مرآة العقول الجزء ٤

مرآة العقول0%

مرآة العقول مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 379

مرآة العقول

مؤلف: الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي ( العلامة المجلسي )
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف:

الصفحات: 379
المشاهدات: 11431
تحميل: 5015


توضيحات:

المقدمة الجزء 1 المقدمة الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20 الجزء 21 الجزء 22 الجزء 23 الجزء 24 الجزء 25 الجزء 26
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 379 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 11431 / تحميل: 5015
الحجم الحجم الحجم
مرآة العقول

مرآة العقول الجزء 4

مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
العربية

على عضده الأيمن «وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ » وإذا وقع من بطن أمه وقع واضعا يديه على الأرض رافعا رأسه إلى السماء فأما وضعه يديه على الأرض فإنه يقبض كل علم لله أنزله من السماء إلى الأرض وأما رفعه رأسه إلى السماء فإن مناديا ينادي به من بطنان العرش من قبل رب العزة من الأفق الأعلى باسمه واسم أبيه يقول يا فلان بن فلان اثبت تثبت فلعظيم ما

وسكناته.

ثم إنه لا ينافي هذا الخبر ما ورد في أخبار أخر من الكتابة على مواضع أخرى في أزمنة أخرى إذ يحتمل وقوع الجميع حقيقة ، أو تجوزا ويدل الخبر على أن المراد بالكلمة والكلمات في الآية الأئمةعليهم‌السلام كما ورد في الأخبار الكثيرة تأويلها بهم في أكثر المواضع التي وردت فيها.

وقال بعض المفسرين الكلمة هنا القرآن ، وقيل : دين الله وقيل : حجة الله ، وقيل : أخباره وأحكامه ، صدقا في الإخبار والمواعيد ، وعدلا في الأقضية والأحكام «لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ » قيل أي لا مغير لأحكامه ، أو لا نبي ولا كتاب بعد القرآن بغير أحكامه ، وهو على ما أولهعليه‌السلام في المعنى ، لا يقدر أحد على نصيب إمام آخر وعزل الإمام الذي نصبه الله سبحانه وتغييره.

« فأما وضعه » لعل تقديره فأما معنى وضعه فإنه بفتح الهمزة ، والتقدير فأما وضعه فإنه إشارة إلى أنه وقس عليه وأما رفعه ، ففي البصائر فإذا وضع يده علي الأرض فإنه يقبض وأما رفعه « من بطنان العرش » في النهاية أي من وسطه ، وقيل : من أصله وقيل : البطنان جمع بطن وهو الغامض من الأرض ، يريد من دواخل العرش من قبل رب العزة أي من جانبه والأفق بالضم وبضمتين الناحية.

« أثبت » أمر من باب نصر أي كن على علم ويقين ثابتا على الحق في جميع أقوالك وأفعالك « تثبت » جواب للأمر ، وهو إما على بناء الفاعل من التفعيل ، أي لتثبت غيرك على الحق ، أو على بناء المفعول منه أي يثبتك الله عليها ، أو على بناء المفعول من الأفعال لتثبت

٢٦١

خلقتك أنت صفوتي من خلقي وموضع سري وعيبة علمي وأميني على وحيي وخليفتي في أرضي لك ولمن تولاك أوجبت رحمتي ومنحت جناني وأحللت جواري ثم وعزتي وجلالي لأصلين من عاداك أشد عذابي وإن وسعت عليه في دنياي من سعة رزقي فإذا انقضى الصوت صوت المنادي أجابه هو واضعا يديه رافعا رأسه إلى السماء يقول «شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ » قال فإذا قال ذلك أعطاه الله العلم الأول والعلم الآخر واستحق زيارة الروح في ليلة القدر قلت جعلت فداك الروح ليس هو جبرئيل قال الروح هو أعظم من جبرئيل إن جبرئيل من الملائكة وإن الروح هو خلق أعظم من الملائكة أليس يقول الله تبارك وتعالى «تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ ».

محمد بن يحيى وأحمد بن محمد ، عن محمد بن الحسين ، عن أحمد بن الحسن ، عن المختار بن زياد ، عن محمد بن سليمان ، عن أبيه ، عن أبي بصير مثله.

إمامتك بذلك عند الناس ، والإثبات أيضا المعرفة ، أي تكن معروفا بالإمامة بين الناس.

« فلعظيم » بالتنوين وما للإبهام والتفخيم ، والصفوة مثلثة الصافي الخالص ، والعيبة ما يجعل فيها الثياب ، وهنا كناية عن موضع السر ، ومنحت أي أعطيت ، وأحللت أي جعلته حلالا وقال الجوهري : يقال صليت الرجل نارا إذا أدخلته النار ، وجعلته يصليها ، فإن ألقيته فيها إلقاء كأنك تريد الإحراق قلت أصليته بالألف وصليته تصلية ، وصلى فلان النار بالكسر يصلي صليا احترق ، انتهى.

ولعل المراد بالعلم الأول علوم الأنبياء والأوصياء السابقين ، وبالعلم الآخر علوم خاتم الأنبياء صلوات الله عليه وعليهم ، أو بالأول العلم بأحوال المبدأ وأسرار التوحيد وعلم ما مضى وما هو كائن في النشأة الأولى ، والشرائع والأحكام ، وبالآخر العلم بأحوال المعاد والجنة والنار وما بعد الموت من أحوال البرزخ وغير ذلك ، والأول أظهر ، ويؤيده ما في البصائر علم الأول وعلم الآخر ، وفي بعض الروايات علم الأول علم رسول الله وعلم الآخر علم أمير المؤمنينعليه‌السلام .

« أليس يقول الله » استدلعليه‌السلام بأن ظاهر العطف المغايرة كما مر.

