مرآة العقول الجزء ٨

مرآة العقول18%

مرآة العقول مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 434

  • البداية
  • السابق
  • 434 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 13461 / تحميل: 7655
الحجم الحجم الحجم
مرآة العقول

مرآة العقول الجزء ٨

مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

٨ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه وعلي بن محمد ، عن القاسم بن محمد ، عن سليمان المنقري ، عن حفص بن غياث قال سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن الورع من الناس فقال الذي يتورع عن محارم الله عز وجل.

٩ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن علي بن النعمان ، عن أبي أسامة قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول عليك بتقوى الله والورع والاجتهاد وصدق الحديث وأداء الأمانة وحسن الخلق وحسن الجوار وكونوا دعاة إلى أنفسكم بغير ألسنتكم وكونوا زينا ولا تكونوا شينا وعليكم بطول الركوع والسجود فإن أحدكم

_________________________________________

المحارم وترك الطاعات كما هو الشائع بين الناس ، أو هو تعريض بأرباب البدع الذين يحرمون ما أحل الله على أنفسهم ويسمونه ورعا أو تنبيه على أن الورع إنما هو بترك المعاصي لا بالمبالغة في الطاعات والإكثار منها.

الحديث الثامن : ضعيف والوجوه السابقة جارية فيه.

الحديث التاسع : صحيح.

« وحسن الجوار » لكل من جاوره وصاحبه أو لجار بيته« وكونوا دعاة » أي كونوا داعين للناس إلى طريقتكم المثلي ومذهبكم الحق بمحاسن أعمالكم ومكارم أخلاقكم ، فإن الناس إذا رأوكم على سيرة حسنة وهدى جميل نازعتهم أنفسهم إلى الدخول فيما ذهبتم إليه من التشيع وتصويبكم فيما تقلدتم من طاعة أئمتكمعليهم‌السلام « وكونوا زينا » أي زينة لنا« ولا تكونوا شينا » أي عيبا وعارا علينا ، وفي النهاية في حديث أبي هريرة إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد اعتزل الشيطان يبكي يقول يا ويله ، الويل : الحزن والهلاك والمشقة من العذاب وكل من وقع في هلكة دعا بالويل ، ومعنى النداء فيه يا ويلي ويا حزني ويا هلاكي ويا عذابي احضر فهذا وقتك وأو أنك ، فكأنه نادى الويل أن يحضره لما عرض له من الأمر الفظيع وهو الندم على ترك السجود لآدمعليه‌السلام ، وأضاف الويل إلى ضمير الغائب حملا على

٦١

إذا أطال الركوع والسجود هتف إبليس من خلفه وقال يا ويله أطاع وعصيت وسجد وأبيت.

١٠ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن علي بن أبي زيد ، عن أبيه قال كنت عند أبي عبد اللهعليه‌السلام فدخل عيسى بن عبد الله القمي فرحب به وقرب من مجلسه ثم قال يا عيسى بن عبد الله ليس منا ولا كرامة من كان في مصر فيه مائة ألف أو يزيدون وكان في ذلك المصر أحد أورع منه.

_________________________________________

المعنى ، وعدل عن حكاية قول إبليس يا ويلي كراهة أن يضيف الويل إلى نفسه ، انتهى.

وقال : النووي : هو من أدب الكلام أنه إذا عرض في الحكاية عن الغير ما فيه سوء صرف الحاكي عن نفسه إلى الغيبة صونا عن صورة إضافة السؤال إلى نفسه ، انتهى.

وقيل : الضمير راجع إلى الساجد ودعا إبليس له بالعذاب والويل ، أو هو من كلام الإمام والضمير لإبليس والجملة معترضة ، ولا يخفى بعدهما ، ويحتمل على الأول أن يكون المنادي محذوفا نحو ألا يا اسجدوا أي يا قوم احضروا ويلي.

الحديث العاشر : مجهول.

وقال الجوهري :الرحب بالضم السعة ، وقولهم : مرحبا وأهلا أي أتيت سعة وأتيت أهلا فاستأنس ولا تستوحش ، وقدر حب به ترحيبا إذا قال له مرحبا ، انتهى.

وفي النهاية : وقيل : معناه رحب الله بك مرحبا ، فجعل المرحب موضع الترحيب ، انتهى.

وقوله : ولا كرامة جملة معترضة أي لا كرامة له عند الله أو عندنا أو أعم منهما« فيه مائة ألف » أي من المخالفين أو الأعم ، ويدل على مدح عيسى بن عبد الله وروى الشيخ المفيد في مجالسه حديثا يدل على مدح عظيم له ، وأنه قالعليه‌السلام فيه هو منا أهل البيت ، وزعم الأكثر أنه الأشعري جد أحمد بن محمد ، والأظهر عندي أنه غيره لبعد ملاقاة الأشعري الصادقعليه‌السلام ، بل ذكروا أن له مسائل عن الرضاعليه‌السلام .

٦٢

١١ ـ عنه ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن ابن فضال ، عن علي بن عقبة ، عن أبي كهمس ، عن عمرو بن سعيد بن هلال قال قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام أوصني قال أوصيك بتقوى الله والورع والاجتهاد واعلم أنه لا ينفع اجتهاد لا ورع فيه.

١٢ ـ عنه ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن الحكم ، عن سيف بن عميرة ، عن أبي الصباح الكناني ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال أعينونا بالورع فإنه من لقي الله عز وجل منكم بالورع كان له عند الله فرجا وإن الله عز وجل يقول : «مَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ

_________________________________________

الحديث الحادي عشر : مجهول ، وقد مر مضمونه.

الحديث الثاني عشر : صحيح.

« أعينونا بالورع » إشارة إلى أن الأئمةعليهم‌السلام متكفلون لنجاة شيعتهم من العذاب ، فكلما كان ورعهم أشد وأكمل كانت الشفاعة عليهم أسهل ، فالورع إعانة لهمعليهم‌السلام على ذلك.

فإن قلت : مع الورع أي حاجة إلى الشفاعة فإنه يجب عليه سبحانه بمقتضى وعده إدخالهم الجنة وإبعادهم عن العذاب.

قلت : يحتمل أن يكون المراد عدم تجشم الشفاعة أو يكون الورع ترك المعاصي فقط ، فلا ينافي الاحتياج إلى الشفاعة للتقصير في الواجبات ، أو يكون المراد بالورع ترك الكبائر أو أعم من ترك كل المعاصي أو بعضها مع أنه لا استبعاد في الحاجة إلى الشفاعة مع فعل الطاعات وترك المعاصي لسرعة دخول الجنة أو التخلص من أهوال القيامة أو عدم الحساب ، أو تخفيفه.

« كان له عند الله فرجا » اسم كان الضمير المستتر الراجع إلى الورع ، وقيل : إلى اللقاء وفرجا بالجيم خبره ، وربما يقرأ بالحاء المهملة وعلى التقديرين التنوين للتعظيم «مَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ » في سورة النساء «وَالرَّسُولَ » وكأنه نقل بالمعنى مع الإشارة إلى ما في سورة النور «وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولئِكَ هُمُ

٦٣

أُولئِكَ رَفِيقاً »(١) فمنا النبي ومنا الصديق والشهداء والصالحون.

١٣ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن محبوب ، عن ابن رئاب ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إنا لا نعد الرجل مؤمنا حتى يكون لجميع أمرنا متبعا مريدا ألا وإن من اتباع أمرنا وإرادته الورع فتزينوا به يرحمكم الله وكبدوا أعداءنا [ به ] ينعشكم الله.

_________________________________________

الْفائِزُونَ » وإطاعة الله والرسول لا تكون إلا مع الورع ، فالاستشهاد لذلك وقيل : المراد بطاعة الله ورسوله إطاعتهما في الاعتقاد بإمامة أئمة الهدىعليهم‌السلام وإن كان مع المعاصي فالاستشهاد للشفاعة.

« فمنا » أي من بني هاشم وكان المرادبالصديق أمير المؤمنينعليه‌السلام وبالشهداء الحسنانعليه‌السلام أو الحسينعليه‌السلام وبالصالحين باقي الأئمةعليهم‌السلام ، أو المراد بالشهداء جميع الأئمةعليهم‌السلام وبالصالحين شيعتهم ، وقد فسرت الآية بالوجهين في الأخبار.

الحديث الثالث عشر : حسن« إنا لا نعد الرجل مؤمنا » هذا أحد معاني الإيمان التي مضت« مريدا » أي لجميع أمرنا« يرحمكم الله » جواب الأمر أو جملة دعائية وكذا قوله : ينعشكم الله يحتمل الوجهين« وكيدوا به » في أكثر النسخ بالياء المثناة أي حاربوهم بالورع لتغلبوا أو ادفعوا به كيدهم سمي كيدا مجازا أي الورع يصير سببا لكف ألسنتهم عنكم وترك ذمهم لكم أو احتالوا بالورع ليرغبوا في دينكم كما مر في قوله :عليه‌السلام « كونوا دعاة » إلخ ، وكأنه أظهر ، وفي بعض النسخ بالباء الموحدة المشددة من الكبد بمعنى الشدة والمشقة ، أي أوقعوهم في الألم والمشقة لأنه يصعب عليهم ورعكم والأول أكثر وأظهر.

« ينعشكم الله » أي يرفعكم الله في الدنيا والآخرة ، في القاموس : نعشه الله كمنعه رفعه كأنعشه ونعشه وفلانا جبره بعد فقر ، والميت ذكره ذكرا حسنا.

__________________

(١) سورة النساء : ٦٩ ، وفيها « والرسول » كما ذكره الشارح (ره).

٦٤

١٤ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن الحجال ، عن العلاء ، عن ابن أبي يعفور قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام كونوا دعاة للناس بغير ألسنتكم ليروا منكم الورع والاجتهاد والصلاة والخير فإن ذلك داعية.

١٥ ـ الحسين بن محمد ، عن علي بن محمد بن سعيد ، عن محمد بن مسلم ، عن محمد بن حمزة العلوي قال أخبرني عبيد الله بن علي ، عن أبي الحسن الأولعليه‌السلام قال كثيرا ما كنت أسمع أبي يقول ليس من شيعتنا من لا تتحدث المخدرات بورعه في خدورهن وليس من أوليائنا من هو في قرية فيها عشرة آلاف رجل فيهم [ من ] خلق [ ا ] لله أورع منه.

_________________________________________

الحديث الرابع عشر : صحيح.

« فإن ذلك داعية » أي للمخالفين إلى الدخول في دينكم كما مر ، والتاء للمبالغة وسيأتي هذا الخبر في باب الصدق بأدنى تفاوت في السند والمتن ، وفيه الصدق مكان الصلاة.

الحديث الخامس عشر : مجهول.

وفي القاموسالخدر بالكسر ستر يمد للجارية في ناحية البيت ، وكل ما واراك من بيت ونحوه ، والجمع خدور وأخدار ، وبالفتح إلزام البنت الخدر كالإخدار والتخدير وهي مخدرة ومخدرة ، انتهى.

