مرآة العقول الجزء ١٠

مرآة العقول17%

مرآة العقول مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 441

  • البداية
  • السابق
  • 441 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 15473 / تحميل: 7725
الحجم الحجم الحجم
مرآة العقول

مرآة العقول الجزء ١٠

مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

مستعتب وما بعدها من دار إلا الجنة أو النار.

١٠ ـ عنه ، عن أحمد ، عن ابن محبوب ، عن داود الرقي ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قول الله عز وجل : «وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ »(١) قال من علم أن الله يراه ويسمع

_________________________________________

الجوهري : الشباب الحداثة وكذلك الشبيبة وهو خلاف الشيب ، وفي بعض النسخ وفي الشيبة وهي كبر السن وابيضاض الشعر ، وعلى الأول وهو الأظهر المعنى وليعمل في سن الشباب قبل سن الشيخوخة لأنه قد لا يصل إلى الكبر ، وإن وصل فالعمل في الحالتين أفضل من العمل في حالة واحدة ، مع أن المرء في الشباب أقوى على العمل منه في المشيب ، وإذا صار العمل ملكة في الشباب تصير سببا لسهولة العمل عليه في المشيب وأيضا إذا أقبل على الطاعات في شبابه لا يتكدر ولا يرين مرآة قلبه بالفسوق والمعاصي وإذا أقبل على المعاصي وران قلبه بها فلما ينفك عنها ، ولو تركها قلما تصفو نفسه من كدوراتها ، وعلى الثاني المراد بالكبر سن الهرم والزمن أي ينبغي أن يغتنم أوائل الشيخوخة للطاعة قبل تعطل القوي وذهاب العقل ، فيكون قريبا من الفقرة الآتية« وفي الحياة قبل الممات » أي ينبغي أن يغتنم كل جزء من الحياة ولا يسوف العمل لاحتمال انقطاع الحياة بعده.

والمستعتب إما مصدر أو اسم مكان ، والاستعتاب الاسترضاء قال في النهاية : أعتبني فلان ، إذا عاد إلى مسرتي واستعتب طلب أن يرضى عنه كما يقول : استرضيته فأرضاني ، والمعتب المرضي ، ومنه الحديث : لا يتمنين أحدكم الموت إما محسنا فلعله يزداد ، وإما مسيئا فلعله يستعتب أي يرجع عن الإساءة ويطلب الرضا ، ومنه الحديث : ولا بعد الموت من مستعتب ، أي ليس بعد الموت من استرضاء لأن الأعمال بطلت وانقضى زمانها ، وما بعد الموت دار جزاء لا دار عمل والعتبي الرجوع عن الذنب والإساءة.

الحديث العاشر : مختلف فيه صحيح عندي.

«وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ » قال البيضاوي : أي موقفه الذي يقف فيه العباد للحساب

__________________

(١) سورة الرحمن : ٤٦.

٤١

ما يقول ويعلم ما يعمله من خير أو شر فيحجزه ذلك عن القبيح من الأعمال فذلك الذي «خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى ».

١١ ـ عنه ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن سنان ، عن ابن مسكان ، عن الحسن بن أبي سارة قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول لا يكون المؤمن مؤمنا حتى يكون خائفا راجيا ولا يكون خائفا راجيا حتى يكون عاملا لما يخاف ويرجو.

_________________________________________

أو قيامه على أحواله من قام عليه إذا راقبه أو مقام الخائف عند ربه للحساب بأحد المعنيين فأضاف إلى الرب تفخيما وتهويلا أو ربه مقام مقحم للمبالغة «جَنَّتانِ » جنة للخائف الإنسي وجنة للخائف الجني ، فإن الخطاب للفريقين والمعنى لكل خائفين منكما ، أو لكل أحد جنة لعقيدته وأخرى لعمله ، أو جنة لفعل الطاعات وأخرى لترك المعاصي ، أو جنة يثاب بها وأخرى يتفضل بها عليه ، أو روحانية وجسمانية ، انتهى.

وأقول : يحتمل أن يكون المراد جنة البرزخ وجنة الخلد أو اللذات المعنوية في الدنيا للمقربين وجنات الآخرة ،قوله : فذلك الذي ، إشارة إلى تفسير آية أخرى في النازعات تنبيها على تقارب مضمون الآيتين واتحاد الموصول في الموضعين وأن نهي النفس عن الهوى مراد في تلك الآية أيضا ، فإن الخوف بدون ترك المناهي ليس بخوف حقيقة ، ووحدة الجنة لا تنافي التثنية في الأخرى ، لأن المراد بها الجنس وأشارعليه‌السلام إلى أن الخوف تابع للعلم كما قال سبحانه : «إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ ».

الحديث الحادي عشر ضعيف على المشهور ، ويدل على أن كمال الإيمان منوط بالخوف والرجاء ، والخوف والرجاء لا يصدقان إلا بالعمل.

٤٢

١٢ ـ علي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس ، عن فضيل بن عثمان ، عن أبي عبيدة الحذاء ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال المؤمن بين مخافتين ذنب قد مضى لا يدري ما صنع الله فيه وعمر قد بقي لا يدري ما يكتسب فيه من المهالك فهو لا يصبح إلا خائفا ولا يصلحه إلا الخوف.

١٣ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن بعض أصحابه ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال كان أبيعليه‌السلام يقول إنه ليس من عبد مؤمن إلا وفي قلبه نوران نور خيفة ونور رجاء لو وزن هذا لم يزد على هذا ولو وزن هذا لم يزد على هذا.

باب

حسن الظن بالله عز وجل

١ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن محبوب ، عن داود بن كثير ، عن أبي عبيدة الحذاء ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال الله تبارك وتعالى لا يتكل العاملون على أعمالهم التي يعملونها لثوابي فإنهم لو اجتهدوا وأتعبوا أنفسهم أعمارهم في عبادتي كانوا مقصرين غير بالغين في عبادتهم كنه عبادتي فيما يطلبون عندي من كرامتي والنعيم في جناتي ورفيع الدرجات العلى في جواري

_________________________________________

الحديث الثاني عشر : صحيح.

ويدل على أنه لا يصلح الإنسان ، ولا تنكسر شهواته إلا بالخوف منه تعالى.

الحديث الثالث عشر : حسن وقد مر مضمونه.

باب حسن الظن بالله عز وجل

الحديث الأول : مختلف فيه صحيح عندي ، وهو جزء من خبر قد مضى في باب الرضا.

٤٣

ولكن برحمتي فليثقوا وفضلي فليرجوا وإلى حسن الظن بي فليطمئنوا فإن رحمتي عند ذلك تدركهم ومني يبلغهم رضواني ومغفرتي تلبسهم عفوي فإني أنا الله الرحمن الرحيم وبذلك تسميت.

٢ ـ ابن محبوب ، عن جميل بن صالح ، عن بريد بن معاوية ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال وجدنا في كتاب عليعليه‌السلام أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال وهو على منبره والذي لا إله إلا هو ما أعطي مؤمن قط خير الدنيا والآخرة إلا بحسن ظنه بالله ورجائه له وحسن خلقه والكف عن اغتياب المؤمنين والذي لا إله إلا هو لا يعذب الله مؤمنا بعد التوبة والاستغفار إلا بسوء ظنه بالله وتقصيره من رجائه وسوء خلقه واغتيابه للمؤمنين والذي لا إله إلا هو لا يحسن ظن عبد مؤمن بالله إلا كان الله عند ظن عبده المؤمن لأن الله كريم بيده الخيرات يستحيي أن يكون عبده المؤمن قد أحسن به الظن ثم يخلف ظنه ورجاءه فأحسنوا بالله الظن وارغبوا إليه.

_________________________________________

الحديث الثاني : صحيح ومعلق على الخبر السابق.

قوله عليه‌السلام : إلا بحسن ظنه قيل : معناه حسن ظنه بالغفران إذا ظنه حين يستغفر ، وبالقبول إذا ظنه حين يتوب وبالإجابة إذا ظنه حين يدعو ، وبالكفاية إذا ظنها حين يستكفي ، لأن هذه صفات لا تظهر إلا إذا حسن ظنه بالله تعالى وكذلك تحسين الظن بقبول العمل عند فعله إياه ، فينبغي للمستغفر والتائب والداعي والعامل أن يأتوا بذلك موقنين بالإجابة بوعد الله الصادق ، فإن الله تعالى وعد بقبول التوبة الصادقة والأعمال الصالحة ، وأما لو فعل هذه الأشياء وهو يظن أن لا يقبل ولا ينفعه فذلك قنوط من رحمة الله تعالى والقنوط كبيرة مهلكة ، وأما ظن المغفرة مع الإصرار وظن الثواب مع ترك الأعمال فذلك جهل وغرور يجر إلى مذهب المرجئة ، والظن هو ترجيح أحد الجانبين بسبب يقتضي الترجيح ، فإذا خلا عن سبب فإنما هو غرور وتمن للمحال.

٤٤

٣ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع ، عن أبي الحسن الرضاعليه‌السلام قال أحسن الظن بالله فإن الله عز وجل يقول أنا عند ظن عبدي المؤمن بي إن خيرا فخيرا وإن شرا فشرا.

٤ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن القاسم بن محمد ، عن المنقري ، عن سفيان بن عيينة قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول حسن الظن بالله أن لا ترجو إلا الله ولا تخاف إلا ذنبك.

باب

الاعتراف بالتقصير

١ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب ، عن سعد بن أبي خلف ، عن أبي الحسن موسىعليه‌السلام قال قال لبعض ولده يا بني عليك بالجد لا تخرجن نفسك من حد التقصير في عبادة الله عز وجل وطاعته فإن الله

_________________________________________

الحديث الثالث : صحيح.

« أنا عند ظن عبدي » هذا الخبر مروي من طرق العامة أيضا ، وقال الخطابي : معناه أنا عند ظن عبدي في حسن عمله وسوء عمله ، لأن من حسن عمله حسن ظنه ومن ساء عمله ساء ظنه.

الحديث الرابع : ضعيف.

وفيه إشارة إلى أن حسن الظن بالله ليس معناه ومقتضاه ترك العمل والاجتراء على المعاصي اتكالا على رحمة الله ، بل معناه أنه مع العمل لا يتكل على عمله وإنما يرجو قبوله من فضله وكرمه ، ويكون خوفه من ذنبه وقصور عمله لا من ربه فحسن الظن لا ينافي الخوف ، بل لا بد من الخوف وضمه مع الرجاء وحسن الظن كما مر.

باب الاعتراف بالتقصير

الحديث الأول : صحيح.

« لا تخرجن نفسك من حد التقصير » أي عد نفسك مقصرا في طاعة الله وإن

٤٥

لا يعبد حق عبادته.

٢ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن أبي عبد الله ، عن بعض العراقيين ، عن محمد بن المثنى الحضرمي ، عن أبيه ، عن عثمان بن زيد ، عن جابر قال قال لي أبو جعفرعليه‌السلام يا جابر لا أخرجك الله من النقص و [ لا ] التقصير.

