مرآة العقول الجزء ٨

مرآة العقول9%

مرآة العقول مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 434

  • البداية
  • السابق
  • 434 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 13398 / تحميل: 7621
الحجم الحجم الحجم
مرآة العقول

مرآة العقول الجزء ٨

مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

١٢ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهعليه‌السلام إن الله يحب الرفق ويعين عليه فإذا ركبتم الدواب العجف فأنزلوها منازلها ـ فإن كانت الأرض مجدبة فانجوا عنها وإن كانت مخصبة فأنزلوها منازلها.

_________________________________________

الحديث الثاني عشر : ضعيف على المشهور.

« ويعين عليه » أي يهيئ أسباب الرفق أو يعين بسبب الرفق أو معه أو كائنا عليه على سائر الأمور كما مر والتفريعبقوله عليه‌السلام : فإذا ركبتم ، للتنبيه على أن الرفق مطلوب حتى مع الحيوانات ، وقال في المغرب :العجف بالتحريك الهزال والأعجف المهزول والأنثى العجفاء ، والعجفاء يجمع على عجف كصماء على صم ، انتهى.

وقوله : فأنزلوها منازلها أولا ، يحتمل وجهين : « الأول » أن يكون المراد الإنزال المعنوي أي راعوا حالها في إنزالها المنازل ، والمراد في الثاني المعنى الحقيقي والثاني : أن يكون الأول مجملا والثاني تفصيلا وتعيينا لمحل ذلك الحكم ، وعلى التقديرين الفاء فيقوله : فإن كانت للتفصيل ، وفي المصباحالجدب هو المحل لفظا ومعنى وهو انقطاع المطر ويبس الأرض يقال : جدب البلد بالضم جدوبة فهو جدب وجديب وأرض جدبة وجدوب وأجدبت إجدابا فهي مجدبة ، وقال الجوهري :نجوت نجاءا ممدودا أي أسرعت وسبقت ، والناجية والنجاة الناقة السريعة تنجو بمن ركبها ، والبعير ناج ، والخصب بالكسر نقيض الجدب ، وقد أخصبت الأرض ومكان مخصب وخصيب ، وأخصب القوم أي صاروا إلى الخصب.

قوله : فأنزلوها منازلها ، أي منازلها اللائقة بحالها من حيث الماء والكلاء ، أو المراد بها المنازل المقررة في الأسفار ، أي لا تسيروا عليها أكثر من المنازل المقررة كجعل المنزلين منزلا لضعف الدابة ، وإنما يجوز ذلك مع جدب الأرض فإن مصلحتها أيضا في ذلك.

٢٤١

١٣ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن أبي عبد الله ، عن عثمان بن عيسى ، عن عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لو كان الرفق خلقا يرى ما كان مما خلق الله شيء أحسن منه.

١٤ ـ أبو علي الأشعري ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن ابن فضال ، عن ثعلبة بن ميمون عمن حدثه ، عن أحدهماعليهما‌السلام قال إن الله رفيق يحب الرفق ومن رفقه بكم تسليل أضغانكم ومضادة قلوبكم وإنه ليريد تحويل العبد عن الأمر فيتركه عليه حتى يحوله بالناسخ كراهية تثاقل الحق عليه.

_________________________________________

الحديث الثالث عشر : ضعيف.

الحديث الرابع عشر : مرسل.

وقد عرفت الوجوه في حله ، وكان الأنسب هنا عطف مضادة علي أضغانكم إشارة إلى قوله تعالى : «لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ »(١) ويحتمل أيضا العطف على التسليل بالإضافة إلى المفعول كما مر.

قوله : كراهية تثاقل الحق عليه ، قيل : الكراهية علة لتحويله بالناسخ والحق الأمر المنسوخ ، ووجه التثاقل أن النفس يثقل عليها الأمر المكرر وينشط بالأمر الجديد أو علة لتحويله بالناسخ دون جمعه معه ، مع أن في كلا الأمرين صلاح العبد إلا أن الرفق يقتضي النسخ لئلا يتثاقل الحق عليه ، انتهى.

وأقول : لا يخفى ما في الوجهين ، أما الأول فلان ترك المعتاد أشق على النفس ولذا كانت الأمم يثقل عليهم قبول الشرائع المتجددة وإن كانت أسهل وكانوا يرغبون إلى ما ألفوا به ومضوا عليه من طريقة آبائهم ، نعم قد كان بعض الشرائع الناسخة أسهل من المنسوخة كعدة الوفاة نقلهم فيها من السنة إلى أربعة أشهر وعشرة أيام ، وكثبات القدم في الجهاد من العشرة إلى النصف لكن أكثرها كان أشق.

وأما الثاني ففي غالب الأمر لا يمكن الجمع بين الناسخ والمنسوخ لتضادهما

__________________

(١) سورة الأنفال. ٦٣.

٢٤٢

١٥ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ما اصطحب اثنان إلا كان أعظمهما أجرا وأحبهما إلى الله عز وجل أرفقهما بصاحبه.

١٦ ـ أبو علي الأشعري ، عن محمد بن حسان ، عن الحسن بن الحسين ، عن فضيل بن عثمان قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول من كان رفيقا في أمره نال ما يريد من الناس.

باب التواضع

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن هارون بن مسلم ، عن مسعدة بن صدقة ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال أرسل النجاشي إلى جعفر بن أبي طالب وأصحابه

_________________________________________

كالقبلتين والعدتين والحكمين في الجهاد وتحليل الخمر وتحريمه ، وإباحة الجماع في ليالي شهر رمضان وعدمها ، والأكل والشرب فيها بعد النوم وعدمهما ، نعم قد يتصور نادرا كصوم عاشوراء وصوم شهر رمضان إن ثبت ذلك فالأوجه ما ذكرنا سابقا.

الحديث الخامس عشر : ضعيف على المشهور.

ويقال :اصطحب القوم أي صحب بعضهم بعضا ، ويدل على فضل الرفق لا سيما في المصطحبين المترافقين.

الحديث السادس عشر : ضعيف.

ومضمونه مجرب ووجهه ظاهر.

باب التواضع

الحديث الأول : ضعيف.

والنجاشي بفتح النون وتخفيف الجيم وبالشين المعجمة لقب ملك الحبشة والمراد هنا الذي أسلم وآمن بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واسمه أصحمة بن بحر ، أسلم قبل الفتح ومات قبله صلى عليه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما جاء خبر موته ، وقد ذكرنا جمل أحواله في كتابنا الكبير.

٢٤٣

فدخلوا عليه وهو في بيت له جالس على التراب وعليه خلقان الثياب قال فقال جعفرعليه‌السلام فأشفقنا منه حين رأيناه على تلك الحال فلما رأى ما بنا وتغير وجوهنا قال :

الحمد لله الذي نصر محمدا وأقر عينه ألا أبشركم فقلت بلى أيها الملك فقال إنه جاءني الساعة من نحو أرضكم عين من عيوني هناك فأخبرني أن الله عز وجل قد نصر نبيه محمداصلى‌الله‌عليه‌وآله وأهلك عدوه وأسر فلان وفلان وفلان التقوا بواد

_________________________________________

وقال الفيروزآبادي : النجاشي بتشديد الياء وبتخفيفها أفصح وتكسر نونها أو هو أفصح : أصحمة ملك الحبشة ، انتهى.

وجعفر بن أبي طالب هو أخو أمير المؤمنينعليه‌السلام وكان أكبر منهعليه‌السلام بعشر سنين وهو من كبار الصحابة ومن الشهداء الأولين وهو صاحب الهجرتين هجرة الحبشة وهجرة المدينة ، واستشهد يوم مؤتة سنة ثمان ، وله إحدى وأربعون سنة فوجد فيما أقبل من جسده تسعون ضربة ما بين طعنة برمح وضربة بسيف ، وقطعت يداه في الحرب فأعطاه الله جناحين يطير بهما في الجنة فلقب ذا الجناحين ، وقال الجوهري :ثوب خلق أي بال ، يستوي فيه المذكر والمؤنث لأنه في الأصل مصدر الأخلق وهو الأملس والجمع خلقان ، انتهى.

« فأشفقنا منه » أي خفنا عن حاله ومما رأينا منه أن يكون أصابه سوء ، يقال : أشفق منه أي خاف وحذر وأشفق عليه أي عطف عليه ، والعين الجاسوس« وأهلك عدوه » أي السبعين الذين قتلوا ، منهم أبو جهل وعتبة وشيبة وأسر أيضا سبعون ، وبدر اسم موضع بين مكة والمدينة وهو إلى المدينة أقرب ، ويقال : هو منها على ثمانية وعشرين فرسخا ، وعن الشعبي أنه اسم بئر هناك ، قال : وسميت بدرا لأن الماء كان لرجل من جهينة اسمه بدر كذا في المصباح ، وقال :الأراك شجر من الخمط يستاك بقضبانه ، الواحدة أراكة ويقال : هي شجرة طويلة ناعمة كثيرة الورق والأغصان خوارة

٢٤٤

يقال له : بدر كثير الأراك لكأني أنظر إليه حيث كنت أرعى لسيدي هناك وهو رجل من بني ضمرة فقال له جعفر أيها الملك فما لي أراك جالسا على التراب وعليك هذه الخلقان فقال له يا جعفر إنا نجد فيما أنزل الله على عيسىعليه‌السلام أن من حق الله على عباده أن يحدثوا له تواضعا عند ما يحدث لهم من نعمة فلما أحدث الله عز وجل لي نعمة ـ بمحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله أحدثت لله هذا التواضع فلما بلغ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله

_________________________________________

العود ، ولها ثمر في عناقيد يسمى البرين يملأ العنقود الكف.

« لكأني أنظر إليه » أي هو في بالي كأني أنظر إليه الآن ، وحيث للتعليل ، ويحتمل المكان بدلا من الضمير ، وبنو ضمرة بفتح الضاد وسكون الميم رهط عمر وبن أمية الضمري ، وقيل : لكأني ، حكاية كلام العين وهو بعيد ، بل هو إشارة إلى ما ذكروا أن والد النجاشي كان ملك الحبشة ولم يكن له ولد غيره ، وكان للنجاشي عم له اثنا عشر ولدا وأهل الحبشة قتلوا والد النجاشي وأطاعوا عمه وجعلوه ملكا وكان النجاشي في خدمة عمه ، فقالت الحبشة للملك : إنا لا نأمن هذا الولد أن يتسلط علينا يوما ويطلب منا دم والده فاقتله قال الملك : قتلتم والده بالأمس وأقتل ولده اليوم ، أنا لا أرضى بذلك وإن أردتم بيعوه من رجل غريب يخرجه من دياركم ففعلوا ذلك فبعد زمان أصيب الملك بصاعقة فمات ولم يكن أحد من أولاده قابلا للسلطنة فاضطروا إلى أن أتوا وأخذوا النجاشي من سيده قهرا بلا ثمن وردوه إلى بلادهم وملكوه عليهم فجاء سيده وادعى عليهم ورفع أمره إلى النجاشي وهو لا يعرفه فحكم له عليهم ، وقال : أعطوه أما الغلام وإما الثمن ، فأدوا إليه الثمن.