والمعنى اشتهر ورعه بحيث تتحدث النساء المستورات غير البارزات بورعه في بيوتهن ، وقيل : إنه يدل على أن إظهار الصلاح ليشتهر أمر مطلوب ، ولكن بشرط أن لا يكون لقصد الرياء والسمعة بل لغرض صحيح مثل الاقتداء به والتحفظ من نسبة الفسق إليه ونحوهما ، وفيه نظر.

٦٥

باب العفة

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حماد بن عيسى ، عن حريز ، عن زرارة ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال ما عبد الله بشيء أفضل من عفة بطن وفرج.

٢ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن إسماعيل ، عن حنان بن سدير ، عن أبيه قال قال أبو جعفرعليه‌السلام إن أفضل العبادة عفة البطن والفرج.

_________________________________________

باب العفة

الحديث الأول : حسن كالصحيح.

والعفة في الأصل الكف قال في القاموس : عف عفا وعفافا وعفافة بفتحهن وعفة بالكسر فهو عف وعفيف : كف عما لا يحل ولا يجمل كاستعف وتعفف ، وقال الراغب : العفة حصول حالة للنفس تمنع بها عن غلبة الشهوة ، والمتعفف المتعاطي لذلك بضرب من الممارسة والقهر ، وأصله الاقتصار على تناول الشيء القليل الجاري مجرى العفافة ، والعفة أي البقية من الشيء أو مجرى العفف وهو ثمر الأراك ، والاستعفاف طلب العفة ، انتهى.

وتطلق في الأخبار غالبا على عفة البطن والفرج وكفهما عن مشتهياتها المحرمة بل المشتبهة والمكروهة أيضا من المأكولات والمشروبات والمنكوحات ، بل من مقدماتهما من تحصيل الأموال المحرمة لذلك ومن القبلة واللمس والنظر إلى المحرم ، ويدل على أن ترك المحرمات من العبادات وكونهما من أفضل العبادات ، لكونهما أشقهما.

الحديث الثاني : حسن أو موثق.

٦٦

٣ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن جعفر بن محمد الأشعري ، عن عبد الله بن ميمون القداح ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال كان أمير المؤمنين صلوات الله عليه يقول أفضل العبادة العفاف.

٤ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن أبي عبد الله ، عن أبيه ، عن النضر بن سويد ، عن يحيى بن عمران الحلبي ، عن معلى أبي عثمان ، عن أبي بصير قال قال رجل لأبي جعفرعليه‌السلام إني ضعيف العمل قليل الصيام ولكني أرجو أن لا آكل إلا حلالا قال فقال له أي الاجتهاد أفضل من عفة بطن وفرج.

٥ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أكثر ما تلج به أمتي النار الأجوفان البطن والفرج.

٦ ـ وبإسناده قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ثلاث أخافهن على أمتي من بعدي الضلالة بعد المعرفة ومضلات الفتن وشهوة البطن والفرج.

_________________________________________

الحديث الثالث : ضعيف ، ويمكن حملالعفاف هنا على ما يشمل ترك جميع المحرمات.

الحديث الرابع : صحيح ، والاجتهاد بذل الوسع في طلب الأمر والمراد هنا المبالغة في الطاعة.

الحديث الخامس : ضعيف على المشهور.

« ما تلج » أي تدخل ، وفي النهاية :الأجوف الذي له جوف ، ومنه الحديث :

أن لا تنسوا الجوف وما وعى ، أي ما يدخل إليه من الطعام والشراب ويجمع فيه ، وقيل : أراد بالجوف القلب وما وعى وحفظ من معرفة الله تعالى ، وقيل : أراد بالجوف البطن والفرج معا ، ومنه الحديث : إن أخوف ما أخاف عليكم الأجوفان.

« وبإسناده » الضمير لعلي أو للسكوني ، وعلى التقديرين المراد به الإسناد

٦٧

٦ ـ أبو علي الأشعري ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن بعض أصحابه ، عن ميمون القداح قال سمعت أبا جعفرعليه‌السلام يقول ما من عبادة أفضل من عفة بطن وفرج.

٧ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن الحكم ، عن سيف بن عميرة ، عن منصور بن حازم ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال ما من عبادة أفضل عند الله من عفة بطن وفرج.

باب اجتناب المحارم

١ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب ، عن داود بن كثير الرقي ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قول الله عز وجل : «وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ »(١) قال من علم أن الله عز وجل يراه ويسمع ما يقوله ويفعله من خير أو شر فيحجزه ذلك عن القبيح من الأعمال فذلك الذي «خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى ».

٢ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حماد بن عيسى ، عن إبراهيم بن عمر

_________________________________________

السابق وقيل : ليس هذا في نسخة الشهيد الثاني (ره) ، وأقول : قد وقعت الأمة في كل ما خافصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليهم إلا من عصمه الله ، وهم قليل من الأمة.

الحديث السادس : مرسل.

الحديث السابع : صحيح.

باب اجتناب المحارم

الحديث الأول : مختلف فيه صحيح على الأقوى ، وقد مر في آخر باب الخوف والرجاء بأدنى تغيير في المتن مع شرحه.

الحديث الثاني : حسن كالصحيح.

__________________

(١) سورة الرحمن : ٤٦.

٦٨

اليماني ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال كل عين باكية يوم القيامة غير ثلاث عين سهرت في سبيل الله وعين فاضت من خشية الله وعين غضت عن محارم الله.

٣ ـ علي ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس عمن ذكره ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال فيما ناجى الله عز وجل به موسىعليه‌السلام يا موسى ما تقرب إلي المتقربون بمثل الورع عن محارمي فإني أبيحهم جنات عدن لا أشرك معهم أحدا.

٤ ـ علي [ بن إبراهيم ] ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن أبي عبيدة ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال من أشد ما فرض الله على خلقه ذكر الله كثيرا ثم قال لا أعني سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر وإن كان منه ولكن

_________________________________________

« في سبيل الله » أي في الجهاد أو الأعم منه ومن السفر إلى الحج والزيارات أو الأعم منها ومن السهر للعبادة ومطالعة العلوم الدينية وهذا أظهر ، وإسناد الفيض إلى العين مجاز يقال : فاض الماء والدمع يفيض فيضا كثر حتى سال ، وغضت على بناء المفعول يقال غض طرفه أي كسره وأطرق ولم يفتح عينه.

الحديث الثالث : مرسل.

« جنات عدن » قال الراغب : أي استقرار وثبات ، وعدن بمكان كذا استقر ومنه المعدن لمستقر الجواهر.

الحديث الرابع : حسن كالصحيح.

« ما فرض الله » أي قرره أعم من الواجب والندب ، ويحتمل الوجوب« وإن كان » أي هذا الذكر اللساني« منه » أي من مطلق الذكر ، لكن الذكر الشديد الذكر عند الطاعة والمعصية ، والذكر اللساني هين بالنسبة إليه ، والحاصل أن الله سبحانه أمر بالذكر ومدحه في مواضع كثيرة من الذكر الحكيم كقوله سبحانه : «اذْكُرُوا اللهَ ذِكْراً كَثِيراً »(١) وقوله «وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ

__________________

(١) سورة الأحزاب : ٤١.

٦٩

ذكر الله عند ما أحل وحرم فإن كان طاعة عمل بها وإن كان معصية تركها.

٥ ـ ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن سليمان بن خالد قال سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن قول الله عز وجل : «وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً

_________________________________________

الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ »(١) وقوله تعالى : «الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ »(٢) وأصل الذكر التذكر بالقلب ومنه : و «اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ »(٣) أي تذكروا ثم يطلق على الذكر اللساني حقيقة أو من باب تسمية الدال باسم المدلول ثم كثر استعماله فيه لظهوره حتى صار هو السابق إلى الفهم ، فنصعليه‌السلام على إرادة الأول دون الثاني فقط دفعا لتوهم تخصيصه بالثاني ، وإشارة إلى أكمل أفراده.

وقال بعضهم : ذكر اللسان مع خلو القلب عنه لا يخلو من فائدة لأنه يمنعه من التكلم باللغو ، ويجعل لسانه معتادا بالخير ، وقد يلقي الشيطان إليه أن حركة اللسان بدون توجه القلب عبث ينبغي تركه فاللائق بحال الذكر حينئذ أن يحضر قلبه رغما للشيطان ، ولو لم يحضره فاللائق به أن لا يترك ذكر اللسان رغما لأنفه أيضا.

وأن يجيبه بأن اللسان آلة للذكر كالقلب ولا يترك أحدهما بترك الآخر فإن لكل عضو عبادة.

ثم اعلم أن الذكر القلبي من أعظم بواعث المحبة والمحبة أرفع منازل المقربين ، رزقنا الله إياها وسائر المؤمنين.

الحديث الخامس : كالسابق «وَقَدِمْنا » أي عمدنا وقصدنا «إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ » كقري الضعيف وصلة الرحم وإغاثة الملهوف وغيرها «فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً » فلم يبق له أثر والهباء غبار

__________________

(١) سورة الأعراف : ٢٠٧.

(٢) سورة آل عمران : ١٩١.

(٣) سورة البقرة : ١٢١.

٧٠

مَنْثُوراً »(١) قال أما والله إن كانت أعمالهم أشد بياضا من القباطي ولكن كانوا إذا عرض لهم الحرام لم يدعوه

_________________________________________

في شعاع الشمس الطالع من الكوة من الهبوة وهو الغبار ، والقباطي بالفتح جمع القبطية بالكسر ثياب بيض رقاق من كتان تتخذ بمصر وقد يضم لأنهم يغيرون في النسبة ، وفي المصباح القبطي بالضم من كتان رقيق يعمل بمصر نسبة إلى القبط على غير قياس فرقا بين الإنسان والثوب وثياب قبطية أيضا بالضم والجمع قباطي ، انتهى.

وفيه دلالة على حبط الطاعات بالفسوق وخصه بعض المفسرين بالكفر ولا كلام فيه.

ولنذكر هنا مجملا من معاني الحبط والتكفير والاختلافات الواردة فيه.

اعلم أن الإحباط في عرف المتكلمين عبارة عن إبطال الحسنة بعدم ترتب ما يتوقع منها عليها ويقابلها التكفير وهو إسقاط السيئة بعدم جريان مقتضاها عليها فهو في المعصية نظير الإحباط في الطاعة ، والحبط والتكفير ، وإطلاقهما بهذين اللفظين وبما يساوقهما كثير في الآيات والأخبار ، وقد اشتهر بين المتكلمين أن الوعيدية من المعتزلة وغيرهم يقولون بالإحباط والتكفير دون من سواهم من الأشاعرة وغيرهم وهذا على إطلاقه غير صحيح فإن أصل الإحباط والتكفير مما لا يمكن إنكاره لأحد من المسلمين كما ظهر مما تلونا عليك فلا بد أن يحرر مقصود كل طائفة ليتبين ما هو الحق.

