مرآة العقول الجزء ٨

مرآة العقول22%

مرآة العقول مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 434

  • البداية
  • السابق
  • 434 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 13490 / تحميل: 7656
الحجم الحجم الحجم
مرآة العقول

مرآة العقول الجزء ٨

مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
العربية

١

٢

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ(١)

ما رنحت أعطافها في رياض الطروس عذبات الأقلام، ولا نسجت ببنان لسانها مطارف تتشح بها غواني الكلام أشرف من حمد الله الذي لا زالت آحاد الموجودات تشكر تواتر نعمائه، وتخبر بلسان فقر الحدوث عن مستفيض آلائه، وتروي الرياض كمال قدرته بأصحّ الأسانيد عن عليل النسيم، وتحدث مرسلات قطرات المزن عن متون الغمام باتصال فضله العميم، والصلاة على نبيّه ومضمر سره، الذي اجتباه عنوانا لصحيفة أحبائه، وخاتمة لدفتر أنبيائه(٢) ، وآله الذين جعل مقبول الطاعات موقوفا على محبتهم، ومرفوع الأعمال معلقا على طاعتهم، صلاة لا تنقطع ما دامت المعضلات بأنامل الأفكار منحلة، ومجاهيل الأحكام مستفادة من الأدلّة.

وبعد: فقد نجز - بحمد الله تعالى وحسن توفيقه - كتاب ( مستدرك الوسائل ) الحاوي لما خفي عن الأنام من أدلة الأحكام والمسائل، حتّى عرف صدق القائل: « كم ترك للأواخر الأوائل »، وأصبح مصباحا تزاح بأنوار أخباره

__________________

(١) ورد هنا بعد البسملة - في الحجرية دون المخطوط -: وبه نستعين.

(٢) في المخطوط والحجرية: أبنائه والظاهر هو ما أثبتناه.

٣

غياهب الأوهام، ودستورا يرجع إليه في معرفة الحلال والحرام، ودليلا لرائد الفكر إذا تاه في مجاهل الشبهات، وسبيلا قصدا إلى مستور الأخبار ومخفي الروايات، وهاديا إلى كنوز من العلم لم تزل عن الأبصار مخفيّة، وناشرا لإعلام هداية لم تزل من قبل مطويّة، وطلع في آفاق المفاخر بدرا كاملا بعد السرار(١) ، وعمّ نوره سائر الأمصار، وافتخر به هذا العصر على ما تقدمه من سائر الأعصار، وأصبحت عيون الفضل به قريرة، ومسالك الأفهام به مستنيرة، ورأى العلماء منه بالعيان، ما زعموا خروجه عن(٢) حدّ الإمكان، ونظروا إلى درر متّسقة، طالما اشتاقوا أن يروها ولو متفرّقة.

ولمّا فاح مسك ختامه، ولاح كالبدر ليل تمامه، انتهى ميدان القلم إلى استدراك للفوائد، وما خفي على الشيخ المصنف(٣) رحمه‌الله من غوالي الفرائد، فاشتمل - بحمد الله تعالى - كسابقه على فوائد جمّة، ونفائس مهمّة، لم تنل لآليها من قبل كفّ غائص، ولا دنت من آرام(٤) كناسها حبالة قانص، فكم من راو مجهول بين أبناء صنفه بيّنت فيها حاله، ومهجور لضعفه نبّأت على أنّه في غاية الجلالة، ومشتبه شخصه وحاله يزول عنه الشكّ والريب، ومطعون في دينه يظهر براءته عن وصمة العيب.

وكم من عالم ضاع اسمه في زوايا الخمول، ودرست من أبيات فضائله

__________________

(١) السرار: اختفاء القمر آخر ليلة من الشهر، لسان العرب ٢: ٦٨٢ مادة: سرر.

(٢) في الحجرية: من.

(٣) الشيخ الإمام، العلامة المحقق، محمّد بن الحسن بن علي بن محمّد بن الحسين الحر العاملي المشغري، كان عالما، فاضلا، أديبا، فقيها، محدثا، بل من أجلّة المحدّثين، صنف العديد من الكتب والرسائل وكان من أهمها وأشهرها « وسائل الشيعة ».

ولد في قرية مشغرة ليلة الجمعة ثامن شهر رجب المرجب سنة ١٠٣٣ ه‍، وتوفي في المشهد الرضوي على مشرفها السلام في الحادي والعشرين من شهر رمضان سنة ١١٠٤ ه‍.

(٤) الآرام: جمع رئم، وهو الظبي الأبيض الخالص البياض، انظر الصحاح ٥: ١٩٢٧ مادة: رام.

٤

الآثار والطلول، وأخمدت مصابيح فضائله أعصار الأعصار، وعادت رياض مناقبه ذاوية الأزهار، أظهرت ما خفي من علمه، وجدّدت ما درس من رسمه، حتى عاد منارا به يهتدى، وعلما به يقتدى.

وأصل من معظم الأصول، كان عند القدماء عليه المعوّل، لا غناء لهم عنه ولا متحول، كان لهم عليه في العمل المدار، وفي اشتهار الصحة كالشمس في رابعة النهار، أصبح في هذه الأعصار مجهول الانتساب والمقدار، وقابله أهله بالردّ والإنكار، أعرصوا عنه مذ لم يعرفوه، وجهلوا حاله - أو حال مصنّفه - فانكروه، فشيّدت - بحمد الله تعالى - فيها أساس صحّته، وأثبتّ علوّ قدر مصنّفه وجلالة رتبته.

وآخر محت آثاره شبهات الغافلين، وتشكيكات الجاهلين، جدّدت معالمه الدارسة، وأحييت آثاره الطامسة، وأجبت عن تلك الشبهات الغثة، والشكوك الرثّة، حتى أضحت بريئة من تلك التهم، وانجاب عنه ذلك لغمام المدلهم.

وبالجملة فهذه الدرر والفرائد، التي نظمتها في سلك واحد، جديرة بأن تكون لأجياد غواني المعاني عقودا، ويفصّل هذا السابري لأجسادها حللا وبرودا، إذ كلّ فائدة منها فريدة عن غيرها ممتازة، وخريدة عن جاراتها منحازة، تستقل كلّ منها بنفسها، وتفوق على من سواها من جنسها، وكان من حقها أن نجعل كل فائدة منها كتابا مستقلا، وموردا يروي ظمأ طلاّبها علا ونهلا، ولكن صدّنا عن ذلك ما عزمنا عليه من إتمام مستدرك الكتاب، وكراهة أن تبقى مشيدات قصوره ناقصة البيوت والأبواب، والناظر في ذلك بالخيار: إن شاء أبقاها على ما وقع عليه الاختيار، وان شاء جعلها عقودا مفصّلة في نحور الطروس، ونفائس تتنافس في رؤيتها النفوس، وأسأل الله أن يجعل نفعها عامّا لخصوص اولي الألباب، وأن ينفعني بها يوم الحساب.

٥

٦

الفائدة الأولى

٧

٨

في ذكر الكتب التي نقلت منها، وجمعت منها هذا المستدرك، ممّا لم يكن عند الشيخ الجليل المتبحّر صاحب الوسائلرحمه‌الله ، أو كان ولم يعرف صاحبه في وقت التأليف، وهي كثيرة نذكر عمدتها:

[١] كتاب الجعفريات: ويعرف في كتب الرجال بالأشعثيات، ويأتي وجه التسمية بها.

[٢] كتاب درست بن أبي منصور.

[٣] أصل زيد الزرّاد.

[٤] كتاب أبي سعيد عبّاد العصفري.

[٥] كتاب عاصم بن حميد الحنّاط.

[٦] أصل زيد النرسي.

[٧] كتاب جعفر بن محمّد بن شريح الحضرمي.

[٨] كتاب محمّد بن المثنّى.

[٩] كتاب عبد الملك بن حكيم.

[١٠] كتاب المثنّى بن الوليد الحنّاط.

[١١] كتاب خلاّد السدي.

[١٢] كتاب حسين بن عثمان بن شريك.

[١٣] كتاب عبد الله بن يحيى الكاهلي.

[١٤] كتاب سلام بن أبي عمرة.

[١٥] جزء من نوادر عليّ بن أسباط.

[١٦] مختصر كتاب العلاء بن رزين.

٩

[١٧] كتاب المؤمن - أو ابتلاء المؤمن - للحسين بن سعيد الأهوازي.

[١٨] كتاب الديات لظريف بن ناصح.

[١٩] كتاب المسلسلات للشيخ أبي محمّد جعفر بن أحمد القمي.

[٢٠] كتاب المانعات من دخول الجنّة له أيضا.

[٢١] كتاب الغايات له [ أيضا ].

[٢٢] كتاب العروس في أعمال الجمعة له أيضا.

[٢٣] كتاب القراءات لأحمد بن محمّد السيّاري، ويعرف أيضا بكتاب التنزيل والتحريف.

[٢٤] كتاب إثبات الوصيّة للشيخ الجليل علي بن الحسين المسعودي.

[٢٥] كتاب دعائم الإسلام للقاضي نعمان بن أبي عبد الله المصري.

[٢٦] كتاب شرح الأخبار له أيضا.