والتواضع هو إظهار الخشوع والخضوع والذل والافتقار إليه تعالى عند ملاحظة عظمته وعند تجدد نعمه تعالى أو تذكرها ، ولذا استحبت سجدة الشكر في هذه الأمة ، وورد مثل هذا التذلل بلبس أخس الثياب وأخشنها وإيصال مكارم البدن إلى التراب في بعض صلوات الحاجة.

٢٤٥

قال لأصحابه إن الصدقة تزيد صاحبها كثرة فتصدقوا يرحمكم الله وإن التواضع يزيد صاحبه رفعة فتواضعوا يرفعكم الله وإن العفو يزيد صاحبه عزا فاعفوا يعزكم الله.

٢ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال سمعته يقول إن في السماء ملكين موكلين بالعباد فمن تواضع لله رفعاه ومن تكبر وضعاه.

٣ ـ ابن أبي عمير ، عن عبد الرحمن بن الحجاج ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال أفطر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ـ عشية خميس في مسجد قبا فقال هل من شراب فأتاه أوس بن خولي الأنصاري بعس مخيض بعسل فلما وضعه على فيه نحاه ثم قال شرابان

_________________________________________

« نزيد صاحبها كثرة » أي في الأموال والأولاد والأعوان في الدنيا وفي الأجر في الآخرة« وأن التواضع » أي عدم التكبر والترفع وإظهار التذلل لله وللمؤمنين يوجب رفع صاحبه في الدنيا والآخرة.

الحديث الثاني : حسن كالصحيح.

« رفعاه » أي بالثناء عليه أو بإعانته في حصول المطالب وتيسر أسباب العزة والرفعة في الدارين وفي التكبر بالعكس فيهما.

الحديث الثالث : كالسابق.

وفي القاموسقباء بالضم ويذكر ويقصر موضع قرب المدينة ، وقال :العساس ككتاب الأقداح العظام والواحد عس بالضم وقال :مخض اللبن يمخضه مثلثة الآتي أخذ زبدة فهو مخيض ، وممخوض بعسل أي ممزوج بعسل ، وقيل : إنما امتنعصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأن اللبن المخيض الحامض الممزوج بالعسل لا لذة فيه ، فيكون إسرافا ، فالمراد بالتواضع لله الانقياد لأمره في ترك الإسراف ، ولا يخفى بعده.

وروى الحسين بن سعيد في كتاب الزهد هذا الخبر عن ابن أبي عمير عن

٢٤٦

يكتفى بأحدهما من صاحبه لا أشربه ولا أحرمه ولكن أتواضع لله فإن من تواضع لله رفعه الله ومن تكبر خفضه الله ومن اقتصد في معيشته رزقه الله ومن بذر حرمه الله ومن أكثر ذكر الموت أحبه الله.

٤ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن الحسن بن علي الوشاء ، عن داود الحمار ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام مثله وقال من أكثر ذكر الله أظله الله في جنته.

_________________________________________

عبد الرحمن عنهعليه‌السلام مثله ، إلا أنه قال : بعس من لبن مخيض بعسل.

وروى البرقي في المحاسن عن جعفر بن محمد عن ابن القداح عن أبي عبد اللهعليه‌السلام عن آبائه قال : دخل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مسجد قبا فأتي بإناء فيه لبن حليب مخيض بعسل فشرب منه حسوة أو حسوتين فوضعه ، فقيل : يا رسول الله أتدعه محرما؟ فقال : اللهم إني أتركه تواضعا لله.

ويدل على أن التواضع بترك الأطعمة اللذيذة مستحب ويعارضه أخبار كثيرة ويمكن اختصاصه بالنبي والأئمةعليهم‌السلام كما يظهر من بعض الأخبار ، والاقتصاد :

التوسط وترك الإسراف والتقتير ، والتبذير في الأصل التفريق ويستعمل في تفريق المال في غير الجهات الشرعية إسرافا وإتلافا وصرفا في المحرم.

« ومن أكثر ذكر الموت أحبه الله » لأن كثرة ذكر الموت توجب الزهد في الدنيا والميل إلى الآخرة وترك المعاصي وسائر ما يوجب حبه تعالى.

الحديث الرابع : ضعيف على المشهور.

وهذه الفقرة بدل من الفقرة الأخيرة في الخبر السابق ، وذكر الله أعم أن يكون باللسان أو الجنان ، وأعم من أن يكون بذكر أسمائه الحسنى وصفاته العليا أو بتلاوة كتابه أو بذكر شرائعه وأحكامه أو بذكر أنبيائه وحججه ، فإنه قد ورد إذا ذكرنا ذكر الله.

« أظله الله في جنته » أي آواه تحت قصورها وأشجارها أو وقع عليه ظل رحمته ، أو أدخله في كنفه وحمايته ، كما يقال : فلان في ظل فلان.

٢٤٧

٥ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن ابن فضال ، عن العلاء بن رزين ، عن محمد بن مسلم قال سمعت أبا جعفرعليه‌السلام يذكر أنه أتى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ملك فقال إن الله عز وجل يخيرك أن تكون عبدا رسولا متواضعا أو ملكا رسولا قال فنظر إلى جبرئيل وأومأ بيده أن تواضع فقال عبدا متواضعا رسولا فقال الرسول مع أنه لا ينقصك مما عند ربك شيئا قال ومعه مفاتيح خزائن الأرض.

_________________________________________

الحديث الخامس : موثق كالصحيح.

« قال فنظر إلى جبرئيل » أي قال أبو جعفرعليه‌السلام : فنظر الرسول إلى جبرئيل مستشيرا منه وإن كان عالما وكان لا يحب الملك وكان هذا أيضا من تواضعه« فأومأ » جبرئيلعليه‌السلام بيده« أن تواضع » وأن مفسرة ، ويحتمل أن يكون المستتر في قال راجعا إلى الرسول وإلى بالتشديد ، وكان الأول أظهر كما أنه في مشكاة الأنوار ، قال : فنظر إلى جبرئيلعليه‌السلام فأومأ إليه بيده أن يتواضع ، وعلى التقديرين من « قال » إلى قوله : تواضع ، معترضة« فقال : عبدا » أي اخترت أن أكون عبدا« فقال الرسول » أي الملك« مع أنه » أي الملك أو اختياره« مما عند ربك » أي من القرب والمنزلة والمثوبات والدرجات« قال ومعه » أي قال أبو جعفرعليه‌السلام وكان مع الملك عند تبليغ هذه الرسالة المفاتيح أتى بها ليعطيه إياها إن اختار الملك.

ويحتمل أن يكون ضمير قال راجعا إلى الملك ، ومفعول القول محذوفا والواو في قوله : ومعه ، للحال أي قال ذلك ومعه المفاتيح ، وقيل : ضمير قال راجع إلى الرسول أي قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا أقبل وإن كان معه المفاتيح ، ولا يخفى ما فيه.

والمفاتيح جمع المفتاح جمع المفتح ، والمفاتيح يمكن حملها على الحقيقة أي أتى بآلة يمكن بها التسلط على خزائن الأرض والاطلاع عليها ، أو يكون تصويرا لتقدير ذلك وتحقيقا للقول بأنك إذا اخترت ذلك كان سهل الحصول لك كهذه المفاتيح تكون بيدك فتفتح بها ، أو يكون الكلام مبنيا على الاستعارة أي أتى بأمور

٢٤٨

٦ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال من التواضع أن ترضى بالمجلس دون المجلس وأن تسلم على من تلقى وأن تترك المراء وإن كنت محقا وأن لا تحب أن تحمد على التقوى.

٧ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن علي بن يقطين عمن رواه ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال أوحى الله عز وجل إلى موسىعليه‌السلام أن يا موسى أتدري لم اصطفيتك

_________________________________________

يتيسر بها الملك ، وعبر عنها بالمفتاح مجازا كخاتم سليمان وبساطه مثلا وأشباه ذلك مما يسهل معه الاستيلاء على جميع الأرض ، أو العلم بطريق الوصول إليها والقدرة عليها.

الحديث السادس : ضعيف على المشهور.

« بالمجلس دون المجلس » أي ترضى بمجلس هو أدون من المجلس الذي هو لائق بشرفك بحسب العرف ، أو تجلس أي مجلس اتفق ولا تتقيد بمجلس خاص والأول أظهر« على من تلقى » أي على كل من تلقاه أي من المسلمين واستثني منه التسليم على المرأة الشابة إلا أن يأمن على نفسه ، وسيأتي تفصيل ذلك في كتاب العشرة إنشاء الله.

« وأن تترك المراء » أي المجادلة والمنازعة وأما إظهار الحق بحيث لا ينتهي إلى المراء فهو حسن بل واجب ، وقيل : إذا كان الغرض الغلبة والتعجيز يكون مراء ، وإن كان الغرض إظهار الحق فليس بمراء.

قال في المصباح : ماريته أمارية مماراة ومراء جادلته ويقال : ماريته أيضا إذا طعنت في قوله تزييفا للقول وتصغيرا للقائل ولا يكون المراء إلا اعتراضا بخلاف الجدال فإنه يكون ابتداء واعتراضا ، انتهى.

« ولا تحب أن تحمد على التقوى » فإن هذا من آثار العجب ، وينافي الإخلاص في العمل كما مر.

الحديث السابع : مرسل.

٢٤٩

بكلامي دون خلقي قال يا رب ولم ذاك قال فأوحى الله تبارك وتعالى إليه أن يا موسى إني قلبت عبادي ظهرا لبطن فلم أجد فيهم أحدا أذل لي نفسا منك يا موسى إنك إذا صليت وضعت خدك على التراب أو قال على الأرض.

٨ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال مر علي بن الحسين صلوات الله عليه على المجذمين وهو راكب حماره وهم يتغدون فدعوه إلى الغداء فقال أما إني لو لا أني صائم لفعلت فلما

_________________________________________

« بكلامي » أي بأن أكلمك بلا توسط ملك« إني قلبت عبادي » أي اختبرتهم بملاحظة ظواهرهم وبواطنهم ، كناية عن إحاطة علمه سبحانه بهم وبجميع صفاتهم وأحوالهم ، قال في المصباح : قلبته قلبا من باب ضرب حولته عن وجهه ، وقلبت الرداء حولته وجعلت أعلاه أسفله وقلبت الشيء للابتياع قلبا أيضا تصفحته فرأيت داخله وباطنه ، وقلبت الأمر ظهرا لبطن اختبرته ، انتهى.

وقيل : ظهرا بدل عن عبادي واللام في لبطن للغاية فهي بمعنى الواو مع مبالغة« أو قال » الترديد من الراوي ، ويدل على استحباب وضع الخد على التراب أو الأرض بعد الصلاة.

الحديث الثامن : حسن كالصحيح.

وفي القاموس :الجذام كغراب علة تحدث من انتشار السوداء في البدن كله فيفسد مزاج الأعضاء وهيئاتها ، وربما انتهى إلى تأكل الأعضاء وسقوطها من تقرح جذم كعني فهو مجذوم ومجذم وأجذم ، ووهم الجوهري في منعه ، وكان صومهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان واجبا حيث لم يفطر مع الدعوة.

« أن يتألقوا » وفي بعض النسخيتنوقوا (١) أي يتكلفوا فيه ويعملوه لذيذا حسنا ، في القاموس : تأنق فيه عمله بالإتقان كتنوق ، وقال : تنيق في مطعمه وملبسه تجود وبالغ كتنوق ، انتهى.