فنقول : لا خلاف بين من يعتد به من أهل الإسلام في أن كل مؤمن صالح يدخل الجنة خالدا فيها حقيقة ، وكل كافر يدخل النار خالدا فيها كذلك ، وأما المؤمن الذي خلط عملا صالحا بعمل غير صالح فاختلفوا فيه فذهب بعض المرجئة إلى أن الإيمان يحبط الزلات فلا عقاب على زلة مع الإيمان ، كما لا ثواب لطاعة مع

__________________

(١) سورة الفرقان : ٢٣.

٧١

...........................................................................

_________________________________________

الكفر ، وذهب الآخرون إلى ثبوت الثواب والعقاب في حقه ، أما المعتزلة فبعنوان الاستحقاق المعلوم عقلا باعتبار الحسن والقبح العقليين ، وشرعا باعتبار الآيات الدالة عليه من الوعد والوعيد ، وأما الأشاعرة فبعنوان الاتفاق يقولون : أنه لا يجب على الله شيء فلا يستحق المكلف ثوابا منه تعالى فإن أثابه فبفضله وإن عاقبه فبعدله ، بل له أثابه العاصي وعقاب المطيع أيضا ، وبالجملة قول المعتزلة في المؤمن الخارج من الدنيا بغير توبة عن كبيرة ارتكبها أنه استحق الخلود في النار لكن يكون عقابه أخف من عقاب الكفار أما مطلق الاستحقاق فلما عرفت وأما خصوص الخلود فللعمومات المتداولة عند غيرهم بتخصيصها بالكفار أو بحمل الخلود على المكث الطويل لقوله تعالى : «وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها »(١) وقوله : «وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ ناراً خالِداً فِيها »(٢) فلهذا حكموا بأن كبيرة واحدة تحبط جميع الطاعات فإن الخلود الموعود مستلزم لذلك.

هذا قول جمهورهم في أصل الإحباط.

ثم إن الجبائيين أبا علي وابنه أبا هاشم منهم على ما نقل عنهما الآمدي ذهبا إلى اشتراط الكثرة في المحبط بمعنى أن من زادت معاصيه على طاعاته أحبطت معاصيه طاعاته وبالعكس ، لكنهما اختلفا فقال أبو علي : ينحبط الناقص برمته من غير أن ينتقص من الزائد شيء ، وقال أبو هاشم : بل ينتقص من الزائد أيضا بقدره ويبقى الباقي.

إذا عرفت هذا فاعلم أن ما ذكره أكثر أصحابنا من نفي الإحباط والتكفير مع ورود الآيات الكثيرة والأخبار المستفيضة بل المتواترة بالمعنى في كل منهما مما يقضي منه العجب ، مع أنه ليس لهم على ذلك إلا شبه ضعيفة مذكورة في كتب

__________________

(١) سورة الجنّ : ٢٣.

(٢) سورة النساء : ١٤.

٧٢

...........................................................................

_________________________________________

الكلام كالتجريد وغيره ، لكن بعد التأمل والتحقيق يظهر أن الذي ينفونه منهما لا ينافي ظواهر الآيات والأخبار كثيرا بل يرجع إلى مناقشة لفظية لأنهم قائلون بأن التوبة ترفع العقاب وأن الموت على الكفر تبطل ثواب جميع الأعمال ، لكن الأكثر يقولون ليس هذا بالإحباط ، بل باشتراط الموافاة على الإيمان في استحقاق الثواب على القول بالاستحقاق ، وفي الوعد بالثواب علي القول بعدم الاستحقاق ، وكذا يمكنهم القول بأحد الأمرين في المعاصي التي وردت أنها حابطة لبعض الحسنات من غير قول بالحبط بأن يكون الاستحقاق أو الوعد مشروطا بعدم صدور تلك المعصية وأما التوبة والأعمال المكفرة فلا حاجة إلى ارتكاب أمثال ذلك فيها إذ في تجويز التفضل والعفو كما هو مذهبنا غنى عنها ، وأيضا لا نقول بإذهاب كل معصية كل طاعة وبالعكس كما ذهب إليه المعتزلة ، بل نتبع في ذلك النصوص الواردة في ذلك فكل معصية وردت في الكتاب أو في الآثار الصحيحة أنها ذاهبة أو منقصة لثواب جميع الحسنات وبعضها نقول به وبالعكس ، تابعين للنص في جميع ذلك.

ومن أصحابنا من لم يقل بالموافاة ولا بالإحباط بل يقول كل من الإيمان والكفر يتحقق بتحقق شروطه المقارنة ، وليس شيء من استحقاق الثواب والعقاب مشروطا بشرط متأخر ، بل إن تحقق الإيمان تحقق استحقاق الثواب وإن تحقق الكفر تحقق معه استحقاق العقاب ، فإن كفر بعد الإيمان كان كفره اللاحق كاشفا عن أنه لم يكن مؤمنا سابقا ولم يكن مستحقا للثواب عليه ، وإطلاق المؤمن عليه بمحض اللفظ وبحسب الظاهر ، وإن آمن أحد بعد الكفر زال كفره الأصلي بالإيمان اللاحق ، وسقط استحقاقه العقاب لعفو الله تعالى لا بالإحباط ولا لعدم الموافاة كما يقول الآخرون.

وتفصيل هذا المطلب وتنقيحه يحتاج إلى إيراد مقاصد :

الأول : أن النافين للحسن والقبح لا يثبتون استحقاق شيء من الثواب والعقاب بشيء من الأعمال ، بل المالك للعباد عندهم قادر على الثواب والعقاب ومالك للتصرف

٧٣

...........................................................................

_________________________________________

فيهم كيف شاء ، وليس من شأن فعله في خلقه استحقاق الذم بل ولا المدح وكلاهما اصطلاح ومواضعة من الشارع ، وأما المثبتون لهما فلا كلام عندهم في استحقاق العقاب نعم ربما قيل بعدم استقلال العقل فيه ضرورة أو نظرا وأما الثواب فعند بعضهم أنه مما يستحقه العبد بطاعته ، وإليه يذهب جماعة من أصحابنا ويحتجون لذلك بأن إلزام المشقة بدون التزام نفع في مقابله قبيح ، وربما يوجه عليه أن التزام النفع في مقابله إنما يلزم لو لم يسبق النعم عليه بما يحسن إلزام المشقة بإزائها والفرق بين النفع المستقبل والنعمة الماضية تحكم وربما كفى في إلزام المشقة حسن العمل الشاق ولم نحتج في حسن الإلزام إلى أزيد منه ، ولهذا ذهب بعض أصحابنا وغيرهم إلى أن الثواب تفضل ووعد منه تعالى بدون استحقاق للعبد ، وهو الظاهر من كلام أكثر أصحابنا رضوان الله عليهم ، ويدل عليه كثير من الأخبار والأدعية.

الثاني : أن الثواب والعقاب هل يجب دوامهما أم لا فذهب المعتزلة إلى الأول وطريقه العقل عندهم ، والصحيح عند أصحابنا أنه لا يجب عقلا ، وأما شرعا فالثواب دائم وكذا عقاب الكفر إجماعا من المسلمين إلا ما نقل من شذاذ من المتصوفين الذين لا يعدون من المسلمين ، وأما عقاب العاصي فمنقطع ويكفي هنا عدم وجدان طريق عقلي إلى دوامهما ، وفي عبارة التجريد في هذا المطلب تناقض يحتاج إلى تكلف تام في دفعه.

الثالث : أن الإحباط بالمعنى الذي ذكرناه من إفناء كل من الاستحقاقين للآخر أو المتأخر للمتقدم باطل عند أصحابنا ، ومذهب أبي علي وهو بقاء المتأخر وفناء المتقدم مناف للنصوص الكثيرة المتضمنة لعدم تضييع العمل ، وأما مذهب أبي هاشم فلا ينافي ظواهر النصوص لأنه إذا أفنى المتقدم المتأخر أيضا فليس بضائع ولا مما لم يره العامل ، لكن الظاهر أن ما ذهب إليه من إبطاله له من جهة المنافاة بينهما فليس بصحيح ، إذ لا منافاة عقلا بين الثواب والعقاب واستحقاقهما ، بل يكاد

٧٤

...........................................................................

_________________________________________

العقل يجزم بعدم مساواة من أعقب كثيرا من الطاعة بقليل من المعصية مع من اكتفى بالفضل بينهما حسب ، وعدم مساواة من أعقب أحدهما بما يساوي الآخر مع من لم يفعل شيئا.

ثم إنه يمكن أن يسقط العقاب المتقدم عند الطاعة المتأخرة وعلى سبيل العفو وهو إسقاط الله تعالى ما يستحقه على العبد من العقوبة وهو الظاهر من مذاهب أصحابنا رضي الله عنهم ، وأما الثواب فلا يتصور فيه ذلك ، ويمكن أن يكون الوعد بالثواب على الطاعة المتقدمة أو استحقاقه مشروطا بعدم معاقبة المعصية لها كما يشترط ثواب الإيمان والطاعات بالموافاة على الإيمان بأن يموت مؤمنا عند كثير من أصحابنا.

لكن ذلك الاشتراط ليس بعام لجميع المعاصي بل مخصوص بمقتضى النصوص ببعضها ، وليس كلما ورد بطلان الطاعة بسببه مما يقطع باشتراط الثواب به لأن كلا منها أخبار آحاد لا تفيد القطع ، نعم ربما حصل القطع بأن شيئا من تلك المعاصي يشترط استمرار انتفائه لاستحقاق الثواب أو هو شرط في الوعد به.

والفرق بين هذا وبين الإحباط ظاهر من وجوه :

الأول : أن إبطال الثواب في الإحباط من حيث التضاد عقلا بين الاستحقاقين وهيهنا من جهة اشتراطه شرعا بنفي المعصية.

الثاني : أن المنافاة هناك بين الاستحقاقين فلو لم يحصل استحقاق العقاب لانتفاء شرطه لم يحصل الإحباط وهيهنا بنفس المعصية ينتفي الثواب ، أو استحقاقه إن ثبت وكان مستمرا وإن توقف أصل الاستحقاق على استمرار النفي لم يحصل أصلا وإنما يحصل في موضع الحصول بالموت ، ولا يختلف الحال باستحقاق العقاب على تلك المعصية لاستجماع شرائطه وعدمه لفقد شيء منه كمنع الله تعالى لطفا معلوما عن المكلف ، وكما لو أعلم الله تعالى المكلف أنه يغفر له ويعفو عن جميع معاصيه فكان مغريا له بالقبيح ، وكما لو لم يقع فعل القبيح ولا الإخلال بالواجب عن المكلف على سبيل

٧٥

...........................................................................

_________________________________________

إيثاره على فعل الواجب والامتناع من القبيح ، بل وقع لا على وجه الإيثار فإن العاصي في جميع هذه الصور يستحق ذما ، ولا يستحق عقابا عند أبي هاشم ومن يحذو حذوه وعلى تقدير الاشتراط باستمرار انتفاء المعصية ينتفي استحقاق الثواب وعلى تقدير الإحباط لا ينتفي.

