أُنوثتها، تكون مساوية للرجل، على العكس تماماً من المرأة الغربيّة، التي إنْ قال لها الرجل أنّها حرَّة في تصرّفاتها وفي كلّ شيءٍ، تكون في الواقع مقيّدة بإرضاء الرجل أي رجلٍ كان وإشباع رغباته، إذ فرَض عليها تظاهرها بأُنوثتها باسم الحرّية على ما يتطلّب ذلك من تعَبٍ وجُهد وعلى ما يستنفذ ذلك مِن وقت المرأة.

فهل من الإنسانية أنْ تكون المرأةُ سِلعةً تُعرَض

٨٨

لعيونِ الرجال المتعطّشة؟ وهل أنّ مِن مستلزمات أنانية المرأة أنْ تَصرف الساعات الطِوال في محلاّت (الكوافير) وتحت أيدي المواشِط مع ما يَلزم ذلك من استهلاك وقتٍ مادّي ومعنوي؟

كلّ هذا لأجل أنْ تُرضي الرجل، فهل يمكن لهؤلاء النساء أنْ يظهرْنَ ولو مرّةً واحدة فقط بدون علامات تدلّ على أُنوثتهن معتمدات على شخصيّتهنّ أو على معارفهن؟ وهل خطَر لإحداهن مرّة في أنّها لو دُعيَت إلى الحفل الفلاني سَوف تكون المُبرزة بين لِدَاتها لما تملك من معرفة أو لِما تتمتّع به من شخصيّة؟ بل إنّ أفكارهن تتّجه أوّل ما تتّجه في أمثال هذه المناسبات إلى أناقتهن وإلى تحصيل الأسباب التي تجعل إحداهن أكثر جاذبية وفتنة من الأُخرى.

وأنا لا أُريد أنْ أقول أنّ مستلزماتالأناقة التبرّج، أو أنّ التبرّج من مستلزمات الأناقة، ولا أُريد أنْأدعو إلى التقشّف ولكنّي أُريد أنْ أُنبّه اللاتي جعلْنَ في التبرّجوالتأنّق عِماد شخصيّتهن، أنّ الواقع يؤكّد أنّ هذا شيء ثانوي لا يعدوكونه إرضاءً للرجل ولو بسبعين واسطة.

٨٩

٩٠

المَرأة وَالمِلكيّة

للمرأة المسلمة الحقُّ الكامل في التملّك الشخصي، والتصرّف الكلّي فيما تملك من مالٍ وعِقار، وفي كلّ أدوار حياتها، سَواء أكانت بنتاً أم زوجاً أم أُمّاً، وِفقاً للنظام العام، وليس للزوج المسلم حقٌّ في أنْ يتصرّف بما يخصّ زوجته المسلمة أو أنْ يمَسّ شيئاً ممّا تملِك بغير إذنٍ منها ورضاء.

ومِن هذا نرى أنّ الإسلام قد أعطى بتشريعه هذا للزوجة المسلمة حقوقاً، لم تحصل عليها في تشريعات أيّ حضارةٍ أُخرى منذ أقدم العصور، وحتى الآن، ففي الشرائع الحديثة التي تُعتبَر القمّة في التشريع البشري وُضِعت شروط عامّة للزواج وَرُبِطَ عقد الزواج بعقدٍ آخر أُطلق عليه اسم عقدِ ترتيب أملاك الزوجين، وهذا العقد يجعل ثروة الزوجة إلى حدٍّ كبير تحت سيطرة الزوج ويحرمها من

٩١

سيطرتها المطلقة بوصفها مالكةً للمال، بينما يمنح هذه السيطرة للزوج لا على ماله فحسب، بل على مال زوجته أيضاً، وفقاً لأحد أشكالٍ أربعة، سمَح القانون بصياغة العقد طِبقاً لأيّ واحدٍ منها تَبعاً لِما يقَع عليه اختيار الزوجين، والأشكال الأربعة هي كما يلي:

أوّلاً: شركة الزوجين، وهو تقسيم أملاك الزوجين إلى ثلاثة: قسمٌ عام للزوجين غير قابل للقِسمة، وقسمٌ خاصٌّ بالزوج، وقسمٌ خاصٌّ بالزوجة، وللزوج وحدَه حقّ إدارة الأقسام الثلاثة كرئيس للشركة.

والثاني: بدون شركة أو استبعاد الشركة: وهو أنّه لا يوجد في هذا القسم أملاك عامّة فكلُّ زوج يحتفظ بأملاكه الخاصّة، لكن للزوج وحده حقّ إدارة أملاكه وأملاك زوجته واستثمارها.

الثالث: فصل الأملاك، وفي هذا القسم منافع الزوجين منفصلة، فكلّ واحدٍ منهما يحتفظ بملكيّته لأملاكه واستغلالها وإدارتها، على شريطة أنْ تترك الزوجة إلى زوجها جُزءاً من إيرادها اشتراكاً معه في نفقات المعيشة.