٢٦٢

٢ ـ محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن موسى بن سعدان ، عن عبد الله بن القاسم ، عن الحسن بن راشد قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول إن الله تبارك وتعالى إذا أحب أن يخلق الإمام أمر ملكا فأخذ شربة من ماء تحت العرش فيسقيها أباه فمن ذلك يخلق الإمام فيمكث أربعين يوما وليلة في بطن أمه لا يسمع الصوت ثم يسمع بعد ذلك الكلام فإذا ولد بعث ذلك الملك فيكتب بين عينيه «وَتَمَّتْ كَلِمَةُ

الحديث الثاني : ضعيف. « فأخذ شربة من الماء » قيل : لعل الماء إشارة إلى مادة الغذاء الذي يكون منه النطفة ، وإنما نسبه إلى ما تحت العرش لكونه ملكوتيا عذبا طيبا من طيب إلى طيب ، والملك هو الموكل بالغذاء المبلغ له إلى كماله اللائق بحاله ، وإنما لم يسمع الصوت قبل كمال الأربعين ليلة لأنه بعد في مقام النبات لم يلجه حياة الحيوان « ثم يسمع بعد ذلك الكلام » أي الكلام النفساني الإلهامي ، ويحتمل اختصاص الإمام باستماع الكلام الحسي أيضا في بطن أمه قبل بلوغه الأوان الذي يحصل فيه السمع لسائر الناس والكتابة بين العينين كأنها كناية عن ظهور نور العلم والولاية من ناصيته ، بل من جميع جهاته وفي كل حركاته وسكناته يسعى نورهم بين أيديهم وبإيمانهم ، فلا تناقض بين الأخبار وإطلاق الكلمة على أرواح الكمل أمر شائع في عرف الكتب المنزلة والأنبياءعليهم‌السلام ، كما ورد في شأن المسيحعليه‌السلام ، ومنار النور عبارة عن حدسه وفراسته وتوسمه ، كما قال عز وجل : «إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ »(١) انتهى.

وأقول : إنكار ماء السماء مبني على الاعتقاد بقواعد الفلاسفة ، وأما المنار فسيأتي في بعض الأخبار أنه ملك ، وورد في بعضها أنه روح القدس ، وقيل : كناية عن جعله محلا للإلهامات الربانية والإفاضات السبحانية ، وقال الجوهري : المنارة موضع النور كالمنار ، والمسرجة والمأذنة ، والمنار العلم وما يوضع بين الشيئين من الحدود ومحجة الطريق.

__________________

(١) سورة الحجر : ٧٥.

٢٦٣

رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ » فإذا مضى الإمام الذي كان قبله رفع لهذا منار من نور ينظر به إلى أعمال الخلائق فبهذا يحتج الله على خلقه.

٣ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن حديد ، عن منصور بن يونس ، عن يونس بن ظبيان قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول إن الله عز وجل إذا أراد أن يخلق الإمام من الإمام بعث ملكا فأخذ شربة من ماء تحت العرش ثم أوقعها أو دفعها إلى الإمام فشربها فيمكث في الرحم أربعين يوما لا يسمع الكلام ثم يسمع الكلام بعد ذلك فإذا وضعته أمه بعث الله إليه ذلك الملك الذي أخذ الشربة فكتب على عضده الأيمن «وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ » فإذا قام بهذا الأمر رفع الله له في كل بلدة منارا ينظر به إلى أعمال العباد.

٤ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن محبوب ، عن الربيع بن محمد المسلي ، عن محمد بن مروان قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول إن الإمام ليسمع في

قولهعليه‌السلام : فبهذا يحتج الله ، أي بمثل هذا الرجل المتصف بهذه الأوصاف يحتج الله على خلقه ، ويوجب على الناس طاعته ، لا بمثل الضلال الفسقة الجهلة الذين يسميهم المخالفون أئمة وخلفاء ، أو المراد أنه لما اطلع الله الإمام على أعمال خلقه احتج به عليهم يوم القيامة ، ليكون شاهدا عليهم كما مر ، ويؤيده أن في تفسير علي بن إبراهيم فلذلك يحتج به عليهم.

الحديث الثالث : ضعيف.

« أوقفها » أي حبسها عند الإمام ليشرب « أو دفعها » الترديد من الراوي ، وقيل : المنار القرآن لأن فيه تبيان كل شيء ، وقوله : في كل بلد ، من قبيل قوله تعالى : «وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ » وقد مضى الكلام فيه.

الحديث الرابع : مجهول والمسلي بالضم نسبة إلى مسلية كمحسنة وهو أبو بطن.

٢٦٤

بطن أمه فإذا ولد خط بين كتفيه «وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ » فإذا صار الأمر إليه جعل الله له عمودا من نور يبصر به ما يعمل أهل كل بلدة.

٥ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن أحمد بن محمد بن عبد الله ، عن ابن مسعود ، عن عبد الله بن إبراهيم الجعفري قال سمعت إسحاق بن جعفر يقول سمعت أبي يقول الأوصياء إذا حملت بهم أمهاتهم أصابها فترة شبه الغشية فأقامت في ذلك يومها ذلك إن كان نهارا أو ليلتها إن كان ليلا ثم ترى في منامها رجلا يبشرها بغلام عليم حليم فتفرح لذلك ثم تنتبه من نومها فتسمع من جانبها الأيمن في جانب البيت صوتا يقول حملت بخير وتصيرين إلى خير وجئت بخير أبشري بغلام حليم عليم وتجد خفة في بدنها ثم لم تجد بعد ذلك امتناعا من جنبيها وبطنها فإذا كان لتسع من شهرها سمعت في البيت حسا شديدا فإذا كانت الليلة التي تلد فيها ظهر لها

« خط » على بناء المجهول أي كتب ، والمراد بالعمود الجنس ، أو بتأويل كل بلدة في الخبر السابق أو هذا العمود وغير تلك العمد ، فإن جهات علومهمعليهم‌السلام كثيرة.

الحديث الخامس : ضعيف

« أصابها » الضمير لكل واحدة من أمهاتهم ، والفترة الضعف والانكسار ، والشبه بالكسر وبالتحريك المشابه ، والغشية بالفتح الإغماء ، وضمير كان لمصدر أصابها. « أبشري » على بناء الأفعال أي كوني مسرورة « لم تجد » أي لا تجد بعد ذلك « من جنبيها وبطنها امتناعا » من تحمل ذلك المولود المبارك لارتفاع ثقله عنها ، وفي بعض النسخ ثم تجد بعد ذلك اتساعا والمعنى واحد.

