مرآة العقول الجزء ٤

مرآة العقول0%

مرآة العقول مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 379

مرآة العقول

مؤلف: الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي ( العلامة المجلسي )
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف:

الصفحات: 379
المشاهدات: 11553
تحميل: 5087


توضيحات:

المقدمة الجزء 1 المقدمة الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20 الجزء 21 الجزء 22 الجزء 23 الجزء 24 الجزء 25 الجزء 26
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 379 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 11553 / تحميل: 5087
الحجم الحجم الحجم
مرآة العقول

مرآة العقول الجزء 4

مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
العربية

وأنساهم ذلك ثم أطلق الله لسانهم ببعض الحق فهم ينطقون به و «قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ » ليكون ذلك دفعا عن أوليائه وأهل طاعته ولو لا ذلك ما عبد الله في أرضه فأمرنا بالكف عنهم والستر والكتمان فاكتموا عمن أمر الله بالكف عنه واستروا عمن أمر الله بالستر

وفي رياض الجنان وأمرنا أن نبلغهم ذلك فبلغناه فاشمأزت قلوبهم منه ونفروا عنه ، وهنا : ونفرت قلوبهم عطف تفسير لاشمأزوا وردوه علينا ، ولو كانوا ردوه إليهم لكان خيرا لهم ولكن لسوء طينتهم ردوه عليهم وكذبوا به و «فَقالُوا ساحِرٌ كَذَّابٌ » قيل أي عالم بالغرائب التي لا نعلمها نحن ويروج بها كذبه.

« فطبع الله » أي ختم كناية عن الخذلان ، وقال المحدث الأسترآباديرحمه‌الله : صريح في أن إضلال الله بعض عباده من باب المجازات لا ابتداء كما زعمته الأشاعرة ، انتهى.

« وأنساهم ذلك » أي إنكارهم للحق أو تنافي ما يذكرونه ويروونه لما يظهرون من معتقدهم « ثم أطلق الله » أي أجرى على لسانهم بعض الحق كما رواه محدثو المخالفين من الأخبار الدالة على إمامة أمير المؤمنينعليه‌السلام وعدم قابلية خلفائهم الضالين للخلافة واعترافهم بكون أمير المؤمنينعليه‌السلام أفضل وأعلم وأشجع وأعبد وأورع ممن قدموه عليه وأمثال ذلك مما احتجت الشيعة عليهم أخذا من كتبهم المعتبرة « ليكون ذلك » أي إطلاق ألسنتهم ببعض الحق دفعا عن أوليائه شبه المخالفين وتشنيعهم وإفراط جدالهم ، وقال بعض المحققين : نبه بذلك على أنهم لو كانوا ذاكرين لما سمعوه منهمعليهم‌السلام لما نطقوا به أبدا لفرط عنادهم لهمعليهم‌السلام وبغضهم إياهم ولكنهم لما أنساهم الله ذلك نطقوا ببعضه من طريق آخر بإنطاق الله إياهم وإطلاق لسانهم به لحكمة له سبحانه في ذلك ، وهو الدفع عن أوليائه فإنهم إذا كانوا شركاء لهم في النطق به فلا يسعهم الأذى بهم بسببه.

« ليكون ذلك » أي ليكون نطقهم ببعض الحق لا إنكارهم بقلوبهم فإنها جملة معترضة وإنما كانت قلوبهم منكرة لأهل هذا العلم والسر بأعيانهم حسدا منهم عليهم

٣٢١

والكتمان عنه قال ثم رفع يده وبكى وقال اللهم «إِنَّ هؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ » فاجعل محيانا محياهم ومماتنا مماتهم ولا تسلط عليهم عدوا لك فتفجعنا بهم فإنك إن أفجعتنا بهم لم تعبد أبدا في أرضك وصلى الله على محمد وآله وسلم تسليما.

وعداوة لهم ، وليست منكرة للعلم نفسه ، ولهذا ينطقون ببعضه ، وهذا مثل طائفة من أهل الخلاف والناطقين ببعض الأسرار الإلهية المنكرين لفضل أهل البيت الجاهلين لعلومهم ورتبتهم ، وربما يوجد فيهم من يظن بنفسه أنه خير منهم وأعلم وأكمل. فأمروناعليهم‌السلام بالكف عنهم وستر ما أمرهم.

« أن هؤلاء » أي الشيعة القابلين لأمرهم ، المسلمين لهم ، والشر ذمة بالكسر القليل من الناس « فاجعل محيانا محياهم » أي صير محياهم كمحيانا ، والمحيا مصدر ميمي ، وقيل : أي ما نحيا عليه من الإيمان والعمل الصالح ، وكذا الممات مصدر ميمي ، وقيل : ما نموت عليه من لقاء الله ورضوانه ، والمعنى صير مماتهم كمماتنا ويحتمل على بعد أن يكون المعنى اجعلهم بحيث يعدون حياتهم في حياتنا ، وموتهم في موتنا ، والإفجاع الإيلام والإيجاع ، قال الفيروزآبادي : فجعه كمنعه والفجع أن يوجع الإنسان بشيء يكرم عليه فيعدمه وتفجع توجع للمصيبة.

« لم تعبد أبدا » لأن عبادة غير الشيعة ليست بصحيحة ، والمعصوم أيضا مع فقد الشيعة لا تتأتى منه بعض العبادات المتعلقة بالرئاسة والهداية ، مع أن المقصود هنا غير المعصوم والتنبيه على عدم صحة عبادة غير الشيعة.

٣٢٢

باب

ما أمر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بالنصيحة لأئمة المسلمين

واللزوم لجماعتهم ومن هم

١ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، عن أبان بن عثمان ، عن ابن أبي يعفور ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله خطب الناس في مسجد الخيف فقال نضر الله عبدا سمع مقالتي فوعاها وحفظها

باب ما أمر النبي (ص) بالنصيحة لأئمة المسلمين واللزوم لجماعتهم ومن هم

الحديث الأول : موثق كالصحيح بسنديه.