[٢٧] كتاب الاستغاثة لأبي القاسم علي بن أحمد الكوفي.

[٢٨] كتاب الآداب والأخلاق له أيضا.

[٢٩] كتاب النوادر للسيّد الأجل ضياء الدين فضل الله بن علي الراوندي.

[٣٠] كتاب روض الجنان - وهو التفسير الكبير - للشيخ أبي الفتوح الحسين بن علي الخزاعي الرازي.

[٣١] رسالة تحريم الفقّاع للشيخ أبي جعفر الطوسي.

[٣٢] كتاب معدن الجواهر لأبي الفتح محمّد بن علي الكراجكي.

[٣٣] كتاب لبّ اللباب للشيخ الجليل هبة الله بن سعيد المعروف بالقطب الراوندي.

[٣٤] كتاب الدعوات له أيضا.

[٣٥] كتاب فقه القرآن له أيضا.

[٣٦] كتاب التمحيص لأبي علي محمّد بن همام.

[٣٧] كتاب الهداية للصدوق.

١٠

[٣٨] كتاب المقنع له أيضا.

[٣٩] كتاب نزهة الناظر لأبي يعلى الجعفري تلميذ الشيخ المفيدرحمه‌الله .

[٤٠] كتاب مصباح الشريعة المنسوب إلى مولانا الصادقعليه‌السلام .

[٤١] صحيفة الرضاعليه‌السلام .

[٤٢] الرسالة الذهبيّة لمولانا الرضاعليه‌السلام .

[٤٣] كتاب الفقه المنسوب إلى مولانا الرضاعليه‌السلام أيضا.

[٤٤] كتاب فلاح السائل ونجاح المسائل للسيّد رضيّ الدين علي بن طاوس، وقد وصل إلينا الجزء الأول منه، وهو من مجلّدات التتمّات والمهمّات.

[٤٥] كتاب مشكاة الأنوار للمحدّث الفاضل سبط أمين الإسلام الشيخ الطبرسي صاحب مجمع البيان.

[٤٦] رسالة في المهر للشيخ المفيدرحمه‌الله .

[٤٧] المسائل الصاغانيّة له أيضا، وغيرها من الرسائل وأجوبة المسائل.

[٤٨] كتاب عوالي اللآلي للشيخ الفاضل ابن أبي جمهور الأحسائي.

[٤٩] كتاب درر اللآلي العمادية له أيضا.

[٥٠] تفسير الشيخ الجليل محمّد بن إبراهيم النعماني.

[٥١] كتاب جامع الأخبار المردّد مؤلّفه بين جماعة يأتي ذكر أساميهم.

[٥٢] كتاب الشهاب للقاضي أبي عبد الله محمّد بن سلامة القضاعي.

[٥٣] مزار الشيخ محمّد بن المشهدي.

[٥٤] تاريخ قم تأليف الشيخ الفاضل حسن بن محمّد بن الحسن القمي، المعاصر للصدوقرحمه‌الله .

[٥٥] الخصائص للسيّد الرضيّ، جامع نهج البلاغة.

[٥٦] سعد السعود للسيّد رضيّ الدين علي بن طاوس.

[٥٧] كتاب اليقين - أو كشف اليقين - له أيضا.

[٥٨] كتاب التعازي للشريف الزاهد أبي عبد الله محمّد بن علي بن الحسن بن

١١

عبد الرحمن العلوي الحسني.

[٥٩] كتاب المجموع الرائق للسيّد الفاضل هبة الله بن أبي محمّد الحسن الموسوي.

[٦٠] طبّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأبي العباس المستغفري.

[٦١] مجاميع ثلاثة للشهيد الأوّل قدس الله روحه الزكيّة.

[٦٢] كتاب كنوز النجاح للشيخ أبي علي صاحب مجمع البيان.

[٦٣] كتاب عمدة الحضر له أيضا.

[٦٤] كتاب صغير وجدناه في الخزانة الرضوية.

[٦٥] كتاب غرر الحكم ودرر الكلم لعبد الواحد الآمدي.

وعندنا كتب اخرى قلّما(١) رجعنا إليها، أشرنا إلى أساميها في محلّه.

وأمّا ما نقلنا عنه بتوسّط كتاب بحار الأنوار فهو:

[ أ ] كتاب الإمامة والتبصرة للشيخ الجليل علي بن الحسين بن موسى بن بابويه.

[ ب ] كتاب العلل لمحمّد بن علي بن إبراهيم بن هاشم القميّرحمه‌الله .

[ ج ] كتاب أعلام الدين في صفات المؤمنين للشيخ العارف أبي محمّد الحسن بن محمّد الديلمي.

[ د ] كتاب قضاء حقوق المؤمنين للشيخ سديد الدين أبي علي بن طاهر السوري.

[ ه‍ ] كتاب مقصد الراغب للشيخ الحسين بن محمّد بن الحسن المعاصر للصدوقرحمه‌الله .

[ و ] كتاب مصباح الأنوار للشيخ هاشم بن محمّد.

[ ز ] كتاب العدد القويّة لدفع المخاوف اليوميّة، تأليف الشيخ الفقيه رضيّ الدين عليّ بن يوسف بن مطهّر الحلي، أخ العلامة رحمهما الله تعالى.

__________________

(١) في المخطوط والحجرية: فلما، وقد أثبتنا ما هو أنسب.

١٢

الفائدة الثانية

١٣

١٤

في شرح حال هذه الكتب ومؤلّفيها

١ - أمّا الجعفريّات:

فهو من الكتب القديمة المعروفة المعوّل عليها، لإسماعيل بن موسى بن جعفرعليهما‌السلام .

قال النجاشي في رجاله: إسماعيل بن موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ ابن الحسينعليهم‌السلام ، سكن مصر وولده بها، وله كتب يرويها عن أبيه عن آبائه، منها: كتاب الطهارة، كتاب الصلاة، كتاب الزكاة، كتاب الصوم، كتاب الحج، كتاب الجنائز، كتاب الطلاق، كتاب النكاح، كتاب الحدود، كتاب الدعاء، كتاب السنن والآداب، كتاب الرؤيا.

أخبرنا الحسين بن عبيد الله، قال: حدثنا أبو محمّد سهل بن أحمد بن سهل، قال: حدّثنا أبو علي محمّد بن محمّد بن الأشعث بن محمّد الكوفي بمصر - قراءة عليه - قال: حدثنا موسى بن إسماعيل بن موسى بن جعفرعليهم‌السلام (١) ، قال: حدثنا أبي بكتبه(٢) .

وقال الشيخرحمه‌الله في الفهرست: إسماعيل بن موسى بن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالبعليهم‌السلام سكن مصر

__________________

(١) كذا، والمصدر بطبيعته خال من التحية وهو الصحيح لوقوع المعصوم في عمود النسب.

(٢) رجال النجاشي: ٢٦ / ٤٨.

١٥

ومولده(١) بها، له كتب عن أبيه عن آبائه مبوّبه، منها: كتاب الطهارة، كتاب الصلاة، كتاب الزكاة، كتاب الصوم، كتاب الحجّ، كتاب الجنائز، كتاب الطلاق، كتاب النكاح، كتاب الحدود، كتاب الديات، كتاب الدعاء، كتاب السنن والآداب، كتاب الرؤيا.

أخبرنا(٢) الحسين بن عبيد الله، قال: أخبرنا أبو محمّد سهل بن أحمد بن سهل الديباجي، قال: حدثنا أبو علي محمّد بن محمّد بن الأشعث بن محمّد الكوفي بمصر - قراءة عليه - من كتابه، قال: حدثنا موسى بن إسماعيل بن موسى بن جعفرعليهم‌السلام ، قال: حدثنا أبي إسماعيل(٣) .

وقال في رجاله: محمّد بن محمّد بن الأشعث الكوفي، يكنّى أبا علي ومسكنه بمصر في سقيفة جواد، يروي نسخة عن موسى بن إسماعيل بن موسى ابن جعفرعليهما‌السلام ، عن أبيه إسماعيل بن موسى، عن أبيه موسى بن جعفرعليهما‌السلام ، قال التلعكبري: أخذ لي والدي منه إجازة في سنة ثلاث عشرة وثلاثمائة(٤) .

وقال في ترجمة محمّد بن داود بن سليمان: يكنّى أبا الحسن يروي عنه التلعكبري، وذكر أنّ إجازة محمّد بن محمّد بن الأشعث الكوفي وصلت إليه على يد هذا الرّجل في سنة ثلاث عشرة وثلاثمائة، قال: سمعت منه في هذه السنة

__________________

(١) جاء في هامش النسخة الحجرية منهقدس‌سره : « كذا في نسخ الفهرست والظاهر أنه اشتباه والصحيح ما في النجاشي من أن ولده بها، وكيف يكون مولده بمصر وأبوهعليه‌السلام حي بالمدينة، وقد جعله في طبقات الناظرين في صدقاته ».

نقول: أمّا في النسخة المطبوعة من الفهرست: « وولده » وهو يطابق ما في النجاشي المتقدم، فلاحظ.

(٢) في النسخة المطبوعة من الفهرست زيادة لفظ: بجميعها.

