مرآة العقول الجزء ١٠

مرآة العقول8%

مرآة العقول مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 441

  • البداية
  • السابق
  • 441 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 15360 / تحميل: 7695
الحجم الحجم الحجم
مرآة العقول

مرآة العقول الجزء ١٠

مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

الحق قال لا ينبغي له أن يصرمه.

٤ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن حديد ، عن عمه مرازم بن حكيم قال كان عند أبي عبد اللهعليه‌السلام رجل من أصحابنا يلقب شلقان وكان قد صيره في نفقته وكان سيئ الخلق فهجره فقال لي يوما يا مرازم وتكلم عيسى فقلت نعم فقال أصبت لا خير في المهاجرة.

المؤمن والمنافق والكافر كما مر وهذا الخبر بالباب الآتي أنسب وكأنه كان مكتوبا على الهامش فاشتبه على الكتاب وكتبوه هيهنا.

الحديث الرابع : ضعيف.

وشلقان بفتح الشين وسكون اللام لقب لعيسى بن أبي منصور ، وقيل : إنما لقب بذلك لسوء خلقه من الشلق وهو الضرب بالسوط وغيره ، وقد روي في مدحه أخبار كثيرة منها : أن الصادقعليه‌السلام قال فيه : من أحب أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا ، وقالعليه‌السلام أيضا فيه : إذا أردت أن تنظر إلى خيار في الدنيا خيار في الآخرة فانظر إليه ، والمراد بكونه عندهعليه‌السلام أنه كان في بيته لا أنه كان حاضرا في المجلس.

« وكان قد صيره في نفقته » أي تحملعليه‌السلام نفقته وجعله في عياله وقيل : وكل إليه نفقة العيال وجعله قيما عليها ، والأول أظهر« هجره » أي هجر مرازم عيسى ، فعبر عنه ابن حديد هكذا ، وقال الشهيد الثاني (ره) : ولعل الصواب هجرته وقال بعض الأفاضل : أي هجر عيسى أبا عبد اللهعليه‌السلام بسبب سوء خلقه مع أصحاب أبي عبد اللهعليه‌السلام الذين كان مرازم منهم.

وأقول : صحف بعضهم على هذا الوجه وقرأ نكلم بصيغة المتكلم مع الغيروتكلم في بعض النسخ بدون العاطف ، وعلى تقديره فهو عطف على مقدر أي تواصل وتكلم ونحو هذا ، وهو استفهام على التقديرين على التقرير ، ويحتمل الأمر على بعض الوجوه.

٣٦١

٥ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن سنان ، عن أبي سعيد القماط ، عن داود بن كثير قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول قال أبيعليه‌السلام قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أيما مسلمين تهاجرا فمكثا ثلاثا لا يصطلحان إلا كانا خارجين من الإسلام ولم يكن بينهما ولاية فأيهما سبق إلى كلام أخيه كان السابق إلى الجنة يوم الحساب.

٦ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن ابن أذينة ، عن زرارة

الحديث الخامس : ضعيف على المشهور.

« إلا كانا » كان الاستثناء من مقدر أي لم يفعلا ذلك إلا كانا خارجين ، وهذا النوع من الاستثناء شائع في الأخبار ، ويحتمل أن يكون إلا هنا زائدة كما قال الشاعر :

أرى الدهر إلا مجنونا بأهله

وقيل : التقدير لا يصطلحان على حال إلا وقد كانا خارجين ، وقيل« أيما » مبتدأ و« لا يصطلحان » حال عن فاعل مكثا وإلا مركب من إن الشرطية ولا النافية نحو «إِلاَّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ »(١) « ولم يكن » بتشديد النون مضارع مجهول من باب الأفعال ، وتكرار للنفي في إن لا كانا ، مأخوذ من الكنة بالضم وهي جناح يخرج من حائط أو سقيفة فوق باب الدار ، وقوله : فأيهما ، جزاء الشرط ، والجملة الشرطية خبر المبتدأ أي أيما مسلمين تهاجرا ثلاثة أيام إن لم يخرجا من الإسلام ولم يضعا الولاية والمحبة على طاق النسيان فأيهما سبق ، إلخ.

وإنما ذكرنا ذلك للاستغراب ، مع أن أمثال ذلك دأبهرحمه‌الله في أكثر الأبواب ، وليس ذلك منه بغريب ، والمرادبالولاية المحبة التي تكون بين المؤمنين.

الحديث السادس : حسن كالصحيح.

__________________

(١) سورة التوبة : ٤٠.

٣٦٢

عن أبي جعفرعليه‌السلام قال إن الشيطان يغري بين المؤمنين ما لم يرجع أحدهم عن دينه فإذا فعلوا ذلك استلقى على قفاه وتمدد ثم قال فزت فرحم الله امرأ ألف بين وليين لنا يا معشر المؤمنين تألفوا وتعاطفوا.

٧ ـ الحسين بن محمد ، عن علي بن محمد بن سعيد ، عن محمد بن مسلم ، عن محمد بن محفوظ ، عن علي بن النعمان ، عن ابن مسكان ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال لا يزال إبليس فرحا ما اهتجر المسلمان فإذا التقيا اصطكت ركبتاه وتخلعت أوصاله ونادى يا ويله ما لقي من الثبور.

وفي القاموس :أغرى بينهم العداوة ألقاها ، كأنه ألزقها بهم« ما لم يرجع أحدهم عن دينه » كأنه للسلب الكلي ،فقوله : إذا فعلوا للإيجاب الجزئي ، ويحتمل العكس ، وما بمعنى ما دام ، والتمدد للاستراحة وإظهار الفراغ من العمل والراحة« فزت » أي وصلت إلى مطلوبي.

الحديث السابع : مجهول.

واصطكاك الركبتين اضطرابهما وتأثير أحدهما في الآخر ، والتخلع التفكك والأوصال المفاصل أو مجتمع العظام وإنما التفت في حكاية قول إبليس عن التكلم إلى الغيبة في قوله : « ويله » « ولقي » تنزيها لنفسه المقدسة من نسبة الشر إليه في اللفظ ، وإن كان في المعنى منسوبا إلى غيره ، ونظيره شائع في الكلام ، قال في النهاية فيه : إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد اعتزل الشيطان يبكي يقول : يا ويله ،الويل الحزن والهلاك والمشقة من العذاب وكل من وقع في هلكة دعا بالويل ، ومعنى النداء فيه : يا ويلي ويا حزني ويا هلاكي ويا عذابي احضر فهذا وقتك وأوانك ، وأضاف الويل إلى ضمير الغائب حملا على المعنى ، وعدل عن حكاية قول إبليس : يا ويلي كراهة أن يضيف الويل إلى نفسه ، انتهى.

وما فيقوله « ما لقي » للاستفهام التعجبي ، ومنصوب المحل ، مفعول لقي ، ومن للتبعيض ، والثبور بالضم الهلاك.

٣٦٣

(باب )

(قطيعة الرحم )

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن عمر بن أذينة ، عن مسمع بن عبد الملك ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في حديث ألا إن في التباغض الحالقة لا أعني حالقة الشعر ولكن حالقة الدين.

٢ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن محمد بن علي ، عن محمد بن الفضيل ، عن حذيفة بن منصور قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام اتقوا الحالقة فإنها تميت الرجال قلت وما الحالقة قال قطيعة الرحم.

باب قطيعة الرحم

الحديث الأول : حسن كالصحيح.

وفي النهاية فيه : دب إليكم داء الأمم البغضاء وهي الحالقة ،الحالقة الخصلة التي من شأنها أن يحلق أي تهلك وتستأصل الدين كما يستأصل الموسى الشعر ، وقيل : قطيعة الرحم والتظالم ، انتهى.

وكان المصنفرحمه‌الله أورده في هذا الباب لأن التباغض يشمل ذوي الأرحام أيضا ، أو لأن الحالقة فسرت في سائر الأخبار بالقطيعة ، بل في هذا الخبر أيضا يحتمل أن يكون المراد ذلك ، بأن يكون المراد أن التباغض بين الناس من جملة مفاسده قطع الأرحام وهو حالقة الدين.

الحديث الثاني : ضعيف.

« تميت الرجال » أي تورث موتهم وانقراضهم كما سيأتي ، وحمله على موت القلوب كما قيل بعيد ، ويمكن أن يكون هذا أحد وجوه التسمية بالحالقة ،والرحم في الأصل منبت الولد ووعاؤه في البطن ، ثم سميت القرابة من جهة الولادة رحما ومنها ذو الرحم خلاف الأجنبي.

٣٦٤

٣ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن عثمان بن عيسى ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قلت له إن إخوتي وبني عمي قد ضيقوا علي الدار وألجئوني منها إلى بيت ولو تكلمت أخذت ما في أيديهم قال فقال لي اصبر فإن الله سيجعل لك فرجا قال فانصرفت ووقع الوباء في سنة إحدى وثلاثين ومائة ـ فماتوا والله كلهم فما بقي منهم أحد قال فخرجت فلما دخلت عليه قال ما حال أهل بيتك قال قلت له قد ماتوا والله كلهم فما بقي منهم أحد فقال هو بما صنعوا بك وبعقوقهم إياك وقطع رحمهم بتروا أتحب أنهم بقوا وأنهم

الحديث الثالث : مرسل.

« على الدار » أي الدار التي ورثناها من جدنا« ولو تكلمت أخذت » يمكن أن يقرأ على صيغة المتكلم ، أي لو نازعتهم وتكلمت معهم يمكنني أن آخذ منهم ، أفعل ذلك أم أتركهم؟ أو يقرأ على الخطاب أي لو تكلمت أنت معهم يعطوني ، فلم يرعليه‌السلام المصلحة في ذلك ، أو الأول على الخطاب والثاني على المتكلم والأول أظهر ، وفي النهاية :الوباء بالقصر والمد والهمز الطاعون والمرض العام.

« في إحدى وثلاثين » كذا في أكثر النسخ التي وجدناها ، وفي بعضها بزيادة :ومائة ، وعلى الأول أيضا المراد ذلك وأسقط الراوي المائة للظهور ، فإن إمامة الصادقعليه‌السلام كانت في سنة مائة وأربعة عشر ، ووفاته في سنة ثمان وأربعين ومائة ، والفاء فيقوله : فما بقي ، في الموضعين للبيان ، ومن ابتدائية والمرادبالأحد أولادهم ، أو الفاء للتفريع ومن تبعيضية ، وقوله : بعقوقهم متعلق بقوله بتروا ، وهو في بعض النسخ بتقديم الموحدة على المثناة الفوقانية ، وفي بعضها بالعكس ، فعلى الأول إما على بناء المعلوم من المجرد من باب علم ، أو المجهول من باب نصر ، وعلى الثاني على المجهول من باب ضرب أو التفعيل.