الثالث : أن التوبة على مذهب الإحباط يمنع من الإحباط وعلى ما ذكرنا لا يمنع من الإحباط ، نعم لو كان الشرط استمرار انتفاء المعصية أو الموافاة بالتوبة من المعصية دون استمرار انتفائها فقط منع من الإحباط كمذهب القائلين به.

الثالث : أن التوبة على مذهب الإحباط يمنع من الإحباط وعلى ما ذكرنا لا يمنع من إحباط ، نعم لو كان الشرط استمرار انتفاء المعصية أو الموافاة بالتوبة من المعصية دون استمرار انتفائها فقط منع من الإحباط كمذهب القائلين به.

الرابع : أن هذا يجري في مذهب النافين للاستحقاق دون الإحباط ، وهذا الذي ذكرناه وإن لم يكن مذهبا صريحا لأصحابنا إلا أن من يذهب إلى الموافاة لا بدله من تجويزه وبه يجمع بين نفي الإحباط كما تقتضيه الأدلة بزعمهم وبين الآيات وكثير من الروايات الدالة على أن بعضا من المعاصي يبطل الأعمال السابقة ويمكن القول بمثل هذا في المعاصي بأن يكون استحقاق العقاب عليها أو استمراره مشروط بعدم بعض الطاعات في المستقبل ، فيأول ما يتضمن شبه هذا المعنى من الروايات به لكن عدم استحقاق العقاب بتعمد معصية الله تعالى وتوقفه على أمر منتظر بعيد ، وكذلك انقطاع استمراره وفي العفو مندوحة عنه ، والكلام فيه كالكلام في التوبة وهو ظاهر النصوص.

وفي كلام الشارح العلامة الحليقدس‌سره في شرح التجريد عند قول المصنف (ره) : وهو مشروط بالموافاة « إلخ » ما يدل على أن في المعتزلة من يقول باشتراط الطاعات بالمعاصي المتأخرة وبالعكس ، وظاهره أنه حمل كلام المصنف على هذا المعنى فيكون قائلا بالموافاة في الطاعات باشتراطه بانتفائه الذنب في المستقبل ، وفي المعاصي باشتراطه بعدم الطاعة الصالحة للتكفير في المستقبل إلا أني لم أقف على

٧٦

...........................................................................

_________________________________________

قائل به من الأصحاب صريحا ، وكلام التجريد ليس بصريح إلا في الموافاة بالإيمان.

الرابع :(١) أن العفو مطلقا سواء كانت المعصية مما تاب المكلف منها أو لا وسواء كانت صغيرة مكفرة أو كبيرة غير واقع بالسمع عند جميع المعتزلة وذهب بعضهم وهم البغداديون منهم إلى أنه قبيح عقلا والسمع أكده ، والبصريون إلى جوازه عقلا وإنما المانع منه السمع فمزيل العقاب عندهم منحصر في أمرين أحدهما التوبة ، والثاني التكفير بالثواب ، وذلك عند من قال بأن التوبة إنما تسقط العقاب لكونه ندما على المعصية ، وإما عند من قال أنه يسقط لكثرة الثواب فالمزيل منحصر في أمر واحد هو الإحباط فتوهم غير هذا باطل ، ودعوى الاتفاق على العفو من الصغائر عند اجتناب الكبائر ، ومن الذنوب مطلقا عند التوبة كما وقع من الشارح الجديد للتجريد مضمحل عند التحقيق كما ذكره بعض الأفاضل.

قال صاحب الكشاف في تفسير قوله تعالى : «إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ »(٢) نمط ما تستحقونه من العقاب في كل وقت على صغائركم ، ونجعلها كان لم تكن لزيادة الثواب المستحق على اجتنابكم الكبائر وصبركم عنها على عقاب السيئات ، وأما إسقاط التوبة للعقاب ففيه ثلاث مذاهب : « الأول » أنها تسقطه على سبيل الوجوب عند اجتماع شرائطها لكونها ندما على المعصية كما أن الندم على الطاعة يحبطها لكونه ندما عليها مع قطن النظر عن استتباعها الثواب والعقاب الثاني : أنها تسقطه على سبيل الوجوب ، لا لكونها ندما عليها ، بل لاستتباعها ثوابا كثيرا ، الثالث : أنها لا تسقطه وإنما تسقط العقاب عندها ، لأنها على سبيل العفو دون الاستحقاق ، وهذه المذاهب مشهورة مسطورة في كتب الكلام.

وأقول : بهذا التفصيل الذي ذكر ارتفع التشنيع واللوم عن محققي أصحابنا

__________________

(١) أي الرابع من المقاصد.

(٢) سورة النساء : ٣١.

٧٧

٦ ـ علي ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من ترك معصية لله مخافة الله تبارك وتعالى أرضاه الله يوم القيامة.

باب

أداء الفرائض

١ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد وعلي بن إبراهيم ، عن أبيه جميعا ، عن ابن محبوب ، عن أبي حمزة الثمالي قال قال علي بن الحسين صلوات الله عليه من عمل بما افترض الله عليه فهو من خير الناس.

_________________________________________

رضوان الله عليهم بمخالفتهم للآيات المتظافرة والروايات المتواترة ، وأن الإحباط والتكفير بالمعنى الذي هو المتنازع فيه بين أصحابنا وبين المعتزلة نفيهما لا ينافي شيئا من ذلك وإنما أطنبنا الكلام في هذا المقام لأنه من مهمات المسائل الكلامية ، ومن تعرض لتحقيقه لم يستوف حقه ، والله الموفق.

الحديث السادس : ضعيف على المشهور.

ويمكن تعميم المعصية ليشمل ترك الطاعة أيضا ، وعدم ذكر ما يرضيه به لتفخيمه إيماء إلى أن عقل البشر لا يصل إلى كنه حقيقته كما قال سبحانه : «وَرِضْوانٌ مِنَ اللهِ أَكْبَرُ »(١) .

باب أداء الفرائض

الحديث الأول : حسن كالصحيح.

« فهو من خير الناس » ليس من في بعض النسخ فالخيرية إضافية بالنسبة إلى من يأتي بالمستحبات ، ويترك بعض الفرائض.

__________________

(١) سورة التوبة : ٧٢.

٧٨

٢ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حماد بن عيسى ، عن الحسين بن المختار ، عن عبد الله بن أبي يعفور ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قول الله عز وجل : «اصْبِرُوا وَصابِرُوا وَرابِطُوا »(١) قال اصبروا على الفرائض.

٣ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن عبد الرحمن بن أبي نجران ، عن حماد بن عيسى ، عن أبي السفاتج ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قول الله عز وجل : «اصْبِرُوا وَصابِرُوا وَرابِطُوا » قال «اصْبِرُوا » على الفرائض «وَصابِرُوا » على المصائب «وَرابِطُوا »

_________________________________________

الحديث الثاني : حسن أو موثق.

الحديث الثالث : ضعيف على المشهور وآخره مجهول.

«اصْبِرُوا » قال الطبرسي (ره) : اختلف في معناها على وجوه :

أحدها : أن المعنى فاصبروا على دينكم أي اثبتوا عليه وصابروا الكفار ورابطوهم في سبيل الله فالمعنى اصبروا على طاعة الله سبحانه وعن معاصيه ، وقاتلوا العدو «وَصابِرُوا » على قتالهم في الحق كما يصبرون على قتالكم في الباطل لأن الرباط هو المرابطة فيكون بين اثنين يعني أعدوا لهم من الخيل ما يعدونه لكم.

وثانيها : أن المراد اصبروا على دينكم وصابروا وعدي إياكم ، ورابطوا عدوي وعدوكم.

وثالثها : أن المراد اصبروا على الجهاد ، وقيل : إن معنى رابطوا رابطوا الصلوات ، ومعناه انتظروها واحدة بعد واحدة ، لأن المرابطة لم تكن حينئذ روي ذلك عن عليعليه‌السلام ، وروي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه سئل عن أفضل الأعمال فقال : إسباغ الوضوء في السبرات ، ونقل الأقدام إلى الجماعات ، وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط.

وروي عن أبي جعفرعليه‌السلام أنه قال : معناه اصبروا على المصائب وصابروا على عدوكم ورابطوا عدوكم وهو قريب من الأول ، انتهى.

« على الفرائض » يحتمل شمولها لترك المحرمات أيضا« وصابروا على المصائب »

__________________

(١) سورة آل عمران : ٢٠٠.

٧٩

على الأئمةعليهم‌السلام .

وفي رواية ابن محبوب ، عن أبي السفاتج وزاد فيه فاتقوا الله ربكم فيما افترض عليكم.

٤ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله اعمل بفرائض الله تكن أتقى الناس.

٥ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن فضال ، عن أبي جميلة ، عن محمد الحلبي ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال الله تبارك وتعالى ما تحبب إلي عبدي بأحب مما افترضت عليه.

باب

استواء العمل والمداومة عليه

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن حماد ، عن الحلبي قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام إذا كان الرجل على عمل فليدم عليه سنة ثم يتحول عنه إن

_________________________________________

لعل صيغة المفاعلة على هذا الوجه للمبالغة لأن ما يكون بين الاثنين يكون الاهتمام فيه أشد أو لأن فيه معارضة النفس والشيطان ، وكذاقوله : رابطوا يحتمل الوجهين لأن المراد به ربط النفس على طاعتهم وانقيادهم وانتظار فرجهم مع أن في ذلك معارضة لعدوهم« فيما افترض عليكم » من فعل الواجبات وترك المحرمات.

الحديث الرابع : ضعيف على المشهور وقد مر الكلام فيه.

الحديث الخامس : ضعيف والتحبب جلب المحبة وإظهارها والأول أنسب ، ولو لم تكن الفرائض أحب إليه تعالى لما افترضه.

باب استواء العمل والمداومة عليه

الحديث الأول : حسن كالصحيح.

« ثم يتحول عنه إنشاء » إلى غيره من الطاعات لا أن يتركه بغير عوض« يكون »

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله اتقوا الظلم فإنه ظلمات يوم القيامة.

١١ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن محمد بن عيسى ، عن منصور ، عن هشام بن سالم ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله اتقوا الظلم فإنه ظلمات يوم القيامة.

١٢ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن عمر بن أذينة ، عن زرارة ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال ما من أحد يظلم بمظلمة إلا أخذه الله بها في نفسه وماله وأما الظلم الذي بينه وبين الله فإذا تاب غفر الله له.

١٣ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن ابن أبي نجران ، عن عمار بن حكيم ، عن عبد الأعلى مولى آل سام قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام مبتدئا :

والظلمات جمع ظلمة وهي خلاف النور ، وحملها على الظلم باعتبار تكثره معنى أو للمبالغة ، والمراد بالظلمة إما الحقيقة لما قيل : من أن الهيئات النفسانية التي هي ثمرات الأعمال الموجبة للسعادة أو الشقاوة أنوار وظلمات مصاحبة للنفس وهي تنكشف لها في القيامة التي هي محل بروز الأسرار وظهور الخفيات فتحيط بالظالم على قدر مراتب ظلمه ظلمات متراكمة حين يكون المؤمنون في نور يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم ، أو المراد بها الشدائد والأهوال كما قيل في قوله تعالى : «قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ »(١) .