« فإذا كان » أي الغلام « لتسع » اللام بمعنى في أي تسع ليال « من شهرها » أي شهر ولادتها ، وفي بعض النسخ من شهورها أي الشهر التاسع وعلى هذا التسعة أظهر ، والحس الصوت ، وقيل : صوت حركة من لا يرى « فإذا كانت الليلة » كأنه على

٢٦٥

في البيت نور تراه لا يراه غيرها إلا أبوه فإذا ولدته ولدته قاعدا وتفتحت له حتى يخرج متربعا يستدير بعد وقوعه إلى الأرض فلا يخطئ القبلة حيث كانت بوجهه ثم يعطس ثلاثا يشير بإصبعه بالتحميد ويقع مسرورا مختونا ورباعيتاه من فوق وأسفل

المثال ، لأن الإمام قد يولد في النهار كما هو الظاهر في الخبر الأول ، وقيل : ظهور النور في البيت للوالدين دون غيرهما عبارة عن انكشاف الأشياء التي في البيت الظلماني بدون سراج لهما ، دون غيرهما ، نظير أن الخفاش يرى في الليل الظلماني ما لا يراه في النهار والإنسان على العكس ، انتهى.

ويحتمل أن يكونا يشاهدان نورا ظاهرا لا يشاهده غيرهما كما أن النبي يرى الملك ولا يراه غيره.

« قاعدا » أي على هيئة القاعد ليس يسبق برأسه « تفتحت » على بناء التفعل ثم « يستدير ».

قيل : هذا مبني على كون وجه أمه إلى القبلة ، وكون وجهه إلى ظهر أمه فيستدير بقدر نصف الدائرة « حيث كانت بوجهه » الظرف متعلق بقوله : لا يخطئ ، أي لا يخطئ القبلة بوجهه حيث كانت القبلة ، وفي بعض النسخ حتى كانت فهو غاية للاستدارة أي يستدير حتى تصير القبلة محاذية لوجهه ، والأول أظهر.

« ثم يعطس » من باب ضرب ونصر « يشير بإصبعه بالتحميد » أي بتحميده بالإشارة أو يجمع بينهما « مسرورا » أي مقطوع السرة ، قال الجوهري سررت الصبي أسره سرا إذا قطعت سره ، والسرر بكسر السين وفتحها لغة في السر بالضم ، وهو ما تقطعه القابلة من سرة الصبي « مختونا » قيل : أي مقطوع الغلف وإن لم يسقط الغلف ، فلا ينافي ما سيأتي في كتاب العقيقة من أن الأنبياء والأوصياء من ولد إسماعيل تسقط غلفهم وبقية سرتهم في اليوم السابع بدون حاجة إلى خيط وقطع ، بخلاف إسحاق وأولاده.

٢٦٦

وناباه وضاحكاه ومن بين يديه مثل سبيكة الذهب نور ويقيم يومه وليلته تسيل يداه ذهبا وكذلك الأنبياء إذا ولدوا وإنما الأوصياء أعلاق من الأنبياء.

٦ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن حديد ، عن جميل بن دراج قال روى غير واحد من أصحابنا أنه قال لا تتكلموا في الإمام فإن الإمام يسمع الكلام وهو في بطن أمه فإذا وضعته كتب الملك بين عينيه «وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ » فإذا قام بالأمر رفع له في كل بلدة منار ينظر منه إلى أعمال العباد.

والرباعية كثمانية السن التي بين الثنية والناب ، وهو بين الرباعية والضاحك ، وتقدير الكلام ومعه رباعيتاه أو نابتة ، وكان نبات خصوص تلك لمزيد مدخليتها في الجمال ، وعدم نبات الثنايا لمزيد إضرارها بثدي الأم ، ويحتمل أن يكون المراد نبات كل الأسنان والتخصيص بالذكر على المثال لما ذكر « مثل سبيكة الذهب » أي نور أصفر أو أحمر شبيه بها وسيلان الذهب عن يديه أيضا كناية عن إضاءتهما ولمعانهما وبريقهما ، وسطوع النور الأصفر منهما « وكذلك الأنبياء » إشارة إلى الأوصاف التي ذكرت من أول الحديث إلى هنا ، قيل : فالظاهر استثناء إسحاق وأولاده فإنهم لم يكونوا مسرورين مختونين ، ويمكن كونه إشارة إلى ما ذكر بعد الوصفين فلا حاجة إلى استثناء ، والأعلاق جمع علق بالكسر وهو النفيس من كل شيء أي أشرف أولادهم ، أو خلقوا من أشرف أجزائهم وطينهم ، أو هم أشرف شيء اختاروه لأممهم.

الحديث السادس : ضعيف.

« لا تكلموا في الإمام » أي في نصبه وتعيينه بآرائكم أو في نعته وتوصيفه ، لأن أمره أرفع مما يصل إليه عقولكم وأحلامكم وفي البصائر : وهو جنين في بطن أمه أي فضلا عن أن يكون مولودا « ينظر منه » من للسببية وفي البصائر : رفع الله له في كل بلد منارا ينظر به إلى أعمال الخلائق.

٢٦٧

٧ ـ علي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى بن عبيد قال كنت أنا وابن فضال جلوسا إذ أقبل يونس فقال دخلت على أبي الحسن الرضاعليه‌السلام فقلت له جعلت فداك قد أكثر الناس في العمود قال فقال لي يا يونس ما تراه أتراه عمودا من حديد يرفع لصاحبك قال قلت ما أدري قال لكنه ملك موكل بكل بلدة يرفع الله به أعمال تلك البلدة قال فقام ابن فضال فقبل رأسه وقال رحمك الله يا أبا محمد لا تزال تجيء بالحديث الحق الذي يفرج الله به عنا.

٨ ـ علي بن محمد ، عن بعض أصحابنا ، عن ابن أبي عمير ، عن حريز ، عن زرارة ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال للإمام عشر علامات يولد مطهرا مختونا وإذا وقع

الحديث السابع : صحيح ، وابن فضال هو الحسن بن علي ، ويونس هو ابن عبد الرحمن.