الرابع: المهر، وهو تقسيم أملاك الزوجة إلى مهر

٩٢

وغير مهر: فالمهر ما جعلته المرأة مهراً عند الزواج من أملاكها، أو ما أُعطي إليها في عقدِ ترتيب أملاكها من أقاربها مثلاً، وللزوج حقّ إدارته واستثماره فقط.

ولنقِف الآن عند الشكل الأوّل من هذه النُّظُم، وهو شكل الشركة الزوجية، ففيه أنّ للزوج إدارة ماله الخاص ومال الزوجة الخاص ومال الشركة، وحقّ إدارة أملاك شركة الزوجية خاصٌّ بالزوج كرئيسٍ لها، وهو حقٌّ خوّله له القانون، فلا يجوز انتقاصه ولا إلغاؤه بشرط في عقد ترتيب أموال الزوجين.

وسلطة الزوج في إدارة الأموال المشتركة تكون في الأعمال الإدارية ومباشرة رفع الدعاوى أمام القضاء، وفي الأعمال الإدارية المحضة تكون سلطة الزوج فيها غير محدودة، فيؤجِر ويستأجِر العقار من غير تحديد، وله قَبض الإيراد وله أنْ يتصرّف فيه كما يُريد، ويقبض رأس المال من غير مراقبة ولا إذنٍ من أحد، وكذلك له السلطة غير المحدودة في التقاضي، فسلطة الزوج في ذلك غير محدودة وليس للزوجة الرجوع عليه بأيّ تعويض، ولو أخطأ خطأ فاحشاً أو أدار إدارة سيّئة أو بذّر تبذيراً يجعله مسؤولاً قانونيّاً؛ فهو يعمل كمالك حقيقي ليس عليه أيّ مسؤولية قِبَل أيّ شخصٍ كان.

وللزوج أيضاً

٩٣

إدارة أملاك الزوجة الخاصّة، لكنّ سلطة الزوج في ذلك تختلف عن سلطته في إدارة أموال شركة الزوجية كالآتي:

أوّلاً: لا يجوز منع الزوج من مباشرة سلطته في إدارة أموال شركة الزوجية، حتى ولو بشرطٍ في عقدِ ترتيب أموال الزوجين، ولكنّ منع الزوج من إدارة أملاك الزوجة الخاّصة يجوز اشتراطه في عقدِ ترتيب أموال الزوجيّة، فيُمكن للزوجة بعد الشرط أنْ تحتفظ بإدارة أملاكها لنفسها خاصّة.

ثانياً: سلطة الزوج على أموال شركة أموال الزوجية سلطةٌ مطلقة كمالكٍ حقيقي، ولكن سلطته على أملاك الزوجة الخاصّة سلطة إدارة عادية فقط.

ثالثاً: الزوج غير مسؤول في إدارته السيّئة والإسراف والتبذير في شركة أموال الزوجية، بخلاف إدارة أملاك الزوجة الخاصّة فهو مسؤولٌ عن كلِّ خطأ أو إسراف أو تبذير كمدير عادي، وعلى هذا فنحن نرى أنّ سلطة الزوج على الزوجة في أملاكها الخاصّة أقلّ منها في أموالها الخاصّة، إذا صحّ لنا أنْ نعتبر أنّ تلك الأموال تُعتَبر أموالاً لها بعد الزواج.

٩٤

ولكنّ عقد الزواج في التشريع الإسلامي لا يتعدّى شخصَ الزوجين إلى مالهما أو عقارهما إطلاقاً، فلا علاقة للزوج بمالِ زوجته إطلاقاً لأيّ سببٍ كان، فالزوجة حرّة في أنْ تبيع وتشتري وترهَن وتوكِل مَن تشاء لما تشاء، بلا معارضةٍ من الزوج، إلاّ في حدود القانون العام من إسرافٍ أو تبذير أو سفَهٍ مثلاً، فليس للزوج إذاً دخْلٌ في ماليّة الزوجة ولا في أهليّتها.

فهي كاملة الأهليّة في التصرّف بأموالها وأملاكها قبل الزواج أو بعده بلا فارق، ومهما كانت الزوجة غنيّة فليست مُلزمة في المساهمة بنَفَقَات البيت، ولا في نَفَقَات الأولاد، وإذا أنفقت فإنما تنفق نتيجة لروحِ التعاون لا لحقٍّ شرعيٍّ أو عرفي، والمهر وما يُدفَع إلى الزوجة قبل الزواج أو بسببه، من الزوج أو من غيره مِن الأقارب والأصحاب هو ملكٌ خالصٌ للزوجة لا شأنَ للزوج به ككلّ أملاكها وأموالها.

هذا هو الزواج في الإسلام وهذه هي المقارنات التشريعيّة بينه وبين باقي القوانين الوضعية، وهذه هي أحكام المرأة في الإسلام والتي تدلّ على أنّ الزوجة المسلمة قد

٩٥

حصلَت على حقٍّ لها في تشريعات الإسلام، كما لم تحصل عليه أيُّ زوجةٍ في أيِّ حضارة.