الحديث الحادي عشر : صحيح.

الحديث الثاني عشر : حسن كالصحيح.

وذكر النفس والمال على المثال لما مر وسيأتي من إضافة الولد وفيه إشعار بأن رد المظالم ليس جزءا من التوبة بل من شرائط صحته.

الحديث الثالث عشر : مجهول.

ولما كان استبعاد السائل عن إمكان وقوع مثل هذا لا عن أنه ينافي العدل

__________________

(١) سورة الأنعام : ٦٣.

٣٠١

من ظلم سلط الله عليه من يظلمه [ أو على عقبه ] أو على عقب عقبه قلت هو يظلم فيسلط الله على عقبه أو على عقب عقبه فقال إن الله عز وجل يقول : «وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً »(١) .

فأجابعليه‌السلام بوقوع مثله في قصة اليتامى أو أنه لما لم يكن له قابلية فهم ذلك وأنه لا ينافي العدل أجاب بما يؤكد الوقوع ، أو يقال رفععليه‌السلام الاستبعاد بالدليل الإني وترك الدليل اللمي والكل متقاربة.

وأما تفسير الآية فقال البيضاوي : أمر للأوصياء بأن يخشوا الله ويتقوه في أمر اليتامى فيفعلوا بهم ما يحبون أن يفعل بذراريهم الضعاف بعد وفاتهم ، أو للحاضرين المريض عند الإيصاء بأن يخشوا ربهم أو يخشوا على أولاد المريض ويشفقوا عليهم شفقتهم على أولادهم ، فلا يتركونهم أن يضر بهم بصرف المال عنهم ، أو للورثة بالشفقة على من حضر القسمة من ضعفاء الأقارب واليتامى والمساكين متصورين أنهم لو كانوا أولادهم بقوا خلفهم ضعافا مثلهم هل يجوزون حرمانهم ، أو للموصين بأن ينظروا للورثة فلا يسرفوا في الوصية ، و « لو » بما في حيزه جعل صلة للذين على معنى : وليخش الذين حالهم وصفتهم أنهم لو شارفوا أن يخلفوا ذرية ضعافا خافوا عليهم الضياع ، وفي ترتيب الأمر عليه إشارة إلى المقصود منه والعلة فيه ، وبعث على الترحم وأن يحب لأولاد غيره ما يحب لأولاده ، وتهديد للمخالف بحال أولاده.

«فَلْيَتَّقُوا اللهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً » أمرهم بالتقوى الذي هو نهاية الخشية بعد ما أمرهم بها مراعاة للمبتدإ والمنتهى ، إذ لا ينفع الأول دون الثاني ثم أمرهم أن يقولوا لليتامى مثل ما يقولون لأولادهم بالشفقة وحسن الأدب أو للمريض ما يصده عن الإسراف في الوصية ما يؤدي إلى مجاوزة الثلث وتغييره الورثة ، ويذكره

__________________

(١) سورة النساء : ٩.

٣٠٢

١٤ ـ عنه ، عن ابن محبوب ، عن إسحاق بن عمار ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إن الله عز وجل أوحى إلى نبي من أنبيائه في مملكة جبار من الجبارين

التوبة وكلمة الشهادة ، أو لحاضري القسمة عذرا جميلا ووعدا حسنا ، أو أن يقولوا في الوصية ما لا يؤدي إلى مجاوزة الثلث وتضييع الورثة ، انتهى.

وقال الطبرسي (ره) في ذكر الوجوه في تفسير الآية : وثانيها : أن الأمر في الآية لولي مال اليتيم ، يأمره بأداء الأمانة فيه والقيام بحفظه ، كما لو خاف على مخلفه إذا كانوا ضعافا وأحب أن يفعل بهم عن ابن عباس ، وإلى هذا المعنى يؤول ما روي عن موسى بن جعفرعليه‌السلام قال : إن الله تعالى أوعد في مال اليتيم عقوبتين ثنتين ، أما إحداهما فعقوبة الدنياقوله : «وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا » الآية قال : يعني بذلك ليخش أن أخلفه في ذريته كما صنع بهؤلاء اليتامى.

وأقول : أما دفع توهم الظلم في ذلك فهو أنه يجوز أن يكون فعل الألم بالغير لطفا لآخرين ، مع تعويض أضعاف ذلك الألم بالنسبة إلى من وقع عليه الألم بحيث إذا شاهد ذلك العوض رضي بذلك الألم ، كأمراض الأطفال ، فيمكن أن يكون الله تعالى أجرى العادة بأن من ظلم أحدا أو أكل مال يتيم ظلما بأن يبتلي أولاده بمثل ذلك فهذا لطف بالنسبة إلى كل من شاهد ذلك أو سمع من مخبر علم صدقه ، فيرتدع عن الظلم على اليتيم وغيره ويعوض الله الأولاد بأضعاف ما وقع عليهم أو أخذ منهم في الآخرة ، مع أنه يمكن أن يكون ذلك لطفا بالنسبة إليهم أيضا فيصير سببا لصلاحهم وارتداعهم عن المعاصي فإنا نعلم أن أولاد الظلمة لو بقوا في نعمه آبائهم لطغوا وبغوا وهلكوا كما كان آباؤهم ، فصلاحهم أيضا في ذلك وليس في شيء من ذلك ظلم على أحد ، وقد تقدم بعض القول منا في ذلك سابقا.

الحديث الرابع عشر : موثق.

والظلامة بالضم ما تطلبه عند الظالم وهو اسم ما أخذ منك ، وفيه دلالة على

٣٠٣

أن ائت هذا الجبار فقل له إنني لم أستعملك على سفك الدماء واتخاذ الأموال وإنما استعملتك لتكف عني أصوات المظلومين فإني لم أدع ظلامتهم وإن كانوا كفارا.

١٥ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن الحسن بن علي الوشاء ، عن علي بن أبي حمزة ، عن أبي بصير قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول من أكل مال أخيه ظلما ولم يرده إليه أكل جذوة من النار يوم القيامة.

أن سلطنة الجبارين أيضا بتقديره تعالى ، حيث مكنهم منها وهيأ لهم أسبابها ، ولا ينافي ذلك كونهم معاقبين على أفعالهم لأنهم غير مجبورين عليها ، مع أنه يظهر من الأخبار أنه كان في الزمن السابق السلطنة الحقة لغير الأنبياء والأوصياء أيضا لكنهم كانوا مأمورين بأن يطيعوا الأنبياء فيما يأمرونهم به ، وقوله : فإني لن أدع ظلامتهم ، تهديد للجبار بزوال ملكه ، فإن الملك يبقى مع الكفر ولا يبقى مع الظلم.

الحديث الخامس عشر : ضعيف على المشهور.

وفي القاموس :الجذوة مثلثة القبسة من النار والجمرة ، والمراد بالأخ إن كان المسلم فالتخصيص لأن أكل مال الكافر ليس بهذه المثابة وإن كان حراما ، وكذا إن كان المراد به المؤمن ، فإن مال المخالف أيضا ليس كذلك ، وإن كان المراد به من كان بينه وبينه أخوة ومصادقة فالتخصيص لكونه الفرد الخفي لأن الصداقة مما يوهم حل أكل ماله مطلقا لحل بعض الأموال في بعض الأحوال كما قال تعالى : «أَوْ صَدِيقِكُمْ »(١) فالمعنى فكيف من لم يكن كذلك ، وكان الأوسط أظهر.

وأكل الجذوة إما حقيقة بأن يلقى في حلقه النار أو كناية عن كونه سببا لدخول النار.

__________________

(١) سورة النور : ٦١.

٣٠٤

١٦ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن سنان ، عن طلحة بن زيد ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال العامل بالظلم والمعين له والراضي به شركاء ثلاثتهم.

١٧ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن الحكم ، عن هشام بن سالم قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول إن العبد ليكون مظلوما فما يزال يدعو

الحديث السادس عشر : ضعيف كالموثق.

« العامل بالظلم » الظاهر الظلم على الغير ، وربما يعم بما يشمل الظلم على النفس« والمعين له » أي في الظلم ، وقد يعم« والراضي به » أي غير المظلوم ، وقيل : يشمله ، ويؤيده قوله تعالى : «وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ »(١) قال في الكشاف : النهي متناول للانحطاط في هواهم ، والانقطاع إليهم ، ومصاحبتهم ومجالستهم ، وزيارتهم ومداهنتهم ، والرضا بأعمالهم والتشبه بهم ، والتزيي بزيهم ، ومد العين إلى زهرتهم ، وذكرهم بما فيه تعظيم لهم ، وفي خبر مناهي النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الفقيه وغيره أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : من مدح سلطانا جائرا أو تخفف وتضعضع طمعا فيه كان قرينه في النار ، وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من دل جائرا على جور كان قرين هامان في جهنم.

الحديث السابع عشر : صحيح.

« فما يزال يدعو » أقول : يحتمل وجوها ، الأول : أنه يفرط في الدعاء على الظالم ، حتى يصير ظالما بسبب هذا الدعاء كان ظلمه بظلم يسير كشتم أو أخذ دراهم يسيرة ، فيدعو عليه بالموت والقتل والفناء ، أو العمى أو الزمن وأمثال ذلك ، أو يتجاوز في الدعاء إلى من لم يظلمه كانقطاع نسله أو موت أولاده وأحبائه أو استئصال عشيرته وأمثال ذلك ، فيصير في هذا الدعاء ظالما.

الثاني : أن يكون المعنى أنه يدعو كثيرا على العدو المؤمن ولا يكتفي بالدعاء لدفع ضرره بل يدعو بابتلائه ، وهذا مما لا يرضى الله به فيكون في ذلك ظالما على نفسه بل على أخيه أيضا إذ مقتضى الأخوة الإيمانية أن يدعو له بصلاحه ، وكف ضرره

__________________

(١) سورة هود : ١١٣.

٣٠٥

حتى يكون ظالما.

١٨ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن أبيه ، عن أبي نهشل ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال من عذر ظالما بظلمه سلط الله

عنه كما ذكره سيد الساجدين في دعاء دفع العدو ، وما ورد من الدعاء بالقتل والموت والاستئصال فالظاهر أنه كان للدعاء على المخالفين وأعداء الدين بقرينة أن أعداءهم كانوا كفارا لا محالة كما يومئ إليه قوله تعالى : «وَلَوْ يُعَجِّلُ اللهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ »(١) وسيأتي عن علي بن الحسينعليه‌السلام أن الملائكة إذا سمعوا المؤمن يذكر أخاه بسوء ويدعو عليه قالوا له : بئس الأخ أنت لأخيك كف أيها المستر على ذنوبه وعورته وأربع على نفسك ، واحمد الله الذي ستر عليك ، واعلم أن الله عز وجل أعلم بعبده منك.