و « جلوس » جمع جالس استعمل في الاثنين « قد أكثر الناس » أي القول أو الاختلاف « في العمود » أي في معنى العمود المذكور في الأخبار أنه يرفع للإمام ، وتسمية الملك عمودا على الاستعارة ، كأنه عمود نور ينظر فيه الإمام أو لأن اعتماده في كشف الأمور عليه « يا أبا محمد » كنية ليونس « يفرج الله » أي الغم والكرب والحيرة.

الحديث الثامن : مرسل « يولد مطهرا مختونا » ، الظاهر أن المختون تفسير للمطهر ، فإن إطلاق التطهير على الختان شائع ، والكليني عنون باب الختان بالتطهير. وروي عن الصادقعليه‌السلام قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : طهروا أولادكم يوم السابع فإنه أطيب وأطهر وأسرع لنبات اللحم ، وإن الأرض تنجس من بول الأغلف أربعين صباحا.

وعنهمعليهم‌السلام : اختنوا أولادكم يوم السابع يطهروا و ، منهم من حمل التطهر هنا على سقوط السرة ليكون قوله مختونا تأسيسا.

أقول : ويحتمل أن يكون المراد بالتطهر عدم التلوث بالدم والكثافات ، وعلى

٢٦٨

على الأرض وقع على راحته رافعا صوته بالشهادتين ولا يجنب وتنام عيناه ولا ينام قلبه ولا يتثاءب ولا يتمطى ويرى من خلفه كما يرى من أمامه ونجوه كرائحة

الأخيرين عدا علامة واحدة لتشابههما ورجوعهما إلى معنى واحد ، هو تطهره عما ينبغي تطهيره عنه.

« وإذا وقع » هي الثانية ، والراحة بطن الكف « ولا يجنب » هي الثالثة.

قال الشهيد الثانيقدس‌سره : أي ولا يحتلم إذ من خواص الإمام أنه لا يحتلم كما صرح به في بعض الأخبار ، ويمكن حمله على ظاهره لا بمعنى أنه لا يجب الغسل بل بمعنى أنه لا يلحقه خبث الجنابة ، انتهى.

أقول : ويؤيد الأول أنه روي عن الرضاعليه‌السلام مثل هذا الخبر ، وفيه مكان : لا يجنب لا يحتلم ، وفي كشف الغمة : أنه كتب محمد بن الأقرع إلى أبي محمدعليه‌السلام يسأله عن الإمام هل يحتلم؟ فورد الجواب : الأئمة حالهم في المنام حالهم في اليقظة ، لا يغير النوم منهم شيئا ، وقد أعاذ الله أولياءه من لمة الشيطان ، ويؤيد الثاني ما ورد في أخبار كثيرة أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما سد الأبواب عن المسجد وفتح باب عليعليه‌السلام قال لا يحل لأحد أن يقرب النساء في مسجدي ولا بيت فيه جنب إلا على وذريته.

وعن الرضاعليه‌السلام قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا يحل لأحد أن يجنب في هذا المسجد إلا أنا وعلى وفاطمة والحسن والحسين ، ومن كان من أهلي فإنه مني.

وفي رواية أخرى عنهعليه‌السلام قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ألا إن هذا المسجد لا يحل لجنب إلا لمحمد وآله.

« وتنام عينه » هي الرابعة أي لا يرى الأشياء في النوم ببصره ولكن يراه ويعلمه بقلبه ، ولا يغير النوم منه شيئا كما مر ، والتثأب مهموزا من باب التفعل كسل يتفتح الفم عنده ولا يسمع صاحبه حينئذ صوتا ، والتمطي التمدد باليدين طبعا وهنا من الشيطان وعدهما معا الخامسة لتشابههما في الأسباب.

« ويرى من خلفه » هي السادسة ، ويمكن أن يقرأ من في الموضعين بالكسر

٢٦٩

المسك والأرض موكلة بستره وابتلاعه وإذا لبس درع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كانت عليه

حرف جر ، وبالفتح اسم موصول ، وعلى الأول مفعول يرى محذوف أي الأشياء ، والظاهر أن الرؤية في الأول بمعنى العلم ، فإن الرؤية الحقيقية لا يكون إلا بشرائطها ، وما قيل : من أن الرؤية بمعنى العلم يتعدى إلى مفعولين والرؤية بالعين يتعدى إلى مفعول واحد ، وهنا تعدي إلى مفعول واحد؟ فهو إذا استعمل في العلم حقيقة ، وأما إذا استعمل في الرؤية بالعين ثم أستعير للعلم للدلالة على غاية الظهور والانكشاف فيتعدى إلى مفعول واحد ، كما مر من قول أمير المؤمنينعليه‌السلام لم أكن لا عبد ربا لم أره ، ثم قال : لم تره العيون بمشاهدة الأبصار ولكن رأته القلوب بحقائق الإيمان ، وأمثال ذلك كثيرة.

وما قيل : من أن الله تعالى خلق له إدراكا في القفا كما يخلق النطق في اليد والرجل في الآخرة ، أو أنه كان ينعكس شعاع بصره إذا وقع على ما يقابله كالمرآة فهما تكلفان مستغنى عنهما ، والقول بأن يدرك بالعين ما ليس بمقابل لهما من باب خرق العادة بناء على أن شروط الإبصار إنما هي بحسب العادة فيجوز أن تنخرق فيخلق الله الإبصار في غير العين من الأعضاء فيرى المرئي ويرى بالعين ما لا يقابله فهو إنما يستقيم على أصول الأشاعرة المجوزين للرؤية على الله سبحانه ، وأما على أصول المعتزلة والإمامية فلا يجري هذا الاحتمال ، والله أعلم بحقيقة الحال.

قال الصدوقرضي‌الله‌عنه في كتاب الخصال : وأما رؤيته من خلفه كما يرى من بين يديه فذلك بما أوتي من التوسم والتفرس في الأشياء ، قال الله عز وجل «إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ »(١) .

والسابعة قولهعليه‌السلام : ونجوه كرائحة المسك ، والنجو الغائط ، وفيه تقدير مضاف : أي ورائحة نجوه ، والثامنة : « والأرض موكلة » ويمكن عده مع السابق علامة واحدة ، وعد التثأب ، والتمطي والمطهر والمختون على بعض الاحتمالات اثنتين.

