مرآة العقول الجزء ١١

مرآة العقول0%

مرآة العقول مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 407

مرآة العقول

مؤلف: الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي ( العلامة المجلسي )
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف:

الصفحات: 407
المشاهدات: 16380
تحميل: 5254


توضيحات:

المقدمة الجزء 1 المقدمة الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20 الجزء 21 الجزء 22 الجزء 23 الجزء 24 الجزء 25 الجزء 26
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 407 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 16380 / تحميل: 5254
الحجم الحجم الحجم
مرآة العقول

مرآة العقول الجزء 11

مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
العربية

بالمرء عيبا أن يبصر من الناس ما يعمى عنه من نفسه أو يعير الناس بما لا يستطيع تركه أو يؤذي جليسه بما لا يعنيه.

« أو يعير الناس » اعلم أن تعبير الغير من أعظم العيوب ، ويوجب ابتلاءه بذلك العيب كما مر في الأخبار ، فينبغي أن يرجع إلى نفسه ، فإن وجد فيها عيبا اشتغل به وبإصلاحه ورفعه ، ولا يترك نفسه ويذم غيره ، وإن عجز عن إصلاحه فينبغي أن يعذر غيره ، وإن لم يجد في نفسه عيبا فهو من أعظم عيوبه ، فإن تبرئة النفس من العيب جهل ، وهو ينشأ من عمى القلب قال تعالى حاكيا عن يوسف الصديق : «وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ ما رَحِمَ رَبِّي »(١) .

ثم الظاهر أن المراد بما يعمى عنه من نفسه وما لا يستطيع تركه أعم من أن يكون من جنس ما في الغير أو لم يكن ، مع احتمال المماثلة وعلى التقديرين لا ينبغي أن يعيب صاحبه لأن عيبه إما أن يكون مثل عيب صاحبه أو أكبر منه أو أصغر ، فإن كان أحد الأولين فينبغي أن يكون له في عيبه لنفسه شغل عن عيب صاحبه ، وإن كان الأخير فيضيف إلى عيبه الأصغر عيبا آخر أكبر وهو التعيير والغيبة ، وما كان المراد بعدم الاستطاعة هنا ما يصعب عليه تركه ، ولذلك لا يتركه لا أنه ليس له قدرة على الترك أصلا ، فإنه حينئذ لا يكون مكلفا به.

« أو يؤذي جليسه بما لا يعنيه » أي لا يهمه ولا ينفعه والضمير المنصوب إما راجع إلى المرء أو الجليس ، والأول أظهر أي يؤذيه بشيء لا فائدة له فيه ، فإن هذا أشد وأقبح أو لا فائدة للجليس فيه ، فإنه إن كان لنفعه كالنهي عن المنكر أو الأمر بالخيرات فهو حسن ، ويحتمل أن يكون المراد كثيرة الكلام بما ليس فيه طائل فإن ذلك يؤذي الجليس العاقل.

قال في النهاية : يقال هذا الأمر لا يعنيني أي لا يشغلني ويهمني ، ومنه الحديث من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه أي ما لا يهمه.

__________________

(١) سورة يوسف : ٥٣.

٣٨١

٢ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن علي بن النعمان ، عن ابن مسكان ، عن أبي حمزة قال سمعت علي بن الحسينعليه‌السلام يقول قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كفى بالمرء عيبا أن يبصر من الناس ما يعمى عليه من نفسه وأن يؤذي جليسه بما لا يعنيه.

٣ ـ محمد بن يحيى ، عن الحسين بن إسحاق ، عن علي بن مهزيار ، عن حماد بن عيسى ، عن الحسين بن مختار ، عن بعض أصحابه ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال كفى بالمرء عيبا أن يتعرف من عيوب الناس ما يعمى عليه من أمر نفسه أو يعيب على الناس أمرا هو فيه لا يستطيع التحول عنه إلى غيره أو يؤذي جليسه بما لا يعنيه.

٤ ـ علي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس ، عن أبي عبد الرحمن الأعرج وعمر بن أبان ، عن أبي حمزة ، عن أبي جعفر وعلي بن الحسين صلوات الله عليهم قالا إن أسرع الخير ثوابا البر وأسرع الشر عقوبة البغي وكفى بالمرء عيبا أن ينظر في عيوب غيره ما يعمى عليه من عيب نفسه أو يؤذي جليسه بما لا يعنيه أو ينهى الناس عما لا يستطيع تركه.

الحديث الثاني : صحيح.

الحديث الثالث : مرسل.

الحديث الرابع : صحيح وراويه هو راوي الحديثين الأولين.

٣٨٢

باب

أنه لا يؤاخذ المسلم بما عمل في الجاهلية

١ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن ابن محبوب ، عن جميل بن صالح ، عن أبي عبيدة ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال إن ناسا أتوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بعد ما أسلموا فقالوا يا رسول الله أيؤخذ الرجل منا بما كان عمل في الجاهلية بعد

باب أنه لا يؤاخذ المسلم بما عمل في الجاهلية(١)

الحديث الأول : صحيح.