ومسجد الخيف بالفتح مسجد منى ، وإنما سمي الخيف لأنه مرتفع عن الوادي ، وما ارتفع عن الوادي يسمى خيفا « نضر الله عبدا » كنصر أو على بناء التفعيل أي سره وأبهجه ، قال في النهاية : فيه : نضر الله امرءا سمع مقالتي فوعاها ، نضرة ونضرة وأنضره ، أي نعمه ويروى بالتشديد والتخفيف من النضارة وهي في الأصل حسن الوجه والبريق ، وإنما أراد حسن خلقه وقدره ، وفي المغرب عن الأزدي ليس هذا من الحسن في الوجه وإنما هو في الجاه والقدر.

وفي النهاية وعيت الحديث أعيه وعيا فأنا واع إذا حفظته وفهمته ، وفلان أوعى من فلان أي أحفظ وأفهم ، ومنه الحديث نضر الله امرءا سمع مقالتي فوعاها فرب مبلغ أوعى من سامع ، انتهى.

« وحفظها » تأكيدا ، والوعي عند السماع والحفظ بعده ، وظاهره حفظ اللفظ فيدل على رجحانه ولا ريب فيه ، وأما ما استدل به على عدم جواز النقل بالمعنى فلا يخفى وهنه ، فإن الدعاء لمن فعل فعلا لا يدل على حرمة تركه ، مع أنه يحتمل أن يكون المعنى تغيير شيء يتغير به المعنى لكنه بعيد عن سياق ما سيأتي كما لا يخفى.

٣٢٣

وبلغها من لم يسمعها فرب حامل فقه غير فقيه ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه ثلاث لا يغل عليهن قلب امرئ مسلم إخلاص العمل لله والنصيحة لأئمة

« وبلغها من يسمعها » يدل على فضل رواية الحديث « فرب حامل فقه » قيل :

الفاء للبيان ورب للتكثير ، وفيها ثمان لغات ضم المهملة وفتحها ، وشد الموحدة المفتوحة وتخفيفها ، وهو مبتدأ مضاف عند الكوفيين ، وحرف جر مجرورها مبتدأ وهو مجرور لفظا مرفوع محلا عند البصريين.

والفقه بالكسر العلم ، و « غير » مرفوع بالخبرية ، وكذا « إلى من » خبر المبتدأ بتأويل مؤد « ثلاث » مبتدأ أي ثلاث خصال والجملة التي تليها خبرها ، أو نعت والخبر إخلاص العمل ، وقال في النهاية : في الحديث ثلاث لا يغل عليهن قلب مؤمن ، هو من الأغلال الخيانة في كل شيء ، ويروى يغل بفتح الياء من الغل وهو الحقد ، أي لا يدخله حقد يزيله عن الحق ، وروي يغل بالتخفيف من الوغول الدخول في الشر ، والمعنى أن هذه الخلال الثلاث تستصلح بها القلوب ، فمن تمسك بها طهر قلبه من الخيانة والدغل والشر « وعليهن » في موضع الحال تقديره لا يغل كائنا عليهن قلب مؤمن ، انتهى.

وقال الطيبي : أي لا يخون قلبه فيها ، قوله : ثلاث تأكيد لقوله نضر الله امرءا سمع مقالتي ، فإنه لما حرض على تعليم السنن قفاه برد ما عسى أن تعرض مانعا ، انتهى.

قوله : إخلاص العمل لله ، أي صونه عن الرياء والسمعة والأغراض الفاسدة ، « والنصيحة لأئمة المسلمين » أي خلوص الاعتقاد فيهم والمودة لهم ومتابعتهم في جميع أقوالهم وأفعالهم ، قال في النهاية : فيه : إن الدين النصيحة لله ولرسوله ولكتابة ولأئمة المسلمين وعامتهم ، النصيحة كلمة يعبر بها عن جملة هي إرادة الخير للمنصوح له ، وليس يمكن أن يعبر هذا المعنى بكلمة واحدة تجمع معناها غيرها ، وأصل النصح في اللغة الخلوص ، يقال : نصحه ونصحت له ومعنى نصيحته لله صحة الاعتقاد في وحدانيته

٣٢٤

المسلمين واللزوم لجماعتهم فإن دعوتهم محيطة من ورائهم.

وإخلاص النية في عبادته ، والنصيحة لكتاب الله هو التصديق والعمل بما فيه ، ونصيحة رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم التصديق بنبوته ورسالته والانقياد لما أمر به ونهى عنه ، ونصيحته الأئمة أن يطيعهم في الحق ولا يرى الخروج عليهم إذا جاروا ونصيحة عامة المسلمين إرشادهم إلى مصالحهم ، انتهى.

وأقول : لما كان الإمام عنده كل من اجتمع الناس عليه من خلفاء الحق والجور فسر نصيحة الأئمة بما ترى « واللزوم لجماعتهم » الضمير إما للأئمة أي لما اجتمعوا عليه فإنه ليس بينهم اختلاف ولا تفرق ، وكلهم على أمر واحد أو للقوم الذين اتفقوا عليهم وهم الشيعة الإمامية ، أو الضمير راجع إلى المسلمين ويرجع إلى المعنى الثاني فإن جماعة المسلمين هم أئمة الحق ومن اتفقوا عليهم فإنهم على أمر واحد ليس فيهم اختلاف الآراء والأهواء.

كما روى الصدوق (ره) في معاني الأخبار عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : سئل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما جماعة أمتك؟ قال : من كان على الحق وإن كانوا عشرة ، وفي رواية أخرى عن أبي حميد رفعه قال : جاء رجل إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام فقال : أخبرني عن السنة والبدعة ، وعن الجماعة وعن الفرقة؟ فقال أمير المؤمنينعليه‌السلام : السنة ما سن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والبدعة ما أحدث من بعده ، والجماعة أهل الحق وإن كانوا قليلا والفرقة أهل الباطل وإن كانوا كثيرا ، وقيل : المراد ملازمة صلاة الجماعة مع المسلمين ولا يخفى بعده.

« فإن دعوتهم محيطة من ورائهم » الظاهر إرجاع الضميرين إلى المسلمين ، والدعوة المرة من الدعاء وإضافتها إلى الضمير إضافة إلى المفعول ، أي دعاء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لهم محيطة بهم ، فإذا دخل فيهم ولزم جماعتهم شمله ذلك الدعاء ، أو إلى الفاعل أي دعاء المسلمين بعضهم لبعض يشمله ، ويحتمل إرجاع الضمير الأول إلى الأئمة ، والثاني إلى المسلمين ، أي دعاء الأئمةعليهم‌السلام بشيعتهم يشمله.

