مرآة العقول الجزء ١٠

مرآة العقول13%

مرآة العقول مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 441

  • البداية
  • السابق
  • 441 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 15361 / تحميل: 7695
الحجم الحجم الحجم
مرآة العقول

مرآة العقول الجزء ١٠

مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

الخمر لأن الله عز وجل نهى عنها كما نهى عن عبادة الأوثان وترك الصلاة متعمدا

أيها الشهود أو المديونون ، وشهادتهم إقرارهم على أنفسهم «وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ » أي يأثم قلبه أو قلبه يأثم ، والجملة خبر إن وإسناد الإثم إلى القلب لأن الكتمان تقترفه ، ونظيره : العين زانية والأذن زانية ، أو للمبالغة لأنه رئيس الأعضاء وأفعاله أعظم الأفعال ، وكأنه قيل : تمكن الإثم في نفسه وأخذ أشرف أجزائه وفاق سائر ذنوبه.

وقال الطبرسي (ره) : أضاف الإثم إلى القلب وإن كان الإثم للجملة لأن اكتساب الإثم بكتمان الشهادة يقع بالقلب لأن العزم على الكتمان إنما يقع به ، ولأن إضافة الإثم إلى القلب أبلغ في الذم كما أن إضافة الإيمان إلى القلب أبلغ في المدح ، قال سبحانه : «أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ »(١) انتهى.

وأقول : ثاني الوجهين اللذين ذكراه أوفق بالخبر ، فإن تلك المبالغة مما يستلزم وعيد العذاب والعقاب ، فإنها تشعر بأنها أفحش من أكثر الذنوب ، ويؤثر في القلب الذي هو محل العقائد ويفسده.

ثم اعلم أنهعليه‌السلام ذكرشهادة الزور ولم يستدل على كونها كبيرة بشيء ، ويحتمل وجهين « أحدهما » أنها تدل عليها أيضا لأن شهادة الزور إنما تكون غالبا مع العلم بخلافه ، فمن شهد بالزور فقد كتم الشهادة التي عنده « وثانيهما » أنها تدل عليها بالطريق الأولى ، إذ لو كان كتمان الحق والسكون عنه كبيرة كان إظهار خلاف الحق والتكلم به أولى بذلك ، ولذا لم يستدل بقوله تعالى : «وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ »(٢) لأنه لا يدل على التحريم فضلا عن كونه من الذنوب العظيمة ، مع أنه يحتمل أن يكون المراد به لا يحضرون مجالس الباطل بل هو الأظهر ، وقال به الأكثر ، وعن الصادقينعليهما‌السلام أنه الغناء ولا بقوله تعالى : «فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ »(٣) لأنه لا يدل على أكثر من

__________________

(١) سورة المجادلة : ٢٢.

(٢) سورة الفرقان : ٧٢.

(٣) سورة الحجّ : ٣٠.

٦١

أو شيئا مما فرض الله لأن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال من ترك الصلاة متعمدا فقد

التحريم ، مع أن الأكثر فسروه بمطلق الكذب وإن كان يشمله كما نهى عن عبادة الأوثان ، أي ذكرهما في آية واحدة وسياق واحد ، فيدل على مقاربتهما في وجوب تركهما وترتب العقاب على فعلهما ، ولذا ورد : شارب الخمر كعابد الوثن ، وأيضا قال سبحانه : «فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ » فيدل على أن فاعل كل منهما لا يفلح ، وعدم الفلاح إنما يكون بترتب العذاب والعقاب.

« أو شيئا مما فرض الله » أي في الصلاة من الواجبات والشروط وقيل : أي مطلقا فيكون إجمالا بعد تفصيل بعض الكبائر لبعض المصالح.

قال الوالدقدس‌سره : يمكن التعميم للاختصار ليدخل فيه ترك الحج والصوم والجهاد مع الوجوب وغيرها من الواجبات وإن ذكر عقوبة ترك الصلاة فقط ليحال عليها غيرها ، وليتدبر في البواقي كما ذكر تعالى في الحج : «وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ »(١) لأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال هذا مما يشعر بأن وعيد النار أو ما يستلزمه أعم من أن يكون في الكتاب أو في السنة ، ويمكن أن يكون الخبر ورد تفسيرا لبعض الآيات الواردة في ذلك كقوله تعالى : «وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ »(٢) فإن الصلاة من أعظم عهود الله التي أخذها على العباد.

وأقول : يؤيده ما سيأتي في كتاب الصلاة بأسانيد عن أبي عبد اللهعليه‌السلام أنه قال : الصلوات الخمس المفروضات من أقام حدودهن وحافظ على مواقيتهن لقي الله يوم القيامة وله عنده عهد يدخله به الجنة ومن لم يقم حدودهن ولم يحافظ على مواقيتهن لقي الله ولا عهد له إن شاء عذبه وإن شاء غفر له ، ويحتمل أن يكونعليه‌السلام ذكر الحديث استطرادا ولم يتعرض للآيات لكثرتها وظهورها ، كقوله تعالى : «ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ »(٣) وقوله : «فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ »(٤) وأمثال ذلك كثيرة.

__________________

(١) سورة آل عمران : ٩٧.

(٢) سورة الرعد : ٢٥.

(٣) سورة المدّثّر : ٦٣.

(٤) سورة الماعون : ٥.

٦٢

برئ من ذمة الله وذمة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ونقض العهد وقطيعة الرحم لأن الله

وكان هذا أحسن من الأول لأن الظاهر أن الوعيد الذي ورد في أخبار الكبائر ما يفهم من ظاهر القرآن وإلا فعلم كل شيء في القرآن كما ورد في الأخبار الكثيرة.

« فقد بريء من ذمة الله وذمة رسوله » أي من عهدهما كما مر في الخبر أو من أمانهما أي ليس ممن عهد الله إليه أن لا يعذبه ولا ممن آمنه الله من عذابه« ونقض العهد » أي مع الله في العهد والنذر واليمين ، أو مع الإمام في البيعة ، وقيل : في جميع الواجبات وترك المنهيات وحمله على مخالفة الوعد مع المؤمنين وشروطهم مطلقا بعيد.

وأما الآية فقد قال سبحانه قبل ذلك : «الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَلا يَنْقُضُونَ الْمِيثاقَ ، وَالَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ » وقال الطبرسيرحمه‌الله في قوله : «الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللهِ » أي يؤدون ما عهد الله إليهم وألزمهم إياه عقلا وسمعا فالعهد العقلي ما جعله في عقولهم من اقتضاء صحة أمور وفساد أمور أخر كاقتضاء الفعل للفاعل وأن الصانع لا بد أن يرجع إلى صانع غير مصنوع ، وإلا أدى إلى ما لا يتناهى ، وأن للعالم مدبرا لا يشبهه والعهد الشرعي ما أخذه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على المؤمنين من الميثاق المؤكد باليمين أن يطيعوه ولا يعصوه ولا يرجعوا عما ألزموه من أوامر شرعه ونواهيه ، وإنما كرر ذكر الميثاق وإن دخل جميع الأوامر والنواهي في لفظة العهد لئلا يظن ظان أن ذلك خاص فيما بين العبد وربه ، فأخبر أن ما بينه وبين العباد من المواثيق كذلك في الوجوب واللزوم ، وقيل : أنه كرره تأكيدا.

«وَالَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ » قيل : المراد به الإيمان بجميع الرسل والكتب ، كما في قوله : «لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ » وقيل : هو صلة محمد وموازرته ومعاونته والجهاد معه ، وقيل : هو صلة الرحم عن ابن عباس ، ثم ذكر

٦٣

عز وجل يقول : «أُولئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ »(١) قال فخرج عمرو وله صراخ من بكائه وهو يقول هلك من قال برأيه ونازعكم في الفضل والعلم.

أخبارا كثيرة تدل على المعنى الأخير ثم قال تعالى : «وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ ».

وفي القاموس :الصرخة الصيحة الشديدة وكغراب الصوت أو شديدة والصارخ المغيث والمستغيث ضد والصارخة الإغاثة.

وأقول : قد أحصى والديقدس‌سره في بعض مؤلفاته ما يستنبط من الأخبار المختلفة أنها من الكبائر فمنها الشرك ، واليأس من روح الله ، والأمن من مكر الله وقتل النفس ، وعقوق الوالدين ، والقذف ، وأكل مال اليتيم بغير حق ، والفرار من الزحف ، والربا ، والسحر ، والكهانة ، والزنا ، واللواط ، والسرقة لا سيما من الغنيمة ، والحلف كاذبا ، وترك الفرائض : الصلاة والزكاة وصوم شهر رمضان وتأخير الحج عن سنة الاستطاعة بغير عذر ، وشهادة الزور ، وكتمان الشهادة ، وشرب الخمر بل كل مسكر ونكث الصفقة ونقض العهد مع الله ومع الخلق ، وقطع الرحم ، والتعرب بعد الهجرة ، والكذب على الله وعلى رسوله وعلى الأئمةعليهم‌السلام ، والغيبة ، والبهتان وقيل : ترك جميع السنن ومنع الزيادة من الماء السابلة مع حاجتهم وعدم حاجته ، وعدم الاحتراز عن البول ، والتسبب إلى سب الوالدين ، والإضرار في الوصية ، وسخط قضاء الله والاعتراض على قدره على قول فيهما ، والتكبر والحسد وعداوة المؤمنين والإلحاد في الحرم وفي المدينة والنم وقطع عضو مؤمن بغير حق وأكل الميتة وسائر النجاسات ، والقيادة ، والإصرار على الصغيرة ، والأمر بالمنكر والنهي عن المعروف ، على احتمال وكذا الكذب ، وخلف الوعد والخيانة ، ولعن المؤمنين وسبهم وإيذاؤهم بغير سبب ، وضرب الخادم زائدا على ما يستحقه ومانع الماء المباح عن

__________________

(١) سورة التوبة : ٢٦.

٦٤

مستحقه ، وساد الطريق المسلوك ، وتضييع العيال والتعصب ، والظلم والغدر ، وكونه ذا لسانين ، وتحقير المؤمنين وتجسس عيوبهم وتعييرهم والافتراء عليهم وسبهم وسوء الظن بهم وتخويفهم ، وبخس المكيال والميزان ، وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والجلوس في مجالس الفساق لا سيما شرب الخمر بغير ضرورة ، والبدعة في الدين ، والجلوس مع أهلها ، وتحقير السيئة والقمار وأكل الحرام ، فمن الأمر بالمنكر إلى هنا احتمال كونها كبيرة والله يعلم.

فائدة

قال بعض المحققين : قد ذكر بعض العلماء ضابطة يعلم بها كبائر المعاصي عن صغائرها بل مراتب التكاليف الشرعية كلها أو جلها ، وملخصها أنا نعلم بشواهد الشرع وأنوار البصائر جميعا أن مقصود الشرائع كلها سياقة الخلق إلى جوار الله وسعادة لقائه وأنه لا وصول لهم إلى ذلك إلا بمعرفة الله تعالى ، ومعرفة صفاته ورسله وكتبه ، وإليه الإشارة بقوله عز وجل : «وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ »(١) أي ليكونوا عبيدا ولا يكون العبد عبدا ما لم بعرف ربه بالربوبية ونفسه بالعبودية فلا بد وأن يعرف نفسه وربه ، فهذا هو المقصود الأصلي ببعثة الأنبياء ، ولكن لا يتم هذا إلا في الحياة الدنيا ، وهو المعنى لقولهعليه‌السلام : الدنيا مزرعة الآخرة ، فصار حفظ الدنيا أيضا مقصودا تابعا للدين ، لأنه وسيلة إليه والمتعلق من الدنيا بالآخرة شيئان النفوس والأموال ، فكلما يسد باب معرفة الله فهو أكبر الكبائر ويليه ما يسد باب حياة النفوس ، ويلي ذلك ما يسد يأب المعايش التي بها حياة النفوس ، فهذه ثلاث مراتب ، فحفظ المعرفة على القلوب ، والحياة على الأبدان ، والأموال على الأشخاص ضروري في مقصود الشرائع كلها ، وهذه ثلاثة أمور لا يتصور أن تختلف فيها الملل ، فلا يجوز أن يبعث الله نبيا يريد ببعثه إصلاح الخلق في دينهم

__________________

(١) سورة الذاريات : ٥٦.