٣ ـ عنه ، عن ابن فضال ، عن الحسن بن الجهم قال سمعت أبا الحسنعليه‌السلام يقول إن رجلا في بني إسرائيل عبد الله أربعين سنة ثم قرب قربانا فلم يقبل منه فقال لنفسه ما أتيت إلا منك وما الذنب إلا لك قال فأوحى الله تبارك وتعالى إليه ذمك لنفسك أفضل من عبادتك أربعين سنة.

_________________________________________

بذلت الجهد فيها ، فإن الله لا يمكن أن يعبد حق عبادته كما قال سيد البشر : ما عبدناك حق عبادتك.

الحديث الثاني : مجهول.

« عن بعض العراقيين » أي علماء الكوفة« لا أخرجك الله » أي وفقك الله لأن تعد عبادتك ناقصة ونفسك مقصرة أبدا.

الحديث الثالث : موثق.

والقربان بالضم ما يتقرب به إلى الله من هدى أو غيره ، وكانت علامة القبول في بني إسرائيل أن تجيء نار من السماء فتحرقه ، وقال في المغرب : من هناأتيت ، أي من هنا دخل البلاء عليك.

« فأوحى الله » يحتمل أن يكون ذلك الرجل نبيا ويحتمل أن يكون الوحي بتوسط نبي في ذلك الزمان ، مع أنه لم يثبت امتناع نزول الوحي على غير الأنبياء كما أن ظاهر الآية نزول الوحي على أم موسى.

قال الطبرسيقدس‌سره في قوله تعالى : «وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى » أي ألهمناها وقذفنا في قلبها وليس بوحي نبوة ، عن قتادة وغيره ، وقيل : أتاها جبرئيل بذلك ، عن مقاتل ، وقيل : كان هذا الوحي رؤيا منام عبر عنها من تثق به من علماء بني إسرائيل عن الجبائي.

٤٦

٤ ـ أبو علي الأشعري ، عن عيسى بن أيوب ، عن علي بن مهزيار ، عن الفضل بن يونس ، عن أبي الحسنعليه‌السلام قال قال أكثر من أن تقول ـ اللهم لا تجعلني من المعارين ولا تخرجني من التقصير ـ قال قلت أما المعارون فقد عرفت أن الرجل يعار الدين ثم يخرج منه فما معنى لا تخرجني من التقصير فقال كل عمل تريد به الله عز وجل فكن فيه مقصرا عند نفسك فإن الناس كلهم في أعمالهم فيما بينهم وبين الله مقصرون إلا من عصمه الله عز وجل.

_________________________________________

الحديث الرابع : مجهول.

« من المعارين » قال السيد الداماد قدس الله روحه : المعاري من يركب الفرس عريانا ، قال في القاموس : اعرورى سار في الأرض وحده وقبيحا أتاه ، وفرسه ركبه عريانا ، ونحن نعاري : نركب الخيل أعراء ، والمعني بالمعاري هيهنا : المتعبدون الذين يتعبدون لا على أسبغ الوجوه ، والطائعون الذين يلتزمون الطاعات ولكن لا على قصيا المراتب بل على ضرب من التقصير كالذين يركبون الخيل ولكن أعراء بلغنا الله تعالى أقصى المدى في طاعته ، انتهى.

ولعله « ره » غفل عن هذا الخبر وغيره مما سيأتي في باب المعارين فإنها صريحة في أنه مأخوذ من العارية.

« إلا من عصمه الله » أي من الأنبياء والأوصياءعليهم‌السلام فإنهم لا يقصرون في شرائط الطاعة بحسب الإمكان وإن كانوا أيضا يعدون أنفسهم مقصرين ، إظهارا للعجز والنقصان ولما يرون أعمالهم قاصرة في جنب ما أنعم الله عليهم من الفضل والإحسان إلا من عصمه الله من التقصير بالاعتراف بالتقصير.

٤٧

باب

الطاعة والتقوى

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، عن محمد أخي عرام ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال لا تذهب بكم المذاهب فو الله ما شيعتنا إلا من أطاع الله عز وجل.

٢ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن فضال ، عن عاصم بن حميد ، عن أبي حمزة الثمالي ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال خطب رسول اللهعليه‌السلام في حجة الوداع فقال يا أيها الناس والله ما من شيء يقربكم من الجنة ويباعدكم من النار إلا وقد أمرتكم به وما من شيء يقربكم من النار ويباعدكم من الجنة إلا وقد نهيتكم عنه ألا وإن الروح الأمين نفث في روعي أنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها

_________________________________________

باب الطاعة والتقوى

الحديث الأول : مجهول.

« لا يذهب بكم المذاهب » على بناء المعلوم والباء للتعدية وإسناد الإذهاب إلى المذاهب على المجاز فإن فاعله النفس أو الشيطان ، أي لا يذهبكم المذاهب الباطلة إلى الضلال والوبال أو على بناء المجهول أي لا يذهب بكم الشيطان في المذاهب الباطلة من الأماني الكاذبة والعقائد الفاسدة بأن تجترئوا على المعاصي اتكالا على دعوى التشيع والمحبة والولاية من غير حقيقة فإنه ليس شيعتهم إلا من شايعهم في الأقوال والأفعال لا من ادعى التشيع بمحض المقال.

الحديث الثاني : موثق كالصحيح.

والروح الأمين جبرئيل لأنه سبب لحياة النفوس بالعلم وأمين على وحي الله

٤٨

فاتقوا الله وأجملوا في الطلب ولا يحمل أحدكم استبطاء شيء من الرزق أن يطلبه بغير حله فإنه لا يدرك ما عند الله إلا بطاعته.

_________________________________________

إلى الرسل ، وفي النهاية : فيه :أن روح القدس نفث في روعي ، يعني جبرئيل أي أوحى وألقى ، من النفث بالضم وهو شبيه بالنفخ ، وهو أقل من التفل لأن التفل لا يكون إلا ومعه شيء من الريق ، في روعي أي في نفسي وخلدي ، انتهى.

« حتى تستكمل رزقها » أي تأخذ رزقها المقدر على وجه الكمال« فاتقوا الله » أي في خصوص طلب الرزق أو مطلقا« وأجملوا في الطلب » أي اطلبوا طلبا جميلا ولا يكن كدكم كدا فاحشا ، وفي المصباح أجملت في الطلب رفقت ، قال الشيخ البهائيقدس‌سره : يحتمل معنيين : الأول أن يكون المراد اتقوا الله في هذا الكد الفاحش أي لا تقيموا عليه ، كما تقول : اتق الله في فعل كذا أي لا تفعله ، والثاني : أن يكون المراد أنكم إذا اتقيتموه لا تحتاجون إلى هذا الكد والتعب ، ويكون إشارة إلى قوله تعالى : «وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ »(١) .

« ولا يحمل أحدكم » أي لا يبعثه ويحدوه ، والمصدر المسبوك من أن المصدرية ومعمولها منصوب بنزع الخافض ، أي لا يبعثكم استبطاء الرزق على طلبه من غير حله ، وسيأتي في خبر آخر : ولا يحملنكم استبطاء شيء من الرزق أن تطلبوه بشيء من معصية الله فإن الله تعالى قسم الأرزاق بين خلقه حلالا ولم يقسمها حراما فمن اتقى الله وصبر أتاه رزقه من حله ، ومن هتك حجاب ستر الله عز وجل وأخذه من غير حله قصر به من رزقه الحلال وحوسب عليه يوم القيامة.

وأقول : هذه الجمل كالتفسيرلقوله عليه‌السلام : فإنه لا يدرك ما عند الله ، أي من الثواب الجزيل والرزق الحلال إلا بطاعته في الأوامر والنواهي ، والحاصل أن

__________________

(١) سورة الطلاق : ٢.

٤٩

٣ ـ أبو علي الأشعري ، عن محمد بن سالم وأحمد بن أبي عبد الله ، عن أبيه جميعا ، عن أحمد بن النضر ، عن عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال قال لي يا جابر أيكتفي من انتحل التشيع أن يقول بحبنا أهل البيت فو الله ما شيعتنا إلا من اتقى الله وأطاعه وما كانوا يعرفون يا جابر إلا بالتواضع والتخشع والأمانة

_________________________________________

قوله : ما عند الله يحتمل الرزق الحلال والدرجات الأخروية والأعم والأول أوفق بالتعليل ، وكذا الثالث وإن كان الثاني أظهر في نفسه.

واعلم أن الرزق عند المعتزلة كلما صح الانتفاع به بالتغذي وغيره وليس لأحد منعه منه ، وليس الحرام عندهم رزقا ، والحديث يدل عليه ، وعند الأشاعرة كلما ينتفع به ذو حياة بالتغذي وغيره ، وإن كان حراما ، وخص بعضهم بالأغذية والأشربة ، وسيأتي تمام القول في ذلك في كتاب المكاسب إنشاء الله تعالى.

الحديث الثالث : ضعيف.

« من ينتحل التشيع » أي يدعيه من غير أن يتصف به ، في القاموس : انتحله وتنحله ادعاه لنفسه وهو لغيره« وما كانوا يعرفون » على بناء المجهول ، والضمير راجع إلى الشيعة أو إلى خيار العباد ، أي كان في زمن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأمير المؤمنين وسائر الأئمة الماضين صلوات الله عليهم يعرفون الشيعة بتلك الصفات فمن لم يكن فيه تلك الخلال لم يكونوا يعدونهم من الشيعة أو كانوا موصوفين معروفين باتصافهم بها« إلا بالتواضع » أي بالتذلل لله عند أو أمره ونواهيه ولأئمة الدين بتعظيمهم وإطاعتهم وللمؤمنين بتكريمهم وإظهار حبهم وعدم التكبر عليهم وحسن العشرة معهم والتخشع إظهار الخشوع وهو التذلل لله مع الخوف منه واستعمال الجوارح فيما أمر الله به ، وينسب إلى القلب وإلى الجوارح معا ، والأمانة ضد الخيانة أي أداء حقوق الله والخلق وعهودهم وترك الغدر والخيانة فيها ، وفي مجالس الشيخ والإنابة أي التوبة والرجوع إلى الله.