٣٢٥

المسلمون إخوة تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم.

ورواه أيضا ، عن حماد بن عثمان ، عن أبان ، عن ابن أبي يعفور مثله وزاد فيه :

وهم يد على من سواهم وذكر في حديثه أنه خطب في حجة الوداع بمنى في مسجد الخيف.

وقال في النهاية : فإن دعوتهم تحيط من ورائهم أي تحوطهم وتكفهم وتحفظهم والدعوة المرة الواحدة من الدعاء.

« والمسلمون إخوة » أي من جهة الإسلام والإيمان لا يعتبر في الأحكام الظاهرة الجارية عليهم سوى ذلك ، فلذلك « تتكافأ » بالهمز وقد تخفف أي تساوي « دماؤهم » فإذا قتل شريف وضيعا أو جرحه يقتص منه ، وفي النهاية : فيه : المسلمون تتكافأ دماؤهم أي تتساوى في القصاص والديات ، والكفو النظير والمساوي « يسعى بذمتهم أدناهم » على بناء المعلوم أي يسعى أدنى المسلمين في عقد الأمان من قبلهم وإمضائه عليهم ، وكان يقرأ بعض مشايخنا : يسعى على بناء المجهول ، بأن يكون أدناهم بدلا من الضمير ، أي يجب أن يسعى في إمضاء ذمة أدنى المسلمين ، أو يكون أدناهم مفعولا مكان الفاعل أي يسعى الأدنى بسبب ذمة المسلمين الصادرة عن هذا الأدنى ولا يخفى ما فيهما من التكلف والأصوب ما ذكرنا أولا.

قال في النهاية : قد تكرر في الحديث ذكر الذمة والذمام ، وهما بمعنى العهد والأمان والضمان والحرمة والحق ، وسمى أهل الذمة لدخولهم في عهد المسلمين وأمانهم ، ومنه الحديث يسعى بذمتهم أدناهم ، أي إذا أعطى أحد الجيش لعدو أمانا جاز ذلك على جميع المسلمين ، وليس لهم أن يخفروا ولا أن ينقضوا عليه عهده ، انتهى.

وسيأتي في كتاب الجهاد قال : قلت لهعليه‌السلام : ما معنى قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يسعى بذمتهم أدناهم ، قال : لو أن جيشا من المسلمين حاصروا قوما من المشركين فأشرف رجل فقال : أعطوني الأمان حتى ألقى صاحبكم وأناظره ، فأعطاه أدناهم الأمان وجب

٣٢٦

٢ ـ محمد بن الحسن ، عن بعض أصحابنا ، عن علي بن الحكم ، عن الحكم بن مسكين ، عن رجل من قريش من أهل مكة قال قال سفيان الثوري اذهب بنا إلى جعفر بن محمد قال فذهبت معه إليه فوجدناه قد ركب دابته فقال له سفيان يا أبا عبد الله حدثنا بحديث خطبة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في مسجد الخيف قال دعني حتى أذهب في حاجتي فإني قد ركبت فإذا جئت حدثتك فقال أسألك بقرابتك من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لما حدثتني قال فنزل فقال له سفيان مر لي بدواة وقرطاس حتى أثبته فدعا به ثم قال اكتب «بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ » خطبة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في مسجد الخيف نضر الله عبدا سمع مقالتي فوعاها وبلغها من لم تبلغه يا أيها الناس ليبلغ الشاهد الغائب فرب حامل فقه ليس بفقيه ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه ثلاث لا يغل عليهن قلب امرئ مسلم إخلاص العمل لله والنصيحة لأئمة المسلمين واللزوم لجماعتهم فإن دعوتهم محيطة من ورائهم «الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ » تتكافأ دماؤهم وهم يد على من سواهم يسعى بذمتهم أدناهم فكتبه سفيان ثم عرضه عليه

على أفضلهم الوفاء به ، وقال في النهاية : هم يد على من سواهم ، أي هم مجتمعون على أعدائهم لا يسعهم التخاذل ، بل يعاون بعضهم بعضا على جميع الأديان والملل ، كأنه جعل أيديهم يدا واحدا ، وفعلهم فعلا واحدا.

الحديث الثاني : مرسل.

« لما حدثتني » لما بالتشديد حرف الاستثناء بمعنى إلا دخلت على الماضي لفظا لا معنى ، يقال : أنشدك الله لما فعلت ، أي لا أسألك إلا فعلك قاله ابن هشام ، أو المعنى أسألك في جميع الأحوال إلا في وقت فعلك.

« من لي(١) » بالفتح والتخفيف سؤال في صورة الاستفهام ، أو بالضم والتشديد صيغة أمر أي تفضل ، وفي بعض النسخ بالراء ، ويدل الخبر على استحباب الابتداء بالبسملة في كتابة الحديث بل مطلقا.

« خطبة رسول الله » خبر مبتدإ محذوف أي هذه.

__________________

(١) وفى المتن « مُر لي » بالراء وسيأتي في كلام الشارح (ره) أيضا.

٣٢٧

وركب أبو عبد اللهعليه‌السلام وجئت أنا وسفيان فلما كنا في بعض الطريق قال لي كما أنت حتى أنظر في هذا الحديث فقلت له قد والله ألزم أبو عبد الله رقبتك شيئا لا يذهب من رقبتك أبدا فقال وأي شيء ذلك فقلت له ثلاث لا يغل عليهن قلب امرئ مسلم إخلاص العمل لله قد عرفناه والنصيحة لأئمة المسلمين من هؤلاء الأئمة الذين يجب علينا نصيحتهم معاوية بن أبي سفيان ويزيد بن معاوية ومروان بن الحكم وكل من لا تجوز شهادته عندنا ولا تجوز الصلاة خلفهم وقوله واللزوم لجماعتهم فأي الجماعة مرجئ يقول من لم يصل ولم يصم ولم يغتسل

« كما أنت » أي توقف وأصله ألزم ما أنت فيه ، فالكاف زائدة وما موصولة منصوبة المحل بالإغراء « شيئا » أي غلا كما قيل ، وسفيان لما كان من صوفية العامة قائلا بإمامة الثلاثة باعتبار أن أكثر الناس المدعين للإسلام اجتمعوا عليهم أبطل السائل مذهبه بأنهم لو كانوا أئمة المسلمين لكان هذه الثلاثة أيضا منهم ، مع أنه معلوم بطلان ذلك.