« وإذا لبس » هي التاسعة « وفقا » أي موافقا والظاهر أن المراد بالدرع غير

__________________

(١) سورة الحجر : ٧٥.

٢٧٠

وفقا وإذا لبسها غيره من الناس طويلهم وقصيرهم زادت عليه شبرا وهو محدث إلى أن تنقضي أيامه.

باب

خلق أبدان الأئمة وأرواحهم وقلوبهمعليهم‌السلام

١ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن أبي يحيى الواسطي ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إن الله خلقنا من عليين وخلق أرواحنا من فوق ذلك وخلق أرواح شيعتنا من عليين وخلق أجسادهم من دون ذلك فمن أجل ذلك

ذات الفضول التي استواؤها من علامات القائمعليه‌السلام كما مر ، أو المعنى أن هذه العشر علامات للأئمةعليهم‌السلام ، وإن كان بعضها مختصا ببعضهم ، والأول أظهر « وهو محدث » هي العاشرة أي يحدثه الملك كما مر تحقيقه.

باب خلق أبدان الأئمة وأرواحهم وقلوبهمعليهم‌السلام

الحديث الأول : مجهول.

« إن الله خلقنا » أي أبداننا « من عليين » العلي بكسر العين واللام المشددة وتشديد الياء مبالغة في العالي ، وقيل : عليون اسم للسماء السابعة ، وقيل : اسم لديوان الملائكة الحفظة ترفع إليه أعمال الصالحين من العباد ، وقيل : أعلى الأمكنة وأشرف المراتب ، وأقربها من الله تعالى ، وكان الأخير هنا أنسب.

« من فوق ذلك » أي أعلى عليين « من دون ذلك » أي أدنى عليين « فمن أجل ذلك » أي من أجل كون أبداننا وأرواحنا مخلوقة من عليين وكون أرواحهم وأجسادهم أيضا مخلوقة من عليين ، ويحتمل أن يكون من فوق ذلك أي من مكان أرفع من عليين ، ومن دون ذلك أي مكان أسفل من عليين ، فالقرابة من حيث كون أرواحنا وأبدانهم من عليين ، والقرابة مبتدأ والظرف المقدم خبره ، وبيننا متعلق بالقرابة « تحن » أي تهوي كما قال تعالى «فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ »(١) قال

__________________

(١) سورة إبراهيم : ٣٧.

٢٧١

القرابة بيننا وبينهم وقلوبهم تحن إلينا.

٢ ـ أحمد بن محمد ، عن محمد بن الحسن ، عن محمد بن عيسى بن عبيد ، عن محمد بن شعيب ، عن عمران بن إسحاق الزعفراني ، عن محمد بن مروان ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال سمعته يقول إن الله خلقنا من نور عظمته ثم صور خلقنا من طينة مخزونة مكنونة من تحت العرش فأسكن ذلك النور فيه فكنا نحن خلقا وبشرا نورانيين

الجوهري : الحنين : الشوق وتوقان النفس ، تقول منه حن إليه يحن حنينا فهو حان ، وفي البصائر : ومن أجل تلك القرابة بيننا وبينهم قلوبهم تحن ، وقيل : كان المراد بالعليين عالم الملكوت وما فوقه عالم الجبروت ، وبما دونه عالم الشهادة ، « فمن أجل ذلك » يعني من أجل أن أصل أجسادنا وأرواحهم واحد ، وإنما نسب أجسادهم إلى عليين لعدم علاقتهمعليهم‌السلام إلى هذه الأبدان الحسية ، فكأنهم بعد في هذه الجلابيب قد نفضوها وتجردوا عنها.

الحديث الثاني : مجهول.

« إن الله خلقنا » أي أرواحنا ، والضمير لمحمد وأوصيائه صلوات الله عليهم « من نور عظمته » أي من نور يدل على كمال عظمته وقدرته « ثم صور خلقنا » الناظرون في الخبر فسروا تصوير الخلق بخلق الأبدان الأصلية ، والذي أظنه أن المراد به أنه خلق لهم أجسادا مثالية شبيهة بالأجساد الأصلية فهي صور خلقهم ومثاله ، فيدل على أن لهمعليهم‌السلام أجسادا مثالية قبل تعلق أرواحهم المقدسة بأجسادهم المطهرة وبعد مفارقتها إياها بل معها أيضا كما أن لنا بعد موتنا أجسادا مثالية تتعلق بها أرواحنا كما سيأتي في كتاب الجنائز ، وبه ينحل كثير من الشبه الواردة على الأخبار.

ويدل عليه قوله : فكنا خلقا وبشرا نورانيين فالخلق للروح والبشر للجسد المثالي فإنه في صورة البشر ، وكونهما نورانيين بناء على كونهما جسمين لطيفين منورين من عالم الملكوت ، بناء على كون الروح جسما وعلى القول بتجرده

٢٧٢

لم يجعل لأحد في مثل الذي خلقنا منه نصيبا وخلق أرواح شيعتنا من طينتنا وأبدانهم من طينة مخزونة مكنونة أسفل من ذلك الطينة ولم يجعل الله لأحد في مثل الذي خلقهم منه نصيبا إلا للأنبياء ولذلك صرنا نحن وهم الناس وصارسائرالناس همج للنار وإلى النار.

٣ ـ علي بن إبراهيم ، عن علي بن حسان ومحمد بن يحيى ، عن سلمة بن

كناية عن خلوه عن الظلمة الهيولانية ، وقبوله للأنوار القدسية والإفاضات الربانية.

« في مثل الذي خلقنا » أي خلق أرواحنا منه « من طينتنا » أي طينة أجسادنا ، وقال بعض الأفاضل : تعلق التصوير بالأبدان دون الأرواح مع كون الأرواح أيضا أجساما مبني على أن الأبدان مرئية للناس بخلاف الأرواح ، فإنها كالملائكة وكالجن ، والطينة : المادة ، وقوله : من تحت ، بدل من طينة وتحت العرش عبارة عن العليين ، والعرش هنا عبارة من أعلى عليين.