في القاموس :البتر القطع أو مستأصلا والأبتر المقطوع الذنب ، بتره فبتر كفرح والذي لا عقب له وكل أمر منقطع من الخير ، وقال : البتر بالفتح الكسر

٣٦٥

ضيقوا عليك قال قلت إي والله.

٤ ـ عنه ، عن أحمد ، عن الحسن بن محبوب ، عن مالك بن عطية ، عن أبي عبيدة ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال في كتاب عليعليه‌السلام ثلاث خصال لا يموت صاحبهن أبدا حتى يرى وبالهن البغي وقطيعة الرحم واليمين الكاذبة يبارز الله بها وإن أعجل الطاعة ثوابا لصلة الرحم وإن القوم ليكونون فجارا فيتواصلون فتنمي

والإهلاك كالتبتير فيهما والفعل كضرب ، انتهى.

« وأنهم ضيقوا » الواو إما للحال والهمزة مكسورة ، أو للعطف والهمزة مفتوحة.

الحديث الرابع : صحيح.

و « ثلاث » مبتدأ وجملةلا يموت خبر ، وفي القاموس :الوبال الشدة والثقل ، وفي المصباح : الوبيل الوخيم ، والوبال بالفتح من وبل المرتع بالضم وبالا بمعنى وخم ، ولما كان عاقبة المرعى الوخيم إلى شر قيل في سوء العاقبة : وبال ، والعمل السيء وبال على صاحبه ، والبغي خبر مبتدإ محذوف بتقديرهن البغي ، وجملةيبارز الله صفة اليمين إذ اللام للعهد الذهني أو استينافية ، والمستتر في يبارز راجع إلى صاحبهن والجلالة منصوبة والباء في بها للسببية أو للآلية ، والضمير لليمين لأن اليمين مؤنث وقد يقرأ يبارز على بناء المجهول ورفع الجلالة ، وفي القاموس : بارز القرن مبارزة وبرازا برز إليه ، وهما يتبارزان.

أقول : لما أقسم به تعالى بحضوره كذبا فكأنه يعاديه علانية ويبارزه ، وعلى التوصيف احتراز عن اليمين الكاذبة جهلا وخطأ من غير عمد ، وتوصيف اليمين بالكاذبة مجاز« وإن أعجل » كلام علي أو الباقرعليهما‌السلام ، والتعجيل لأنه يصل ثوابه إليه في الدنيا أو بلا تراخ فيها« فتنمي » على بناء الأفعال أو كيمشي ، في القاموس : نما ينمو نموا زاد كنمى ينمي نميا ونميا ونمية ، وأنمى ونمى ، وعلى الأفعال الضمير

٣٦٦

أموالهم ويثرون وإن اليمين الكاذبة وقطيعة الرحم لتذران الديار بلاقع من أهلها وتنقل الرحم وإن نقل الرحم انقطاع النسل.

للصلة ، ويثرون أيضا يحتمل الأفعال والمجرد كيرضون أو يدعون ويحتمل بناء المفعول.

في القاموس : الثروة كثرة العدد من الناس والمال ، وثري القوم ثراءا كثروا ونموا ، والمال كذلك ، وثري كرضى كثر ماله كأثرى ومال ثري كغني كثير ، ورجل ثري وأثرى كأحوى كثيره ، وفي الصحاح الثروة كثرة العدد ، وقال الأصمعي : ثري القوم يثرون إذا كثروا ونموا ، وثري المال نفسه يثرو إذا كثر ، وقال أبو عمرو : وثري الله القوم كثرهم وأثرى الرجل إذا كثرت أمواله ، انتهى.

والمعنى يكثرون عددا أو مالا أو يكثرهم الله ، وفي النهاية فيه : اليمين الكاذبة تدع الدياربلاقع ، جمع بلقع وبلقعة وهي الأرض القفر التي لا شيء بها يريد أن الحالف بها يفتقر ويذهب ما في بيته من الرزق ، وقيل : هو أن يفرق الله شمله ويغير عليه ما أولاه من نعمه ، انتهى.

وأقول : مع التتمة التي في هذا الخبر لا يحتمل المعنى الأول ، بل المعنى أن ديارهم تخلو منهم إما بموتهم وانقراضهم أو بجلائهم عنها وتفرقهم أيدي سبأ ، والظاهر أن المرادبالديار ديار القاطعين ، لا البلدان والقرى لسراية شؤمهما كما توهم.

« وتنقل الرحم » الضمير المرفوع راجع إلى القطيعة ، ويحتمل الرجوع إلى كل واحد لكنه بعيد ، والتعبير عن انقطاع النسل بنقل الرحم لأنه حينئذ تنتقل القرابة من أولاده إلى سائر أقاربه ، ويمكن أن يقرأ تنقل على بناء المفعول ، فالواو للحال ، وقيل : هو من النقل بالتحريك وهو داء في خف البعير يمنع المشي ، ولا يخفى بعده.

وقيل : الواو إما للحال عن القطيعة أو للعطف على قوله وإن اليمين إن جوز

٣٦٧

٥ ـ علي بن إبراهيم ، عن صالح بن السندي ، عن جعفر بن بشير ، عن عنبسة العابد قال جاء رجل فشكا إلى أبي عبد اللهعليه‌السلام أقاربه فقال له اكظم غيظك وافعل فقال إنهم يفعلون ويفعلون فقال أتريد أن تكون مثلهم فلا ينظر الله إليكم.

عطف الفعلية على الاسمية ، وإلا فليقدر وإن قطيعة الرحم تنقل بقرينة المذكورة لا على قوله : لتذران ، لأن هذا مختص بالقطيعة ، ولعل المراد بنقل الرحم نقلها من الوصلة إلى الفرقة ، ومن التعاون والمحبة إلى التدابر والعداوة ، وهذه الأمور من أسباب نقص العمر وانقطاع النسل كما صرح به على سبيل التأكيد والمبالغةبقوله : وإن نقل الرحم انقطاع النسل ، من باب حمل المسبب على السبب مبالغة في السببية ، انتهى ، وهو كما ترى.

وأقول : سيأتي في باب اليمين الكاذبة من كتاب الأيمان والنذور بهذا السند عن أبي جعفرعليه‌السلام قال : إن في كتاب عليعليه‌السلام إن اليمن الكاذبة وقطيعة الرحم تذران الديار بلاقع من أهلها ، وتنقل الرحم يعني انقطاع النسل وهناك في أكثر النسخ بالغين المعجمة ، قال في النهاية : النغل بالتحريك الفساد ، وقد نغل الأديم إذا عفن وتهرى في الدماغ فيفسد ويهلك ، انتهى.

ولا يخلو من مناسبة ، وروى الصدوق في معاني الأخبار عن أبي بصير عن أبي عبد الله مثله بتغيير ، وفيه : إن قطيعة الرحم واليمين الكاذبة لتذران الديار بلاقع من أهلها ويثقلان الرحم وإن تثقل الرحم انقطاع النسل ، وهو أظهر من وجهين : أحدهما تثنية الضمير ، وثانيهما : أن ثقل الرحم بقطع النسل أنسب ، وفي مجالس المفيد وكتاب الحسين بن سعيد عن أبي عبيدة مثله ، وفيهما تدع الديار ، وهو يؤيد العود إلى كل واحد.

الحديث الخامس : مجهول.

« وافعل » أي كظم الغيظ دائما وإن أصروا على الإساءة أو افعل كلما أمكنك

٣٦٨

٦ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لا تقطع رحمك وإن قطعتك.

٧ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن أبي عبد الله ، عن أبيه رفعه ، عن أبي حمزة الثمالي قال قال أمير المؤمنينعليه‌السلام في خطبته أعوذ بالله من الذنوب التي تعجل الفناء فقام إليه عبد الله بن الكواء اليشكري فقال يا أمير المؤمنين أوتكون ذنوب تعجل الفناء فقال نعم ويلك قطيعة الرحم إن أهل البيت ليجتمعون ويتواسون

من البر فيكون حذف المفعول للتعميم« إنهم يفعلون » أي الإضرار وأنواع الإساءة ولا يرجعون عنها« أتريد أن تكون مثلهم » في القطع وارتكاب القبيح وترك الإحسانفلا ينظر الله إليكم أي يقطع عنكم جميعا رحمته في الدنيا والآخرة ، وإذا وصلت فإما أن يرجعوا فيشملكم الرحمة وكنت أولى بها وأكثر حظا منها ، وإما أن لا يرجعوا فيخصك الرحمة ولا انتقام أحسن من ذلك.

الحديث السادس : ضعيف على المشهور.

وظاهره تحريم القطع وإن قطعوا وينافيه ظاهرا قوله تعالى : «فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ »(١) ويمكن تخصيص الآية بتلك الأخبار ولم يتعرض أصحابنا رضي الله عنهم لتحقيق تلك المسائل مع كثرة الحاجة إليها ، والخوض فيها يحتاج إلى بسط وتفصيل لا يناسبان هذه التعليقة ، وقد مر بعض القول فيها في باب صلة الرحم ، وسلوك سبيل الاحتياط في جميع ذلك أقرب إلى النجاة.

الحديث السابع : مرفوع.

وابن الكواء كان من رؤساء الخوارج لعنهم الله ويشكر اسم أبي قبيلتين كان هذا الملعون من إحداهما فيحرمهم الله من سعة الأرزاق وطول الأعمار وإن كانوا متقين فيما سوى ذلك ، ولا ينافيه قوله تعالى : «وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً

__________________

(١) سورة البقرة : ١٩٤.

٣٦٩

وهم فجرة فيرزقهم الله وإن أهل البيت ليتفرقون ويقطع بعضهم بعضا فيحرمهم الله وهم أتقياء.

٨ ـ عنه ، عن ابن محبوب ، عن مالك بن عطية ، عن أبي حمزة ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال قال أمير المؤمنينعليه‌السلام إذا قطعوا الأرحام جعلت الأموال في أيدي الأشرار.

(باب العقوق )

١ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن محمد بن سنان ، عن حديد بن حكيم ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال أدنى العقوق أف ولو علم الله عز وجل شيئا أهون منه لنهى عنه.

وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ »(١) فإنه غير متق لقطع الرحم ، ومفهومها غير مقصود ، فإن كثيرا من الكفار والفساق مرزوقون ، ولو كان مقصودا فيمكن أن يكون باعتبار التقييد بقوله من حيث لا يحتسب.

الحديث الثامن : صحيح.

« جعلت الأموال في أيدي الأشرار » هذا مجرب وأحد أسبابه أنهم يتخاصمون ويتنازعون ويترافعون إلى الظلمة وحكام الجور ، فتصير أموالهم بالرشوة في أيديهم وأيضا إذا تخاصموا ولم يتعاونوا يتسلط عليهم الأشرار ويأخذونها منهم.