والمراد بالإسلام الحسن أن يكون مقرونا بالإقرار بجميع أصول الدين ، ليخرج المخالفون وأضرابهم ، و بصحة يقين الإيمان أن لا يكون مشوبا بشك ونفاق ، وقال في المغرب : رجل سخف وفيه سخف ، وهو رقة العقل من قولهم : ثوب سخيف إذا كان قليل الغزل ، وقد سخف سخافة ، انتهى.

وكان المراد هنا ما كان مشوبا بشك ونفاق ، قال في النهاية : الجب القطع ومنه الحديث : إن الإسلام يجب ما قبله ، والتوبة تجب ما قبلها ، أي يقطعان ويمحو أن ما كان قبلهما من الكفر والمعاصي والذنوب ، انتهى.

فالإسلام الحسن يجب جميع ما وقع في أيام الكفر من حق الله وحق البشر إلا ما خرج بدليل ، مثل مال المسلم الموجود في يده ، وقيل : الظاهر أن هذا حال الحربي الذي أسلم ، وأما الذمي فلا يسقط إسلامه ما وجب من دم أو مال أو غيره لأن حكم الإسلام جار عليه على الظاهر ، والإسلام السخيف لا يجب ما قبله ، لأنه ليس بإسلام حقيقة فيؤخذ بالكفر الأول والآخر ، والعمل فيهما.

وفيه دلالة على أن الكافر مكلف بالفروع كما أنه مكلف بالأصول ، ويمكن

__________________

(١) هكذا عنوان المتن في نسخ الكافي ، لكن في نسخ مرآة العقول التي عندنا عنوان الباب هكذا : « باب وهو في جبّ الإسلام ما قبله وشرائطه ».

٣٨٣

إسلامه فقال لهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من حسن إسلامه وصح يقين إيمانه لم يؤاخذه الله تبارك وتعالى بما عمل في الجاهلية ومن سخف إسلامه ولم يصح يقين إيمانه أخذه الله تبارك وتعالى بالأول والآخر.

٢ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن القاسم بن محمد الجوهري ، عن المنقري ، عن فضيل بن عياض قال سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن الرجل يحسن في الإسلام أيؤاخذ بما عمل في الجاهلية فقال قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من أحسن في الإسلام لم يؤاخذ بما عمل في الجاهلية ومن أساء في الإسلام أخذ بالأول والآخر.

أن يراد بالإسلام الحسن الإسلام الثابت الذي لا يعقبه ارتداد ، وبالإسلام السخيف ما يعقبه ارتداد ، فإذا ارتد يؤخذ بكفره الأول والآخر.

ثم قال : وهذا التفسير لا يخلو من مناقشة ، لأن الإسلام قد جب الأول فكيف يؤخذ بعد الارتداد بالأول ويحكم بعود الزائل من غير سبب ، ويمكن أن يدفع بأن السبب هو الارتداد لأنه إذا ارتد حبطت أعماله ، ومن جملة أعماله إسلامه السابق فإذا أبطل إسلامه السابق بطل جبه ، وإذا بطل جبه يؤخذ بالكفر الأول أيضا ، ضرورة أن المسبب ينتفي بانتفاء سببه.

على أنه يمكن أن يقال : الذي يجب ما قبله هو الإسلام بشرط الاستمرار فإذا قطع الاستمرار بالارتداد ، علم أن هذا الإسلام لم يجب ما قبله ، فلا يلزم عود الزائل ، بل اللازم ظهور عدم زواله بذلك الإسلام.

ومنهم من فسر حسن الإسلام بالطاعة بأن يكون معه أعمال صالحة ، والإسلام السخيف ما كان مع المخالفة ، وجعل قوله : وصح يقين إيمانه وصفا آخر للإسلام ، ولا يخفى ضعفه ، لأنه يوجب أن يكون جب الإسلام ما قبله موقوفا على الطاعة والعمل ، وليس الأمر كذلك إذ لا دليل عليه ولم يقل به أحد.

الحديث الثاني : ضعيف ومضمونه قريب من الأول.

وكان المراد بالإساءة الإساءة المخرجة من الإيمان كما عرفت.

٣٨٤

باب

أن الكفر مع التوبة لا يبطل العمل

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن محبوب وغيره ، عن العلاء بن رزين ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال من كان مؤمنا فعمل خيرا في إيمانه ثم أصابته فتنة فكفر ثم تاب بعد كفره كتب له وحوسب بكل شيء كان عمله في إيمانه ولا يبطله الكفر إذا تاب بعد كفره.

باب أن الكفر مع التوبة لا يبطل العمل(١)

الحديث الأول : حسن كالصحيح.

وإطلاقه يدل على أن توبة المرتد مقبولة وإن كان فطريا ، وعلى المشهور مخصوصة بالملي لبعض الروايات الدالة على أن توبة الفطري غير مقبولة وقد مر تحقيقه.

__________________

(١) كذا عنوان المتن في النسخة المصحّحة التي عندنا من الكافي لكن في نسخة الشارح (ره) التي هي بخطه هكذا « باب وفيه بيان حال من آمن ثمّ ارتدّ ثمّ تاب » وفي النسخة المطبوعة والمنقول عن بعض المتن « باب توبة المرتدّ ».

