مرآة العقول الجزء ١١

مرآة العقول0%

مرآة العقول مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 407

مرآة العقول

مؤلف: الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي ( العلامة المجلسي )
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف:

الصفحات: 407
المشاهدات: 16403
تحميل: 5255


توضيحات:

المقدمة الجزء 1 المقدمة الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20 الجزء 21 الجزء 22 الجزء 23 الجزء 24 الجزء 25 الجزء 26
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 407 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 16403 / تحميل: 5255
الحجم الحجم الحجم
مرآة العقول

مرآة العقول الجزء 11

مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
العربية

فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ رَبَّنا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ وَقِهِمُ السَّيِّئاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ »(١) وقوله عزوجل «وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهاناً إِلاَّ مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صالِحاً فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً »(٢) .

والعلم والمبالغة في عمومهما ، وتقديم الرحمة لأنها المقصود بالذات هيهنا «فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ » أي للذين علمت منهم التوبة واتباع سبيل الحق «وَقِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ » أي واحفظهم عنه وهو تصريح بعد إشعار للتأكيد ، والدلالة على شدة العذاب «الَّتِي وَعَدْتَهُمْ » أي إياها «وَمَنْ صَلَحَ » عطف على هم الأول ، أي أدخلهم ومعهم هؤلاء ليتم سرورهم أو الثاني لبيان عموم الوعد «إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ » الذي لا يمتنع عليه مقدور «الْحَكِيمُ » الذي لا يفعل إلا ما تقتضيه حكمته ، ومن ذلك الوفاء بالوعد.

«وَقِهِمُ السَّيِّئاتِ » وهو تعميم بعد تخصيص أو مخصوص بمن صلح أو المعاصي في الدنيا لقوله : «وَمَنْ تَقِ السَّيِّئاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ » أي ومن تقها في الدنيا فقد رحمته في الآخرة كأنهم سألوا السبب بعد ما سألوا المسبب «وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ » يعني الرحمة أو الوقاية أو مجموعهما.

«فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ » قيل : بأن يمحو سوابق معاصيهم بالتوبة ويثبت مكانهم لواحق طاعاتهم أو يبدل ملكة المعصية في النفس بملكة الطاعة ، وقيل : بأن يوفقه لأضداد ما سلف منه أو بأن يثبت له بدل كل عقاب ثوابا كما ورد في الخبر.

__________________

(١) سورة المؤمن : ٧ ـ ٩.

(٢) سورة الفرقان : ٦٨.

٣٠١

٦ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن محبوب ، عن العلاء ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال يا محمد بن مسلم ذنوب المؤمن إذا تاب منها مغفورة له فليعمل المؤمن لما يستأنف بعد التوبة والمغفرة أما والله إنها ليست إلا لأهل الإيمان قلت فإن عاد بعد التوبة والاستغفار من الذنوب وعاد في التوبة فقال يا محمد بن مسلم أترى العبد المؤمن يندم على ذنبه ويستغفر منه ويتوب ثم لا يقبل الله توبته قلت فإنه فعل ذلك مرارا يذنب ثم يتوب ويستغفر الله فقال كلما عاد المؤمن بالاستغفار والتوبة عاد الله عليه بالمغفرة و «إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ » فإياك أن تقنط المؤمنين من رحمة الله.

٧ ـ أبو علي الأشعري ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن ابن فضال ، عن ثعلبة بن

الحديث السادس : صحيح.

« أترى العبد » الهمزة للإنكار ، وفيه دلالة على أن التوبة مقرونة بالقبول البتة ، ويدل عليه أيضا قول أمير المؤمنينعليه‌السلام : ما كان الله يفتح على عبد باب التوبة ويغلق عنه باب المغفرة ، ويدل عليه أيضا ظاهر الآيات ، وقال محيي الدين البغوي : التوبة من الكافر مقطوع بقبولها ، واختلف في قبولها من المعاصي فقيل كذلك ، وقيل : لا ينتهي إلى القطع لأن الظواهر التي جاءت بقبولها ليست بنص وإنما هي نصوصات معرضة للتأويل ، وقال عياض : قبولها ليس بواجب على الله تعالى عقلا ، وإنما علمناه بالشرع والإجماع خلافا للمعتزلة في إيجابهم ذلك عقلا على أصلهم في التحسين والتقبيح ، ويدل على تحريم تقنيط المؤمنين من رحمة الله الواسعة ، بل لا بد أن يكون الواعظ متوسطا بين الترغيب والترهيب.

وأما إذا كان الاغترار والرجاء غالبين على المستمعين فينبغي أن يزيد في الترهيب وإذا كان القنوط والخوف غالبين عليهم ينبغي أن يبالغ في الترغيب كما هو مقتضى البلاغة.

الحديث السابع : موثق.

٣٠٢

ميمون ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال سألته عن قول الله عز وجل : «إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ »(١) قال هو العبد يهم بالذنب ثم يتذكر فيمسك فذلك قوله «تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ ».

٨ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن عمر بن أذينة ، عن أبي عبيدة الحذاء قال سمعت أبا جعفرعليه‌السلام يقول إن الله تعالى أشد فرحا بتوبة عبده من رجل أضل راحلته وزاده في ليلة ظلماء فوجدها فالله أشد فرحا بتوبة

«إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ » قال البيضاوي : أي لمة منه وهو اسم فاعل من طاف يطيف كأنها طافت بهم ودارت حولهم ، فلم يقدر أن يؤثر فيهم ، أو من طاف به الخيال يطيف طيفا تذكروا ما أمر الله به ونهى عنه «فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ » بسبب التذكر مواقع الخطإ ومكائد الشيطان فيتحرزون عنها ولا يتبعونه فيها.