__________________

(١) كما في المتن.

٢٥٠

صار إلى منزله أمر بطعام فصنع وأمر أن يتنوقوا فيه ثم دعاهم فتغدوا عنده وتغدى معهم.

_________________________________________

« فتغدوا عنده » أي في اليوم الآخر أو أطلق التغدي على التعشي للمشاكلة« وتغدى معهم » هذا ليس بصريح في الأكل معهم في إناء واحد فلا ينافي الأمر بالفرار من المجذوم ، مع أنه يمكن أن يكونوا مستثنين من هذا الحكم لقوة توكلهم وعدم تأثر نفوسهم بأمثال ذلك أو لعلمهم بأن الله لا يبتليهم بأمثال البلايا التي توجب نفرة الخلق.

وفي مشكاة الأنوار عن أبي عبد الله أن علي بن الحسينعليهما‌السلام مر على المجذومين يأكلون فسلم عليهم فدعوه إلى طعامهم فمضى ، ثم قال : إن الله عز وجل لا يحب المتكبرين وكان صائما فرجع إليهم فقال : إني صائم ثم قال : ائتوني في المنزل فأتوه فأطعمهم وأعطاهم ، وزاد فيه ابن أبي عمير أنه بعد منعهم.

ثم اعلم أن الأخبار في العدوي مختلفة ، فسيأتي في الروضة أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : لا عدوي ولا طيرة ، وقد ورد : فر من المجذوم فرارك من الأسد ، وقيل في الجمع بينهما : أن حديث الفرار ليس للوجوب بل للجواز أو الندب احتياطا خوف ما يقع في النفس من العدوي والأكل والمجالسة للدلالة على الجواز ، وأيد ذلك بما روي من طرق العامة عن جابر أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أكل مع المجذوم ، فقال : آكل ثقة بالله وتوكلا عليه ، ومن طرقهم أيضا أن امرأة سألت بعض أزواجهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الفرار من المجذوم فقالت : كلا والله ، وقد قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا عدوى ، وقد كان لنا مولى أصابه ذلك وكان يأكل في صحافي ويشرب من قداحي وينام على فراشي ، وقال بعض العامة : حديث الأكل ناسخ لحديث الفرار ، ورده بعضهم بأن الأصل عدم النسخ ، على أن الحكم بالنسخ يتوقف على العلم بتأخير حديث الأكل وهو غير معلوم ، وقال بعضهم للجمع : حديث الفرار على تقدير وجوبه إنما كان لخوف أن

٢٥١

٩ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن أبي عبد الله ، عن عثمان بن عيسى ، عن هارون بن خارجة ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إن من التواضع أن يجلس الرجل دون شرفه.

١٠ ـ عنه ، عن ابن فضال ومحسن بن أحمد ، عن يونس بن يعقوب قال نظر أبو عبد اللهعليه‌السلام إلى رجل من أهل المدينة قد اشترى لعياله شيئا وهو يحمله فلما رآه الرجل استحيا منه فقال أبو عبد اللهعليه‌السلام اشتريته لعيالك وحملته إليهم أما والله لو لا أهل المدينة لأحببت أن أشتري لعيالي الشيء ثم أحمله إليهم.

١١ ـ عنه ، عن أبيه ، عن عبد الله بن القاسم ، عن عمرو بن أبي المقدام ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال فيما أوحى الله عز وجل إلى داودعليه‌السلام يا داود كما أن أقرب الناس من الله المتواضعون كذلك أبعد الناس من الله المتكبرون.

_________________________________________

يقع في العلة بمشية الله فيعتقد أن العدوي حق.

أقول : قد بسطنا القول في ذلك في كتابنا الكبير.

الحديث التاسع : موثق.

« دون شرفه » أي عند المجلس الذي يقتضي شرفه الجلوس فيه أو أدون منه والأخير أظهر وأحسن.

الحديث العاشر : موثق.

ويدل على استحباب شراء الطعام للأهل وحمله إليهم وأنه مع ملامة الناس الترك أولى.

الحديث الحادي عشر : ضعيف.

والتواضع ترك التكبر والتذلل لله ولرسوله ولأولي الأمر وللمؤمنين وعدم حب الرفعة والاستيلاء ، وكل ذلك موجب للقرب ، وإذا كان أحد الضدين موجبا للقرب كان الآخر موجبا للبعد.

٢٥٢

١٢ ـ عنه ، عن أبيه ، عن علي بن الحكم رفعه إلى أبي بصير قال دخلت على أبي الحسن موسىعليه‌السلام في السنة التي قبض فيها أبو عبد اللهعليه‌السلام فقلت جعلت فداك ما لك ذبحت كبشا ونحر فلان بدنة فقال يا أبا محمد إن نوحاعليه‌السلام كان في السفينة وكان فيها ما شاء الله وكانت السفينة مأمورة فطافت بالبيت وهو طواف النساء وخلى سبيلها نوحعليه‌السلام فأوحى الله عز وجل إلى الجبال أني واضع سفينة نوح عبدي على

_________________________________________

الحديث الثاني عشر : مرفوع.

«في السنة التي قبض فيها» أي بعد القبض وكان أول إمامته لا قبله كما قيل ، والمراد بفلان أحد الأشراف الذين كانوا يعدون أنفسهم من أقرانه« وكان » أي نوحعليه‌السلام « فيها » أي في السفينة« ما شاء الله من الزمان » أي زمانا طويلا ، ويحتمل أن يكون ما شاء الله اسم كان أي ما شاء الله حفظه من المؤمنين والحيوانات والأشجار والحبوب ، وكل ما يحتاج إليه بنو آدم والأول أظهر ، واختلف في مدة مكثهعليه‌السلام في السفينة فقيل : سبعة أيام كما روي عن الصادقعليه‌السلام ، وفي رواية أخرى مائة وخمسون يوما ، وقيل : ستة أشهر وقيل : خمسة أشهر«وكانت السفينة مأمورة» أي بأمر الله يذهب به حيث أراد ، وقيل : بأمر نوح ، قالوا : كان إذا أراد وقوفها قال : بسم الله ، فوقفت وإذا أراد جريها قال : بسم الله ، فجرت كما قال تعالى : «بِسْمِ اللهِ مَجْراها وَمُرْساها »(١) .

« فطافت بالبيت » كأنه لما دخلت السفينة الحرم أحرمعليه‌السلام بعمرة مفردة وطواف النساء للإحلال منها بأن أتى ببقية الأفعال قبله ، والتخصيص لبيان أن في شرعه أيضا كان طواف النساء ، ويحتمل أن يكون في شرعهعليه‌السلام هذا مجزيا عن طواف الزيارة والأول أظهر ، بل يحتمل أن يكون الإحرام للحج وأتى بجميع أفعاله كما سيأتي في هذا الكتاب عن علي بن أبي حمزة عن أبي الحسنعليه‌السلام قال

__________________

(١) سورة هود : ٤١.

٢٥٣

جبل منكن فتطاولت وشمخت وتواضع الجودي وهو جبل عندكم فضربت السفينة بجؤجؤها الجبل قال فقال نوحعليه‌السلام عند ذلك يا ماري أتقن وهو

_________________________________________

إن سفينة نوح كانت مأمورة فطافت بالبيت حيث غرقت الأرض ثم أتت مني في أيامها ثم رجعت السفينة وكانت مأمورة وطافت بالبيت طواف النساء ، فهذا الخبر كالتفسير لخبر المتن.

وفي القاموس : طاولني فطلته كنت أطول منه في الطول والطول جميعا وتطاول وتطايل واستطال امتد وارتفع وتفضل وتطاول ، وقال :شمخ الجبل علا وطال ، والرجل بأنفه تكبر ، انتهى.

وهذه الجملة إما على الاستعارة التمثيلية إشارة إلى أن الناس لما ظنوا وقوعها على أطول الجبال وأعظمها ولم يظنوا ذلك بالجودي ، وجعلها الله عليه فكأنها تطاولت وكان الجودي خضع فإذا كان التواضع الخلقي مؤثرا في ذلك فالتواضع الإرادي أولى بذلك ، ويحتمل أن يكون الله تعالى أعطاها في ذلك الوقت الشعور وخاطبها للمصلحة ، فالجميع محمول على الحقيقة ، وقد يقال : للجمادات شعور ضعيف بل لها نفوس أيضا وفهمه مشكل وإن أو ما إليه بعض الآيات والروايات.

قوله عليه‌السلام : وهو جبل عندكم ، أقول : في تفسير العياشي وتواضع جبل عندكم بالموصل يقال له الجودي ، وأقول : اختلفوا في الجودي قال الطبرسي : قال الزجاج : الجودي جبل بناحية آمد وقال غيره : بقرب جزيرة الموصل ، وقال أبو مسلم : الجودي اسم لكل جبل وأرض صلبة ، انتهى.

وأقول : يظهر من بعض الأخبار أنه كان بقرب الكوفة ، ومن بعضها أنها الغري على مشرفه السلام ، والجؤجؤ كهدهد : الصدر ، واللام في الجبل للعهد أي الجودي ، وفي العياشي : فمرت السفينة تدور في الطوفان على الجبال كلها حتى انتهت إلى الجودي فوقعت عليه ، فقال نوح : بارأت قنى ، بارأت قنى ، قال : قلت :

جعلت فداك أي شيء هذا الكلام؟ فقال : اللهم أصلح ، اللهم أصلح ، وأقول : كأنه

٢٥٤

بالسريانية يا رب أصلح قال فظننت أن أبا الحسنعليه‌السلام عرض بنفسه.

١٣ ـ عنه ، عن عدة من أصحابه ، عن علي بن أسباط ، عن الحسن بن الجهم

_________________________________________

ظهر في السفينة اضطراب عند الوقوع على الجودي خافوا منه الغرق ، فلذا شرععليه‌السلام في التضرع والدعاء كما روى علي بن إبراهيم في حديث طويل عن الصادقعليه‌السلام إلى أن قال : فبقي الماء ينصب من السماء أربعين صباحا ، ومن الأرض العيون حتى ارتفعت السفينة فمسحت السماء قال : فرفع نوحعليه‌السلام يده ثم قال : يا رهمان أتقن ، وتفسيرها : رب أحسن ، فأمر الله الأرض أن تبلع ماءها.

وروى الصدوق في العيون وغيره عن الرضاعليه‌السلام أن نوحاعليه‌السلام لما ركب السفينة أوحى الله عز وجل إليه : يا نوح إن خفت الغرق فهللني ألفا ثم سلني النجاة أنجك من الغرق ومن آمن معك ، قال : فلما استوى نوح ومن معه في السفينة ورفع القلس عصفت الريح عليهم فلم يأمن نوح الغرق فأعجلته الريح فلم يدرك أن يهلل ألف مرة فقال بالسريانية : هلوليا ألفا ألفا ياماريا أتقن ، قال : فاستوى القلس واستمرت السفينة ، الخبر.

قوله : عرض بنفسه ، التعريض توجيه الكلام إلى جانب وإرادة جانب آخر وهو خلاف التصريح أي غرضهعليه‌السلام من هذا التمثيل بيان أنه اختار الكبش للتواضع ، وهو مورث للعزة في الدارين ، ويدل على أن اختيار أقل الأمرين في المستحبات إذا كان مستلزما للتواضع أحسن ، مع أن الإخلاص فيه أكثر وعن الرياء والسمعة والتكبر أبعد.