الثالث : ما قيل أنه يدعو كثيرا ولا يعلم الله صلاحه في إجابته فيؤخرها فييأس من روح الله فيصير ظالما على نفسه وهو بعيد.

الرابع : أن يكون المعنى أنه يلح في الدعاء حتى يستجاب له فيسلط على خصمه فيظلمه فينعكس الأمر وكانت حالته الأولى أحسن له من تلك الحالة.

الخامس : أن يكون المراد به لا تدعو كثيرا على الظلمة فإنه ربما صرتم ظلمة فيستجيب فيكم ما دعوتم على غيركم.

السادس ما قيل : كان المراد من يدعو لظالم يكون ظالما لأنه رضي بظلمه كما روي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من دعا لظالم بالبقاء فقد أحب أن يعصى الله في أرضه.

وأقول : هذا أبعد الوجوه.

الحديث الثامن عشر : مجهول.

« من عذر ظالما » يقال عذرته فيما صنع عذرا من باب ضرب : رفعت عنه اللوم

__________________

(١) سورة يونس : ١١.

٣٠٦

عليه من يظلمه فإن دعا لم يستجب له ولم يأجره الله على ظلامته.

١٩ ـ عنه ، عن محمد بن عيسى ، عن إبراهيم بن عبد الحميد ، عن علي بن أبي حمزة ، عن أبي بصير ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال قال ما انتصر الله من ظالم إلا بظالم وذلك قوله عز وجل : «وَكَذلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً »(١) .

فهو معذور ، أي غير ملوم والاسم العذر بضم الذال للاتباع وتسكن ، والجمع أعذار والمعذرة بمعنى العذر وأعذرته بالألف لغة« وإن دعا لم يستجب له » (٢) أي إن دعا الله تعالى أن يدفع عنه ظلم من يظلمه لم يستجب له لأنه بسبب عذره صار ظالما خرج عن استحقاق الإجابة ، أو لما عذر ظالم غيره يلزمه أن يعذر ظالم نفسه ولم يأجره اللهعلى ظلامته لذلك ، أو لأنها وقعت مجازاة ، وقيل : لا ينافي ذلك الانتقام من ظالمه كما دل عليه الخبر الأول.

الحديث التاسع عشر : ضعيف على المشهور.

والانتصار الانتقام «وَكَذلِكَ نُوَلِّي ».

أقول : قبله قوله تعالى : «وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ وَقالَ أَوْلِياؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنا قالَ النَّارُ مَثْواكُمْ خالِدِينَ فِيها إِلاَّ ما شاءَ اللهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ » ثم قال سبحانه : «وَكَذلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ ».

وقال الطبرسي (ره) : الكاف للتشبيه أي كذلك المهل بتخلية بعضهم على بعض للامتحان الذي معه يصح الجزاء على الأعمال توليتنا بعض الظالمين بعضا بأن نجعل بعضهم يتولى أمر بعض للعقاب الذي يجري على الاستحقاق ، وقيل : معناه إنا كما وكلنا هؤلاء الظالمين من الجن والإنس بعضهم إلى بعض يوم القيامة وتبرأنا منهم فكذلك نكل الظالمين بعضهم إلى بعض يوم القيامة ونكل الأتباع إلى المتبوعين ونقول

__________________

(١) سورة الأنعام : ١٢٩.

(٢) وفي المتن « فان دعا ».

٣٠٧

٢٠ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من ظلم أحدا ففاته فليستغفر الله له فإنه كفارة له.

٢١ ـ أحمد بن محمد الكوفي ، عن إبراهيم بن الحسين ، عن محمد بن خلف ، عن

للأتباع قولوا للمتبوعين حتى يخلصوكم من العذاب عن الجبائي ، وقال غيره : لما حكى الله سبحانه ما يجري بين الجن والإنس من الخصام والجدال في الآخرة قال «وَكَذلِكَ » أي وكما فعلنا بهؤلاء من الجمع بينهم في النار وتولية بعضهم بعضا نفعل مثله بالظالمين جزاء على أعمالهم ، وقال ابن عباس : إذا رضي الله عن قوم ولي أمرهم خيارهم وإذا سخط على قوم ولي أمرهم شرارهم.

«بِما كانُوا يَكْسِبُونَ » من المعاصي أي جزاء على أعمالهم القبيحة ، وذلك معنى قوله : «إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ »(١) ومثله ما رواه الكلبي عن مالك بن دينار قال : قرأت في بعض كتب الحكمة أن الله تعالى يقول : إني أنا الله مالك الملوك ، قلوب الملوك بيدي فمن أطاعني جعلتهم عليه رحمة ، ومن عصاني جعلتهم عليه نقمة ، فلا تشغلوا أنفسكم بسب الملوك ، ولكن توبوا إلى أعطفهم عليكم ، وقيل معنى : نولي بعضهم بعضا ، نخلي بينهم وبين ما يختارونه من غير نصرة لهم ، وقيل : معناه نتابع بعضهم بعضا في النار ، انتهى.

وأقول : ما ذكرهعليه‌السلام أوفق بكلام ابن عباس والكلبي ، ومطابق لظاهر الآية.

الحديث العشرون : ضعيف على المشهور« ففاته » أي لم يدركه ليطلب البراءة ويرضيه ، ولعله محمول على ما إذا لم يكن حقا ماليا كالغيبة وأمثالها ، وإلا فيجب أن يتصدق عنه إلا أن يقال : التصدق عنه أيضا طلب مغفرة له.

الحديث الحادي والعشرون : مجهول.

__________________

(١) سورة الرعد : ١١.

٣٠٨

موسى بن إبراهيم المروزي ، عن أبي الحسن موسىعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من أصبح وهو لا يهم بظلم أحد غفر الله له ما اجترم.

٢٢ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب ، عن علي بن أبي حمزة ، عن أبي بصير قال دخل رجلان على أبي عبد اللهعليه‌السلام في مداراة بينهما ومعاملة فلما أن سمع كلامهما قال أما إنه ما ظفر أحد بخير من ظفر بالظلم أما إن المظلوم يأخذ من دين الظالم أكثر مما يأخذ الظالم من مال المظلوم

الحديث الثاني والعشرون : ضعيف على المشهور.

وفي القاموس :تدارءوا تدافعوا في الخصومة ، ودارأته داريته ودافعته ولا ينته ضد« فلما أن سمع » أن زائدة لتأكيد الاتصال« ما ظفر أحد بخير » أقول : هذه العبارة تحتمل عندي وجوها : الأول : أن ظفر من باب علم والظفر الوصول إلى المطلوب والباء في قوله : بخير ، الآلية المجازية ، كقولك : قام زيد بقيام حسن ، وفيبظلم صلة للظفر ، ومن صلة لأفعل التفضيل ، والظلم مصدر مبني للفاعل أو للمفعول والحاصل أنه لم يظفر أحد بنعمة يكون خيرا من أن يظفر بظلم ظالم له أو بمظلومية من ظالم ، فإنه ظفر بالمثوبات الأخروية كما سنبينه.

الثاني : أن يكون كالسابق لكن يكون الباء في قوله بخير صلة للظفر وفي قوله بالظلم للآلية المجازية ، ومن للتعليل متعلقا بالظفر والظلم مصدر مبني للفاعل أي ما ظفر أحد بأمر خير بسبب ظفره بظلم أحد.

الثالث ما قيل : إن الخير مضاف إلى من بالمنع ولا يخفى ما فيه.

الرابع : أن يكون من اسم موصول وظفر فعلا ماضيا ويكون بدلا لقوله أحد كما في قوله تعالى : «وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً » وهذا مما خطر أيضا بالبال لكن الأول أحسن الوجوه ، وعلى التقاديرقوله : أما إنه ، استئناف بياني لسابقه ، ويؤيده ما روي عن أمير المؤمنينعليه‌السلام لا يكبرن عليك ظلم من ظلمك فإنه يسعى في مضرته ونفعك.

٣٠٩

ثم قال من يفعل الشر بالناس فلا ينكر الشر إذا فعل به أما إنه إنما يحصد ابن آدم ما يزرع وليس يحصد أحد من المر حلوا ولا من الحلو مرا فاصطلح الرجلان قبل أن يقوما.

٢٣ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن علي بن أسباط عمن ذكره ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من خاف القصاص كف عن ظلم الناس.

(باب )

(اتباع الهوى )

١ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن ابن محبوب ، عن أبي محمد الوابشي قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول احذروا أهواءكم كما تحذرون أعداءكم

« وليس يحصد أحد من المر حلوا » هذا تمثيل لبيان أن جزاء الشر لا يكون نفعا وخيرا ، وجزاء الخير وثمرته لا يكون شرا ووبالا في الدارين.

الحديث الثالث والعشرون : ضعيف على المشهور.

باب اتباع الهوى

الحديث الأول : مجهول.

« احذروا أهواءكم » الأهواء جمع الهوى وهو مصدر هويه كرضيه إذا أحبه واشتهاه ، ثم سمي به المهوي المشتهى ، محمودا كان أو مذموما ثم غلب على المذموم.

قال الجوهري : كل حال هواء ، وقوله تعالى : «وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ » يقال : إنه لا عقول فيها ، والهوى مقصورا هوى النفس ، والجمع الأهواء ، وهوى بالكسر يهوي هوى أي أحب ، الأصمعي : هوى بالفتح يهوي هويا أي سقط إلى أسفل.

وقال الراغب : الهوى ميل النفس إلى الشهوة ، ويقال ذلك للنفس المائلة إلى الشهوة ، وقيل : سمي بذلك لأنه يهوي بصاحبه في الدنيا إلى كل داهية وفي الآخرة

٣١٠

فليس شيء أعدى للرجال من اتباع أهوائهم وحصائد ألسنتهم.

إلى الهاوية ، وقد عظم الله ذم اتباع الهوى فقال : «أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ »(١) وقال : «وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ »(٢) «وَاتَّبَعَ هَواهُ وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً »(٣) وقوله : «وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ »(٤) فإنما قاله بلفظ الجمع تنبيها على أن لكل هوى غير هوى الآخر ، ثم هوى كل واحد لا يتناهى فإذا اتباع أهوائهم نهاية الضلال والحيرة ، وقال : «وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ »(٥) وقال : «كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّياطِينُ فِي الْأَرْضِ »(٦) «وَلا تَتَّبِعُوا أَهْواءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ »(٧) وقال : «قُلْ لا أَتَّبِعُ أَهْواءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً »(٨) «وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ »(٩) «وَقُلْ آمَنْتُ بِما أَنْزَلَ اللهُ مِنْ كِتابٍ » و «مَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللهِ »(١٠) » انتهى.