٣٨٥

باب

المعافين من البلاء

١ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد وعلي بن إبراهيم ، عن أبيه جميعا ، عن ابن محبوب وغيره ، عن أبي حمزة ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال إن لله عز وجل ضنائن يضن بهم عن البلاء فيحييهم في عافية ويرزقهم في عافية ويميتهم في عافية ويبعثهم في عافية ويسكنهم الجنة في عافية.

باب(١)

الحديث الأول : حسن كالصحيح.

وقال الشيخ البهائي (ره) في رواية الحسن بن محبوب عن أبي حمزة الثمالي نظر لا يخفى ، وقال الجزري : في النهاية فيه أن لله ضنائن من خلقه يحييهم في عافية ، ويميتهم في عافية ، الضنائن الخصائص واحدهم ضنينة ، فعيلة بمعنى مفعولة ، من الضن وهو ما تختصه وتضن به أي تبخل ، لمكانة منك وموقعه عندك ، يقال : فلان ضني من بين إخواني وضنتي أي اختص به وأضن بمودته ، وقال الجوهري : ضننت بالشيء أضن به ضنا وضنانة إذا بخلت وهو ضنين به. وقال الغراء : وضننت بالفتح أضن لغة ، وفلان ضني من بين إخواني وهو شبه الاختصاص ، وفي الحديث : إن الله ضنا من خلقه ، الخبر ، وقال الفيروزآبادي : الضنين البخيل يضن بالفتح والكسر ضنانة وضنا بالكسر ، وهو ضني بالكسر أي خاص بي ، وضنائن الله خواص خلقه ، انتهى.

وقيل : المعنى يضن بالبلاء عنهم ، فإن البلاء نعمة كأنه يضن بها عنهم ولا يخفى بعده.

__________________

(١) كذا في النسخ الموجودة عندنا من الشرح لكن في نسخة الكافي هكذا « باب المعافين من البلاء ».

٣٨٦

٢ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن عثمان بن عيسى ، عن إسحاق بن عمار ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال سمعته يقول إن الله عز وجل خلق خلقا ضن بهم عن البلاء خلقهم في عافية وأحياهم في عافية وأماتهم في عافية وأدخلهم الجنة في عافية.

٣ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه وعدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد جميعا ، عن جعفر بن محمد ، عن ابن القداح ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إن لله عز وجل ضنائن من خلقه يغذوهم بنعمته ويحبوهم بعافيته ويدخلهم الجنة برحمته تمر بهم البلايا والفتن لا تضرهم شيئا.

باب

ما رفع عن الأمة

١ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن أبي داود المسترق قال حدثني عمرو بن مروان قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله رفع عن

الحديث الثاني : موثق.

الحديث الثالث : مجهول.

وفي القاموس حبا فلانا أعطاه بلا جزاء ولا من ، والاسم الحباء ككتاب والحياة مثلثة.

باب ( ما رفع عن الأمة )(١)

وهو مشتمل على ما لا يؤاخذ الله هذه الأمة به

الحديث الأول : ضعيف على المشهور.

« رفع عن أمتي » لعل المراد رفع المؤاخذة والعقاب ، ويحتمل أن يكون المراد في بعضها رفع أصله أو تأثيره أو حكمه التكليفي ولعل مفهوم قوله : عن أمتي

__________________

(١) ليس هذا العنوان موجودا في النسخ التي عندنا من الشرح بل الموجود فيها هكذا « باب وهو مشتمل على ».

٣٨٧

أمتي أربع خصال خطأها ونسيانها وما أكرهوا عليه وما لم يطيقوا وذلك

غير مراد في بعضها ، فالمراد اختصاص المجموع بهذه الأمة وإن اشترك البعض بينها وبين غيرها ، فالخطأ كما إذا أراد رمي صيد فأصاب إنسانا ، وكخطإ المفتي والطبيب والمراد هنا رفع الإثم ، فلا ينافي الضمان في الدنيا ، وإن كان ظاهره عدم الضمان أيضا ، وكذا رفع الإثم بالنسيان لا ينافي وجوب الإعادة عند نسيان الركن وسجدة السهو ، والتدارك عند نسيان بعض الأفعال.

وقيل : يفهم من الرفع أنهما يورثان الإثم والعقوبة ، ولكنه تعالى تجاوز عنهما رحمة وتفضلا ، و الإكراه أعم من أن يكون في أصول الدين أو فروعه مما يجوز فيه التقية ، لا فيما لا تقية فيه كالقتل.

« وما لم يطيقوا » أي التكاليف الشاقة التي رفعت عن هذه الأمة.

ثم استشهد للخصال الأربع وعدم المؤاخذة بها بالآيات وهي قوله تعالى : «رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا » قال في مجمع البيان : قيل فيه وجوه :

الأول : أن المراد بنسينا تركنا كقوله تعالى : «نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُمْ »(١) أي تركوا إطاعة الله فتركهم من ثوابه ، والمراد بأخطأنا أذنبنا لأن المعاصي توصف بالخطاء من حيث إنها ضد للصواب.