باب العقوق

الحديث الأول : ضعيف على المشهور.

« لنهى عنه » إذ معلوم أن الغرض النهي عن جميع الأفراد فاكتفى بالأدنى ليعلم منه الأعلى بالأولوية كما هو الشائع في مثل هذه العبارة ، والأف كلمة تضجر

__________________

(١) سورة الطلاق : ٢.

٣٧٠

٢ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن عبد الله بن المغيرة ، عن أبي الحسنعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كن بارا واقتصر على الجنة وإن كنت عاقا [ فظا ] فاقتصر على النار.

٣ ـ أبو علي الأشعري ، عن الحسن بن علي الكوفي ، عن عبيس بن هشام ، عن صالح الحذاء ، عن يعقوب بن شعيب ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إذا كان يوم القيامة كشف غطاء من أغطية الجنة فوجد ريحها من كانت له روح من مسيرة خمسمائة عام إلا صنف واحد قلت من هم قال العاق لوالديه.

٤ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبد الله

وقد أفف تأفيفا إذا قال ذلك ، والمرادبعقوق الوالدين ترك الأدب لهما والإتيان بما يؤذيهما قولا وفعلا ، ومخالفتهما في أغراضهما الجائزة عقلا ونقلا وقد عد من الكبائر ، ودل على حرمته الكتاب والسنة وأجمع عليها الخاصة والعامة وقد مر القول في ذلك في باب برهما.

الحديث الثاني : حسن كالصحيح.

« فاقتصر على الجنة » أي اكتف بها ، وفيه تعظيم أجر البر حتى أنه يوجب دخول الجنة ، ويفهم منه أنه يكفر كثيرا من السيئات ويرجح عليها ميزان الحساب.

الحديث الثالث : مجهول.

« العاق لوالديه » أي لهما أو لكل منهما ، ويدل ظاهرا على عدم دخول العاق الجنة ، ويمكن حمله على المستحل أو على أنه لا يجد ريحها ابتداء وإن دخلها أخيرا ، أو المراد بالوالدين هنا النبي والإمام كما ورد في الأخبار ، أو يحمل على جنة مخصوصة.

الحديث الرابع : ضعيف على المشهور.

٣٧١

عليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فوق كل ذي بر بر حتى يقتل الرجل في سبيل الله فإذا قتل في سبيل الله فليس فوقه بر وإن فوق كل عقوق عقوقا حتى يقتل الرجل أحد والديه فإذا فعل ذلك فليس فوقه عقوق.

٥ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن إسماعيل بن مهران ، عن سيف بن عميرة ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال من نظر إلى أبويه نظر ماقت وهما ظالمان له لم يقبل الله له صلاة.

« فوق كل ذي بر بر » البر بالكسر مصدر بمعنى التوسع في الصلة والإحسان إلى الغير والإطاعة ، وبالفتح صفة مشبهة لهذا المعنى ، ويمكن هنا قراءتهما بالكسر بتقدير مضاف في الأول أي فوق بر كل ذي بر ، أو في الثاني أي ذو بر أو الحمل على المبالغة كما في قوله تعالى : «وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى »(١) ويمكن أن يقرأ الأول بالكسر والثاني بالفتح وهو أظهر.

« حتى يقتل الرجل أحد والديه » أي أعم من أن يكون مع قتل الآخر أو بدونه أو من غير هذا الجنس من العقوق ، فلا ينافي كون قاتلهما أعق ، وأيضا المراد عقوق الوالدين والأرحام أو من جنس الكبائر فلا ينافي كون قتل الإمام أشد ، فإنه من نوع الكفر لأنه يمكن شموله لقتل والدي الدين النبي والإمام صلوات الله عليهما كما مر في باب بر الوالدين وغيره.

الحديث الخامس : صحيح على الظاهر.

وقول ابن شهرآشوب أنابن عميرة واقفي ليس بمعتمد لأنه لم يذكره غيره من القدماء« وهما ظالمان له » فكيف إذا كانا بارين به ، ولا ينافي ذلك كونهما أيضا آثمين لأنهما ظلماه وحملاه على العقوق ، والقبول كمال العمل وهو غير الإجزاء.

__________________

(١) سورة البقرة : ١٨٩.

٣٧٢

٦ ـ عنه ، عن محمد بن علي ، عن محمد بن فرات ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في كلام له إياكم وعقوق الوالدين فإن ريح الجنة توجد من مسيرة ألف عام ولا يجدها عاق ولا قاطع رحم ولا شيخ زان ولا جار إزاره خيلاء

الحديث السادس : ضعيف.

وكان الخمسمائة(١) بالنسبة إلى الجميع ، والألف بالنسبة إلى جماعة ، ويؤيده التعميم في السابق حيث قال : من كانت له روح ، أو يكون الاختلاف بقلة كشف الأغطية وكثرتها ، ويؤيده أن في الخبر السابق غطاء فيكون هذا الخبر إذا كشف غطاءان مثلا ، وفيما سيأتي في كتاب الوصايا وإن ريحها لتوجد من مسيرة ألفي عام فيما إذا كشف أربعة أغطية مثلا ، أو يكون بحسب اختلاف الوجدان وشدة الريح وخفتها ففي الخمسمائة توجد ريح شديد ، وهكذا ، أو باختلاف الأوقات وهبوب الرياح الشديدة أو الخفيفة ، أو تكون هذه الأعداد كناية عن مطلق الكثيرة ولا يراد بها خصوص العدد كما في قوله تعالى : «إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً »(٢) .

ويطلقالإزار بالكسر غالبا على الثوب الذي يشد على الوسط تحت الرداء وكان جفاة العرب كانوا يطيلون الإزار فيجر على الأرض ، ويمكن أن يراد هنا مطلق الثوب كما فسره في القاموس بالملحفة ، فيشمل تطويل الرداء وسائر الأثواب كما فسر قوله تعالى : «وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ »(٣) بالتشمير وسيأتي الأخبار في ذلك في أبواب الزي والتجمل ، وقد يطلق على ما يشد فوق الثوب على الوسط مكان المنطقة ، فالمراد إسبال طرفيه تكبرا كما يفعله بعض أهل الهند.

وقال الجوهري : الخال والخيلاء والخيلاء الكبر ، تقول منه : اختال فهو ذو خيلاء ، وذو خال وذو مخيلة أي ذو كبر ، وقوله : خيلاء كأنه مفعول لأجله ، وقيل : حال عن فاعل جار أي جار ثوبه على الأرض متبخترا متكبرا مختالا أي متمائلا

__________________

(١) أي المذكور في الحديث الثالث.

(٢) سورة التوبة : ٨٠.

(٣) سورة المدّثّر : ٤.

٣٧٣

إنما الكبرياء لله رب العالمين.

٧ ـ عنه ، عن يحيى بن إبراهيم بن أبي البلاد السلمي ، عن أبيه ، عن جده ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال لو علم الله شيئا أدنى من أف لنهى عنه وهو من أدنى العقوق

من جانبيه ، وأصله من المخيلة وهي القطعة من السحاب تميل في جو السماء هكذا وهكذا ، وكذلك المختال يتمايل لعجبه بنفسه وكبره وهي مشية المطيطاء ، ومنه قوله تعالى : «ثُمَّ ذَهَبَ إِلى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى »(١) أي يتمايل مختالا متكبرا كما قيل.

وأما إذا لم يقصد بإطالة الثوب وجره على الأرض الاختيال والتكبر بل جرى في ذلك على رسم العادة ، فقيل : إنه أيضا غير جائز ، والأولى أن يقال غير مستحسن كما صرح الشهيد وغيره باستحباب ذلك ، وذلك لوجوه :

منها : مخالفة السنة وشعار المؤمنين المتواضعين كما سيأتي ، وقد روت العامة أيضا في ذلك أخبارا ، قال في النهاية فيه : ما أسفل من الكعبين من الإزار في النار ، أي ما دونه من قدم صاحبه في النار عقوبة له ، أو على أن هذا الفعل معدود في أفعال أهل النار ، ومنه الحديث أزره المؤمن إلى نصف الساق ولا جناح فيما بينه وبين الكعبين ، الإزرة بالكسر الحالة وهيئة الائتزار مثل الركبة والجلسة ، انتهى.

ومنها : الإسراف في الثوب بما لا حاجة فيه.

ومنها : أنه لا يسلم الثوب الطويل من جره على النجاسة تكون بالأرض غالبا فيختل أمر صلاته ودينه ، فإن تكلف رفع الثوب إذا مشى تحمل كلفة كان غنيا منها ثم يغفل عنه فيسترسل.

ومنها : أنه يسرع البلى إلى الثوب بدوام جره على التراب والأرض فيخرقه إن لم ينجس.

الحديث السابع : مجهول.

__________________

(١) سورة القيامة : ٣٣.

٣٧٤

ومن العقوق أن ينظر الرجل إلى والديه فيحد النظر إليهما.

٨ ـ علي ، عن أبيه ، عن هارون بن الجهم ، عن عبد الله بن سليمان ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال إن أبي نظر إلى رجل ومعه ابنه يمشي والابن متكئ على ذراع الأب قال فما كلمه أبيعليه‌السلام مقتا له حتى فارق الدنيا.

٩ ـ أبو علي الأشعري ، عن أحمد بن محمد ، عن محسن بن أحمد ، عن أبان بن عثمان ، عن حديد بن حكيم ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال أدنى العقوق أف ولو علم الله أيسر منه لنهى عنه

« فيحد النظر » على بناء المجرد بضم الحاء أو على بناء الأفعال من تحديد السكين أو السيف مجازا ، ويحتمل أن يكون هذا من الأدنى ويساوي الأف في المرتبة ، أو يكون الأف أدنى بحسب القول وهذا بحسب الفعل ، والغرض أنه يجب أن ينظر إليهما على سبيل الخشوع والأدب ، ولا يملأ عينيه منهما ولا ينظر إليهما على وجه الغضب.

الحديث الثامن : مجهول.

والظاهر أن ضمير« كلمه » راجع إلى الابن ورجوعه إلى الأب من حيث مكنه من ذلك بعيد ، وقد يحمل على عدم رضا الأب أو أنه فعله تكبرا واختيالا ، ومن هذه الأخبار يفهم أن أمر بر الوالدين دقيق وأن العقوق يحصل بأدنى شيء.

الحديث التاسع : كالسابق.

وقد مر مثله عن حديد والاختلاف في سائر السند.

٣٧٥

(باب الانتفاء )

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال كفر بالله من تبرأ من نسب وإن دق.

٢ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن فضال ، عن أبي المغراء ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال كفر بالله من تبرأ من نسب وإن دق.

٣ ـ علي بن محمد ، عن صالح بن أبي حماد ، عن ابن أبي عمير وابن فضال ، عن رجال شتى ، عن أبي جعفر وأبي عبد اللهعليه‌السلام أنهما قالا كفر بالله العظيم الانتفاء من حسب وإن دق.