ويحتمل أن يكون في ذلك تقية أيضا ، ولا يبعد كون الكبش في الهدي والأضحية أفضل لدلالة الأخبار الكثيرة عليه ، وسيأتي القول فيه في محله إن شاء الله تعالى.

الحديث الثالث عشر : مرسل كالموثق وآخره مرسل.

٢٥٥

عن أبي الحسن الرضاعليه‌السلام قال قال التواضع أن تعطي الناس ـ ما تحب أن تعطاه.

وفي حديث آخر قال قلت ما حد التواضع الذي إذا فعله العبد كان متواضعا فقال التواضع درجات منها أن يعرف المرء قدر نفسه فينزلها منزلتها بقلب سليم لا يحب أن يأتي إلى أحد إلا مثل ما يؤتى إليه إن رأى سيئة درأها بالحسنة كاظم الغيظ عاف عن الناس «وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ».

_________________________________________

« أن تعطى الناس » أي من التعظيم والإكرام والعطاء« ما تحب أن تعطاه » منهم في جميع ذلك« التواضع درجات » أي التواضع لله وللخلق درجات أو ذوو درجات باعتبار كمال النفس ونقصها« أن يعرف المرء قدر نفسه » بملاحظة عيوبها وتقصيراتها في خدمة خالقه« بقلب سليم » من الشك والشرك والرياء والعجب والحقد والعداوة والنفاق ، فإنها من أمراض القلب قال تعالى : «فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ »(١) « لا يحب أن يأتي إلى أحد » من قبل الله أو من قبله أو الأعم« إلا مثل ما يؤتى إليه » كان المناسب للمعنى المذكور ما ذكرنا « أن يأتي إليه » على المعلوم وكان الظرف فيهما مقدر والتقدير لا يحب أن يأتي إلى أحد بشيء إلا مثل ما يؤتى به إليه ، ويؤيده أنه روي في مشكاة الأنوار نقلا من المحاسن عن أبي الحسن موسىعليه‌السلام أنه سأله علي بن سويد المدني عن التواضع الذي إذا فعل العبد كان متواضعا؟ فقال : التواضع درجات منها أن يعرف المرء قدر نفسه فينزلها منزلتها بقلب سليم ، ولا يحب أن يأتي إلى أحد إلا مثل ما يأتون إليه ، إلى آخر الخبر.

ويمكن أن يقرأ على بناء التفعيل في الموضعين من قولهم أتيت الماء تأتيه وتأتيا أي سهلت سبيله ليخرج إلى موضع ، ذكره الجوهري لكنه بعيد« درأها » أي دفعها« بالحسنة » أي بالخصلة أو المداراة أو الموعظة الحسنة إشارة إلى قوله تعالى : «وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ »(٢) قال البيضاوي : يدفعونها بها فيجازون الإساءة بالإحسان أو يتبعون الحسنة السيئة فتمحوها.

__________________

(١) سورة البقرة : ١٠.

(٢) سورة الرعد : ٢٢.

٢٥٦

باب

الحب في الله والبغض في الله

١ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن عيسى وأحمد بن محمد بن خالد وعلي بن إبراهيم ، عن أبيه وسهل بن زياد جميعا ، عن ابن محبوب ، عن علي بن رئاب ، عن أبي عبيدة الحذاء ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال من أحب لله وأبغض لله وأعطى لله فهو ممن كمل إيمانه.

٢ ـ ابن محبوب ، عن مالك بن عطية ، عن سعيد الأعرج ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال من أوثق عرى الإيمان أن تحب في الله وتبغض في الله وتعطي في الله وتمنع

_________________________________________

باب الحب في الله والبغض في الله

الحديث الأول : صحيح.

« من أحب لله » أي أحب من أحب لأن الله يحبه وأمر بحبة من الأنبياء والأوصياءعليهم‌السلام والصلحاء من المؤمنين لا للأغراض الدنيوية والأطماع الدنية« وأبغض لله » أي أبغض من أبغض لأن الله يبغضه وأمر ببغضه من أئمة الضلالة والكفار والمشركين والمخالفين والظلمة والفجار لمخالفتهم لله تعالى« وأعطى لله » أي أعطى من أمر الله بإعطائه من أئمة الدين وفقراء المؤمنين وصلحائهم خالصا لله من غير رياء ولا سمعة ، وفي بعض النسخ في الله في المواضع فهو أيضا بمعنى لله وفي للتعليل أو بمعنى الحب في سبيل طاعته فيرجع إليه أيضا« فهو ممن كمل إيمانه » لأن ولاية أولياء الله ومعاداة أعدائه وإخلاص العمل عمدة الإيمان وأعظم أركانه.

الحديث الثاني : كالسابق سندا ومتنا.

والعروة ما يكون في الجبل يتمسك به من أراد الصعود وعروة الكوز ونحوه ، والأول هنا أنسب كأنهعليه‌السلام شبه الإيمان بجبل يرتقي به إلى الجنة و

٢٥٧

في الله.

٣ ـ ابن محبوب ، عن أبي جعفر محمد بن النعمان الأحول صاحب الطاق ، عن سلام بن المستنير ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ود المؤمن للمؤمن في الله من أعظم شعب الإيمان ألا ومن أحب في الله وأبغض في الله وأعطى في الله ومنع في الله فهو من أصفياء الله.

٤ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن الحسن بن علي الوشاء ، عن علي بن أبي حمزة ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال سمعته يقول إن المتحابين

_________________________________________

الدرجات العالية ، والأعمال الإيمانية وأخلاقها بالعري التي تكون فيه يتمسك بها من أراد الصعود عليه ، وفيه إشارة إلى قوله تعالى : «فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى لَا انْفِصامَ لَها »(١) .

والمنع في الله أن يكون عدم بذله وإعطائه لكونه سبحانه منع منه كالحد المنتهى إلى التبذير أو إعطاء الكفار لغير مصلحة والفجار لإعانتهم علي الفجور وأمثال ذلك.

الحديث الثالث : مجهول ، وفي القاموسالود والوداد الحب ويثلثان كالودادة والمودة ، وفي المصباح الشعبة من الشجرة الغصن المتفرع منها والجمع شعب مثل غرفة وغرف ، والشعبة من الشيء الطائفة منه ، وانشعبت أغصان الشجرة تفرعت عن أصلها وتفرقت ويقال : هذه المسألة كثيرة الشعب ، انتهى.

وشعب الإيمان الأعمال والأخلاق التي يقتضي الإيمان الإتيان بها ، والصفي : الحبيب المصافي وخالص كل شيء.

الحديث الرابع : ضعيف على المشهور.

« إن المتحابين في الله » أي الذين يحب كل منهم الآخرين لمحض رضاء الله

__________________

(١) سورة البقرة : ٢٥٦.

٢٥٨

في الله يوم القيامة على منابر من نور قد أضاء نور وجوههم ونور أجسادهم ونور منابرهم كل شيء حتى يعرفوا به فيقال هؤلاء المتحابون في الله.

٥ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حماد ، عن حريز ، عن فضيل بن يسار قال سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن الحب والبغض أمن الإيمان هو فقال وهل الإيمان إلا

_________________________________________

وكونهم من أحباء الله لا للأغراض الباطلة ويكون أضاء لازما ومتعديا يقال : أضاء الشيء وإضاءة غيره ، ذكره في المصباح.

الحديث الخامس : حسن كالصحيح.

« عن الحب والبغض » أي حب الأئمةعليهم‌السلام وبغض أعدائهم أو الأعم منهما ومن حب المؤمنين والطاعة وبغض المخالفين والمعصية ، والغرض من السؤال إما استعلام أن الاعتقاد بإمامة الأئمةعليهم‌السلام ومحبتهم والتبري عن أعدائهم هل هما من أجزاء الإيمان وأصول الدين كما هو مذهب الإمامية ، أو من فروع الدين والواجبات الخارجة عن حقيقة الإيمان كما ذهب إليه المخالفون ، أو استبانة أن حب أولياء الله وبغض أعدائه هل هما من الأمور الاختيارية التي يقع التكليف بهما أو هما من فعل الله تعالى ، وليس للعبد فيه اختيار فلا يكون مما كلف الله به ، والأول أظهر.

فأجابعليه‌السلام على الاستفهام الإنكاري بأن مدار الإيمان على الحب والبغض ، لأن الاعتقاد بالشيء لا ينفك عن حبه وإنكاره عن بغضه ، أو عمدة الإيمان ولاية الأئمةعليهم‌السلام والبراءة من أعدائهم إذ بهما يتم الإيمان وبدونهما لا ينفع شيء من العقائد والأعمال كما مر مفصلا ، فكان الإيمان منحصر فيهما أو لما كانا أصل الإيمان وعمدته كيف لم يكونا مكلفا به وكيف لم تكن مباديهما بالاختيار ، والاستشهاد بالآية على الأول ظاهر ، وعلى الثاني فلأنه لما حصر الله تعالى الرشد والصلاح فيهما فلو لم يكونا اختياريين لزم الجبر والتكليف بما لا يطاق ، وهما منفيان بالدلائل العقلية.

٢٥٩

الحب والبغض ثم تلا هذه الآية «حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيانَ أُولئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ »(١) .

٦ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن أبي عبد الله ، عن محمد بن عيسى ، عن أبي الحسن علي بن يحيى فيما أعلم ، عن عمرو بن مدرك الطائي ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لأصحابه أي عرى الإيمان أوثق فقالوا الله ورسوله أعلم

_________________________________________

والنقلية.

وأما الآية فقال الطبرسي (ره):« ولكن «حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ » أي جعله أحب الأديان إليكم بأن أقام الأدلة على صحته وبما وعد من الثواب عليه «وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ » بالألطاف الداعية إليه «وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ » بما وصف من العقاب عليه وبوجوه الألطاف الصارفة عنه «وَالْفُسُوقَ » أي الخروج عن الطاعة إلى المعاصي «وَالْعِصْيانَ » أي جميع المعاصي ، وقيل : الفسوق الكذب وهو المروي عن أبي جعفرعليه‌السلام «أُولئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ » يعني الذين وصفهم بالإيمان وزينه في قلوبهم هم المهتدون إلى معالي الأمور ، وقيل : هم الذين أصابوا الرشد واهتدوا إلى الجنة ، انتهى.

ويحتمل أن يكون المراد بالكفر الإخلال بالعقائد الإيمانية ، وبالفسوق الكبائر وبالعصيان الصغائر أو الأعم أو بالكفر ترك الإيمان ظاهرا وباطنا ، وبالفسق النفاق وبالعصيان جميع المعاصي ، وقد ورد في أخبار كثيرة قد مر بعضها أن الإيمان أمير المؤمنين وولايته والكفر والفسوق والعصيان الأول والثاني والثالث لعنهم الله ، فيؤيد المعنى الأول الذي ذكرنا في صدر الكلام.

الحديث السادس : مجهول.