٥٠

وكثرة ذكر الله والصوم والصلاة والبر بالوالدين والتعاهد للجيران من الفقراء وأهل المسكنة والغارمين والأيتام وصدق الحديث وتلاوة القرآن وكف الألسن عن الناس إلا من خير وكانوا أمناء عشائرهم في الأشياء قال جابر فقلت يا ابن رسول الله ما نعرف اليوم أحدا بهذه الصفة فقال يا جابر لا تذهبن بك المذاهب حسب الرجل أن يقول أحب عليا وأتولاه ثم لا يكون مع ذلك فعالا فلو قال إني أحب رسول الله ـ فرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله خير من عليعليه‌السلام ثم لا يتبع سيرته ولا يعمل بسنته

_________________________________________

« وكثرة ذكر الله » باللسان والقلب ، والصوم عطف على الذكر ، والتعهد للجيران أي رعاية أحوالهم وترك إيذائهم ، وتحمل الأذى عنهم ، وعيادة مرضاهم وتشييع جنائزهم وعدم منع الماعون عنهم وسيأتي الخلاف في كون الفقير أسوأ حالا أو المسكين والتخصيص بهما لكون رعايتهما أهم وإلا يلزم رعاية الجيران مطلقا ، وفي المجالس : وتعاهد الجيران« والغارمين » إما عطف على الفقراء أو على الجيران« وكانوا أمناء عشائرهم » أي يأتمنونهم ويعتمدون عليهم في جميع الأشياء من الأموال والفروج وحفظ الأسرار ، والعشائر جمع العشيرة وهي القبيلة.

« حسب الرجل أن يقول » التركيب مثل حسبك درهم أي كافيك وحرف الاستفهام مقدر وهو على الإنكار أي لا يكفيه ذلك« فعالا » أي كثير الفعل لما يقتضيه اعتقاده من متابعة الأئمةعليهم‌السلام في جميع الأمور.

قوله : فرسول الله ، الظاهر أنها جملة معترضة ، وفي المجالس وبعض الكتب ورسول الله وهو أظهر ، فتكون جملة حالية ، ويحتمل أن يكون على النسختين عطفا على أحب ويكون داخلا في مقول القول ، أي لو قال المخالف إني أحب رسول الله وهو أفضل من علي فكما أنكم تتكلمون على حب عليعليه‌السلام أنا اتكل على حب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يمكنكم إلزامه بالجواب لأنكم إذا قلتم لا ينفعكم حب محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع مخالفته في القول بأوصيائه يمكنه أن يقول فكذا لا ينفعكم حب على

٥١

ما نفعه حبه إياه شيئا فاتقوا الله واعملوا لما عند الله ليس بين الله وبين أحد قرابة أحب العباد إلى الله عز وجل وأكرمهم عليه أتقاهم وأعملهم بطاعته يا جابر والله ما يتقرب إلى الله تبارك وتعالى إلا بالطاعة وما معنا براءة من النار ولا على الله لأحد من حجة من كان لله مطيعا فهو لنا ولي ومن كان لله عاصيا فهو لنا عدو وما تنال

_________________________________________

مع مخالفتكم له في الأقوال والأفعال.

« ليس بين الله وبين أحد قرابة » أي ليس بين الله وبين الشيعة قرابة حتى يسامحكم ولا يسامح مخالفيكم مع كونكم مشتركين معهم في مخالفته تعالى أو ليس بينه وبين عليعليه‌السلام قرابة حتى يسامح شيعة عليعليه‌السلام ، ولا يسامح شيعة الرسول ، والحاصل أن جهة القرب بين العبد وبين الله إنما هي بالطاعة والتقوى ، ولذا صار أئمتكم أحب الخلق إلى الله فلو لم تكن هذه الجهة فيكم لم ينفعكم شيء« وما معنا براءة من النار » أي ليس معنا صك وحكم ببراءتنا وبراءة شيعتنا من النار ، وإن عملوا بعمل الفجار.

« ولا على الله لأحد من حجة » أي ليس لأحد على الله حجة إذا لم يغفر له بأن يقول. كنت من شيعة علي ، فلم لم تغفر لي ، لأن الله لم يحتم بغفران من ادعى التشيع بلا عمل ، أو المعنى ليس لنا على الله حجة في إنقاذ من ادعى التشيع من العذاب ، ويؤيده أن في المجالس : وما لنا على الله حجة« من كان لله مطيعا » كأنه جواب عما يتوهم في هذا المقام أنهمعليهم‌السلام حكموا بأن شيعتهم وأولياءهم لا يدخلون النار ، فأجابعليه‌السلام بأن العاصي لله ليس بولي لنا ولا تدرك ولايتنا إلا بالعمل بالطاعات والورع عن المعاصي.

قيل : للورع أربع درجات : الأولى : ورع التائبين وهو ما يخرج به الإنسان من الفسق وهو المصحح لقبول الشهادة ، الثانية : ورع الصالحين وهو الاجتناب عن الشبهات خوفا منها ومن الوقوع في المحرمات ، الثالثة : ورع المتقين وهو ترك

٥٢

ولايتنا إلا بالعمل والورع.

٤ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ومحمد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان جميعا ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن الحكم ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إذا كان يوم القيامة يقوم عنق من الناس فيأتون باب الجنة فيضربونه فيقال لهم من أنتم فيقولون نحن أهل الصبر فيقال لهم على ما صبرتم فيقولون كنا نصبر على طاعة الله ونصبر عن معاصي الله فيقول الله عز وجل صدقوا أدخلوهم الجنة وهو قول الله عز وجل : «إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ »(١) .

_________________________________________

الحلال خوفا من أن ينجر إلى الحرام مثل ترك التحدث بأحوال الناس مخافة أن ينجر إلى الغيبة ، الرابع : ورع السالكين وهو الإعراض عما سواه تعالى خوفا من صرف ساعة من العمر فيما لا يفيد زيادة القرب منه تعالى وإن علم أنه ينجر إلى الحرام.

الحديث الرابع : حسن كالصحيح.

وفي النهاية :عنق ، أي جماعة من الناس وفي القاموس : العنق بالضم وبضمتين الجماعة من الناس والرؤساء «أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ » قيل : أي أجرا لا يهتدي إليه حساب الحساب ، ويظهر من الخبر أن المعنى أنهم لا يوقفون في موقف الحساب بل يذهب بهم إلى الجنة بغير حساب ، قال الطبرسي (ره) : لكثرته لا يمكن عده وحسابه ، وروى العياشي بالإسناد عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إذا نشرت الدواوين ونصبت الموازين لم ينصب لأهل البلاء ميزان ، ولم ينشر لهم ديوان ، ثم تلا هذه الآية : «إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ ».

__________________

(١) سورة الزمر : ١٠.

٥٣

٥ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن سنان ، عن فضيل بن عثمان ، عن أبي عبيدة ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال كان أمير المؤمنين صلوات الله عليه يقول لا يقل عمل مع تقوى وكيف يقل ما يتقبل.

٦ ـ حميد بن زياد ، عن الحسن بن محمد بن سماعة ، عن بعض أصحابه ، عن أبان ، عن عمرو بن خالد ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال يا معشر الشيعة شيعة آل محمد كونوا النمرقة الوسطى يرجع إليكم الغالي ويلحق بكم التالي فقال له رجل من الأنصار

_________________________________________

الحديث الخامس : ضعيف على المشهور.

« وكيف يقل ما يتقبل » لأن الله تعالى يقول : «إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ »(١) .

الحديث السادس : مرسل.

وقال الجوهري :النمرقة وسادة صغيرة وكذلك النمرقة بالكسر لغة حكاها يعقوب ، وربما سموا الطنفسة التي فوق الرحل نمرقة عن أبي عبيد ، وفي القاموس : النمرق والنمرقة مثلثة الوسادة الصغيرة أو المثيرة أو الطنفسة فوق الرحل ، والنمرقة بالكسر من السحاب ما كان بينه فتوق ، انتهى.

وكان التشبيه بالنمرقة باعتبار أنها محل الاعتماد ، والتقييد بالوسطى لكونهم واسطة بين الإفراط والتفريط ، أو التشبيه بالنمرقة الوسطى باعتبار أنها في المجالس صدر ومكان لصاحبه يلحق به ، ويتوجه إليه من على الجانبين ، وقيل : المراد كونوا أهل النمرقة الوسطى وقيل : المراد أنه كما كانت الوسادة التي يتوسد عليها الرجل إذا كانت رفيعة جدا أو خفيفة جدا لا تصلح للتوسد بل لا بد لها من حد من الارتفاع والانخفاض ، حتى يصلح لذلك ، كذلك أنتم في دينكم وأئمتكم لا تكونوا غالين تجاوزون بهم عن مرتبتهم التي أقامهم الله عليها وجعلهم أهلا لها وهي الإمامة

__________________

(١) سورة المائدة : ٢٧.

٥٤

يقال له سعد جعلت فداك ما الغالي قال قوم يقولون فينا ما لا نقوله في أنفسنا فليس أولئك منا ولسنا منهم قال فما التالي قال المرتاد يريد الخير يبلغه الخير يؤجر عليه ثم أقبل علينا فقال والله ما معنا من الله براءة ولا بيننا وبين الله

_________________________________________

والوصاية النازلتان عن الألوهية والنبوة كالنصارى الغالين في المسيح المعتقدين فيه الألوهية أو النبوة لآله ، ولا تكونوا أيضا مقصرين فيهم تنزلونهم عن مرتبتهم وتجعلونهم كسائر الناس أو أنزل ، كالمقصرين من اليهود في المسيح المنزلين له عن مرتبته ، بل كونوا كالنمرقة الوسطى وهي المقتصدة للتوسد « يرجع إليكم الغالي ويلحق بكم التالي ».

قوله عليه‌السلام : ما لا نقوله في أنفسنا ، كالألوهية وكونهم خالقين للأشياء والنبوة« المرتاد يريد الخير يبلغه الخير » كأنه من قبيل وضع الظاهر موضع المضمر أي يريد الأعمال الصالحة التي تبلغه أن يعملها ، ولكن لا يعمل بها يؤجر عليه بمحض هذه النية ، أو المعنى أنه المرتاد الطالب لدين الحق وكما له ، وقوله : يبلغه الخير ، جملة أخرى لبيان أن طالب الخير سيجده ويوفقه الله لذلك ، كما قال تعالى : «وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا »(١) وقوله : يؤجر عليه ، لبيان أنه بمحض الطلب مأجور ، وقيل : المرتاد الطالب للاهتداء الذي لا يعرف الإمام ، ومراسم الدين بعد يريد التعلم ونيل الحق ، يبلغه الخير بدل من الخير يعني يريد أن يبلغه الخير ليوجر عليه ، وقيل : المرتاد أي الطالب من ارتاد الرجل الشيء إذا طلبه ، والمطلوب أعم من الخير والشر ، فقوله : يريد الخير تخصيص وبيان للمعنى المراد هيهنا « يبلغه الخير » من الإبلاغ أو التبليغ وفاعله معلوم بقرينة المقام ، أي من يوصله إلى الخير المطلوب ثم يؤجر عليه لهدايته وإرشاده.

وأقول : على هذا يمكن أن يكون فاعله الضمير الراجع إلى النمرقة لما فهم

__________________

(١) سورة العنكبوت : ٦٩.

٥٥

قرابة ولا لنا على الله حجة ولا نتقرب إلى الله إلا بالطاعة فمن كان منكم مطيعا لله تنفعه ولايتنا ومن كان منكم عاصيا لله لم تنفعه ولايتنا ويحكم لا تغتروا ويحكم لا تغتروا.