والثاني : أن معنى قوله : إن نسينا إن تعرضنا لأسباب يقع عندها النسيان عن الأمر أو الغفلة عن الواجب ، أو أخطأنا أي تعرضنا لأسباب يقع عندها الخطأ ويحسن الدعاء بذلك كما يحسن الاعتذار منه.

والثالث : أن معناه لا تؤاخذنا إن نسينا أي إن لم نفعل فعلا يجب فله على سبيل السهو والغفلة «أَوْ أَخْطَأْنا » أي فعلنا فعلا يجب تركه من غير قصد ، ويحسن هذا في الدعاء على سبيل الانقطاع إلى الله سبحانه ، وإظهار الفقر إلى مسائلته

__________________

(١) سورة التوبة : ٦٧.

٣٨٨

قول الله عز وجل : «رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ »(١) وقوله «إِلاَّ

والاستعانة به ، وإن كان مأمونا منه المؤاخذة بمثله ، ويجري ذلك مجرى قوله فيما بعد : «وَلا تُحَمِّلْنا » على أحد الأجوبة.

والرابع : ما روي عن ابن عباس وعطاء أن معناه لا تعاقبنا إن عصيناك جاهلين أو متعمدين.

وقوله : «رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً » قيل فيه وجهان : الأول : أن معناه لا تحمل علينا عملا نعجز عن القيام به ، وتعذبنا يتركه ونقضه عن ابن عباس وغيره والثاني : أن معناه لا تحمل علينا ثقلا يعني لا تشدد الأمر علينا «كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا » أي على الأمم الماضية والقرون الخالية ، لأنهم كانوا إذا ارتكبوا خطيئة عجلت عليهم عقوبتها ، وحرم عليهم بسببها ما أحل لهم من الطعام كما قال تعالى : «فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ »(٢) وأخذ عليهم العهود والمواثيق وكلفوا من أنواع التكاليف ما لم تكلف هذه الأمة تخفيفا عنها.

«رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ » قيل فيه وجوه : الأول : أن معناه ما يثقل علينا تحمله من أنواع التكاليف والامتحان ، مثل قتل النفس عند التوبة ، وقد يقول الرجل لأمر يصعب عليه : إني لا أطيقه ، والثاني : أن معناه ما لا طاقة لنا به من العذاب عاجلا وآجلا.

والثالث : أنه على سبيل التعبد وإن كان سبحانه لا يكلف ولا يحمل أحدا ما لا يطيقه ، انتهى.

وقال بعضهم : فإن قلت : الآية دلت على المؤاخذة والإثم بالخطإ والنسيان ، وإلا فلا فائدة للدعاء بعدم المؤاخذة ، فكيف تكون دليلا على الرفع المذكور؟ قلت : أولا قال بعض المحققين السؤال والدعاء قد يكون للواقع والغرض منه بسط

__________________

(١) سورة البقرة : ٢٨٦.

(٢) سورة النساء : ١٦٠.

٣٨٩

مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ »(١)

الكلام مع المحبوب ، وعرض الافتقار لديه ، كما قال خليل الرحمن وابنه إسماعيلعليهما‌السلام : «رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا » مع أنهما لا يفعلان غير المقبول ، وثانيا أنه قد صرح بعض المفسرين بأن الآية دلت على أن الخطأ والنسيان سببان للإثم والعقوبة ، ولا يمتنع عقلا المؤاخذة بهما إذ الذنب كالسم ، فكما أن السم يؤدي إلى الهلاك وإن تناوله خطأ كذلك الذنب ، ولكنه عز وجل وعد بالتجاوز عنه رحمة وتفضلا وهو المراد من الرفع ، فيجوز أن يدعو الإنسان به استدامة لها وامتدادا بها.

وقال بعضهم معنى الآية : ربنا لا تؤاخذنا بما أدى بنا إلى خطاء أو نسيان من تقصير ، وقلة مبالاة ، فإن الخطأ والنسيان أغلب ما يكونان من عدم الاعتناء بالشيء وهذا وإن كان رافعا للإيراد المذكور لكن فيه شيء لا يخفى على المتأمل.

والأصر الذنب والعقوبة وأصله من الضيق والحبس ، يقال أصره يأصره إذا حبسه وضيق عليه ، وقيل : المراد به الحمل الثقيل الذي يحبس صاحبه في مكانه ، والتكاليف الشاقة مثل ما كلف به بنو إسرائيل من قتل الأنفس وقطع موضع النجاسة من الجلد والثوب ، وخمسين صلاة في اليوم والليلة ، وصرف ربع المال للزكاة أو ما أصابهم من الشدائد والمحن.

وقوله : «رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ » تأكيد لما قبله ، وطلب للإعفاء من التكاليف الشاقة التي كلف بها الأمم السابقة ، لا طلب للإعفاء عن تكليف ما لا يتعلق به قدرة البشر أصلا ، فلا دلالة فيه على جواز التكليف بما لا يطاق ، الذي أنكره العدلية وجوزه الأشاعرة باعتبار أنه لو لم يجز لم يطلبوا الإعفاء عنه.