والغرض من السؤال امتحان فهم القوم وشدة اهتمامهم باستعلام ما هو الحق في ذلك وبالعمل به وكان اختيار كل منهم فعلا وذكره على سبيل الاحتمال أو الاستفهام ، ولم يكن حكما منهم بأنه كذلك فإنه حينئذ يكون قولا بغير علم

__________________

(١) سورة الحجرات : ٧.

٢٦٠

وقال بعضهم الصلاة وقال بعضهم الزكاة وقال بعضهم الصيام وقال بعضهم الحج والعمرة وقال بعضهم الجهاد فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لكل ما قلتم فضل وليس به ولكن أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله وتوالي أولياء الله والتبري من أعداء الله.

٧ ـ عنه ، عن محمد بن علي ، عن عمر بن جبلة الأحمسي ، عن أبي الجارود ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله المتحابون في الله يوم القيامة على أرض زبرجدة خضراء في ظل عرشه عن يمينه وكلتا يديه يمين وجوههم أشد بياضا وأضوأ من

_________________________________________

وفتوى بالباطل وهذا حرام ، فكيف يقرر همصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم به ويحثهم عليه« وليس به » ضمير ليس للفضل المذكور ، وضمير « به » للأوثق ، أو ضمير ليس لكل من المذكورات وضمير به للذي أرادصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتوالي أولياء الله الاعتقاد بإمامة الذين جعلهم الله أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، وأعداء الله أضدادهم وغاصبوا خلافتهم أو الأعم منهم ومن سائر المخالفين والكفار.

الحديث السابع : ضعيف.

« على أرض زبرجدة » الإضافة كخاتم حديد« في ظل عرشه » قال في النهاية :

أي في ظل رحمته ، وقال النووي : قيل : الظل عبارة عن الراحة والنعيم ، نحو هو في عيش ظليل ، والمراد ظل الكرامة لا ظل الشمس لأنها وسائر العالم تحت العرش ، وقال الآبي : ومن جواب شيخنا أنه يحتمل جعل جزء من العرش حائلا تحت فلك الشمس ، وقال عياض : ظاهره أنه سبحانه يظلهم حقيقة من حر الشمس ووهج الموقف ، وأنفاس الخلائق وهو تأويل أكثرهم ، وقال بعضهم : هو كناية عن كنهم وجعلهم في كنفه وستره ، ومنه قولهم : السلطان ظل الله ، وقولهم : فلان في ظل فلان أي في كنفه وعزه ، انتهى.

وظاهر الأخبار والآيات أن العرش يوضع يوم القيامة في الموقف وأن له

٢٦١

الشمس الطالعة يغبطهم بمنزلتهم كل ملك مقرب وكل نبي مرسل يقول الناس من هؤلاء فيقال هؤلاء المتحابون في الله.

٨ ـ عنه ، عن أبيه ، عن النضر بن سويد ، عن هشام بن سالم ، عن أبي حمزة الثمالي ، عن علي بن الحسينعليه‌السلام قال إذا جمع الله عز وجل الأولين والآخرين قام مناد فنادى يسمع الناس فيقول أين المتحابون في الله قال فيقوم عنق من الناس فيقال لهم اذهبوا إلى الجنة بغير حساب قال فتلقاهم الملائكة فيقولون إلى أين فيقولون إلى الجنة بغير حساب قال فيقولون فأي ضرب أنتم من الناس

_________________________________________

يمينا وشمالا ، فيمكن أن يكون المقربون في يمينه ومن دونهم في شماله ، وكلاهما يمين مبارك يأمن من استقر فيهما. وقيل : يحتمل أن يراد به الرحمة ولها أفراد متفاوتة فأقواهما يمين وأدونهما يسار وكلاهما مبارك ينجي من أهوال القيامة وقال في النهاية : فيه :وكلتا يديه يمين ، أي أن يديه تبارك وتعالى بصفة الكمال لا نقص في واحدة منهما ، لأن الشمال ينقص عن اليمين ، وكل ما جاء في القرآن والحديث من إضافة اليد والأيدي واليمين وغير ذلك من أسماء الجوارح إلى الله فإنما هو على سبيل المجاز والاستعارة ، والله تعالى منزه عن التشبيه والتجسيم ، انتهى.

« يغبطهم » تقول : غبطهم كضرب غبطا إذا تمنى مثل ما ناله من غير أن يريد زواله لما أعجبه من حسنه ، وكان المعنى أن الملك والنبي مع جلالة قدرهما وعظم نعمتهما يعجبهما هذه المنزلة ويعدانها عظيمة ، فلا يستلزم كون منزلته دون منزلتهما وربما يقرأ يغبطهم على بناء التفعيل ، أي يعد أنهم ذوي غبطة ، وحسن حال أو مغبوطين للناس.

الحديث الثامن : صحيح.

« يسمع الناس » على بناء الأفعال حال عن فاعل فنادى« فتلقاهم » على بناء

٢٦٢

فيقولون نحن المتحابون في الله قال فيقولون وأي شيء كانت أعمالكم قالوا كنا نحب في الله ونبغض في الله قال فيقولون «نِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ ».

٩ ـ عنه ، عن علي بن حسان عمن ذكره ، عن داود بن فرقد ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال ثلاث من علامات المؤمن علمه بالله ومن يحب ومن يبغض.

١٠ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم وحفص بن البختري ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إن الرجل ليحبكم وما يعرف ما أنتم عليه فيدخله الله

_________________________________________

المجرد أو على بناء التفعيل بحذف إحدى التائين أي تستقبلهم« وأي شيء كانت أعمالكم » أي منصوب بخبرية كانت ، أي أية مرتبة بلغ تحابكم ، وأي شيء فعلتم حتى سميتم بهذا الاسم؟ قيل : هو استبعاد لكون محض التحاب سبب هذه المنزلة «نِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ » المخصوص بالمدح محذوف أي أجركم وما أعطاكم ربكم.

الحديث التاسع : ضعيف.

« علمه بالله » أي بذاته وصفاته بقدر وسعه وطاقته« ومن يحب ومن يبغض » أي من يحبه الله من الأنبياء والأوصياءعليهم‌السلام ومن يبغضه الله من الكفار وأهل الضلال أو الضمير في الفعلين راجع إلى المؤمن أي علمه بمن يحب أن يحبه ويحب أن يبغضه وكأنه أظهر.

الحديث العاشر : حسن كالصحيح.

قوله عليه‌السلام : إن الرجل ليحبكم ، أقول : يحتمل وجوها : الأول : أن يكون المراد بهم المستضعفين من المخالفين فإنهم يحبون الشيعة ولا يعرفون مذهبهم ، ويحتمل دخولهم الجنة بذلك.

الثاني : أن يكون المراد بهم المستضعفين من الشيعة فإنهم يحبون علماء الشيعة وصلحائهم ولكن لم يصلوا إلى ما هم عليه من العقائد الحقة والأعمال الصالحة فيدخلون بذلك الجنة ، ومنهم من يبغض العلماء والصلحاء فيدخلون بذلك النار ،

٢٦٣

الجنة بحبكم وإن الرجل ليبغضكم وما يعرف ما أنتم عليه فيدخله الله ببغضكم النار.

١١ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن ابن العرزمي ، عن أبيه ، عن جابر الجعفي ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال إذا أردت أن تعلم أن فيك خيرا فانظر إلى قلبك فإن كان يحب أهل طاعة الله ويبغض أهل معصيته ففيك خير والله يحبك وإن كان يبغض أهل طاعة الله ويحب أهل معصيته فليس فيك خير والله يبغضك والمرء مع من أحب.

_________________________________________

فإن كان بغضهم للعلم والصلاح فهم كفرة وإلا فهم فسقة كما ورد : كن عالما أو متعلما أو محبا للعلماء ولا تكن رابعا فتهلك.

الثالث : أن يكون المراد بما أنتم عليه الصلاح والورع دون التشيع كما ذكره بعض المحققين.

الرابع : أن يكون المراد بما أنتم عليه المعصية كما روي أن حفصا كان يلعب. بالشطرنج ، فالمراد أن من أحبكم لظاهر إيمانكم وتشيعكم مع عدم علمه بالمعاصي التي أنتم عليه فبذلك يدخل الجنة ، ومن أبغضكم لكونكم مؤمنين ولم يعلم فسقكم ليبغضكم لذلك فهو من أهل النار لأن بغض المؤمن لإيمانه كفر.

الحديث الحادي عشر : مجهول.

« يحب أهل طاعة الله » أي سواء وصل منهم ضرر إلى دنياه أو لم يصل« ويبغض أهل معصيته » سواء وصل منهم إليه نفع أو لم يصل« وإذا كان يبغض أهل طاعة الله » لضرر دنيوي« ويحب أهل معصيته » لنفع دنيوي ، وقيل : أصل المحبة الميل وهو على الله سبحانه محال ، فمحبة الله للعبد رحمته وهدايته إلى بساط قربه ورضاه عنه ، وإرادته إيصال الخير إليه وفعله له فعل المحب ، وبغضه سلب رحمته عنه وطرده عن مقام قربه ووكوله إلى نفسه ، وكون المرء من أحب لا يستلزم أن يكون مثله في الدرجات أو في الدركات فإن دخوله مع محبوبة في الجنة أو في النار يكفي لصدق ذلك.

٢٦٤

١٢ ـ عنه ، عن أبي علي الواسطي ، عن الحسين بن أبان عمن ذكره ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال لو أن رجلا أحب رجلا لله لأثابه الله على حبه إياه وإن كان المحبوب في علم الله من أهل النار ولو أن رجلا أبغض رجلا لله لأثابه الله على بغضه إياه وإن كان المبغض في علم الله من أهل الجنة.

١٣ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسين بن سعيد ، عن النضر بن سويد ، عن يحيى الحلبي ، عن بشير الكناسي ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قد يكون حب في الله ورسوله وحب في الدنيا فما كان في الله ورسوله فثوابه على الله

_________________________________________

الحديث الثاني عشر مرسل.

قوله عليه‌السلام : لأثابه الله ، أقول : هذا إذا لم يكن مقصرا في ذلك ولم يكن مستندا إلى ضلالته وجهالته كالذين يحبون أئمة الضلالة ويزعمون أن ذلك لله فإن ذلك لمحض تقصيرهم عن تتبع الدلائل واتكالهم على متابعة الآباء وتقليد الكبراء واستحسان الأهواء بل هو كمن أحب منافقا يظهر الإيمان والأعمال الصالحة وفي باطنه منافق فاسق فهو يحبه لإيمانه وصلاحه لله وهو مثاب بذلك وكذا الثاني فإن أكثر المنافقين يبغضون الشيعة ويزعمون أنه لله وهم مقصرون في ذلك كما عرفت.

وأما من رأي شيعة يتقي من المخالفين ويظهر عقائدهم وأعمالهم ولم ير ولا سمع منه ما يدل على تشيعه فإن أبغضه ولعنه فهو في ذلك مثاب مأجور وإن كان من أبغضه من أهل الجنة ومثابا عند الله بتقية أو كأحد من علماء الشيعة زعم عقيدة من العقائد كفرا أو عملا من الأعمال فسقا وأبغض المتصف بأحدهما لله ولم يكن أحدهما مقصرا في بذل الجهد في تحقيق تلك المسألة فهما مثابان وهما من أهل الجنة إن لم يكن أحدهما ضروريا للدين.

الحديث الثالث عشر : مجهول.