٦٥

ودنياهم ثم يأمرهم بما يمنعهم عن معرفته ومعرفة رسله ويأمرهم بإهلاك النفوس وإهلاك الأموال.

فحصل من هذا أن الكبائر على ثلاث مراتب : « الأولى » ما يمنع عن معرفة الله ومعرفة رسله وهو الكفر فلا كبيرة في المعاصي فوق الكفر ، كما لا فضيلة فوق الإيمان على مراتبه في قوة المعرفة وضعفها لأن الحجاب بين العبد وبين الله هو الجهل ، ويتلو الجهل بحقائق الإيمان أعني الكفر الأمن من مكر الله ، والقنوط من رحمته ، فإن هذا باب من الجهل بالله بل عينه ، فمن عرف الله لم يتصور أن يكون آمنا من مكره ولا أن يكون آيسا من رحمته ويتلو هذه الرتبة البدع كلها المتعلقة بذات الله وصفاته وأفعاله ، وبعضها أشد من بعض.

المرتبة الثانية : قتل النفوس إذ ببقائها تدوم الحياة وبدوامها تحصل المعرفة والإيمان بالله وآياته فهو لا محالة من الكبائر وإن كان دون الكفر لأنه يصدم عن المقصود ، وهذا يصدم عن وسيلته ، ويتلو هذه الكبيرة قطع الأطراف وكل ما يفضي إلى الهلاك حتى الضرب وبعضها أكبر من بعض ، ويقع في هذه المرتبة تحريم الزنا واللواط لأنه لو اجتمع الناس على الاكتفاء بالذكور لا نقطع النسل ، ودفع الوجود قريب من رفعه وأما الزنا فإنه وإن لم يفوت أصل الوجود ولكن يشوش الأنساب ويبطل التوارث والتناصر وما يتعلق بهما من عدم انتظام العيش وتحريك أسباب يكاد يفضي إلى التقاتل.

المرتبة الثالثة : تلف الأموال لأنها معائش الخلق فلا بد من حفظها إلا أنه إذا أخذت أمكن استردادها وإن أكلت أمكن تغريمها ، فليس يعظم الأمر فيها ، نعم إذا أخذ بطريق يعسر التدارك له فينبغي أن يكون ذلك من الكبائر ، وذلك بطرق خفية كالسرقة وأكل الولي مال اليتيم وتفويته بشهادة الزور وباليمين الغموس فإن في هذه الطرق لا يمكن الاسترداد والتدارك ، ولا يجوز أن تختلف الشرائع في

٦٦

تحريمها أصلا ، وبعضها أشد من بعض ، وكلها دون المرتبة الثانية المتعلقة بالنفوس وأما أكل الربا فلا بد أن تختلف فيه الشرائع إذ ليس فيه إلا أكل مال الغير بالتراضي مع الإخلال بشرط وضعه ، إلا أن الشارع عظم الزجر عنه ، وعده من الكبائر لمصلحة يراها وإن لم يجعل الغصب الذي هو أكل مال الغير بغير رضاه وبغير رضا الشرع منها والله أعلم.

وقال الشهيدقدس‌سره : كل ما توعد الشرع عليه بخصوصه فإنه كبيرة وقد ضبط ذلك بعضهم ، فقال : هي الشرك بالله تعالى ، والقتل بغير حق ، واللواط ، والزنا ، والفرار من الزحف ، والسحر ، والربا ، وقذف المحصنات ، وأكل مال اليتيم والغيبة بغير حق ، واليمين الغموس ، وشهادة الزور ، وشرب الخمر ، واستحلال الكعبة والسرقة ، ونكث الصفقة ، والتعرب بعد الهجرة ، واليأس من روح الله تعالى ، والأمن من مكر الله تعالى ، وعقوق الوالدين ، وكل هذا ورد في الحديث منصوصا عليه بأنه كبيرة ، وورد أيضا التهمة ، وترك السنة ومنع ابن السبيل فضل الماء ، وعدم التنزه من البول والتسبب إلى شتم الوالدين ، والإضرار في الوصية.

وهناك عبارات أخر في حد الكبيرة ، منها كل معصية توجب الحد ، ومنها التي يلحق بها صاحبها الوعيد الشديد بكتاب أو سنة ، ومنها كل معصية يوجب في جنسها حد ، وهذه الكبائر المعدودة عند الناس يرجع إلى ما يتعلق بالضروريات الخمس التي هي مصلحة الأديان والنفوس والعقول والأنساب والأموال لمصلحة الدين ، منها ما يتعلق بالاعتقاد ، وهو إما كفر وهو الشرك بالله تعالى ، أو ليس بكفر وهو ترك السنة إذا لم ينته إلى الكفر ، وتدخل فيه مقالات المبتدعة من الأمة كالمرجئة والخوارج والمجسمة وقد يكون الاعتقاد في نفسه خطاء وإن لم يسم كفرا ولا بدعة كالأمن من مكر الله تعالى ، واليأس من روح الله سبحانه ، ويدخل فيه كل ما أشبهه كالسخط بقضاء الله تعالى ، والاعتراض بقدره وقد يكون من أفعال القلوب المتعدية

٦٧

(باب)

(استصغار الذنب )

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ومحمد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان جميعا ، عن ابن أبي عمير ، عن إبراهيم بن عبد الحميد ، عن أبي أسامة زيد الشحام قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام اتقوا المحقرات من الذنوب فإنها لا تغفر قلت وما المحقرات قال الرجل يذنب الذنب فيقول طوبى لي لو لم يكن لي غير ذلك

كالكبر والحسد والغل للمؤمنين ، ومن مصالح الدين ما يتعلق بالبدن إما قاصرا كالإلحاد في الحرم ، فيدخل فيه شبهه كإخافة المدينة الشريفة والإلحاد فيها ، والكذب على النبي والأئمةعليهم‌السلام ، وإما متعديا وقد نص على النميمة والسحر والتولي من الزحف ونكث الصفقة لأن ضرره متعد وأما مصلحة النفس فكالقتل بغير حق ويدخل فيه جناية الطرف ، وأما العقل فشرب الخمر ويدخل فيه كل مسكر ، وأكل الميتة وسائر النجاسات في معناه ، لاشتمال الخمر على النجاسة ، وأما الأنساب فالزنا واللواط ويدخل فيها القيادة ، ومن النسب عقوق الوالدين والإضرار في الوصية.

باب استصغار الذنب

الحديث الأول : حسن كالصحيح موثق.

« اتقوا المحقرات » لأن التحقير يوجب الإصرار وترك الندامة الموجبين للبعد عن المغفرة« غير ذلك » أي غير ذلك الذنب.

وأقول : مثل هذا الكلام يمكن أن يذكر في مقامين : أحدهما : بيان كثرة معاصيه وعظمتها ، وأن له معاصي أعظم من ذلك ، وثانيهما : بيان حقارة هذا الذنب وعدم الاعتناء به ، وكأنه محمول على الوجه الأخير.

٦٨

٢ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن عثمان بن عيسى ، عن سماعة قال سمعت أبا الحسنعليه‌السلام يقول لا تستكثروا كثير الخير ولا تستقلوا قليل الذنوب فإن قليل الذنوب يجتمع حتى يكون كثيرا وخافوا الله في السر حتى تعطوا من أنفسكم النصف

٣ ـ أبو علي الأشعري ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن ابن فضال والحجال جميعا ، عن ثعلبة ، عن زياد قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله نزل بأرض قرعاء فقال لأصحابه ائتوا بحطب فقالوا يا رسول الله نحن بأرض قرعاء ما بها من حطب قال فليأت كل إنسان بما قدر عليه فجاءوا به حتى رموا بين يديه بعضه على بعض فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله هكذا تجتمع الذنوب ثم قال إياكم والمحقرات من الذنوب فإن لكل شيء طالبا ألا وإن طالبها يكتب «ما قَدَّمُوا

الحديث الثاني : موثق.

« في السر » أي في الخلوة أو في القلب ، وعلى الأول التخصيص لأن الإخلاص فيه أكثر ولاستلزامه الخوف في العلانية أيضا« حتى تعطوا » أي حتى يبلغ خوفكم درجة يصير سببا لإعطاء الإنصاف والعدل من أنفسكم للناس ، ولا ترضون لهم ما لا ترضون لأنفسكم ، أو حتى تعطواالإنصاف من أنفسكم أنكم تخافون الله وليس عملكم لرئاء الناس ، وكان الأول أظهر.

الحديث الثالث : مجهول.

« بأرض قرعاء » أي لا نبات ولا شجر فيها تشبيها بالرأس الأقرع ، وفي القاموس قرع كفرح ذهب شعر رأسه وهو أقرع وهي قرعاء والجمع قرع وقرعان بضمهما ، ورياض قرع بالضم بلا كلاء ، وفي النهاية : القرع بالتحريك هو أن يكون في الأرض ذات الكلاء موضع لا نبات فيها كالقرع في الرأسحتى رموا بين يديه أي كثر وارتفع والطالب للذنوب هو الله سبحانه وملائكته «ما قَدَّمُوا » أي أسلفوا في حياتهم «وَآثارَهُمْ » ما بقي عنهم بعد مماتهم يصل إليهم ثمرته أما حسنة كعلم علموه أو حبيس وقفوه ،

٦٩

وَآثارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ ».

(باب )

(الإصرار على الذنب )

١ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن عبد الله بن محمد النهيكي ، عن عمار بن مروان القندي ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال لا صغيرة مع الإصرار ولا كبيرة مع الاستغفار.

أو سيئة كإشاعة باطل أو تأسيس ظلم أو نحو ذلك« والإمام المبين » اللوح المحفوظ وقيل : القرآن ، وقيل : كتاب الأعمال ، وفي كثير من الأخبار أنه أمير المؤمنينعليه‌السلام وكأنه من بطون الآية ، وأماقوله : «أَحْصَيْناهُ » فيحتمل أن يكون في الأصل أحصاه فصحف النساخ موافقا للآية ، أو هو على سبيل الحكاية ، وقرأ بعض الأفاضل نكتب بالنون موافقا للآية ، فيكون لفظ الآية خبرا لأن أي طالبها هذه الآية على الإسناد المجازي ، وله وجه لكنه مخالف للمضبوط في النسخ ، وقد مر بعض القول في الآية في العاشر من باب الذنوب.

باب الإصرار على الذنب

الحديث الأول : مجهول.

وأما أنهلا كبيرة مع الاستغفار ، فالمراد بالاستغفار التوبة والندم عليها والعزم على عدم العود إليها ، ومع التوبة لا يبقى أثر الكبيرة ولا يعاقب عليها ، وأما أنهلا صغيرة مع الإصرار فيدل على أن الإصرار على الصغيرة كبيرة كما ذكره جماعة من الأصحاب ، وربما يجعل هذا مؤيدا لما مر من أن المعاصي كلها كبيرة ، بناء على أن المراد بالإصرار الإقامة على الذنب بعدم التوبة والاستغفار كما يدل عليه الخبر الآتي ، وروي من طريق العامة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما أصر من استغفر ، ويرد عليه أنه يجوز أن يكون المراد بالإصرار المداومة عليه والعزم على المعاودة ، فإن ذلك أنسب

٧٠

باللغة قال الجوهري : أصررت على الشيء أي أقمت ودمت ، وفي النهاية : أصر على الشيء يصر إصرارا إذا لزمه ودامه وثبت عليه ، وفي القاموس : أصر على الأمر لزم وقريب منه كلام مجمل اللغة.