وقوله : إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ، معناه إلا من أكره على قبيح مثل كلمة الكفر وغيرها «وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ » غير متغير عن اعتقاد الحق ، وفيه دلالة على أنه لا إثم على المكره.

__________________

(١) سورة النحل : ١٩.

٣٩٠

٢ ـ الحسين بن محمد ، عن محمد بن أحمد النهدي رفعه ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وضع عن أمتي تسع خصال الخطأ والنسيان وما لا

لا يقال : الاستثناء من قوله تعالى «مَنْ كَفَرَ بِاللهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ » ومن شرطية محذوفة الجزاء ، أي فهو مفتر للكذب لا على أنه غير آثم؟

لأنا نقول : المستثنى منه في معرض الذم والوعيد ، وهما منفيان عن المكره بحكم الاستثناء ، فلا يكون المكره من أهل الذم والوعيد ، فلا يكون آثما.

الحديث الثاني : مرفوع.

« وما لا يعلمون » ظاهره معذورية الجاهل مطلقا ، ويدل عليه فحاوي كثير من الآيات والأخبار ، ولا يبعد العمل به إلا فيما أخرجه الدليل لكن أكثر الأصحاب اقتصروا في العمل به على مواضع مخصوصة ، ذكروها في كتب الفروع كالصلاة مع نجاسة الثوب والبدن ، أو موضع السجود ، أو في الثوب والمكان المغصوبين ، أو ترك الجهر والإخفات في موضعهما ، والنكاح في العدة وأمثالها ، ولو قيل : المراد عدم المؤاخذة لا عدم ترتب الأحكام ، فمع عدم التقصير في التفحص ظاهره العموم في جميع الموارد ، لكن ظاهر الوضع والرفع عدم ترتب الأحكام أيضا.

« وما اضطروا إليه » سواء كان سبب الاضطرار من قبل الله تعالى كما في أكل الميتة في المخمصة ، وشرب الماء النجس عند الاضطرار ، والتداوي بالحرام للمريض عند انحصار الدواء ، أو من قبل نفسه أو من الغير كمن جرح نفسه أو جرحه غيره في شهر رمضان ، واضطر إلى الإفطار ولكن في التداوي بالحرام لا سيما الخمر أخبار كثيرة بالمنع ، وكذا في شرب النبيذ والخمر عند الإكراه ، وسيأتي القول فيها في محله إن شاء الله.

وقد عرفت اختلاف الأخبار في التقية في البراءة عن أهل البيتعليهم‌السلام ووجه الجمع بينها ، وأما الطيرة فقال الجوهري : الطيرة مثال العنبة هي ما يتشأم به من الفال الرديء ، وفي الحديث أنه كان يحب الفال ويكره الطيرة وقال في النهاية فيه

٣٩١

يعلمون وما لا يطيقون وما اضطروا إليه وما استكرهوا عليه والطيرة والوسوسة

لاعدوى ولا طيرة بكسر الطاء وفتح الياء ، وقد تسكن هي التشؤم بالشيء وهو مصدر تطير يقال تطير طيرة وتخير خيرة ، ولم يجيء من المصادر هكذا غيرها ، وأصله فيما يقال التطير بالسوانح والبوارح من الطير والظباء ، وكان ذلك يصدهم عن مقاصدهم فنفاه الشرع وأبطله ونهى عنه ، وأخبر أنه ليس له تأثير في جلب نفع ودفع ضر.

وقد تكرر ذكرها في الحديث اسما وفعلا ، ومنه الحديث : ثلاث لا يسلم منها أحد الطيرة والحسد والظن ، قيل : فما نصنع؟ قال : إذا تطيرت فامض ، وإذا حسدت فلا تبغ ، وإذا ظننت فلا تحقق ، ومنه الحديث الآخر : الطيرة شرك وما منا إلا ولكن الله يذهبه بالتوكل.

هكذا جاء الحديث مقطوعا ولم يذكر المستثنى أي إلا وقد يعتريه التطير وتسبق قلبه الكراهة ، فحذف اختصارا واعتمادا على فهم السامع وإنما جعل الطيرة من الشرك لأنهم كانوا يعتقدون أن التطير يجلب لهم نفعا أو يدفع عنهم ضرا إذا عملوا بموجبه ، فكأنهم أشركوه مع الله تعالى في ذلك.

وقوله : ولكن الله يذهبه بالتوكل معناه أنه إذا خطر له عارض التطير فتوكل على الله تعالى وسلم إليه ولم بعمل بذلك الخاطر غفره الله تعالى ، ولم يؤاخذه به.

وقال في المصباح : تطير من الشيء وأطير منه والاسم الطيرة وزان عنبة وهي التشاؤم ، وكانت العرب إذا أرادت المضي لمهم مرت بمجاثم الطير وإثارتها لتستفيد هل تمضي أو ترجع ، فنهى الشارع عن ذلك وقال : لا هام ولا طيرة ، انتهى.