وقال في النهاية : طيف من الجن أي عرض منهم ، وأصل الطيف الجنون ثم استعمل في الغضب ومس الشيطان ووسوسته ، ويقال له طائف أيضا وقد قرأ بهما قوله تعالى : «إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا » الآية يقال : طاف يطيف ويطوف طيفا وطوفا فهو طائف ، ثم سمي بالمصدر ، انتهى.

« يهم » بالضم أي يقصد وقيل : بالكسر من الهميم وهو الذهاب في طريق ، فالباء للملابسة أو بناء المجهول من الأفعال والباء للآلة من الإهمام وهو الإزعاج ، ولا يخفى بعدهما.

الحديث الثامن : حسن كالصحيح.

« وزاده » وفي بعض النسخ ومزاده والأول أصوب ، في المصباح : زاد المسافر طعامه المتخذ لسفره ، والجمع أزواد والمزادة بكسر الميم وعاء التمر ، والمزادة مفعلة من الزاد لأنه يتزود فيها الماء ، ومثل هذا الحديث رواه مسلم في صحيحه بطرق متعددة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : لله أشد فرحا بتوبة عبده من رجل في أرض

__________________

(١) سورة الأعراف : ٢٠١.

٣٠٣

عبده من ذلك الرجل براحلته حين وجدها.

٩ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن محمد بن إسماعيل ، عن عبد الله بن عثمان ، عن أبي جميلة قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام إن الله يحب العبد المفتن التواب ومن لم يكن ذلك منه كان أفضل.

١٠ ـ عنه ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن النعمان ، عن محمد بن سنان ، عن يوسف بن أبي يعقوب بياع الأرز ، عن جابر ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال سمعته يقول التائب من الذنب كمن لا ذنب له والمقيم على الذنب وهو مستغفر منه كالمستهزئ.

دوية مهلكة معه راحلته عليها طعامه وشرابه فنام فاستيقظ وقد ذهبت فطلبها حتى أدركه العطش ، ثم قال : ارجع إلى مكاني الذي كنت فيه فأنام حتى أموت فوضع رأسه على ساعده ليموت فاستيقظ وعنده راحلته وعليها زاده وطعامه وشرابه ، فالله أشد فرحا بتوبة العبد المؤمن من هذا براحلته وزاده.

وقال في النهاية : الدو الصحراء التي لا نبات بها ، والدوية منسوبة إليها ، وقد يبدل من إحدى الواوين ألف فيقال : داوية على غير قياس ، نحو طائي في النسب إلى طيئ ، وقال في حديث التوبة : لله أشد فرحا بتوبة عبده ، الفرح هيهنا وفي أمثاله كناية عن الرضا وسرعة القبول وحسن الجزاء ، لتعذر إطلاق ظاهر الفرح على الله تعالى.

الحديث التاسع : ضعيف.

ويدل على أن التارك للذنب أفضل من التواب ، ولعله محمول على ما إذا لم يصر سببا لعجبه أو على ما إذا عرض له بترك المندوبات وفعل المكروهات مثل تلك الحالة كما كان للأنبياءعليهم‌السلام وقد مر تحقيق ذلك.

الحديث العاشر : ضعيف على المشهور.

« كمن لا ذنب له » أي في عدم العقوبة لا التساوي في الدرجة وإن كان غير مستبعد في بعض أفرادهما كما عرفت « كالمستهزء » أي بنفسه أو بشرائع الدين أو برب العالمين أي شبيه به لأنه يظهر الندم وليس بنادم حقيقة إذ الندامة الحقيقية تستتبع الترك كما عرفت ، ويظهر الخوف وليس كذلك ولو كان مستهزئا

٣٠٤

١١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه وعدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد جميعا ، عن ابن محبوب ، عن أبي حمزة ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال إن الله عز وجل أوحى إلى داودعليه‌السلام أن ائت عبدي دانيال فقل له إنك عصيتني فغفرت لك وعصيتني فغفرت لك وعصيتني فغفرت لك فإن أنت عصيتني الرابعة لم أغفر لك فأتاه داودعليه‌السلام فقال يا دانيال إنني رسول الله إليك وهو يقول لك إنك عصيتني فغفرت لك وعصيتني فغفرت لك وعصيتني فغفرت لك فإن أنت عصيتني الرابعة لم أغفر لك فقال له دانيال قد أبلغت يا نبي الله فلما كان في السحر قام دانيال فناجى ربه فقال يا رب إن داود نبيك أخبرني عنك أنني قد عصيتك فغفرت لي وعصيتك فغفرت لي وعصيتك فغفرت لي وأخبرني عنك أنني إن عصيتك الرابعة لم تغفر لي فو عزتك لئن لم تعصمني لأعصينك ثم لأعصينك ثم لأعصينك.

١٢ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن موسى بن القاسم ، عن جده

حقيقة لكان كافرا بالله العظيم ، وقيل : الظاهر أن الذنب أعم من أن يكون من نوع واحد أو من أنواع متعددة ، ففيه دلالة على ما ذهب إليه بعض المحققين من أن التوبة إنما يتحقق بالندم من جميع الذنوب والإقلاع عنها ، وفيه نظر.

الحديث الحادي عشر : حسن كالصحيح.