وقال الشيخ البهائيقدس‌سره : قد يفهم من نفي الصغيرة مع الإصرار أنها تصير كبيرة معه فلو لبس الحرير مثلا مصرا عليه يصير ذلك اللبس كبيرة والمشهور فيما بين القوم أن الكبيرة هي نفس الإصرار على الصغيرة المصر عليها تصير بالإصرار كبيرة ، فكأنهم يحملون الحديث على معنى أنه لا أثر للصغيرة في ترتب العقاب مع الإصرار بل العقاب معه يترتب على نفس الإصرار الذي هو من الكبائر ، فكأن الصغيرة مضمحلة في جنبه والإصرار في الأصل من الصر وهو الشد والربط ، ومنه سميت الصرة ، ثم أطلق على الإقامة على الذنب من دون استغفار ، كان المذنب ارتبط بالإقامة عليه ، كذا ذكره المفسرون في تفسير قوله تعالى : «وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ »(١) .

وقال الشهيد رفع الله درجته : الإصرار إما فعلي وهو المداومة على نوع واحد من الصغائر بلا توبة ، أو الإكثار من جنس الصغائر بلا توبة ، وإما حكمي وهو العزم على فعل تلك الصغيرة بعد الفراغ منها ، أما من فعل الصغيرة ولم يخطر بباله توبة ولا عزم على فعلها ، فالظاهر أنه غير مصر ولعله مما تكفره الأعمال الصالحة من الوضوء والصلاة والصيام كما جاء في الأخبار ، انتهى.

وقال الشيخ البهائي روح الله روحه بعد نقل هذا الكلام : ولا يخفى أن تخصيصه الإصرار الحكمي بالعزم على تلك الصغيرة بعد الفراغ منها يعطي أنه لو كان عازما على صغيرة أخرى بعد الفراغ مما هو فيه لا يكون مصرا ، والظاهر أنه مصر أيضا وتقييده ببعد الفراغ منها يقتضي بظاهره أن من كان عازما مدة سنة على لبس الحرير مثلا لكنه لم يلبسه أصلا لعدم تمكنه لا يكون في تلك المدة مصرا وهو

__________________

(١) سورة آل عمران : ١٣٥.

٧١

٢ ـ أبو علي الأشعري ، عن محمد بن سالم ، عن أحمد بن النضر ، عن عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن أبي جعفرعليه‌السلام في قول الله عز وجل : «وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ »(١) قال الإصرار هو أن يذنب الذنب فلا يستغفر الله ولا يحدث نفسه

محل نظر ، انتهى.

وأقول : كان نظره في غير محله لأن الظاهر من الأخبار الكثيرة وأقوال الجم الغفير من الأصحاب عدم المؤاخذة على العزم على المعاصي ، مع عدم الإتيان بها ، وأما قول الشهيد (ره) بتكفير الأعمال الصالحة للصغائر فلعله مع عدم اجتناب الكبائر ومعه يكفرها اجتنابها كما مر ، وقال بعض العامة : الإصرار هو إدامة الفعل والعزم على إدامته إدامة يصح معها إطلاق وصف العزم عليه ، وقال بعضهم : هو تكرار الصغيرة تكرارا يشعر بقلة المبالاة إشعار الكبيرة بذلك ، أو فعل صغائر من أنواع مختلفة بحيث يشعر بذلك ، ثم إن العلامةقدس‌سره لم يعد من الكبائر الإصرار على الصغائر في بعض كتبه ، وكان ذلك لدخوله في الكبائر.

الحديث الثاني : ضعيف.

وقد مر القول فيه ، ويدل على أحد معاني الإصرار كما أومأنا إليه ، وقال به بعض الأصحاب فقال : المرادبالإصرار عدم التوبة لكن رده بعضهم لضعفه ومخالفته لظاهر اللغة فقيل : المراد بالإصرار على الصغيرة الإكثار منها ، سواء كان من نوع واحد أو أنواع مختلفة ، وقيل : هو الإصرار على نوع واحد منها ، وقيل : يحصل بكل منهما ، وظاهر الأصحاب أن الإكثار من الذنوب وإن لم يكن من نوع واحد بحيث يكون ارتكابه للذنب أغلب من اجتنابه عنه إذا عن له من غير توبة فهو قادح في العدالة بل لا خلاف في ذلك بينهم ، نقل الجماع عليه العلامة في التحرير فلا فائدة في تحقيق كونه داخلا في مفهوم الإصرار أم لا ، وظاهر المحقق أنه غير داخل في مفهوم الإصرار ، وكذا من كلام العلامة في الإرشاد والقواعد.

__________________

(١) سورة آل عمران : ١٣٥.

٧٢

بتوبة فذلك الإصرار.

٣ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن منصور بن يونس ، عن أبي بصير قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول لا والله لا يقبل الله شيئا من طاعته على الإصرار على شيء من معاصيه.

(باب )

(في أصول الكفر وأركانه )

١ ـ الحسين بن محمد ، عن أحمد بن إسحاق ، عن بكر بن محمد ، عن أبي بصير قال :

وقال في التحرير : وعن الإصرار على الصغائر أو الإكثار منها ، ثم قال : وأما الصغائر فإن داوم عليها أو وقعت منه في أكثر الأحوال ردت شهادته إجماعا وعلى كل تقدير فالمداومة والإكثار من الذنب والمعصية قادح في العدالة وأما العزم عليها بعد الفراغ ففي كونه قادحا تأمل إن لم يكن ذلك اتفاقيا ، وفي صحيحة عمر ابن يزيد أن إسماع الكلام الغليظ للأبوين لا يوجب ترك الصلاة خلفه ما لم يكن عاقا قاطعا ، وهي تدل على أن مثل ذلك العزم غير قادح إذ الظاهر أن إسماع الكلام المغضب للأبوين معصية.

الحديث الثالث : حسن موثق.

وفيه إشعار بأن الإصرار على الصغيرة كبيرة إذ يبعد أن تكون الصغيرة المكفرة مانعة عن قبول الطاعة ، وفي الخبر إيماء إلى قوله تعالى : «إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ »(١) .

باب في أصول الكفر وأركانه

الحديث الأول : صحيح.

وكان المرادبأصول الكفر ما يصير سببا للكفر أحيانا لا دائما وللكفر

__________________

(١) سورة المائدة : ٢٧.

٧٣

قال أبو عبد اللهعليه‌السلام أصول الكفر ثلاثة الحرص والاستكبار والحسد فأما الحرص فإن آدمعليه‌السلام حين نهي عن الشجرة حمله الحرص على أن أكل منها وأما الاستكبار فإبليس حيث أمر بالسجود لآدم فأبى وأما الحسد فابنا آدم حيث قتل أحدهما صاحبه.

٢ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبد الله

أيضا معان كثيرة ، منها ما يتحقق بإنكار الرب سبحانه ، والإلحاد في صفاته ، ومنها ما يتضمن إنكار أنبيائه وحججه أو ما أتوا به من أمور المعاد وأمثالها ، ومنها ما يتحقق بمعصية الله ورسوله ، ومنها ما يكون بكفران نعم الله تعالى إلى أن ينتهي إلى ترك الأولى فالحرص يمكن أن يصير داعيا إلى ترك الأولى أو ارتكاب صغيرة أو كبيرة حتى ينتهي إلى جحود يوجب الشرك والخلود ، فما في آدمعليه‌السلام كان من الأول ثم تكامل في أولاده حتى انتهى إلى الأخير ، فصح أنه أصل الكفر ، وكذا سائر الصفات ، وقيل : قد كان إباء إبليس لعنه الله من السجود عن حسد واستكبار ، وإنما خص الاستكبار بالذكر لأنه تمسك به حيث قال : «أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ » أو لأن الاستكبار أقبح من الحسد ، انتهى.

وقوله : فأما الحرص فهو مبتدأ ، وقوله : فإن ، إلى قوله : أكل منها خبر ، والعائد تكرار المبتدأ وضعا للظاهر موضع المضمر ، مثل الحاقة ما الحاقة ،وقوله : فإبليس بتقدير فمعصية إبليس وكذاقوله : فأبناء آدم بتقدير فمعصية ابني آدم ، أي معصية أحدهما كما قيل.

الحديث الثاني : ضعيف على المشهور.

وأركان الكفر قريب من أصوله ولعل المرادبالرغبة الرغبة في الدنيا والحرص عليها ، أو اتباع الشهوات النفسانية ، وبالرهبة الخوف من فوات الدنيا واعتباراتها بمتابعة الحق أو الخوف من القتل عند الجهاد ، ومن الفقر عند أداء

٧٤

عليه‌السلام قال قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أركان الكفر أربعة الرغبة والرهبة والسخط والغضب.

٣ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن نوح بن شعيب ، عن عبد الله الدهقان ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إن أول ما عصي الله عز وجل به ست حب الدنيا وحب الرئاسة وحب الطعام وحب النوم وحب الراحة وحب النساء.

الزكاة ، ومن لؤم اللائمين عن ارتكاب الطاعات وإجراء الأحكام ، وقيل : الخوف من فوات الدنيا والهم من زوالها وهو يوجب صرف العمر في حفظها والمنع من أداء حقوقها ، وبالسخط عدم الرضا بقضاء الله ، وانقباض النفس في أحكامه وعدم الرضا بقسمة ، وبالغضب ثوران النفس نحو الانتقام عند مشاهدة ما لا يلائمها من المكاره والآلام.

الحديث الثالث : ضعيف.

« حب الدنيا » أي مال الدنيا أو البقاء فيها للذاتها ومألوفاتها لا للطاعة ،وحب الرئاسة بالجور والظلم والباطل ، أو في نفسها لا لإجراء أو أمر الله تعالى وهداية عباده والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ،وحب الطعام لمحض اللذة لا لقوة الطاعة والإفراط في حبه بحيث لا يبالي من حلال حصل أو من حرام ، وكذاحب النوم أي الإفراط فيه بحيث يصير مانعا عن الطاعات الواجبة أو المندوبة ، أو في نفسه لا للتقوى على الطاعة ، وكذاحب الاستراحة على الوجهين ، وكذاحب النساء أي الإفراط فيه بحيث ينتهي إلى ارتكاب الحرام أو ترك السنن والاشتغال عن ذكر الله بسبب كثرة معاشرتهن ، أو ما يوجب إطاعتهن في الباطل وإلا فقد قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اخترت من دنياكم الطيب والنساء.

٧٥

٤ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن سنان ، عن طلحة بن زيد ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام أن رجلا من خثعم جاء إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال أي الأعمال أبغض إلى الله عز وجل فقال الشرك بالله قال ثم ما ذا قال قطيعة الرحم قال ثم ما ذا قال الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف.

٥ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن حسن بن عطية ، عن يزيد الصائغ قال قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام رجل على هذا الأمر إن حدث كذب وإن وعد أخلف وإن ائتمن خان ما منزلته قال هي أدنى المنازل من الكفر وليس بكافر.

الحديث الرابع : كالسابق.

وخثعم أبو قبيلة من معد ، وقد مر معنى الشرك ، وقطيعة الرحم يمكن شمولها لقطع رحم آل محمد كما مر ، ويمكن إدخاله كلا أو بعضا في الشرك ، والمنكر ما حرمه الله أو ما علم بالشرع أو العقل قبحه ويحتمل شموله للمكروه أيضا ، وقال الشهيد الثانيقدس‌سره : المنكر المعصية قولا أو فعلا وقال أيضا : هو الفعل القبيح الذي عرف فاعله قبحه أو دل عليه ، والمعروف ما عرف حسنه عقلا أو شرعا ، وقال الشهيد الثاني (ره) : هو الطاعة قولا أو فعلا ، وقال : يمكن بتكلف دخول المندوب في المعروف.

الحديث الخامس : كالسابق أيضا.

وقوله : على هذا الأمر ، صفة رجل ، وجملةإن حدث ، خبر «أدنى المنازل » أي أقربهامن الكفر أي الذي يوجب الخلود في الناروليس بكافر بهذا المعنى ، وإن كان كافرا ببعض المعاني ، ويشعر بكون خلف الوعد معصية بل كبيرة ، والمشهور استحباب الوفاء به وكأنه مر القول فيه وسيأتي إن شاء الله.