« معاوية بن أبي سفيان » بتقدير حرف الاستفهام « وكل من لا تجوز » أي لا تقبل شهادته « عندنا » أي عند الشيعة القائلين بكفرهم وفسقهم وجورهم.

والمرجئة قوم يكتفون بالإيمان ويقولون لا مدخل للأعمال في الإيمان ، ولا تتفاوت مراتب الإيمان ولا يضر معه معصية.

قال في الملل والنحل : الارتجاء على معنيين : أحدهما التأخير ، قوله تعالى : «أَرْجِهْ وَأَخاهُ »(١) أي أخره وأمهله ، والثاني : إعطاء الرجاء ، وأما إطلاق اسم المرجئة على الجماعة بالمعنى الأول فصحيح ، لأنهم كانوا يؤخرون العمل عن النية والعقد وأما بالمعنى الثاني فظاهر ، فإنهم كانوا يقولون لا يضر مع الأيمان معصية ولا ينفع مع الكفر طاعة ، وقيل : الإرجاء تأخير حكم صاحب الكبيرة إلى القيامة فلا يقضي عليه بحكم ما في الدنيا من كونه من أهل الجنة أو من أهل النار ، وعلى هذا المرجئة

__________________

(١) سورة الأعراف : ١١١.

٣٢٨

من جنابة وهدم الكعبة ونكح أمه فهو على إيمان جبرئيل وميكائيل أو قدري يقول لا يكون ما شاء الله عز وجل ويكون ما شاء إبليس أو حروري يتبرأ من

والوعيدية فرقتان متقابلتان ، وقيل : الإرجاء تأخير عليعليه‌السلام عن الدرجة الأولى إلى الرابعة ، فعلى هذا المرجئة والشيعة فرقتان متقابلتان.

والمرجئة أصناف أربعة : مرجئة الخوارج ، ومرجئة القدرية ، ومرجئة الجبرية والمرجئة الخالصة ونحن هيهنا إنما نعد المقالات المرجئة الخالصة.

منهم اليونسية أصحاب يونس النميري ، زعم أن الإيمان هو المعرفة بالله والخضوع له وترك الاستكبار عليه والمحبة بالقلب ، فمن اجتمعت فيه هذه الخصال فهو مؤمن ، وما سوى المعرفة من الطاعة فليس من الإيمان ولا يضر تركها حقيقة الإيمان ولا يعذب على ذلك إذا كان الإيمان خالصا واليقين صادقا ، والمؤمن إنما يدخل الجنة بإخلاصه ومحبته لا بعمله وطاعته.

ومنهم العبيدية أصحاب عبيد المكتب حكي عنه أنه قال : ما دون الشرك مغفور لا محالة ، وإن العبد إذا مات على توحيده لم يضره ما اقترف من الآثام ، وزعم أن الله على صورة إنسان.

ومنهم الغسانية أصحاب غسان الكوفي ، زعم أن الإيمان معرفة الله ورسوله والإقرار بما جاء به الرسول في الجملة دون التفصيل ، والإيمان يزيد ولا ينقص ، وزعم أن قائلا لو قال : أعلم أن الله عز وجل قد حرم الخنزير ولا أدري هل الخنزير الذي حرمه هذه الشاة أم غيرها؟ كان مؤمنا ، ولو قال : أعلم أن الله قد فرض الحج إلى الكعبة غير أني لا أدري أين الكعبة ولعلها بالهند كان مؤمنا ، ومقصوده أن هذه الاعتقادات أمور وراء الإيمان.

ومنهم الثوبانية أصحاب أبي ثوبان المرجئ الذين زعموا أن الإيمان هو المعرفة والإقرار بالله ورسلهعليهم‌السلام ، وبكل ما لا يجوز في العقل أن يفعله ، وما جاز في العقل تركه فليس من الإيمان.

٣٢٩

علي بن أبي طالب وشهد عليه بالكفر أو جهمي يقول إنما هي معرفة الله وحده

ومنهم الصالحية أصحاب صالح بن عمرو قال : الإيمان هو المعرفة بالله على الإطلاق ، وزعم أن معرفة الله هي المحبة والخضوع له ، ويصح ذلك مع جحد الرسول وزعم أن الصلاة ليست بعبادة الله تعالى ، وأنه لا عبادة له إلا الإيمان به وهو معرفته وهو خصلة واحدة لا يزيد ولا ينقص ، وكذلك الكفر خصلة واحدة لا يزيد ولا ينقص ، انتهى ملخص كلامه.

وأما القدري فقد عرفت أنه يطلق على الجبرية وعلى التفويضية الذين قالوا إنه ليس لله تعالى وقضاؤه وقدره مدخل في أعمال العباد ، بل قال بعضهم : أنه لا يقدر الله تعالى على التصرف في أعمالهم وهذا الأخير هو مراد القائل ، فإنهم عزلوا الرب تعالى عن ملكه ، وقالوا : لا يكون ما شاء الله ، فنفوا أن يكون لله سبحانه مشية وإرادة وتدبير وتصرف في أفعال العباد ، وأثبتوا ذلك لإبليس.

والحرورية الخوارج أو فرقة منهم ، منسوبة إلى حروراء بالمد والقصر وفتح الحاء فيهما ، وهي قرية قريبة من الكوفة ، كان أول اجتماعهم وتحكيمهم فيها ، وإنما سموا بذلك لأنهم لما رجعوا عن صفين وأنكروا التحكيم نزلوا بحروراء وتؤامروا فيها على قتال عليعليه‌السلام فسموا حرورية.

قال المطرزي رجل جهم الوجه عبوس ، وبه سمي جهم بن صفوان المنسوب إليه الجهمية وهي فرقة شايعة على مذهبه ، وهو صاحب القول بأن الجنة والنار تفنيان ، وأن الإيمان هو المعرفة فقط دون الإقرار ودون سائر الطاعات ، وأنه لا فعل لأحد على الحقيقة إلا لله وأن العباد فيما ينسب إليهم من الأفعال كالشجر تحركها الريح ، فالإنسان لا يقدر على شيء إنما هو مجبور في أفعاله لا قدرة له ولا إرادة ولا اختيار ، انتهى.