(٣) فهرست الشيخ: ١٠ / ٣١. وفيه: عليه بدل عليهما. وتقدم ان لا مورد للتحية.

(٤) رجال الشيخ: ٥٠٠ / ٦٣. وفيه:عليه‌السلام .

١٦

من الأشعثيات ما كان إسناده متّصلا بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وما كان غير ذلك لم يروه عن صاحبه، وذكر التلعكبريّ أنّ سماعة هذه الأحاديث المتّصلة الأسانيد من هذا الرجل، ورواية جميع النسخة بالإجازة عن محمّد بن الأشعث، وقال ليس لي من هذا الرجل إجازة(١) .

وقال النجاشي: سهل بن أحمد بن عبد الله بن أحمد بن سهل الديباجي، أبو محمّد لا بأس به، كان يخفي أمره كثيرا، ثمّ ظاهر بالدين في آخر عمره، له كتاب إيمان أبي طالب. أخبرني به عدّة من أصحابنا، وأحمد بن عبد الواحد(٢) .

وقال العلاّمة طاب ثراه في الخلاصة بعد نقل كلام النجاشي إلى قوله: آخر عمره وقال ابن الغضائري: كان يضع الأحاديث، ويروي عن المجاهيل ولا بأس بما يروي عن الأشعثيات، وما يجري مجراها ممّا رواه غيره(٣) ، انتهى.

وقال الشيخرحمه‌الله في رجاله: سهل بن أحمد بن عبد الله بن سهل الديباجي، بغداديّ كان ينزل درب الزعفراني ببغداد، سمع منه التّلعكبريّ سنة سبعين وثلاثمائة، وله منه إجازة ولابنه، أخبرنا عنه الحسين بن عبيد الله، يكنّى أبا محمّد(٤) ، انتهى.

ولا يخفى أنّ مدح النجاشي، ورواية العدّة والتّلعكبريّ وابنه عنه، وعدم إشارة الشيخ إلى ذمّ فيه، واعتماده(٥) والنجاشي والحسين بن عبيد الله عليه في الرواية عن الأشعثيات، وذكره بالكنية في مقام ذكر الطريق.

يوجب(٦) الاعتماد، ويوهن كلام ابن الغضائري، وان استثنى روايته عن

__________________

(١) المصدر السابق: ٥٠٤ / ٧٥.

(٢) رجال النجاشي: ١٨٦ / ٤٩٣.

(٣) رجال العلامة: ٨١ / ٤.

(٤) رجال الشيخ: ٤٧٤ / ٣.

(٥) أي الشيخ الطوسي.

(٦) جواب لقوله « لا يخفى. » المتقدم قبل أسطر.

١٧

الأشعثيات، فإنّ جلالة شأنهم، وعلوّ مقامهم، وتثبّتهم، تأبى عن الرواية عن الوضّاع، وجعله شيخا للإجازة.

ويؤيده كلام جماعة من أصحابنا: كالشيخ محمّد في شرح الاستبصار(١) ، والشيخ عبد النبيّ في الحاوي(٢) ، وسميّه الكاظمي في التكملة، بل نسبه فيها إلى الأكثر(٣) ، والمجلسي(٤) ، وصاحب النقد(٥) ، وأستاده خرّيت هذه الصناعة المولى عبد الله التستري(٦) ، من أنّ المراد من ابن الغضائري صاحب الرجال، هو أحمد الغير المذكور في الرجال، الذي صرّح الجماعة بأنّهم لم يقفوا فيه على جرح ولا تعديل، بل قال في البحار: ورجال ابن الغضائري، وهو إن كان الحسين فهو من أجلّة الثقات، وإن كان أحمد - كما هو الظاهر - فلا اعتمد عليه كثيرا، وعلى أي حال الاعتماد على هذا الكتاب يوجب ردّ أكثر أخبار الكتب المشهورة(٧) ، انتهى.

وممّن روى عن الأشعثيات بتوسط سهل عليّ بن بابويه(٨) قدّس سره كما

__________________

(١) عنوانه: استقصاء الاعتبار في شرح الاستبصار.

(٢) الموسوم ب: حاوي الأقوال في معرفة الرجال للشيخ عبد النبي الجزائري المتوفى سنة ١٠٢١ هجرية، لا زال مخطوطا.

(٣) تكملة الرجال ١: ١٢٦ - ١٣١.

(٤) بحار الأنوار ١: ٤١.

(٥) نقد الرجال: ٢٠ / ٤٤ و ١٠٦ / ٧٥.

(٦) أنظر مجمع الرجال ١: ١٠.

(٧) بحار الأنوار ١: ٤١.

(٨) يبدو ان الشيخ المؤلفقدس‌سره اشتبه عليه الأمر، كما اشتبه على الشيخ المجلسيقدس‌سره في البحار من قبله.

إذ بعد البحث ثبت ان الروايات المقصودة والمشار إليها هي ما رواه جعفر بن أحمد بن علي القمي وليس علي بن بابويه القمي.

وذلك لأن المشار إليها من الأحاديث أخلاقية في الغالب والإمامة والتبصرة معلوم بحثه وموضوعه من عنوانه.

١٨

يظهر من كتاب الإمامة والتبصرة له، وقد نقل عنه في البحار كثيرا، سيّما في كتاب العشرة، ووجدناه مطابقا لما في أصله(١) .

ولا بعد في رواية علي بن بابويه عنه(٢) ، مع رواية الحسين - المتأخر عنه بطبقتين - عنه أيضا، فإنّ وفاه علي في سنة تسع وعشرين وثلاثمائة، وقد مرّ أنّ التلعكبري سمع منه سنة سبعين وثلاثمائة، فلو كان عمره حينئذ ثمانين مثلا كان في وقت وفاة علي في حدود الأربعين، وروايته عنه قبله بمدّة غير مستبعد.

وممّن روى هذا الكتاب عن محمّد بن محمّد بن الأشعث بتوسط سهل: أبو عبد الله محمّد بن الحسن التميمي البكري، كما يأتي في شرح حال كتاب النوادر للسيّد فضل الله الراوندي(٣) .

ثم اعلم أنّ جماعة أخرى رووا هذا الكتاب عنه غير سهل:

__________________

أضف ان النسخة التي كانت بيد العلامة المجلسي من الإمامة والتبصرة ملفقة منه وجامع الأحاديث حيث سقط صفحة عنوان الجامع وبالتالي عزيت احاديث الجامع إلى الإمامة مما نشأ عنه ذلك، ولمزيد التوضيح راجع مستدرك الوسائل الجزء الأول صفحة ٣٩ من مقدمة التحقيق.

هذا ومما يثير العجب ان العلاّمة النوري ( ره ) بنفسه شكك في صحة كون ما ينقل عنه العلاّمة المجلسي ( ره ) بعنوان الإمامة والتبصرة هو نفس هذا الكتاب، ومما استند إليه في هذا التشكيك وجود الرواية فيه عن سهل بن أحمد الديباجي وأن رواية علي بن بابويه عنه تنافي طبقته، راجع الجزء الثالث صفحة ٥٢٩ من الطبعة الحجرية.

(١) راجع بحار الأنوار على سبيل المثال ٧٤: ٨٠ / ٨٠ و ٤٠٠ / ٤٤، وجامع الأحاديث: ١١ و ٢٧.

(٢) لكنه في الفائدة الثالثة في ترجمة الحادي عشر من المشايخ العظام الّذين تنتهي إليهم السلسلة في الإجازات، وهو علي بن بابويه القمي ( ره ): ذكر أن رواية علي ابن بابويه القمي ( ره ) عن أبي محمد هارون بن موسى التلعكبري والحسن بن حمزة العلوي و. وعن سهل بن أحمد الديباجي تنافي طبقته، وهذا مناف لما أورده هنا، نعم بعد أن ذكر المنافاة المذكورة قال: ( وإن أمكن التكلف في بعضها ) ولعلّ مراده بالبعض روايته عن سهل أو أنها جزء من مراده، فيمكن التكلف برفع المنافاة بين ما صدر عنه في المقامين.

(٣) يأتي في الصفحة: ١٧٣.

١٩

١ - منهم: شيخ هذه الطائفة ووجهها أبو محمّد هارون بن موسى التلعكبري كما تقدّم(١) .

٢ - ومنهم: الشيخ الجليل أبو المفضّل الشيباني ، قال رضيّ الدين علي ابن طاوس في فلاح السائل: حدّث أبو المفضّل محمّد بن عبد اللهرحمه‌الله قال: كتب إليّ محمّد بن محمّد بن الأشعث الكوفي من مصر، يقول: حدثنا موسى بن إسماعيل بن موسى بن جعفرعليهما‌السلام ، وساق السند(٢) (٣) والخبر موجود في أواخر هذا الكتاب.