ثمّ هذه هي المرأة الغربيّة، وقد أعطيناك عنها لمحةً موجزة إذ هي زوجة، ورأينا استغلال الرجل لها وتلاعبه بأموالها دون حسيبٍ أو رقيب.

وبعد كلِّ هذا يُقال: إنّ المرأة الغربيّة حرّةٌ متحرّرة، وأنّ المرأة المسلمة أسيرةٌ مُستَعبدة، ونحن لو أردنا أنْ نأتي على جميع المقارنات التشريعية للمرأة المسلمة والمرأة الغربيّة لضاق بنا المجال، ولعلّنا سوف نبحث هذا الموضوع في رسالةٍ أُخرى إنشاء الله، ولكن الآن يكفينا لإثبات حرّية المرأة المسلمة وعبوديّة المرأة الغربية هذا المثَل الواحد الذي ذكرناه في حقِّ المرأة بالتملّك.

وقد قنعت المرأة الغربية من الرجل أنّه فتح أمامها أبواب الخلاعة والتكشّف، وهيّأ لها سبيل الاستهتار والتبرّج، وحتى هذا فإنّه لم يكن لحِساب المرأة الغربيّة، ولا كان إرضاءً لها ولرغبتها الخاصّة، بل كان لحساب الرجل وإشباعاً لنزَواته ورغباته، فحتّى في عالم الخلاعة والتبرّج ليست المرأة الغربية مختارةً حرّة، وإنّما هي خاضعة أيضاً

٩٦

لشركةٍ جسديّة تُقابل الشركة الماليّة ويكون للرجل في هذه الشركة حقّ التصرّف والاختيار أيضاً، فقد تُعجِبه التسريحة الفلانيّة أو الزينة الفلانيّة، وقد لا يعجبه الزيّ الفلاني أو التصميم الفلاني، وفعلاً فإنّ أكثر مصمّمي الأزياء مِن الرجال يخلَعون على المرأة الزيّ الذي يَروقُ لهم والذي يرضي عيونهم وأذواقهم.

وعلى كلِّ حال فإنّ المرأة الغربيّة مسخّرة للرجل ولميوله ونزَوَاته.

وأمّا الإسلام فهو لا يُقيّد المرأة المسلمة بأيّ قيدٍ، ولا يوجّه إليها أيّ تكليفٍ خاصٍّ بها دون الرجل، إلاّ بالحجاب، والحِجاب كما قدّمنا في الفصول السابقة ضرورة مِن ضروراتها وحقيقة واقعيّة من حقيقتها الأُنثويّة، وليس له أيّ أثرٍ على سلوكها العام أو الخاص..

فتصوّروا أيّهما شريعة الكرامة والحرّية الحقيقيّة بالنسبة للمرأة، شريعةٌ تقول: مَن تزوج امرأة لِمالِها حرَمه الله مِن مالها؛ لأنّها تريد من الرجل أنْ ينظر إلى المرأة بالمقاييس الإنسانيّة، لا بالمقاييس النقديّة، وأنْ يعتبرها شريكةً له في حياته لا تجارةً رابحة، وبين شريعة أُخرى تنزل

٩٧

بالزواج عن مفهومه الإنساني الخيّر، وتربط بينه وبين إنشاء شركة ماليّة لحساب الرجل، يخرج فيها الرجل وهو يملِك كلّ شيء وتخرج منها المرأة وهي لا تملِك شيئاً سِوى جواز المرور الذي حصلَت عليه من الرجل نفسه.

نعم سِوى جواز المرور في الشارع والدخول إلى المنتديات متكشّفة متهتّكة.

بقيَ علينا الحديث عن مسألة قد تُثار بشأن ملكيّة المرأة وحقّها مِن التملّك في الإسلام، وهي مسألة الإرث؛ إذ أنّ الإسلام جعَل للرجل فيه مثل حظِّ الأُنثيَين، وقد تُفسَّر هذه التفرقة لحساب الرجل.

ولكنّ الواقع أنّ هذا الفَرق مرتبطٌ بوضع الالتزامات التي وضَعها الشارع بين الرجل والمرأة، فالرجل المسلم هو المسؤول الشرعي والعُرفي لأعمال الزوجة والبيت، وهو المكلّف بتهيئةِ مؤونة العيش ومستلزمات الحياة لمَن يعول، ولهذا فإنّ من حقّه الطبيعي أنْ يختلف عن المرأة في الإرث، ويكون له من الإرث مثل حظّ الأنثيَين على العكس تماماً من المرأة المسلمة فهي غير مسؤولة شرعاً

٩٨

ولا عُرفاً عن أيّ نفقةٍ أو صرف، كما قدّمنا في هذا الفصل؛ ولذلك فلَيس في هذا أيّ هضمٍ لحقوق المرأة ولا أيّ مكسَبٍ للرجل دونها من الميراث، فهي في الحقيقة تُشاركه في الزيادة التي يأخذها باعتبار المسؤولية التي تقَع على الرجل تجاهها.

٩٩

١٠٠