٧٦

٦ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من علامات الشقاء جمود العين وقسوة القلب وشدة الحرص في طلب الدنيا والإصرار على الذنب.

٧ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن علي بن أسباط ، عن داود بن النعمان ، عن أبي حمزة ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال خطب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الناس فقال ألا أخبركم بشراركم قالوا بلى يا رسول الله قال الذي يمنع رفده ويضرب عبده ويتزود وحده فظنوا أن الله لم يخلق خلقا هو شر من هذا ثم قال ألا أخبركم بمن هو شر من ذلك قالوا بلى يا رسول الله قال الذي لا يرجى خيره ولا يؤمن شره فظنوا أن الله لم يخلق خلقا هو شر من هذا.

الحديث السادس : ضعيف على المشهور.

والشقاء والشقاوة والشقوة سوء العاقبة بالعقاب في الآخرة ضد السعادة ، وهي حسن العاقبة باستحقاق دخول الجنة ، وجمود العين كناية عن بخلها بالدموع وهو من توابعقسوة القلب وهي غلظته وشدته وعدم تأثره من الوعيد بالعقاب والمواعظ قال تعالى : «فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللهِ »(١) وكون تلك الأمور من علامات الشقاء ظاهر ، وفيه تحريص على ترك تلك الخصال ، وطلب أضدادها بكثرة ذكر الله وذكر عقوباته على المعاصي والتفكر في فناء الدنيا وعدم بقاء لذاتها ، وفي عظمة الأمور الأخروية ومثوباتها وعقوباتها وأمثال ذلك.

الحديث السابع : حسن موثق كالصحيح.

« الذي يمنع رفده » الرفد بالكسر العطاء والصلة وهو اسم من رفده رفدا من باب ضرب أعطاه وأعانه ، والظاهر أنه أعم من منع الحقوق الواجبة والمستحبة« ويضرب عبده » أي دائما وفي أكثر الأوقات أو من غير ذنب ، أو زائدا على القدر المقرر أو مطلقا ، فإن العفو من أحسن الخصال« ويتزود وحده » أي يأكل زاده وحده من غير رفيق مع الإمكان ، أو أنه لا يعطي من زاده غيره شيئا من عياله وغيرهم ،

__________________

(١) سورة الزمر : ٢٢.

٧٧

ثم قال ألا أخبركم بمن هو شر من ذلك قالوا بلى يا رسول الله قال المتفحش اللعان الذي إذا ذكر عنده المؤمنون لعنهم وإذا ذكروه لعنوه.

٨ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن بعض أصحابه ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ثلاث من كن فيه كان منافقا وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم من إذا ائتمن خان وإذا حدث كذب وإذا وعد أخلف إن الله عز وجل قال في كتابه «إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ »(١) وقال «أَنَّ لَعْنَتَ اللهِ عَلَيْهِ إِنْ كانَ مِنَ الْكاذِبِينَ »(٢) وفي قوله عز وجل : «وَاذْكُرْ

وقيل : أي لا يأخذ نصيب غيره عند أخذ العطاء ، وهو بعيد.

ثم اعلم أنه لا يلزم حمل هذه الخصال على الأمور المحرمة فإنه يمكن أن يكون الغرض عد مساوئ الأخلاق لا المعاصي ، والتفحش المبالغة في الفحش وسوء القول كما سيأتي ، واللعان المبالغة في اللعن ، وهو من الله الطرد والإبعاد من الرحمة ، ومن الخلق السب والدعاء على الغير ، وقريب منه في النهاية.

الحديث الثامن : ضعيف على المشهور.

واعلم أنه كما يطلق المؤمن والمسلم على معان كما عرفت فكذلك يطلقالمنافق على معان ، منها أن يظهر الإسلام ويبطن الكفر ، وهو المعنى المشهور ، ومنها الرياء ، ومنها أن يظهر الحب ويكون في الباطن عدوا ، أو يظهر الصلاح ويكون في الباطن فاسقا ، وقد يطلق على من يدعي الإيمان ولم يعمل بمقتضاه ، ولم يتصف بالصفات التي ينبغي أن يكون المؤمن عليها ، فكان باطنه مخالفا لظاهرة ، فكأنه المراد هنا ، وسيأتي معاني النفاق في بابه إنشاء الله ، والمرادبالمسلم هنا المؤمن الكامل المسلم لأوامر الله ونواهيه ، ولذا عبر بلفظ الزعم المشعر بأنه غير صادق في

__________________

(١) سورة الأنفال : ٥٨.

(٢) سورة النور : ٧.

٧٨

فِي الْكِتابِ إِسْماعِيلَ إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ وَكانَ رَسُولاً نَبِيًّا »(١) .

٩ ـ علي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس ، عن بعض أصحابه ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ألا أخبركم بأبعدكم مني شبها قالوا بلى يا رسول الله قال الفاحش المتفحش البذيء البخيل المختال الحقود

دعوى الإسلام.

« من إذا ائتمن » أي على مال أو عرض أو سرخان صاحبه وقيل : المراد به من أصر علي الخيانة كما يدل عليه قوله تعالى : «إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ »(٢) حيث لم يقل إن الله لا يحب الخيانة ، ويدل على أنه كبيرة لا يقبل منه معها عمل ، وإلا كان محبوبا في الجملة ، وأما الاستدلال بآية اللعان فلأنه علق اللعنة بمطلق الكذب وإن كان مورده الكذب في القذف ، ولو لم يكن مستحقا للعن لم يأمره الله بهذا القول.

وأماقوله عليه‌السلام : وفي قوله عز وجل ، فلعلهعليه‌السلام إنما غير الأسلوب لعدم صراحة الآية في ذمه بل إنما يدل على مدح ضده وبتوسطه يشعر بقبحه ، وإنما لم يذكرعليه‌السلام الآية التي هي أدل على ذلك حيث قال : «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ ، كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ »(٣) وسيأتي الاستدلال به في خبر آخر إما لظهوره واشتهاره ، أو لاحتمال معنى آخر كما سيأتي ، وقيل : كلمة « في » في قوله : « في قوله » بمعنى مع أي قال في سورة الصف ما هو مشهور في ذلك ، مع قوله في سورة مريم« واذكر » لدلالته علي مدح ضده.

الحديث التاسع : مرسل كالصحيح.

والفحش القول السيء والكلام الرديء وكل شيء جاوز الحد فهو فاحش ومنه غبن فاحش ، والتفحش كذلك مع زيادة تكلف وتصنع وقيل : أراد بالمتفحش

__________________

(١) سورة مريم : ٥٤.

(٢) سورة الأنفال : ٥٨.

(٣) سورة الصفّ ٣٠.

٧٩

الحسود القاسي القلب البعيد من كل خير يرجى غير المأمون من كل شر يتقى.

١٠ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن منصور بن العباس ، عن علي بن أسباط رفعه إلى سلمان قال إذا أراد الله عز وجل هلاك عبد نزع منه الحياء ،

الذي يقبل الفحش من غيره ، فالفاحش المتفحش الذي لا يبالي ما قال ولا ما قيل له ، والأول أظهر ، وبعد من كان كذلك عن مشابهة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ظاهر لأنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان في غاية الحياء وكان يحترز عن الفحش في القول حتى أنه كان يعبر عن الوقاع والبول والتغوط بالكنايات ، بل بأبعدها تأسيا بالرب سبحانه في القرآن.

قال في النهاية : فيه أن الله يبغض الفاحش المتفحش ، الفاحش ذو الفحش في كلامه وفعاله ، والمتفحش الذي يتكلف ذلك ويتعمده وقد تكرر ذكر الفحش والفاحشة والفواحش في الحديث ، وهو كل ما يشتد قبحه من الذنوب والمعاصي ، وكثيرا ما ترد الفاحشة بمعنى الزنا ، وكل خصلة قبيحة فهي فاحشة من الأقوال والأفعال ، وقال :البذاء بالمد الفحش في القول ، وفلان بذي اللسان ، وفي المصباح بذا علي القوم يبذو بذاء بالفتح والمد سفه وأفحش في منطقه ، وإن كان كلامه صدقا فهو بذي علي فعيل.

وفي النهاية فيه : من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه ،الخيلاء بالضم والكسر :

الكبر والعجب يقال : اختال فهو مختال ، وفيه خيلاء ومخيلة أي كبر وتقييد الخير والشر بكونه مرجوا أو يتقي منه إما للتوضيح أو للاحتراز والأول كأنه أظهر.

الحديث العاشر : ضعيف موقوف لكنه ينتهي إلى سلمان وهو في درجة قريبة من العصمة بل فيها.

« إذا أراد الله هلاك عبد » لعله كناية عن علمه سبحانه بسوء سريرته وعدم

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

كآبة ، ثمّ قال : و اللّه لقد رأيت إثرا من أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم فما أرى أحدا يشبههم ، و اللّه إن كانوا ليصبحوا شعثا غبرا صفرا ، بين أعينهم مثل ركب المغزى ، قد باتوا يتلون كتاب اللّه ، يراوحون بين أقدامهم و جباههم ، إذا ذكروا اللّه مادوا كما يميد الشجر في يوم ريح ، و انهملت أعينهم حتّى تبلّ ثيابهم ،

و كأنّهم و اللّه باتوا غافلين . يريد أنّهم يستقلّون ذلك ١ .

و قال الثاني : و من كلامه عليه السّلام في ذكر خيار الصحابة و زهّادهم ما رواه صعصعة بن صوحان العبدي قال : صلّى بنا أمير المؤمنين عليه السّلام ذات يوم صلاة الصبح ، فلمّا سلّم أقبل على القبلة بوجهه يذكر اللّه لا يلتفت يمينا و لا شمالا ، حتّى صارت الشمس على حائط مسجدكم هذا يعني جامع الكوفة قيد رمح ، ثمّ أقبل علينا بوجهه عليه السّلام فقال : لقد عهدت أقواما على عهد خليلي رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و أنّهم ليراوحون في هذا الليل بين جباههم و ركبهم ، فإذا أصبحوا أصبحوا شعثا غبرا ، بين أعينهم شبه ركب المعزى ، فإذا ذكروا الموت مادوا كما يميد الشجر في الريح ، ثمّ انهملت عيونهم حتّى تبلّ ثيابهم.

ثمّ نهض عليه السّلام و هو يقول : كأنّما القوم باتوا غافلين ٢ .

و روى الثالث صحيحا عن معروف بن خربوذ عن أبي جعفر عليه السّلام قال :

صلّى أمير المؤمنين عليه السّلام بالناس الصبح بالعراق ، فلمّا انصرف و عظهم فبكى و أبكاهم من خوف اللّه تعالى ، ثمّ قال : أما و اللّه لقد عهدت أقواما على عهد خليلي رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و أنّهم ليصبحون و يمسون شعثاء غبراء خمصاء ، بين أعينهم كركب المعزي ، يبيتون لربّهم سجّدا و قياما ، يراوحون بين أقدامهم و جباههم ، يناجون ربّهم و يسألونه فكاك رقابهم من النار ، و اللّه لقد رأيتهم

ـــــــــــــــــ

( ١ ) عيون الأخبار لابن قتيبة ٢ : ٣٠١ .

( ٢ ) الارشاد للمفيد : ١٢٦ .

٤٠١

و هم مع ذلك و هم جميع مشفقون منه خائفون ١ .

و رواه ( الكافي ) عنه أيضا ، و رواه عن علي بن الحسين عليه السّلام أيضا عنه عليه السّلام ، و في خبره : و اللّه لقد أدركت أقواما يبيتون لربّهم سجّدا و قياما ،

يخالفون بين جباههم و ركبهم ، كأنّ زفير النار في آذانهم ، إذا ذكر اللّه عندهم مادوا كما يميد الشجر ، كأنّما القوم باتوا غافلين . قال : ثمّ قال : فما رئي ضاحكا حتّى قبض ٢ .

