المحيط الإجتماعي ، في أخلاق وعقائد الإنسان في حركة الواقع النّفسي.
وفي«الآية الثالثة» :
نجد شاهداً آخر على تأثير المحيط على أفكار وأفعال الإنسان ، وهو ما نراه في سلوك نوحعليهالسلام
، ودعاؤه على قومه الكفّار بالفناء والَمحق.
إنّ نوحاًعليهالسلام
لم ينطلق في دعائه عليهم من موقع الذات والانفعال ، بل من موقع العقل والبرهان ، فقال الله تعالى في القرآن الكريم ، على لِسان نوحٍ :(
إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً
)
.
فهم في الحال الحاضر كفّار ومنحرفون ، وفي حالة إستمرارهم في التّكاثر والتّناسل فسوف يؤثّرون على أولادهم في عمليّة الإيحاء لهم بالكفر ، ويربّوهم تربيةً منحرفةً.
ومن«الآيتين الرابعة والخامسة»
، نستوحي لزوم الهجرة من المجتمع والمحيط المنحرف ، حيث يخاطب الباري تعالى عباده في الآية الرابعة ، يقول :(
يا عِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ
)
.
وفي الآية الخامسة ، يحذّر المؤمنين من البقاء في المجتمع الغارق في الضّلالة ، ويؤكّد لهم لزوم الهجرة ، وأنّ عذرهم غير مقبول في حالة البقاء والتكاسل ، فقال :(
إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَساءَتْ مَصِيراً
)
.
وفي الحقيقة إنّ مسألة الهجرة هي من الاصول الأساسيّة في الإسلام ، وقد شيّد الإسلام دعائمه عليها ، حيث تتضمن عمليّة الهجرة ، حكمٌ وغاياتٌ عديدةٌ وأهمّها الهروب والفرار من المحيط الملّوث ، والنجاة من تأثيراته السيّئة على واقع الإنسان ومحتواه الداخلي.
وليست الهجرة مختصة بزمان صدر الإسلام ، كما يعتقد البعض ، بل هي جارية في كلّ عصرٍ وزمانٍ يتعرض فيها المسلمون لضغوط قوى الشرك والفساد والكفر ، التي تشكّل عناصر ضغطٍ على الرّوح المنفتحة على الله والخير ، وليفرّوا بدينهم وأخلاقهم وعقائدهم من أجواء المحيط الملّوث ، فجاء في الحديث عن الرسول الأكرمصلىاللهعليهوآله
:
«مَنْ فَرَّ بِدِينِهِ مِنْ أَرْضٍ إِلى أَرْضٍ وَإِنْ كانَ شِبراً مِنَ الأَرضِ إِستَوجَبَ الجَنَّةَ وَكانَ