والعصيان محمول على ترك الأولى ، لأن دانيالعليه‌السلام كان من الأنبياء وهم معصومون من الكبائر والصغائر عندنا كما مر(١) « لئن لم تعصمني لأعصينك » فيه مع الإقرار بالتقصير اعتراف بالعجز عن مقاومة النفس وأهوائها ، وحث على التوسل بذيل الألطاف الربانية والاستعاذة من التسويلات النفسانية والوساوس الشيطانية.

الحديث الثاني عشر : ضعيف ، وقد مر عن معاوية بسند آخر.

__________________

(١) ويمكن أن يقال : إنّ دانيال في هذا الحديث اسم رجل كان من أمّة داودعليه‌السلام وليس المراد منه دانيال النبيّعليه‌السلام وليس في الحديث ما يدلّ على أنّه دانيال النبيّ (ع) حتى نحتاج إلى ما ذكره الشارح من الحمل.

٣٠٥

الحسن بن راشد ، عن معاوية بن وهب قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول إذا تاب العبد «تَوْبَةً نَصُوحاً » أحبه الله فستر عليه فقلت وكيف يستر عليه قال ينسي ملكيه ما كانا يكتبان عليه ويوحي الله إلى جوارحه وإلى بقاع الأرض أن اكتمي عليه ذنوبه فيلقى الله عز وجل حين يلقاه وليس شيء يشهد عليه بشيء من الذنوب.

١٣ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن جعفر بن محمد الأشعري ، عن ابن القداح ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إن الله عز وجل يفرح بتوبة عبده المؤمن إذا تاب كما يفرح أحدكم بضالته إذا وجدها.

باب

الاستغفار من الذنب

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن محمد بن حمران ، عن زرارة قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول إن العبد إذا أذنب ذنبا أجل من غدوة إلى الليل فإن استغفر الله لم يكتب عليه.

الحديث الثالث عشر : ضعيف ، وقد مر مضمونه.

باب الاستغفار من الذنوب(١)

الحديث الأول : مجهول.

« من غدوة إلى الليل » أي من مثل ذلك الزمان ، ويمكن أن يكون زمان التأجيل متفاوتا بحسب تفاوت الأشخاص والأحوال والذنوب ، أو يكون المراد بالغدوة قبل الزوال أو بالليل ما قرب منه ، فلا ينافي أخبار السبع ساعات ، وقيل : لم يحسب فيه ساعات النوم ، ويحتمل أن يكون المراد بالاستغفار التوبة بشرائطها وأن يكون محض طلب المغفرة وهو أظهر ، وقد يقال : الفرق بين التوبة والاستغفار أن التوبة ترفع عقوبة الذنوب ، و الاستغفار طلب الغفر والستر عن الأغيار كيلا يعلمه أحد ولا يكون عليه شاهد.

__________________

(١) كذا في النسخ وفي المتن « من الذنب ».

٣٠٦

٢ ـ عنه ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير وأبو علي الأشعري ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن صفوان ، عن أبي أيوب ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال من عمل سيئة أجل فيها سبع ساعات من النهار فإن قال أستغفر الله الذي «لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ » ثلاث مرات لم تكتب عليه.

٣ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه وأبو علي الأشعري ومحمد بن يحيى جميعا ، عن الحسين بن إسحاق ، عن علي بن مهزيار ، عن فضالة بن أيوب ، عن عبد الصمد بن بشير ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال العبد المؤمن إذا أذنب ذنبا أجله الله سبع ساعات فإن استغفر الله لم يكتب عليه شيء وإن مضت الساعات ولم يستغفر كتبت عليه سيئة وإن المؤمن ليذكر ذنبه بعد عشرين سنة حتى يستغفر ربه فيغفر له وإن الكافر لينساه من ساعته.

٤ ـ حميد بن زياد ، عن الحسن بن محمد ، عن غير واحد ، عن أبان ، عن زيد الشحام ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يتوب إلى الله عز وجل

الحديث الثاني : صحيح.

والحي إما منصوب صفة للجلالة أو مرفوع ببدلية الضمير أو كونه خبر مبتدإ محذوف ، وكان هذا بيان الفرد الأكمل لإطلاق سائر الأخبار.

الحديث الثالث : مجهول.

« كتبت عليه سيئة » بالرفع « ليذكر » على بناء المفعول من التفعيل ، ويحتمل المعلوم من المجرد لكنه بعيد « لينساه » على بناء المجهول أو المعلوم ، وذكر المؤمن من لطفه سبحانه ونسيان الكافر من سلب لطفه تعالى عنه ليؤاخذه بالكفر والذنب جميعا ، وحمل الكفر على كفر النعمة وكفر المخالفة بناء على أن كفر الجحود لا ينفع معه التوبة عن الذنب والاستغفار إلا عن الكفر بعيد ، لأن الكفر بالمعنيين الأولين يجامع الإيمان أيضا إلا أن يحمل الإيمان على الكامل.

الحديث الرابع : مرسل كالموثق.

٣٠٧

في كل يوم سبعين مرة فقلت أكان يقول : أستغفر الله وأتوب إليه قال لا ولكن كان يقول أتوب إلى الله قلت إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يتوب ولا يعود ونحن نتوب

« ولكن كان يقول أتوب إلى الله » أي بدون أستغفر الله أو معه ، وعلى الأول كان المراد أن الاستغفار لم يكن داخلا في هذا العمل وإن كان يستغفر بوجه آخر ، ويؤيد الأخير ما سيأتي في كتاب الدعاء في باب الاستغفار بإسناده عن الحارث ابن المغيرة عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يستغفر الله عز وجل كل غداة يوم سبعين مرة ، ويتوب إلى الله عز وجل سبعين مرة ، قال : قلت : كان يقول : أستغفر الله وأتوب إليه؟ قال : كان يقول أستغفر الله أستغفر الله سبعين مرة ، ويقول : أتوب إلى الله أتوب إلى الله سبعين مرة.