باب الانتفاء

أي التبري عن نسب باعتبار دناءته عرفاً

الحديث الأول : حسن كالصحيح.

« وإن دق » أي بعد ، أو وإن كان خسيسا دنيا وقيل : يحتمل أن يكون ضمير دق راجعا إلى التبري بأن لا يكون صريحا بل بالإيماء وهو بعيد ، وقيل : يعني وإن دق ثبوته وهو أبعد ، والكفر هنا ما يطلق على أصحاب الكبائر كما مر وسيأتي ، وربما يحمل على ما إذا كان مستحلا لأن مستحل قطع الرحم كافر ، أو المراد به كفر النعمة لأن قطع النسب كفر لنعمة المواصلة ، أو يراد به أنه شبيه بالكفر لأن هذا الفعل يشبه فعل أهل الكفر ، لأنهم كانوا يفعلونه في الجاهلية ، ولا فرق في ذلك بين الولد والوالد وغيرهما من الأرحام.

الحديث الثاني : موثق كالصحيح.

الحديث الثالث : ضعيف.

والمرادبالحسب أيضا النسب الدنيء فإن الأحساب غالبا يكون بالأنساب ،

٣٧٦

(باب )

(من آذى المسلمين واحتقرهم )

١ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن محبوب ، عن هشام بن سالم قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول قال الله عز وجل ليأذن بحرب مني من آذى عبدي

ويحتمل على بعد أن لا تكون « من » صلة للانتفاء بل يكون للتعليل ، أي بسبب حسب حصل له أو لآبائه القريبة ، وحينئذ فيقوله : وإن دق تكلف إلا على بعض الوجوه البعيدة السابقة ، وربما يقرأ على هذا الوجه الانتقاء بالقاف أي دعوى النقاوة والامتياز والفخر بسبب حسب وهو تصحيف.

باب من أذى المسلمين واحتقرهم

الحديث الأول : صحيح.

« ليأذن » أي ليعلم كما قال تعالى في ترك ما بقي من الربا : «فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ »(١) قال البيضاوي : أي فأعلموا بها من أذن بالشيء إذا علم به ، وتنكير حرب للتعظيم ، وذلك يقتضي أن يقاتل المربي بعد الاستتابة حتى يفيء إلى أمر الله كالباغي ولا يقتضي كفره.

وفي المجمع : أي فأيقنوا واعلموا بقتال من الله ورسوله ، ومعنى الحرب عداوة الله ورسوله وهذا إخبار بعظم المعصية ، وقال ابن عباس وغيره : إن من عامل بالربا استتابه فإن تاب وإلا قتله ، انتهى.

وأقول : في الخبر يحتمل أن يكون كناية عن شدة الغضب بقرينة المقابلة ، أو المعنى أن الله يحاربه أي ينتقم منه في الدنيا والآخرة أو من فعل ذلك فليعلم أنه محارب لله كما سيأتي : فقد بارزني بالمحاربة ، وقيل : الأمر بالعلم ليس على

__________________

(١) سورة البقرة : ٢٧٩.

٣٧٧

المؤمن وليأمن غضبي من أكرم عبدي المؤمن ولو لم يكن من خلقي في الأرض فيما بين المشرق والمغرب إلا مؤمن واحد مع إمام عادل لاستغنيت بعبادتهما عن جميع ما خلقت في أرضي ولقامت سبع سماوات وأرضين بهما ولجعلت لهما من إيمانهما أنسا لا يحتاجان إلى أنس سواهما.

٢ ـ عنه ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن سنان ، عن منذر بن يزيد ، عن المفضل بن عمر قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام إذا كان يوم القيامة نادى مناد أين الصدود لأوليائي

الحقيقة بل هو خبر عن وقوع المخبر به على التأكيد ، وكذا بالأمن من إخبار عن عدم وقوع ما يحذر منه على التأكيد ، والمرادبالمؤمن مطلق الشيعة أو الكامل منهم كما يومئ إليه :عبدي ، وعلى الأول المرادبالإيذاء الذي لم يأمر به الشارع كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والمرادبالإكرام الرعاية والتعظيم خلقا وقولا وفعلا منه جلب النفع له ودفع الضرر عنه.

« ولو لم يكن » تامة والمرادبالخلق سوى الملائكة والجن وقوله : مع إمام إما متعلق بلم يكن أو حال عن المؤمن ، وعلى الأخير يدل على ملازمته للإمام ، والمرادبالاستغناء بعبادة مؤمن واحد مع أنه سبحانه غني مطلق لا حاجة له إلى عبادة أحد قبول عبادتهما والاكتفاء بهما لقيام نظام العالم ، وكان كون المؤمن مع الإمام أعم من كونه بالفعل أو بالقوة القريبة منه ، فإنه يمكن أن يبعث نبي ولم يؤمن به أحد إلا بعد زمان كما مر في باب قلة عدد المؤمنين : إن إبراهيمعليه‌السلام كان يعبد الله ولم يكن معه غيره حتى آنسه الله بإسماعيل وإسحاق ، وقد مر الكلام فيه.

وقيل : المقصود هنا بيان حال هذه الأمة فلا ينافي الوحدة في الأمم السابقة ، وأرضين بتقدير سبع أرضين« وأنس » إما مضاف إلى« سواهما » أو منون وسواهما للاستثناء.

الحديث الثاني : ضعيف على المشهور.

« أين الصدود لأوليائي » كذا في أكثر نسخ الكتاب وثواب الأعمال وغيرهما

٣٧٨

فيقوم قوم ليس على وجوههم لحم فيقال هؤلاء الذين آذوا المؤمنين ونصبوا لهم وعاندوهم وعنفوهم في دينهم ثم يؤمر بهم إلى جهنم.

٣ ـ أبو علي الأشعري ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن ابن فضال ، عن ثعلبة بن ميمون ، عن حماد بن بشير ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال

وتطبيقه على ما يناسب المقام لا يخلو من تكلف ، في القاموس : صد عنه صدودا أعرض وفلانا عن كذا صدا منعه وصرفه ، وصد يصد ويصد صديدا ضج ، والتصدد التعرض وفي النهاية : الصد الصرف والمنع ، يقال : صده وأصده وصد عنه والصد الهجران ومنه الحديث : فيصد هذا ويصد هذا ، أي يعرض بوجهه عنه وفي المصباح : صد من كذا من باب ضرب ضحك.

وأقول : أكثر المعاني مناسبة لكن بتضمين معنى التعرض ونحوه للتعدية باللام ، فالصدود بالضم جمع صاد وفي بعض النسخ المؤذون لأوليائي فلا يحتاج إلى تكلف.

وقال الجوهري :نصبت لفلات نصبا إذا عاديته ، وناصبته الحرب مناصبة. وقال :التعنيف والتعيير اللوم وقيل : لعل خلو وجوههم من اللحم لأجل أنه ذاب من الغم وخوف العقوبة ، أو من خدشه بأيديهم تحسرا وتأسفا ، ويؤيده ما رواه العامة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : مررت ليلة أسري بي بقوم لهم أظفار من نحاس يخدشون وجوههم وصدورهم ، فقلت : من هؤلاء يا جبرئيل؟ قال : هم الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم ، وقيل : إنما سقط لحم وجوههم لأنهم كاشفوهم بوجوههم الشديدة من غير استحياء من الله ومنهم.

وأقول : أو لأنهم لما أرادوا أن يقبحوهم عند الناس في الدنيا قبحهم الله في الآخرة عند الناس في أظهر أعضائهم وأحسنها.

الحديث الثالث : مجهول.

٣٧٩

الله تبارك وتعالى من أهان لي وليا فقد أرصد لمحاربتي.

٤ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن الحسين بن عثمان ، عن محمد بن أبي حمزة عمن ذكره ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال من حقر مؤمنا مسكينا أو غير مسكين لم يزل الله عز وجل حاقرا له ماقتا حتى يرجع عن محقرته إياه.

٥ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن النعمان ، عن ابن مسكان ، عن معلى بن خنيس قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول إن الله تبارك وتعالى يقول

والمرادبالولي المحب البالغ بجهده في عبادة مولاه المعرض عما سواه« فقد أرصد » أي هيأ نفسه أو أدوات الحرب ، ويمكن أن يقرأ على بناء المفعول قال في النهاية : يقال رصدته إذا قعدت له على طريقه تترقبه ، وأرصدت له العقوبة إذا أعددتها ، وحقيقته جعلتها على طريقه كالمترقبة له ، والإضافة فيقوله « لمحاربتي » إلى المفعول ، ومن فوائد هذا الخبر التحذير التام لأذى كل من المؤمنين [ خشية ] لاحتمال(١) أن يكون من أوليائه تعالى ، كما روى الصدوق بإسناده عن أمير المؤمنينعليه‌السلام قال : إن الله أخفى وليه في عباده فلا تستصغروا شيئا من عباده فربما كان وليه وأنت لا تعلم.

الحديث الرابع : مرسل.

وفي القاموس :الحقر الذلة كالحقرية بالضم ، والحقارة مثلثة والمحقرة ، والفعل كضرب وكرم ، والإذلال كالتحقير والاحتقار والاستحقار ، والفعل كضرب وقال :مقته مقتا ومقاتة أبغضه كمقته والتحقير يكون بالقلب فقط ، وإظهاره أشد وهو إما بقول كرهه أو بالاستهزاء به أو بشتمه أو بضربة أو بفعل يستلزم إهانته أو بترك قول أو فعل يستلزمها وأمثال ذلك.

الحديث الخامس : مختلف فيه معتبر عندي.

ويدل على أن عقوبة إذلال المؤمن تصل إلى المذل في الدنيا أيضا بل بعد

__________________

(١) كذا في نسخة الأصل والظاهر « خشية احتمال » بدون اللام.

٣٨٠

من أهان لي وليا فقد أرصد لمحاربتي وأنا أسرع شيء إلى نصرة أوليائي.

٦ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن ابن محبوب ، عن هشام بن سالم ، عن معلى بن خنيس ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال الله عز وجل قد نابذني من أذل عبدي المؤمن.

٧ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى وأبو علي الأشعري ، عن محمد بن عبد الجبار جميعا ، عن ابن فضال ، عن علي بن عقبة ، عن حماد بن بشير قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال الله عز وجل من أهان لي وليا فقد أرصد لمحاربتي وما تقرب إلي عبد بشيء أحب إلي مما افترضت عليه

الإذلال بلا مهلة ولو بمنع اللطف والخذلان.

الحديث السادس : ضعيف على المشهور.

وفي المصباح :نابذتهم خالفتهم ونابذتهم الحرب كاشفتهم إياها وجاهرتهم بها.

الحديث السابع : مجهول.