« لقد رأيت أصحاب محمّد صلى اللّه عليه و آله » الأصل في كلام المصنّف رواية ابن قتيبة المتقدمة ، و قد عرفت أنّها بلفظ « رأيت إثرا من أصحابه » أي : خلّصا ، و هو الصحيح . فلم يكن جميع أصحابه كذلك بل إثر منهم ، و قد عرفت أنّ روايتي الشيخين بدلتاه بلفظ « لقد عهدت أقواما على عهد خليلي » ٣ و لو كانت رواية المصنّف صحيحة ، فالمراد أصحابه الخاصّون الملازمون له ليلا و نهارا المتخلقون بأخلاقه ، لا ما اصطلح عليه أصحاب الكتب الصحابية .

و قوله عليه السّلام « لقد رأيت » أو « عهدت » دالّ على عدم بقائهم في وقت إخباره ، و كان من أراده عليه السّلام مات جمع منهم في حياة النبيّ صلى اللّه عليه و آله كحمزة ،

و جعفر ، و زيد بن حارثة ، و عبد اللّه بن رواحة ، و عثمان بن مظعون ، و سعد بن معاذ و غيرهم ، و بقي منهم جمع ماتوا بعده صلى اللّه عليه و آله في أيّام الثلاثة ، و في أوائل أيّامه كسلمان و أبي ذر ، و المقداد ، و عمّار ، و حذيفة ، و ذي الشهادتين ، و ابن التيهان ، و نظرائهم .

و قد وصفوا في القرآن في قوله عزّ و جلّ : محمّد رسول اللّه و الّذين

ـــــــــــــــــ

( ١ ) أمالي أبي علي الطوسي ١ : ١٠٠ المجلس ٤ .

( ٢ ) الكافي للكليني ٢ : ٢٣٥ ، ٢٣٦ الحديث ٢١ ، ٢٢ .

( ٣ ) الإرشاد للمفيد : ١٢٦ ، و أمالي أبي علي الطوسي ١ : ١٠٠ المجلس ٤ .

٤٠٢

معه أشدّاء على الكفّار رحماء بينهم تراهم ركّعا سجّدا يبتغون فضلا من اللّه و رضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة و مثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزرّاع ليغيظ بهم الكفّار وعد اللّه الّذين آمنوا و عملوا الصالحات منهم مغفرة و أجرا عظيما ١ .

« فما أرى أحدا منكم يشبههم » هكذا في ( المصرية ) و ليست كلمة ( منكم ) في ( ابن ميثم و الخطيّة ) ٢ و لكن في ( ابن أبي الحديد ) ٣ : « فما أرى أحدا يشبههم منكم » .

« لقد كانوا يصبحون شعثا » أي : متغيري الشعور و منتشريها .

« غبرا » بالضم فالسكون ، جمع أغبر .

« و قد » هكذا في ( المصرية ) ، و الصواب : ( قد ) بدون ( واو ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطيّة ) ٤ .

« باتوا سجّدا و قياما » فيكون ليلهم بين السجود و القيام ، و الأصل فيه قوله تعالى : و عباد الرحمن الّذين يمشون على الأرض هونا و إذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما . و الّذين يبيتون لربّهم سجّدا و قياما ٥ .

« يراوحون بين جباههم و خدودهم » بمعنى أنّه إذا كلّت جباههم من طول سجودهم ، و ضعوا خدودهم لتحصل راحة للجباه ، و بالعكس ، و كانوا يتأسّون في ذلك بصاحبهم النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم ، فقد كان يتعب نفسه في عبادة ربّه

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الفتح : ٢٩ .

( ٢ ) لفظ شرح ابن ميثم ٢ : ٤٠٤ « منكم يشبههم » أيضا .

( ٣ ) كذا في شرح ابن أبي الحديد ٢ : ١٨٦ .

( ٤ ) توجد ( الواو ) في شرح ابن أبي الحديد ٢ : ١٨٦ ، و شرح ابن ميثم ٢ : ٤٠٤ .

( ٥ ) الفرقان : ٦٣ ٦٤ .

٤٠٣

حتّى خاطبه عزّ و جلّ بقوله : طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى ١ فكان يقوم في صلاته حتّى و رمت قدماه .

هذا ، و قد عرفت أنّ في رواية ( عيون القتيبي ) : « يراوحون بين أقدامهم و جباههم » ٢ و هو الأنسب بقوله عليه السّلام : « سجّدا و قياما » تبعا للآية ٣ .

« و يقفون على مثل الجمر » من النار .

« من ذكر معادهم » قال تعالى في وصفهم : و الّذين يقولون ربّنا اصرف عنّا عذاب جهنّم إنّ عذابها كان غراما . إنّها ساءت مستقرّا و مقاما ٤ .

و في ( الطبري ) : لمّا ودّع عبد اللّه بن رواحة و هو الثالث من أمراء مؤتة الناس بكى ، فقالوا له : ما يبكيك يابن رواحة ؟ فقال : أما و اللّه ما بي حبّ الدّنيا و لا صبابة بكم ، و لكنّي سمعت النبيّ صلى اللّه عليه و آله يقرأ آية من كتاب اللّه تعالى يذكر فيها النار و إن منكم إلاّ واردها كان على ربك حتما مقضيّا ٥ فلست أدري كيف لي بالصدر بعد الورود . فقال المسلمون : صحبكم اللّه و دفع عنكم ، و ردّكم إلينا صالحين . فقال عبد اللّه بن رواحة :

لكنّني أسأل الرحمن مغفرة

و ضربة ذات فرغ تقذف الزبدا

أو طعنة بيدي حرّان مجهزة

بحربة تنفذ الأحشاء و الكبدا

٦ « كأنّ بين أعينهم ركب » جمع ركبة .

« المعزى » في ( الصحاح ) : المعز من الغنم خلاف الضأن ، و هو اسم

ـــــــــــــــــ

( ١ ) طه : ١ ٢ .

( ٢ ) عيون الأخبار لابن قتيبة ٢ : ٣٠١ .

( ٣ ) الفرقان : ٦٤ .

( ٤ ) الفرقان : ٦٥ ٦٦ .

( ٥ ) مريم : ٧١ .

( ٦ ) تاريخ الطبري ٢ : ٣١٩ سنة ٨ .

٤٠٤

جنس ، و كذلك المعز ، و المعيز و الأمعوز و المعزى ١ .

« من طول سجودهم » . . . سيماهم في وجوههم من أثر السجود . . . ٢ .

« إذا ذكر اللّه هملت » أي : فاضت .

« أعينهم حتّى تبلّ » أي : تصير رطبا .

« جيوبهم » قال الجوهري : الجيب للقميص ٣ .

« و مادوا » أي : تحرّكوا .

« كما يميد الشجر يوم الريح العاصف » إنّما المؤمنون الّذين إذا ذكر اللّه وجلت قلوبهم . . . ٤ .

« خوفا من العقاب و رجاء للثواب » و عقابه ما لا تقوم له السماوات و الأرض ، و ثوابه ما لا عين رأت و لا أذن سمعت .

و رووا في قصّة غزوة ذي قرد عن سلمة بن الأكوع قال : أخذت عنان فرس الأخرم ، و قلت له : احذر لا يقتطعوك حتّى تلحق بنا النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم فقال : يا سلم إنّ كنت تؤمن باللّه و اليوم الآخر ، و تعلم أنّ الجنّة حقّ و النّار حقّ فلا تخل بيني و بين الشهادة . فخلّيته فالتقى هو و عبد الرحمن بن عيينة فعقر الأخرم فرسه ، و طعنه عبد الرحمن فقتله ٥ .

هذا ، و روى ( أسد الغابة ) عن أبي مدينة الدارمي ، قال : كان الرجلان من أصحاب النبيّ صلى اللّه عليه و آله إذا التقيا لم يتفرّقا حتّى يقرأ أحدهما على الآخر

ـــــــــــــــــ

( ١ ) صحاح اللغة ٢ : ٨٩٣ مادة ( معز ) .

( ٢ ) الفتح : ٢٩ .

( ٣ ) صحاح اللغة للجوهري ١ : ١٠٤ مادة ( جيب ) .

( ٤ ) الأنفال : ٢ .

( ٥ ) الطبقات لابن سعد ٢ ق ١ : ٦٠ ، و الطبري في تاريخه ٢ : ٢٥٦ سنة ٦ و النقل بتلخيص .

٤٠٥

و العصر . إنّ الإنسان لفي خسر ١ إلى آخرها ، ثمّ يسلّم أحدهما على الآخر ٢ .

و رووا أنّ أصحاب النبيّ صلى اللّه عليه و آله كانوا يتهيؤون لآداب يوم الجمعة من يوم الخميس ٣ .

و روى ( قرب الإسناد ) : أنّ أمير المؤمنين عليه السّلام صاحب رجلا ذميّا ، فقال له الذّمّي : أين تريد يا عبد اللّه ؟ قال : أريد الكوفة . فلمّا عدل الطريق بالذمي عدل معه عليّ عليه السّلام ، فقال الذمّي له : ألست تريد الكوفة ؟ قال عليه السّلام : بلى . فقال له الذمّي :

فقد تركت الطريق . فقال له : قد علمت . فقال له : فلم عدلت معي ، و قد علمت ذلك ؟

فقال له عليّ عليه السّلام : هذا من تمام حسن الصحبة ، أن يشيّع الرجل صاحبه هنيئة إذا فارقه ، هكذا أمرنا نبيّنا صلى اللّه عليه و آله و سلم . فقال له : هكذا قال ؟ قال : نعم . فقال له الذمّي :

لا جرم إنّما تبعه من تبعه لأفعاله الكريمة ، و أنا أشهدك أنّي على دينك . فرجع الذمي مع عليّ عليه السّلام ، فلمّا عرفه أسلم ٤ .

٣٦

الحكمة ( ٩٦ ) و قال عليه السّلام :

إِنَّ أَوْلَى اَلنَّاسِ بِالْأَنْبِيَاءِ أَعْمَلَهُمْ بِمَا جَاءُوا ثُمَّ تَلاَ ع إِنَّ أَوْلَى اَلنَّاسِ ؟ بِإِبْراهِيمَ ؟ لَلَّذِينَ اِتَّبَعُوهُ وَ هذَا ؟ اَلنَّبِيُّ ؟ وَ اَلَّذِينَ آمَنُوا ٣ : ٦٨ ثُمَّ قَالَ ع إِنَّ وَلِيَّ ؟ مُحَمَّدٍ ؟ مَنْ أَطَاعَ اَللَّهَ وَ إِنْ بَعُدَتْ لُحْمَتُهُ وَ إِنَّ

ـــــــــــــــــ

( ١ ) العصر : ١ ٢ .

( ٢ ) أسد الغابة لابن الأثير ٣ : ١٤٤ .

( ٣ ) احياء علوم الدين للغزالي ١ : ١٦١ .

( ٤ ) قرب الإسناد للحميري : ٧ ، و الكافي للكليني ٢ : ٦٧٠ ح ٥ .

( ٥ ) آل عمران : ٦٨ .

٤٠٦

عَدُوَّ ؟ مُحَمَّدٍ ؟ مَنْ عَصَى اَللَّهَ وَ إِنْ قَرُبَتْ لُحْمَتُهُ « إنّ أولى الناس بالأنبياء أعملهم » قال ابن أبي الحديد الرواية « أعلمهم » ،

و الصحيح ( أعملهم ) لأن استدلاله بالآية يقتضي ، و كذا قوله عليه السّلام فيما بعد ١ .

و قال ابن ميثم : ( أعلمهم ) صحيح لأنّ العمل موقوف على العلم ٢ .

قلت : العلم شرط للعمل لا سبب له ، و إنّما يطلق السبب على المسبّب لتلازمهما ، لا الشرط على المشروط ، لا سيما مع كثرة تخلّف العمل عن العلم ،

و كون العلماء غير العاملين أكثر من العلماء العاملين ، و هو عليه السّلام في مقام بيان الأهمية لنفس العمل ، فالصحيح ( أعملهم ) و حيث إنّ الفرق بينه و بين ( أعملهم ) في الخطّ قليل وقع التصحيف من المصنّف أو غيره قبله أو بعده .