« قد يكون حب في الله ورسوله » أي لهما كحب الأنبياء والأئمةعليهم‌السلام وحب

٢٦٥

وما كان في الدنيا فليس بشيء.

١٤ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن عثمان بن عيسى ، عن سماعة بن مهران ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إن المسلمين يلتقيان فأفضلهما أشدهما حبا لصاحبه.

١٥ ـ عنه ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر وابن فضال ، عن صفوان الجمال ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال ما التقى مؤمنان قط إلا كان أفضلهما أشدهما حبا لأخيه.

١٦ ـ الحسين بن محمد ، عن محمد بن عمران السبيعي ، عن عبد الله بن جبلة ، عن إسحاق بن عمار ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال كل من لم يحب على الدين ولم يبغض على الدين فلا دين له.

_________________________________________

العلماء والسادات والصلحاء والإخوان من المؤمنين لعلمهم وسيادتهم وصلاحهم وإيمانهم ولأمره تعالى ورسوله بحبهم« وحب في الدنيا » كحب الناس لبذل مال وتحصيله أو لنيل جاه وغرض من الأغراض الدنيوية« فليس بشيء » أي فأقل مراتبه أنه لا ينفع في الآخرة بل ربما أضر إذا كان لتحصيل الأموال المحرمة والمناصب الباطلة أو لفسقهم أو للعشق الباطل وأمثال ذلك.

الحديث الرابع عشر : موثق.

« فأفضلهما » أي عند الله وأكثرهما ثوابا« أشدهما حبا لصاحبه » في الله كما مر.

الحديث الخامس عشر : صحيح.

الحديث السادس عشر : مجهول.

« كل من لم يحب على الدين » إن كان المراد أنه لم يكن شيء من حبه وبغضه للدين ،فقوله : فلا دين له ، على الحقيقة لأنه لم يحب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمةعليهم‌السلام أيضا لله ولا أبغض أعداءهم لله ، وإن كان المراد غالب حبه وبغضه أو حب أهل زمانه ، أو لم يكن جميع حبه وبغضه للدين فالمعنى لا دين له كاملا.

٢٦٦

باب

ذم الدنيا والزهد فيها

١ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب ، عن الهيثم بن واقد الحريري ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال من زهد في الدنيا أثبت الله

_________________________________________

باب ذم الدنيا والزهد فيها

الحديث الأول : مجهول.

وقال في المغرب :زهد في الشيء وعن الشيء زهدا وزهادة إذا رغب عنه ولم يرده ، ومن فرق بين زهد فيه وعنه فقد أخطأ ، وقال في عدة الداعي : روي أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سئل جبرئيل عن تفسير الزهد فقال جبرئيلعليه‌السلام : الزاهد يحب من يحب خالقه ويبغض من يبغض خالقه ويتحرج من حلال الدنيا ولا يلتفت إلى حرامها ، فإن حلالها حساب وحرامها عقاب ويرحم جميع المسلمين كما يرحم نفسه ويتحرج من الكلام فيما لا يعنيه كما يتحرج من الحرام ويتحرج من كثرة الأكل كما يتحرج من الميتة التي قد اشتد نتنها ويتحرج من حطام الدنيا وزينتها كما يتجنب النار أن يغشاها وأن يقصر أمله وكان بين عينيه أجله.

والحكمة : العلوم الحقة المقرونة بالعمل أو العلوم الربانية الفائضة من الله تعالى بعد العمل بطاعته ، وقد مر تحقيقها في كتاب العقل وغيره.

قال الراغب : الحكمة إصابة الحق بالعلم والفعل فالحكمة من الله تعالى معرفة الأشياء وإيجادها علي غاية الأحكام ، ومن الإنسان معرفة الموجودات وفعل الخيرات وهذا هو الذي وصف به لقمان في قوله تعالى : «وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ »(١) ونبه علي جملتها بما وصفه بها ، انتهى.

__________________

(١) سورة لقمان : ١٢.

٢٦٧

الحكمة في قلبه وأنطق بها لسانه وبصره عيوب الدنيا داءها ودواءها وأخرجه من الدنيا سالما إلى دار السلام.

٢ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه وعلي بن محمد القاساني جميعا ، عن القاسم بن محمد ، عن سليمان بن داود المنقري ، عن حفص بن غياث ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال سمعته يقول جعل الخير كله في بيت وجعل مفتاحه الزهد في الدنيا ثم

_________________________________________

قوله عليه‌السلام : داءها ودواءها ، كأنه بدل اشتمال للعيوب أي المراد بتبصير العيوب أن يعرفه أدواء الدنيا من ارتكاب المحرمات والصفات الذميمة المتفرعة على حب الدنيا ويعرفه ما يعالج به تلك الأدواء من التفكرات الصحيحة والمواعظ الحسنة وفعل الطاعات والرياضات ومجاهدة النفس في ترك الشهوات كان يقال : الطب معرفة الأمراض بأن يعرف ما تحصل منه ، وأصل المرض وكيفية علاجه ، أو يقال : الدنيا دنياءان دنيا بلاغ يصير سببا لتحصيل الآخرة ، ودنيا ملعونة ، فلما ذكر عيوب الدنيا فصلها وبين أن منها ما هو داء ومنها ما هو دواء.

ويحتمل حينئذ ارتكاب استخدام بأن يكون المراد بالدنيا أولا الدنيا المذمومة وبالضمير الأعم ، ويحتمل أن يكون داؤها تأكيدا لعيوب الدنيا ودوائها عطفا على العيوب ، وقيل : داؤها ودواؤها مجروران بدلا بعض للدنيا فالمراد بعيوب دواء الدنيا شدتها على النفس وصعوبتها ، وربما يقرأ دواها بالقصر بمعنى الأحمق أي المبتلي بحب الدنيا ، ولا يخفى بعده.

« وأخرجه من الدنيا سالما » من العيوب والمعاصي« إلى دار السلام » أي الجنة التي من دخلها سلم من جميع المكاره والآلام.

الحديث الثاني : ضعيف.

« جعل الخير ». اه لما كان الزهد في الدنيا سببا لحصول جميع السعادات العلمية والعملية شبه تلك الكمالات بالأمتعة المخزونة في بيت والزهد بمفتاح

٢٦٨

قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لا يجد الرجل حلاوة الإيمان في قلبه حتى لا يبالي من أكل الدنيا ثم قال أبو عبد اللهعليه‌السلام حرام على قلوبكم أن تعرف حلاوة الإيمان حتى تزهد في الدنيا.

٣ ـ علي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس ، عن أبي أيوب الخزاز ، عن أبي حمزة ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال قال أمير المؤمنينعليه‌السلام إن من أعون الأخلاق على الدين الزهد في الدنيا.

٤ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه وعلي بن محمد ، عن القاسم بن محمد ، عن سليمان

_________________________________________

ذلك البيت« لا يجد الرجل ». اه شبهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الإيمان بشيء حلو في ميل الطبع السليم إليه وأثبت له الحلاوة علي الاستعارة المكنية والتخييلية ، أو استعار لفظ الحلاوة لآثار الإيمان التي تلتذ الروح بها.

« حتى لا يبالي من أكل الدنيا » يحتمل أن يكون من اسم موصول وأكل فعلا ماضيا وأن يكون « من » حرف جر وأكل مصدرا ، فعلى الأول المعنى أنه لا يعتني بشأن الدنيا بحيث لا يحسد أحدا عليها ، ولو كانت كلها لقمة في فم كلب لم يغتم لذلك ، ولم ير ذلك له كثيرا ، وعلي الثاني أيضا يرجع إلى ذلك ، أو المعنى لا يعتني بأكل الدنيا والتصرف فيها.

الحديث الثالث : صحيح.

« إن من أعون الأخلاق ». اه وذلك لأن الاشتغال بالدنيا وصرف الفكر في طرق تحصيلها ووجه ضبطها ورفع موانعها مانع عظيم من تفرغ القلب للأمور الدينية وتفكره فيها بل حبها لا يجتمع مع حب الله تعالى وطاعته وطلب الآخرة كما روي : أن الدنيا والآخرة ضرتان ، إذ الميل بأحدهما يضر بالآخر.

الحديث الرابع : ضعيف.

وقد مر صدر هذا الخبر في باب الرضا بالقضاء إلى قوله : ألا إنالزهد ، و

٢٦٩

بن داود المنقري ، عن علي بن هاشم بن البريد ، عن أبيه أن رجلا سأل علي بن الحسينعليه‌السلام عن الزهد فقال عشرة أشياء فأعلى درجة الزهد أدنى درجة الورع وأعلى درجة الورع أدنى درجة اليقين وأعلى درجة اليقين أدنى درجة الرضا

_________________________________________

كان فيه الزهد عشرة أجزاء ، ومنهم من جعل الأجزاء العشرة باعتبار ترك عشرة أشياء : المال والأولاد واللباس والطعام والزوجة والدار والمركوب والانتقام من العدو والحكومة وحب الشهرة بالخير ، وهو تكلف مستغنى عنه ، وسيأتي بعض الأقسام في الحديث الثاني عشر.

والآيات في الحديد هكذا : «اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكاثُرٌ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ » إلى قوله سبحانه «وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاَّ مَتاعُ الْغُرُورِ » ثم قال تعالى بعد آية : «ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ ، لِكَيْلا تَأْسَوْا ».

قال المفسرون : أي كتبنا ذلك في كتابلكيلا تأسوا أي تحزنوا على ما فاتكم من نعم الدنيا «وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ » أي بما أعطاكم منها ، وقال الطبرسي (ره) :

والذي يوجب نفي الأسي والفرح من هذا أن الإنسان إذا علم أن ما فات منها ضمن الله تعالى العوض عليه في الآخرة فلا ينبغي أن يحزن لذلك ، وإذا علم أن ما ناله منها كلف الشكر عليه والحقوق الواجبة فيه فلا ينبغي أن يفرح به وأيضا فإذا علم أن شيئا منها لا يبقى فلا ينبغي أن يهتم له بل يجب أن يهتم لأمر الآخرة التي تدوم ولا تبيد ، انتهى.

ولا يخفى أن هذين الوجهين لا ينطبقان على التعليل المذكور في الآية إلا أن يقال : أن هذه الأمور أيضا من الأمور المكتوبة ، ولذا قال غيره : أن العلة في ذلك أن من علم أن الكل مقدر هان عليه الأمر.

٢٧٠

ألا وإن الزهد في آية من كتاب الله عز وجل : «لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ »(١) .

٥ ـ وبهذا الإسناد ، عن المنقري ، عن سفيان بن عيينة قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام

_________________________________________

وقال بعض الأفاضل : هو تعليل لقوله قبل ذلك بثلاث آيات : «اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ » وهذا وجه حسن بحسب المعنى ولا تكلف في التعليل حينئذ لكنه بحسب اللفظ بعيد وإن كانت الآيات متصلة بحسب المعنى مسوقة لأمر واحد وقد مر وجه آخر في تأويل الآية في كتاب الحجة وأنها نازلة في أهل البيتعليهم‌السلام وقد بيناه هناك.

وقال البيضاوي : المراد منه نفي الأسي المانع عن التسليم لأمر الله والفرح الموجب للبطر والاختيال «وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ » إذ قل من يثبت نفسه حالي السراء والضراء ، انتهى.