« وما تقرب » لما قدم سبحانه ذكر اختصاص الأولياء لديه أشار إجمالا إلى طريق الوصول إلى درجة الولاية من بداية السلوك إلى النهاية أي ما تحبب ولا طلب القرب لدي بمثل أداء ما افترضت عليه ، أي أصالة أو أعم منه ومما أوجبه على نفسه بنذر وشبهه ، لعموم الموصول.

ويدل على أن الفرائض أفضل من المندوبات مطلقا ، وهذا ظاهر بحسب الاعتبار أيضا فإنه سبحانه أعلم بالأسباب التي توجب القرب إلى محبته وكرامته فلما أكد في الفرائض وأوعد على تركها علمنا أنها أفضل مما خيرنا في فعله وتركه ، ووعد على فعله ولم يتوعد على تركه.

٣٨١

وإنه ليتقرب إلي بالنافلة حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ولسانه الذي ينطق به ويده التي يبطش بها إن دعاني أجبته

قال الشيخ البهائيقدس‌سره : فإن قلت : مدلول هذا الكلام هو أن غير الواجب ليس أحب إلى الله سبحانه من الواجب لا أن الواجب أحب إليه من غيره فلعلها متساويان؟ قلت : الذي يستفيده أهل اللسان من مثل هذا الكلام هو تفضيل الواجب على غيره ، كما تقول : ليس في البلد أحسن من زيد ، لا تريد مجرد نفي وجود من هو أحسن منه فيه ، بل تريد نفي من تساويه في الحسن وإثبات أنه أحسن أهل البلد وإرادة هذا المعنى من مثل هذا الكلام شائع متعارف في أكثر اللغات ، انتهى.

وقال الشهيد روح الله روحه في القواعد : الواجب أفضل من الندب غالبا لاختصاصه بمصلحة زائدة ، ولقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : في الحديث القدسي : ما تقرب إلى عبدي بمثل أداء ما افترضت عليه ، وقد تخلف ذلك في صور كالإبراء من الدين الندب ، وإنظار المعسر الواجب ، وإعادة المنفرد صلاته جماعة ، فإن الجماعة مطلقا تفضل صلاة الفذ(١) بسبع وعشرين درجة ، فصلاة الجماعة مستحبة وهي أفضل من الصلاة التي سبقت وهي واجبة ، وكذلك الصلاة في البقاع الشريفة فأتها مستحبة وهي أفضل من غيرها مائة ألف إلى اثنتي عشرة صلاة ، والصلاة بالسواك والخشوع في الصلاة مستحب ويترك لأجله سرعة المبادرة إلى الجمعة وإن فات بعضها مع أنها واجبة لأنه إذا اشتد سعيه شغله الانتهار عن الخشوع ، وكل ذلك في الحقيقة غير معارض لأصل الواجب وزيادته لاشتماله على مصلحة أزيد من فعل الواجب لا بذلك القيد ، انتهى.

وأقول : ما ذكره قد لا يصلح جوابا للجميع ويمكن الجواب عن الأول بأن

__________________

(١) الفذ : ـ بتشديد الذال المعجمة ـ الفرد.

٣٨٢

وإن سألني أعطيته وما ترددت عن شيء أنا فاعله كترددي عن موت المؤمن يكره الموت وأكره مساءته.

٨ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن إسماعيل بن مهران

الواجب أحد الأمرين والإبراء أفضل الفردين ، وعن الثاني بأنا لا نسلم كون هذه الجماعة أفضل من المنفرد ، ولو سلم فيمكن أن يكون الفضل لكون أصلها واجبة وانضمت إلى تلك الفضيلة ، مع أنه قد ورد أنه تعالى يقبل أفضلهما ، واحتمل بعض الأصحاب نية الوجوب فيها أيضا.

وكان بعض مشايخنا يحتمل هنا عدول نية الصلاة إلى الاستحباب بناء على جواز عدول النية بعد الفعل كما يظهر من بعض الأخبار.

ومما ذكروه نقضا على تلك القاعدة الابتداء بالتسليم ورده فإن الأول أفضل مع وجوب الثاني ، والإشكال فيه أصعب ، ويمكن الجواب بأن الابتداء بالسلام أفضل من الترك ، وانتظار تسليم الغير ، ولا نسلم أنه أفضل من الرد الواجب ، بل يمكن أن يقال : إن إكرام المؤمن وترك إهانته واجب وهو يتحقق في أمور شتى فمنها ابتداء التسليم أو رده ، فلو تركهما عصى ، وفي الإتيان بكل منهما يتحقق ترك الإهانة لكن اختيار الابتداء أفضل ، فظهر أنه يمكن إجراء جوابهرحمه‌الله في الجميع.

وأقول : يمكن تخصيص الأخبار وكلام الأصحاب بكون الواجب أفضل من المستحب من نوعه وصنفه ، كصلاة الفريضة والنافلة ، فلا يلزم كون رد السلام أفضل من الحج المندوب ، ولا من صلاة جعفررضي‌الله‌عنه ولا من بناء قنطرة عظيمة أو مدرسة كبيرة ، وبالجملة فروع هذه المسألة كثيرة ولم أر من تعرض لتحقيقها كما ينبغي ، والخوض فيها يوجب بسطا من الكلام لا يناسب المقام ، وسيأتي شرح باقي الخبر في الخبر الآتي.

الحديث الثامن : صحيح.

٣٨٣

عن أبي سعيد القماط ، عن أبان بن تغلب ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال لما أسري بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال يا رب ما حال المؤمن عندك ـ قال يا محمد من أهان لي وليا فقد بارزني بالمحاربة وأنا أسرع شيء إلى نصرة أوليائي وما ترددت عن شيء أنا فاعله

وقال الشيخ البهائي برد الله مضجعه هذا الحديث صحيح السند وهو من الأحاديث المشهورة بين الخاصة والعامة ، وقد رووه في صحاحهم بأدنى تغيير هكذا قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إن الله تعالى قال : من عادى لي وليا فقد أذنته بالحرب ، وما يتقرب إلى عبدي بشيء أحب إلى مما افترضت عليه ، وما يزال عبدي يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ويده التي يبطش بها ، ورجله التي يمشي بها إن سألني لأعطيته وإن استعاذني لأعيذنه وما ترددت في شيء أنا فاعله كترددي في قبض نفس المؤمن يكره الموت وأكره مساءته ، ولا بد له منه.

« لما أسري بي » أسري بالبناء للمفعول من السري على وزن هدى ، وهو السير في الليل ، وأما تقييده بالليل في قوله تعالى : «سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً » الآية فللدلالة بتنكير الليل على تقليل مدة الإسراء ، مع أن المسافة بين المسجدين مسير أربعين ليلة« ما حال المؤمن عندك » أي ما قدره ومنزلته؟« من أهان لي وليا » المراد بالولي المحب ، وبالمبارزة بالمحاربة إظهارها والتصدي لها.

« وما ترددت في شيء أنا فاعله » نسبة التردد إليه سبحانه يحتاج إلى التأويل وفيه وجوه :

الأول : أن في الكلام إضمارا ، والتقدير لو جاز على التردد ما ترددت في شيء كترددي في وفاة المؤمن.

الثاني : أنه لما جرت العادة بأن يتردد الشخص في مساءة من يحترمه ويوقره كالصديق الوفي والخل الصفي وأن لا يتردد في مساءة من ليس له عنده قدر ولا حرمة ، كالعدو والحية والعقرب بل إذا خطر بالبال مساءته أوقعها

٣٨٤

كترددي عن وفاة المؤمن يكره الموت وأكره مساءته وإن من عبادي المؤمنين

من غير تردد ولا تأمل ، صح أن يعبر بالتردد والتأمل في مساءة الشيء عن توقيره واحترامه ، وبعدمها عن إذلاله واحتقاره ، فقوله سبحانه : ما ترددت في شيء أنا فاعله كترددي في وفاة المؤمن ، المراد به والله أعلم : ليس لشيء من مخلوقاتي عندي قدر وحرمة كقدر عبدي المؤمن وحرمته ، فالكلام من قبيل الاستعارة التمثيلية.

الثالث : أنه قد ورد في الحديث من طرق الخاصة والعامة أن الله سبحانه يظهر للعبد المؤمن عند الاحتضار من اللطف والكرامة والبشارة بالجنة ما يزيل عنه كراهة الموت ، ويوجب رغبته في الانتقال إلى دار القرار ، فيقل تأذيه به ويصير راضيا بنزوله راغبا في حصوله ، فأشبهت هذه الحالة معاملة من يريد أن يؤلم حبيبه ألما يتعقبه نفع عظيم ، فهو يتردد في أنه كيف يوصل ذلك الألم إليه على وجه يقل تأذيه به ، فلا يزال يظهر له ما يرغبه فيما يتعقبه من اللذة الجسمية ، والراحة العظيمة إلى أن يتلقاه بالقبول ، ويعده من الغنائم المؤدية إلى إدراك المأمول.

وأقول : يمكن أن يكون التردد إشارة إلى المحو والإثبات في لوحهما ، فإنه يكتب أجله في زمان وآن فيدعو لتأخيره أو يتصدق فيمحو الله ذلك ، ويؤخره إلى وقت آخر فهو يشبه فعل المتردد ، أطلق عليه التردد على وجه الاستعارة ، هذا بحسب ما ورد في لسان الشريعة.

أما الحكماء والصوفية فيقولون : النفوس المنطبعة الفلكية لم تحط بتفاصيل ما سيقع من الأمور دفعة واحدة ، لعدم تناهيها بل إنما ينتقش فيها الحوادث شيئا فشيئا ، وجملة فجملة مع أسبابها وعللها ، وربما حكمت بشيء باعتبار الاطلاع على بعض عللها ، ولم تطلع على ما يضادها ويمنع من تأثيرها ، فإذا اطلعت عليها رجعت عن ذلك الحكم كما إذا حصل لها العلم بموت زيد بمرض كذا في ليلة كذا لأسباب يقتضي ذلك ، ولم يحصل لها العلم بتصدقه الذي يأتي به قبيل ذلك ، لعدم اطلاعها على أسباب التصدق بعد ، ثم علم به ، وكان موته بتلك الأسباب مشروطا بأن لا

٣٨٥

يتصدق فتحكم أولا بالموت وثانيا بالبرء ، وذلك لأن شأن النفوس أن يكون توجهها إلى بعض المعلومات يذهلها عن البعض الآخر ، وذلك هو البداء.

ثم إذا كانت الأسباب بوقوع أمر ولا وقوعه متكافئة ولم يحصل لها العلم برجحان أحدهما بعد كان لها التردد في وقوع ذلك الأمر ولا وقوعه ، وينتقش فيها الوقوع تارة واللاوقوع أخرى ، فهذا هو التردد.