٣ - ومنهم: أبو الحسن علي بن جعفر بن حمّاد ، قال العلامة في إجازته الكبيرة لبني زهرة: ومن ذلك كتاب الجعفريات، وهي ألف حديث بهذا الإسناد: عن السيّد ضياء الدين فضل الله بإسناد واحد، رواها عن شيخه عبد الرحيم، عن أبي شجاع صابر بن الحسين بن فضل الله بن مالك، قال: حدثنا أبو الحسن عليّ بن جعفر بن حمّاد بن دائن(٤) الصيّاد بالبحرين، قال: أخبرنا بها أبو علي محمّد بن محمّد بن الأشعث الكوفي، عن أبي الحسن موسى ابن إسماعيل بن موسى بن جعفرعليهما‌السلام .

٤ - ومنهم: عبد الله بن المفضل ، قال الشيخرحمه‌الله في باب البيّنات من التهذيب: عنه، عن عبد الله بن المفضّل بن محمّد بن هلال(٥) ، عن محمّد

__________________

(١) تقدم في صفحة: ١٦، عند نقله كلام الشيخ في رجاله في ترجمة محمّد ابن محمد بن الأشعث الكوفي نقلا عن التلعكبري قال: أخذ لي والدي منه إجازة في سنة ثلاث عشر وثلاثمائة.

(٢) ورد في الحجرية بعد السند زيادة: والمتن.

(٣) فلاح السائل: ٢٨٤، وانظر الأشعثيات: ٢٤٨.

(٤) كذا وفي بحار الأنوار ١٠٧: ١٣٢: رائق.

(٥) كذا في النسخة المطبوعة من الاستبصار ٣: ٢٤ / ٧٨، وفي التهذيب ٦: ٢٦٥ / ٧١٠ ورجال

٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

...........................................................................

_________________________________________

والمحب يختار رضا محبوبة ولا ينظر إلى ثواب ولا يحذر من عقاب ، وحبه تعالى إذا استولى على القلب يطهره عن حب ما سواه ، ولا يختار في شيء من الأمور إلا رضا مولاه ، كما روى الصدوق (ره) بإسناده عن الصادقعليه‌السلام أنه قال أن الناس يعبدون الله على ثلاثة أوجه فطبقة يعبدونه رغبة في ثوابه فتلك عبادة الحرصاء وهو الطمع ، وآخرون يعبدونه فرقا من النار فتلك عبادة العبيد وهي رهبة ، ولكني أعبده حباله عز وجل فتلك عبادة الكرام وهو الأمن ، لقوله عز وجل : «وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ »(١) ولقوله عز وجل : «قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ »(٢) فمن أحب الله أحبه الله ، ومن أحبه الله عز وجل كان من الآمنين.

وفي تفسير الإمامعليه‌السلام قال علي بن الحسينعليه‌السلام : إني أكره أن أعبد الله لأغراض لي ولثوابه ، فأكون كالعبد الطمع المطمع ، إن طمع عمل وإلا لم يعمل ، وأكره أن أعبده لخوف عباده فأكون كالعبد السوء إن لم يخف لم يعمل ، قيل : فلم تعبده؟ قال : لما هو أهله بأياديه على وإنعامه.

وقال محمد بن علي الباقرعليه‌السلام : لا يكون العبد عابد الله حق عبادته حتى ينقطع عن الخلق كله إليه ، فحينئذ يقول هذا خالص لي فيتقبله بكرمه.

وقال جعفر بن محمدعليه‌السلام : ما أنعم الله عز وجل على عبد أجل من أن لا يكون في قلبه مع الله غيره.

وقال موسى بن جعفرعليه‌السلام : أشرف الأعمال التقرب بعبادة الله عز وجل.

وقال علي الرضاعليه‌السلام : «إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ »(٣) قول لا إله إلا الله محمد رسول الله علي ولي الله ، وخليفة محمد رسول الله حقا وخلفاؤه خلفاء الله «وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ

__________________

(١) سورة النمل : ٨٩.

(٢) سورة آل عمران : ٣١.

(٣) سورة فاطر : ١٠.

١٠١

٣ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن محبوب ، عن هشام بن سالم ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إن العبد المؤمن الفقير ليقول يا رب ارزقني حتى أفعل كذا وكذا من البر ووجوه الخير فإذا علم الله عز وجل ذلك منه بصدق نية كتب الله له من الأجر مثل ما يكتب له لو عمله إن الله واسع كريم.

_________________________________________

يَرْفَعُهُ » علمه في قلبه بأن هذا صحيح كما قلته بلساني.

وأقول : لكل من النيات الفاسدة والصحيحة أفراد أخرى يعلم بالمقايسة بما ذكرنا ، وهي تابعة لأحواله وصفاته وملكاته الراسخة منبعثة عنها ، ومن هذا يظهر سر أن أهل الجنة يخلدون فيها بنياتهم لأن النية الحسنة تستلزم طينة طيبة وصفات حسنة وملكات جميلة ، تستحق الخلود بذلك ، إذ لم يكن مانع العمل من قبله ، فهو بتلك الحالة مهيئ للأعمال الحسنة والأفعال الجميلة ، والكافر مهيئ لضد ذلك ، وبتلك الصفات الخبيثة المستلزمة لتلك النية الرديئة استحق الخلود في النار.

وبما ذكرنا ظهر معنىقوله عليه‌السلام : وكل عامل يعمل على نيته ، أي عمل كل عامل يقع على وفق نيته في النقص والكمال والرد والقبول ، والمدار عليها كما عرفت ، وعلى بعض الاحتمالات المعنى أن النية سبب للفعل وباعث عليه ، ولا يتأتى العمل إلا بها كما مر.

الحديث الثالث : صحيح.

« ليقول » أي بلسانه أو بقلبه أو الأعم منهما« فإذا علم الله عز وجل ذلك » أي علم أنه إن رزقه يفي بما يعده من الخير فإن كثيرا من المتمنيات والمواعيد كاذبة لا يفي الإنسان به «إِنَّ اللهَ واسِعٌ » القدرة أو واسع العطاء« كريم » بالذات ، فالإثابة على نية الخير من سعة جوده وكرمه لا من استحقاقهم ذلك.

قال الشيخ البهائيقدس‌سره : هذا الحديث يمكن أن يجعل تفسيرا لقولهعليه‌السلام نية المؤمن خير من عمله ، فإن المؤمن ينوي كثيرا من هذه النيات فيثاب عليها ولا يتيسر العمل إلا قليلا ، انتهى.

١٠٢

...........................................................................

_________________________________________

وأقول : النية تطلق على النية المقارنة للفعل وعلى العزم المتقدم عليه ، سواء تيسر العمل أم لا ، وعلى التمني للفعل وإن علم عدم تمكنه منه ، والمراد هنا أحد المعنيين الأخيرين ، ويمكن أن يقال : إن النية لما كانت من الأفعال الاختيارية القلبية فلا محالة يترتب عليها ثواب ، وإذا فعل الفعل المنوي يترتب عليه ثواب آخر ، ولا ينافي اشتراط العمل بها تعدد الثواب كما أن الصلاة صحتها مشروطة بالوضوء ويترتب على كل منهما ثواب إذا اقترنا ، فإذا لم يتيسر الفعل لعدم دخوله تحت قدرته أو لمانع عرض له يثاب على العزم ، وترتب الثواب عليه غير مشروط بحصول الفعل ، بل بعدم تقصيره فيه فالثواب الوارد في الخبر يحتمل أن يكون هذا الثواب فله مع الفعل ثوابان ، وبدونه ثواب واحد ، فلا يلزم كون العمل لغوا ولا كون ثواب النية والعمل معا كثوابها فقط ، ويحتمل أن يكون ثواب النية كثوابها مع العمل بلا مضاعفة ومع العمل يضاعف عشر أمثالها أو أكثر.

ويؤيده ما سيأتي أن الله جعل لآدم أن من هم من ذريته بسيئة لم تكتب عليه ، وإن عملها كتبت عليه سيئة ، ومن هم منهم بحسنة فإن لم يعملها كتبت له حسنة ، فإن هو عملها كتبت له عشرا ، وإن أمكن حمله على ما إذا لم يعملها مع القدرة عليها ، وعلى ما حققنا أن النية تابعة للشاكلة والحالة ، وأن كمالها لا يحصل إلا بكمال النفس واتصافها بالأخلاق الرضية الواقعية فلا استبعاد في تساوي ثواب من عزم على فعل على وجه خاص من الكمال ولم يتيسر له ، ومن فعله على هذا الوجه.

وقيل : أثابه المؤمن بنيته أمر خير متفق عليه بين الأمة ورواه الخاصة والعامة روى مسلم بإسناده عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : من طلب الشهادة صادقا أعطيها ولو لم تصبه ، وبإسناد آخر عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : من سأل الله الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه ، قال المازري : وفيهما دلالة على أن من نوى شيئا من أعمال

١٠٣

٤ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن علي بن أسباط ، عن محمد بن إسحاق بن الحسين ، عن عمرو ، عن حسن بن أبان ، عن أبي بصير قال سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن حد العبادة التي إذا فعلها فاعلها كان مؤديا فقال حسن النية بالطاعة.