« بما جاؤوا » من الشرائع .

« ثمّ تلا » شاهدا لكلامه قوله تعالى :

إنّ أولى الناس بإبراهيم للّذين اتّبعوه و هذا النبيّ . . . » لأنّه صلى اللّه عليه و آله كان أتبع الناس لإبراهيم . قال تعالى : ثمّ أوحينا إليك أن اتّبع ملّة إبراهيم حنيفا . . . ٣ .

و في ( طبقات كاتب الواقدي ) : قال قوم من بني مدلج لعبد المطلب :

احتفظ به ( يعنون محمّدا صلى اللّه عليه و آله ) فإنّا لم نر قدما أشبه بالقدم التي في المقام منه .

فقال عبد المطلب لأبي طالب : اسمع ما يقول هؤلاء . فكان أبو طالب يحتفظ به ٤ .

« و الّذين آمنوا » إيمانا حقيقيّا ، و الآية في سورة آل عمران .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ٤ : ٢٨٣ .

( ٢ ) هذا مفهوم كلام ابن ميثم في شرحه ٥ : ٢٨٩ لا صريح قوله .

( ٣ ) النحل : ١٢٣ .

( ٤ ) الطبقات لابن سعد ١ ق ١ : ٧٤ .

٤٠٧

« ثمّ قال إنّ وليّ محمّد صلى اللّه عليه و آله من أطاع اللّه و إن بعدت لحمته ، و إنّ عدوّ محمّد صلى اللّه عليه و آله من عصى اللّه ، و إن قربت لحمته » لحمة بالضم : القرابة ، قال ابن أبي الحديد في الحديث الصحيح : يا فاطمة بنت محمّد إنّي لا أغني عنك من اللّه شيئا ١ . و قال رجل لجعفر بن محمّد عليه السّلام : أرأيت قول النبيّ صلى اللّه عليه و آله : إنّ فاطمة أحصنت فرجها فحرّم اللّه ذريّتها على النار ، أليس هذا أمانا لكلّ فاطميّ في الدّنيا ؟ فقال : إنّك لأحمق إنّما أراد حسنا و حسينا لأنّهما من الخمسة أهل البيت ، فأمّا من عداهما فمن قعد به عمله لم ينهض به نسبه ٢ .

قلت : و روى ( عيون ابن بابويه ) عن ياسر ، و الوشا ، و ابن الجهم : أنّ الرضا عليه السّلام قال لأخيه زيد بن موسى المعروف بزيد النار : أغرّك قول سفلة أهل الكوفة « إنّ فاطمة أحصنت فرجها فحرّم اللّه ذريّتها على النار » ذلك للحسن و الحسين خاصّة ، إن كنت ترى أنّك تعصي اللّه عزّ و جلّ و تدخل الجنّة ، و موسى بن جعفر أطاع اللّه و دخل الجنّة ، فأنت إذن أكرم على اللّه عزّ و جلّ من موسى بن جعفر ، و اللّه ما ينال أحد ما عند اللّه عزّ و جلّ إلاّ بطاعته ، و زعمت أنّك تناله بمعصيته ، فبئس ما زعمت . فقال له زيد : أنا أخوك ، و ابن أبيك . فقال له :

أنت أخي ما أطعت اللّه عزّ و جلّ ، إنّ نوحا قال : . . . ربّ إنّ ابني من أهلي و إنّ وعدك الحقّ و أنت أحكم الحاكمين ٣ فقال عزّ و جلّ له : . . . يا نوح إنّه ليس من أهلك إنّه عمل غير صالح . . . ٤ فأخرجه اللّه عزّ و جلّ من أن يكون أهله بمعصية و زاد في ( رواية الوشا ) : إنّه عليه السّلام التفت إلى الوشا ، و قال له : و أنت إذا

ـــــــــــــــــ

( ١ ) صحيح مسلم ١ : ١٦٢ ح ٣٥١ ، ٣٥٢ و سنن النسائي ٦ : ٢٥٠ و غيرهما .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ٤ : ٢٨٣ ، و أخرج هذا المعنى الصدوق في عيون الأخبار ٢ : ٢٣٤ ح ١ عن الرضا عليه السّلام و أخرج معناه بطرق ثلاثة الصدوق في معاني الأخبار : ١٠٦ ، ١٠٧ ح ٢ ٤ عن الصادق عليه السّلام .

( ٣ ) هود : ٤٥ .

( ٤ ) هود : ٤٦ .

٤٠٨
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد الثاني الشيخ محمد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

أطعت اللّه تعالى فأنت منّا أهل البيت و زاد في ( رواية ابن الجهم ) : و قال عليه السّلام له :

يابن الجهم من خالف دين اللّه فابرأ منه كائنا من كان ، من أيّ قبيلة كان ، و من عادى اللّه فلا تواله كائنا من كان ، و من أيّ قبيلة كان . فقلت : يابن رسول اللّه ،

و من الّذي يعادي اللّه ؟ قال : من يعصيه ١ .

و عن النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم قال لبني عبد المطلّب ، و بني هاشم : إنّي رسول اللّه إليكم ، و إنّي شفيق عليكم و إنّ لي عملي ، و لكلّ رجل منكم عمله ، لا تقولوا : إنّ محمّدا منّا ، و سندخل مدخله ، فلا و اللّه ما أوليائي منكم و لا من غيركم يا بني عبد المطلب إلاّ المتّقون ، إلاّ فلا أعرفكم يوم القيامة تأتون تحملون الدّنيا على ظهوركم ، و يأتون الناس يحملون الآخرة ، ألا إنّي قد أعذرت إليكم فيما بيني و بينكم ، و فيما بيني و بين اللّه عزّ و جلّ فيكم ٢ .

و قال : يا بني عبد المطّلب إيتوني بأعمالكم لا بأحسابكم و أنسابكم ، قال عزّ و جلّ : فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ و لا يتساءلون ٣ .

و عن الرضا عليه السّلام : قال عليّ بن الحسين عليه السّلام : لمحسننا كفلان من الأجر ،

و لمسيئنا ضعفان من العذاب ٤ .

و عن الكاظم عليه السّلام : أنّ إسماعيل قال لأبيه الصادق عليه السّلام : ما تقول في المذنب منّا و من غيرنا ؟ فقال عليه السّلام : ليس بأمانيكم و لا أمانيّ أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به . . . ٥ .

و عن موسى الرّازي : قال رجل للرضا عليه السّلام : و اللّه ما على وجه الأرض

ـــــــــــــــــ

( ١ ) أخرج الأحاديث الثلاثة الصدوق في عيون الأخبار للصدوق ٢ : ٢٣٤ ، ٢٣٦ ح ١ ، ٤ ، ٦ و النقل بتصرف .

( ٢ ) الكافي للكليني ٨ : ١٨٢ ح ٢٠٥ ، و صفات الشيعة للصدوق : ٥ ح ٨ .

( ٣ ) عيون الأخبار للصدوق ٢ : ٢٣٧ ح ٧ ، و الآية ١٠١ من سورة ( المؤمنون ) .

( ٤ ) روى هذا المعنى الطبرسي في مجمع البيان ٨ : ٣٥٤ عن السجاد عليه السّلام و زيد بن علي .

( ٥ ) عيون الأخبار للصدوق ٢ : ٢٣٦ ح ٥ ، و الآية ١٢٣ من سورة النساء .

٤٠٩

أشرف منك أبا ؟ فقال : التقوى شرّفتهم ، و طاعة اللّه أحظّتهم . فقال له آخر : أنت و اللّه خير الناس . فقال له : لا تحلف يا هذا ، خير منّي من كان أتقى للّه و أطوع له ،

و اللّه ما نسخت هذه الآية . . . و جعلناكم شعوبا و قبائل لتعارفوا إنّ أكرمكم عند اللّه أتقاكم ١ . . . ٢ .

قلت : صدق عليه السّلام إن كان وجد أحد أتقى منه كان خيرا منه لكن لم يوجد ،

و عن الرضا عليه السّلام : إنّا أهل بيت وجب حقّنا برسول اللّه صلى اللّه عليه و آله ، فمن أخذ برسول اللّه حقّا ، و لم يعط الناس من نفسه مثله فلا حقّ له ٣ .

و عنه عليه السّلام و أومأ إلى عبد أسود من غلمانه : إن كان يرى أنّه خير من هذا بقرابتي من رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله إلاّ أن يكون لي عمل صالح ، فأكون أفضل به منه ٤ .

و عن الباقر عليه السّلام : يكتفي من اتخذ التشيّع أن يقول بحبّنا أهل البيت ، فو اللّه ما شيعتنا إلاّ من اتّقى اللّه و أطاعه ، و ما كانوا يعرفون إلاّ بالتواضع و التخشع ،

و أداء الأمانة ، و كثرة ذكر اللّه و الصوم و الصلاة ، و البرّ بالوالدين ، و التعهد للجيران من الفقراء ، و أهل المسكنة و الغارمين و الأيتام ، و صدق الحديث ،

و تلاوة القرآن ، و كفّ الألسن عن الناس إلاّ من خير ، و كانوا أمناء عشائرهم في الأشياء . فقال له جابر الجعفي : يابن رسول اللّه ما نعرف أحدا بهذه الصفة .

فقال : يا جابر لا تذهبنّ بك المذاهب ، حسب الرجل أن يقول : أحبّ عليّا و أتولاّه « ثمّ لا يكون مع ذلك فعّالا » فلو قال : إنّي أحبّ رسول اللّه ، و رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله خير من عليّ عليه السّلام ثمّ لا يتّبع سيرته ، و لا يعمل بسنّته ما نفعه حبّه إيّاه شيئا ، فاتّقوا

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الحجرات : ١٣ .

( ٢ ) أخرجهما الصدوق في عيون الأخبار ٢ : ٢٣٨ ح ٩ ، ١٠ .

( ٣ ) المصدر نفسه .

( ٤ ) عيون الأخبار للصدوق ٢ : ٢٣٨ ح ١١ .

٤١٠

اللّه و اعملوا لما عند اللّه ، ليس بين اللّه و بين أحد قرابة ، أحبّ العباد إلى اللّه تعالى ،

و أكرمهم عليه أتقاهم له و أعملهم بطاعته ، يا جابر و اللّه ما يتقرّب العبد إلى اللّه تعالى إلاّ بالطاعة ، ما معنا براءة من النار ، و لا على اللّه لأحد من حجّة . من كان للّه مطيعا فهو لنا وليّ ، و من كان للّه عاصيا فهو لنا عدوّ ، و لا تنال و لا يتنا إلاّ بالعمل و الورع ١ .

و حيث يقول تعالى لنبيّه صلى اللّه عليه و آله و سلم : قل إنّي أخاف إن عصيت ربّي عذاب يوم عظيم ٢ ، و لو تقوّل علينا بعض الأقاويل . لأخذنا منه باليمين . ثمّ لقطعنا منه الوتين ٣ كيف يتوقع النجاة بانتساب إليه صلى اللّه عليه و آله بلا عمل ، و مع سوء عمل ؟

بل قوله تعالى لنساء النبيّ صلى اللّه عليه و آله : . . . من يأت منكنّ بفاحشة مبيّنة يضاعف لها العذاب ضعفين و كان ذلك على اللّه يسيرا ٤ يدلّ على أشديّة عذاب المنسوبين إليه عليه السّلام في مخالفتهم ، و به صرّح السجّاد عليه السّلام في الخبر المتقدّم .

و أمّا ما نقلوا على لسان النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم : « و الطالحون لي » ٥ فأخبار موضوعة ، نظير قول اليهود و النصارى في ما وضعوا لأنفسهم : . . . نحن أبناء اللّه و أحبّاؤه . . . ٦ و قول بني إسرائيل : . . . لن تمسّنا النار إلاّ أيّاما معدودة قل أتّخذتم عند اللّه عهدا فلن يخلف اللّه عهده أم تقولون

ـــــــــــــــــ

( ١ ) صفات الشيعة للصدوق : ١١ ح ٢٢ .