ثم لما كانت أفعال الملائكة المسخرين وإرادتهم مستهلكة في فعله سبحانه وإرادته إذ لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ، ومكتوبهم مكتوب الله بعد قضائه السابق المكتوب بقلمه الأول ، جاز أن يوصف الله سبحانه بالبداء والتردد وأمثالهما ، فلذا قال سبحانه : ما ترددت في شيء ، إلخ.

مع أنه عز وجل قد قضى عليه الموت قضاء حتما كما قال عز وجل : «ثُمَّ قَضى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ »(١) وقال : «وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ »(٢) .

وأقول : هذا بحسب آرائهم ومصطلحاتهم ، وقد مر تحقيق ذلك في باب البداء وقد مرت لتأويل هذا الحديث وجوه أخرى في باب الرضا بموهبة الإيمان.

ثم قالقدس‌سره : والجملة الاسمية يعني « أنا فاعله » نعت « شيء » واسم الفاعل فيها يجوز أن يكون بمعنى الحال أو الاستقبال « يكره الموت وأكره مساءته » جملة مستأنفة استينافا بيانيا كان سائلا يسأل ما سبب التردد؟ فأجيب بذلك ، ويحتمل الحالية من المؤمن والاستئناف أولى ، والمساءة على وزن سلامة مصدر ميمي من ساءه إذا فعل ما يكرهه.

وقال روح الله روحه : قد يتوهم المنافاة بين ما دل عليه هذا الحديث وأمثاله

__________________

(١) سورة الأنعام : ٢.

(٢) سورة الأعراف : ٣٢.

٣٨٦

من أن المؤمن الخاص يكره الموت ويرغب في الحياة ، وبين ما ورد عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه ، فإنه يدل بظاهره على أن المؤمن الحقيقي لا يكره الموت بل يرغب فيه كما نقل عن أمير المؤمنينعليه‌السلام أنه كان يقول : أن ابن أبي طالب آنس بالموت من الطفل بثدي أمه ، وأنه قال حين ضربه ابن ملجم عليه اللعنة : فزت ورب الكعبة.

وقد أجاب عنه شيخنا الشهيد في الذكرى فقال : إن حب لقاء الله غير مقيد بوقت فيحمل على حال الاحتضار ومعاينة ما يحب كما روينا عن الصادقعليه‌السلام ورووه في الصحاح عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه ، قيل : يا رسول الله إنا لنكره الموت؟ فقال : ليس ذلك ولكن المؤمن إذا حضره الموت بشر برضوان الله وكرامته ، فليس شيء أحب إليه مما أمامه ، فأحب لقاء الله وأحب الله لقاءه ، وأن الكافر إذا احتضره يبشر بعذاب الله فليس شيء أكره إليه مما أمامه ، كره لقاء الله فكره الله لقاءه ، انتهى.

وقد يقال : إن الموت ليس نفس لقاء الله فكراهته من حيث الألم الحاصل منه لا يستلزم كراهة لقاء الله ، وهذا ظاهر ، وأيضا حب لقاء الله يوجب حب كثرة العمل الصالح النافع وقت لقائه ، وهو يستلزم كراهة الموت القاطع لها ، انتهى.

وأقول : أوردت وجوها أخرى في الكتاب الكبير ، وعسى أن يأتي بعضها في كتاب الجنائز إن شاء الله.

وقالرحمه‌الله في قوله سبحانه : وإن من عبادي من لا يصلحه إلا الغني ، الصناعة النحوية تقتضي أن يكون الموصول اسم إن ، والجار والمجرور خبرها ، لكن لا يخفى أنه ليس الغرض الأخبار عن أن الذي لا يصلحه إلا الفقر بعض العباد إن لا فائدة فيه ، بل الغرض العكس ، فالأولى أن يجعل الظرف اسم إن والموصول خبرها وهذا وإن كان خلاف ما هو المتعارف بين القوم لكن جوز بعضهم مثله في قوله تعالى

٣٨٧

«وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ »(١) .

قال المحقق الشريف في حواشي الكشاف عند تفسير هذه الآية : فإن قيل : لا فائدة في الإخبار بأن من يقول كذا وكذا من الناس؟ أجيب : بأن فائدته التنبيه على أن الصفات المذكورة تنافي النوع الإنساني ، فينبغي أن يجهل كون المتصف بها من الناس ويتعجب منه ، ورد بأن مثل هذا التركيب قد يأتي في مواضع لا يتأتى فيها مثل هذا الاعتبار ، ولا يقصد منها إلا الإخبار بأن من هذا الجنس طائفة متصفة بكذا ، كقوله تعالى : «مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ »(٢) .

فالأولى أن يجعل مضمون الجار والمجرور مبتدأ على معنى وبعض الناس ، أو بعض منهم من اتصف بما ذكر ، فيكون مناط الفائدة تلك الأوصاف ولا استبعاد في وقوع الظرف بتأويل معناه مبتدءا ، انتهى كلامه.

ثم لما كان مضمون هذا الخبر مظنة التردد والإنكار حسن فيه التأكيد ، فإن قلت : المخاطب هو النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو لا يتردد في أن أفعاله سبحانه مبنية على الحكم العميمة والمصالح العظيمة؟ قلت : أمثال هذه الخطابات من قبيل : « اسمعي يا جارة »(٣) وأكثر ما خاطب الله سبحانه الأنبياءصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من هذا القبيل ولا ريب أن أكثر الخلق مترددون في مضمون ذلك الخبر بل ربما ينكره بعضهم.

__________________

(١) سورة البقرة : ٨.

(٢) سورة الأحزاب : ٢٣.

(٣) قد ورد عن المعصومينعليهم‌السلام : « ان القرآن نزل باياك أعنى واسمعى يا جارة » وهذا مثل يضرب لمن يتكلم بكلام ويريد به شيئا غيره ، وقيل : ان اول من قال ذلك سهل بن مالك الفزارى ، ذكر قصته في مجمع الامثال ، وقال الطريحى هو مثل يراد به التعريض للشيء يعنى ان القرآن خوطب به النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لكن المراد به الأمة.

٣٨٨

من لا يصلحه إلا الغنى ولو صرفته إلى غير ذلك لهلك وإن من عبادي المؤمنين من لا يصلحه إلا الفقر ولو صرفته إلى غير ذلك لهلك وما يتقرب إلي عبد من عبادي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه وإنه ليتقرب إلي بالنافلة حتى

« لو صرفته إلى غير ذلك لهلك » فصل هذه الجملة الشرطية عن جملة الصلة لأنها كاشفة ومبينة لها إذ كون هلاك دينه في الفقر مما يبين كون صلاحه في الغنى ، فبينهما كمال الاتصال ، وما مر في حديث آخر شبيه بهذا الخبر من عطف مثل هذه الشرطية على الصلة بالواو ، حيث قال :وإن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر ، ولو أغنيته لأفسده ذلك ، فلملاحظة كون حصول الإفساد أمرا مغايرا لعدم الإصلاح وغير مندرج في جنسه ، وقد صرح علماء المعاني بأن الجملتين اللتين بينهما كمال الاتصال الموجب للفصل ربما يلاحظ بينهما الانقطاع بوجه من الوجوه ، فتعطف إحداهما على الأخرى لتوسطهما حينئذ بين كمال الاتصال وكمال الانقطاع.

ألا ترى إلى ما قالوه في قوله تعالى في سورة البقرة : «يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ »(١) وفي سورة إبراهيم «وَيُذَبِّحُونَ »(٢) بالواو من أن طرح الواو في الآية الأولى يجعل تذبيح الأبناء بيانا ليسومونكم وتفسيرا للعذاب ، وإثباتها في الآية الثانية لملاحظة كون التذبيح فوق العذاب المتعارف وزائدا عليه ، فكأنه جنس آخر غير مندرج فيه.

« وأنه ليتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه » النوافل جميع الأفعال الغير الواجبة وأما تخصيصها بالصلوات المندوبة فعرف طار ، ومعنى محبة الله سبحانه للعبد هو كشف الحجاب عن قلبه وتمكينه من أن يطأ على بساط قربه فإن ما يوصف به سبحانه إنما يؤخذ باعتبار الغايات لا باعتبار المبادئ ، وعلامة حبه سبحانه للعبد

__________________

(١) الآية : ٤٩.

(٢) الآية : ٦.

٣٨٩

أحبه فإذا أحببته كنت إذا سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ولسانه الذي ينطق به ويده التي يبطش بها إن دعاني أجبته وإن سألني أعطيته

توفيقه للتجافي عن دار الغرور والترقي إلى عالم النور ، والأنس بالله والوحشة عما سواه ، وصيرورة جميع الهموم هما واحدا.

قال بعض العارفين : إذا أردت أن تعرف مقامك فانظر فيما أقامك.

« فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به » إلخ أقول : تمسك بعض الصوفية والاتحادية والحلولية والملاحدة بظواهر تلك العبارات وأعرضوا عن بواطن هذه الاستعارات فضلوا وأضلوا ، مع أن عقل جميع أرباب العقول يحكم باستحالة اتخاذ شيء مع أشياء كثيرة متباينة الحقائق مختلفة الآثار ، وأيضا ما ذكروه من الكفر الصريح لا اختصاص له بالمحبين والعارفين ، بل يحكمون باتحاده تعالى بجميع أصناف الموجودات حتى الكلاب والخنازير والقاذورات سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا.

فهذه الأخبار نافية لمذاهبهم الفاسدة الخبيثة لا مثبتة لها ، ولها عند أهل الإيمان وأصحاب البيان وأرباب اللسان معان واضحة ظاهرة تقبلها الأذهان ومبنية على مجازات واستعارات شائعة في الحديث والقرآن ، ومشتملة على نكأت بليغة استحسنها أرباب المعاني ، ولا تنافي عقائد أهل الإيمان ، وهي كثيرة نومئ هنا إلى بعضها.

الأول : ما ذكره الشيخ البهائيقدس‌سره وإن داهن في أول كلامه حيث قال : لأصحاب القلوب في هذا المقام كلمات سنية وإشارات سرية وتلويحات ذوقية تعطر مشام الأرواح وتحيي رميم الأشباح ، لا يهتدي إلى معناها ولا يطلع على مغراها إلا من أتعب بدنه في الرياضات وعنى نفسه بالمجاهدات حتى ذاق مشربهم وعرف مطلبهم ، وأما من لم يفهم تلك الرموز ولم يهتد إلى هاتيك الكنوز لعكوفه على الحظوظ الدنية وانهماكه في اللذات البدنية فهو عند سماع تلك الكلمات على خطر

٣٩٠

عظيم من التردي في غياهب الإلحاد والوقوع في مهاوي الحلول والاتحاد ، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ، ونحن نتكلم في هذا المقام بما يسهل تناوله على الأفهام.