٥ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن القاسم بن محمد ، عن المنقري ، عن أحمد بن يونس ، عن أبي هاشم قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام إنما خلد أهل النار في النار لأن نياتهم كانت في الدنيا أن لو خلدوا فيها أن يعصوا الله أبدا وإنما خلد أهل الجنة في الجنة لأن نياتهم كانت في الدنيا أن لو بقوا فيها أن يطيعوا الله أبدا فبالنيات خلد هؤلاء وهؤلاء ثم تلا قوله تعالى : «قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ »(١)

_________________________________________

البر ولم يفعله لعذر كان بمنزلة من عمله ، وعلى استحباب طلب الشهادة ونية الخير وقد صرح بذلك جماعة من علمائهم حتى قال الآبي : لو لم ينوه كان حاله حال المنافق لا يفعل الخير ولا ينويه.

الحديث الرابع : مجهول وقد مضى الكلام فيه ، والحاصل أنهحد العبادة الصحيحة المقبولة بالنية الحسنة غير المشوبة مع طاعة الإمام لأنهما العمدة في الصحة والقبول ، فالحمل على المبالغة ، أو المراد بالطاعة الإتيان بالوجوه التي يطاع الله منها مطلقا.

الحديث الخامس : ضعيف.

وكان الاستشهاد بالآية مبني على ما حققنا سابقا أن المدار في الأعمال علي النية التابعة للحالة التي اتصفت النفس بها من العقائد والأخلاق الحسنة والسيئة فإذا كانت النفس على العقائد الثابتة والأخلاق الحسنة الراسخة التي لا يتخلف عنها الأعمال الصالحة الكاملة لو بقي في الدنيا أبدا فبتلك الشاكلة والحالة استحق الخلود في الجنة ، وإذا كانت على العقائد الباطلة والأخلاق الرديئة التي علم الله تعالى أنه لو بقي في الدنيا أبدا لعصى الله تعالى دائما فبتلك الشاكلة استحق الخلود في النار

__________________

(١) سورة الإسراء : ٨٤.

١٠٤

قال على نيته.

_________________________________________

لا بالأعمال التي لم يعملها.

فلا يرد أنه ينافي الأخبار الواردة في أنه إذا أراد السيئة ولم يعملها لم تكتب عليه ، مع أنه يمكن حمله على ما إذا لم تصر شاكلة له ، ولم تكن بحيث علم الله أنه لو بقي لأتى بها ، أو يحمل عدم كتابة السيئة على المؤمنين ، وهذا إنما هو في الكفار وقد يستدل بهذا الخبر على أن كل كافر يمكن في حقه التوبة والإيمان لا يموت على الكفر.

أقول : ويمكن أن يستدل به على أن بالعزم على المعصية يستحق العقاب وإن عفا الله عن المؤمنين تفضلا.

وما ذكره المحقق الطوسي (ره) في التجريد في مسألة خلق الأعمال حيث قال : وإرادة القبيح قبيحة يدل على أنه بعد إرادة العباد للحرام فعلا قبيحا محرما وهو الظاهر من كلام أكثر الأصحاب سواء كان تاما مستتبعا للقبيح أو عزما ناقصا غير مستتبع لكن قد تقرر عندهم أن إرادة القبيح إذا كانت غير مقارنة لفعل قبيح يتعلق بها العفو كما دلت عليه الروايات وسيأتي بعضها ، وأما إذا كانت مقارنة فلعله أيضا كذلك وادعى بعضهم الإجماع على أن فعل المعصية لا تتعلق به إلا أثم واحد ، ومن البعيد أن يتعلق به إثمان أحدهما بإرادته والآخر بإيقاعه.

قال بعض المحققين من المعاصرين في شرح هذه الفقرة المنقولة من التجريد بعد إيراد نحو مما ذكرنا : فيندفع حينئذ التدافع بين ما ذكره المصنف (ره) من قبح إرادة القبيح وبين ما هو المشهور من أن الله تعالى لا يعاقب بإرادة الحرام وإنما يعاقب بفعله ، وما أوله به بعضهم من أن المراد أنه لا يعاقب العقوبة الخاصة بفعل المعصية بمجرد إرادتها ويثيب الثواب الخاص بفعل الطاعة بمجرد إرادتها ، ففيه أن شيئا من ذلك غير صحيح ، فإن الظاهر من النصوص أنه تعالى لا يعاقب ولا يؤاخذ على إرادة المعصية أصلا وأن الإجماع قائم على أن ثواب الطاعة لا يترتب على إرادتها

١٠٥

باب

١ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن ابن محبوب ، عن الأحول ، عن سلام بن المستنير ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ألا إن لكل عبادة شرة ثم تصير إلى فترة فمن صارت شرة عبادته إلى سنتي فقد اهتدى ومن

_________________________________________

بل المترتب عليها نوع آخر من الثواب يختلف باختلاف الأحوال المقارنة لها من خلوص النية وشدة الجد فيها ، والاستمرار عليها إلى غير ذلك ، ولا مانع من أن يصير في بعض الأحوال أعظم من ثواب نفس الفعل الذي لم يكن لصاحبه تلك الإرادة البالغة الجامعة لهذه الخصوصيات وكان تتبع الآثار المأثورة يغني عن الإطالة في هذا الباب.

وأقول : قد عرفت بعض ما حققنا في ذلك وسيأتي إنشاء الله تمام الكلام عند شرح بعض الأخبار في أواخر هذا المجلد ، وقد مر بعض القول فيه في باب أن الإيمان مبثوث لجوارح البدن.

باب

إنما لم يعنون الباب لأنه يمكن إدخاله في عنوان الباب الآتي ، ولعله لو ذكر بعده كان أولى ، وأما مناسبته للباب السابق كما توهم فهي ضعيفة.

الحديث الأول : مجهول.

« إن لكل عبادة شرة » الشره بكسر الشين وتشديد الراء شدة الرغبة ، قال في النهاية فيه : إن لهذا القرآن شرة ، ثم إن للناس عنه فترة ، الشره : النشاط والرغبة ، ومنه الحديث الآخر : لكل عابد شرة ، وقال في حديث ابن مسعود : أنه مرض فبكى فقال : إنما أبكي لأنه أصابني على حال فترة ، ولم يصبني على حال اجتهاد ، أي في حال سكون وتقليل من العبادات والمجاهدات ، انتهى.

١٠٦

خالف سنتي فقد ضل وكان عمله في تباب أما إني أصلي وأنام وأصوم وأفطر وأضحك وأبكي فمن رغب عن منهاجي وسنتي فليس مني وقال كفى بالموت موعظة وكفى باليقين غنى وكفى بالعبادة شغلا.

_________________________________________

« إلى سنتي » أي منتهيا إليها ، أو إلى بمعنى مع ، أي لا تدعوه كثرة الرغبة في العبادة إلى ارتكاب البدع كالرياضات المبتدعة للمتصوفة ، بل يعمل بالسنن والتطوعات الواردة في السنة ، ويحتمل أن يكون المراد بانتهاء الشره أن يكون ترك الشره بالاقتصاد والاكتفاء بالسنن وترك بعض التطوعات لا بترك السنن أيضا ، ويؤيده الخبر الآتي.

« في تباب » أي تباب العمل أو صاحبه ، والتباب الخسران والهلاك ، وفي بعض النسخ في تبار بالراء وهو أيضا الهلاك.

« كفى بالموت موعظة » الباء زائدة والموعظة ما يتعظ الإنسان به ، ويصير سببا لانزجار النفس عن الخطايا والميل إلى الدنيا والركون إليها وأعظمها الموت ، إذ العاقل إذا تفكر فيه وفي غمراته وما يعقبه من أحوال البرزخ والقيامة وأهوالها وما فعله بأهل الدنيا من قطع أيديهم عنها وإخراجهم منها طوعا أو كرها فجأة من غير اطلاع منهم على وقت نزوله وكيفية حلوله ، هانت عنده الدنيا وما فيها ، وشرع في التهيئة له إن أعطاه الله تعالى بصيرة في ذلك.

« وكفى باليقين غنى » أي كفى اليقين بأن الله رازق العباد ، وأنه يوسع على من يشاء ويقتر على من يشاء بحسب المصالح سببا لغني النفس وعدم الحرص وترك التوسل بالمخلوقين ، وهو من اليقين بالقضاء والقدر ، وقد مر في باب اليقين أنه يطلق غالبا عليه« وكفى بالعبادة شغلا » كان المقصود أن النفس يطلب شغلا يشتغل به ، فإذا شغلها المرء بالعبادة تحيط بجميع أوقاته فلا يكون له فراغ يصرفه في الملاهي ، وإذا لم يشتغل بالعبادة يدعوه الفراغ إلى البطر واللهو وصرف العمر في المعاصي والملاهي

١٠٧

٢ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن الحجال ، عن ثعلبة قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام لكل أحد شرة ولكل شرة فترة فطوبى لمن كانت فترته إلى خير.

باب

الاقتصاد في العبادة

١ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن محمد بن سنان ، عن أبي الجارود ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إن هذا الدين متين فأوغلوا

_________________________________________

والأمور الباطلة ، كسماع القصص الكاذبة وأمثالها ، والغرض الترغيب في العبادة وبيان عمدة ثمراتها ، والظاهر أن هذه الفقرات الأخيرة مواعظ آخر لا ارتباط لها بما تقدمها ، وقد يتكلف بجعلها مربوطة بها بأن المراد بالأولى كفى الموت موعظة في عدم مخالفته السنة ، وكفى اليقين غنى لئلا يطلب الدنيا بالرياء وارتكاب البدع ، وكفت العبادة المقررة الشرعية شغلا ، فلا يلزم الاشتغال بالبدع.