وقوله : « فأسكن » مبني على أن الأرواح أجسام « ذلك النور » أي المخلوق من نور عظمته « فيه » أي في خلقنا « فكنا » خبر مقدم « ونحن » مبتدأ « وخلقا » منصوب بالاختصاص ، والبشر الإنسان يستوي فيه الواحد والجمع والنوراني نسبة إلى النور بزيادة الألف والنون للمبالغة ، وقوله : لم يجعل ، استئناف بياني ، انتهى.

ويدل على فضلهم على الأنبياءعليهم‌السلام ، بل يومئ إلى مساواة شيعتهم لهم ، والمراد بالناس أولا الناس بحقيقة الإنسانية ، وثانيا ما يطلق عليه الإنسان في العرف العام ، والهمج محركة ذباب صغير كالبعوض يسقط على وجوه الغنم والحمير ، ولعلهعليه‌السلام شبههم به لازدحامهم دفعة على كل ناعق ، ورواحهم عنه بأدنى سبب ، وفي أكثر النسخ همج بتقدير ضمير الشأن وفي البصائر وفي بعض نسخ الكتاب همجا وهو أصوب « للنار » أي خلقوا للنار ، واللام للعاقبة « وإلى النار » أي مصيرهم إليها.

الحديث الثالث : مرفوع ، وآخره مجهول لرواية ابن رئاب عن أبي الحسنعليه‌السلام واشتراك علي بن حسان ، وقيل : ضمير قال أولا في قوله : قال قال ، لأبي الحسن

٢٧٣

الخطاب وغيره ، عن علي بن حسان ، عن علي بن عطية ، عن علي بن رئاب رفعه إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام قال قال أمير المؤمنينعليه‌السلام إن لله نهرا دون عرشه ودون النهر الذي دون عرشه نور نوره وإن في حافتي النهر روحين مخلوقين روح القدس وروح من أمره وإن لله عشر طينات خمسة من الجنة وخمسة من الأرض ففسر الجنان وفسر الأرض ثم قال ما من نبي ولا ملك من بعده جبله إلا نفخ فيه من

أي الكاظمعليه‌السلام ، والظاهر عوده إلى ابن رئاب.

« دون عرشه » أي عنده و « نوره » ماضي باب التفعيل ، والمستتر فيه راجع إلى النور ، والبارز إلى النهر أو العرش ، أو المستتر راجع إلى الله ، والبارز إلى النور مبالغة في إضاءته ولمعانه ، وفي البصائر نور من نوره وكأنه أصوب ، أي من الأنوار التي خلقها الله سبحانه ، وحافتا النهر بتخفيف الفاء جانباه.

« مخلوقين » إبطال لقول النصارى : إن عيسى روح الله غير مخلوق « روح القدس » أي هما روح القدس « وروح من أمره » أي الروح الذي قال الله فيه : «وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي »(١) فقيل : المسؤول عنه الروح الذي في بدن الإنسان فأبهم الأمر عليهم بأنه من أموره العجيبة ولم يبين لهم حقيقته ، لأنهم لم يكونوا قابلين لفهمها ، وقيل : سألوه عن الروح أي مخلوقة محدثة أم ليست كذلك؟ فأجاب سبحانه بأنه من أمره أي فعله وخلقه ، فعلى هذا الوجه يحتمل أن يكون المراد بالروح الروح الإنساني أو جبرئيل أو ملك من الملائكة أو خلق أعظم من الملائكة كما دلت عليه أخبارنا ، وقيل : الروح هو القرآن ، وظاهر الخبر إما الروح الإنساني أو الروح الذي يؤيد الله به الأئمةعليهم‌السلام كما مر في بابه.

« ففسر الجنان » الظاهر أنه كلام ابن رئاب ، والضمير المستتر لأمير المؤمنينعليه‌السلام وقيل : لأبي الحسنعليه‌السلام والتفسير إشارة إلى ما سيأتي في خبر أبي الصامت « ثم قال » أي أمير المؤمنينعليه‌السلام « ولا ملك » بالتحريك وقد يقرأ بكسر اللام أي إمام كما

__________________

(١) سورة الإسراء : ٨٥.

٢٧٤

إحدى الروحين وجعل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من إحدى الطينتين قلت لأبي الحسن الأولعليه‌السلام ما الجبل فقال الخلق غيرنا أهل البيت فإن الله عز وجل خلقنا من العشر

قال تعالى : «وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً »(١) وهو بعيد.

وجملة « من بعده جبله » نعت ملك ، وضمير بعده للنبي وضمير جبله للملك إشارة إلى أن النبي أفضل من الملك ، فالمراد بالبعدية ما هي بحسب الرتبة ، وإرجاع ضمير بعده إلى الله كما توهم بعيد ، وفي البصائر : ولا ملك إلا ومن بعد جبله نفخ.

« وجعل النبي » إنما لم يذكر الملك هنا لذكره سابقا ، وقوله : « ما الجبل » هو بفتح الجيم وسكون الباء سؤال عن مصدر الفعل المتقدم ، وهو كلام ابن رئاب ففسرهعليه‌السلام بالخلق ، قال الفيروزآبادي : الجبلة مثلثة ، ومحركة وكطمرة الخلقة والطبيعة ، وككتاب الجسد والبدن ، وجبلهم الله يجبل ويجبل خلقهم ، وعلى الشيء طبعه وجبره كأجبله ، انتهى.

والأظهر عندي : أن « غيرنا » تتمة للكلام السابق على الاستثناء المنقطع ، وإنما اعترض السؤال والجواب بين الكلام قبل تمامه ، لا تتمة لتفسير الجبل كما توهمه الأكثر ، قال الشيخ البهائي (ره) يعني مادة بدننا لا تسمى جبلة بل طينة ، لأنها خلقت من العشر طينات.

وقال المحدث الأسترآبادي (ره) : توضيح المقام أن كل نبي وكل ملك خلقه الله تعالى جعل فيه إحدى الروحين ، وجعل جسد كل نبي من إحدى الطينتين ، ولم يذكر الملك هنا لأنه ليس للملك جسد مثل جسد الإنسان ، وقوله : ما الجبل بسكون الباء سؤال عن مصدر الفعل المتقدم ، وقوله : الخلق جواب له ، وحاصله أن مصداق الجبل في الكلام المتقدم خلق غيرنا أهل البيت ، لأن الله خلق طينتنا من عشر طينات ، ولأجل ذلك شيعتنا منتشرة في الأرضين والسماوات وجبل فينا

__________________

(١) سورة النساء : ٥٤.