فنقول : هذا مبالغة في القرب وبيان لاستيلاء سلطان المحبة على ظاهر العبد وباطنه وسره وعلانيته ، فالمراد والله أعلم : إني إذا أحببت عبدي جذبته إلى محل الأنس وصرفته إلى عالم القدس وصيرت فكره مستغرقا في أسرار الملكوت وحواسه مقصورة على اجتلاء أنوار الجبروت ، فيثبت حينئذ في مقام القرب قدمه ويمتزج بالمحبة لحمه ودمه ، إلى أن يغيب عن نفسه ويذهل عن حسه فيتلاشى الأغيار في نظره حتى أكون له بمنزلة سمعه وبصره كما قال من قال :

جنوني فيك لا يخفى

وناري منك لا تخبو

فأنت السمع والأبصار

والأركان والقلب

وقالرحمه‌الله : « يبطش بها » بالكسر والضم أي يأخذ بها ، وأصل البطش الأخذ بالعنف والسطوة ، انتهى.

الثاني : ما قيل : المعنى أني إذا أحببته كنت كسمعه وبصره في سرعة الإجابة فقوله : إن دعاني أجبته ، إشارة إلى وجه التشبيه يعني إني أجيبه سريعا إن دعاني إلى مقاصده كما يجيبه سمعه عند إرادته سماع المسموعات ، وبصره عند إرادته أبصار المبصرات ، وهذا مثل قول الناس المعروف بينهم : فلان عيني ونور بصري ويدي وعضدي ، وإنما يريدون به التشبيه في معنى من المعاني المناسبة للمقام ، ويسمون هذا تشبيها بليغا بحذف الأداة مثل زيد أسد.

الثالث : أن المعنى أنه تعالى هو المطلوب لهذا العبد عند سمعه للمسموعات وبصره للمبصرات وهكذا ، يعني مني يسمع المسموعات وبها يرجع إلى ، والمقصود أنه يبتدئ بي في سماع المسموعات وينتهي إلى ، فلا يصرف شيئا من جوارحه فيما ليس فيه رضاي ، وإليه أشار بعضهم بقوله : ما رأيت شيئا إلا ورأيت الله قبله أو

٣٩١

بعده أو معه.

وأقول : على هذا يرجع الحمل إلى المبالغة في السببية أو الغائية ، ويؤيده ما ورد في رواية أخرى فبي يسمع وبي يبصر وبي يمشي وبي ينطق.

الرابع : أنه لكثرة تخلقه بأخلاق ربه ووفور حبه لجناب قدسه تخلى عن محبته وإرادته ، فلا يسمع إلا ما يحبه تعالى ، ولا ينظر إلا إلى ما يحبه تعالى ، ولا يبطش إلا إلى ما يوصل إلى قربه سبحانه ، وقريب منه ما قيل : لا يسمع إلا بحق وإلى حق ولا ينظر إلا بحق وإلى حق ، ولا يبطش إلا بإذن الحق ولا يمشي إلا إلى ما يرضى به الحق وهو المحق الولي والمؤمن حقا الذي انزاح عنه كل باطل وصار واقفا مع الحق ، وهو قريب من الوجه الثالث.

الخامس : ما ظهر لي في بعض المقامات وهو أظهر عندي من سائر الوجوه ، وتفصيله يحتاج إلى بسط وسيع في الكلام لا يسعه هذا المقام ، ومحصله أنه سبحانه أودع في بدن الإنسان وقلبه وروحه قوي ضعيفة هي في معرض الانحلال والاختلال والانقضاء والفناء ، فإذا اكتفي بها وصرفها في شهوات النفس والهوى تفنى كلها ، ولا يبقى معه شيء منها ومن ثمراتها إلا الحسرة والندامة ، وإذا استعملها في طاعة ربه وصرفها في طاعة محبوبة أبدله الله خيرا منها ، وأقوى وأبقى تكون معه في الدنيا والعقبى ، لقوله تعالى : «لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ »(١) فمنها قوة السمع إذا بذلها في طاعة النفس والشيطان ، وما يلهى عن الرحمن ، بطل سمعهم الروحاني وهذا السمع الجسماني في معرض الفناء ولذا قال سبحانه فيهم : «أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً »(٢) .

فهم صم بكم عمي في الدنيا والآخرة ، فمثلهم كمثل الذي ينعق بما لا يسمع

__________________

(١) سورة إبراهيم : ٧.

(٢) سورة الفرقان : ٤٤.

٣٩٢

إلا دعاء ونداءا فهم في الدنيا أيضا كذلك ، فإذا بطل بالموت حسهم لم يبق لهم إلا الضلال والوبال ، وإذا صرفها في طاعة ربه أبدله الله سمعا كاملا روحانيا لا يذهب بالصمم ولا بالموت ، فهو يسمع كلام الملائكة ويصغي إلى خطاب الرب تعالى في الآخرة والأولى ، ويفهم كلام الله وكلام الأنبياء والأوصياءعليهم‌السلام ، فما منحه الله تعالى سمع قلبي روحاني لا يضعف بضعف البدن ولا يذهب بالموت ، وبه يسمع في القبر الخطاب ويعد الجواب ، ويناديهم الحبيب كما نادى الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أهل القليب.

وكذا أودع الله سبحانه حسا ضعيفا في البصر فإذا صرفه في مشتهيات نفسه ذهب الله بنوره وأعمى عين قلبه فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا ، وإذا بذله في طاعة ربه نور الله عين قلبه وأعطى بصره نورا أعلى وأقوى فيه ينظر إلى الملكوت الأعلى ويتوسم في وجوه الخلق ما لا يعرف غيره ، ويرى الملائكة الروحانيين كما قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله ، وقال تعالى : «إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ »(١) .

وكذا قوة البطش البدنية إذا صرفها في طاعة الله وقربه ونهكها بالرياضات الحقة أعطاه الله قوة روحانية لا تضعف بالأمراض ، ولا تذهب بالموت فيها يقدر على التصرف في عالم الملك والملكوت ، كما قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : ما قلعت باب خيبر بقوة جسمانية بل بقوة ربانية.

وكذا النطق إذا صدق فيه وكان موافقا لعمله ومصادفا لرضا ربه فتح الله به ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه فظهر معنى قوله سبحانه : كنت سمعه وبصره ، وغير ذلك على ألطف الوجوه لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.

السادس : ما هو أرفع وأوقع وأحلى وأدق وألطف وأخفى مما مضى ، وهو أن العارف لما تخلى من شهواته وإرادته وتجلى محبة الحق على عقله وروحه ومسامعه

__________________

(١) سورة الحجر : ٧٥.

٣٩٣

ومشاعره وفوض جميع أموره إليه وسلم ورضي بكل ما قضى ربه عليه يصير الرب سبحانه متصرفا في عقله وقلبه وقواه ، ويدبر أموره على ما يحبه ويرضاه ، فيريد الأشياء بمشية مولاه كما قال سبحانه مخاطبا لهم : «وَما تَشاؤُنَ إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللهُ »(١) كما ورد في تأويل هذه الآية في غوامض الأخبار عن معادن الحكم والأسرار والأئمة الأخيار.

وروي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : قلب المؤمن بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء.

وكذلك يتصرف ربه الأعلى منه في سائر الجوارح والقوي ، كما قال سبحانه مخاطبا لنبيه المصطفى : «وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى »(٢) وقال تعالى : «إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللهَ يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ »(٣) فلذلك صارت طاعتهم طاعة الله ومعصيتهم معصية الله ، فاتضح بذلك معنى قوله تعالى : كنت سمعه وبصره وأنه به يسمع ويبصر فكذا سائر المشاعر تدرك بنوره وتنويره ، وسائر الجوارح تتحرك بتيسيره وتدبيره ، كما قال تعالى : «فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى »(٤) .

وقريب منه ما ذكره الحكماء في اتصال النفس بالعقول المفارقة ، والأنوار المجردة على زعمهم حيث قالوا : قد تصير النفس لشدة اتصالها بالعقل الفعال بحيث يصير العقل بمنزلة الروح للنفس ، والنفس بمنزلة البدن للعقل ، فيلاحظ المعقولات في لوح العقل ويدبر العقل نفسه كتدبير النفس للبدن ، ولذا يظهر منه الغرائب التي يعجز عنها سائر الناس كإحياء الموتى وشق القمر وأمثالهما.

قال صاحب الشجرة الإلهية : كما أن في النفس في حال التعلق بالبدن تتوهم أنها هي البدن أو أنها فيه وإن لم تكن هو ولا فيه ، فكذلك النفس الكاملة إذا

__________________

(١) سورة الإنسان : ٣٠.

(٢) سورة الأنفال : ١٧.

(٣) سورة الفتح : ١٠.

(٤) سورة الليل : ٧.

٣٩٤

فارقت البدن وقطعت تعلقها من شدة قوتها ونوريتها وعلاقتها العشقية مع نور الأنوار والأنوار العقلية ، تتوهم أنها هي فتصير الأنوار مظاهرا لنفوس المفارقة كما كانت الأبدان أيضا ، فهذا هو معنى الاتحاد لا بمعنى صيرورة الشيئين شيئا واحدا فإنه باطل ، انتهى.

وما ذكرنا أوفق بالكتاب والسنة وأنسب بالحق ومصطلحات أهله ولا يتوقف على إثبات ما نفته الشريعة من العقول المفارقة القديمة وغيرها ، وكثيرا ما يشتبه الحق بالباطل كما اشتبه على كثير من الأوائل.

قال المحقق الطوسي قدس الله روحه القدوسي : العارف إذا انقطع عن نفسه واتصل بالحق رأى كل قدرة مستغرقة في قدرته المتعلقة بجميع المقدورات ، وكل علم مستغرقا في علمه الذي لا يعزب عنه شيء من الموجودات ، وكل إرادة مستغرقة في إرادته التي لا يتأبى عنها شيء من الممكنات ، بل كل وجود وكل كمال وجود فهو صادر عنه فائض من لدنه.

فصار الحق حينئذ بصره الذي يبصر به ، وسمعه الذي به يسمع ، وقدرته التي بها يفعل ، وعلمه الذي به يعلم ، وجوده الذي به يجود ، فصار العارف حينئذ متخلقا بأخلاق الله في الحقيقة.

وقال بعض المحققين في شرح هذا الخبر أيضا : معنى محبة الله كشفه الحجاب عن قلبه وتمكينه إياه من قربه ، ومعنى المحبة من العبد ميل نفسه إلى الشيء لكمال إدراكه فيه بحيث يحملها على ما يقربها إليه ، فإذا علم العبد أن الكمال الحقيقي ليس إلا لله ، وأن كل ما يراه كمالا من نفسه أو من غيره فهو من الله وبالله وإلى الله لم يكن حبه إلا لله وفي الله ، وذلك يقتضي إرادة طاعته والرغبة فيما يقربه إليه واتباعه من كان وسيلة له إلى معرفته ومحبته ، قال الله تعالى لرسوله : «قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ »(١) فإن بمتابعة الرسول في عبادته

__________________

(١) سورة آل عمران : ٣١.