ثم اعلم أن استغفارهعليه‌السلام والأئمة لم يكن عن ذنب لاتفاق الإمامية على عصمتهم ، وقد مر الكلام في ذلك.

وقال الإربلي في كشف الغمة وغيره : أن الأنبياء لما كانت قلوبهم مستغرقة بذكر الله ومتعلقة بجلال الله ومتوجهة إلى كمال الله ، وكانت أتم القلوب صفاء وأكثرها ضياء وأغرقها عرفانا وأعرفها إذعانا وأكملها إيقانا ، كانوا إذا انحطوا عن تلك المرتبة العلية ، ونزلوا عن تلك الدرجة الرفيعة إلى الاشتغال بالمأكل والمشرب والتناكح والصحبة مع بني نوعه ، وغير ذلك من المباحات أسرعت كدورة ما إليها لكمال رقتها وفرط نورانيتها ، فإن الشيء كلما كان أرق وأنضر كان تأثره بالكدورات أبين وأظهر ، فعدوا ذلك ذنبا وخطيئة فتابوا واستغفروا كما روي عنه : حسنات الأبرار سيئات المقربين ، وإليه يشير قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ليران على قلبي وأنا أستغفر بالنهار سبعين مرة.

وقيل : أراد به تعليم الناس كيفية التوبة والاستغفار من الذنوب ، وقيل : هو محمول على الاعتراف بالعبودية وأن البشر في مظنة التقصير والعجز ، على أن رفع ذلك عن توبته ظاهر ، لأن التوبة في اللغة الرجوع إلى الحق عز شأنه و

٣٠٨

ونعود فقال «اللهُ الْمُسْتَعانُ ».

٥ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن علي بن الحكم ، عن أبي أيوب ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال من عمل سيئة أجل فيها سبع ساعات من النهار فإن قال أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه ثلاث مرات لم تكتب عليه.

٦ ـ عنه ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن فضال ، عن علي بن عقبة بياع الأكسية ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إن المؤمن ليذنب الذنب فيذكر بعد عشرين سنة فيستغفر الله منه فيغفر له وإنما يذكره ليغفر له وإن الكافر ليذنب الذنب فينساه من ساعته.

٧ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن ابن محبوب ، عن هشام بن سالم عمن ذكره ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال ما من مؤمن يقارف في يومه وليلته أربعين كبيرة فيقول وهو نادم أستغفر الله الذي «لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ * بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ * ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ » وأسأله أن يصلي على محمد وآل محمد وأن يتوب علي إلا غفرها الله عز وجل له ولا خير فيمن يقارف في يوم أكثر

إن لم تكن من ذنب ، يقال : تاب وآب وأناب إذا رجع إلى الحق.

« كان يتوب ولا يعود » كأنه توهم أن التوبة عن ذنب أو غرضه عدم العود إلى ترك الأولى ، أو المراد بالعود أصل الفعل على المشاكلة ، بناء على تجويز التقديم.

الحديث الخامس : صحيح وقد مر ، وحمل على ما إذا كان مع الندم كما سيأتي.

الحديث السادس : موثق وقد مر مثله.

الحديث السابع : مرسل.

ويشعر بأن الكبائر أكثر من أربعين ، لكن يحتمل تكرار كبيرة واحدة والتقييد بالندم لئلا يشبه استغفار المستهزئين « في يومه » أي مع ليلته بقرينة ما مر.

٣٠٩

من أربعين كبيرة.

٨ ـ عنه ، عن عدة من أصحابنا رفعوه قالوا قال لكل شيء دواء ودواء الذنوب الاستغفار.

٩ ـ أبو علي الأشعري ومحمد بن يحيى جميعا ، عن الحسين بن إسحاق وعلي بن إبراهيم ، عن أبيه جميعا ، عن علي بن مهزيار ، عن النضر بن سويد ، عن عبد الله بن سنان ، عن حفص قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول ما من مؤمن يذنب ذنبا إلا أجله الله عز وجل سبع ساعات من النهار فإن هو تاب لم يكتب عليه شيء وإن هو لم يفعل كتب الله عليه سيئة فأتاه عباد البصري فقال له بلغنا أنك قلت ما من عبد يذنب ذنبا إلا أجله الله عز وجل سبع ساعات من النهار فقال ليس هكذا قلت ولكني قلت ما من مؤمن وكذلك كان قولي.

١٠ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن محمد بن سنان ، عن عمار بن مروان قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام من قال أستغفر الله مائة مرة في كل

الحديث الثامن : مرفوع.

والظاهر أن ضمير قال للصادق أو الباقرعليهما‌السلام ، شبهعليه‌السلام الذنوب بالمرض المهلك ، وأثبت لها الدواء على سبيل المكنية والتخييلية وحمل الاستغفار على الدواء من باب حمل المشبه على المشبه به للدلالة على الاتحاد والتعريف للحصر.

الحديث التاسع : مجهول.

وقال الشيخ البهائيقدس‌سره : عبد الله بن سنان أكثر ما يرويه عن الصادقعليه‌السلام بدون واسطة ، وقد يروي عنه بواسطة كما رواه في كيفية الصلاة وصفتها من التهذيب بتوسط حفص الأعور تارة وبتوسط عمر بن يزيد أخرى ، ويدل على أن التأجيل مخصوص بالمؤمن لا الكافر والمخالف.