الحديث الثاني : ضعيف على المشهور وقد مر مضمونه.

والحاصل أن لكل أحد شوقا ونشاطا في العبادة في أول الأمر ، ثم يعرض له فترة وسكون ، فمن كانت فترته بالاكتفاء بالسنن وترك البدع أو ترك التطوعات الزائدة فطوبى له ، ومن كانت فترته بترك السنن أيضا أو بترك الطاعات رأسا وارتكاب المعاصي ، أو بالاقتصار على البدع فويل له ، وقد مر في آخر كتاب العقل بسند آخر عن أبي جعفرعليه‌السلام قال : ما من أحد إلا وله شرة وفترة فمن كانت فترته إلى سنة فقد اهتدى ، ومن كانت فترته إلى بدعة فقد غوى ، وهو يؤيد ما ذكرنا.

باب الاقتصاد في العبادة

الحديث الأول : ضعيف بسنديه.

وقال في النهايةالمتين الشديد القوي ، وقال فيه :إن هذا الدين متين فأوغل

١٠٨

فيه برفق ولا تكرهوا عبادة الله إلى عباد الله فتكونوا كالراكب المنبت الذي لا سفرا قطع ولا ظهرا أبقى.

محمد بن سنان ، عن مقرن ، عن محمد بن سوقة ، عن أبي جعفرعليه‌السلام مثله.

٢ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ومحمد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان جميعا ، عن ابن أبي عمير ، عن حفص بن البختري ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال لا تكرهوا

_________________________________________

فيه برفق ، الإيغال : السير الشديد يقال : أوغل القوم وتوغلوا إذا أمعنوا في سيرهم ، والوغول الدخول في الشيء وقد وغل يغل وغولا يريد : سر فيه برفق ، وأبلغ الغاية القصوى منه بالرفق ، لا على سبيل التهافت والخرق ، ولا تحمل نفسك وتكلفها ما لا تطيقه فتعجز وتترك الدين والعمل.

وقال فيه : فإن المنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى ، يقال للرجل إذا انقطع به في سفره وعطبت راحلته قد أنبت من البت القطع ، وهو مطاوع بت يقال بتة وأبته يريد أنه بقي في طريقه عاجزا عن مقصده لم يقض وطره وقد أعطب ظهره ، انتهى.

« ولا تكرهوا عبادة الله » كان المعنى أنكم إذا أفرطتم في الطاعات يريد الناس متابعتكم في ذلك ، فيشق عليهم فيكرهون عبادة الله ويفعلونها من غير رغبة وشوق ، ويحتمل أن يكون أوغلوا في فعل أنفسهم ولا تكرهوا في دعوة الغير ، أي لا تحملوا على الناس في تعليمهم وهدايتهم فوق سعتهم وما يشق عليهم كما مر في حديث الرجل الذي هدى النصراني في باب درجات الإيمان ، ويحتمل أن يكون عباد الله شاملا لأنفسهم أيضا ، ويمكن أن يكون الإيغال هنا متعديا أي أدخلوا الناس فيه برفق ليوافق الفقرة الثانية ، قال في القاموس : وغل في الشيء يغل وغولا دخل وتوارى ، أو بعد وذهب ، وأوغل في البلاد والعلم ذهب وبالغ وأبعد كتوغل ، وكل داخل مستعجلا موغل ، وقد أوغلته الحاجة.

الحديث الثاني : حسن كالصحيح.

١٠٩

إلى أنفسكم العبادة.

٣ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن محمد بن إسماعيل ، عن حنان بن سدير قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول إن الله عز وجل إذا أحب عبدا فعمل عملا قليلا جزاه بالقليل الكثير ولم يتعاظمه أن يجزي بالقليل الكثير له.

٤ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن فضال ، عن الحسن بن الجهم ، عن منصور ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال مر بي أبي وأنا بالطواف وأنا حدث وقد اجتهدت في العبادة فرآني وأنا أتصاب عرقا فقال لي يا جعفر يا بني إن الله إذا أحب عبدا أدخله الجنة ورضي عنه باليسير.

٥ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن حفص بن البختري وغيره ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال اجتهدت في العبادة وأنا شاب فقال لي أبيعليه‌السلام يا بني

_________________________________________

وحاصله النهي عن الإفراط في التطوعات بحيث يكرهها النفس ، ولا يكون فيها راغبا ناشطا.

الحديث الثالث : موثق.

وفي القاموستعاظمه عظم عليه ، وكان في أكثر هذه الأخبار إشارة إلى أن السعي في زيادة كيفية العمل أحسن من السعي في زيادة كميته ، وأن السعي في تصحيح العقائد والأخلاق أهم من السعي في كثرة الأعمال.

الحديث الرابع : مجهول.

« إذا أحب عبدا » أي بحسن العقائد والأخلاق ورعاية الشرائط في الأعمال التي منها التقوى.

الحديث الخامس : حسن كالصحيح.

١١٠

دون ما أراك تصنع فإن الله عز وجل إذا أحب عبدا رضي عنه باليسير.

٦ ـ حميد بن زياد ، عن الخشاب ، عن ابن بقاح ، عن معاذ بن ثابت ، عن عمرو بن جميع ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يا علي إن هذا الدين متين فأوغل فيه برفق ولا تبغض إلى نفسك عبادة ربك فإن المنبت يعني المفرط لا ظهرا أبقى ولا أرضا قطع فاعمل عمل من يرجو أن يموت هرما واحذر حذر من يتخوف أن يموت غدا

_________________________________________

« دون ما أراك تصنع » دون منصوب بفعل مقدر أي أصنع دون ذلك.

الحديث السادس : ضعيف.

« فاعمل عمل من يرجو أن يموت هرما » أي تأن وارفق ولا تستعجل ، فإن من يرجو البقاء طويلا لا يسارع في الفعل كثيرا ، أو أن من يرجو ذلك لا يتعب نفسه بل يداري بدنه ولا ينهكه بكثرة الصيام والسهر وأمثالها ، واحذر عن المنهيات كحذر من يخاف أن يموت غدا ، قيل : ولعل السر فيه أن العبادات أعمال وفيها تعب الأركان وشغل عما سواها ، فأمر فيها بالرفق والاقتصاد كيلا تكل بها الجوارح ولا تبغضها النفس ، ولا تفوت بسببها حق من الحقوق ، فأما الحذر عن المعاصي والمنهيات فهو ترك واطراح وليس فيه كثير كد ولا ملالة ، ولا شغل عن شيء فيترك ترك من يخاف أن يموت غدا على معصية الله تعالى ، وقيل : الفرق أن فعل الطاعات نفل وفضل ، وترك المخالفات حتم وفرض.

١١١

باب

من بلغه ثواب من الله على عمل

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال من سمع شيئا من الثواب على شيء فصنعه كان له وإن لم يكن على ما بلغه.

٢ ـ محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن محمد بن سنان ، عن عمران الزعفراني ، عن محمد بن مروان قال سمعت أبا جعفرعليه‌السلام يقول من بلغه ثواب من الله على عمل فعمل ذلك العمل التماس ذلك الثواب أوتيه وإن لم يكن الحديث كما بلغه.

_________________________________________

باب من بلغه ثواب من الله على عمل

الحديث الأول : حسن كالصحيح.

« كان » أي الثواب« له » وفي بعض النسخ كان له أجره.

الحديث الثاني : ضعيف على المشهور.

ويدل على صحة العمل بنية الثواب وأنها لا تنافي الإخلاص كما عرفت.

فائدة جليلة

اعلم أن أصحابنا رضوان الله عليهم كثيرا ما يستدلون بالأخبار الضعيفة والمجهولة على السنن والآداب ، ويحكمون بها بالكراهة والاستحباب ، وأورد عليه أن الاستحباب أيضا حكم شرعي كالوجوب فلا وجه للفرق بينهما والاكتفاء فيه بأخبار الضعفاء والمجاهيل ، وكذا الكراهة والحرمة لا فرق بينهما في ذلك ، وأجيب عنه بأن الحكم بالاستحباب فيما ضعف مستنده ليس في الحقيقة بذلك الخبر الضعيف ، بل بالروايات الواردة في هذا الباب وغيره.

فإن قيل : هذه الروايات أيضا ليست صحيحة على مصطلح القوم؟ قلت : الخبر الأول وإن كان حسنا لكن حسن إبراهيم بن هاشم لا يقصر عن الصحيح ، مع أنه مؤيد

١١٢

...........................................................................

_________________________________________

بالخبر الثاني ، وبما رواه الصدوق في ثواب الأعمال عن أبيه عن علي بن موسى عن أحمد بن محمد عن علي بن الحكم عن هشام عن صفوان عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : من بلغه شيء من الثواب على شيء من الخير فعمله كان له أجر ذلك وإن كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يقله ، وبما رواه البرقي في المحاسن عن أبيه عن أحمد بن النضر عن محمد بن مروان عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : من بلغه عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شيء من الثواب ففعل ذلك طلب قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان له ذلك الثواب وإن كان النبي لم يقله.