وأقول : ينبغي أن يعلم أن ما تهواه النفس ليس كله مذموما وما لا تهواه النفس ليس كله ممدوحا ، بل المعيار ما مر في باب ذم الدنيا وهو أن كل ما يرتكبه الإنسان لمحض الشهوة النفسانية واللذة الجسمانية والمقاصد الفانية الدنيوية ولم يكن الله مقصودا له في ذلك فهو من الهوى المذموم ويتبع فيه النفس الأمارة بالسوء ، وإن كان مشتملا على زجر النفس عن بعض المشتهيات أيضا كمن يترك لذيذ المأكل والمطعم والملبس ويقاسي الجوع والصوم والسهر للاشتهار بالعبادة وجلب قلوب الجهال ، وما يرتكبه الإنسان لإطاعة أمره سبحانه وتحصيل رضاه وإن كان مما تشتهيه نفسه وتهواه ، فليس هو من الهوى المذموم كمن يأكل ويشرب لأمره تعالى بهما ، أو لتحصيل القوة على العبادة ، وكمن يجامع الحلال لكونه مأمورا به

__________________

(١) سورة الجاثية : ٣٣. (٢) سورة ص : ٢٦.

(٣) سورة الكهف : ٢٨. (٤) سورة البقرة : ١٢٠.

(٥) سورة الجاثية : ١٨. (٦) سورة الأنعام : ٧١.

(٧) سورة المائدة : ٧٧. (٨) سورة الأنعام : ٥٦.

(٩) سورة المائدة : ٤٩. (١٠) سورة القصص : ٥٠.

٣١١

أو لتحصيل الأولاد الصالحين ، أو لعدم ابتلائه بالحرام فهؤلاء وإن حصل لهم الالتذاذ بهذه الأمور لكن ليس مقصودهم محض اللذة ، بل لهم في ذلك أغراض صحيحة إن صدقتهم أنفسهم ، ولم تكن تلك من التسويلات النفسانية والتخييلات الشيطانية ، ولو لم يكن غرضهم من ارتكاب تلك اللذات هذه الأمور فليسوا بمعاقبين في ذلك إذا كان حلالا لكن إطاعة النفس في أكثر ما تشتهيه قد ينجر إلى ارتكاب الشبهات والمكروهات ثم إلى المحرمات ومن حام حول الحمى أو شك أن يقع فيه.

فظهر أن كل ما تهواه النفس ليس مما يلزم اجتنابه فإن كثيرا من العلماء قد يلتذون بعلمهم أكثر مما يلتذ الفساق بفسقهم ، وكثيرا من العباد يأنسون بالعبادة بحيث يحصل لهم الهم العظيم بتركها ، وليس كل ما لا تشتهيه النفس يحسن ارتكابه كأكل القاذورات والزنا بالجارية القبيحة ، ويطلق أيضا الهوى على اختيار ملة أو طريقة أو رأي لم يستند إلى برهان قطعي ، أو دليل من الكتاب والسنة ، كمذاهب المخالفين وآرائهم وبدعهم فإنها من شهوات أنفسهم ، ومن أوهامهم المعارضة للحق الصريح كما دلت عليه أكثر الآيات المتقدمة.

فذم الهوى مطلقا إما مبني على أن الغالب فيما تشتهيه الأنفس أنها مخالفة لما ترتضيه العقل ، أو على أن المراد بالنفس النفس المعتادة بالشر الداعية إلى السوء والفساد ، ويعبر عنها بالنفس الأمارة كما قال تعالى : «إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ ما رَحِمَ رَبِّي ».

أو صار الهوى حقيقة شرعية في المعاصي والأمور القبيحة التي تدعو النفس إليها ، والآراء والملل والمذاهب الباطلة التي تدعو إليها الشهوات الباطلة والأوهام الفاسدة ، لا البراهين الحقة فليس شيء أعدى للرجال لأن ضرر العدو على فرض وقوعه راجع إلى الدنيا الزائلة ومنافعها الفانية ، وضرر الهوى راجع إلى الآخرة الباقية.

٣١٢

٢ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن أبيه ، عن عبد الله بن القاسم ، عن أبي حمزة ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول الله عز وجل وعزتي وجلالي وعظمتي وكبريائي ونوري وعلوي وارتفاع مكاني

« وحصائد ألسنتهم » قال في النهاية : فيه وهل يكب الناس على مناخرهم في النار إلا حصائد ألسنتهم أي ما يقطعونه من الكلام الذي لا خير فيه ، واحدتها حصيدة تشبيها بما يحصد من الزرع وتشبيها للسان وما يقتطعه من القول بحد المنجل الذي يحصد به ، وقال الطيبي : أي كلامهم القبيح كالكفر والقذف والغيبة ، وقال الجوهري : حصدت الزرع وغيره أحصده وأحصده حصدا والزرع محصود وحصيد وحصيدة ، وحصائد ألسنتهم الذي في الحديث هو ما قيل في الناس باللسان وقطع به عليهم.

الحديث الثاني : ضعيف.

« وعزتي » أقسم سبحانه تأكيدا لتحقيق مضمون الخطاب وتثبيته في قلوب السامعين أولا بعزته وهي القوة والغلبة وخلاف الذلة وعدم المثل والنظير ، وثانيا بجلاله وهو التنزه من النقائص أو عن أن يصله إليه عقول الخلق أو القدرة التي تصغر لديها قدرة كل ذي قدرة ، وثالثا بعظمته وهي تنصرف إلى عظمة الشأن والقدر الذي يذل عندها شأن كل ذي شأن ، أو هو أعظم من أن يصل إلى كنه صفاته أحد ، ورابعا بكبريائه وهو كون جميع الخلائق مقهورا له منقادا لإرادته ، وخامسا بنوره وهو هدايته التي بها يهتدي أهل السماوات والأرضين إليه وإلى مصالحهم ومراشدهم كما يهتدى بالنور ، وسادسا بعلوه أي كونه أرفع من أن يصل إليه العقول والأفهام أو كونه فوق الممكنات بالعلية ، أو تعاليه عن الاتصاف بصفات المخلوقين ، وسابعا بارتفاع مكانه وهو كونه أرفع من أن يصل إليه وصف الواصفين أو يبلغه نعت الناعتين وكان بعضها تأكيد لبعض.

٣١٣

لا يؤثر عبد هواه على هواي إلا شتت عليه أمره ولبست عليه دنياه وشغلت قلبه بها ولم أؤته منها إلا ما قدرت له وعزتي وجلالي وعظمتي ونوري وعلوي

« لا يؤثر » أي لا يختار« عبد هواه » أي ما يحبه ويهواه« على هواي » أي على ما أرضاه وأمرت به« إلا شتت عليه أمره » على بناء المجرد أو التفعيل ، في القاموس : شت يشت شتا وشتاتا وشتيتا فرق وافترق كانشت وتشتت ، وشتته الله وأشته.

وأقول : تشتت أمره إما كناية عن تحيره في أمر دينه فإن الذين يتبعون الأهواء الباطلة ، في سبل الضلالة يتيهون وفي طرق الغواية يهيمون ، أو كناية عن عدم انتظام أمور دنياهم فإن من اتبع الشهوات لا ينظر في العواقب فيختل عليه أمور معاشه ويسلب الله البركة عما في يده أو الأعم منهما ، وعلى الثاني الفقرة الثانية تأكيد وعلى الثالث تخصيص بعد التعميم.

« ولبست عليه دنياه » أي خلطتها أو أشكلتها وضيقت عليه المخرج منها ، قال في المصباح : لبست الأمر لبسا من باب ضرب خلطته ، وفي التنزيل «وَلَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ »(١) والتشديد مبالغة ، وفي الأمر لبس بالضم ولبسة أيضا إشكال ، والتبس الأمر أشكل ، ولابسته بمعنى خالطته ، وقال الراغب : أصل اللبس ستر الشيء ، ويقال ذلك في المعاني ، يقال : لبست عليه أمره ، قال تعالى : «وَلَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ » «وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ »(٢) «لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْباطِلِ »(٣) «الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ »(٤) ويقال في الأمر لبسة أي التباس ولابست فلانا خالطته.

« وشغلت قلبه بها » أي هو دائما في ذكرها وفكرها غافلا عن الآخرة وتحصيلها

__________________

(١) سورة الأنعام : ٩.

(٢) سورة البقرة : ٤٢.

(٣) سورة آل عمران : ٧١.

(٤) سورة الأنعام : ٨٢.

٣١٤

وارتفاع مكاني لا يؤثر عبد هواي على هواه إلا استحفظته ملائكتي وكفلت السماوات والأرضين رزقه وكنت له من وراء تجارة كل تاجر وأتته الدنيا وهي راغمة.

ولا يصل من الدنيا غاية مناه فيخسر الدنيا والآخرة ، وذلك هو الخسران المبين« إلا استحفظته ملائكتي » أي أمرتهم بحفظه من الضياع والهلاك في الدين والدنيا.

« وكفلت السماوات والأرضين رزقه » وقد مر « وضمنت » أي جعلتهما ضامنين وكفيلين لرزقه ، كناية عن تسبب الأسباب السماوية والأرضية لوصول رزقه المقدر إليه.

« وكنت له من وراء تجارة كل تاجر » أقول : قد مر أنه يحتمل وجوها الأول : أن يكون المعنى كنت له من وراء تجارة التاجرين أي عقبها أسوقها إليه أي أسخر له قلوبهم له وألقي فيها أن يدفعوا قسطا من أرباح تجارتهم إليه.

الثاني : أني أتجر له عوضا عن تجارة كل تاجر له لو كانوا اتجروا له.

الثالث : أن المعنى أنا أي قربي وحبي له عوضا عن المنافع الزائلة الفانية التي تحصل للتجار في تجارتهم ، وبعبارة أخرى أنا مقصوده في تجارته المعنوية بدلا عما يقصده التجار من أرباحهم الدنيوية «فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ ».

الرابع : أن المعنى كنت له بعد أن أسوق إليه أرباح التاجرين فتجتمع له الدنيا والآخرة ، وهي التجارة الرابحة.

« وأتته الدنيا وهي راغمة » أي ذليلة منقادة كناية عن تيسر حصولها بلا مشقة ولا مذلة أو مع هوانها عليه ، وليست لها عنده منزلة لزهده فيها ، أو مع كرهها كناية عن بعد حصولها له بحسب الأسباب الظاهرة لعدم توسله بأسباب حصولها ، وهذا معنى لطيف وإن كان بعيدا ، وفي القاموس : الرغم الكره ويثلث كالمرغمة ، رغمه كعلمه ومنعه كرهه ، والتراب كالرغام ورغم أنفي لله مثلثة ذل عن كره ، وأرغمه الله أسخطه ، ورغمته فعلت شيئا على رغمه ، وفي النهاية أرغم الله أنفه ألصقه بالرغام وهو التراب ، هذا هو الأصل ، ثم استعمل في الذل والعجز عن الانتصاف والانقياد على كره.

٣١٥

٣ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن الوشاء ، عن عاصم بن حميد ، عن أبي حمزة ، عن يحيى بن عقيل قال قال أمير المؤمنينعليه‌السلام إنما أخاف عليكم اثنتين ـ اتباع الهوى وطول الأمل أما اتباع الهوى فإنه يصد عن الحق وأما طول الأمل فينسي الآخرة.