الحديث العاشر : ضعيف على المشهور.

٣١٠

يوم غفر الله عزوجل له سبعمائة ذنب ولا خير في عبد يذنب في كل يوم سبعمائة ذنب.

باب

فيما أعطى الله عز وجل آدمعليه‌السلام وقت التوبة

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن جميل بن دراج ، عن ابن بكير ، عن أبي عبد الله أو ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال إن آدمعليه‌السلام قال يا رب سلطت علي الشيطان وأجريته مني مجرى الدم فاجعل لي شيئا فقال : يا آدم

« غفر الله له سبعمائة ذنب » أي مما فعله في ذلك اليوم ثم قالعليه‌السلام : ولا خير « إلخ » لئلا يغتر العبد بذلك فيذنب كل يوم سبعمائة ذنب ، فإن مثله لا خير فيه ، ولا يوفق للاستغفار والتوبة ، والذنب يشمل الصغيرة والكبيرة والملفق منهما ، وليس كل في بعض النسخ في الموضعين ، فيمكن أن يكون المراد سبعمائة ذنب في عمره ، ويكون قولهعليه‌السلام : الأخير لبيان رفع توهم شموله لهذا الاحتمال.

باب فيما أعطى الله عز وجل آدم وقت التوبة

قيل : ما مصدرية ، ووقت مفعول ثان لأعطى ، أي من سعة زمان التوبة ، والمراد إما أبو البشرعليه‌السلام أو ذريته كما يقال قريش ويراد أولاده ، ويحتمل أن تكون ما موصولة ووقت التوبة ظرفا بأن يكون إعطاء ذلك في وقت توبته والأول أظهر.

الحديث الأول : حسن.

« سلطت على » أي على وعلى أولادي « وأجريته مني » روى العامة أيضا أن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم ، وقال بعضهم : ذهب قوم ممن ينتمي

٣١١

جعلت لك أن من هم من ذريتك بسيئة لم تكتب عليه فإن عملها كتبت عليه سيئة ومن هم منهم بحسنة فإن لم يعملها كتبت له حسنة فإن هو عملها كتبت له عشرا قال يا رب زدني قال جعلت لك أن من عمل منهم سيئة ثم استغفر له غفرت له قال يا رب زدني قال جعلت لهم التوبة أو قال بسطت لهم التوبة حتى تبلغ النفس هذه قال يا رب حسبي.

إلى ظاهر العلم إلى أن المراد به أن الشيطان لا يفارق ابن آدم ما دام حيا كما لا يفارقه دمه ، وحكي هذا عن الأزهري وقال : هذا طريق ضرب المثل ، والجمهور من علماء الأمة أجروا ذلك على ظاهره وقالوا : إن الشيطان جعل له هذا القدر من التطرق إلى باطن الآدمي بلطافة هيئته ، لمحنة الابتلاء ويجري في العروق التي هي مجاري الدم من الآدمي إلى أن يصل إلى قلبه فيوسوسه على حسب ضعف إيمان العبد وقلة ذكره وكثرة غفلته ، ويبعد عنه ويقل تسلطه وسلوكه إلى باطنه بمقدار قوة إيمانه ويقظته ، ودوام ذكره وإخلاص توحيده.

وما رواه المفسرون عن ابن عباس قال : إن الله جعل الشياطين من بني آدم مجرى الدم ، وصدور بني آدم مساكن لهم مؤيد لما ذهب إليه الجمهور وهم يسمون وسوسته لمة الشيطان ، ومن ألطافه تعالى أنه هيأ ذوات الملائكة على ذلك الوصف من أجل لطافتهم وأعطاهم قوة الحفظ لبني آدم ، وقوة الإلمام في بواطنهم ، وتلقين الخير لهم في مقابلة لمة الشيطان ، كما روي أن للملك لمة بابن آدم ، وللشيطان لمة ، لمة الملك إيعاد بالخير وتصديق بالحق ولمة الشيطان ، إيعاده بالشر وتكذيب بالحق ، فمن وجد من ذلك فليستعذ بالله من الشيطان ، وقالوا : إنما ينكر مثل هذا عقول أسراء العادات الذين استولت عليهم المألوفات ، فما لم يجدوا في مستقر عاداتهم أنكروه كما أنكر الكفار إحياء العظام النخرة وإعادة الأجسام البالية والذي يجب هو التسليم بما نطق به الخبر الصحيح ولا يأباه العقل السليم.

« أو بسطت » الترديد من الراوي « حتى تبلغ النفس » النفس بالتحريك ما يخرج من الحي عند التنفس ، وبالسكون الروح والأخير هنا أظهر ، والمقصود أن

٣١٢

٢ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن فضال عمن ذكره ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من تاب قبل موته بسنة قبل الله توبته ثم قال إن السنة لكثيرة من تاب قبل موته بشهر قبل الله توبته ثم قال : إن الشهر لكثير من تاب قبل موته بجمعة قبل الله توبته ثم قال إن الجمعة لكثير

باب التوبة مفتوح إلى أن يبلغ النفس الحلقوم وتتحقق الغرغرة ، فإذا بلغت هذه فلا توبة ، لأنه وقت المعاينة ، والتوبة إنما يكون في حال الغيب ، وروي من طريق العامة أن إبليس بعد ما صار ملعونا وأنظر قال : بعزتك لا أخرج عن قلب ابن آدم ما دام الروح في بدنه ، فقال الله تبارك وتعالى : بعزتي لا أسد باب التوبة عليه ما دام الروح في بدنه.