وقال صاحب الملل : الجهمية أصحاب جهم بن صفوان وهو من الجبرية الخالصة ، وافق المعتزلة في نفي الصفات الأزلية وزاد عليهم بأشياء ، منها قوله : لا يجوز

٣٣٠

ليس الإيمان شيء غيرها قال ويحك وأي شيء يقولون فقلت يقولون إن علي بن أبي طالبعليه‌السلام والله الإمام الذي يجب علينا نصيحته ولزوم جماعتهم أهل بيته قال فأخذ الكتاب فخرقه ثم قال لا تخبر بها أحدا.

٣ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ومحمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد جميعا ، عن

أن يوصف الباري تعالى بصفة يوصف بها خلقة ، لأن ذلك يقتضي تشبيها فنفى كونه حيا عالما ، وأثبت كونه قادرا فاعلا خالقا لأنه لا يوصف شيء من خلقه بالقدرة والفعل والخلق ، ومنها إثباته علوما حادثة للبارئ تعالى لا في محل ، قال : لا يجوز أن يعلم الشيء قبل خلقه ، ومنها ، قوله : في القدرة الحادثة أن الإنسان لا يقدر على شيء ولا يوصف بالاستطاعة وإنما هو مجبور في أفعاله لا قدرة له ولا إرادة ولا اختيار ، وإنما يخلق الله تعالى الأفعال فيه علي حسب ما يخلق في سائر الجمادات ، وينسب إليه الأفعال مجازا كما ينسب إلى الجمادات ، كما يقال : أثمرت الشجرة وجرى الماء وتحرك الحجر وطلعت الشمس إلى غير ذلك ، والثواب والعقاب خير كما أن الأفعال خير ، قال : وإذا ثبت الخير فالتكليف أيضا كان خيرا ، ومنها قوله : إن حركات أهل الخلدين منقطع ، والجنة والنار يفنيان بعد دخول أهلهما فيهما وتلذذ أهل الجنة بنعيمها ، وتألم أهل النار بحميمها ، إذ لا تتصور حركات لا تتناهى آخرا كما لا نتصور حركات لا تتناهى أولا ، ومنها قوله : من أتى بالمعرفة ثم جحد بلسانه لم يكفر بجحده ، لأن العلم والمعرفة لا يزول بالجحد فهو مؤمن ، وقال الإيمان لا يتبعض أي لا ينقسم إلى عقد وقول وعمل ولا يتفاضل أهله فيه ، فإيمان الأنبياء وإيمان الأمة علي نمط واحد ، إذ المعارف لا تتفاضل ، انتهى.

« وأي شيء يقولون » أي الأئمةعليهم‌السلام أو شيعتهم أو الأعم ، ولا يخفى أن الثوري اللعين الذي هو رئيس الصوفية وإمامهم ، وبخرقة الكتاب أظهر كفره ، ودخل في الشرك قلبه ، وخالف النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الخصال الثلاث جميعا.

الحديث الثالث : صحيح.

٣٣١

حماد بن عيسى ، عن حريز ، عن بريد بن معاوية ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ما نظر الله عز وجل إلى ولي له يجهد نفسه بالطاعة لإمامه والنصيحة إلا كان معنا في الرفيق الأعلى.

٤ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن فضال ، عن أبي جميلة ، عن محمد الحلبي ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال من فارق جماعة المسلمين قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه.

« يجهد » علي بناء الأفعال ، أي يتعب وهو نعت « ولي » للتوضيح ، والرفيق الأعلى هم الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.

قال في النهاية : في حديث الدعاء وألحقني بالرفيق الأعلى ، الرفيق جماعة الأنبياء الذين يسكنون أعلى عليين ، وهو اسم جاء على فعيل ومعناه الجماعة كالصديق والخليط ، يقع على الواحد والجمع ، ومنه قوله تعالى : «وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً »(١) والرفيق الموافق في الطريق ، وقيل : معنى وألحقني بالرفيق الأعلى أي بالله تعالى ، يقال : الله رفيق بعباده ، من الرفق والرأفة ، وهو فعيل بمعنى فاعل ، ومنه حديث عائشة سمعته يقول عند موته : بل الرفيق الأعلى.

الحديث الرابع : ضعيف.

وفي المصباح المنير : قيد رمح بالكسر ، وقاد رمح أي قدر رمح ، انتهى.

وهو من قبيل تشبيه المعقول بالمحسوس ، وقد مر معنى الجماعة ، وقال في النهاية فيه من فارق الجماعة قدر شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه ، مفارقة الجماعة ترك السنة واتباع البدعة ، والربقة في الأصل عروة في حبل تجعل في عنق البهيمة أو يدها تمسكها ، فاستعارها للإسلام ، يعني ما يشد المسلم به نفسه من عرى الإسلام أي حدوده وأحكامه وأوامره ونواهيه ، ويجمع الربقة على ربق مثل كسرة وكسر ، ويقال للحبل الذي فيه الربقة : ربق ، وتجمع على رباق وأرباق ، وفي المصباح المراد بربقة الإسلام عقد الإسلام.

__________________

(١) سورة النساء : ٦٩.

٣٣٢

٥ ـ وبهذا الإسناد ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال من فارق جماعة المسلمين ونكث صفقة الإمام جاء إلى الله عز وجل أجذم.

الحديث الخامس : ضعيف أيضا.

والنكث نقض البيعة ، والصفقة البيعة ، وفي بعض النسخ صفقة الإمام ، وفي بعضها الإبهام لمدخليتها في البيعة ، أو لكون الابتداء بها ، قال الجزري : النكث نقض العهد ، وقال فيه : أكبر الكبائر أن تقاتل أهل صفقتك ، هو أن يعطي الرجل الرجل عهده وميثاقه ثم يقاتله ، لأن المتعاهدين يصنع إحداهما يده على يد الآخر كما يفعل المتبايعان ، وهي المرة من التصفيق باليدين ، وقال فيه : من تعلم القرآن ثم نسيه لقي الله يوم القيامة وهو أجذم ، أي مقطوع اليد من الجذم وهو القطع ، ومنه حديث عليعليه‌السلام : من نكث بيعته لقي الله وهو أجذم ليست له يد.