٧ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن عثمان بن عيسى ، عن مفضل بن عمر قال كنت عند أبي عبد اللهعليه‌السلام فذكرنا الأعمال فقلت أنا ما أضعف

_________________________________________

سابقا أنه يلحق التالي بنفسه ، وقيل : جملة يريد الخير صفة المرتاد ، إذ اللام للعهد الذهني وهو في حكم النكرة ، وجملة « يبلغه » إما على المجرد من باب نصر أو على بناء الأفعال أو التفعيل استئناف بياني ، وعلي الأول الخير مرفوع بالفاعلية إشارة إلى أن الدين الحق لوضوح براهينه كأنه يطلبه ويصل إليه ، وعلي الثاني والثالث الضمير راجع إلى مصدر يريد ، والخير منصوب ويؤجر عليه استئناف للاستئناف الأول لدفع توهم أن لا يؤجر لشدة وضوح الأمر ، فكأنه اضطر إليه وأكثر الوجوه لا تخلو من تكلف ، وكان فيه تصحيفا وتحريفا.

« ولا لنا علي الله حجة » أي بمحض قرابة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من غير عمل لأنفسنا ، ولا لتخليص شيعتنا« ولا نتقرب » بصيغة المتكلم أو الغائب المجهول« ويحكم لا تغتروا » في القاموس ويح لزيد وويحا له كلمة رحمة ورفعه على الابتداء ، ونصبه بإضمار فعل وويح زيد وويحه نصبهما به أيضا أو أصله وي فوصلت بحاء مرة وبلام مرة ، وبياء مرة وبسين مرة ، وفي النهاية : ويح كلمة ترحم وتوجع يقال لمن وقع في هلكة لا يستحقها وقد يقال بمعنى المدح والتعجب وهي منصوبة على المصدر ، وقد ترفع وتضاف ولا تضاف ، يقال : ويح زيد وويحا له وويح له ، انتهى.

الحديث السابع : ضعيف على المشهور معتبر.

« فذكرنا الأعمال » أي قلتها وكثرتها أو مدخليتها في الإيمان« ما أضعف » على صيغة تعجب كما هو الظاهر ، أو ما نافية وأضعف بصيغة المتكلم أي ما أعد

٥٦

عملي فقال مه استغفر الله ثم قال لي إن قليل العمل مع التقوى خير من كثير العمل بلا تقوى قلت كيف يكون كثير بلا تقوى قال نعم مثل الرجل يطعم طعامه ويرفق جيرانه ويوطئ رحله فإذا ارتفع له الباب من الحرام دخل فيه

_________________________________________

عملي ضعيفا ، وعلى الأول يتوهم في نهيهعليه‌السلام عنه وأمره بالاستغفار منافاة لما مر في الأخبار من ترك العجب والاعتراف بالتقصير.

ويمكن الجواب عنه بوجوه : « الأول » ما قيل : أن النهي للفتوى بغير علم لا للاعتراف بالتقصير.

الثاني : أنه كان ذلك لاستشمامه منه رائحة الاتكال علي العمل ، مع أن العمل هين جدا في جنب التقوى لاشتراط قبوله بها ، ولذا نبهه على ذلك ، والحاصل أنه لما كان كلامه مبنيا على أن المدار علي قلة العمل وكثرته نهاه عن ذلك.

الثالث : ما قيل أن الأقوال والأفعال يختلف حكمها باختلاف النيات والقصود ، وهو لم يقصد بهذا القول أن عمله ضعيف قليل بالنظر إلى عظمة الحق وما يستحقه من العبادة وإنما قصد به ضعفه وقلته لذاته ، وبينهما فرق ظاهر والأول هو الاعتراف بالتقصير دون الثاني.

الرابع : أنهعليه‌السلام لما علم أن المفضل يعتد بعمله ويعده كثيرا وإنما يقول ذلك تواضعا وإخفاء للعمل نهاه عن ذلك ، وفي القاموس :رفق فلانا نفعه كأرفقه ووطئ الرجل كناية عن كثرة الضيافة قال في القاموس : رجلموطأ الأكناف كمعظم سهل دمث كريم مضياف ، أو يتمكن في ناحيته صاحبه غير مؤذى ولا ناب به موضعه ، وفي النهاية في قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أحاسنكم أخلاقا الموطئون أكنافا ، هذا مثل وحقيقته من التوطئة وهي التمهيد والتذليل ، وفراش ووطؤ لا يؤذي جنب النائم والأكناف الجوانب ، أراد الذين جوانبهم وطئة يتمكن فيها من يصاحبهم ، ولا

٥٧

فهذا العمل بلا تقوى ويكون الآخر ليس عنده فإذا ارتفع له الباب من الحرام لم يدخل فيه.

٨ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن أبي داود المسترق ، عن محسن الميثمي ، عن يعقوب بن شعيب قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول ما نقل الله عز وجل عبدا من ذل المعاصي إلى عز التقوى إلا أغناه من غير مال وأعزه من غير عشيرة وآنسه من غير بشر.

باب الورع

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن أبي المغراء ، عن زيد الشحام ، عن عمرو بن سعيد بن هلال الثقفي ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قلت له إني لا ألقاك إلا في السنين فأخبرني بشيء آخذ به فقال أوصيك بتقوى الله والورع

_________________________________________

يتأذى ، انتهى.

وقيل : توطئة الرجل كناية عن التواضع والتذلل.

« فإذا ارتفع له الباب من الحرام » أي ظهر له ما يدخله في الحرام من مال حرام أو فرج حرام وغير ذلك« ليس عنده » أي العمل الكثير الذي كان عند صاحبه.

الحديث الثامن : ضعيف على المشهور.

« وآنسه من غير بشر » أي من غير أنيس من البشر بل الله مؤنسه كما قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : اللهم إنك أنس الآنسين بأوليائك.

باب الورع

الحديث الأول : مجهول كالحسن.

ولعل المرادبالتقوى ترك المحرمات وبالورع ترك الشبهات بل بعض المباحات

٥٨

والاجتهاد واعلم أنه لا ينفع اجتهاد لا ورع فيه.

٢ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسن بن محبوب ، عن حديد بن حكيم قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول اتقوا الله وصونوا دينكم بالورع.

٣ ـ أبو علي الأشعري ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن صفوان بن يحيى ، عن يزيد بن خليفة قال وعظنا أبو عبد اللهعليه‌السلام فأمر وزهد ثم قال عليكم بالورع فإنه لا ينال ما عند الله إلا بالورع.

٤ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن ابن فضال ، عن أبي جميلة ، عن ابن أبي يعفور ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال لا ينفع اجتهاد لا ورع فيه.

٥ ـ عنه ، عن أبيه ، عن فضالة بن أيوب ، عن الحسن بن زياد الصيقل ، عن

_________________________________________

وبالاجتهاد بذل الجهد في فعل الطاعات ، يقال : وقاه الله السوء يقيه وقاية ، أي حفظه واتقيت الله اتقاء أي حفظت نفسي من عذابه أو من مخالفته ، والتقوى اسم منه والتاء مبدلة من واو ، والأصل وقوي من وقيت لكن أبدل ولزمت التاء في تصاريف الكلمة ، وفي النهاية : فيه ملاك الدين الورع ، الورع في الأصل الكف عن المحارم والتحرج منه ، يقال : ورع الرجل يرع بالكسر فيهما ورعا ورعة فهو ورع ، وتورع من كذا ثم أستعير للكف عن المباح والحلال« لا ينفع » أي نفعا كاملا.

الحديث الثاني : صحيح ، ويدل على أن ترك الورع عن المحرمات يصير الإيمان بمعرض الضياع والزوال ، فإن فعل الطاعات وترك المعاصي حصون للإيمان من أن يذهب به الشيطان.

الحديث الثالث : ضعيف بيزيد لأنه واقفي لكن فيه مدح« فأمر » أي بالطاعات وما يوجب الفوز بأرفع الدرجات ، و« زهد » على بناء التفعيل أي أمر بالزهد في الشيء وعن الشيء خلاف الترغيب فيه.

الحديث الرابع : ضعيف وقد مر.

الحديث الخامس : مجهول.

٥٩

فضيل بن يسار قال قال أبو جعفرعليه‌السلام إن أشد العبادة الورع.

٦ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع ، عن حنان بن سدير قال قال أبو الصباح الكناني ـ لأبي عبد اللهعليه‌السلام ما نلقى من الناس فيك فقال أبو عبد اللهعليه‌السلام وما الذي تلقى من الناس في فقال لا يزال يكون بيننا وبين الرجل الكلام فيقول جعفري خبيث فقال يعيركم الناس بي فقال له أبو الصباح نعم قال فقال ما أقل والله من يتبع جعفرا منكم إنما أصحابي من اشتد ورعه وعمل لخالقه ورجا ثوابه فهؤلاء أصحابي.

٧ ـ حنان بن سدير ، عن أبي سارة الغزال ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال قال الله عز وجل ابن آدم اجتنب ما حرمت عليك تكن من أورع الناس.

_________________________________________

« إن أشد العبادة الورع » إذ ترك المحرمات أشق على النفس من فعل الطاعات وأفضل الأعمال أحمزها.

الحديث السادس : موثق.

وكان فيه نوع ذم لأبي الصباح وإن كان ثقة ، قال الشيخ البهائيرحمه‌الله : يعلم منه أنه لم يرتضعليه‌السلام ما قاله أبو الصباح ، لما فيه من الخشونة وسوء الأدب« وعمل لخالقه » أي أخلص العمل لله« ورجا ثوابه » كأنه إشارة إلى أن رجاء الثواب إنما يحسن مع الورع والطاعة وإلا فهو غرور كما مر ، وإلى أنه مع العمل أيضا لا ينبغي اليقين بالثواب لكثرة آفات العمل ، ويمكن أن يكون ما ذكرهعليه‌السلام إيماء إلى أن ما تسمعون من المخالفين إنما هو لعدم الطاعة إما بترك الطاعات والأعمال الرضية أو لترك ما أمرتكم به من التقية.

الحديث السابع : مجهول.

وكانالأورع بالنسبة إلى من يجتنب المكروهات ويأتي بالسنن ويجترئ على

٦٠

الخمر لأن الله عز وجل نهى عنها كما نهى عن عبادة الأوثان وترك الصلاة متعمدا

أيها الشهود أو المديونون ، وشهادتهم إقرارهم على أنفسهم «وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ » أي يأثم قلبه أو قلبه يأثم ، والجملة خبر إن وإسناد الإثم إلى القلب لأن الكتمان تقترفه ، ونظيره : العين زانية والأذن زانية ، أو للمبالغة لأنه رئيس الأعضاء وأفعاله أعظم الأفعال ، وكأنه قيل : تمكن الإثم في نفسه وأخذ أشرف أجزائه وفاق سائر ذنوبه.