الحديث الثاني : مرسل.

« من تاب قبل موته بسنة » قال الشيخ البهائيقدس‌سره في الأربعين : المراد بقبول التوبة إسقاط العقاب المترتب على الذنب الذي تاب منه ، وسقوط العقاب بالتوبة مما أجمع عليه أهل الإسلام ، وإنما الخلاف في أنه هل يجب على الله حتى لو عاقب بعد التوبة كان ظلما أو هو تفضل بفعله سبحانه كرما منه ورحمة بعباده؟

المعتزلة على الأول والأشاعرة على الثاني ، وإليه ذهب الشيخ أبو جعفر الطوسيقدس‌سره في كتاب الاقتصاد ، والعلامة جمال الملة والدينرحمه‌الله في بعض كتبه الكلامية ، وتوقف المحقق الطوسيرحمه‌الله في التجريد ، ومختار الشيخين هو الظاهر ، ودليل الوجوب مدخول.

وقالرحمه‌الله في قوله : من تاب قبل أن يعاين ، أي يرى ملك الموت ، كما روي عن ابن عباس ، ويمكن أن يراد بالمعاينة علمه بحلول الموت وقطعه الطمع من الحياة وتيقنه ذلك كأنه يعاينه وأن يراد معاينة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأمير المؤمنينعليه‌السلام كما روي في الأخبار ، انتهى.

واعلم أنه استدل بهذا الخبر على جواز النسخ قبل الفعل ، فإن الأصوليين

٣١٣

من تاب قبل موته بيوم قبل الله توبته ثم قال إن يوما لكثير من تاب قبل أن يعاين قبل الله توبته.

٣ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن جميل ، عن زرارة ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال إذا بلغت النفس هذه وأهوى بيده إلى حلقه لم يكن

اختلفوا فيه ، وفيه نظر لأنه ليس تنافيها إلا بالمفهوم ، فيمكن أن يكون هذا التدريج لبيان اختلاف مراتب التوبة في القبول والكمال ، فإن التوبة الكاملة المشتملة على تدارك ما فات وتطهير النفس عن كدورات السيئات ، وتحليتها بأنوار التضرعات والحسنات لا يتأتى غالبا في أقل من سنة ، فإن لم يتيسر ذلك فلا أقل من شهر لتحصيل بعض تلك الأمور وهكذا.

الحديث الثالث : حسن كالصحيح.

وقد مر بعينه في باب لزوم الحجة على العالم ، إلا أنه زاد في آخره ثم قرأ «إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ ».

« لم يكن للعالم توبة » كان المراد بالعالم من شاهد أحوال الآخرة ، وبالجاهل من لم يشاهدها فإن مع بلوغ النفس إلى الحلق أيضا يحتمل عدم المشاهدة ، فالمراد بالعلم العلم اليقيني الحاصل بالمشاهدة ، ويحتمل أن يكون كلاهما محمولين على ما قبل المشاهدة ، ويكون المراد بالعالم والجاهل معناهما المتبادر ، وفيحمل إما على عدم قبول التوبة وكمالها للعالم ، أو عدم توفيقه للتوبة إن صح الإجماع ، وإلا فالخبر موافق لظاهر قوله تعالى : «إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولئِكَ يَتُوبُ اللهُ عَلَيْهِمْ وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً ، وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولئِكَ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً »(١) .

وقد قيل : في تأويل الآية وجوه : أحدها أن كل معصية يفعلها العبد جهالة

__________________

(١) سورة النساء : ١٧.

٣١٤

للعالم توبة وكانت للجاهل توبة.

٤ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن محمد بن سنان ، عن معاوية بن وهب قال خرجنا إلى مكة ومعنا شيخ متأله متعبد لا يعرف هذا الأمر يتم الصلاة في الطريق ومعه ابن أخ له مسلم فمرض الشيخ فقلت لابن أخيه لو عرضت هذا الأمر على عمك لعل الله أن يخلصه فقال كلهم دعوا الشيخ حتى يموت على حاله فإنه حسن الهيئة فلم يصبر ابن أخيه حتى قال له يا عم إن الناس ارتدوا بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلا نفرا يسيرا وكان لعلي بن أبي طالبعليه‌السلام من الطاعة ما كان لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وكان بعد رسول الله الحق والطاعة له قال : فتنفس الشيخ وشهق وقال أنا على هذا وخرجت نفسه فدخلنا على أبي عبد الله

وإن كانت على سبيل العمد لأنه يدعو إليها الجهل وهو المروي عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، وثانيها : إن معنى قوله : بجهالة أنهم لا يعلمون كنه ما فيه من العقوبة ، وثالثها : أنهم يجهلون أنها ذنوب ومعاصي ، وضعف الأخير بأنها خلاف الإجماع مفهوما ، وفسروا القريب بما قبل الموت ويمكن تأويل الآية بأن التوبة من الذنب الذي ليس بجهالة لا يجب على الله قبولها ، وإن قبلها بلطفه ووعده.

الحديث الرابع : ضعيف على المشهور.

والتأله التعبد والتنسك « يتم الصلاة » تأييد لعدم كونه شيعيا لأنه من فعل أهل السنة « مسلم » أي مؤمن أو بتشديد اللام ، أي منقاد للحق « لو عرضت » لو للتمني « فقال كلهم » أي الحاضرون ولعلهم كانوا من المخالفين أو المستضعفين « فإنه حسن الهيئة » الهيئة صورة الشيء وحاله وشكله أي كان متعبدا صالحا لا يضره الموت على تلك الحالة أو كان دينه حقا بناء على كونهم من المخالفين ، وقيل : فإنه ، كلام معاوية وتعليل لقوله : لعل الله أن يخلصه ، وتوسط كلام الغير لا ينافي الاتصال ، ولا يخفى بعده.