قال القتيبي : الأجذم هيهنا الذي ذهبت أعضاؤه كلها وليست اليد أولى بالعقوبة من باقي الأعضاء ، يقال : رجل أجذم ومجذوم إذا تهافتت أعضاؤه من الجذام ، وهو الداء المعروف ، قال الجوهري : لا يقال للمجذوم أجذم ، وقال ابن الأنباري ردا على ابن قتيبة : لو كان العقاب لا يقع إلا بالجارية التي باشرت المعصية لما عوقب الزاني بالجلد والرجم في الدنيا ، وبالنار في الآخرة.

وقال ابن الأنباري : معنى الحديث ، : لقي الله وهو أجذم الحجة لا لسان له يتكلم ولا حجة في يده ، وقول عليعليه‌السلام : ليست له يد أي لا حجة له ، وقيل : معناه لقيه منقطع السبب ، يدل عليه قوله : القرآن سبب بيد الله وسبب بأيديكم ، فمن نسيه قطع سببه.

وقال الخطابي : معنى الحديث ما ذهب إليه ابن الأعرابي وهو أن من نسي القرآن لقي الله خالي اليد من الخير ، صفرها من الثواب ، فكني باليد عما تحويه وتشمل عليه من الخير.

قلت : وفي تخصيص علي بذكر اليد معنى ليس في حديث نسيان القرآن ،

٣٣٣

باب

ما يجب من حق الإمام على الرعية وحق الرعية على الإمام

١ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن محمد بن جمهور ، عن حماد بن عثمان ، عن أبي حمزة قال سألت أبا جعفرعليه‌السلام ما حق الإمام على الناس قال حقه عليهم أن يسمعوا له ويطيعوا قلت فما حقهم عليهم قال يقسم بينهم بالسوية ويعدل في

لأن البيعة تباشرها اليد من بين الأعضاء ، وهو أن يضع المبايع يده في يد الإمام عند عقد البيعة وأخذها عليه.

باب ما يجب من حق الإمام على الرعية وحق الرعية على الإمام

الحديث الأول : ضعيف على المشهور.

« أن يسمعوا له » لعل المراد بالسماع القبول والطاعة والفقرة الثانية مفسرة لها أو المعنى الإنصات إليه وعدم الالتفات إلى غيره عند سماع كلامه ، أو المراد بالأولى الإقرار وبالثانية العمل.

قوله : يقسم ، على بناء التفعيل أو من باب ضرب وهو منصوب بتقدير أن ، والقسمة بالسوية أن يعطى الشريف والوضيع من الفيء وبيت المال سواء على عدد الرؤوس ، وهذه كانت سنة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وقد غيرها خلفاء الجور بعده تأليفا لقلب الرؤساء والأشراف ، ولذلك مال الناس إليهم واجتمعوا عليهم وعدلوا عن إمامهم ، فلما ولى أمير المؤمنينعليه‌السلام الناس جدد سنة رسول الله وقام فيها على سيرتهصلى‌الله‌عليه‌وآله فاستوحش أكثر الناس من ذلك لألفتهم بالباطل ونسيانهم سنة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فثار طلحة والزبير وأمثالهما عليه فاعتذرعليه‌السلام بأن الشرف إنما هو بحسب الدين والتقوى وهما لا يصيران سببا للتفضيل في الدنيا ، وإنما التفاضل في ذلك في الآخرة ، وهما في الدنيا في الحاجة سواء.

وأما ما فعله رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله سلم في غنائم حنين والهوازن من تفضيل جماعة من أهل

٣٣٤

الرعية فإذا كان ذلك في الناس فلا يبالي من أخذ هاهنا وهاهنا.

٢ ـ محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع ، عن منصور بن يونس ، عن أبي حمزة ، عن أبي جعفرعليه‌السلام مثله إلا أنه قال هكذا وهكذا وهكذا وهكذا يعني من بين يديه وخلفه وعن يمينه وعن شماله.

٣ ـ محمد بن يحيى العطار ، عن بعض أصحابنا ، عن هارون بن مسلم ، عن مسعدة بن صدقة ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال أمير المؤمنينعليه‌السلام لا تختانوا ولاتكم ولا.

مكة وأشراف العرب على الأنصار على ما نقل فإنما أمر بذلك في خصوص تلك الواقعة لمصلحة عظيمة في الدين ، ولتأليف قلوب المنافقين ورسوخهم في الدين ، وأرضى الأنصار بذلك واعتذر منهم ، مع أنه يحتمل أن يكون ذلك التفضيل من نصيبهصلى‌الله‌عليه‌وآله وسهم أهل بيتهعليهم‌السلام من الخمس.

والعدل في الرعية الحكم بالحق بين الناس وعدم الميل إلى أحد ، والانتصاف للمظلوم من الظالم وإجراء الحدود والأحكام فيهم من غير مداهنة « فإذا كان ذلك » أي القسم بالسوية والعدل في الناس فلا يبالي بسخط الناس وخروجهم عن الدين وتفرقهم عنه ، وذهاب كل منهم إلى ناحية كما لم يبال أمير المؤمنينعليه‌السلام بذهاب طلحة والزبير وعائشة إلى مكة وخروجهم عليه ، ولم يترك العمل بسيرة الحق ، وجاهد معهم وقيل : يعني إذا تحقق قضاء الحق من الطرفين فلا يبالي من أخذ هيهنا وهيهنا أي ذهب أينما شاء وفعل ما شاء.

وقال المحدث الأسترآبادي (ره) : يعني صاحب حق اليقين في الدين لا يحتاج إلى موافقة الناس إياه وإنما يحتاج إليها من يكون متزلزلا في دينه ، ومعنى من أخذ هيهنا وهيهنا أي مذاهب مختلفة.

الحديث الثاني : موثق « وهكذا » في بعض النسخ ثلاثة وفي بعضها أربعة والأخير أنسب بالتفسير.

الحديث الثالث : ضعيف.

والاختيان : ضد الوفاء ، والغش ضد النصح ، والولاة جمع الوالي ، والمراد

٣٣٥

تغشوا هداتكم ولا تجهلوا أئمتكم ولا تصدعوا عن حبلكم «فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ »

بهم الأئمة أو الأعم منهم ومن المنصوبين من قبلهم ، خصوصا بل عموما أيضا ، وكذا الهداة هم الأئمةعليهم‌السلام أو الأعم منهم ومن العلماء الهادين إلى الحق.