٢٧٥

طينات ونفخ فينا من الروحين جميعا فأطيب بها طيبا.

وروى غيره عن أبي الصامت قال طين الجنان جنة عدن وجنة المأوى وجنة النعيم والفردوس والخلد وطين الأرض مكة والمدينة والكوفة وبيت المقدس والحائر.

الروحين جميعا « فأطيب بها » صيغة التعجب والله يعلم ويعلم خلق نبيناصلى‌الله‌عليه‌وآله من ذلك بطريق الأولوية ، ولا تغفل من أن المراد بيان خلق الأشرار ، فطينتهم وخلقهم غير ذلك ، انتهى.

« وطيبا » منصوب على الاختصاص وفي بعض نسخ البصائر طينا بالنون ، فالنصب على التميز ، أي ما أطيبها من طينة.

« وروى غيره » كأنه علي بن عطية ، ويحتمل بعض أصحاب الكتب قبله ، وليس كلام الكليني لأنه في البصائر أيضا هكذا ، وضمير غيره لابن رئاب وأبو الصامت راوي الباقر والصادقعليهما‌السلام ، والظاهر أنه رواه عن أحدهما « جنة عدن » أي جنة إقامة ، في النهاية الجنة من الاجتنان وهو الستر لتكاثف أشجارها وتظليلها بالتفاف أغصانها ، وجنة المأوى لرجوع المؤمنين إليها ونزولهم فيها ، والنعيم عطف على المأوى ، أي وجنة النعيم لاشتمالها على النعمة الدائمة الغير المتناهية ، والفردوس اسم البستان الذي فيه الكرم والأشجار ، وفي الصحاح : الفردوس حديقة في الجنة والخلد دوام البقاء.

والكوفة مشهد أمير المؤمنينعليه‌السلام ، والحيرة حائر الحسينعليه‌السلام ، وقال بعض المحققين : كأنهعليه‌السلام شبه علم الأنبياءعليهم‌السلام بالنهر لمناسبة ما بينهما في كون أحدهما مادة حياة الروح والآخر مادة حياة الجسم ، وعبر عنه بالنور لإضائته ، وعبر عن علم من دونهم من العلماء بنور النور لأنه من شعاع ذلك النور ، وكما أن حافتي النهر يحفظان الماء في النهر ويحيطان به فيجري إلى مستقره كذلك الروحان يحفظان العلم ويحيطان به ليجري إلى مستقره ، وهو قلب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أو الوصي ، والطينات الجنانية كأنها من الملكوت ، والأرضية من الملك ، فإن

٢٧٦

٤ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن خالد ، عن أبي نهشل قال حدثني محمد بن إسماعيل ، عن أبي حمزة الثمالي قال سمعت أبا جعفرعليه‌السلام يقول إن الله خلقنا من أعلى عليين ـ وخلق قلوب شيعتنا مما خلقنا وخلق أبدانهم من دون ذلك فقلوبهم تهوي إلينا لأنها خلقت مما خلقنا ثم تلا هذه الآية «كَلاَّ إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ .وَما أَدْراكَ ما عِلِّيُّونَ .كِتابٌ مَرْقُومٌ .يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ »(١) وخلق عدونا من سجين وخلق قلوب شيعتهم مما خلقهم منه

من مزجها خلق أبدان نبينا والأوصياءعليهم‌السلام من أهل البيت ، بخلاف سائر الأنبياء والملائكة فإنهم خلقوا من إحدى الطينتين كما أن لهم أحد الروحين خاصة ، من بعده جبله ، أي خلقه دون مرتبته ، انتهى.

وهذه الكلمات مبنية على الأصول المقررة عنده ، وهو أعلم بما قال.

الحديث الرابع : مجهول.

« خلقنا » أي قلوبنا « مما خلقنا » أي أبداننا منه ، وفيه اختصار كما يظهر من ملاحظة ما مر ، ويحتمل أن يكون المراد خلق أبداننا من أعلى عليين وخلق قلوب شيعتنا مما خلق أبداننا منه ، وهو أظهر.

واعلم أن المفسرين اختلفوا في تفسير عليين فقيل : هي مراتب عالية محفوفة بالجلالة ، وقيل : السماء السابعة ، وقيل : سدرة المنتهى ، وقيل : الجنة ، وقيل : لوح من زبرجد أخضر معلق تحت العرش أعمالهم مكتوبة فيه ، وقال الفراء : أي في ارتفاع بعد ارتفاع لا غاية له ، فالمعنى أن كتابة أعمالهم أو ما يكتب منها في عليين أي في دفتر أعمالهم أو المراد أن دفتر أعمالهم في تلك الأمكنة الشريفة ، وعلى الأخير فيه حذف مضاف أي ما أدراك ما كتاب عليين ، هذا ما قيل في الآية الكريمة ، وأما استشهادهعليه‌السلام بها فهو إما لمناسبة كون كتاب أعمالهم في مكان أخذ منهم طينتهم ، أو هو مبني على كون المراد بكتابهم أرواحهم إذ هي محل لارتسام علومهم « وخلق عدونا من سجيل » كذا في أكثر النسخ باللام ، والظاهر سجين بالنون كما في بعض النسخ هنا ،

__________________

(١) سورة المطففين : ١٨ ـ ٢١.

٢٧٧

وأبدانهم من دون ذلك فقلوبهم تهوي إليهم لأنها خلقت مما خلقوا منه ثم تلا هذه الآية : «كَلاَّ إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ .وَما أَدْراكَ ما سِجِّينٌ .كِتابٌ مَرْقُومٌ »(١)

باب

التسليم وفضل المسلمين

١ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن ابن سنان ، عن ابن مسكان ، عن سدير قال قلت لأبي جعفرعليه‌السلام إني تركت مواليك مختلفين يتبرأ بعضهم من بعض قال فقال وما أنت وذاك إنما كلف الناس ثلاثة معرفة الأئمة والتسليم لهم فيما ورد عليهم والرد إليهم فيما اختلفوا فيه.