وقال الطبرسي (ره) : أضاف الإثم إلى القلب وإن كان الإثم للجملة لأن اكتساب الإثم بكتمان الشهادة يقع بالقلب لأن العزم على الكتمان إنما يقع به ، ولأن إضافة الإثم إلى القلب أبلغ في الذم كما أن إضافة الإيمان إلى القلب أبلغ في المدح ، قال سبحانه : «أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ »(١) انتهى.

وأقول : ثاني الوجهين اللذين ذكراه أوفق بالخبر ، فإن تلك المبالغة مما يستلزم وعيد العذاب والعقاب ، فإنها تشعر بأنها أفحش من أكثر الذنوب ، ويؤثر في القلب الذي هو محل العقائد ويفسده.

ثم اعلم أنهعليه‌السلام ذكرشهادة الزور ولم يستدل على كونها كبيرة بشيء ، ويحتمل وجهين « أحدهما » أنها تدل عليها أيضا لأن شهادة الزور إنما تكون غالبا مع العلم بخلافه ، فمن شهد بالزور فقد كتم الشهادة التي عنده « وثانيهما » أنها تدل عليها بالطريق الأولى ، إذ لو كان كتمان الحق والسكون عنه كبيرة كان إظهار خلاف الحق والتكلم به أولى بذلك ، ولذا لم يستدل بقوله تعالى : «وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ »(٢) لأنه لا يدل على التحريم فضلا عن كونه من الذنوب العظيمة ، مع أنه يحتمل أن يكون المراد به لا يحضرون مجالس الباطل بل هو الأظهر ، وقال به الأكثر ، وعن الصادقينعليهما‌السلام أنه الغناء ولا بقوله تعالى : «فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ »(٣) لأنه لا يدل على أكثر من

__________________

(١) سورة المجادلة : ٢٢.

(٢) سورة الفرقان : ٧٢.

(٣) سورة الحجّ : ٣٠.

٦١

أو شيئا مما فرض الله لأن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال من ترك الصلاة متعمدا فقد

التحريم ، مع أن الأكثر فسروه بمطلق الكذب وإن كان يشمله كما نهى عن عبادة الأوثان ، أي ذكرهما في آية واحدة وسياق واحد ، فيدل على مقاربتهما في وجوب تركهما وترتب العقاب على فعلهما ، ولذا ورد : شارب الخمر كعابد الوثن ، وأيضا قال سبحانه : «فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ » فيدل على أن فاعل كل منهما لا يفلح ، وعدم الفلاح إنما يكون بترتب العذاب والعقاب.

« أو شيئا مما فرض الله » أي في الصلاة من الواجبات والشروط وقيل : أي مطلقا فيكون إجمالا بعد تفصيل بعض الكبائر لبعض المصالح.

قال الوالدقدس‌سره : يمكن التعميم للاختصار ليدخل فيه ترك الحج والصوم والجهاد مع الوجوب وغيرها من الواجبات وإن ذكر عقوبة ترك الصلاة فقط ليحال عليها غيرها ، وليتدبر في البواقي كما ذكر تعالى في الحج : «وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ »(١) لأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال هذا مما يشعر بأن وعيد النار أو ما يستلزمه أعم من أن يكون في الكتاب أو في السنة ، ويمكن أن يكون الخبر ورد تفسيرا لبعض الآيات الواردة في ذلك كقوله تعالى : «وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ »(٢) فإن الصلاة من أعظم عهود الله التي أخذها على العباد.

وأقول : يؤيده ما سيأتي في كتاب الصلاة بأسانيد عن أبي عبد اللهعليه‌السلام أنه قال : الصلوات الخمس المفروضات من أقام حدودهن وحافظ على مواقيتهن لقي الله يوم القيامة وله عنده عهد يدخله به الجنة ومن لم يقم حدودهن ولم يحافظ على مواقيتهن لقي الله ولا عهد له إن شاء عذبه وإن شاء غفر له ، ويحتمل أن يكونعليه‌السلام ذكر الحديث استطرادا ولم يتعرض للآيات لكثرتها وظهورها ، كقوله تعالى : «ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ »(٣) وقوله : «فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ »(٤) وأمثال ذلك كثيرة.

__________________

(١) سورة آل عمران : ٩٧.

(٢) سورة الرعد : ٢٥.

(٣) سورة المدّثّر : ٦٣.

(٤) سورة الماعون : ٥.

٦٢

برئ من ذمة الله وذمة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ونقض العهد وقطيعة الرحم لأن الله

وكان هذا أحسن من الأول لأن الظاهر أن الوعيد الذي ورد في أخبار الكبائر ما يفهم من ظاهر القرآن وإلا فعلم كل شيء في القرآن كما ورد في الأخبار الكثيرة.

« فقد بريء من ذمة الله وذمة رسوله » أي من عهدهما كما مر في الخبر أو من أمانهما أي ليس ممن عهد الله إليه أن لا يعذبه ولا ممن آمنه الله من عذابه« ونقض العهد » أي مع الله في العهد والنذر واليمين ، أو مع الإمام في البيعة ، وقيل : في جميع الواجبات وترك المنهيات وحمله على مخالفة الوعد مع المؤمنين وشروطهم مطلقا بعيد.

وأما الآية فقد قال سبحانه قبل ذلك : «الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَلا يَنْقُضُونَ الْمِيثاقَ ، وَالَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ » وقال الطبرسيرحمه‌الله في قوله : «الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللهِ » أي يؤدون ما عهد الله إليهم وألزمهم إياه عقلا وسمعا فالعهد العقلي ما جعله في عقولهم من اقتضاء صحة أمور وفساد أمور أخر كاقتضاء الفعل للفاعل وأن الصانع لا بد أن يرجع إلى صانع غير مصنوع ، وإلا أدى إلى ما لا يتناهى ، وأن للعالم مدبرا لا يشبهه والعهد الشرعي ما أخذه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على المؤمنين من الميثاق المؤكد باليمين أن يطيعوه ولا يعصوه ولا يرجعوا عما ألزموه من أوامر شرعه ونواهيه ، وإنما كرر ذكر الميثاق وإن دخل جميع الأوامر والنواهي في لفظة العهد لئلا يظن ظان أن ذلك خاص فيما بين العبد وربه ، فأخبر أن ما بينه وبين العباد من المواثيق كذلك في الوجوب واللزوم ، وقيل : أنه كرره تأكيدا.

«وَالَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ » قيل : المراد به الإيمان بجميع الرسل والكتب ، كما في قوله : «لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ » وقيل : هو صلة محمد وموازرته ومعاونته والجهاد معه ، وقيل : هو صلة الرحم عن ابن عباس ، ثم ذكر

٦٣

عز وجل يقول : «أُولئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ »(١) قال فخرج عمرو وله صراخ من بكائه وهو يقول هلك من قال برأيه ونازعكم في الفضل والعلم.

أخبارا كثيرة تدل على المعنى الأخير ثم قال تعالى : «وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ ».

وفي القاموس :الصرخة الصيحة الشديدة وكغراب الصوت أو شديدة والصارخ المغيث والمستغيث ضد والصارخة الإغاثة.

وأقول : قد أحصى والديقدس‌سره في بعض مؤلفاته ما يستنبط من الأخبار المختلفة أنها من الكبائر فمنها الشرك ، واليأس من روح الله ، والأمن من مكر الله وقتل النفس ، وعقوق الوالدين ، والقذف ، وأكل مال اليتيم بغير حق ، والفرار من الزحف ، والربا ، والسحر ، والكهانة ، والزنا ، واللواط ، والسرقة لا سيما من الغنيمة ، والحلف كاذبا ، وترك الفرائض : الصلاة والزكاة وصوم شهر رمضان وتأخير الحج عن سنة الاستطاعة بغير عذر ، وشهادة الزور ، وكتمان الشهادة ، وشرب الخمر بل كل مسكر ونكث الصفقة ونقض العهد مع الله ومع الخلق ، وقطع الرحم ، والتعرب بعد الهجرة ، والكذب على الله وعلى رسوله وعلى الأئمةعليهم‌السلام ، والغيبة ، والبهتان وقيل : ترك جميع السنن ومنع الزيادة من الماء السابلة مع حاجتهم وعدم حاجته ، وعدم الاحتراز عن البول ، والتسبب إلى سب الوالدين ، والإضرار في الوصية ، وسخط قضاء الله والاعتراض على قدره على قول فيهما ، والتكبر والحسد وعداوة المؤمنين والإلحاد في الحرم وفي المدينة والنم وقطع عضو مؤمن بغير حق وأكل الميتة وسائر النجاسات ، والقيادة ، والإصرار على الصغيرة ، والأمر بالمنكر والنهي عن المعروف ، على احتمال وكذا الكذب ، وخلف الوعد والخيانة ، ولعن المؤمنين وسبهم وإيذاؤهم بغير سبب ، وضرب الخادم زائدا على ما يستحقه ومانع الماء المباح عن

__________________

(١) سورة التوبة : ٢٦.

٦٤

مستحقه ، وساد الطريق المسلوك ، وتضييع العيال والتعصب ، والظلم والغدر ، وكونه ذا لسانين ، وتحقير المؤمنين وتجسس عيوبهم وتعييرهم والافتراء عليهم وسبهم وسوء الظن بهم وتخويفهم ، وبخس المكيال والميزان ، وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والجلوس في مجالس الفساق لا سيما شرب الخمر بغير ضرورة ، والبدعة في الدين ، والجلوس مع أهلها ، وتحقير السيئة والقمار وأكل الحرام ، فمن الأمر بالمنكر إلى هنا احتمال كونها كبيرة والله يعلم.

فائدة

قال بعض المحققين : قد ذكر بعض العلماء ضابطة يعلم بها كبائر المعاصي عن صغائرها بل مراتب التكاليف الشرعية كلها أو جلها ، وملخصها أنا نعلم بشواهد الشرع وأنوار البصائر جميعا أن مقصود الشرائع كلها سياقة الخلق إلى جوار الله وسعادة لقائه وأنه لا وصول لهم إلى ذلك إلا بمعرفة الله تعالى ، ومعرفة صفاته ورسله وكتبه ، وإليه الإشارة بقوله عز وجل : «وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ »(١) أي ليكونوا عبيدا ولا يكون العبد عبدا ما لم بعرف ربه بالربوبية ونفسه بالعبودية فلا بد وأن يعرف نفسه وربه ، فهذا هو المقصود الأصلي ببعثة الأنبياء ، ولكن لا يتم هذا إلا في الحياة الدنيا ، وهو المعنى لقولهعليه‌السلام : الدنيا مزرعة الآخرة ، فصار حفظ الدنيا أيضا مقصودا تابعا للدين ، لأنه وسيلة إليه والمتعلق من الدنيا بالآخرة شيئان النفوس والأموال ، فكلما يسد باب معرفة الله فهو أكبر الكبائر ويليه ما يسد باب حياة النفوس ، ويلي ذلك ما يسد يأب المعايش التي بها حياة النفوس ، فهذه ثلاث مراتب ، فحفظ المعرفة على القلوب ، والحياة على الأبدان ، والأموال على الأشخاص ضروري في مقصود الشرائع كلها ، وهذه ثلاثة أمور لا يتصور أن تختلف فيها الملل ، فلا يجوز أن يبعث الله نبيا يريد ببعثه إصلاح الخلق في دينهم

__________________

(١) سورة الذاريات : ٥٦.