مع أنه روى البرقي بسند صحيح أيضا وإن غفل عنه الأكثر وقالوا : لم يرد فيه خبر صحيح حيث روي عن أبيه عن علي بن الحكم عن هشام بن سالم عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : من بلغه عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شيء من الثواب فعمله كان أجر ذلك له وإن كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يقله ، وقد روته العامة أيضا بأسانيد عن النبي ، فلا يبعد عده من المتواترات فمهما عملنا بخبر ضعيف لم نعمل بهذا الخبر بل بهذه الأخبار المستفيضة الدالة على جواز العمل به ، وترتب الثواب عليه.

ومع ذلك فقد يخدش بوجوه : الأول : أن مفاد الروايات أنه إذا روي أن في العمل الفلاني ثوابا معينا فعمل أحد ذلك العمل رجاء ذلك الثواب يعطي ذلك الثواب وإن كان الخبر خلاف الواقع ولم يقله المعصومعليه‌السلام فلا تشمل هذه الأخبار ما لم يرد فيه ثواب مع أن الأصحاب يستدلون بالأخبار غير الصحيحة التي لم تشتمل على الثواب على الكراهة والاستحباب ، ويمكن أن يجاب بأن الأمر بالعبادة يستلزم ترتب الثواب عليه وإن لم يذكر في الخبر ، فإذا فعل المؤمن ذلك العمل رجاء للثواب المعلوم ترتبه على العمل وإن لم يعلم مقداره يكون داخلا في تلك الأخبار ، ولا بد أن يثاب في الجملة لاقتضائها ذلك ولا يخلو من تمحل.

الثاني : أن الثواب كما يكون للمستحب كذلك يكون للواجب أيضا ، فلم

١١٣

...........................................................................

_________________________________________

خصصوا الحكم بالمستحب ، والجواب أنك قد عرفت أنا لم نعمل بهذا الخبر الدال على الوجوب بل إنما عملنا بتلك الأخبار وهي لا تدل إلا على رجحان العمل به وترتب الثواب عليه ولا تدل على ترتب العقاب على تركه فالحكم الثابت لنار بهذا الخبر بانضمام تلك الروايات ليس إلا الحكم الاستحبابي فافهم.

الثالث : أن بين تلك الروايات وبين ما يدل على عدم جواز العمل بخبر الفاسق كقوله تعالى : «إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا »(١) عموما من وجه ، فلا وجه لتخصيص الثاني بالأول بل العكس أولى لقطعية طريقه وتأيده بالأصل ، إذ الأصل عدم التكليف وبراءة الذمة منه ، ويمكن أن يجاب بأن الآية إنما تدل على عدم العمل بخبر الفاسق بدون التثبت والتبين ، والعمل به فيما نحن فيه بعد ورود الروايات ليس عملا بلا تثبت فلم تخصص الآية بالأخبار ، بل بسبب ورودها خرجت تلك الأخبار الضعيفة عن عنوان الحكم المثبت في الآية الكريمة.

الرابع : أن هذه المسألة أي ثبوت الاستحباب بالأدلة الضعيفة إنما هو من مسائل الأصول على المشهور وجواز الاكتفاء فيه بالظن الحاصل من خبر الواحد مشكل ، والجواب أن مثل هذا الخبر المشتهر بين الفريقين الوارد بأسانيد كثيرة مما يورث القطع بمضمونه ، مع أن وجوب تحقق العلم القطعي في جميع مسائل الأصول مما يمكن المناقشة فيه.

الخامس : أن عموم العمل الذي ورد في الخبر ترتب الثواب عليه غير معلوم ، فإنه فيما سبق من الأخبار نكرة في سياق الإثبات وهي غير مفيدة للعموم ، فحينئذ يحتمل أن يكون المراد فيها أن من سمع ثوابا من الله على عمل ثابت بدليل شرعي قطعي أو ظني جائز العمل به ، ثم عمل بذلك العمل أعطي ذلك الأجر فلا يدل

__________________

(١) سورة الحجرات : ٦.

١١٤

...........................................................................

_________________________________________

على إثبات أصل العمل بالأخبار الغير المعتبرة ، والجواب أن العمل وإن كان نكرة في إثبات وهو لا يفيد العموم إلا أنه لما كان مقنن القوانين ومن صدر عنه الحكم لما كان(١) حكيما لا يليق به أن يصدر عنه حكم مجمل لا يمكن العمل به ، ولا يفيد المخاطب فائدة تامة فلا بد من حمل النكرة على العموم ، مثلها في قوله تعالى : «عَلِمَتْ نَفْسٌ ما أَحْضَرَتْ »(٢) وقولهم : تمرة خير من جرادة ، أو يقال أن العموم المستفاد من لفظة « من » كاف لإفادة عموم العمل أيضا فإنه يصدق على من بلغه ثواب من الله على عمل غير ثابت بدليل شرعي خارج أنه ممن بلغه الحديث ، فإن اسم الموصول وغيره من أدوات العموم كما يقتضي عموم الأفراد يقتضي عموم جميع ما يتعلق به ويتم به الصلة أو الاسم الذي دخل عليه أداة العموم.

ففي ما نحن فيه نقول : اسم الموصول دخل على بلغه ثواب من الله على عمل ، فكل شيء يصدق عليه أنه بلغه ثواب ما على عمل ما يتناوله اسم الموصول مع قطع النظر عن عمومه تناولا كتناول المطلق لأفراده ، ومعنى العموم شموله بحسب الحكم لكل ما تناوله تناولا إطلاقيا ، فلو فرضنا أن بلوغا ما أو ثوابا ما أو عملا ما خارج عن تعلق هذا الحكم لم يكن العام المفروض عاما لجميع من بلغه ثواب على عمل وهو يخل بالعموم.

ومن أقوى الشواهد على ذلك أن علماءنا وعلماء العامة اتفقوا على أن قوله تعالى : «وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً »(٣) عام يشمل أولات الحمل وغيرها في قوله تعالى : «وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَ »(٤) واختلفوا في

__________________

(١) كذا في النسخ والظاهر زيادة « لما كان ».

(٢) سورة التكوير : ١٤.

(٣) سورة البقرة : ٢٣٤.

(٤) سورة الطلاق : ٤.

١١٥

...........................................................................

_________________________________________

ترجيح تخصيص أيهما بالآخر لما بينهما من العموم من وجه وقصة أمير المؤمنينعليه‌السلام في ذلك مع ابن مسعود مشهورة ، ولو لا ما ذكرنا أمكن أن يقال : أن أزواجا جمع منكر فلا عموم له ، وأولات الأحمال جمع مضاف فيعم فلا تعارض.

وبهذا يظهر فساد ما في شرح المختصر في بحث دلالة الأمر على الوجوب حيث استدل عليها بقوله : «فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ »(١) الآية ، ثم اعترض بأن الاستدلال موقوف على عموم الأمر وهو مطلق ، وأجاب بأن الأمر مصدر مضاف فيعم ، وعلى ما ذكرنا تناول الأمر بإطلاقه لجميع الأوامر كاف إذ يكون المعنى حينئذ الأمر بحذر كل من يخالف أمرا ما من الأوامر فيدل على أن كل من يخالف أي أمر من الأوامر يتحقق في حقه مقتضى الحذر ، وما هو إلا استحقاق العقاب والشواهد علي ما ذكرنا كثيرة يظهر علي المتتبع.

ثم اعلم أنه يشكل ترتب الأحكام الأخر على هذا الفعل سوى ترتب الثواب عليه ، كما إذا ورد خبر ضعيف يدل على ترتب الثواب على غسل ، فعلى القول بحصول الاستباحة من الأغسال المندوبة يشكل حصول الاستباحة من هذا الغسل إلا أن يقال : لما ثبت بهذه الأخبار شرعية هذا الغسل يترتب عليه جميع الأحكام ، ولا فرق بين هذا الغسل وغيره من الأغسال المندوبة ، وكل دليل يدل على حصول الاستباحة من الأغسال الأخر ، يدل على هذا أيضا.

قال الشيخ البهائيقدس‌سره : يحتمل أن يراد بسماع الثواب مطلق بلوغه إليه ، سواء كان على سبيل الرواية أو الفتوى أو المذاكرة أو نحو ذلك ، كما لو أراه في شيء من كتب الحديث أو الفقه مثلا ، ويؤيد هذا التعميم أنه ورد في حديث آخر عن الصادقعليه‌السلام : من بلغه شيء من الثواب ، ويمكن أن يراد السماع من لفظ

__________________

(١) سورة النور : ٦٣.

١١٦

...........................................................................

_________________________________________

الراوي أو المفتي خاصة ، فإنه هو الشائع الغالب في الزمن السالف ، وأما الحمل على التحمل بأحد الوجوه الستة المشهورة فلا يخلو من بعد.