وفي نسخ البصائر ، وفي ما سيأتي في كتاب الإيمان والكفر أيضا بهذا السند ، والاستشهاد بالآية أيضا لا يستقيم إلا عليه واختلفوا في تفسير السجين أيضا فقيل : الأرض السابعة ، وقيل : أسفل منها ، وقيل : جب في جهنم ، وفي الصحاح سجين موضع فيه كتاب الفجار ، وقال ابن عباس : ودواوينهم ، قال أبو عبيدة : هو فعيل من السجن كالفسيق من الفسق ، ووجه الاستشهاد بالآية ما مر.

باب التسليم وفضل المسلمين

الحديث الأول : ضعيف بل مختلف فيه ، حسن عندنا.

« إني تركت مواليك » أي بالكوفة « مختلفين » أي في الفتاوى « ما أنت وذاك » الاستفهام للتوبيخ والإنكار والواو بمعنى مع ، والضمير المجرور في « عليهم » للناس وفي « لهم » و « إليهم » للأئمة ، والمعنى أنه لا يضرك اختلافهم ، ولا ينبغي لك التعرض لهم ، والتسليم هو الانقياد التام فيما يصدر عنهمعليهم‌السلام قولا وفعلا ، وعدم الاعتراض عليهم في قيامهم بالأمر وقعودهم عنه ، وظهورهم وغيبتهم ، وما يصدر عنهم من الأحكام وغيرها على وجه التقية أو المصلحة أو غيرهما ، والرد إليهم استعلام الأمر منهم عند

__________________

(١) سورة المطففين : ٧ ـ ٩.

٢٧٨

٢ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد البرقي ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، عن حماد بن عثمان ، عن عبد الله الكاهلي قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام لو أن قوما عبدوا الله وحده لا شريك له وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وحجوا البيت وصاموا شهر رمضان ثم قالوا لشيء صنعه الله أو صنعه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ألا صنع خلاف الذي صنع أو وجدوا ذلك في قلوبهم لكانوا بذلك مشركين ثم تلا هذه الآية : «فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ

حضورهم ، أو العرض على سائر ما ورد عنهم من الأمور القطعية والقواعد الكلية التي بينوها في الجمع بين الأخبار المتعارضة عند غيبتهم ، أورد علمه إليهم مع صعوبته على الأفهام ، بأن يقال لا نفهمه وإن كان هذا منهم فهو حق وهم أعلم بما قالوا ، ولا يبادر إلى رده ونفيه ، وقد صرح بجميع ذلك في الأخبار ، وقد قال لله تعالى : «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ »(١) والرد إليهم رد إلى الرسول ، لأن قولهم قوله وحكمهم حكمه ، مع أنه يظهر من الأخبار أن قوله : وإلى أولي الأمر منكم ، موجود في الأخير أيضا.

الحديث الثاني : حسن.

« أو وجدوا ذلك في قلوبهم » بأن شكوا في كونه على جهة الحكمة والمصلحة ، فالشرك محمول على ظاهره ، أو ثقل على طبعهم وإن حكموا بكونه حقا وموافقا للحكمة فالشرك في مقابلة التوحيد الخالص الذي هو كمال الإيمان «فَلا وَرَبِّكَ » أي فو ربك ولا مزيدة لتأكيد القسم أو النفي الآتي تأكيد له «لا يُؤْمِنُونَ » أي لا يتصفون بالإيمان «حَتَّى يُحَكِّمُوكَ » ويجعلوك حاكما «فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ » أي فيما اختلف بينهم واختلط ، ومنه الشجر لتداخل أغصانه «حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ » أي ضيقا مما حكمت به

__________________

(١) سورة النساء : ٥٩.

٢٧٩

وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً »(١) ثم قال أبو عبد اللهعليه‌السلام عليكم بالتسليم.

٣ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن حماد بن عيسى ، عن الحسين بن المختار ، عن زيد الشحام ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قلت له إن عندنا رجلا يقال له كليب فلا يجيء عنكم شيء إلا قال أنا أسلم فسميناه كليب تسليم قال فترحم عليه ثم قال أتدرون ما التسليم فسكتنا فقال هو والله الإخبات قول الله عز وجل : «الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَأَخْبَتُوا إِلى رَبِّهِمْ »(٢)

أو من حكمك أو شكا من أجله ، فإن الشاك في ضيق من أمره «وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً » أي ينقادوا لك انقيادا بظاهرهم وباطنهم.

قال المحقق الطوسي (ره) : قوله : ثم لا يجدوا ، إشارة إلى مرتبة الرضا ، وقوله : ويسلموا ، إلى مرتبة التسليم وهي فوق الرضا.

الحديث الثالث : موثق.

« وكليب » بصيغة التصغير « أسلم » بصيغة المتكلم من باب التفعيل « فترحم عليه » أي قالرحمه‌الله ، والإخبات الخشوع في الظاهر والباطن ، والتواضع بالقلب والجوارح ، والطاعة في السر والعلن من الخبت وهي الأرض المطمئنة ، قال الراغب : الخبت المطمئن من الأرض ، وأخبت الرجل قصد الخبت أو نزله ، نحو أسهل وأنجد ، ثم استعمل الإخبات في استعمال اللين والتواضع ، قال عز وجل : «وَأَخْبَتُوا إِلى رَبِّهِمْ »(٣) وقال تعالى : «وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ »(٤) أي المتواضعين نحو «لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ »(٥) وقوله تعالى : «فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ »(٦) أي تلين وتخشع ، انتهى.

« وقول الله » خبر مبتدإ محذوف ، أي هو قول الله ، أو مبتدأ خبره محذوف ، أي قول الله من ذلك.

__________________

(١) سورة النساء : ٦٨.

(٢) سورة هود : ٢٥.

(٣) سورة هود : ٢٣.

(٤) سورة الحج : ٢٢.

(٥) سورة الأعراف : ٢٠٦.

(٦) سورة الحج : ٥٤.

٢٨٠