٦٥

ودنياهم ثم يأمرهم بما يمنعهم عن معرفته ومعرفة رسله ويأمرهم بإهلاك النفوس وإهلاك الأموال.

فحصل من هذا أن الكبائر على ثلاث مراتب : « الأولى » ما يمنع عن معرفة الله ومعرفة رسله وهو الكفر فلا كبيرة في المعاصي فوق الكفر ، كما لا فضيلة فوق الإيمان على مراتبه في قوة المعرفة وضعفها لأن الحجاب بين العبد وبين الله هو الجهل ، ويتلو الجهل بحقائق الإيمان أعني الكفر الأمن من مكر الله ، والقنوط من رحمته ، فإن هذا باب من الجهل بالله بل عينه ، فمن عرف الله لم يتصور أن يكون آمنا من مكره ولا أن يكون آيسا من رحمته ويتلو هذه الرتبة البدع كلها المتعلقة بذات الله وصفاته وأفعاله ، وبعضها أشد من بعض.

المرتبة الثانية : قتل النفوس إذ ببقائها تدوم الحياة وبدوامها تحصل المعرفة والإيمان بالله وآياته فهو لا محالة من الكبائر وإن كان دون الكفر لأنه يصدم عن المقصود ، وهذا يصدم عن وسيلته ، ويتلو هذه الكبيرة قطع الأطراف وكل ما يفضي إلى الهلاك حتى الضرب وبعضها أكبر من بعض ، ويقع في هذه المرتبة تحريم الزنا واللواط لأنه لو اجتمع الناس على الاكتفاء بالذكور لا نقطع النسل ، ودفع الوجود قريب من رفعه وأما الزنا فإنه وإن لم يفوت أصل الوجود ولكن يشوش الأنساب ويبطل التوارث والتناصر وما يتعلق بهما من عدم انتظام العيش وتحريك أسباب يكاد يفضي إلى التقاتل.

المرتبة الثالثة : تلف الأموال لأنها معائش الخلق فلا بد من حفظها إلا أنه إذا أخذت أمكن استردادها وإن أكلت أمكن تغريمها ، فليس يعظم الأمر فيها ، نعم إذا أخذ بطريق يعسر التدارك له فينبغي أن يكون ذلك من الكبائر ، وذلك بطرق خفية كالسرقة وأكل الولي مال اليتيم وتفويته بشهادة الزور وباليمين الغموس فإن في هذه الطرق لا يمكن الاسترداد والتدارك ، ولا يجوز أن تختلف الشرائع في

٦٦

تحريمها أصلا ، وبعضها أشد من بعض ، وكلها دون المرتبة الثانية المتعلقة بالنفوس وأما أكل الربا فلا بد أن تختلف فيه الشرائع إذ ليس فيه إلا أكل مال الغير بالتراضي مع الإخلال بشرط وضعه ، إلا أن الشارع عظم الزجر عنه ، وعده من الكبائر لمصلحة يراها وإن لم يجعل الغصب الذي هو أكل مال الغير بغير رضاه وبغير رضا الشرع منها والله أعلم.

وقال الشهيدقدس‌سره : كل ما توعد الشرع عليه بخصوصه فإنه كبيرة وقد ضبط ذلك بعضهم ، فقال : هي الشرك بالله تعالى ، والقتل بغير حق ، واللواط ، والزنا ، والفرار من الزحف ، والسحر ، والربا ، وقذف المحصنات ، وأكل مال اليتيم والغيبة بغير حق ، واليمين الغموس ، وشهادة الزور ، وشرب الخمر ، واستحلال الكعبة والسرقة ، ونكث الصفقة ، والتعرب بعد الهجرة ، واليأس من روح الله تعالى ، والأمن من مكر الله تعالى ، وعقوق الوالدين ، وكل هذا ورد في الحديث منصوصا عليه بأنه كبيرة ، وورد أيضا التهمة ، وترك السنة ومنع ابن السبيل فضل الماء ، وعدم التنزه من البول والتسبب إلى شتم الوالدين ، والإضرار في الوصية.

وهناك عبارات أخر في حد الكبيرة ، منها كل معصية توجب الحد ، ومنها التي يلحق بها صاحبها الوعيد الشديد بكتاب أو سنة ، ومنها كل معصية يوجب في جنسها حد ، وهذه الكبائر المعدودة عند الناس يرجع إلى ما يتعلق بالضروريات الخمس التي هي مصلحة الأديان والنفوس والعقول والأنساب والأموال لمصلحة الدين ، منها ما يتعلق بالاعتقاد ، وهو إما كفر وهو الشرك بالله تعالى ، أو ليس بكفر وهو ترك السنة إذا لم ينته إلى الكفر ، وتدخل فيه مقالات المبتدعة من الأمة كالمرجئة والخوارج والمجسمة وقد يكون الاعتقاد في نفسه خطاء وإن لم يسم كفرا ولا بدعة كالأمن من مكر الله تعالى ، واليأس من روح الله سبحانه ، ويدخل فيه كل ما أشبهه كالسخط بقضاء الله تعالى ، والاعتراض بقدره وقد يكون من أفعال القلوب المتعدية

٦٧

(باب)

(استصغار الذنب )

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ومحمد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان جميعا ، عن ابن أبي عمير ، عن إبراهيم بن عبد الحميد ، عن أبي أسامة زيد الشحام قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام اتقوا المحقرات من الذنوب فإنها لا تغفر قلت وما المحقرات قال الرجل يذنب الذنب فيقول طوبى لي لو لم يكن لي غير ذلك

كالكبر والحسد والغل للمؤمنين ، ومن مصالح الدين ما يتعلق بالبدن إما قاصرا كالإلحاد في الحرم ، فيدخل فيه شبهه كإخافة المدينة الشريفة والإلحاد فيها ، والكذب على النبي والأئمةعليهم‌السلام ، وإما متعديا وقد نص على النميمة والسحر والتولي من الزحف ونكث الصفقة لأن ضرره متعد وأما مصلحة النفس فكالقتل بغير حق ويدخل فيه جناية الطرف ، وأما العقل فشرب الخمر ويدخل فيه كل مسكر ، وأكل الميتة وسائر النجاسات في معناه ، لاشتمال الخمر على النجاسة ، وأما الأنساب فالزنا واللواط ويدخل فيها القيادة ، ومن النسب عقوق الوالدين والإضرار في الوصية.

باب استصغار الذنب

الحديث الأول : حسن كالصحيح موثق.

« اتقوا المحقرات » لأن التحقير يوجب الإصرار وترك الندامة الموجبين للبعد عن المغفرة« غير ذلك » أي غير ذلك الذنب.

وأقول : مثل هذا الكلام يمكن أن يذكر في مقامين : أحدهما : بيان كثرة معاصيه وعظمتها ، وأن له معاصي أعظم من ذلك ، وثانيهما : بيان حقارة هذا الذنب وعدم الاعتناء به ، وكأنه محمول على الوجه الأخير.

٦٨

٢ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن عثمان بن عيسى ، عن سماعة قال سمعت أبا الحسنعليه‌السلام يقول لا تستكثروا كثير الخير ولا تستقلوا قليل الذنوب فإن قليل الذنوب يجتمع حتى يكون كثيرا وخافوا الله في السر حتى تعطوا من أنفسكم النصف

٣ ـ أبو علي الأشعري ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن ابن فضال والحجال جميعا ، عن ثعلبة ، عن زياد قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله نزل بأرض قرعاء فقال لأصحابه ائتوا بحطب فقالوا يا رسول الله نحن بأرض قرعاء ما بها من حطب قال فليأت كل إنسان بما قدر عليه فجاءوا به حتى رموا بين يديه بعضه على بعض فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله هكذا تجتمع الذنوب ثم قال إياكم والمحقرات من الذنوب فإن لكل شيء طالبا ألا وإن طالبها يكتب «ما قَدَّمُوا

الحديث الثاني : موثق.

« في السر » أي في الخلوة أو في القلب ، وعلى الأول التخصيص لأن الإخلاص فيه أكثر ولاستلزامه الخوف في العلانية أيضا« حتى تعطوا » أي حتى يبلغ خوفكم درجة يصير سببا لإعطاء الإنصاف والعدل من أنفسكم للناس ، ولا ترضون لهم ما لا ترضون لأنفسكم ، أو حتى تعطواالإنصاف من أنفسكم أنكم تخافون الله وليس عملكم لرئاء الناس ، وكان الأول أظهر.

الحديث الثالث : مجهول.

« بأرض قرعاء » أي لا نبات ولا شجر فيها تشبيها بالرأس الأقرع ، وفي القاموس قرع كفرح ذهب شعر رأسه وهو أقرع وهي قرعاء والجمع قرع وقرعان بضمهما ، ورياض قرع بالضم بلا كلاء ، وفي النهاية : القرع بالتحريك هو أن يكون في الأرض ذات الكلاء موضع لا نبات فيها كالقرع في الرأسحتى رموا بين يديه أي كثر وارتفع والطالب للذنوب هو الله سبحانه وملائكته «ما قَدَّمُوا » أي أسلفوا في حياتهم «وَآثارَهُمْ » ما بقي عنهم بعد مماتهم يصل إليهم ثمرته أما حسنة كعلم علموه أو حبيس وقفوه ،

٦٩

وَآثارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ ».

(باب )

(الإصرار على الذنب )

١ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن عبد الله بن محمد النهيكي ، عن عمار بن مروان القندي ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال لا صغيرة مع الإصرار ولا كبيرة مع الاستغفار.

أو سيئة كإشاعة باطل أو تأسيس ظلم أو نحو ذلك« والإمام المبين » اللوح المحفوظ وقيل : القرآن ، وقيل : كتاب الأعمال ، وفي كثير من الأخبار أنه أمير المؤمنينعليه‌السلام وكأنه من بطون الآية ، وأماقوله : «أَحْصَيْناهُ » فيحتمل أن يكون في الأصل أحصاه فصحف النساخ موافقا للآية ، أو هو على سبيل الحكاية ، وقرأ بعض الأفاضل نكتب بالنون موافقا للآية ، فيكون لفظ الآية خبرا لأن أي طالبها هذه الآية على الإسناد المجازي ، وله وجه لكنه مخالف للمضبوط في النسخ ، وقد مر بعض القول في الآية في العاشر من باب الذنوب.

باب الإصرار على الذنب

الحديث الأول : مجهول.