( ٢ ) الأنعام : ١٥ .

( ٣ ) الحاقة : ٤٤ ٤٦ .

( ٤ ) الأحزاب : ٣٠ .

( ٥ ) لم أجده بهذا اللفظ ، نعم جاء هذا المعنى في أمر الشفاعة في أحاديث كثيرة .

( ٦ ) المائدة : ١٨ .

٤١١

على اللّه ما لا تعلمون ١ .

و روى ( الكافي ) صحيحا عن الصادق عليه السّلام قال : خطب النّبيّ صلى اللّه عليه و آله بمنى فقال : أيّها الناس ما جاءكم عنّي يوافق كتاب اللّه فأنا قلته ، و ما جاءكم يخالف كتاب اللّه فلم أقله ٢ .

و قال عليه السّلام : و كلّ حديث لا يوافق كتاب اللّه فهو زخرف ٣ .

هذا ، و روى الكشي عن عمر بن يزيد قال : قال لي أبو عبد اللّه عليه السّلام : يابن يزيد أنت و اللّه منّا أهل البيت . قلت له : جعلت فداك من آل محمّد ؟ قال : إي و اللّه من أنفسهم . قلت : من أنفسهم ؟ قال : إي و اللّه من أنفسهم يا عمر ، أما تقرأ كتاب اللّه عزّ و جلّ : إنّ أولى الناس بإبراهيم للّذين اتّبعوه و هذا النبيّ و الّذين آمنوا و اللّه وليّ المؤمنين ٤ .

٣٧

من الخطبة ( ٢١٢ ) وَ أَشْهَدُ أَنَّ ؟ مُحَمَّداً ؟ عَبْدُهُ وَ سَيِّدُ عِبَادِهِ كُلَّمَا نَسَخَ اَللَّهُ اَلْخَلْقَ فِرْقَتَيْنِ جَعَلَهُ فِي خَيْرِهِمَا لَمْ يُسْهِمْ فِيهِ عَاهِرٌ وَ لاَ ضَرَبَ فِيهِ فَاجِرٌ أقول : و في خطبة له عليه السّلام المروية في ( إثبات المسعودي ) في آباء النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم من آدم إلى مولده صلى اللّه عليه و آله : فلمّا أذنت الّلهم في انتقال محمّد عليه السّلام من صلب آدم ألّفت بينه و بين زوج خلقتها له سكنا ، و وصلت لهما به سببا فنقلته من بينهما إلى شيث إختيارا له بعلمك ، فأيّ بشر كان اختصاصه برسالتك ، ثمّ

ـــــــــــــــــ

( ١ ) البقرة : ٨٠ .

( ٢ ) الكافي للكليني ١ : ٦٩ ح ٥ ، و المحاسن للبرقي : ٢٢١ ح ١٣٠ ١٣١ ، و تفسير العياشي ١ : ٨ ح ١ .

( ٣ ) الكافي للكليني ١ : ٦٩ ح ٣ ، ٤ ، و المحاسن للبرقي : ٢٢٠ ح ١٢٨ ، و تفسير العياشي ١ : ٩ ح ٤ .

( ٤ ) أخرجه الكشي في معرفة الرجال اختياره : ٣٣١ ح ٦٠٥ ، و أبو علي الطوسي في أماليه ١ : ٤٤ المجلس ٢ ، و مضمون فلان منّا أهل البيت جاء لجمع ، منهم : سلمان و أبو ذر و عمّار و جابر و غيرهم ، و الآية ٦٨ من سورة آل عمران .

٤١٢

نقلته إلى أنوش فكان خلف أبيه في قبول كرامتك ، و احتمال رسالتك ، ثمّ قدّرت نقل النور إلى قينان و ألحقته في الخطوة بالسابقين ، و في المنحة بالباقين ، ثمّ جعلت مهلائيل رابع أجرامه قدرة تودعها من خلقك من تضرب لهم بسهم النبوّة ، و شرف الأبوة حتّى تناهى تدبيرك إلى اخنوع . . . ثمّ أذنت في إيداعه ساما دون حام ، و يافث ، فضربت لهما بسهم في الذلّة ، و جعلت ما أخرجت بينهما لنسل سام خولا . ثمّ تتابع عليه القابلون من حامل إلى حامل ، و مودع إلى مستودع من عترته في فترات الدهور حتّى قبله تارخ أطهر الأجسام و أشرف الأجرام ، و نقلته منه إلى إبراهيم عليه السّلام فأسعدت بذلك جدّه ، و أعظمت به مجده ، و قدّسته في الأصفياء ، و سمّيته دون رسلك خليلا ، ثمّ خصّصت به إسماعيل دون ولد إبراهيم فأنطقت لسانه بالعربيّة الّتي فضّلتها على سائر اللغات ، فلم تزل تنقله من أب إلى أب حتّى قبله كنانة عن مدركه . . . حتّى نقلته إلى هاشم خير آبائه بعد إسماعيل . . . ١ .

« و أشهد أنّ محمّدا عبده و سيّد عباده » حتّى الأنبياء و المرسلين .

« كلّما نسخ اللّه الخلق فرقتين جعله في خيرهما » يشهد له التاريخ في سلسلة آبائه و تدلّ عليه الخطبة المتقدّمة ، و في ( اعتقادات الصدوق ) : اعتقادنا في آباء النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم أنّهم مسلمون من آدم عليه السّلام إلى أبيه عبد اللّه ٢ ، و يجب أن يعتقد أنّ اللّه عزّ و جلّ لم يخلق خلقا أفضل من محمّد و الأئمّة عليهم السّلام ، و أنّهم أحبّ الخلق إلى اللّه تعالى و أكرمهم ، و أوّلهم إقرارا به لمّا أخذ اللّه ميثاق النبيّين . ثم قال : و نعتقد أنّ اللّه تعالى خلق جميع الخلق له صلى اللّه عليه و آله و لأهل بيته عليهم السّلام ، و أنّه لولاهم لما خلق اللّه سبحانه السماء و الأرض ٣ .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الإثبات للمسعودي : ١٠٧ .

( ٢ ) الاعتقادات للصدوق : ٤٥ .

( ٣ ) الاعتقادات للصدوق : ٣٥ .

٤١٣

« لم يسهم فيه عاهر » أي : رجل زان ، و الأصل فيه : من أتي المرأة ليلا للفجور ، ثمّ غلب على المطلق .

« و لا ضرب فيه » بأن يكون دخيلا في نسبه .

« فاجر » أي : فاسق ، و الأصل فيه : الميل عن الصواب ، و قال الراعي النميري :

كانت نجائب منذر و محرّق

أمّاتهن و طرقهن فحيلا

١ هذا ، و في ( البلدان ) في ( كوثى ) : عن عبيدة السلماني سمعت عليّا عليه السّلام يقول : من كان سائلا عن نسبنا فإنّنا نبط من كوثى . و عن ابن الاعرابي : قال رجل لعليّ عليه السّلام : أخبرني عن أصلكم معاشر قريش . فقال : نحن من كوثى .

فقال قوم : أراد عليه السّلام كوثى السواد الّتي ولد بها إبراهيم الخليل عليه السّلام . و قال آخرون أراد كوثى مكّة ، و ذلك أنّ محلّة بني عبد الدار يقال لها : كوثى . فأراد أنّا مكّون من أم القرى مكّة . و قال قوم : أراد عليه السّلام أنّ أبانا إبراهيم عليه السّلام كان من نبط كوثى ، و أنّ نسبنا ينتهي إليه ٢ .

و في ( اعتقادات الصدوق ) : قال النبيّ صلى اللّه عليه و آله : أخرجت من نكاح و لم أخرج من سفاح ، من لدن آدم‏عليه السّلام ٣ .

و في ( الطبقات ) عن الكلبي : كتب للنبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم خمسمائة أمّ ، فما وجدت فيهنّ سفاحا ، و لا شيئا ممّا كان من أمر الجاهلية ٤ .

و في ( المروج ) : أنّ النبيّ صلى اللّه عليه و آله لمّا دفع إلى حليمة ، قال عبد المطلب

ـــــــــــــــــ

( ١ ) لسان العرب ١١ : ٥١٦ مادة ( فحل ) .

( ٢ ) معجم البلدان للحموي ٤ : ٤٨٨ و النقل بتقطيع .

( ٣ ) رواه الصدوق في الاعتقادات : ٤٥ ، و ابن سعد بثلاث طرق في الطبقات ١ ق ١ : ٣١ ، ٣٢ ، و البيهقي في الدلائل عنه منتخب كنز العمال ٤ : ٢٣٣ ، و قد مرّ الحديث في العنوان ٣ من الفصل الخامس .

( ٤ ) الطبقات لابن سعد ١ ق ١ : ٣١ .

٤١٤

في رواية :

لا همّ ربّ الراكب المسافر

يحمد قلب بخير طائر

تنح عن طريقه الفواجر

وحيه برصد الطواهر

و احبس كل حلف فاجر

في درج الريح و الأعاصر

١ ثمّ مرمى كلامه عليه السّلام : أنّ باقي الناس أسهم فيهم العاهر أبا ، و ضرب فيهم الفاجر أمّا .

و روى القمي في تفسير قوله تعالى : . . . لا تسألوا عن أشياء إنّ تبد لكم تسؤكم . . . ٢ : أنّ صفية بنت عبد المطلب مات ابن لها فأقبلت ، فقال لها الثاني ( يعني عمر ) : غطّي قرطك ، فإنّ قرابتك من النبيّ صلى اللّه عليه و آله لا تنفعك شيئا . فقالت له :

هل رأيت لي قرطا يابن اللخناء . ثمّ دخلت على النبيّ صلى اللّه عليه و آله لا تنفعك شيئا . فقالت له :

هل رأيت لي قرطا يابن اللخناء . ثمّ دخلت على النبيّ صلى اللّه عليه و آله فأخبرته بذلك و بكت ،

فخرج النبيّ صلى اللّه عليه و آله فنادي الصلاة جامعة . فاجتمع الناس ، فقال : ما بال أقوام يزعمون أنّ قرابتي لا تنفع ؟ لو قد قربت المقام المحمود لشفعت في أحوجكم ،

لا يسألني اليوم أحد : من أبواه ، إلاّ أخبرته . فقام إليه رجل ، فقال : من أبي ؟ فقال :

أبوك غير الّذي تدعى له ، أبوك فلان بن فلان . فقام آخر ، فقال : من أبي يا رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم ؟ فقال : أبوك الّذي تدعى له . ثمّ قال النبيّ صلى اللّه عليه و آله : ما بال الّذي يزعم أنّ قرابتي لا تنفع لا يسألني عن أبيه ؟ فقام إليه الثاني ( يعنى عمر ) فقال له : أعوذ باللّه من غضب اللّه و غضب رسوله اعف عنّي . . . ٣ .

و روى هشام الكلبي في ( مثالبه ) كما في ( الطرائف ) : أنّ صهاك الّتي كان عمر ينسب إليها كانت أمة حبشية لهاشم بن عبد مناف ، فوقع عليها نضلة بن

ـــــــــــــــــ

( ١ ) مروج الذهب للمسعودي ٢ : ٢٧٤ .

( ٢ ) المائدة : ١٠١ .

( ٣ ) تفسير القمي ١ : ١٨٨ .

٤١٥

هاشم ، ثمّ وقع عليها عبد العزى بن رياح فجاءتا بنفيل جدّ عمر ١ .