وأقول : إذا عرفت هذا فكون الطيرة موضوعة يحتمل وجوها :

الأول : وضع المؤاخذة والعقاب عن هذا الخطور ، فإنه لا يكاد يمكن رفعها عن النفس وكفارته أن لا يعمل بمقتضاها ويتوكل على الله تعالى ، ولذا قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

٣٩٢

في التفكر في الخلق والحسد ما لم يظهر بلسان أو يد.

إذا تطيرت فامض.

الثاني : رفع تأثيرها عن هذه الأمة ببركة ما وصل إليهم عن الرسول والأئمةعليهم‌السلام من عدم الاعتناء به ، والتوكل على الله والأدعية والأذكار الدافعة لذلك.

الثالث : أن المراد بوضعها رفعها والمنع عن العمل بها ، والرجز عنها كما فهمه صاحب النهاية وغيره ، فلا يكون على سياق سائر الفقرات ، والأظهر في هذا الخبر المعنى الأول.

وأما تأثيرها فالأخبار مختلفة في ذلك ، والذي يقتضيه الجمع بينها أن مع تأثر النفس بها قد يكون لها تأثير ومع عدم الاعتناء بها والتوكل على الله فلا تأثير لها.

« والوسوسة في التفكر » سيأتي إن شاء الله عن أبي عبد اللهعليه‌السلام : ثلاث لم ينج منها نبي فمن دونه : التفكر في الوسوسة في الخلق ، والطيرة والحسد إلا أن المؤمن لا يستعمل حسده.

وعلى التقديرين يحتمل هذه الفقرة وجوها :

الأول : أن يكون المراد وساوس الشيطان بسبب التفكر في أحوال الخلق ، وسوء الظن بهم بما يشاهد منهم ، فإن هذا شيء لا يمكن دفعه عن النفس ، لكن يجب عليه أن لا يحكم بهذا الظن ، ولا يظهره ولا يعمل بموجبه بالقدح فيهم ، ورد شهادتهم ونحو ذلك ، ويؤيده الخبر الذي رواه في النهاية ، حيث ذكر مكانها : الظن وقال : وإذا ظننت فلا تحقق أي لا تجزم.

وقال في النهاية أيضا فيه : إياكم والظن ، فإن الظن أكذب الحديث ، أراد الشك يعرض لك في شيء فتحققه وتحكم به ، وقيل : أراد إياكم وسوء الظن وتحقيقه دون مبادئ الظنون التي لا تملك وخواطر القلوب التي لا تدفع ومنه الحديث

٣٩٣

وإذا ظننت فلا تحقق.

الثاني : التفكر في الوساوس التي تحدث في النفس في مبدء خلق الأشياء ، وأن الله سبحانه من خلقه وكيف وجد وأين هو؟ مما لو تفوه به لكان كفرا وشركا ويؤيده الأخبار الكثيرة التي مضت في باب الوسوسة ، وحديث النفس ، وقد روت العامة في صحاحهم أنه سئل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الوسوسة؟ فقال : تلك محض الإيمان وفي رواية أخرى يأتي الشيطان أحدكم فيقول : من خلق كذا وكذا حتى يقول : من خلق ربك؟ فإذا بلغ ذلك فليستعذ بالله ولينته.

الثالث : أن يتفكر في القضاء والقدر ، وخلق أعمال العباد والحكمة في خلق بعض الشرور في العالم ، كخلق إبليس والمؤذيات ، وفي تمكين الأشرار على الأخيار وخلق الكفار وخلق جهنم وتأبيد الكفار فيها وغير ذلك مما لا يخلو أحد عنها وذلك كله معفو إذا لم يستقر في النفس ، ولم يحصل بسببه شك في حكمة الخالق وعدله ، وكون العباد غير مجبورين فيما كلفوا به أو بتركه ولعل الأول هنا أظهر وإن كان للثاني شواهد كثيرة.

وروى الصدوق (ره) في الخصال والتوحيد بسند صحيح عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : رفع عن أمتي تسعة : الخطأ والنسيان وما أكرهوا عليه وما لا يعلمون وما لا يطيقون وما اضطروا إليه والحسد والطيرة والتفكر في الوسوسة في الخلق ما لم ينطق بشفة ، والقيد بعدم النطق بالشفة لا ينافي شيئا من المعاني ، والحسد ما لم يظهر بلسان أو يد بدل على أن الحسد ليس معصية مع عدم الإظهار وهو خلاف المشهور ، ويؤيده قولهعليه‌السلام في خبر الروضة : لم يخل منها نبي فمن دونه وهو أنسب بسعة رحمة الله ، ونفي الحرج في الدين ، فإنه قل من يخلو عن ذلك ، فما ورد في ذم الحسد وعقوباته يمكن حمله على ما إذا كان مع الإظهار ، ويمكن أن يكون متعلقا بالوسوسة أيضا بل بالطيرة أيضا ، ويؤيده رواية الصدوق ، بل في

٣٩٤

باب

أن الإيمان لا يضر معه سيئة والكفر لا ينفع معه حسنة

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس ، عن يعقوب بن شعيب قال قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام هل لأحد على ما عمل ثواب على الله موجب إلا المؤمنين قال : لا.

رواية الصدوق أيضا يمكن تعلقه بالثلاثة.