٤ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن محمد بن الحسن بن شمون ، عن عبد الله بن عبد الرحمن الأصم ، عن عبد الرحمن بن الحجاج قال قال لي أبو الحسنعليه‌السلام اتق المرتقى السهل إذا كان منحدره وعرا.

الحديث الثالث : ضعيف على المشهور.

« أما اتباع الهوى فإنه يصد عن الحق » لأن حب الدنيا وشهواتها يعمى القلب عن رؤية الحق وتمنع النفس عن متابعته ، فإن الحق والباطل متقابلان والآخرة والدنيا ضرتان متنافرتان. والدنيا مع أهل الباطل فاتباع الهوى إما يصير سببا لاشتباه الحق بالباطل في نظره ، أو يصير باعثا على إنكار الحق مع العلم به ، والأول كعوام أهل الباطل والثاني كعلمائهم« وطول الأمل » أي ظن البقاء في الدنيا وتوقع حصول المشتهيات فيها بالأماني الكاذبة الشيطانيةينسى الموت والآخرة وأهوالها فلا يتوجه إلى تحصيل الآخرة وما ينفعه فيها ، ويخلصه من شدائدها وإنما ينسب الخوف منهما إلى نفسه القدسية لأنه هو مولى المؤمنين والمتولي لإصلاحهم والراعي لهم في معاشهم ، والداعي لهم إلى صلاح معادهم.

الحديث الرابع : ضعيف.

« اتق المرتقى السهل » إلخ ، المرقى والمرتقى والمرقاة موضع الرقي والصعود من رقيت السلم والسطح والجبل علوته ، والمنحدر الموضع الذي ينحدر منه أي ينزل ، من الانحدار وهو النزول ، والوعر ضد السهل ، قال الجوهري : جبل وعر بالتسكين ومطلب وعر ، قال الأصمعي : ولا تقل وعر.

أقول : ولعل المراد به النهي عن طلب الجاه والرئاسة وسائر شهوات الدنيا

٣١٦

قال وكان أبو عبد اللهعليه‌السلام يقول لا تدع النفس وهواها فإن هواها في رداها وترك النفس وما تهوى أذاها وكف النفس عما تهوى دواها.

ومرتفعاتها فإنها وإن كانت مؤاتية على اليسر والخفض إلا أن عاقبتها عاقبة سوء والتخلص من غوائلها وتبعاتها في غاية الصعوبة ، والحاصل أن متابعة النفس في أهوائها والترقي من بعضها إلى بعض وإن كانت كل واحدة منها في نظره حقيرة ، وتحصل له بسهولة ، لكن عند الموت يصعب عليه ترك جميعها ، والمحاسبة عليها ، فهو كمن صعد جبلا بحيل شتى فإذا انتهى إلى ذروته تحير في تدبير النزول عنها.

وأيضا تلك المنازل الدنية تحصل له في الدنيا بالتدريج ، وعند الموت لا بد من تركها دفعة ، ولذا تشق عليه سكرات الموت بقطع تلك العلائق ، فهو كمن صعد سلما درجة درجة ثم سقط في آخر درجة منه دفعة ، فكلما كانت الدرجات في الصعود أكثر كان السقوط منها أشد ضررا وأعظم خطرا فلا بد للعاقل أن يتفكر عند الصعود على درجات الدنيا في شدة النزول عنها فلا يرقى كثيرا ويكتفي بقدر الضرورة والحاجة ، فهذا التشبيه البليغ على كل من الوجهين من أبلغ الاستعارات وأحسن التشبيهات ، وفي بعض النسخ : أتقي بالياء وكأنه من تصحيف النساخ ، ولذا قرأ بعض الشارحين أتقى بصيغة التفضيل على البناء للمفعول وقرأ السهل مرفوعا ليكون خبرا للمبتدإ وهو أتقى ، أو يكون أتقي بتشديد التاء بصيغة المتكلم من باب الافتعال فالسهل منصوب صفة للمرتقى ، وكل منهما لا يخلو من بعد.

« لا تدع النفس وهواها » أي لا تتركها مع هواها وما تهواه وتحبه من الشهوات المردية« فإن هواها في رداها » أي هلاكها في الآخرة بالهلاك المعنوي ، في القاموس ردي في البئر سقط كتردى وأرداه غيره ورداه وروي كرضى ردي هلك ، وأرداه ، ورجل ردها لك.

قوله عليه‌السلام : أذاها ، الأذى ما يؤذي الإنسان من مرض أو مكروه ، والشيء القذر ، وفي بعض النسخ داؤها أي مرضها وهو أنسب بقوله : دواءها لفظا ومعنى ، في القاموس الدواء مثلثة ما داويت به ، وبالقصر المرض.

٣١٧

(باب )

(المكر والغدر والخديعة )

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم رفعه قال قال أمير المؤمنينعليه‌السلام لو لا أن المكر والخديعة في النار لكنت أمكر الناس.

باب المكر والغدر والخديعة

الحديث الأول : مرفوع كالحسن.

وفي القاموس :المكر الخديعة ، وقال : خدعه كمنعه خدعا ويكسر ختله ، وأراد به المكروه من حيث لا يعلم كاختدعه فانخدع ، والاسم الخديعة ، وقال الراغب : المكر صرف الغير عما يقصده بحيلة ، وذلك ضربان مكر محمود وهو أن يتحرى بذلك فعل جميل ، وعلى ذلك قال الله عز وجل : «وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ »(١) ومذموم وهو أن يتحرى به فعل قبيح ، قال تعالى : «وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ »(٢) وقال في الأمرين : «وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنا مَكْراً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ »(٣) وقال بعضهم من مكر الله تعالى إمهال العبد وتمكينه من أعراض الدنيا ، ولذلك قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : من وسع عليه دنياه ولم يعلم أنه مكر به فهو مخدوع عن غفلة ، وقال : الخداع إنزال الغير عما هو بصدده بأمر يبديه على خلاف ما يخفيه ، انتهى.

وفي المصباح :خدعته خدعا فانخدع ، والخدع بالكسر اسم منه ، والخديعة مثله ، والفاعل خدوع مثل رسول وخداع أيضا وخادع ، والخدعة بالضم ما يخدع به الإنسان مثل اللعبة لما يلعب به ، انتهى.

__________________

(١) سورة آل عمران : ٥٤.

(٢) سورة فاطر : ٤٣.

(٣) سورة النمل : ٥٠.

٣١٨

وربما يفرق بينهما حيث اجتمعا بأن يراد بالمكر احتيال النفس واستعمال الرأي فيما يراد فعله مما لا ينبغي ، وإرادة إظهار غيره وصرف الفكر في كيفيته ، وبالخديعة إبراز ذلك في الوجود وإجراؤه على من يريد.

وكأنهعليه‌السلام إنما قال ذلك لأن الناس كانوا ينسبون معاوية لعنه الله إلى الدهاء والعقل ، وينسبونهعليه‌السلام إلى ضعف الرأي لما كانوا يرون من إصابة حيل معاوية المبنية على الكذب والغدر والمكر ، فبينعليه‌السلام أنه أعرف بتلك الحيل منه ، ولكنها لما كانت مخالفة لأمر الله ونهيه ، فلذا لم يستعملها ، كما روى السيدرضي‌الله‌عنه في نهج البلاغة عنه صلوات الله عليه أنه قال : ولقد أصبحنا في زمان اتخذ أكثر أهله الغدر كيسا ، ونسبهم أهل الجهل فيه إلى حسن الحيلة ، ما لهم قاتلهم الله؟ قد يرى الحول القلب وجه الحيلة ودونه مانع من أمر الله ونهيه ، فيدعها رأي العين بعد القدرة عليها ، وينتهز فرصتها من لا حريجة في الدين ، والحريجة التقوى.

وقال بعض الشراح في تفسير هذا الكلام : وذلك لجهل الفريقين بثمرة الغدر وعدم تمييزهم بينه وبين الكيس ، فإنه لما كان الغدر هو التفطن بوجه الحيلة وإيقاعها على المغدور به وكان الكيس هو التفطن بوجه الحيلة والمصالح فيما ينبغي ، كانت بينهما مشاركة في التفطن بالحيلة واستخراجها بالآراء إلا أن تفطن الغادر بالحيلة التي هي غير موافقة للقوانين الشرعية والمصالح الدينية ، والكيس هو المتفطن بالحيلة الموافقة لهما ، ولدقة الفرق بينهما يلبس الغادر غدرة بالكيس وينسبه الجاهلون إلى حسن الحيلة كما نسب ذلك إلى معاوية وعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة وأضرابهم ، ولم يعلموا أن حيلة الغادر تخرجه إلى رذيلة الفجور ، وأنه لا حسن لحيلة جرت إلى رذيلة ، بخلاف حيلة الكيس ومصلحته فإنها تجر

٣١٩

٢ ـ علي ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يجيء كل غادر يوم القيامة بإمام مائل شدقه حتى

إلى العدل ، انتهى.

وقد صرحعليه‌السلام بذلك في مواضع يطول ذكرها ، وكونهعليه‌السلام أعرف بتلك الأمور وأقدر عليها ظاهر ، لأن مدار المكر على استعمال الفكر في درك الحيل ، ومعرفة طرق المكروهات وكيفية إيصالها إلى الغير على وجه لا يشعر به ، وهوعليه‌السلام لسعة علمه كان أعرف الناس بجميع الأمور ، والمراد بكونهما في النار كون المتصف بهما فيها والإسناد على المجاز.

الحديث الثاني : ضعيف على المشهور.

وفي القاموس : الغدر ضد الوفاء ، غدر هو به كنصر وضرب وسمع غدرا ، وأقول : يطلق الغدر غالبا على نقض العهد والبيعة وإرادة إيصال السوء إلى الغير بالحيلة بسبب خفي ، وقوله : بإمام متعلق بغادر ، والمراد بالإمام إمام الحق.

ويحتمل أن يكون الباء بمعنى مع ويكون متعلقا بالمجيء فالمراد بالإمام إمام الضلالة كما قال بعض الأفاضل« يجيء كل غادر » يعني من أصناف الغادرين على اختلافهم في أنواع الغدر « بإمام » يعني مع إمام يكون تحت لوائه كما قال الله سبحانه : «يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ »(١) وإمام كل صنف من القادرين على اختلافهم من كان كاملا في ذلك الصنف من القدر أو باديا به ، ويحتمل أن يكون المراد بالغادر بإمام من غدر ببيعة إمام في الحديث الآتي خاصة ، وأما هذا الحديث فلا ، لاقتضائه التكرار وللفصل فيه بيوم القيامة ، والأول أظهر لأنهما في الحقيقة حديث واحد يبين أحدهما الآخر ، فينبغي أن يكون معناهما واحدا ، انتهى.

وفي المصباح :الشدق بالفتح والكسر جانب الفم قاله الأزهري ، وجمع المفتوح

__________________

(١) سورة الإسراء : ٧١.

٣٢٠

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434