« ولا تجهلوا » من باب علم أي اعرفوهم بصفاتهم وعلاماتهم ودلائلهم ، وميزوا بين ولاة الحق وولاة الجور أو لا تجهلوا حقوقهم ورعايتهم وطاعتهم ، أو على بناء التفعيل أي لا تنسبوهم إلى الجهل « ولا تصدعوا » بحذف إحدى التائين أي لا تتفرقوا ، قال الجوهري : ما صدعك عن هذا الأمر أي ما صرفك ، والتصديع التفريق وتصدع القوم تفرقوا ، انتهى.

والحبل العهد والذمة ، والأمان ، وكأنه هنا كناية عما يتوصل به إلى النجاة والمراد الكتاب وأهل البيتعليهم‌السلام كما قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض ، وقد مر في الأخبار أنهمعليهم‌السلام حبل الله المتين ، ويحتمل أن يكون المراد عن عهدكم وبيعتكم ، والفشل : الضعف والجبن والفعل كعلم ، وفي القاموس : الريح الغلبة والقوة والرحمة والنصرة والدولة ، وهنا يحتمل الجميع ، وهو إشارة إلى قوله تعالى : «أَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ »(١) قال البيضاوي : لا تنازعوا باختلاف الآراء كما فعلتم ببدر وأحد ، فتفشلوا جواب النهي ، والريح مستعار للدولة من حيث إنها في تمشي أمرها ونفاذه شبيهة بها في هبوبه ونفوذه.

وقيل : المراد بها الحقيقة فإن النصرة لا يكون إلا بريح يبعثها الله ، وعلى هذا متعلق بالتأسيس قدم عليه لإفادة الحصر ، والتأسيس بناء الأس وهو أصل البناء ، والمقصود الحب على التزام الطريقة المذكورة ، والاجتناب عما يخالفها ، وجعل بناء دينهم وأعمالهم على التمسك بحبل طاعتهمعليهم‌السلام .

__________________

(١) سورة الأنفال : ٤٦.

٣٣٦

وعلى هذا فليكن تأسيس أموركم والزموا هذه الطريقة فإنكم لو عاينتم ما عاين من قد مات منكم ممن خالف ما قد تدعون إليه لبدرتم وخرجتم ولسمعتم ولكن محجوب عنكم ما قد عاينوا وقريبا ما يطرح الحجاب.

٤ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن عبد الرحمن بن حماد وغيره ، عن حنان بن سدير الصيرفي قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول نعيت إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله نفسه وهو صحيح ليس به وجع قال نزل به الروح الأمين قال فنادىصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الصلاة جامعة وأمر المهاجرين والأنصار بالسلاح واجتمع الناس فصعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله المنبر

« ما عاين » أي من العذاب « ما قد تدعون إليه » من الجهاد مع معاوية وأضرابه ، والاقتداء بأئمة الحق ومتابعتهم « لبدرتم » أي أسرعتم وعجلتم إلى الطاعة « وخرجتم » إلى الجهاد « وسمعتم » أي أطعتم أمر أمامكم « وقريبا » ظرف زمان ، وما للإبهام « يطرح الحجاب » على بناء المجهول أي بعد الموت.

الحديث الرابع : مجهول كالموثق.

يقال : نعاه لي وإلى أي أخبرني بموته « ونفسه » نائب الفاعل « نزل » به الضمير لمصدر نعيت ، والروح الأمين جبرئيلعليه‌السلام « الصلاة جامعة » الصلاة منصوب بالإغراء أي احضروا الصلاة ، وجامعة حال ، أو الصلاة مبتدأ وجامعة خبره ، أي تجمع الناس لأدائها والأول هو المضبوط ، قال في المصباح في قول المنادي : الصلاة جامعة حال من الصلاة والمعنى عليكم الصلاة في حالكونها جامعة لكل الناس ، وهذا كما قيل للمسجد الذي تصلى فيه الجمعة : الجامع ، لأنه يجمع الناس ، انتهى.

وهذا وضع لنداء الصلاة ثم استعمل لكل أمر يراد الاجتماع له ، والظاهر أن الخطبة كانت طويلة مشتملة على ذكر فضائل أهل بيته وتعيين الإمام منهمعليهم‌السلام كما يظهر من أخبار أخر ولما كان ذلك مظنة لإثارة الفتنة من المنافقين الذين لم يرضوا بذلك ، وتعاقدوا على أن لا يردوا الأمر إلى أهل بيته كما ورد في الأخبار أمر الأنصار بأخذ السلاح دفعا لذلك أو أن النعي لما كان مظنة لذلك أمرهم بذلك ،

٣٣٧

فنعى إليهم نفسه ثم قال أذكر الله الوالي من بعدي على أمتي ألا يرحم على جماعة المسلمين فأجل كبيرهم ورحم ضعيفهم ووقر عالمهم ولم يضر بهم فيذلهم.

والمنبر من النبر بمعنى الرفع « أذكر الله » من التذكير ، والاسمان مفعولان والتذكير للإنذار والتحذير وتذكير عقاب الله وكان المراد بالوالي هنا أعم من العادل والجائر.

« إلا يرحم » هذا يحتمل وجوها :

الأول : أن يكون بالفتح حرف تحضيض ، وفي أكثر النسخ بالياء على بناء المجرد ، وفي بعضها بالتاء على بناء التفعل فالتحضيض للتوبيخ كما قال الرضي (ره) : كلمة التحضيض إذا دخلت على الماضي كانت للتوبيخ واللوم على ترك الفعل ، قيل : وهذا مبني على أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جعل كلامه هذا حكاية لما يقع في المستقبل من قبح أعمال الوالي وتوبيخه للوالي بعد تلك الأعمال ، والتعبير عن المستقبل بالماضي لتحقق الوقوع شائع.

والثاني : أن يكون أن لا مركبا من أن الناصبة ولا النافية ، ويكون تقدير الكلام أذكره الله في أن لا يرحم أي في عدم الرحم.