ثم اعلم أن التسع المذكورة في هذا الخبر لا ينافي الأربع في الخبر السابق فإنهعليه‌السلام اكتفى فيه بالأهم أو المراد بالأول ما ورد في ظواهر الآيات رفعها ، مع أنه يمكن إدخال ما لم يذكر فيه فيما لا يطيقون على ما فسر به ، فإن التحرز عنها في غاية العسر والشدة.

باب

أن الإيمان لا يضر معه سيئة والكفر لا ينفع معه حسنة(١)

الحديث الأول : صحيح.

« على الله بوجوب » كذا في أكثر النسخ ، والوجوب بمعنى اللزوم لازم ، والأظهر « موجب » كما ينسب إلى بعض النسخ ، إلا أن يكون المفعول بمعنى الفاعل كما قيل في قوله تعالى : «حِجاباً مَسْتُوراً »(٢) قيل : أي ساترا نعم قال الفيروزآبادي : وجب عياله وفرسه عودهم أكلة واحدة ، وهو لا يناسب المقام إلا بتكليف شديد ، لكنه في كلام السائل ، والحاصل أنه هل أوجب الله ثوابا على نفسه بمقتضى وعده إلا للمؤمنين فإنه لا يجب على الله ثواب مع قطع النظر عن الوعد كما مر تحقيقه خلافا للمعتزلة ونادر من الإمامية.

فقالعليه‌السلام لا ، لأن الله تعالى وعد على العمل بشرائطه التي ثوابا فإذا

__________________

(١) هذا العنوان غير موجود في النسخ الموجودة عندنا من كتاب مرآة العقول.

(٢) سورة الإسراء : ٤٥.

٣٩٥

٢ ـ عنه ، عن يونس ، عن بعض أصحابه ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال موسى للخضرعليهما‌السلام قد تحرمت بصحبتك فأوصني قال له الزم ما لا يضرك معه شيء كما لا ينفعك مع غيره شيء.

٣ ـ عنه ، عن يونس ، عن ابن بكير ، عن أبي أمية يوسف بن ثابت قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول لا يضر مع الإيمان عمل ولا ينفع مع الكفر عمل ألا ترى أنه قال : «وَما مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَبِرَسُولِهِ

تحقق العمل مع شرائطه التي من جملتها الإيمان لزم الثواب وثبت ، وهذا معنى الوجوب على الله لأن خلف الوعد منه قبيح خلافا للأشاعرة ، فإنهم ذهبوا إلى أنه لا يجب على الله شيء ، وقالوا يجوز أن يعاقب المطيع ويثبت العاصي ، وهذا القول يبطل الوعد والوعيد.

الحديث الثاني : مرسل.

وضمير عنه راجع إلى محمد بن عيسى ، وكذا في الخبر الآتي « قد تحرمت بصحبتك » أي اكتسبت حرمة ، وحصلت لي بسبب مصاحبتك حرمة فلا تردني عن جواب ما أسألك عنه ، ولا تمنعني نصيحتك.

في القاموس : تحرم منه بحرمة تمنع وتحمى بذمة ، وفي الصحاح : الحرمة ما لا يحل انتهاكه وقد تحرم بصحبته.

« ألزم ما لا يضرك معه شيء » أي من المعاصي وهو الإيمان ، فالمراد بالضرر ما يصير سببا لدخول النار أو الخلود فيها « كما لا ينفعك » أي النفع الموجب لدخول الجنة ، والمراد بالشيء هيهنا العمل الصالح فلا ينافي ما ورد في الأخبار من معاقبة المؤمنين بالأعمال القبيحة وأثابه الكافرين في الدنيا بالعمل الصالح ، ويمكن تعميم نفي الضرر بحمل الإيمان على ما كان مع الإتيان بالفرائض وترك الكبائر ، فالمراد بعدم النفع عدم النفع الكامل.

الحديث الثالث : موثق كالصحيح.

«وَما مَنَعَهُمْ » الآية ، وما قبلها في سورة التوبة هكذا : «قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْماً فاسِقِينَ ، وَما مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقاتُهُمْ

٣٩٦

وماتوا وهم كافرون »(١) .

٤ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن ابن فضال ، عن ثعلبة ، عن أبي أمية يوسف بن ثابت بن أبي سعدة ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال الإيمان لا يضر معه عمل وكذلك الكفر لا ينفع معه عمل.

٥ ـ أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد عمن ذكره ، عن عبيد بن زرارة ، عن محمد بن مارد قال قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام حديث روي لنا أنك قلت إذا عرفت فاعمل ما شئت فقال قد قلت ذلك قال قلت وإن زنوا أو سرقوا أو شربوا الخمر فقال لي «إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ » والله ما أنصفونا أن نكون أخذنا

إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَبِرَسُولِهِ وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسالى وَلا يُنْفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كارِهُونَ ، فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كافِرُونَ » وقال بعد آيات كثيرة : «وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَماتُوا وَهُمْ كافِرُونَ » فلعلها كانت في قراءتهم هكذا ونقلعليه‌السلام بالمعنى لكون الآيات في وصف جماعة واحدة ، ولعل فيما ذكرهعليه‌السلام إشعارا بأنهم لو ماتوا على الإيمان تقبل منهم نفقاتهم في حال الكفر.