و « تنفس » أدخل النفس إلى باطنه وأخرجه و « شهق » كمنع وضرب

٣١٥

عليه‌السلام فعرض علي بن السري هذا الكلام على أبي عبد اللهعليه‌السلام فقال هو رجل من أهل الجنة قال له علي بن السري إنه لم يعرف شيئا من هذا غير ساعته تلك قال فتريدون منه ما ذا قد دخل والله الجنة.

باب اللمم

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن أبي أيوب ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قلت له أرأيت قول الله عز وجل «الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ إِلاَّ اللَّمَمَ »(١) قال هو الذنب يلم به الرجل فيمكث ما شاء الله ثم يلم به بعد.

وسمع شهيقا تردد البكاء في صدره ، وقيل : ردد نفسه مع سماع صوته من حلقه ، وقيل : فتريدون استفهام وما ذا اسم جنس بمعنى أي شيء كما قال الفارسي في قول الشاعر :

دعي ما ذا علمت سأتقيه

ولكن بالمغيب تنبئيني

باب اللمم

الحديث الأول : حسن كالصحيح.

وفي المصباح : اللمم بفتحتين مقاربة الذنب وقيل : هو الصغائر وقيل : هو فعل الصغيرة ثم لا يعاوده كالقبلة ، واللمم أيضا طرف من جنون يلم به الإنسان من باب قتل ، فهو ملموم وبه لمم ، وألم الرجل بالقوم إلماما أتاهم فنزل بهم ، وألم بالذنب فعله ، وألم الشيء قرب ، انتهى.

وقال سبحانه في سورة النجم : «لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى » ثم قال تعالى : «الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ » قال البيضاوي أي ما يكبر عقابه من الذنوب ، وهو ما رتب الوعيد عليه بخصوصه ، أي إلا ما قل وصغر فإنه مغفور من مجتنبي الكبائر ، والاستثناء منقطع ، وأقول : قد مر

__________________

(١) سورة النجم : ٣٣.

٣١٦

٢ ـ أبو علي الأشعري ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن صفوان ، عن العلاء ، عن محمد بن مسلم ، عن أحدهماعليهما‌السلام قال قلت له «الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ إِلاَّ اللَّمَمَ » قال الهنة بعد الهنة أي الذنب بعد الذنب يلم به العبد.

٣ ـ علي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس ، عن إسحاق بن عمار قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام ما من مؤمن إلا وله ذنب يهجره زمانا ثم يلم به وذلك قول الله عز وجل «إِلاَّ اللَّمَمَ » وسألته عن قول الله عز وجل : «الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ

الكلام في ذلك في باب الكبائر.

الحديث الثاني : صحيح.

وقال الجوهري : « هن » على وزن أخ كلمة كناية ، ومعناه شيء وأصله هنو تقول هذا هنك أي شيئك ، وتقول للمرأة : هنة وهنت ، وتصغيرها هنية وقد تبدل من الياء الثانية هاء ، فيقال : هنيهة ، ويقال : في فلان هنأت أي خصلات شر ، ولا يقال ذلك في الخير ، وفي النهاية فيه : ستكون هناة وهناة ، أي شرور وفساد يقال : في فلان هناة أي خصال شر ولا يقال في الخير ، وواحدها هنت وقد يجمع على هنوات ، وقيل : واحدها هنة تأنيث هن ، وهو كناية عن كل اسم جنس ، ومنه الحديث ، وذكر هنة من جيرانه أي حاجة ويعبر بها عن كل شيء ، وقال في المصباح : الهن خفيفة النون كناية عن كل اسم جنس ، والأنثى هنة ، ولأمها محذوفة وكنى بهذا الاسم عن الفرج ، ويعرب بالحروف ، فيقال : هنوها وهناها وهنيها ، مثل أخوها وأخاها وأخيها ، انتهى.

وعبر هنا عن الذنب بالهنة لقبحه أو لحقارته وقلته كناية عن عدم الإصرار عليه « يلم به العبد » أي ينزل به بعد تركه.

الحديث الثالث : موثق.

« يهجره » كينصر أي يتركه ، وقيل : العموم في هذا الكلام عموم عرفي كناية عن الكثرة ، وقد مر آخر الحديث في باب الكبائر ، وكان السؤال كان

٣١٧

كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ إِلاَّ اللَّمَمَ » قال الفواحش الزنى والسرقة واللمم الرجل يلم بالذنب فيستغفر الله منه.

٤ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن الحارث بن بهرام ، عن عمرو بن جميع قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام من جاءنا يلتمس الفقه والقرآن وتفسيره فدعوه ومن جاءنا يبدي عورة قد سترها الله فنحوه فقال له رجل من القوم جعلت فداك والله إنني لمقيم على ذنب منذ دهر أريد أن أتحول عنه إلى غيره فما أقدر عليه فقال له إن كنت صادقا فإن الله يحبك وما يمنعه أن ينقلك منه إلى

في وقت آخر ، أو كان السؤال لتفسير مجموع الآية.

الحديث الرابع : ضعيف.