وروي في نهج البلاغة عن أمير المؤمنينعليه‌السلام أنه قال : الزهد كلمة بين كلمتين في القرآن ، قال الله سبحانه : «لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ » فمن لم يأس على الماضي ولم يفرح بالآتي فقد أخذ الزهد بطرفيه.

الحديث الخامس : كالسابق.

وروي في نهج البلاغة عن أمير المؤمنينعليه‌السلام أنه قال : الزهد كلمة بين كلمتين في القرآن ، قال الله سبحانه : «لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ » فمن لم يأس على الماضي ولم يفرح بالآتي فقد أخذ الزهد بطرفيه.

الحديث الخامس : كالسابق.

وقد مر الحديث في باب الإخلاص مع زيادة في صدره وهو قوله : قال سألته عن قول الله عز وجل «إِلاَّ مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ » قال : القلب السليم الذي يلقى ربه وليس فيه أحد سواه ، وقال : وكل قلب. اه ، وفيه دلالة على أن حب الدنيا متفرع على الشك أي عدم اليقين الكامل بالآخرة ، والشرك أي عدم التوكل التام على الله تعالى في الرزق وغيره ، والاعتماد على السعي والعمل والاشتغال بتحصيل الدنيا والتوسل بغيره تعالى ، وهو إحدى مراتب الشرك الخفي

__________________

(١) سورة الحديد : ٢٣.

٢٧١

وهو يقول كل قلب فيه شك أو شرك فهو ساقط وإنما أرادوا بالزهد في الدنيا لتفرغ قلوبهم للآخرة.

٦ ـ علي ، عن أبيه ، عن ابن محبوب ، عن العلاء بن رزين ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال أمير المؤمنينعليه‌السلام إن علامة الراغب في ثواب الآخرة زهده في عاجل زهرة الدنيا أما إن زهد الزاهد في هذه الدنيا لا ينقصه مما قسم الله

_________________________________________

« فهو ساقط » أي عن درجة الاعتبار والقبول ، والترديد على سبيل منع الخلو« وإنما أرادوا » أي الأنبياء والأوصياء وخلص أصحابهم« بالزهد » الباء زائدة زيادتها في قوله تعالى : «وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ »(١) .

الحديث السادس : حسن كالصحيح.

« إن علامة الراغب » إشارة إلى ما عرفت من أن الدنيا والآخرة ضرتان لا يجتمع حبهما في قلب ، فالراغب في أحدهما زاهد في الآخر لا محالة وإنما أدخل العاجل لأنه السبب لاختيار الناس الدنيا غالبا على ثواب الآخرة آجلا ، أو لدلالته على عدم الثبات ، وقيل : لأن زهرة الدنيا المتعلقة بالآجلة والآخرة كقدر ما يحتاج به الإنسان لتحصيل ما ينفع في الآخرة لا ينافي الرغبة في ثوابها بل معين لحصوله ، والمرادبزهرة الدنيا بهجتها ونضارتها أو متاعها تشبيها له بزهرة النبات لكونها أقل الرياحين ثباتا ، وهو إشارة إلى قوله تعالى : «وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقى »(٢) .

قال في القاموس : الزهرة ويحرك النبات ونوره أو الأصفر منه ، ومن الدنيا بهجتها ونضارتها وحسنها ، انتهى.

قوله عليه‌السلام : في هذه الدنيا الإشارة للتحقير« وإن زهد » أي بالغ في الزهد ، وكذاقوله : وإن حرص ، أو المراد بقوله : وإن زهد ، وإن سعى في صرفها عن نفسه ،

__________________

(١) سورة الحجّ : ٢٥.

(٢) سورة طه : ١٣١.

٢٧٢

عز وجل له فيها وإن زهد ، وإن حرص الحريص على عاجل زهرة [ الحياة ] الدنيا لا يزيده فيها وإن حرص فالمغبون من حرم حظه من الآخرة.

٧ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن يحيى الخثعمي ، عن طلحة بن زيد ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال ما أعجب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله شيء من الدنيا إلا أن يكون فيها جائعا خائفا.

_________________________________________

وبقوله : إن حرص أي بالغ في تحصيلها فالمراد بالزهد والحرص الأولين القلبيان وبالآخرين الجسمانيان.

والحاصل أن الرزق لكل أحد مقدر وإن كان وصولها إليه مشروطا بقدر من السعي على ما أمره الشارع من غير إفراط يمنعه عن الطاعات ولا تقصير كثير بترك السعي مطلقا ولا مدخل لكثرة السعي في كثرة الرزق ، فمن ترك الطاعات وارتكب المحرمات في ذلك حرم ثواب الآخرة ولا يزيد رزقه في الدنيا فهو مغبون ، وهذا على القول بأن مقدار الرزق معين مقدر لا يزيد بالسعي ولا ينقص بتركه ، وعلى القول بأن الرزق المقدر الواجب على الله تعالى هو القدر الضروري ويزيد بالكسب والسعي ، فيحتاج الخبر إلى تأويل بعيد ، وسيأتي الكلام عليه في محله إنشاء الله تعالى.

الحديث السابع : ضعيف كالموثق.

« إلا أن يكون فيها » كان الاستثناء منقطع ويحتمل الاتصال« جائعا » أي بسبب الصوم أو الإيثار على الغير أو لأن الجوع موجب للقرب من الله تعالى بخلاف الشبع فإنه موجب للبعد مع أن في الجوع الاضطراري والصبر عليه والرضا بقضائه سبحانه لذة للمقربين« خائفا » أي من عذاب الآخرة أو من العدو في الجهاد أيضا أو لأن الضراء في الدنيا مطلقا موجب للسراء في الآخرة ، وقد أشبعنا الكلام في جوعه وقناعته وتواضعهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في المأكل والملبس والمجلس وسائر أحواله في كتابنا الكبير ، وذكرها هنا يوجب الإطناب.

٢٧٣

٨ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن القاسم بن يحيى ، عن جده الحسن بن راشد ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال خرج النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو محزون فأتاه ملك ومعه مفاتيح خزائن الأرض فقال يا محمد هذه مفاتيح خزائن الأرض يقول لك ربك افتح وخذ منها ما شئت من غير أن تنقص شيئا عندي فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الدنيا دار من لا دار له ولها يجمع من لا عقل له فقال الملك والذي بعثك بالحق نبيا لقد سمعت هذا الكلام من ملك يقوله في السماء الرابعة حين أعطيت المفاتيح.

_________________________________________

الحديث الثامن : ضعيف.

« خرج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » أي من البيت أو إلى بعض الغزوات« وهو محزون » لعل حزنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان لضعف المسلمين وعدم رواج الدين وقوة المشركين وقلة أسباب الجهاد« من غير أن تنقص » على بناء المجهول ، قال الجوهري : نقص الشيء ونقصته أنا يتعدى ولا يتعدى ، انتهى.

ويمكن أن يقرأ على بناء المعلوم فالمستتر راجع إلى المفاتيح ، وفي بعض النسخ على الغيبة أي ينقص أخذك شيئا من المنزلة والدرجة التي لك عندي« من لا دار له » أي في الآخرة فالمعنى أن الذي يهتم لتحصيل الدنيا وتعميرها ليست له دار في الآخرة ، أو يختار الدنيا من لا يؤمن بأن له دارا في الآخرة أو من لا دار له أصلا ، فإن دار الآخرة قد فوتها ودار الدنيا لا تبقى له« ولها » أي للدنيا والعيش فيها.

« يجمع الأموال » والأسباب« من لا عقل له » لأن العاقل لا يختار الفاني على الباقي ، وربما يقرأ يجمع على بناء الأفعال من العزم والاهتمام.

في القاموس : الإجماع الاتفاق ، وصر أخلاف الناقة جمع ، وجعل الأمر جمعا بعد تفرقه والأعداد والإيناس وسوق الإبل جميعا والعزم على الأمر أجمعت الأمر وعليه والأمر مجمع ، انتهى.

ويناسب هنا أكثر المعاني لكن الأول أظهر.

٢٧٤

٩ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن جميل بن دراج ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال مر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بجدي أسك ملقى على مزبلة ميتا فقال لأصحابه كم يساوي هذا فقالوا لعله لو كان حيا لم يساو درهما فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله والذي نفسي بيده للدنيا أهون على الله من هذا الجدي على أهله.

١٠ ـ علي بن إبراهيم ، عن علي بن محمد القاساني عمن ذكره ، عن عبد الله بن القاسم ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إذا أراد الله بعبد خيرا زهده في الدنيا وفقهه في الدين وبصره عيوبها ومن أوتيهن فقد أوتي خير الدنيا والآخرة وقال لم

_________________________________________

الحديث التاسع : حسن كالصحيح.

وقال في النهاية : فيه أنه مربجدي أسك ، أي مصطلم الأذنين مقطوعهما ، وفي القاموس : السكك محركة الصمم وصغر الأذن ولزوقها بالرأس وقلة أشرافها أو صغر قوف الأذن وضيق الصماخ يكون في الناس وغيرهم وسككت وهو أسك وهي سكاء.

وأقول : روى مسلم في صحيحه هذا الحديث بإسناده عن جابر بن عبد الله الأنصاري أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مر بالسوق فمر بجدي أسك ميت فتناوله فأخذ بإذنه ثم قال : أيكم يحب أن هذا له بدرهم؟ فقالوا : ما نحب أنه لنا بشيء وما نصنع به؟ قال : تحبون أنه لكم؟ قالوا : والله لو كان حيا كان عيبا فيه لأنه أسك فكيف وهو ميت؟ فقال : فو الله للدنيا أهون على الله من هذا عليكم ، والمزبلة بفتح الباء والضم لغة : موضع يلقى فيه الزبل بالكسر وهو السرقين.

الحديث العاشر : ضعيف.

« وبصره عيوبها » أي الدنيا« ومن أوتيهن » أي تلك الخصال الثلاث وفيه إشعار بأنه لا يتيسر إلا بتوفيق الله تعالى «فَقَدْ أُوتِيَ » كأنه إشارة إلى قوله تعالى : «وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً »(١) فالحكمة العلم بالدين أصوله وفروعه وبعيوب

__________________

(١) سورة البقرة : ٢٦٩.

٢٧٥

يطلب أحد الحق بباب أفضل من الزهد في الدنيا وهو ضد لما طلب أعداء الحق قلت جعلت فداك مما ذا قال من الرغبة فيها وقال ألا من صبار كريم فإنما

_________________________________________

الدنيا والزهد فيها« لم يطلب أحد الحق » أي الدين الحق« بباب » أي بسبب ووسيلة أفضل من ترك الدنيا ، فإنه ليس الباعث لاختيار الباطل مع وضوح الحق وظهوره إلا حب الدنيا فإنها غالبا مع أهل الباطل ، ويمكن تعميم الحق في كل حكم ومسألة فإن الأغراض الدنيوية تعمى القلب عن الحق ، أو المراد بالحق الرب تعالى أي قربه ووصاله« وهو » أي الزهد« ضد لما طلب أعداء الحق » وقوله : مما ذا ، طلب لبيان ما طلبه أعداء الحق فبينعليه‌السلام بقوله : من الرغبة فيها ، والرغبة وإن كانت عين الطلب لكن جعلها مطلوبهم مبالغة.