وأما أنهلا كبيرة مع الاستغفار ، فالمراد بالاستغفار التوبة والندم عليها والعزم على عدم العود إليها ، ومع التوبة لا يبقى أثر الكبيرة ولا يعاقب عليها ، وأما أنهلا صغيرة مع الإصرار فيدل على أن الإصرار على الصغيرة كبيرة كما ذكره جماعة من الأصحاب ، وربما يجعل هذا مؤيدا لما مر من أن المعاصي كلها كبيرة ، بناء على أن المراد بالإصرار الإقامة على الذنب بعدم التوبة والاستغفار كما يدل عليه الخبر الآتي ، وروي من طريق العامة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما أصر من استغفر ، ويرد عليه أنه يجوز أن يكون المراد بالإصرار المداومة عليه والعزم على المعاودة ، فإن ذلك أنسب

٧٠

باللغة قال الجوهري : أصررت على الشيء أي أقمت ودمت ، وفي النهاية : أصر على الشيء يصر إصرارا إذا لزمه ودامه وثبت عليه ، وفي القاموس : أصر على الأمر لزم وقريب منه كلام مجمل اللغة.

وقال الشيخ البهائيقدس‌سره : قد يفهم من نفي الصغيرة مع الإصرار أنها تصير كبيرة معه فلو لبس الحرير مثلا مصرا عليه يصير ذلك اللبس كبيرة والمشهور فيما بين القوم أن الكبيرة هي نفس الإصرار على الصغيرة المصر عليها تصير بالإصرار كبيرة ، فكأنهم يحملون الحديث على معنى أنه لا أثر للصغيرة في ترتب العقاب مع الإصرار بل العقاب معه يترتب على نفس الإصرار الذي هو من الكبائر ، فكأن الصغيرة مضمحلة في جنبه والإصرار في الأصل من الصر وهو الشد والربط ، ومنه سميت الصرة ، ثم أطلق على الإقامة على الذنب من دون استغفار ، كان المذنب ارتبط بالإقامة عليه ، كذا ذكره المفسرون في تفسير قوله تعالى : «وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ »(١) .

وقال الشهيد رفع الله درجته : الإصرار إما فعلي وهو المداومة على نوع واحد من الصغائر بلا توبة ، أو الإكثار من جنس الصغائر بلا توبة ، وإما حكمي وهو العزم على فعل تلك الصغيرة بعد الفراغ منها ، أما من فعل الصغيرة ولم يخطر بباله توبة ولا عزم على فعلها ، فالظاهر أنه غير مصر ولعله مما تكفره الأعمال الصالحة من الوضوء والصلاة والصيام كما جاء في الأخبار ، انتهى.

وقال الشيخ البهائي روح الله روحه بعد نقل هذا الكلام : ولا يخفى أن تخصيصه الإصرار الحكمي بالعزم على تلك الصغيرة بعد الفراغ منها يعطي أنه لو كان عازما على صغيرة أخرى بعد الفراغ مما هو فيه لا يكون مصرا ، والظاهر أنه مصر أيضا وتقييده ببعد الفراغ منها يقتضي بظاهره أن من كان عازما مدة سنة على لبس الحرير مثلا لكنه لم يلبسه أصلا لعدم تمكنه لا يكون في تلك المدة مصرا وهو

__________________

(١) سورة آل عمران : ١٣٥.

٧١

٢ ـ أبو علي الأشعري ، عن محمد بن سالم ، عن أحمد بن النضر ، عن عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن أبي جعفرعليه‌السلام في قول الله عز وجل : «وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ »(١) قال الإصرار هو أن يذنب الذنب فلا يستغفر الله ولا يحدث نفسه

محل نظر ، انتهى.

وأقول : كان نظره في غير محله لأن الظاهر من الأخبار الكثيرة وأقوال الجم الغفير من الأصحاب عدم المؤاخذة على العزم على المعاصي ، مع عدم الإتيان بها ، وأما قول الشهيد (ره) بتكفير الأعمال الصالحة للصغائر فلعله مع عدم اجتناب الكبائر ومعه يكفرها اجتنابها كما مر ، وقال بعض العامة : الإصرار هو إدامة الفعل والعزم على إدامته إدامة يصح معها إطلاق وصف العزم عليه ، وقال بعضهم : هو تكرار الصغيرة تكرارا يشعر بقلة المبالاة إشعار الكبيرة بذلك ، أو فعل صغائر من أنواع مختلفة بحيث يشعر بذلك ، ثم إن العلامةقدس‌سره لم يعد من الكبائر الإصرار على الصغائر في بعض كتبه ، وكان ذلك لدخوله في الكبائر.

الحديث الثاني : ضعيف.

وقد مر القول فيه ، ويدل على أحد معاني الإصرار كما أومأنا إليه ، وقال به بعض الأصحاب فقال : المرادبالإصرار عدم التوبة لكن رده بعضهم لضعفه ومخالفته لظاهر اللغة فقيل : المراد بالإصرار على الصغيرة الإكثار منها ، سواء كان من نوع واحد أو أنواع مختلفة ، وقيل : هو الإصرار على نوع واحد منها ، وقيل : يحصل بكل منهما ، وظاهر الأصحاب أن الإكثار من الذنوب وإن لم يكن من نوع واحد بحيث يكون ارتكابه للذنب أغلب من اجتنابه عنه إذا عن له من غير توبة فهو قادح في العدالة بل لا خلاف في ذلك بينهم ، نقل الجماع عليه العلامة في التحرير فلا فائدة في تحقيق كونه داخلا في مفهوم الإصرار أم لا ، وظاهر المحقق أنه غير داخل في مفهوم الإصرار ، وكذا من كلام العلامة في الإرشاد والقواعد.

__________________

(١) سورة آل عمران : ١٣٥.

٧٢

بتوبة فذلك الإصرار.

٣ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن منصور بن يونس ، عن أبي بصير قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول لا والله لا يقبل الله شيئا من طاعته على الإصرار على شيء من معاصيه.

(باب )

(في أصول الكفر وأركانه )

١ ـ الحسين بن محمد ، عن أحمد بن إسحاق ، عن بكر بن محمد ، عن أبي بصير قال :

وقال في التحرير : وعن الإصرار على الصغائر أو الإكثار منها ، ثم قال : وأما الصغائر فإن داوم عليها أو وقعت منه في أكثر الأحوال ردت شهادته إجماعا وعلى كل تقدير فالمداومة والإكثار من الذنب والمعصية قادح في العدالة وأما العزم عليها بعد الفراغ ففي كونه قادحا تأمل إن لم يكن ذلك اتفاقيا ، وفي صحيحة عمر ابن يزيد أن إسماع الكلام الغليظ للأبوين لا يوجب ترك الصلاة خلفه ما لم يكن عاقا قاطعا ، وهي تدل على أن مثل ذلك العزم غير قادح إذ الظاهر أن إسماع الكلام المغضب للأبوين معصية.

الحديث الثالث : حسن موثق.

وفيه إشعار بأن الإصرار على الصغيرة كبيرة إذ يبعد أن تكون الصغيرة المكفرة مانعة عن قبول الطاعة ، وفي الخبر إيماء إلى قوله تعالى : «إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ »(١) .

باب في أصول الكفر وأركانه

الحديث الأول : صحيح.

وكان المرادبأصول الكفر ما يصير سببا للكفر أحيانا لا دائما وللكفر

__________________

(١) سورة المائدة : ٢٧.

٧٣

قال أبو عبد اللهعليه‌السلام أصول الكفر ثلاثة الحرص والاستكبار والحسد فأما الحرص فإن آدمعليه‌السلام حين نهي عن الشجرة حمله الحرص على أن أكل منها وأما الاستكبار فإبليس حيث أمر بالسجود لآدم فأبى وأما الحسد فابنا آدم حيث قتل أحدهما صاحبه.

٢ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبد الله

أيضا معان كثيرة ، منها ما يتحقق بإنكار الرب سبحانه ، والإلحاد في صفاته ، ومنها ما يتضمن إنكار أنبيائه وحججه أو ما أتوا به من أمور المعاد وأمثالها ، ومنها ما يتحقق بمعصية الله ورسوله ، ومنها ما يكون بكفران نعم الله تعالى إلى أن ينتهي إلى ترك الأولى فالحرص يمكن أن يصير داعيا إلى ترك الأولى أو ارتكاب صغيرة أو كبيرة حتى ينتهي إلى جحود يوجب الشرك والخلود ، فما في آدمعليه‌السلام كان من الأول ثم تكامل في أولاده حتى انتهى إلى الأخير ، فصح أنه أصل الكفر ، وكذا سائر الصفات ، وقيل : قد كان إباء إبليس لعنه الله من السجود عن حسد واستكبار ، وإنما خص الاستكبار بالذكر لأنه تمسك به حيث قال : «أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ » أو لأن الاستكبار أقبح من الحسد ، انتهى.

وقوله : فأما الحرص فهو مبتدأ ، وقوله : فإن ، إلى قوله : أكل منها خبر ، والعائد تكرار المبتدأ وضعا للظاهر موضع المضمر ، مثل الحاقة ما الحاقة ،وقوله : فإبليس بتقدير فمعصية إبليس وكذاقوله : فأبناء آدم بتقدير فمعصية ابني آدم ، أي معصية أحدهما كما قيل.

الحديث الثاني : ضعيف على المشهور.

وأركان الكفر قريب من أصوله ولعل المرادبالرغبة الرغبة في الدنيا والحرص عليها ، أو اتباع الشهوات النفسانية ، وبالرهبة الخوف من فوات الدنيا واعتباراتها بمتابعة الحق أو الخوف من القتل عند الجهاد ، ومن الفقر عند أداء

٧٤

عليه‌السلام قال قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أركان الكفر أربعة الرغبة والرهبة والسخط والغضب.

٣ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن نوح بن شعيب ، عن عبد الله الدهقان ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إن أول ما عصي الله عز وجل به ست حب الدنيا وحب الرئاسة وحب الطعام وحب النوم وحب الراحة وحب النساء.

الزكاة ، ومن لؤم اللائمين عن ارتكاب الطاعات وإجراء الأحكام ، وقيل : الخوف من فوات الدنيا والهم من زوالها وهو يوجب صرف العمر في حفظها والمنع من أداء حقوقها ، وبالسخط عدم الرضا بقضاء الله ، وانقباض النفس في أحكامه وعدم الرضا بقسمة ، وبالغضب ثوران النفس نحو الانتقام عند مشاهدة ما لا يلائمها من المكاره والآلام.

الحديث الثالث : ضعيف.

« حب الدنيا » أي مال الدنيا أو البقاء فيها للذاتها ومألوفاتها لا للطاعة ،وحب الرئاسة بالجور والظلم والباطل ، أو في نفسها لا لإجراء أو أمر الله تعالى وهداية عباده والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ،وحب الطعام لمحض اللذة لا لقوة الطاعة والإفراط في حبه بحيث لا يبالي من حلال حصل أو من حرام ، وكذاحب النوم أي الإفراط فيه بحيث يصير مانعا عن الطاعات الواجبة أو المندوبة ، أو في نفسه لا للتقوى على الطاعة ، وكذاحب الاستراحة على الوجهين ، وكذاحب النساء أي الإفراط فيه بحيث ينتهي إلى ارتكاب الحرام أو ترك السنن والاشتغال عن ذكر الله بسبب كثرة معاشرتهن ، أو ما يوجب إطاعتهن في الباطل وإلا فقد قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اخترت من دنياكم الطيب والنساء.