الحديث الرابع : مجهول وأبو سعيد إن كان القماط فالخبر موثق ، وقد مر الكلام فيه.

الحديث الخامس : مرسل.

وقوله : حديث ، مبتدأ و « روي » خبره ، و أنك بالفتح خبر محذوف أي هو أنك « وإن زانوا » إن وصلية بتقدير الاستفهام « إنا لله » إشارة إلى أن هذا الافتراء علينا بفهم هذا المعنى مصيبة عظيمة « أن نكون » أي في أن نكون ، والحاصل أن التكليف لم يوضع عنا فكيف وضع عنهم بسببنا أو إنا نخاف العقاب ونتوب ونتضرع إلى الله تعالى وهم آملون بسبب ولايتنا أن هذا ليس بإنصاف.

__________________

(١) سورة التوبة : ٥٤

٣٩٧

بالعمل ووضع عنهم إنما قلت إذا عرفت فاعمل ما شئت من قليل الخير وكثيره فإنه يقبل منك.

٦ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن محمد بن الريان بن الصلت رفعه ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال كان أمير المؤمنينعليه‌السلام كثيرا ما يقول في خطبته يا أيها الناس دينكم دينكم فإن السيئة فيه خير من الحسنة في غيره والسيئة فيه تغفر

ثم أفادعليه‌السلام إن غرضي من هذا الكلام اشتراط قبول العمل بالولاية لا سقوط التكليف أو العقاب رأسا عنهم.

الحديث السادس : مرفوع.

« دينكم » نصب على الإغراء أي ألزموا دينكم واحفظوه أو أكملوه والتكرير للتأكيد أو باعتبار اختلاف العامل « فإن السيئة فيه خير » لعل الخيرية باعتبار أن في السيئة التذاذا دنيويا مع الغفران ، وفي الحسنة تعبا دنيويا مع الخسران ، أو باعتبار أن الحسنة التي لا تقبل يعاقب عليها كالصلاة بغير وضوء ، وقيل : كلمة في في قوله « فيه » وفي غيره بمعنى مع ، أي المركب من السيئة ودين الحق خير من المركب من الحسنة ودين أهل الضلال ، و قوله : والسيئة فيه تغفر ، للترقي وللإشارة إلى أن السيئة في دين الحق لو لم تكن مغفورة وكانت الحسنة في دين الباطل مقبولة لكان المركب من السيئة والدين الصحيح أفضل من المركب من الحسنة والدين الباطل لأنه لا سيئة مثل الدين الباطل في العقاب ولا حسنة مثل الدين الحق في الثواب ، فكيف والسيئة في الدين القويم مغفورة ، والحسنة في الدين الفاسد غير مقبولة ، وقيل : فيه إشارة إلى أن السيئة من حيث هي سيئة ليست خيرا من الحسنة من حيث هي حسنة ، بل الخيرية وعدمها باعتبار المغفرة وعدم القبول وما ذكرنا لعله أظهر.

واتفق الفراغ من جمع هذه التعليقات مع كثرة الأشغال وهجوم الأمراض وتشتت

٣٩٨

والحسنة في غيره لا تقبل.

هذا آخر كتاب الإيمان والكفر والطاعات والمعاصي من كتاب الكافي

والحمد لله وحده وصلى الله على محمد وآله.

الأحوال بفضل الله تعالى في الثالث والعشرين من شهر صفر المظفر سنة ١١٠٩ والحمد لله أولا وآخرا ، والصلاة على سيد المرسلين محمد وعترته الأطهرين.

* * *

وقد اتفق الفراغ من تصحيحه والتعليق عليه في شهر ذي حجة الحرام في ليلة العرفة من سنة ١٣٩٨ ويليه الجزء الثاني عشر إن شاء الله تعالى وأوله « كتاب الدعاء » والحمد لله أوّلا وآخرا.

وأنا العبد المذنب الفاني

السيّد هاشم الرسولي المحلاتي

٣٩٩

الفهرست

رقم الصفحة

العنوان

عدد الأحاديث

١

باب الرواية على المؤمن

٣

٤

باب الشماتة

١

٤

باب السباب

٩

١٣

باب التهمة وسوء الظن

٣

١٩

باب من لم يناصح أخاه المؤمن

٦

٢١

باب خلف الوعد

٢

٤٥

باب من حجب أخاه المؤمن

٤

٤٩

باب من استعان به أخوه فلم يعنه

٤

٥١

باب من منع مؤمنا شيئا من عنده أو من عند غيره

٥

٥٤

باب من أخاف مؤمنا

٣

٥٥

باب النميمة

٣

٦٠

باب الإذاعة

١٢

٦٨

باب من أطاع المخلوق في معصية الخالق

٥

٧٠

باب في عقوبات المعاصي العاجلة

٢

٧٥

باب مجالسة أهل المعاصي

١٦

١٠٠

باب أصناف الناس

٣

١٠٨

باب الكفر

٢١

٤٠٠