ويحتمل أن يكون ما في قوله لما طلب مصدرية فلا يكون هنا للبيان بل للتعليل كما سيأتي ، ويحتمل أن يكون ضمير هو راجعا إلى الحق أي الحق ضد لمطلوب أعداء الحق فمن في قوله : مما للتعليل « وما ذا » للاستفهام أي لأي علة صار ضد الحق مطلوبهم ، قال : لرغبتهم في الدنيا ، وقيل : أي مما ذا طلب أعداء الحق مطلوبهم ، والهمزة فيألا للاستفهام ولا للنفي ، ومن زائدة لعموم النفي ، والمعنى ألا يوجدصبار كريم النفس يصبر عن الدنيا وعلى فقرها وشدتها ويزهد فيها؟ وقد يقرأ صبار بكسر الصاد وتخفيف الباء مصدر باب المفاعلة مضافا إلى كريم ، وقرأ بعضهم إلا بالتشديد استثناء من الرغبة فيها ، أي إلا أن تكون الرغبة فيها من صبار كريم يطلبها من طرق الحلال ويصبر عن الحرام وعلى إخراج الحقوق المالية وإعانة الفقراء فإن الرغبة في هذه الدنيا إنما هي للآخرة وأول الوجوه أظهرها.

ثم رغبعليه‌السلام في الزهد وسهل تحصيلهبقوله : فإنما هي ، أي الدنيا« أيام قلائل » وهي أيام العمر فالصبر على ترك الشهوات وتحمل الملاذ فيها سهل يسير

٢٧٦

هي أيام قلائل ألا إنه حرام عليكم أن تجدوا طعم الإيمان حتى تزهدوا في الدنيا.

قال وسمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول إذا تخلى المؤمن من الدنيا سما ووجد حلاوة حب الله وكان عند أهل الدنيا كأنه قد خولط وإنما خالط القوم حلاوة

_________________________________________

سيما إذا كان مستلزما للراحة الطويلة الدائمة« ألا إنه » ألا حرف تنبيه وشبه حصول الإيمان الكامل في القلب بحيث يظهر أثره في الجوارح بإدراك طعم شيء لذيذ مع أن اللذات الروحانية أعظم من اللذات الجسمانية.

قوله : إذا تخلى المؤمن من الدنيا ، أي جعل نفسه خالية من حب الدنيا وقطع تعلقه بها أو تفرغ للعبادة مجتنبا من الدنيا ومعرضا عنها ، قال في النهاية :

أن تقول أسلمت وجهي إلى الله وتخليت ، التخلي التفرغ ، يقال : تخلى للعبادة وهو تفعل من الخلو والمراد التبرؤ من الشرك وعقد القلب على الإيمان ، وقال : السمو العلو يقال :سما يسمو سموا فهو سام ، ويقال : فلان يسمو إلى المعالي إذا تطاول إليها ، انتهى.

أي ارتفع من حضيض النقص إلى أوج الكمال ، أو مال وارتفع إلى عالم الملكوت وارتفعت همته عن التدنس بما في عالم الناسوت « كأنه قد خولط » قال في القاموس :خالطه مخالطة وخلاطا : مازجه والخلاط بالكسر أن يخالط الرجل في عقله وقد خولط ، وفي النهاية فيه : ظن الناس أن قد خولطوا وما خولطوا ولكن خالط قلبهم هم عظيم يقال : خولط فلان في عقله إذا اختل عقله ، فقوله : خولط بهذا المعنى وخالط بمعنى الممازجة ، وهذا أعلى درجات المحبين حيث استقر حب الله تعالى في قلوبهم وأخرج حب كل شيء غيره منها فلا يلتفتون إلى غيره تعالى ويتركون معاشرة عامة الخلق لمباينة طوره أطوارهم فهم يعدونه سفيها مخالطا كما نسبوا الأنبياءعليهم‌السلام إلى الجنون لذلك.

٢٧٧

حب الله فلم يشتغلوا بغيره قال وسمعته يقول إن القلب إذا صفا ضاقت به الأرض حتى يسمو.

_________________________________________

« إن القلب إذا صفا » أي إن القلب أي الروح الإنساني لما كان من عالم الملكوت وإنما أهبط إلى هذا العالم الأدنى وابتلي بالتعلق بالبدن لتحصيل الكمالات وحيازة السعادات كما أن الثوب قد يلوث ببعض الكثافات ليصير بعد الغسل أشد بياضا وأصفى مما كان ، فإذا اختار الشقاوة وتشبث بهذه العلائق الجسمانية والشهوات الظلمانية لحق بالأنعام بل هو أضل سبيلا وإن تمسك بعروة الشريعة الحقة وعمل بالنواميس الإلهية والرياضات البدنية ، حتى انفتح له عين اليقين فنظر إلى الدنيا ولذاتها بتلك العين الصحيحة رآها ضيقة مظلمة فانية موحشة غدارة غرارة ملوثة بأنواع النجاسات المعنوية والصفات الدنية ، استوحش منها وتذكر عالمه الأصلي فرغب إليها وتعلق بها فجانب المتعلقين بهذا العالم وأنس بالمتعلقين بالملأ الأعلى فلحق بهم ، وضاقت به الأرض وصارت همته رفيعة عالية فلم يرض إلا بالصعود إلى سدرة المنتهى وجنة المأوى ، فهم مع كونهم بين الخلق أرواحهم معلقة بالملأ الأعلى ، ويستصعدون بقرب المولى.

أو يقال : لما كانت الأرض أعظم أجزاء الإنسان وكانت قواه الظاهرة والباطنة مائلة إليها بالطبع لكمال النسبة بينهما كانت الدواعي إلى زهراتها حاضرة والبواعث إلى لذاتها ظاهرة فربما اشتغل بها واكتسب الأخلاق والأعمال الفاسدة لتحصيل المقاصد حتى تصير النفس تابعة لها راضية بأثرها مشعوفة بعملها متكدرة بالشهوات منغمسة في اللذات فتحب الاستقرار في الأرض وتركن إليها ، وأما إذا منعت تلك القوي عن مقتضاها وصرفتها عن هواها وروضتها بمقامع الشريعة وأدبتها بآداب الطريقة حتى غلبت عليها وصفت عن كدوراتها وطهرت عن خبائث لذاتها وتحلت بالأخلاق الفاضلة والأعمال الصالحة والآداب السنية والأطوار الرضية ضاقت

٢٧٨

١١ ـ علي [ ، عن أبيه ] ، عن علي بن محمد القاساني ، عن القاسم بن محمد ، عن سليمان بن داود المنقري ، عن عبد الرزاق بن همام ، عن معمر بن راشد ، عن الزهري محمد بن مسلم بن شهاب قال سئل علي بن الحسينعليه‌السلام أي الأعمال أفضل عند الله عز وجل فقال ما من عمل بعد معرفة الله جل وعز ومعرفة رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله أفضل من بغض الدنيا وإن لذلك لشعبا كثيرة وللمعاصي شعبا فأول ما عصي الله به الكبر وهي معصية إبليس حين «أَبى وَاسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ » والحرص وهي معصية آدم وحواء حين قال الله عز وجل لهما «فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ »(١) فأخذا ما لا حاجة بهما إليه فدخل ذلك على ذريتهما إلى يوم القيامة وذلك أن أكثر ما يطلب ابن آدم ما لا حاجة به إليه ثم الحسد وهي معصية ابن آدم حيث حسد أخاه فقتله فتشعب من ذلك حب النساء وحب

_________________________________________

بها الأرض حتى تسمو إلى عالم النور فتشاهد العالم الأعلى بالعيان وتنظر إلى الحق بعين العرفان ويزداد لها نور الإيمان والإيقان ، فتعاف جملة الدنيا والاستقرار في الأرض فبدنها في هذه الدنيا وهي في العالم الأعلى فيصير كما قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لو لا الآجال التي كتبت عليهم لم تستقر أرواحهم في أبدانهم طرفة عين.

ولذا قال مولى المؤمنين عند الشهادة : فزت ورب الكعبة.

الحديث الحادي عشر : ضعيف.

« وأن لذلك » أي لبغض الدنيا« لشعبا » أي من الصفات الحسنة والأعمال الصالحة ، وهي ضد شعب المعاصي كالتواضع مع الكبر والقنوع مع الحرص والرضا بما آتاه الله مع الحسد ، وقد مر ذكر الأضداد كلها في باب جنود العقل والجهل ، وإنما ذكر هنا معظمها.

« وهي معصية آدم » هي عند الإمامية مجاز والنهي عندهم نهي تنزيه« فدخل ذلك » أي الحرص ، أو أخذ ما لا حاجة به إليه« وذلك أن أكثر ما يطلب » إنما

__________________

(١) سورة البقرة : ٣٥.

٢٧٩

الدنيا وحب الرئاسة وحب الراحة وحب الكلام وحب العلو والثروة فصرن سبع خصال فاجتمعن كلهن في حب الدنيا فقال الأنبياء والعلماء بعد معرفة ذلك حب الدنيا رأس كل خطيئة والدنيا دنياءان دنيا بلاغ ودنيا ملعونة.

_________________________________________

قال : أكثر لأن قدر الكفاف لا بد منه« فتشعب من ذلك » أي من ذلك المذكور وهو الكبر والحرص والحسد ، والتخصيص بالحسد بعيد معنى« حب النساء » أي لمحض الشهوة لا لاتباع السنة ، أو إذا انتهى إلى الحرام والشبهة« وحب الدنيا » أي حياة الدنيا وكراهة الموت لئلا ينافي اجتماعهن في حب الدنيا وإن احتمل أن يكون المراد اجتماع الخمسة ، أو الظرفية المجازية« وحب الرئاسة » أي بغير استحقاق أو الباطلة أو لمحض الاستيلاء والغلبة.

« وحب الراحة » كان النوم أيضا داخل فيها« وحب الكلام » أي بغير فائدة أو للفخر والمراء« وحب العلو » أي في المجالس أو الأعم« وحب الثروة » أي الكثرة في الأموال أو الأعم منها ومن الأولاد والعشائر والأتباع.

وروي في المحاسن عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : أول ما عصى الله به ست : حب الدنيا ، وحب الرئاسة ، وحب الطعام ، وحب النساء ، وحب النوم ، وحب الراحة.

قوله عليه‌السلام : والعلماء ، أي الأوصياء أو الأعم وقولهم أما بالوحي أو بعلومهم الكاملة ، ثم لما كان هنا مظنة أن ارتكاب كل ما في الدنيا مذموم قسمعليه‌السلام الدنيا إلى« دنيا بلاغ » أي تبلغ به إلى الآخرة ويحصل بها مرضات الرب تعالى أو دنيا تكون بقدر الضرورة والكفاف فالزائد عليها« ملعونة » أي ملعون صاحبها فالإسناد على المجاز أو هي ملعونة أي بعيدة من الله ومن الخير والسعادة قال في النهاية : البلاغ ما يتبلغ ويتوصل به إلى الشيء المطلوب ، وفي المصباح : البلغة ما يتبلغ به من العيش ولا يفضل يقال : تبلغ به إذا اكتفى به ، وفي هذا بلاغ وبلغة وتبلغ أي كفاية.

٢٨٠

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434