٧٥

٤ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن سنان ، عن طلحة بن زيد ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام أن رجلا من خثعم جاء إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال أي الأعمال أبغض إلى الله عز وجل فقال الشرك بالله قال ثم ما ذا قال قطيعة الرحم قال ثم ما ذا قال الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف.

٥ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن حسن بن عطية ، عن يزيد الصائغ قال قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام رجل على هذا الأمر إن حدث كذب وإن وعد أخلف وإن ائتمن خان ما منزلته قال هي أدنى المنازل من الكفر وليس بكافر.

الحديث الرابع : كالسابق.

وخثعم أبو قبيلة من معد ، وقد مر معنى الشرك ، وقطيعة الرحم يمكن شمولها لقطع رحم آل محمد كما مر ، ويمكن إدخاله كلا أو بعضا في الشرك ، والمنكر ما حرمه الله أو ما علم بالشرع أو العقل قبحه ويحتمل شموله للمكروه أيضا ، وقال الشهيد الثانيقدس‌سره : المنكر المعصية قولا أو فعلا وقال أيضا : هو الفعل القبيح الذي عرف فاعله قبحه أو دل عليه ، والمعروف ما عرف حسنه عقلا أو شرعا ، وقال الشهيد الثاني (ره) : هو الطاعة قولا أو فعلا ، وقال : يمكن بتكلف دخول المندوب في المعروف.

الحديث الخامس : كالسابق أيضا.

وقوله : على هذا الأمر ، صفة رجل ، وجملةإن حدث ، خبر «أدنى المنازل » أي أقربهامن الكفر أي الذي يوجب الخلود في الناروليس بكافر بهذا المعنى ، وإن كان كافرا ببعض المعاني ، ويشعر بكون خلف الوعد معصية بل كبيرة ، والمشهور استحباب الوفاء به وكأنه مر القول فيه وسيأتي إن شاء الله.

٧٦

٦ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من علامات الشقاء جمود العين وقسوة القلب وشدة الحرص في طلب الدنيا والإصرار على الذنب.

٧ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن علي بن أسباط ، عن داود بن النعمان ، عن أبي حمزة ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال خطب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الناس فقال ألا أخبركم بشراركم قالوا بلى يا رسول الله قال الذي يمنع رفده ويضرب عبده ويتزود وحده فظنوا أن الله لم يخلق خلقا هو شر من هذا ثم قال ألا أخبركم بمن هو شر من ذلك قالوا بلى يا رسول الله قال الذي لا يرجى خيره ولا يؤمن شره فظنوا أن الله لم يخلق خلقا هو شر من هذا.

الحديث السادس : ضعيف على المشهور.

والشقاء والشقاوة والشقوة سوء العاقبة بالعقاب في الآخرة ضد السعادة ، وهي حسن العاقبة باستحقاق دخول الجنة ، وجمود العين كناية عن بخلها بالدموع وهو من توابعقسوة القلب وهي غلظته وشدته وعدم تأثره من الوعيد بالعقاب والمواعظ قال تعالى : «فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللهِ »(١) وكون تلك الأمور من علامات الشقاء ظاهر ، وفيه تحريص على ترك تلك الخصال ، وطلب أضدادها بكثرة ذكر الله وذكر عقوباته على المعاصي والتفكر في فناء الدنيا وعدم بقاء لذاتها ، وفي عظمة الأمور الأخروية ومثوباتها وعقوباتها وأمثال ذلك.

الحديث السابع : حسن موثق كالصحيح.

« الذي يمنع رفده » الرفد بالكسر العطاء والصلة وهو اسم من رفده رفدا من باب ضرب أعطاه وأعانه ، والظاهر أنه أعم من منع الحقوق الواجبة والمستحبة« ويضرب عبده » أي دائما وفي أكثر الأوقات أو من غير ذنب ، أو زائدا على القدر المقرر أو مطلقا ، فإن العفو من أحسن الخصال« ويتزود وحده » أي يأكل زاده وحده من غير رفيق مع الإمكان ، أو أنه لا يعطي من زاده غيره شيئا من عياله وغيرهم ،

__________________

(١) سورة الزمر : ٢٢.

٧٧

ثم قال ألا أخبركم بمن هو شر من ذلك قالوا بلى يا رسول الله قال المتفحش اللعان الذي إذا ذكر عنده المؤمنون لعنهم وإذا ذكروه لعنوه.

٨ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن بعض أصحابه ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ثلاث من كن فيه كان منافقا وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم من إذا ائتمن خان وإذا حدث كذب وإذا وعد أخلف إن الله عز وجل قال في كتابه «إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ »(١) وقال «أَنَّ لَعْنَتَ اللهِ عَلَيْهِ إِنْ كانَ مِنَ الْكاذِبِينَ »(٢) وفي قوله عز وجل : «وَاذْكُرْ

وقيل : أي لا يأخذ نصيب غيره عند أخذ العطاء ، وهو بعيد.

ثم اعلم أنه لا يلزم حمل هذه الخصال على الأمور المحرمة فإنه يمكن أن يكون الغرض عد مساوئ الأخلاق لا المعاصي ، والتفحش المبالغة في الفحش وسوء القول كما سيأتي ، واللعان المبالغة في اللعن ، وهو من الله الطرد والإبعاد من الرحمة ، ومن الخلق السب والدعاء على الغير ، وقريب منه في النهاية.

الحديث الثامن : ضعيف على المشهور.

واعلم أنه كما يطلق المؤمن والمسلم على معان كما عرفت فكذلك يطلقالمنافق على معان ، منها أن يظهر الإسلام ويبطن الكفر ، وهو المعنى المشهور ، ومنها الرياء ، ومنها أن يظهر الحب ويكون في الباطن عدوا ، أو يظهر الصلاح ويكون في الباطن فاسقا ، وقد يطلق على من يدعي الإيمان ولم يعمل بمقتضاه ، ولم يتصف بالصفات التي ينبغي أن يكون المؤمن عليها ، فكان باطنه مخالفا لظاهرة ، فكأنه المراد هنا ، وسيأتي معاني النفاق في بابه إنشاء الله ، والمرادبالمسلم هنا المؤمن الكامل المسلم لأوامر الله ونواهيه ، ولذا عبر بلفظ الزعم المشعر بأنه غير صادق في

__________________

(١) سورة الأنفال : ٥٨.

(٢) سورة النور : ٧.

٧٨

فِي الْكِتابِ إِسْماعِيلَ إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ وَكانَ رَسُولاً نَبِيًّا »(١) .

٩ ـ علي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس ، عن بعض أصحابه ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ألا أخبركم بأبعدكم مني شبها قالوا بلى يا رسول الله قال الفاحش المتفحش البذيء البخيل المختال الحقود

دعوى الإسلام.

« من إذا ائتمن » أي على مال أو عرض أو سرخان صاحبه وقيل : المراد به من أصر علي الخيانة كما يدل عليه قوله تعالى : «إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ »(٢) حيث لم يقل إن الله لا يحب الخيانة ، ويدل على أنه كبيرة لا يقبل منه معها عمل ، وإلا كان محبوبا في الجملة ، وأما الاستدلال بآية اللعان فلأنه علق اللعنة بمطلق الكذب وإن كان مورده الكذب في القذف ، ولو لم يكن مستحقا للعن لم يأمره الله بهذا القول.

وأماقوله عليه‌السلام : وفي قوله عز وجل ، فلعلهعليه‌السلام إنما غير الأسلوب لعدم صراحة الآية في ذمه بل إنما يدل على مدح ضده وبتوسطه يشعر بقبحه ، وإنما لم يذكرعليه‌السلام الآية التي هي أدل على ذلك حيث قال : «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ ، كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ »(٣) وسيأتي الاستدلال به في خبر آخر إما لظهوره واشتهاره ، أو لاحتمال معنى آخر كما سيأتي ، وقيل : كلمة « في » في قوله : « في قوله » بمعنى مع أي قال في سورة الصف ما هو مشهور في ذلك ، مع قوله في سورة مريم« واذكر » لدلالته علي مدح ضده.

الحديث التاسع : مرسل كالصحيح.

والفحش القول السيء والكلام الرديء وكل شيء جاوز الحد فهو فاحش ومنه غبن فاحش ، والتفحش كذلك مع زيادة تكلف وتصنع وقيل : أراد بالمتفحش

__________________

(١) سورة مريم : ٥٤.

(٢) سورة الأنفال : ٥٨.

(٣) سورة الصفّ ٣٠.

٧٩

الحسود القاسي القلب البعيد من كل خير يرجى غير المأمون من كل شر يتقى.

١٠ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن منصور بن العباس ، عن علي بن أسباط رفعه إلى سلمان قال إذا أراد الله عز وجل هلاك عبد نزع منه الحياء ،

الذي يقبل الفحش من غيره ، فالفاحش المتفحش الذي لا يبالي ما قال ولا ما قيل له ، والأول أظهر ، وبعد من كان كذلك عن مشابهة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ظاهر لأنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان في غاية الحياء وكان يحترز عن الفحش في القول حتى أنه كان يعبر عن الوقاع والبول والتغوط بالكنايات ، بل بأبعدها تأسيا بالرب سبحانه في القرآن.

قال في النهاية : فيه أن الله يبغض الفاحش المتفحش ، الفاحش ذو الفحش في كلامه وفعاله ، والمتفحش الذي يتكلف ذلك ويتعمده وقد تكرر ذكر الفحش والفاحشة والفواحش في الحديث ، وهو كل ما يشتد قبحه من الذنوب والمعاصي ، وكثيرا ما ترد الفاحشة بمعنى الزنا ، وكل خصلة قبيحة فهي فاحشة من الأقوال والأفعال ، وقال :البذاء بالمد الفحش في القول ، وفلان بذي اللسان ، وفي المصباح بذا علي القوم يبذو بذاء بالفتح والمد سفه وأفحش في منطقه ، وإن كان كلامه صدقا فهو بذي علي فعيل.

وفي النهاية فيه : من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه ،الخيلاء بالضم والكسر :

الكبر والعجب يقال : اختال فهو مختال ، وفيه خيلاء ومخيلة أي كبر وتقييد الخير والشر بكونه مرجوا أو يتقي منه إما للتوضيح أو للاحتراز والأول كأنه أظهر.

الحديث العاشر : ضعيف موقوف لكنه ينتهي إلى سلمان وهو في درجة قريبة من العصمة بل فيها.

« إذا أراد الله هلاك عبد » لعله كناية عن علمه سبحانه بسوء سريرته وعدم

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441