و قال الجاحظ في ( مفاخرات قريش ) و قد نقله ابن أبي الحديد في موضع آخر : بلغ عمر بن الخطاب أنّ أناسا من رواة الأشعار و حملة الآثار يعيبون الناس ، و يثلبونهم في أسلافهم . فقام على المنبر و قال : إيّاكم و ذكر العيوب و البحث عن الأصول ، فلو قلت : لا يخرج اليوم من هذه الأبواب إلاّ من لا وصمة فيه ، لم يخرج منكم أحد . فقام رجل من قريش نكره أن نذكره ، فقال : إذن كنت أنا و أنت يا أمير المؤمنين نخرج . فقال : كذبت ، بل كان يقال لك : يا قين بن قين ،

اقعد . قال ابن أبي الحديد : و الرجل الّذي قام هو المهاجر بن خالد بن الوليد بن المغيرة المخزومي ، كان عمر يبغضه لبغضه أباه خالدا ، و لأنّ المهاجر كان علوي الرأي جدّا ، و كان أخوه عبد الرحمن بخلافه ، شهد المهاجر صفين مع عليّ عليه السّلام و شهدها عبد الرحمن مع معاوية ، و كان المهاجر مع عليّ عليه السّلام في يوم الجمل و فقئت ذاك اليوم عينه ٢ .

و قال ابن أبي الحديد أيضا : روى هذا الخبر المدائني في كتاب ( أمّهات الخلفاء ) و قال : إنّه روي عند جعفر بن محمّد عليه السّلام بالمدينة فقال : لا تلمه يابن أخي ، أشفق أن يخدج بقضيّة نفيل بن عبد العزى ، و صهاك أمة الزبير بن عبد المطّلب ٣ .

قلت : الأصل في ما نقله عن المدائني ما رواه الكليني عن سماعة ، قال تعرّض رجل من ولد عمر بن الخطاب بجارية رجل عقيليّ ، فقالت له : إنّ هذا العمري قد آذاني ، فقال لها : عديه و أدخليه الدهليز . فأدخلته فشدّ عليه فقتله

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الطرائف ٢ : ٤٦٩ .

( ٢ ) نقلهما ابن أبي الحديد في شرحه ٣ : ٢٤ شرح الخطبة ٢١٢ .

( ٣ ) المصدر نفسه .

٤١٦

و ألقاه في الطريق . فاجتمع البكريون و العمريون و العثمانيون ، و قالوا : ما لصاحبنا كفو ، لن نقتل به إلاّ جعفر بن محمّد ، و ما قتل صاحبنا غيره . و كان الصادق عليه السّلام قد مضى نحو قبا . قال سماعة : فلقيته بما اجتمع القوم عليه ،

فقال : دعهم . فلما جاء و رأوه و ثبوا عليه ، و قالوا : ما قتل صاحبنا أحد غيرك ،

و ما نقتل به أحدا غيرك . فقال : ليكلّمني منكم جماعة . فاعتزل قوم منهم ، فأخذ بأيديهم فأدخلهم المسجد ، فخرجوا و هم يقولون : شيخنا أبو عبد اللّه جعفر بن محمّد ، معاذ اللّه أن يكون مثله يفعل هذا ، و لا يأمر به ، انصرفوا . قال سماعة :

فمضيت معه ، و قلت : جعلت فداك ، ما كان أقرب رضاهم من سخطهم ؟ قال :

نعم دعوتهم . فقلت : امسكوا و إلاّ أخرجت الصحيفة . فقلت : و ما هذه الصحيفة جعلني اللّه فداك ؟ فقال : إنّ أمّ الخطاب كانت أمة للزبير بن عبد المطلب ، فشطر بها نفيل فأحبلها ، فطلبه الزبير فخرج هاربا إلى الطائف ، فخرج الزبير خلفه فبصرت به ثقيف ، فقالوا : يا أبا عبد اللّه ما تعمل هاهنا ؟ قال : جاريتي شطر بها نفيلكم ، فهرب منها إلى الشام . و خرج الزبير في تجارة له إلى الشام ، فدخل على ملك الدومة ، فقال له : يا أبا عبد اللّه لي إليك حاجة . قال : و ما حاجتك أيها الملك ؟ فقال : رجل من أهلك قد أخذت ولده فأحبّ أن تردّه عليه . قال : ليظهر لي حتّى أعرفه . فلمّا أن كان من الغد دخل الزبير على الملك فلمّا رآه الملك ضحك ،

فقال : ما يضحكك أيّها الملك ؟ قال : ما أظنّ هذا الرجل ولدته عربية ، إنّه لمّا رآك قد دخلت لم يملك استه أن جعل يضرط . فقال : أيّها الملك إذا صرت إلى مكّة قضيت حاجتك . فلمّا قدم الزبير تحمّل عليه ببطون قريش كلّها أن يدفع إليه ابنه فأبى ثمّ تحمّل عليه بعبد المطلّب . فقال : ما بيني و بينه عمل ، أما علمتم ما فعل في ابني فلان ، و لكن امضوا أنتم إليه . فقصدوه فكلّموه ، فقال لهم الزبير :

إنّ الشيطان له دولة ، و إنّ ابن هذا ابن الشيطان و لست آمن أن يترأس علينا ،

٤١٧

و لكن ادخلوه من باب المسجد عليّ على أن أحمي له حديدة ، و أخطّ في وجهه خطوطا و أكتب عليه و على ابنه ألاّ يتصدّر في مجلس ، و لا يتأمّر على أولادنا ،

و لا يضرب معنا بسهم . ففعلوا و خطّ وجهه بالحديدة ، و كتب عليه الكتاب ،

و ذلك الكتاب عندنا ، فقلت لهم : إن أمسكتم ، و إلاّ أخرجت الكتاب ففيه فضيحتكم فأمسكوا . . . ١ .

و روى هشام الكلبي في ( مثالبه ) : أنّ صعبة بنت الحضرمي أمّ طلحة كانت لها راية بمكّة ، و استبضعت بأبي سفيان فوقع عليها ، و تزوّجها عبيد اللّه ابن عثمان فجاءت بطلحة لستّة أشهر ، فاختصم أبو سفيان و عبيد اللّه في طلحة ، فجعل أمرهما إلى صعبة ، فألحقته بعبيد اللّه ، فقيل لها : كيف تركت أبا سفيان ؟ فقالت : يد عبيد اللّه طلقة و يد أبي سفيان كزّة . و ذكر الكلبي شعر حسّان و غيره في ذلك ٢ .

و روى المسعودي في ( مروجه ) عن كتاب النوفلي عن ابن عايشة و غيره في خبر حجّ معاوية و طواف سعد معه : انصرف معاوية إلى دار الندوة ، فأجلسه ( يعني سعدا ) معه على سريره . . . فقال سعد : و اللّه إنّي لأحقّ بموضعك منك . فقال معاوية : يأبي عليك ذلك بنو عذرة . و كان سعد في ما يقال لرجل من بني عذرة . قال النوفلي : و في ذلك يقول السيّد بن محمّد الحميري :

أو رهط سعد و سعد كان قد علموا

عن مستقيم صراط اللّه صدّادا

قوم تداعوا زنيما ثمّ سادهم

لولا خمول بني زهر لما سادا

٣

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الكافي للكليني ٨ : ٢٥٨ ح ٣٧٢ .

( ٢ ) رواه من مثالب الكلبي المجلسيّ في متن البحار : ٤٠٩ .

( ٣ ) مروج الذهب للمسعودي ٣ : ١٤ ، أولها عن الطبري و آخرها عن كتاب النوفلي .

٤١٨

و تنازع ابن مسعود و سعد في أيّام عثمان ، فقال سعد لابن مسعود :

اسكت يا عبد هذيل . فقال له ابن مسعود : اسكت يا عبد عذرة .

و روى هشام الكلبي في ( مثالبه ) : أنّه كانت لحمامة بعض جدّات معاوية راية بذي المجاز ، و أنّ معاوية كان لأربعة : لعمّار بن الوليد المخزومي ، و لمسافر بن عمرو ، و لأبي سفيان ، و لرجل سمّاه .

قلت : و الرجل العبّاس كما رواه غيره .

قال : و كانت هند من المغتلمات ، و كان أحبّ الرجال إليها السودان ،

و كانت إذا ولدت أسود قتلته ١ .

و نقل سبط ابن الجوزي في ( تذكرته ) عن ( مثالب الكلبي ) : أنّ الحسين عليه السّلام قال لمروان : يابن الزرقاء الداعية إلى نفسها بسوق ذي المجاز صاحبة الراية بسوق عكاظ . قال : فذكر ابن إسحاق أنّ أمّ مروان اسمها أميّة ،

و كانت من البغايا في الجاهلية ، و كان لها راية مثل راية البيطار تعرف بها ،

و كانت تسمّى أمّ حتل الزرقاء ، و كان مروان لا يعرف له أب ، و إنّما نسب إلى الحكم كما نسب عمرو إلى العاص ٢ .

و كانت النابغة أمّ عمرو بن العاص من البغايا أصحاب الرايات بمكّة ،

فوقع عليها العاص بن وائل في عدّة من قريش منهم أبو لهب ، و أميّة بن خلف ،

و هشام بن المغيرة ، و أبو سفيان بن حرب في طهر واحد .

و روى القمي في ( تفسيره ) : أنّ النبيّ صلى اللّه عليه و آله لمّا أمر بقتل عقبة بن أبي معيط من أسارى بدر ، قال : يا محمّد ألم نقل لا تصبر قريش ؟ أي : لا يقتلون

ـــــــــــــــــ

( ١ ) رواه عنه المجلسي عن متن البحار : ٥٢٢ ، و رواه أيضا ابن أبي الحديد في شرحه ١ : ١٥٧ شرح الخطبة ٣٠ و النقل بتصرف يسير .

( ٢ ) رواه سبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص : ٢٠٤ ، ٢٠٨ و النقل بتقطيع .

٤١٩

صبرا . قال : أفأنت من قريش إنّما أنت علج من أهل صفورية ، لأنت في الميلاد أكبر من أبيك الّذي تدعى له ، لست منها ، قدّمه يا علي فاضرب عنقه ١ .

و رووا أنّ أمير المؤمنين عليه السّلام مرّ بثقيف فتغامزوا به ، فرجع إليهم و قال لهم : يا عبيد أبي رغال إنّما كان أبوكم عبد اللّه فهرب منه فثقفه ، أي : ظفر به ٢ .

و رووا أيضا أنّه عليه السّلام قال على المنبر : لقد هممت أن أضع على ثقيف الجزية لأنّ ثقيفا كان عبدا لصالح نبي اللّه ، و أنّه سرّحه إلى عامل له على الصدقة ، فهرب ٣ .

و لمّا كتب الحجاج إلى المهلّب و ذمّ قبيلة الأزد ، أجابه المهلّب في ذم قبيلته : إنّ شرّا من الأزد لقبيلة تنازعها ثلاث قبائل لم تستقر في واحدة منهنّ .

و في خبر الكلبي النسّابة مع الصادق عليه السّلام ، قال عليه السّلام له : أفتنسب نفسك ؟

قال : أنا فلان ابن فلان ابن فلان . فقال له : قف ليس حيث تذهب ، أتدري من فلان ؟ قال : نعم ابن فلان . قال : لا ، إنّ فلانا ابن الراعي الكردي كان علي جبل آل فلان ، فنزل إلى فلانة فأطعمها شيئا و غشيها ، فولدت فلانا ، و فلان ابن فلان من فلانة ، أتعرف هذه الأسامي ؟ قال : لا و اللّه ، فإن رأيت أن تكفّ . . . ٤ .

و في ( الطبري ) : إنّ مصعب بن الزبير لمّا أخرج خالد بن عبد اللّه بن خالد بن أسيد الّذي أرسله عبد الملك إلى البصرة في ولاية أخيه ، و كان أهلها أجاروه ، أرسل إلى رؤسائهم ، فأتي بهم ، فأقبل على عبيد اللّه بن أبي بكره ،

فقال : يا ابن مسروح ، إنّما أنت ابن كلبة تعاورها الكلاب ، فجاءت بأحمر

ـــــــــــــــــ

( ١ ) تفسير القمي ١ : ٢٦٩ .

( ٢ ) روى هذه المعاني الحاكم في المستدرك ، و البيهقي في السنن عنهما منتخب كنز العمال ٥ : ٢٩٨ ، و المسعودي في مروج الذهب ٢ : ٥٣ .

( ٣ ) المصدر نفسه .

( ٤ ) الكافي للكليني ١ : ٣٤٨ ح ٦ و النقل بتلخيص .

٤٢٠

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441