وظاهر الإطلاق أن ظن صدق الناقل غير شرط في ترتب الثواب ، فلو تساوى صدقه وكذبه في نظر السامع وعمل بقوله فاز بالأجر ، نعم يشترط عدم ظن كذبه لقيام بعض القرائن والظاهر أن تصريح الراوي بترتب الثواب غير شرط ، بل قوله إن العمل الفلاني مستحب أو مكروه كاف في ترتب الثواب على فعله أو تركه.

« على شيء »(١) أي على فعل شيء أو تركه « فصنعه » أي أتى بذلك الشيء سواء كان فعلا أو تركا « كان له أجره »(٢) الضمير في أجره إما أن يعود إلى الشيء أي كان له الأجر المرتب على ذلك الشيء أو إلى من ، أي كان لذلك العامل أجره أي الأجر الذي طلبه بذلك العمل « وإن لم يكن على ما بلغه » اسم يكن ضمير الشأن ويجوز عوده إلى الشيء أو الثواب أو المسموع ، ويؤيده أن في رواية أخرى وإن لم يكن الحديث كما بلغه ، انتهى.

وقال المحقق الدواني في أنموزجه : اتفقوا على أن الحديث الضعيف لا تثبت به الأحكام الشرعية ثم ذكروا أنه يجوز بل يستحب العمل بالأحاديث الضعيفة في فضائل الأعمال ، وممن صرح بذلك النووي في كتبه ، لا سيما كتاب الأذكار ، وفيه إشكال لأن جواز العمل واستحبابه كلاهما من الأحكام الخمسة الشرعية فإذا استحب العمل بمقتضى الحديث الضعيف كان ثبوته بالحديث الضعيف ، وذلك ينافي ما تقرر من عدم ثبوت الأحكام بالأحاديث الضعيفة ، وقد حاول بعضهم التفصي عن ذلك وقال : مراد النبوي أنه إذا ثبت حديث حسن أو صحيح في فضيلة عمل من الأعمال يجوز رواية الحديث الضعيف في هذا الباب ، ولا يخفى أن هذا لا يرتبط بكلام النووي أصلا فضلا عن أن يكون مراده ذلك ، فلم يكن جواز العمل واستحبابه

__________________

(١) تتمة كلام الشيخ البهائي (ره).

(٢) كلمة « أجره » غير موجود في أكثر النسخ كما صرّح به الشارح (ره) أيضا.

١١٧

...........................................................................

_________________________________________

مجرد نقل الحديث ، على أنه لو لم يثبت الحديث الصحيح والحسن في فضيلة عمل يجوز نقل الحديث الضعيف فيها ، لا سيما مع التنبيه على ضعفه ، ومثل ذلك في كتب الحديث وغيره شائع كثير يشهد به من تتبع أدنى تتبع ، والذي يصلح للتعويل عليه حينئذ أنه إذا وجد حديث ضعيف في فضيلة عمل من الأعمال ، ولم يكن هذا العمل مما يحتمل الحرمة والكراهة فإنه يجوز العمل به ويستحب لأنه مأمون الخطر ومرجو النفع ، إذ دائر بين الإباحة والاستحباب ، فالاحتياط العمل به رجاء الثواب ، وأما إذا دار بين الحرمة والاستحباب فلا وجه لاستحباب العمل به ، وإذا دار بين الكراهة والاستحباب فمجال النظر فيه واسع إذ في العمل دغدغة الوقوع في المكروه ، وفي الترك مظنة ترك المستحب ، فلينظر إن كان خطر الكراهة أشد بأن تكون الكراهة المحتملة شديدة والاستحباب المحتمل ضعيفا فحينئذ يترجح الترك على الفعل ، فلا يستحب العمل به وإن كان الكراهة أضعف بأن تكون الكراهة على تقدير وقوعها كراهة ضعيفة دون مرتبة ترك العمل على تقدير استحبابه فالاحتياط العمل به ، وفي صورة المساواة تحتاج إلى نظر تام ، وأظن أنه يستحب أيضا لأن المباحات تصير بالنية عبادة فكيف ما فيه شبهة الاستحباب لأجل الحديث الضعيف ، فجواز العمل واستحبابه مشروطان ، أما جواز العمل فبعدم احتمال الحرمة وأما الاستحباب فبما ذكرنا مفصلا.

بقي هيهنا شيء وهو أنه إذا عدم احتمال الحرمة فجواز العمل ليس لأجل الحديث إذ لو لم يوجد يجوز العمل أيضا لأن المفروض انتفاء الحرمة ، لا يقال : الحديث الضعيف ينفى احتمال الحرمة؟ لأنا نقول : الحديث الضعيف لا يثبت به شيء من الأحكام الخمسة ، وانتفاء الحرمة يستلزم ثبوت الإباحة ، والإباحة حكم شرعي فلا يثبت بالحديث الضعيف ، ولعل مراد النووي ما ذكرنا ، وإنما ذكر

١١٨

...........................................................................

_________________________________________

الجواز توطئة للاستحباب ، وحاصل الجواب أن الجواز معلوم من خارج ، والاستحباب أيضا معلوم من القواعد الشرعية الدالة على استحباب الاحتياط في أمر الدين ، فلم يثبت شيء من الأحكام بالحديث الضعيف بل أوقع الحديث الضعيف شبهة الاستحباب ، فصار الاحتياط أن يعمل به ، واستحباب الاحتياط معلوم من قواعد الشرع ، انتهى.

واعترض عليه الشيخ البهائيقدس‌سره بأن خطر الحرمة في هذا الفعل الذي تضمن الحديث الضعيف استحبابه حاصل كلما فعله المكلف لرجاء الثواب ، لأنه لا يعتد به شرعا ولا يصير منشأ لاستحقاق الثواب إلا إذا فعله المكلف بقصد القربة ، ولاحظ رجحان فعله شرعا ، فإن الأعمال بالنيات وفعله على هذا الوجه مردد بين كونه سنة ورد الحديث في الجملة ، وبين كونه تشريعا وإدخالا لما ليس من الدين فيه ، ولا ريب أن ترك السنة أولى من الوقوع في البدعة ، فليس الفعل المذكور دائرا في وقت من الأوقات بين الإباحة والاستحباب ، بل هو دائما دائر بين الحرمة والاستحباب فتاركه متيقن للسلامة وفاعله متعرض للندامة.

على أن قولنا بدورانه بين الحرمة والاستحباب إنما هو على سبيل المماشاة وإرخاء العنان ، وإلا فالقول بالحرمة من غير ترديد ليس عن السداد ببعيد ، والتأمل الصادق على ذلك شهيد ، هذا.

وقد تفصى بعض الفضلاء عن أصل الإشكال بأن معنى قولهم يجوز العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال دون مسائل الحرام والحلال ، أنه إذا ورد حديث صحيح أو حسن في استحباب عمل وورد حديث ضعيف في أن ثوابه كذا وكذا ، جاز العمل بذلك الحديث الضعيف ، والحكم بترتب ذلك الثواب على ذلك الفعل ، وليس هذا الحكم أحد الأحكام الخمسة التي لا تثبت بالأحاديث الضعيفة.

وبعضهم بأن معنى قولهم الأحكام لا تثبت بالأحاديث الضعيفة أنها لا تستقل

١١٩

باب الصبر

١ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن الحسن بن محبوب ، عن علي

_________________________________________

بإثباتها لا أنها لا تصير مقوية ومؤكدة لما ثبت به ، ومعنى تجويزهم العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال أنه إذا دل على استحباب عمل حديثان صحيح وضعيف مثلا ، جاز للمكلف حال العمل ملاحظة دلالة الضعيف أيضا عليه ، فيكون عاملا به في الجملة ولا يخفى ما في هذين الكلامين من الخلل ، أما الأول فلمخالفة منطوق عبارات القوم فإنها صريحة في استحباب الإتيان بالفعل إذا ورد في استحبابه حديث ضعيف غير قابلة لهذا التأويل السخيف ، وأما الثاني فمع بعده وسماجته يقتضي عدم صحة التخصيص بفضائل الأعمال دون مسائل الحرام والحلال ، فإن العمل بالحديث الضعيف بهذا المعنى لا نزاع بين أهل الإسلام في جوازه في جميع الأحكام.

باب الصبر

الحديث الأول : ضعيف على المشهور.

وقال المحقق الطوسيقدس‌سره :الصبر حبس النفس عن الجزع عند المكروه ، وهو بمنع الباطن عن الاضطراب ، واللسان عن الشكاية ، والأعضاء عن الحركات غير المعتادة ، انتهى.

وقد مر وسيأتي أن الصبر يكون على البلاء وعلى فعل الطاعة وعلى ترك المعصية ، وعلى سوء أخلاق الخلق ، قال الراغب : الصبر الإمساك في ضيق ، يقال : صبرت الدابة حبستها بلا علف وصبرت فلانا حلفته حلفة لا خروج له منها ، والصبر حبس النفس على ما يقتضيه العقل أو الشرع أو عما يقتضيان حبسها عنه ، فالصبر لفظ عام وربما خولف بين أسمائه بحسب اختلاف مواقعه ، فإن كان حبس النفس لمصيبة سمي صبرا لا غير ، ويضاده الجزع ، وإن كان في محاربة سمي شجاعة ويضاده الجبن ،

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434