٣٩٥

وسيرته وأخلاقه وأحواله ونوافله ، يحصل القرب إلى الله ، وبالقرب يحصل محبة الله إياه.

وقال بعض العارفين بزعمه : إذا تجلى الله سبحانه بذاته لأحد يرى كل الذوات والصفات والأفعال متلاشية في أشعة ذاته وصفاته وأفعاله ، ويجد نفسه مع جميع المخلوقات كأنها مدبرة لها وهي أعضاؤها ولا يلم بواحد منها شيء إلا ويراه ملما به ، ويرى ذاته الذات الواحدة ، وصفته صفتها ، وفعله فعلها لاستهلاكه بالكلية في عين التوحيد ، وليس للإنسان وراء هذه الرتبة مقام في التوحيد.

ولما انجذب بصيرة الروح إلى مشاهدة جمال الذات استتر نور العقل الفارق بين الأشياء في غلبة نور الذات القديمة ، وارتفع التميز بين القدم والحدوث لزهوق الباطل عند مجيء الحق.

وقيل : إلى هذا المعنى يشير ما ورد في الحديث النبوي : علي ممسوس في ذات الله ، ولعل هذا هو السر في صدور بعض الكلمات الغريبة من مولانا أمير المؤمنينعليه‌السلام في خطبة البيان وأمثالها ، انتهى.

وأقول : الاكتفاء بما أسلفنا وأومأنا وترك الخوض في تلك المسالك الخطيرة أولى وأحوط وأحرى والله الموفق للهدي.

فائدة

قال في المصباح المنير : الأعضاء ثلاثة أقسام : الأول يذكر ولا يؤنث ، والثاني يؤنث ولا يذكر ، والثالث جواز الأمرين ، فعد من الأول الروح على الأشهر والوجه والرأس والحلق والشعر وقصاصه ، والفم والحاجب والصدغ والصدر واليافوخ واللحى والذهن والبطن والقلب والطحال والخصر والحشا والظهر والمرفق والزند والظفر والثدي والعصعص ، وكل اسم للفرج من الذكر والأنثى ، والكوع والكرسوع وشفر العين والجفن والهدب ، والحجارة والمأق والنخاع والمصير والناب والضرس

٣٩٦

٩ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن بعض أصحابه ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال من استذل مؤمنا واستحقره لقلة ذات يده ولفقره شهره الله يوم القيامة على رءوس الخلائق.

١٠ ـ علي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس ، عن معاوية ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لقد أسرى ربي بي فأوحى إلي من وراء الحجاب ما أوحى وشافهني إلى أن قال لي يا محمد من أذل لي وليا فقد أرصدني

والناجذ والضاحك والعارض واللسان وربما أنث.

وعد من الثاني العين ، وأول ما وقع فيه التذكير في الاستعمالات بوجوه ، والأذن والكبد والإصبع والعقب والساق والفخذ واليد والرجل والقدم والكف والضلع والذراع والسن.

وكذلك السن من الكبر والورك والأنملة واليمين والشمال والكرش.

وعد من الثالث العنق والعاتق والمعي والتذكير أكثر ، والإبط والعضد والعجز والنفس إن أريد بها الروح ، وإن أريد بها الإنسان نفسه فمذكر.

وطباع الإنسان التأنيث فيه أكثر ، ورحم المرأة مذكر ، وحكي فيه التأنيث ورحم القرابة أنثى وقد يذكر ، والذراع أنثى وقد تذكر.

الحديث التاسع : حسن كالصحيح.

« لقلة ذات يده » أي ما في يده من المال كناية عن فقره« شهره الله » على بناء المجرد أو التفعيل ، أي جعل له علامة سوء يعرفه جميع الخلائق بها أنه من أهل العقوبة فيفتضح بذلك في المحشر ، ويذل كما أذل المؤمن في الدنيا ، في القاموس :استذله رآه ذليلا ، وقال : الشهرة بالضم ظهور الشيء في شنعة ، شهره كمنعه وشهره واشتهره فاشتهر« على رؤوس الخلائق » أي على وجه يطلع عليه جميع الخلائق كأنه فوق رؤوسهم.

الحديث العاشر : صحيح.

« من وراء الحجاب » كان المراد بالحجاب الحجاب المعنوي ، وهو إمكان

٣٩٧

بالمحاربة ومن حاربني حاربته قلت يا رب ومن وليك هذا فقد علمت أن من حاربك حاربته قال لي ذاك من أخذت ميثاقه لك ولوصيك ولذريتكما بالولاية.

١١ ـ علي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس ، عن ابن مسكان ، عن معلى بن خنيس ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال الله عز وجل من استذل عبدي المؤمن فقد بارزني بالمحاربة وما ترددت في شيء أنا فاعله كترددي في عبدي المؤمن إني أحب لقاءه فيكره الموت فأصرفه عنه ـ وإنه ليدعوني في الأمر

العبد المانع لأن يصل العبد إلى حقيقة الربوبية ، أو كان خلق الصوت أولا من وراء حجاب ثم ظهر الصوت في الجانب الذي هو صلى الله عليه فيه ، وهو المراد بالمشافهة.

وفي بعض النسخ :فشافهني ، فيمكن أن يكون الفاء للتفسير وللترتيب المعنوي فكلاهما كان بالمشافهة ، والمراد بها عدم توسط الملك ، وقيل : المراد بالحجاب الملك وبالمشافهة ما كان بدون توسط الملك ، وفي القاموس : شافهه أدنى شفته من شفته ، وفي الصحاح : المشافهة المخاطبة من فيك إلى فيه.

قوله : إلى أن قال ، في بعض النسخ : فشافهني أن قال ، فكلمة « أن » مصدرية والتقدير بأن قال« فقد علمت » الفاء للبيان من أخذت كان المراد به الأخذ مع القبول.

الحديث الحادي عشر : مختلف فيه.

« فأصرفه عنه » أي فاصرف الموت عنه بتأخير أجله ، وقيل : أصرف كراهة الموت عنه بإظهار اللطف والكرامة والبشارة بالجنةفاستجيب له بما هو خير له أي بفعل ما خير له من الذي طلبه ، وإنما سماه استجابة لأنه يطلب الأمر لزعمه أنه خير له ، فهو في الحقيقة يطلب الخير ويخطأ في تعيينه ، وفي الآخرة يعلم أن ما أعطاه خير له مما طلبه ، كما إذا طلب الصبي المريض ما هو سبب لهلاكه فيمنعه

٣٩٨

فأستجيب له بما هو خير له.

( باب )

(من طلب عثرات المؤمنين وعوراتهم )

١ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن محمد بن سنان ، عن إبراهيم والفضل ابني يزيد الأشعري ، عن عبد الله بن بكير ، عن زرارة ، عن أبي جعفر وأبي عبد اللهعليه‌السلام قالا أقرب ما يكون العبد إلى الكفر أن يواخي الرجل على

والده ويعطيه دنانير فإذا كبر وعقل علم أن ما أعطاه خير مما منعه ، فكأنه استجاب له على أحسن الوجوه.

ويحتمل أن يكون المعنى : استجيب له بما أعلم أنه خير له ، إما بإعطاء المسؤول أو بدله في الدنيا أو في الآخرة أو فيهما.

باب من طلب عثرات المؤمنين وعوراتهم

الحديث الأول : ضعيف على المشهور.

« وأقرب » مبتدأ« وما » مصدرية ويكون من الأفعال التامة وإلى متعلق بأقرب ، وأن فيقوله : أن يؤاخي مصدرية ، وهو في موضع ظرف الزمان مثل رأيته مجيء الحاج ، وهو خبر المبتدأ ، والعثرة الكبوة في المشي أستعير للذنب مطلقا أو الخطإ منه ، وقريب منهالزلة ، ويمكن تخصيص إحداهما بالذنوب والأخرى بمخالفة العادات والآداب ، والتعنيف التعيير واللوم ، وهذا من أعظم الخيانة في الصداقة والأخوة.

ولذا قال بعض العارفين : لا بد من أن تأخذ صديقا معتمدا موافقا مأمونا شره ولا يحصل ذلك إلا بعد اعتبارك إياه قبل الصداقة آونة من الزمان في جميع أقواله وأفعاله مع بني نوعه ، ومع ذلك لا بد بعد الصداقة من أن تخفى كثيرا من أحوالك وأسرارك منه ، فإنه ليس بمعصوم فلعل بعد المفارقة منك لأمر قليل يوجب زوال

٣٩٩

الدين فيحصي عليه عثراته وزلاته ليعنفه بها يوما ما.

٢ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن النعمان ، عن إسحاق بن عمار قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يا معشر من أسلم بلسانه ولم يخلص الإيمان إلى قلبه لا تذموا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم فإنه من

الصداقة يعنفك بأمر تكرهه.

والمراد بإحصاء العثرات والزلات حفظها وضبطها في الخاطر أو الدفاتر ليعيره بها يوما من الأيام ، ويفهم منه أن كمال قربه من الكفر بمجرد الإحصاء بهذا القصد وإن لم يقع منه ، وقيل : وجه قربه من الكفر أن ذلك منه باعتبار عدم استقرار إيمانه في قلبه ، أو المراد بالكفر كفر نعمة الأخوة ، فهو مع هذا القصد قريب من الكفر بوقوع التعنيف ، بل ينبغي للأخ في الله إذا عرف من أخيه عثرة أن ينظر أولا إلى عثرات نفسه ويطهر نفسه عنها ، ثم ينصح أخاه بالرفق واللطف والشفقة ليترك تلك العثرات ، وتكمل الأخوة والصداقة.

ويمكن أن يكون المراد بتلك العثرات ما ينافي حسن الصحبة والعشرة ، وأما ما ينافي الدين من الذنوب فلا يعنفه على رؤوس الخلائق ، ولكن يجب عليه من باب النهي عن المنكر زجره عنها على الشروط والتفاصيل التي سنذكرها في محلها إن شاء الله تعالى.

الحديث الثاني : موثق وسنده الثاني ضعيف.

والمعشر الجماعة من الناس والجمع معاشر والإضافة من قبيل إضافة متعدد إلى جنسها ، وخلص إليه الشيء كنصر وصل ، وفيه دلالة على أن من أصر على المعاصي فهو كالمنافقين الذين قال الله تعالى فيهم : «قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ »(١) إذ لو دخل الإيمان قلبه واستقر فيه ظهرت آثاره في جوارحه وإن أمكن أن يكون الخطاب للمنافقين الذين كانوا

__________________

(١) سورة الحجرات : ١٤.

٤٠٠

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441