« يلتمس الفقه » أي مسائل الدين والقرآن أي ألفاظه « يبدي عورة » العورة القبيح وكل ما يستحيي منه ، والظاهر أن المراد إبداء عورة نفسه من الإقرار بذنب يوجب حدا أو تعزيرا « فنحوه » أي أبعدوه حتى لا يعترف به عندنا بل يتوب بيته وبين الله ، ويحتمل أن يكون المراد عيوب غيره التي لم يشتهر بها ، سواء كان للغيبة أو لإقامة الشهادة فإن إخفاء العيوب أحسن ، لكن الأول أظهر ، وسيأتي ما يؤيده في كتاب الحدود إن شاء الله.

وقيل : قد أمرعليه‌السلام أصحابه الذين من أهل التفرس أن يمنعوا من الدخول عليه من هو من أهل الإذاعة والإبداء ، لأنه أصلح له ولهم ، ويندرج فيه إبداء أحاديثهم لغير أهلها وإذاعة أمرهم إلى أهل الجور وإظهار سرهم الذي ستره الله تعالى وأمر باستتاره حفظا له ولشيعته من أعدائهم لشدة الخوف والتقية منهم.

« إن كنت صادقا فإن الله يحبك » محبة الله لعبده عبارة عن علمه باستحقاق اللطف وإيصال الخير وإرادته ، فإذا علم الله تعالى أن عبدا من عباده لا يغتر بترك الذنوب ويبتلي بالعجب بكثرة الطاعة ، ويخرج نفسه عن حد التقصير والخوف منه يبتليه ببعض الذنوب ، وذلك لطف منه ورحمة على عبده لكي يخافه ويرجع

٣١٨

غيره إلا لكي تخافه.

٥ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حماد بن عيسى ، عن حريز ، عن إسحاق بن عمار ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال ما من ذنب إلا وقد طبع عليه عبد مؤمن يهجره الزمان ثم يلم به وهو قول الله عز وجل : «الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ إِلاَّ اللَّمَمَ » قال اللمام العبد الذي يلم الذنب بعد الذنب ليس من سليقته أي من طبيعته.

إليه ويعترف بتقصيره ، وهذا من أحسن الأحوال للإنسان كما أن العجب أسوأ الحالات له ، ولو لا ذلك لم يذنب مؤمن قط كما مر « إلا لكي تخافه » استثناء من مدلول الكلام السابق ، فإن قوله ما يمنعه أن ينقلك في قوة ما يترك نقلك لشيء.

الحديث الخامس : حسن موثق.

وفي القاموس : الطبع والطبيعة والطباع بالكسر السجية جبل الإنسان عليها أو الطباع ككتاب ما ركب فينا من المطعم والمشرب وغير ذلك من الأخلاق التي لا تزايلنا و « طبع عليه » كمنع ختم ، والطبع بالتحريك الوسخ الشديد الصداء ، والشين والعيب ، وطبع على الشيء بالضم جبل ، وفلان دنس وشين ، وفلان تطبع إذا لم تكن له نفاذ في مكارم الأمور كما يطبع السيف إذا كثر الصداء عليه ، وهو طبع طمع ككتف ، وفي الخلق لئيمه دنس لا يستحيي من سوءة ، والتطبيع التنجيس وتطبع بطباعه تخلق بأخلاقه ، و السليقة كسفينة الطبيعة. والخبر يحتمل وجوها : الأول : أن يكون المراد بالطبع أولا حصول الشوق له إلى فعله لعارض عرض له ويمكن زواله عنه ، ولذا يهجره زمانا ولو كان ذاته ، وإنما هو بأن يسلب عنه التوفيق فيستولي عليه الشيطان فيدعوه إلى فعله ، ثم تدركه الألطاف الربانية فتصرفه عنه ، وكل ذلك لصلاح حاله ، فليس ممن يقتضي ذاته الشر والفساد ، ولا ممن أعرض الله عنه ، ولم يعلم فيه خيرا ، بل هو ممن يحبه الله ويبتليه بذلك لإصلاح أحواله ، وينتهي إلى العاقبة المحمودة.

٣١٩

٦ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه وعدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد جميعا ، عن ابن محبوب ، عن ابن رئاب قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول إن المؤمن لا يكون سجيته الكذب والبخل والفجور وربما ألم من ذلك شيئا لا يدوم عليه قيل فيزني قال نعم ولكن لا يولد له من تلك النطفة.

الثاني : أن يكون من الطبع بمعنى الدنس والرين ، إما على بناء المجهول أيضا أو على بناء المعلوم كما قيل ، أي ليس ذنب إلا وقد تنجس وتدنس به عبد مؤمن ، فلا ينافي عدم كونه من سليقته.

الثالث : ما قيل : إنه من الطبع بمعنى الختم ، وهو مستلزم لمنع دخول الشيء فيه ، والمعنى أن المؤمن ممنوع من الدخول في الذنب زمانا على سبيل الكناية ، ثم يلم به لمصلحة وهو بعيد والأول أظهر.

الحديث السادس : حسن كالصحيح.

والسجية الخلق والطبيعة « ولكن لا يولد له من تلك النطفة » فإن قيل : قد نرى أنه يتولد من زناء المؤمن الولد؟ قلنا : للمؤمن معان كثيرة كما عرفت ، فلعله لا يكون مؤمنا بأحد تلك المعاني ، مع أن الخواتم لا يعلمها إلا الله تعالى ، ويحتمل أن يكون محمولا على الغالب ، وقيل : لعل المراد أن المتولد من تلك النطفة لا يكون ولدا له ولا يلحق به شرعا ، أو أنه لا يولد للمؤمن من تلك النطفة لأنه ليس مؤمن حين يزني فيكون إشارة إلى سلب الإيمان عنه حين الزنا ولا يخفى بعدهما.

٣٢٠