الثالث : أن يكون بالكسر كلمة استثناء أي اذكرهم في جميع الأحوال إلا حال الرحم كقولهم أسألك إلا فعلت كذا ، وقيل : هو بتقدير لا أسأله ، نحو قول ابن عباس حين دخل مجلسا للأنصار وقاموا له بالنصر والإيواء : إلا جلستم.

الرابع : أن تكون أن شرطية والفعل مجزوما.

« فأجل » من الإجلال وهو التعظيم ، وقد روي عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه من إجلال الله إجلال ذي الشيبة المسلم ، قيل : وسر ذلك أنه أكبر سنا وأكثر تجربة وأكيس حزما ، وأقرب من الرجوع إلى الله تعالى « ورحم ضعيفهم » يشمل الصغير والفقير والنساء ، والروايات الدالة على الرحم عليهم والإحسان إليهم أكثر من أن تحصى ، « ووقر عالمهم » في بعض النسخ عاملهم ، وفي بعضها عاقلهم ، وقد دلت الآيات والروايات على توقير جميعهم « ولم يضر بهم » من الإضرار ، ويحتمل المجرد وإضرار المسلمين

٣٣٨

ولم يفقرهم فيكفرهم ولم يغلق بابه دونهم فيأكل قويهم ضعيفهم ولم يخبزهم في بعوثهم فيقطع نسل أمتي ثم قال قد بلغت ونصحت فاشهدوا وقال أبو عبد اللهعليه‌السلام هذا آخر كلام تكلم به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله على منبره.

٥ ـ محمد بن علي وغيره ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن علي بن الحكم ، عن رجل ، عن حبيب بن أبي ثابت قال جاء إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام عسل وتين من همدان

إهانتهم أو عدم إعانتهم ورفع الظلم عنهم ، وربما يقرأ من الضرب « ولم يفقرهم » أي لم يدعهم فقراء ويأخذ أموالهم « فيكفرهم » أي يصير سببا لكفرهم ، إذ كثيرا ما يصير الفقر سببا للكفر لقلة الصبر ، وعليه حمل قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : كاد الفقر أن يكون كفرا « ولم يغلق بابه دونهم » على بناء الأفعال وبناء المجرد لغة رديئة وهو كناية عن منع الوالي رعيته من الدخول إليه وعرض الأحوال عليه ، وعدم تفقده لأحوالهم ، وأكل قويهم ضعيفهم أخذ أموالهم وظلمهم إياهم وتسلطهم عليهم.

« ولم يخبرهم » في بعض النسخ بالخاء المعجمة ثم الباء الموحدة من الخبر وهو السوق الشديد ، وفي بعضها بالجيم والنون من قولهم جنزه يجنزه إذا ستره وجمعه ، وفي المغرب يقال : مرت عليهم البعوث أي الجيوش ، وعلى التقديرين التعليل لا يخلو من تكلف ، وربما يقرأ بالجيم والتاء والزاي المشددة من قولهم اجتز الحشيش إذا قطعه بحيث لم يبق منه شيء ، والأصوب ما في نسخ قرب الإسناد ولم يجمرهم في ثغورهم ، قال في النهاية : في حديث عمر : لا تجمروا الجيش فتفتنوهم ، تجمير الجيش جمعهم في الثغور وحبسهم عن العود إلى أهلهم ، انتهى.

فالتعليل منطبق بغير تكلف « هذا آخر كلام » أي من جملة آخر خطبة لهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

الحديث الخامس : مرسل.

« عسل وتين » ذكر التين استطرادا ، فإن اللعق كان لازقاق العسل ، ويمكن أن يكون التين أيضا في الأزقاق فاعتصر منها دبس يلعقونها ، وتكلف بعضهم بجعل الواو جزء الكلمة ، وقال : الوتين الواتن وهو الماء المعين الدائم ، والمراد هنا الصافي

٣٣٩

وحلوان فأمر العرفاء أن يأتوا باليتامى فأمكنهم من رءوس الأزقاق يلعقونها وهو يقسمها للناس قدحا قدحا فقيل له يا أمير المؤمنين ما لهم يلعقونها فقال إن الإمام أبو اليتامى وإنما ألعقتهم هذا برعاية الآباء.

٦ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد البرقي وعلي بن إبراهيم ، عن أبيه جميعا ، عن القاسم بن محمد الأصبهاني ، عن سليمان بن داود المنقري ، عن سفيان بن عيينة ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال أنا أولى بكل مؤمن من نفسه

المائع الكثير ، قال : ويجوز كونه بالثاء المثلثة ، يقال : استوثن الرجل من المال إذا استكثر منه ، وقد عرفت أنه لا حاجة إلى هذه التصحيفات والتكلفات ، وهمدان في النسخ بالدال المهملة ، والموافق لكتب اللغة الذال المعجمة ، قال في القاموس : همدان قبيلة باليمن وقال : همدان بلد بناه همدان الفلوج بن سام بن نوح ، ولا يخفى أن المناسب هنا البلد لا القبيلة ، لكنه شاع تسمية البلد أيضا بالمهملة.

وحلوان بالضم من بلاد كردستان قريبة من بغداد ، وقال في القاموس : العريف كأمير من يعرف أصحابه والجمع عرفاء ، ورئيس القوم ، سمي به لأنه عرف بذلك أو النقيب وهو دون الرئيس ، وقال : الزق بالكسر السقاء أو جلد يجز ولا ينتف للشراب وغيره والجمع أزقاق وزقاق ، انتهى.

« يلعقونها » من باب علم أي يلحسونها بألسنتهم « برعاية الآباء » أي برعاية تشبه رعاية الآباء ، أو لرعاية آبائهم فإن رعاية الأولاد واحترامهم يوجب احترامهم ، وربما يقرأ الإباء بالفتح والمد الأبوة ، وفي القاموس : الأبا لغة في الأب.

الحديث السادس : ضعيف.

وهذا الحديث مع تفسيره الآتي مذكور في كتب العامة أيضا ، روى مسلم بإسناده في باب خطبة الجمعة عن جابر بن عبد الله عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال في آخرها : أنا أولى بكل مؤمن من نفسه من ترك مالا فلأهله ومن ترك دينا أو ضياعا فعلي وإلى قال الآبي : أولى إما من الولي بمعنى القرب أو المالكية كما في قوله تعالى

٣٤٠